الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية0%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد آصف المحسني
تصنيف: الصفحات: 341
المشاهدات: 89458
تحميل: 7098

توضيحات:

الفقه والمسائل الطبية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89458 / تحميل: 7098
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

خصوص رحمها، فلاحظ.

وفي رواية الدعائم: (... واشدّ الناس عذاباً يوم القيامة من أقرّ نطفته في رحمٍ محرّم عليه ).

وفي رواية الجعفريّات والدعائم، عن عليّ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( ما من ذنبٍ أعظم عند الله تبارك وتعالى بعد الشرك من نطفة حرام، وضعها في رحم لا تحل له ).

وقريبة منها رواية العوالي.

لاحظ كلّ هذه الروايات في ص٣٤٦ ج٢٠ من جامع الأحاديث.

أقول : الأحاديث كلّها ضعاف إسناداً، لكن إذا لوحظت مع المرتكز عند المتشرّعة، واستنكارهم للعمل المذكور، يكفي للحكم بالتحريم إنْ شاء الله تعالى.

وأمّا الثاني، فبيانه موقوف على ذكر الأقسام، فانّ إقرار منيّ الرجل إنْ لم يستلزم حملاً فلا بحث فيه ولا أثر له، سوى الحرمة التكليفيّة، والتعزير في الدنيا، واستحقاق العقاب في الآخرة، وإن استلزم الحمل، فالمرأة إمّا خليّة وإمّا مزوّجة، وعلى الثاني قد يشتبه الحمل بين كونه من ماء الزوج أو من ماء الأجنبي، وقد يعلم استناده إلى أحدهما.

فإذا علم استناد الولد إلى ماء الزوج، أو شكّ فيه واشتبه الحال، فالولد ولد الزوج بلا إشكال، ولا يُنسب إلى الأجنبي صاحب الماء، سواء نقل ماءه بطريق الزنا، أو بطريقٍ طبيٍّ في رحم المرأة، أمّا في فرض العِلم فواضح، وأمّا في صورة الشكّ ؛ فلقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الولد للفراش وللعاهر الحَجَر )(١) .

وأمّا إذا علم أنّ المولود من ماء الأجنبي - سواء بطريق الزنا أو غيره، وسواء

___________________

(١) الكافي ج٧ ص١٦٣، التهذيب ج٩ ص٣٤٦، جامع الأحاديث ج٢٤ ص٤٨٠.

١٠١

كانت المرأة خليّة أو متزوّجة، فهو ولد صاحب الماء وولد المرأة - سواء كانت زانيةً أم لا، سواء كانت متعمِّدةً في انتقال الماء إلى رحمها أو جاهلة أو مُكْرَهة - ويترتّب على الولد ووالديه جميع أحكام النسب، سوى حكم واحد في فرض الزنا، فإنّ ولد الزنا عند مشهور فقهائنا لا يرث ولا يورث مطلقاً(١) ، ومع عدم صدق الزنا لا مانع من التوارث أيضاً، وهذا هو الأظهر عندي.

وبالجملة : ولد الزنا وولد الحرام - كما في فرض نقل المنيّ بطريقٍ طبّيٍّ، وكما في وطء الزوجة الحائض والنفساء والمُحْرِمة بإحرام الحجّ والعمرة أو المعتكفة، وفي شهر رمضان وفي المسجد - ولد لصاحب الماء وللحامل الوالدة لغةً وعرفاً وطبّاً، ولم يثبت من الشريعة اصطلاح خاصّ في الأُبوّة والأُمومة والبنوّة مغايراً للعرف واللّغة، وإنّما الثابت منه عدم التوارث بين ولد الزنا والزاني والزانية.

وممّا يدلّ على ذلك: أنّه لا يُظنّ بفقيه يبيح تزويج ولد الزنا بأبيه الزاني، أو تزوّجه بأُمّه الزانية، بل لا يُظنّ بأحدٍ يفتي بصحّة زواجه مع أولادهما وأقربائهما. وما حُكي عن الشافعي من عدم تحريم البنت على أبيها الزاني واضح المنع.

واعلم أنّ المستفاد من كلام جمعٍ من فقهائنا بعد حرمة النكاح ولو عن نسب غير شرعي كالزنا بلا خلاف بينهم أنّهم لا يرون هذا النسب ثابتاً، وأورد الشهيد الثانيرحمه‌الله في مسالكه(٢) بأنّ المعتبر إنْ كان هو صدق الولد لغةً ؛ لزم ثبوت باقي الأحكام المترتّبة على الولد كإباحة النظر، وعتقه على القريب، وتحريم حليلته، وعدم القِوَد من الوالد بقلته ( وصلة الرحم وجواز الربا، على قول، والعقل ) وغير ذلك، وإنْ كان المعتبر لحوقه به شرعاً فاللاّزم انتفاء الجميع، فالتفصيل

___________________

(١) لاحظ كتاب الميراث في الكتب الفقهيّة.

(٢) لاحظ ص٢٠٦ وما بعدها ج٦٤ الفقه.

١٠٢

غير واضح.

وربّما أُجيب عنه: بأنّ حرمة النكاح خرجت للإجماع، وغيره بقي على أصلها، لكنّ الإجماع ممنوع، والحقّ ما عرفته، والاحتياط لا يخفى سبيله.

كلام حول حديث:

في صحيح الحلبي المرويّ في الكافي والتهذيبين(١) عن الصادقعليه‌السلام :

(أيّما رجل وقع على وليدة قوم حراماً، ثمّ اشتراها فادّعى ( ثمّ ادّعى - كا ) ولدها فإنّه لا يورث عنه شيء ؛ فإنّ رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله - قال:

( الولد للفراش وللعاهر الحَجَر، ولا يورث ولد الزنا إلاّ رجل يدّعى ابن وليدته، وأيّما رجل أقرّ بولده، ثمّ انتفى منه فليس ذلك له ولا كرامة، يلحق به ولده إذا كان من امرأته أو وليدته ). وللحديث أسانيد ضعيفة أُخرى.

أقول : ربّما يُظن أنّ ظاهر هذا الحديث، أنّ عدم الإيراث مستند إلى قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله الدال على نفي الوَلديّة والنسب، فهذا هو دليل مَن قال ببطلان النسب غير الشرعي مطلقاً.

وفيه: أنّ الإمامعليه‌السلام علّل عدم إرث الولد في فرض الفراش، والشكّ في نسبه إلى الحديث النبوي الدالّ على إلحاق الولد بالفراش في فرض تحقّقه، ولا يدلّ كلامهعليه‌السلام ولا الحديث النبوي على نفي نسب ولد الزنا عن الزاني في فرض عدم الفراش، أو في فرض العِلم بعدم كون الولد من نطفة الزوج أو المالك، وحصول اليقين بكونه من ماء الزاني. على أنّ هنا روايات معتبرة الأسانيد ؛ تدلّ على صحّة النسب المذكور في فرض عدم الفراش.

ففي صحيحة سليمان بن خالد، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام : ( قضى علي -عليه‌السلام -

___________________

(١) ص١٦٢ ج٧ الكافي، وص٣٦٤ ج٩ التهذيب، وص١٨٥ ج٤ الاستبصار، ولاحظ ج٢٤ ص٤٨٠ جامع الأحاديث، ولاحظ ص٧٤٣ الرؤية الإسلاميّة لبعض الممارسات الطبيّة آراء أهل السنّة في نسب ولد الزنا، وكذا في ص١٧٠ وص١٧١، الإنجاب في ضوء الإسلام.

١٠٣

في ثلاثةٍ وقعوا على امرأةٍ في طهرٍ واحدٍ، وذلك في الجاهليّة قبل أنْ يظهر الإسلام، فأقرع بينهم، فجعل الولد لمَن قرع، وجعل عليه ثُلثَي الديّة للآخرين ( للأخيرين - صا )، فضحك رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله - حتّى بدت نواجذه(١) ، قال: وما أعلم فيها شيئاً إلاّ ما قضى علي )(٢) .

وقريب منه صحيح أبي بصير عن الباقرعليه‌السلام ، وصحيح معاوية بن عمّار، وعن الصادقعليه‌السلام ، فإنّ هذا المعنى يُستفاد منهما(٣) ، وكذا صحيح الحلبي على المشهور(٤) .

وفي صحيح محمّد بن مسلم، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام (٥) قال:

( إذا وقع الحرُّ والعبدُ والمُشرك بامرأةٍ في طهرٍ واحدٍ، فادّعوا الولد ؛ أُقرع بينهم، فكان الولد للّذي يخرج سهمه )(٦) .

فهذه الروايات واضحة الدلالة في صحّة النسب من الزنا عند عدم الفراش، بل لو لم يكن إجماع أمكن أنْ يُقال بصحّة التوارث - أيضاً - في هذا الفرض - وهو فرض عدم الفراش، بل يمكن أن نستدلّ عليها - أي صحّه التوارث بصحيحي حنان عن الصادقعليه‌السلام أيضاً(٧) بعد حملهما على فرض عدم الفراش، وكون المرأة خليّة، فلاحظ وتأمّل.

ولاحظ صحيح محمّد بن قيس، فإنّه يخالف بقيّة الروايات(٨) .

___________________

(١) النواجذ: أقصى الأسنان، وهي: أربعة في أقصى الأسنان.

(٢) ص١١٦ ج ٢١ جامع الأحاديث.

(٣) ص١١٧ المصدر.

(٤) ص١٢١ المصدر.

(٥) ص١١٨ نفس المصدر.

(٦) ص٤٨١ ج٢٤ جامع الأحاديث.

(٧) نفس المصدر.

(٨) ص١٢٠ ج٢١ المصدر.

١٠٤

ثمّ إنّ الحديث النبويّ إنّما نفى الولد عن الزاني، وألحقه بصاحب الفراش، وأمّا الزانية فلم يتعرّض الحديث لنفي الولد عنها ؛ فهي أُمّه، وهذا شاهد آخر على ضعف قول مَن يُبطل النسب غير الشرعيّ من فقهائنا وفقهاء العامّة ؛ نعم لا توارث بينها وبينه لِما عرفت، فلا ملازمة بين النسب وعدم التوارث.

ثمّ إنّ نفي الولد عن الزاني، وإلحاقه بصاحب الفراش، إنّما هو في فرض الشكّ دون العلم بكونه مخلوقاً من ماء الزاني، كما ذكرنا سابقاً، وربّما تدلّ بعض كلمات أهل السنّة على الإلحاق، حتّى في فرض العلم، وأنّ سبيل نفيه عنه هو اللّعان فقط، لكنّه ضعيف جدّاً ؛ فإنّه مخالف بسيرة العقلاء، والطبائع الإنسانيّة، وظلم على الزوج، وإحقاق باطل، كما لا يخفى، ويؤكِّده عدم نفي الولد عن الزانية ؛ للعلم بكون الولد من بييضتها، ونفيه عن الزاني لا مطلقاً بل في صورة وجود الفراش، وهو فرض الشكّ في كون الولد منه، أو من صاحب الفراش.

فروع:

١ - لو مات أحد الزوجين وكان له ولد عن زنى، فهل للآخر نصيبه الأعلى أو الأدنى ؟

فإن قلنا ببطلان النسب فالنصيب الأعلى، وإن قلنا بصحّته فالنصيب الأدنى، إذْ لم يقيّد الولد في لسان الأدلّة بكونه يستحق الإرث.

هذا هو مقتضى القاعدة، ولم أقف عاجلاً على بحثٍ لأحدٍ حول الموضوع.

٢ - لو كان الزنا من الرجل فقط كما في فرض إغمائها، أو نومها وإكراهها وقهرها، وأمثال ذلك، فلا يبعد جريان التوارث بين الولد وأُمّه، فلاحظ وتأمّل.

وإمّا إذا كان الولد عن شبهةٍ، فالنّسبُ ثابتٌ إجماعاً بقسميه عليه، كما في الجواهر.

٣ - تقدّم في المسألة المتقدّمة أنّ نفي التوارث يختصّ بالزنا دون نقل الماء إلى الرحم - بطريقٍ طبّيٍّ غير الزنا - وإن كان النقل محرّماً.

١٠٥

المسألة العاشرة

بنوك الألبان

البنك يقوم بجمع لبن الأُمّهات عن طريق التبرّع، أو البيع، ثمّ تبريده وحفظه في ثلاجات لمدّة ثلاثة أشهر، أو تجفيفه وإعطائه للأطفال المحتاجين للرضاعة الطبيعية.

والأسئلة المتعلِّقة به أربعة:

١ - ماذا يحدث إذا رضع طفل وطفلة من هذا اللبن ثمّ كبرا وأرادا التزاوج، فهل تقف مسألة ( الأُمّهات في الرضاعة ) عقبةً في زواجهما ؟

٢ - إذا كانت في الأُمّهات التي تُجمع ألبانهنّ، الكافرات، فألبانهنّ نجسة، حتّى من الكتابيّات عند المشهور من فقهاء الأماميّة، فهل يجوز لأولياء الأطفال سقيهم الحليب النجس ؟

٣ - أعلن علماء الاجتماع أنّه لو تحقّق هذا المشروع، وشرب الجيل الجديد لبن تلك النساء مجفّفاً أو معقّماً، فإنّه سيخرج إلى الدنيا جيل فاسد، لا ندري كيف نسوّيه ونضبط اتصالاته وسلوكيّاته(١) ، فهل الخوف على المفاسد الأخلاقيّة لا يوجب تحريم المشروع المذكور ؟

٤ - ادّعى بعضٌ: أنّ الإرضاع بهذه الطريقة، له مضارّ أكثر عن نفعه عند الأطبّاء(٢) .

أقول : أمّا السؤال الأوّل فجوابه أنّه لا عقبة - في زواجهما حتّى وإنْ

___________________

(١) ص٤٦٢ الإنجاب في ضوء الإسلام.

(٢) ص٤٦٣ نفس المصدر.

١٠٦

علما - على فرضٍ بعيدٍ موهومٍ - أنّهما شربا من لبن امرأةٍ واحدة، عند المشهور من فقهاء الإماميّة، فإنّهم اعتبروا الامتصاص من الثدي شرطاً في التحريم، وعن مستند النراقيرحمه‌الله في ضمن الشروط: أنْ يرتضع من الثدي، فلو وجر في حلقه، أو احتقن أو أكله جبناً لم ينشر الحرمة على المشهور بين الأصحاب(١) ، بل ظاهر التذكرة الإجماع عليه(٢) ، وعن المسالك لا نعلم فيه خلافاً لأحد من أصحابنا إلاّ ابن الجنيد(٣) .

أقول : لكن نقل عن الشيخرحمه‌الله في مواضع من مبسوطه خلاف المشهور(٤) ، وعن المفاتيح وشرحها اختياره(٥) .

ثمّ دليل المشهور أمران:

أوّلهما : عدم صدق مفهوم الرضاع والإرضاع والارتضاع بالوجور ومن الكأس، ولذا لا يصدق على مَن شرب لبن البقر من الكوب - مثلاً - أنّه ارتضع من البقر !

بل يقول الفقيه المتتبّع الماهر، صاحب الجواهررحمه‌الله :

بل لا يبعد أنْ يكون في حكم وجور الحليب الوجور من الثدي، فإنّ المعتبر هو ما كان بالتقامه الثدي وامتصاصه، كما صرّح به في كشف اللثام، بل قد يشكّ في جريان حكمه بالامتصاص من غير رأس الثدي، فضلاً عن الامتصاص من غير الثدي كثقبٍ ونحوه، بل وفي جذب الصبي اللبن من الثدي بغير الفم، فتأمّل(٦) .

___________________

(١) جواهر الكلام ج ٢٩ ص ٢٩٤.

(٢) الفقه ج ٦٤ ص ٢٩٢.

(٣) جواهر الكلام ج ٢٩ ص ٢٩٤.

(٤) نفس المصدر.

(٥) الفقه ج ٦٤ ص ٢٩٢.

(٦) جواهر الكلام ج ٢٩ ص ٢٩٤.

١٠٧

ثانيهما : صحيح الحلبي المرويّ في الكافي ( ج٥ ص٤٤٥ ) عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:

( جاء رجلٌ إلى أمير المؤمنين، فقال: إنّ امرأتي حلبت من لبنها في مكوك - أي طاس يُشرب به -فاسقته جاريتي، فقال: أوجع امرأتك وعليك بجاريتك، وهو هكذا في قضاء علي-عليه‌السلام -)(١) .

أقول : الاستدلال بالحديث على المقام، موقوف على أنّ الجارية كان عمرها ما دون الحولين، وهو غير ثابت، بل ربما يشعر قولهعليه‌السلام : ( عليك بجاريتك ) بكبرها، وإيجاع المرأة من جهة قصدها تحريم الجارية على زوجها ؛ فالعمدة في إثبات فتوى المشهور هو مفهوم الرضاع الوارد في القرآن(٢) والحديث، فإنّه إلقام الثدي والتقامه، وتناول ما ينزل من الثدي كما قيل.

وعن جمهور فقهاء أهل السنّة ومنهم: أبو حنيفة ومالك والشافعي: أنّ الرضاع المحرِم ( بكسر الراء ) كلّ ما يصل إلى جوف الصبي عن طريق حلقه مثل الوجور، بل ألحقوا به السعوط، وهو أنْ يصيب اللبن في أنفه، بل بالغ بعضهم فألحق الحقنة عن طريق الدبر بالوجور والسعوط.

وعن جماعة من أهل السنّة، الوقوف على مفهوم الرضاع كما هو مذهب مشهور فقهائنا الإماميّة(٣) .

ودليل هؤلاء الذين أهملوا عنوان الرضاع من جمهور أهل السنّة، وبعض علماء الشيعة: أنّ الغاية المطلوبة هي إنبات اللحم وشدّ العظم، وهي تحصل بغير المصّ أيضاً.

___________________

(١) ص٤١٢ ج٢٢ جامع الأحاديث.

(٢) النساء آية ٢٣.

(٣) ص٥١ وص٥٢، الإنجاب في ضوء الإسلام.

١٠٨

وأورد عليه بعض أهل السنّة: بأنّه لو كانت العلّة هي إنشاز العظم، وإنبات اللحم بأي شيءٍ كان، لوجب أنّ نقول اليوم بأنّ نقل دم امرأة إلى طفل يحرمها عليه ويجعلها أُمّه ؛ لأنّ التغذي بالدم في العروق أسرع وأقوى تأثيراً من اللبن.

أقول : وإنْ قيل: إنّ العلة الإنبات والإنشاز باللبن فقط ؛ نقول له: فَلِمَ لا تقول باللبن من طريق الامتصاص، حتّى وافق قولك القرآن ؟!

وأمّا السؤال الثاني، فالظاهر جواز سقي الحليب النجس للأطفال، ففي معتبرة عبد الرحمان، قال:

سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام : هل يصلح للرجل أنْ ترضع له اليهوديّة والنصرانيّة والمشرِكة ؟

قال: ( لا بأس. وقال: امنعوهنّ من شرب الخمر )(١) .

وأمّا السؤال الثالث، فهو لا يوجب الحرمة الشرعيّة إلاّ في بعض الصور الخطرة وهو غير ثابت، نعم لا ينبغي الشكّ في حسن الاجتناب عن لبن غير الأُمّ، ثمّ عن لبن غير العاقلات الصالحات، وقد نبّه عليه الفقهاء في كتاب النكاح.

وأمّا السؤال الرابع، فإن أثبت الطبُّ مضارّ مهمّة لصحّة الطفل، فيمكن القول بمنع المشروع المذكور وإلاّ فلا.

___________________

(١) ص٣٩٨ ج٢١ جامع أحاديث الشيعة، وبهذا أخذت تشريعات الأحوال الشخصيّة الأخيرة في مصر، وأقرّه مجمع البحوث الإسلاميّة منذ أكثر من عشر سنين، كما في ص١٠٨ الإنجاب في ضوء الإسلام.

١٠٩

المسألة الحادية عشرة

معرفة جنس الجنين

لم يثبت في القرآن والسنّة المعتبرة أنّ الإنسان لا يمكن معرفته بجنس الجنين، وأنّ غير الله سبحانه لا يعلم ما في الأرحام.

نعم تخيّل جماعة من أهل العلم أنّ قوله تعالى:

( إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ) ( لقمان ٣٤ )، يدلّ على نفي علم غيره تعالى بهذه الأُمور الخمسة، ولكنّه تخيّلٌ واهٍ، إذ لا يُستفاد الحصر منه، وإثبات شيءٍ لشيءٍ لا يوجب نفيه عمّا عداه كما اشتهر - نعم ثبت أنّ علم الساعة خاصّ به تعالى - وأمّا أنّه لا يعلم ما في الأرحام غيرُه تعالى فهو دعوى جُزافيّة. وكذا لا يدلّ على حصره به تعالى قوله تعالى:

( اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ ) (الرعد ٨ ).

وأمّا الروايات الواردة حول الآية الأُولى النافية، لعلم غيره تعالى بما ذكر فيها من الأُمور الخمسة(١) فلم تصحّ سنداً.

فمَن أخبر اليوم بأنّ الجنين ذكر أو أُنثى لم يخالف الدين، ولا داعي لتكذيبه، بل الطبّ اليوم قادر على معرفة ذلك في الجملة، والله تعالى هو الذي علّم الإنسان ذلك.

___________________

(١) بحار الأنوار، المجلّد ٧ ص ٣٠٠، صراط الحق ج ٣ ص ٣٨٣.

١١٠

يقول بعض الأطبّاء: هناك إنجازان عمليّان، وهما:

١ - معرفة جنس الجنين بشفط بعض من السائل المحيط به بواسطة إبرة من الرحم، وفيه بعض خلايا الجنين منفوضة عن سطح جسمه، وبفحص هذه الخلايا يُعرف جنس الجنين.

٢ - اكتشاف الاختلاف بين المنويّ المُفْضِي للذكورة، والمنويّ المُفْضِي للأُنوثة في طائفة من الصفات: كالكتلة، والسرعة، والقدرة على اختراق المخاط اللزج في قناة عنق الرحم، والاستجابة للتفاعل الكيميائي لمخاط عنق الرحم وغير ذلك.

وقد تمّ هذا في النطاق الحيواني، ويطبّق في صناعة تربية الحيوان، وذلك بتحضير كمّيّةٍ كبيرةٍ من السائل المنويّ، تجمع من عددٍ كبيرٍ من الفحول، أمكن فصلها لقسمين، أحدهما: ترجّح فيه المنويّات المُفْضِية إلى الأُنوثة، والآخر: ترجّح فيه المنويّات المُفْضِية إلى الأُنوثة(١) .

أقول : واليوم يخبر الأطبّاء بوسيلة التلفزيون الحاملات عن جنس حملهنّ.

___________________

(١) ص٣٧، الإنجاب في ضوء الإسلام.

١١١

المسألة الثانية عشرة

التحكّم في جنس الجنين

هل يجوز للوالدين اختيار جنسٍ للجنين على جنسٍ آخر إذا أمكن ذلك طباً ؟ إمّا خارج الرحم وقبل انعقاد النطفة كما إذا عولج ماء الزوجين ثمّ يدخل رحمها أو بأشكال آخر ؟ إمّا داخل الرحم(١) إذا لم يستلزم محرماً آخر من المسّ والنظر المحرّمين ؟(٢) .

قد يُقال بحرمة التحكّم المذكور فإنّه مناقض لروح الإسلام ولروح العدالة الإلهيّة، وقيل: إنّه من الوأد، وقيل: إنّه تدخّل في مشيئة الله، وقيل: إنّه مخالف لقوله تعالى:( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ ) ( الشورى ٤٩ ).

كلّ ذلك غلط وتوهّم بل واضح الضعف، فلا نشتغل بردّه.

والعمدة في المنع في المقام وغيره، هو قوله تعالى حكايةً عن الشيطان - لعنه الله -:

( وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الأَنْعَامِ وَلآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا ) ( النساء ١١٩ ).

___________________

(١) قيل ليس من الممكن تغيير جنس المبيض داخل الرحم ؛ لأنّ التحام حيوان منويّ بييضة أنهى الموضوع وختمه،أقول : العلم في تطوّر، وليس من حقّ الطبيب وغيره الحكم بالاستحالة وعدم الإمكان، والعلم إنّما يصلح للإخبار عن الوقوع وعدم الوقوع حسب الظروف فلاحظ.

(٢) مجرّد علاقة أحد الزوجين بجنسٍ خاصٍّ لا يبيح له وللطبيب النظر واللّمس المحرّمين.

١١٢

قال الطبرسيرحمه‌الله في مجمع البيان: أي لآمرنّهم بتغيير خلق الله فليغيّرنّه، واختُلف في معناه، فقيل: يريد دين الله وأمره، عن ابن عبّاس، وإبراهيم، ومجاهد، والحسن، وقتادة، وجماعة، وهو المرويّ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، ويؤيّده قوله تعالى:

( فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ) (١) ، وأراد بذلك تحريم الحلال وتحليل الحرام.

وقيل: أراد معنى الخصاء عن... عن ابن عبّاس... وقيل: إنّه الوشم، عن ابن مسعود، وقيل: إنّه أراد الشمس والقمر والحجارة، عدلوا عن الانتفاع بها إلى عبادتها، عن الزجّاج، انتهى(٢) .

أقول : الأخير خلاف الظاهر جدّاً أو غلط، فإنّ العدول عن الانتفاع الصحيح بمخلوق ليس تغييراً له، وأمّا القولان الوسطان فهما أيضاً ضعيفان ؛ لأنّهما من التقييد من دون مقيّد.

وعلى الجملة: إنْ أُريد من تغيير الخلق - الذي هو بمعنى المخلوق، ضرورة عدم قدرة البشر على تغيير الخلق بمعنى المصدر، والله غالب على أمره - مطلقه، لزم تخصيص الأكثر المستهجن جدّاً لجواز تغيير أكثر المخلوقات من النبات والجماد والحيوان، بل الإنسان(٣) - وإنْ شئت فقل: إنّ حياة الإنسان وحوائجه الأوّليّة موقوفة على تغيير المخلوقات، حتّى لا يمكن أكله من دون تغيير، وكلّ ذلك جائز بالضرورة الدينيّة - وإنْ أُريد بعضه فلابُدّ

___________________

(١) الروم آية ٣٠.

(٢) مجمع البيان، في تفسير سورة الروم آية ٣٠.

(٣) يجوز كثير من العمليّات الطبيّة وغير الطبيّة في حقّه، وجواز إزالة شعره سوى اللّحية وغير ذلك.

١١٣

لاثباته من دليل معتبر وهو مفقود، مع لزوم استهجان تقييد الأكثر تخصيصه كما قرر في أُصول الفقه.

وأمّا الوجه الأوّل، فلا يترتّب عليه محذور أصلاً، سوى أنّه مخالف لظاهر الكلمة، وأنّ حمل الخلق على الدين محتاج إلى دليل مفقود، واستعماله فيه إنّ صحّ في قوله:( لا تبديل لخلق الله ) لا يوجب صحّته في المقام وغيره من غير دليل ؛ نعم يمكن أن يُقال: إنّ قوله تعالى:( فَلَيُبَتّكُنَّ آذان الأنعام ) ، سواء كان التبتيك بمعنى التشقيق أو القطع، قرينة على أنّ المراد بالخلق الدين، فإنّه من تغيير الخلق، ولا معنى بعنوانه في مقابله إذا أُريد بالخلق المخلوق التكويني.

ويدلّ على تفسير الخلق بالدين حديثان مذكوران في بحار الأنوار ص٢٢١ وما بعدها ج٦٤ نسخة الكومبيوتر، لكنّ سندهما ضعيف، فلا اعتماد عليهما.

ويُحتمل أنْ يُراد بتغيير الخلق مطلقه بغرض تحريم الحلال، ويؤكِّده أنّ تبتيك غير محرّم بعنوانه، وليس من الشيطان إلاّ بقصد تحريم الحلال، كما كان أهل الجاهليّة يفعلونه، وعليه فيقرب القولان في تفسير الآية، وهذا عندي أحسن الأقوال، فإنْ تمّ فهو، وإلاّ فلا بُدّ من الحكم بدخول الآية في المتشابِهات.

والمتحصّل من جميع ما مرّ: جواز التحكّم في جنس الجنين في حدّ نفسه، ما لم يستلزم محرّماً آخر، اعتماد على أصالة البراءة، نعم إذا فرضنا أنّه ينجرّ إلى الاختلال بالتوازن العام الموجود بين الجنسين فنحكم بحرمته ؛ فإنّه يترتّب عليه مفاسد كما لا يخفى.

١١٤

تفصيل وتوضيح

قال بعض الأطبّاء: إنّ نسبة الجنسيّة الأوّليّة عند بدء الإخصاب، عندما يكون الجنين خليّةً واحدةً بالتحام المنويّ ببويضته، الإحصاء ١٣٠ من الذكور لكل ١٠٠ من الإناث، وفي فترة الحمل يكون المُجهَض تلقائيّاً من الذكور أكثر من المجهَض تلقائيّاً من الإناث، فعند الميلاد وفي إحصائيّات العالم ككل، تكون النسبة مئة وستّة من الذكور لكلّ مئة من الإناث ؛ ذلك أنّ الهالك الذكري، في فترة الحمل، أكثر بكثير من الهالك الأُنثوي، على مستوى العالم...

وفي نهاية السنة الأُولى من العمر تكون النسبة ١٠٣ من الذكور لكلّ ١٠٠ من الإناث ؛ وذلك أنّ معدّل وفيّات العام الأوّل من الذكور تزيد قليلاً على معدّلاتها من الإناث، وعند سنّ البلوغ فما بعدها، تكاد النسبة تتساوى بينهما، حتّى تميل إلى جانب الإناث مرّة أُخرى عند الوفاة(١) .

ويقول طبيبٌ آخر: إنّ دوائر الإحصاء في أمريكا - مثلاً - أخذت ونشرت في وثائق رسميّة دوليّة أنّ النساء يلدن كثرةً من الذكور بعد كلّ حرب(٢) ؛ لأنّ الحرب تحصد الرجال غالباً، ولا يلدن الإناث إلاّ قليلاً، وهناك توازن وتعادل في كلّ شيءٍ وحتّى في الجمادات: الذهب والفضّة والطين والحجر...(٣) ، وقد يُقال: إنّه في بعض البلاد الإناث أكثر ولادةً من الذكور، وفي

___________________

(١) ص١٠٦ وص١٠٧، الإنجاب في ضوء الإسلام.

(٢) الدعوى محتاجة إلى إراءة دليل مقنع.

(٣) المصدر ص ١٠١.

١١٥

البلاد التي تزيد نسبة ولادة الذكور، ت-نقلب النسبة المذكورة في سنين الزواج، فيقلّ عدد الذكور من عدد الإناث.

ويقول اشلي مونتاغون في كتابه ( المرأة الجنس الأفضل ):

إنّ عدد الإناث الصالحات للتزويج يزيد عدد الذكور الصالحين للتزويج في جميع أرجاء العالم أبداً.

وكتب باحثٌ أنّ في بريطانيا تزيد النساء على الرجال بمليونين.

ولزيادة الإناث شواهد أُخرى.

وهذا هو فلسفة تشريع تعدّد الزوجات في شريعة الإسلام.

١١٦

المسألة الثالثة عشرة

تغيير الجنس

عمليّات تغيير الجنس تجري الآن في الغرب في مراكز كثيرة كعمليّة روتينيّة، سواء كان تحويل الذكر إلى أُنثى أو العكس، وفي الأوّل يجري: استئصال العضو الذكري، وبناء مهبل، وعملية إخصاء، وتكبير الثديين، وفي الحالة الثانية: استئصال الثديين، وبناء عضو ذكري، وإلغاء القناة التناسليّة الأُنثويّة بدرجات متفاوتة، ويصحب كلّ ذلك علاج نفسي وهرموني.

وهؤلاء المرضى يشعرون بكراهية للجنس الذي ولدوا عليه، نتيجةً لعوامل مختلفة، وقد يعود أغلبها إلى فترات مبكِّرة في حياة الإنسان، وتربية غير سليمة، وهم لا يوجد أي لبس في تحديد جنسهم، سواء مظهريّاً أو غيره عند الولادة ( كحالات خنثى غير الكاملة ).

وكثير منهم يقوم بدوره كاملاً، ويتزوّج وينجب على حالته التي خلقه الله سبحانه وتعالى عليها، ثمّ ينتاب هؤلاء المرضى شعوراً يأخذ بالطغيان، وطالما كان مكبوتاً لرغبةٍ في التخلّي عن جنسه الطبيعي، هكذا قال بعض الأطبّاء.

أقول : ربّما يُدّعى أنّه في تغيير الجنس يبقى الجنس هو الجنس، وإنّما يتغيّر الشكل فقط.

وعلى كلٍّ، الكلام تارةً في حكمه التكليفي وأنّه جائز أو حرام، واُخرى في حكمه الوضعي، وما يترتّب على الفرد بعد العمليّة وتغيير الجنس.

أمّا الأوّل، فعمدة ما يحرِّم العمل المذكور هو لمس العورة والبدن والنظر إليهما، فإنّهما حرامان على الفاعل والمفعول، نعم إذا كان الطبيب

١١٧

وطالبة التغيير - أو الطبيبة وطالبه - زوجان وان عقد أحدهما على الآخر بالفعل للعمليّة المذكورة ففي جواز العمل بحث، لبطلان الزوجيّة بمجرّد خروج أحد الزوجين عن جنسه، فالعمليّة المذكورة إنّما تجوز لهما ما لم يبطل عقد الزواج وبعده تحرم ؛ لأنّهما أجنبيّان.

ولا مانع عنها مع الغضّ عن حرمة اللمس والنظر بعدما سبق الكلام حول قوله تعالى:( فَلَيُغيَرنّ خلق الله ) ، إلاّ إذا كثرت العمليات حتّى يقرب من الاختلال بالتوازن العام بين الجنسين.

وأمّا الثاني، فإن تمّ تغيير الجنس نفساً وعضواً بشكلٍ كامل، فلا إشكال في ترتّب الأحكام المتعلِّقة بالجنس الفعلي على الفرد المذكور، ويبطل زواجه السابق، ويجوز له الزواج بالجنس المخالِف بالفعل، وهكذا في سائر الأحكام، فإنّ الأحكام تابعة لموضوعاتها حدوثاً وبقاءً، ولا يجب حفظ الموضوعات لحفظ الأحكام إلاّ فيما دلّ الدليل الخاصّ عليه.

وأمّا إذا تغيّر أكثر الأعضاء، وبقي بعضها الآخر، أو تغيّر كلّ الأعضاء وبقيت الخواص النفسيّة، والتمايلات الجنسية السابقة، ففي ترتيب الأحكام المتعلّقة بالجنسيّة الجديدة عليه نظر، كما يشكل حينئذٍ ترتيب الأحكام المترتّبة على الجنسيّة السابقة عليه أيضاً.

وبالجملة: حيث لا ضابط دقيق لنا يفترق به المذكّر عن المؤنّت بصورةٍ واضحةٍ، فلا بُدّ من اليقين بصيرورة أحد، من أحد الجنسين، جنساً آخر، في ترتيب الأحكام عليه وفي فرض الشكّ لا بُدّ من الاحتياط، كما يحتاط في الخنثى المشكلة - إن ثبتت - ونفينا كونه جنساً ثالثاً، وملاك وجوب هذا الاحتياط هو العلم الإجمالي بكون الفرد ذكراً أو أُنثى على ما تقرّر في أُصول الفقه.

ولاحظ ما يأتي حول الخنثى في المسألة الثلاثين، فإنّه ينفعك في المقام.

١١٨

المسألة الرابعة عشرة

الإنجاب بلا زواج

يقول بعض الأطبّاء حول الاستنساخ والنسخ ( COLONING )

تمهيد:

١ - في نواة كلّ خليّةٍ إنسانيّةٍ ستّة وأربعون جسماً صبغيّاً، هي التي تحمل مجموع الصفات الحيويّة لكلّ فردٍ إنسانيّ.

٢ - كلّ خليّةٍ إنسانيّةٍ تنقسم، تعطي اثنتين على ذات الهيئة وعلى الستّة والأربعين جسماً صبغيّاً.. ويتوالى الانقسام إلى أجيال من الخلايا المثيلة.

٣ - يُستثنى من ذلك الخليّة المنويّة الناضجة.. وخليّة البويضة الناضجة.. ففي كلّ منهما ثلاثة وعشرون جسماً صبغيّاً فقط.. فهذا استثناء من القاعدة العامّة.. فإذا التقيا فالتحما كانت منهما خليّة البيضة.. أُولى مراحل الإنسان، وبها إذن، ستة وأربعون جسماً صبغيّاً...

٤ - وتشذّ ( البيضة ) كذلك عن سائر الخلايا، في أنّها إن شرعت في الانقسام لم تنتج أجيالاً من الخلايا المثيلة.. بل أجيالاً من الخلايا المختلفة، لا إلى تكوين بلايين من الخلايا المتشابهة، ولكن إلى التخلّق والنّماء لتكوين إنسانٍ جديد.

مثال توضيحي:

١- لو أخذنا خليّةً من جلد ضفدع - مثلاً - ووضعناها في البيئة الغذائيّة

١١٩

المناسبة فسيتوالى انقسامها لتعطي ملايين من خلايا الجلد.

٢- ولكن لو أخذنا خليّةً منويّةً وخليّةً بويضيّةً للضفدع والضفدعة قد دمجناهما، فإن الانقسامات لن تفضي إلى خلايا متشابهة، ولكن إلى ضفدع.

الجديد العلمي:

لو أخذنا خليّةً من جلد ضفدع وحصلنا منها على نواتها، وأخذنا خليّة بويضة ونزعنا منها نواتها ورميناها، ثمّ أودعنا نواة خليّة الجلد في سائل خليّة البويضة ؛ فإنّ الخليّة الجديدة ( نواة خليّة جلديّة في سائل خليّة بويضيّة ) تشرع في الانقسام، مفضية إلى ضفدع، هو صورة وراثيّة طبق الأصل من الضفدع الأصيل..

الإنجاز العلمي إذن:

١- إنجاب بغير تزاوج ذكرٍ وأُنثى.

٢- الحصول على نسخة طبق الأصل، وقابلة للتكرار بأي عدد من الضفدع الأصل.

القضيّة المطروحة:

تمّ ذلك في الضفدع.

من الناحية النظريّة ستتّسع دائرة التطبيق، فماذا لو أمكن ذلك في الإنسان ؟

١٢٠