الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية16%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92424 / تحميل: 7842
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الفقه والمسائل الطبية

الشيخ محمد آصف المحسني

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

الفِقهُ

والمَسائِل الطِبّيّة

بقلم

سماحة آية الله

الشيخ محمد آصف المحسني

٣

٤

يقول الدكتور الكسيس كاريل، المتوفّى ١٩٤٤:

إنّ علوم التشريح والفسيولوجيا والكيمياء والنفس والاجتماع، وغيرها من العلوم، لم تعطنا نتائج قطعيّة في ميادينها عن ماهيّة الإنسان، وإنّ الإنسان، الذي يعرفه العلماء، ليس إلاّ إنساناً بعيداً جدّاً عن الإنسان الحقيقي.

فالإنسان كائنٌ مجهولٌ لنفسه، وسيظلّ جهلنا به إلى الأبد.

٥

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحَمدُ لله رَبِّ العالمين، مُنزل الوَحي على المرسلين، والصلاة على محمّدٍ وآلهِ خَير الخَلق أجمعين، والسلام على جميعِ عبادِ الله الصالحين، لاسِيّما عَلى الشُهداء والعلماء المُجْتَهدين.

أمّا بعد، إنّ المنظّمة الإسلاميّة للعلوم الطبيّة في الكويت عقدت ندوات علميّة، دعت فيها الأطباء، وأهل العلم ممّن لهم معلومات فقهيّة، فعنون الأطبّاء المسائل الطبيّة المستجدّة، وذكر أهل العلم أحكامها الشرعية، من وجهة نظرهم، أو نظر المذاهب الأربعة غالباً(١) ، ثمّ تصدّت المنظّمة لطبع ما دارت في تلك الندوات العلميّة المفيدة المباركة في سبعة أجزاء باسم:

( الإسلام والمشكلات الطبيّة المعاصرة ) على نحو ما يلي:

___________________

(١) ابتداءً من ١١ شعبان ١٤٠٣ ه- الموافق ٢٤ مايو ١٩٨٣ م، وانتهاءً بأواخر جمادى الآخرة ١٤١٤، الموافق ديسمبر ١٩٩٣ م.

٧

أوّلاً : الإنجاب في ضوء الإسلام.

ثانياً : الحياة الإنسانية، بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي.

ثالثاً : الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبّيّة.

رابعاً :... لم أجده.

خامساً :... لم أجده.

سادساً : رؤية إسلامية لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

سابعاً : رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز.

فشكراً كثيراً: للأطباء المتديّنين، ولأهل العلم المتفقّهين، والمخلصين القائمين بأعمال الثبت والطبع، والله يُحبُّ المحسنين، كما أشكر ولدي، مسؤول سفارة الجمهورية الإسلامية الأفغانية في الكويت، واعظ زاده - وهو من أعضاء الحركة الإسلامية الأفغانية - حيث أهدى إليّ هذه الأجزاء، سوى الرابع والخامس حيث لم يوجدا.

فقصدت بفضل الله وعونه أنْ أنقل منهما بعض المطالب(١) ، ثمّ أذكر الحكم الفقهي من الفقه الجعفري، بحسب اجتهادي، فإنْ أصبت فهو من فضل ربي، وإنْ أخطأت فهو من قصوري أو من تقصيري، وأسأل الله - تبارك وتعالى - أنْ يجعله نافعاً لإخواني من أهل العلم، ولجميع المؤمنين، وأنْ يتقبّله منّي بكرمه السابق، وفضله الواسع.

___________________

(١) من غير التزام بمراعاة ترتيب مطالب تلك الأجزاء في كتابي هذا ؛ كما تعلمون فيما بعد.

٨

المسألة الأُولى

حُكمُ التداوي في الفقه

جواز التداوي من الواضحات التي تسالم الكلّ عليه. وفي موثّقة الحسين بن علوان، المروي في قرب الإسناد عن جعفر، عن أبيه، عن جابر، قال: قيل يارسول الله، أنتداوى ؟

قال: ( نعم، فتداووا فإنّ الله لم يُنزل داءً إلاّ وقد أنزل له دواءً )(١) .

أقول : وهل أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتداوي للوجوب، أو للإرشاد ؟

فيه وجهان، نعم يجب التداوي من الأمراض الخطيرة لوجوب دفع الضرر، كما يجب تداوي الأطفال والمجانين على أوليائهم حسب قضيّة الولاية.

ثمّ الظاهر جوازه، بل وجوبه، وإن احتمل الضرر فيه احتمالاً مرجوحاً أو مساوياً ؛ لصحيح يونس بن يعقوب عن الصادقعليه‌السلام : الرجل يشرب الدواء ويقطع العرق، وربّما انتفع به، وربما قتله؟

قال: ( يشرب ويقطع )(٢) .

وربما يتخيّل بعض أهل العلم عدم وجوب التداوي مطلقاً، حتّى من الأمراض المهلِكة ؛ لاستبداله بالدعاء والتوكّل، قال الله تعالى:( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه ) (٣) ، وقال تعالى:( ادْعُونِيَ أسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٤) .

___________________

(١) ص١٧٩ ج١٧ الوسائل، ولابُدّ لاعتبار الرواية من إثبات أنّ نسخة قرب الإسناد الواصلة الى صاحب الوسائل قد وصلت بسندٍ معتبرٍ، وفيه بحث طويل عميق ذكرناه في محلّه. وعلى كل أخرجه بألفاظ مختلفة: أحمد، وأبو داود، والنسائي، والتزمذي، لاحظ ص٥٦٠ وص٥٧ ج٦ ( رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة ).

(٢) ص١٩٤ روضة الكافي.

(٣) الطلاق آية ٣.

(٤) غافر آية ٦٠.

٩

أقول : لكنّهما لا ينفيان وجوب التداوي وحده، بل لزوم تحصيل المعاش والنفقة، وتحصيل كلّ أمرٍ متوقّفٌ على أسبابه أيضاً، حتّى تحصيل العلم أيضاً !

بل لازم هذا التخيّل عدم وجوب حفظ النفس ! وهو كما ترى.

وهل يمكن أنْ يفتي عاقل بجواز ترك شرب الماء، أو أكل الطعام للمضطّر الذي يشرف على الهلاك ؟

والحلّ أنّ التوكّل لا ينافي السعي إلى تحصيل الأسباب، ولا هي تنافيه ( واعقل راحلتك وتوكّل على الله )(١) ، والدعاء لم يُشرَّع لإبطال الأسباب الطبيعيّة قطعاً، والأئمّةعليهم‌السلام تداووا، وأمروا أتباعهم بالتداوي، كما في الأحاديث الكثيرة(٢) ، بل ورد في بعض الأحاديث أنّ مَن يترك أُموراً لا يُستجاب دعاءه.

ثمّ إنّ التداوي كما قد يجب على المريض، يجب العلاج على الطبيب - أيضاً - وإنْ جاز له أخذ الأُجرة على طبابته إذا قدر المريض عليه.

وفي رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام المرويّ في التهذيب، قال: سألته عن الرجل يعالج الدواء للناس فيأخذ عليه جعلاً ؟

قال: ( لا بأس )(٣) .

قال الفقيه اليزديقدس‌سره في خاتمة كتاب الإجارة من العروة الوثقى:

( السابعة عشرة ): لا بأس بأخذ الأُجرة على الطبابة، وإنْ كانت من الواجبات الكفائيّة ؛ لأنّها كسائر الصنائع، واجبة بالعرض لانتظام نظام معائش

___________________

(١) ج٧١ ص١٣٧ و ج١٠٣ ص٥، بحار الأنوار نسخة الكومبيوتر.

(٢) لاحظ الجزء ٦٢ من بحار الأنوار.

(٣) ص٣ ج٥٩، بحار الأنوار، والسند صحيح على المشهور، ولنا في صحّة طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد بحث ذكرناه في( بحوث في علم الرجال ) .

١٠

العباد، بل يجوز وإنْ وجبت عيناً، لعدم من يقوم بها غيره، ويجوز اشتراط كون الدواء عليه مع التعيين الرافع للغَرَر، ويجوز - أيضاً - مقاطعته على المعالجة إلى مدّة، أو مطلقاً، بل يجوز المقاطعة عليها بقيد البُرء، أو بشرطه إذا كان مظنوناً بل مطلقاً.

وما قيل من عدم جواز ذلك ؛ لأنّ البُرء بيد الله، فليس اختياريّاً له، وأنّ اللاّزم مع إرادة ذلك أنْ يكون بعنوان الجعالة لا الإجارة.

فيه: إنّه يكفي كون مقدّماته العاديّة اختياريّة، ولا يضرّ التخلّف في بعض الأوقات، كيف ؟! وإلاّ لم يصحّ بعنوان الجعالة أيضاً(١) .

أقول : وعلّق سيّدنا الأُستاذ الخوئي على قوله ( بل مطلقاً ): يشكل الحكم بالصحّة في فرض التقييد مع الظن بالبُرء أيضاً، نعم لا تبعد الصحّة مع الاطمئنان به.

كما أنّه علّق على الجزء الأخير من كلامه: الفرق بين الجعالة والإجارة من هذه الجهة ظاهرٌ(٢) .

وقالقدس‌سره في منهاج الصالحين: تجوز الإجارة على الطبابة سواءٌ أكانت بمجرّد وصف العلاج، أم بالمباشرة كجبر الكسير، وتجوز المقاطعة على العلاج بقيد البُرء إذا كانت العادة تقضي ذلك، كما في سائر موارد الإجارة على الأعمال الموقوفة على مقدّمات غير اختياريّة للأجير، وكانت توجد حينها عادةً(٣) . وتبعه بعض تلاميذه عليه.

___________________

(١) العروة الوثقى ٢/٤٢٠ - ٤٢١ طبعة مدينة العلم.

(٢) نفس المصدر.

(٣) منهاج الصالحين ٢/١٠٢ طبعة مدينة العلم.

١١

فائدة

نذكر فيها بعض الروايات المعتبرة سنداً:

١ - قال الصادقعليه‌السلام : ( قال موسى بن عمران: ياربّ من أين الداء ؟ قال: مني. قال: فالشفاء ؟ قال: مني. قال: فما يصنع عبادك بالمُعالِج ؟ قال: يطيب بأنفسهم، فيومئذٍ سُمّي المعالج الطبيب )(١) .

أقول : أيّ سُمّي بالطبيب لرفعه الهمّ عن نفوس المرضى بالرفق والتدبير، وليس الشفاء منهم، وفي بعض كتب اللغة: طَبَّ: تأنّى للأُمور وتلطّف، وفي بعض النسخ بالياء المثنّاة ( يطيب ).

وليس المراد أنّ الطبيب مشتقٌّ من مادّة الطيب، بل المراد أنّ تسميته بالطبيب لتداويه عن الهموم، فتطيب بذلك.

أقول : الشفاء لا ينافي التداوي ؛ لأنّهما من العلل الطوليّة، وصنع المُعالِج هو تشخيص الداء وتعيين الدواء فقط، والشفاء من الله تعالى.

٢ - كتب ابن أُذينة إلى الصادقعليه‌السلام يسأله عن الرجل ينعت له الدواء من ريح البواسير، فيشربه بقدر أسكرجة من نبيذ ليس يريد به اللّذة ( و ) إنّما يريد به الدواء ؛ فقال: ( لا، ولا جرعة ).

وقال: ( إنّ الله - عزّ وجلّ - لم يجعل في شيءٍ ممّا حرّم شفاءً ولا دواءً )(٢) .

أقول : اتّفقت أحاديثنا على منع التداوي بالخمر(٣) ، وهذا الحديث

___________________

(١) ص٨٨ روضة الكافي.

(٢) ص٨٨ ج٥٩ بحار الأنوار نقلاً عن الكافي.

(٣) لاحظ ص٢٠٢ وما بعدها ج٢٤ جامع الأحاديث.

١٢

يمنعه بمطلق الحرام. لكن، لو فرض بطريق قطعي مورداً: توقّف حياة أحد على شرب مسكر، أو خمر، أو على شرب دواءٍ فيه خمر ؛ جاز شربه أو لعلّه فرض نادر جدّاً.

٣ - قال الصادقعليه‌السلام : ( ما من دواءٍ إلاّ وهو شارع إلى الجسد ينظر ( سارع إلى الجسد ينتظر خ ) متى يؤمر به فيأخذه )(١) .

أقول : كأنّ الحديث يشير إلى موضوعٍ علميّ، وهو ما ثبت في علم الطب وغيره من مناعة البدن، وستعرفها في المسألة الخامسة والثلاثين، إنْ شاء الله تعالى.

نظر المذاهب الأربعة حول التداوي

نقل بعض أهل السنّة أنّ العلاج عند الإمام أحمد رخصة، وتركه درجة أعلى، وعند الشافعي: التداوي أفضل من تركه، ومذهب أبي حنيفة أنّه ( أي التداوي ) مؤكّد حتّى أنّه يقارب الوجوب، ومذهب مالك: أنّه يستوي فعله وتركه(٢) .

___________________

(١) روضة الكافي ص٨٨.

(٢) ص٦٢٤ وص٦٢٥ الحياة الإنسانيّة بدايتها ونهايتها.

١٣

المسألة الثانية

أثر الاضطرار والحرج والضرر والحاجة في رفع الأحكام الإلزاميّة

والبحث الأوّل في الاضطرار، قال الله تعالى:

( وَمَالَكُمْ ألاّ تَأكُلُوا ممّا ذُكِر اسْمُ الله عَلَيهِ وَقَد فَصَّل لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيكُم إلاّ ما اضْطُررْتُم إلَيهِ ) ( الأنعام: ١١٩ ).

وقال تعالى:

( إنَّما حَرَّمَ عَليكُمْ المَيْتَةَ والدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيِرَ وما أُهلّ به لِغَير الله فَمَن اضطُرَّ غَيَر بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إثْمَ عَلَيه... ) (البقرة: ١٧٣).

ولاحظ سورة المائدة(٣) ، والأنعام (١٤٥)، والنحل (١١٥).

وكلّ هذه الآيات وردت في مورد أكل المحرّمات الخاصّة.

وقال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله - كما في حسنة حريز المرويّة في الخصال، عن الصادقعليه‌السلام :

( رُفع ( وضع ) عن أُمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أُكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطرّوا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكّر في الوسوسة في الخلق، ما لم ينطق بشفته)(١) .

وفي موثّقة سماعة - على إشكالٍ في صحّة طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد في المشيخة، عن الصادقعليه‌السلام : (... ولن يكلّفه الله ما لا طاقة له به )(٢) .

وفي موثّ-قةٍ أُخرى له - على إشكالٍ عرفته -: ( وليس شيء ممّا حرّم الله

___________________

(١) ص٨٨ ج١، مقدّمة جامع الأحاديث، الطبعة الأُولى.

(٢) ص٤٨٣ ج٥، الوسائل نسخة الكومبيوتر.

١٤

إلاّ وقد أحلّه لمَن اضطرّ إليه )(١) . وقريب منها موثّ-قة أبي بصير(٢) .

وفي صحيح محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل والمرأة يذهب بصره، فيأتيه الأطباء، فيقولون: نداويك شهراً أو أربعين ليلة مستلقياً كذلك يصلي ؟ فرخّص في ذلك، وقال:( فمَن اضطُرّ غَير باغٍ وَلا عادٍ فلا إثم عليه ) (٣) .

أقول : مورد الرواية ظاهراً الحاجة أو الحرج، ولكنّ الإمام طبّق عليه الاضطرار. ثمّ إنّ الحديث يدلّ على تعميم الآية لمطلق المحرّمات من دون اختصاصٍ لها بالأكل المحرّم، فلا تغفل، وفي صحيح حفص البختري عن الصادقعليه‌السلام قال: سمعته يقول في المغمى عليه: ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر(٤) .

وبالجملة : الاضطرار رافع للتكليف كما في الأحاديث الكثيرة. والتّتبع بالكومبيوتر سهل.

( البحث الثاني في الحرج ):

قال الله تعالى:( وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ( الحج: ٧٨ ).

وقال تعالى:( لِّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المَرِيِض حَرَجٌ ) (الفتح: ١٧ ) و ( النور: ٦١ ).

وفي صحيح زرارة عن الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى:( مَا يُريدُ الله

___________________

(١) ص٢٢٨ ج٢٣ المصدر.

(٢) ص٤٨٣ ج٥ نفس المصدر.

(٣) ص٤٩٦ نفس المصدر.

(٤) ص٢٧٣ج ١ جامع الأحاديث.

١٥

ليَجْعَلَ عَليكُم مِنْ حَرَجٍ ) : والحرج الضيق(١) .

وفي صحيح بريد العجلي، عنهعليه‌السلام : (... ولم يجعل الله تبارك وتعالى في الدين من ضيق، فالحرج أشدّ من الضيق )(٢) .

وعليه فيمكن أن يُحمل الضيق في الحديث السابق، على مرتبة عالية منه دفعاً للتعارض، فافهم.

وفي موثّقة أبي بصير - على إشكالٍ في صحّة طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد في المشيخة-: ( فإنَّ الدين ليس بضيّق، فإنّ الله يقول:( مَا جَعَلَ عَلَيكُمْ في الدِين مِنْ حَرَجٍ ) )(٣) .

قال سيِّدنا الأُستاذ الحكيمقدس‌سره في مستمسكه:... فلا يكون الحرج مجوّزاً لفعل المحرّمات عندهم، وإنْ كان مجوّزاً لترك الواجبات، فلا يجوز الزنا للحرج، ولا يجوز أكل مال الغير للحرج... وإن كان الفرق بين الواجبات والمحرّمات في ذلك غير ظاهر، ومقتضى دليل نفيه نفي التحريم كنفي الوجوب(٤) .

أقول : والحقّ جريان نفي الحرج في مطلق الأحكام الإلزاميّة الحرجيّة من الواجبات والمحرّمات، لكن لابُدّ أن يعلم أنّ للحرج مراتب متفاوتة، والأحكام الإلزاميّة - أيضاً - لها مراتب من حيث الأهميّة، فلا يمكن نفي حرمة الزنا واللواط والمساحقة، لمَن لا زوج له بدعوى الحرج، وهو ظاهر، فإذا رُوعيت هذه النكتة حسب الذوق الشرعي، والارتكاز المتشرّعي في جريان قاعدة نفي الحرج، لا يبقى وجهٌ للتفصيل بين الواجبات والمحرّمات.

___________________

(١) ص٣٦٤ ج٣ الوسائل نسخة الكومبيوتر.

(٢) ص١٩١ ج١ أُصول الكافي.

(٣) ص١٦٣ ج١ الوسائل نسخة الكومبيوتر.

(٤) ص٢٤٧ ج١٤.

١٦

( البحث الثالث في الضرر ):

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما في موثّقة زرارة عن الباقرعليه‌السلام : ( لا ضرر ولا ضرار )(١) .

فكلّ حكمٍ ضرريٍّ يُنفى بهذا.

وأعلم أنّ البحث حول قاعدة نفي الضرر والضرار طويل، مذكور في علم أُصول الفقه، بل ألَّف غيرُ واحدٍ من الأعلام حولها رسالة مستقلّة.

( البحث الرابع في الحاجة ):

قال الله تعالى:( يُرِيُد الله بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بكُمُ العُسْر ) ( البقرة: ١٨٥ ).

وفي صحيح الثمالي المروي في الكافي عن الباقرعليه‌السلام قال: سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها إمّا كسر وإمّا جرح في مكان لا يصلح النظر إليه، يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء أيصلح له النظر إليها ؟ قال: ( إذا اضطرّت إليه فليعالجها ( فيعالجها - جامع )، إن شاءت )(٢) ، فلاحظ.

أقول : الحديث يدلّ على جواز نظر الطبيب إلى المريضة لاضطرارها، وتقييد النظر إليها بعدم إمكان العلاج بالنظر إليها بالنظر إلى المرآة، كما عن بعض الفقهاء خلاف إطلاق الصحيحة، فلا نلتزم به، والله أعلم بأحكامه.

___________________

(١) ص٣٢ ج١٨ الوسائل نسخة الكومبيوتر.

(٢) ص١٧٢ ج١٤ الوسائل ( الطبعة المتوسطة ).

١٧

المسألة الثالثة

ما يتعلّق بضمان الطبيب وعدمه

( الأوّل ) : إذا تبرّأ الطبيب من الضمان، وقبل المريض أو وليّه، ولم يقصّر في الاجتهاد والاحتياط ؛ فالأظهر براءته من ضمان الفساد إن اتّفق بمباشرته، كما اختاره جماعةٌ من المحقّقين، بل عن المسالك أنّه المشهور، واستدل له بخبر السكوني: ( من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه، وإلاّ فهو ضامن )، وبأنّ العلاج ممّا تمسّ الحاجة إليه، فلو لم يشرع الإبراء تعذّر العلاج كما في الشرائع(١) .

وعن ابن إدريس أنّه لا يبرء ؛ لأنّه إسقاط الحقّ قبل ثبوته(٢) .

وفي الجواهر:... على أنّه ينبغي الجزم به ( أي بالإبراء ) إذا أخذ بعنوان الشرطيّة في عقد إجارة الطبيب مثلاً، إذ هو حينئذٍ يكون كاشتراط سقوط خيار الحيوان والمجلس ونحوهما ممّا يندرج تحت قولهمعليهم‌السلام : ( المؤمنون عند شروطهم )... وليس هذا من الإبراء قبل ثبوت الحق، بل من الإذن في الشيء المقتضية ( المقتضى ظ ) لعدم ثبوته نحو الإذن في أكل المال مثلاً.

أقول : وما ذكره صاحب الجواهر موجّه، وأمّا ما ذكره المحقّق في الشرائع من الوجهين ففيه نظر وإن قبله صاحب الجواهر ؛ لضعف الخبر

___________________

(١) ص ٤٧ ج ٤٣ جواهر الكلام.

(٢) نفس المصدر.

١٨

سنداً، ولتردّد في الثاني.

وهنا شيء، وهو أنّه إذا كان الطبيب قاصراً، ولكنّ المريض يعتقد مهارته، فقَبِل إبراءه فأفسد لجهله، ففي براءته نظر أو منع، فإنّ الطبيب مدلّس حينئذٍ.

( الثاني ) : الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصراً - سواء كان قصوره في علاج المرض، أو في تشخيصه - وإنْ أذن المريض بالعلاج، ويظهر منهم نفي الخلاف فيه بل عن التنقيح الإجماع عليه(١) .

لكن قد يُقال بسقوط الضمان فيه بسبب الإذن، وردّ بقاعدة الضمان على كلّ مُتْلف خصوصاً في الدماء التي ورد فيها:

( أنّه لا يبطل دم امرئ مسلم )(٢) ، والإذن كعدمها بعد النهي عنه شرعاً، بل لو جوّزنا المباشرة للحاذق بلا إذنٍ لقاعدة الإحسان، أو أوجبناها عليه مقدّمةً لحفظ النفس المحترمة، لما ينافي ذلك الضمان الذي هو من باب الأسباب، كما في تأديب الزوجة والصبي ونحوهما، فتأمّل.

( الثالث ) : قالوا: يضمن الطبيب العارف الحاذق إذا عالج: صبيّاً، أو مجنوناً، أو مملوكاً، من غير إذن الولي والمالك، أو عالج عاقلاً حرّاً من غير إذنٍ فيه(٣) .

وقيل: إنّه لا خلاف فيه ظاهراً(٤) .

( الرابع ) : الطبيب العارف ( علماً وعملاً ) إذا أذن له المريض في العلاج، ولم يقصّر هو فيه، فعالج وآل علاجه إلى التلف في النفس أو الطرف

___________________

(١) جواهر الكلام ص ٤٤ ج ٤٣.

(٢) لاحظ ج ٤٣ من الجواهر.

(٣) نفس المصدر.

(٤) نفس المصدر.

١٩

فعن ابن إدريس: أنّه لا يضمن ؛ للأصل، ولأنّ الضمان يسقط بالإذن، ولأنّه فعلٌ سائغٌ شرعاً فلا يستعقب ضماناً(١) .

وعن جمعٍ من الأعلام: أنّه يضمن لمباشرته للإتلاف.

وفي الجواهر: وإن لم يصرّحوا أو أكثرهم بالإذن.

وعن المحقّق: نسبة ضمان الطبيب المُتْلف بعلاجه بقول مطلق إلى الأصحاب(٢) .

وأُجيب عن ما استدلّ به ابن إدريس بأنّ الإذن في العلاج ليس إذناً في الإتلاف، والجواز الشرعي لا ينافي الضمان، كما في الضرب للتأديب، نعم، وحيث أنّه غير متعمد لا يُقتص منه ؛ ثمّ إنّ فعل الطبيب في المقام من شِبْه العمد، فالضمان في ماله لا على عاقلته.

( الخامس ) : قال الفقيه اليزديقدس‌سره في كتاب الإجارة من العروة الوثقى: إذا أفسد الأجير للخياطة أو القصارة أو لتفصيل الثوب ضَمَن، وكذا الحجّام في حجامته أو الختان في ختنه، وكذا الكحّال أو البيطار، وكلّ من آجر نفسه لعمل في المستأجر، إذا أفسده يكون ضامناً إذا تجاوز عن الحدّ المأذون وإنْ كان بغير قصده ؛ لعموم مَن أتلف، وللصحيح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يعطى الثوب ليصبغه، فقالعليه‌السلام :

( كلّ عاملٍ أعطيته أجراً على أنْ يُصلح فأفسد فهو ضامن )(٣) .

___________________

(١) جواهر الكلام ج ٤٣ ص ٤٥.

(٢) نفس المصدر ص ٤٦.

(٣) وهو صحيح الحلبي المروي في الفقيه. ورواه في الكافي والتهذيبين عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عنهعليه‌السلام بلفظ: سُئل عن القصار يفسد ؟

قال: ( كلّ أجيرٍ يُعطى الأجر على أن يُصلح فيفسد فهو ضامن ). ص ٥١ ج ١٩ جامع الأحاديث.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء » فذيلها صريح في ان الشجرة من البيداء، فيكون الوادي جزء منها.

وفي صحيحة معاوية بن عمار عنهعليه‌السلام قال: إن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن ابي بكر بالبيداء لاربع بقين من ذي القعدة في حجة الوداع، فأمرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاغتسلت واحتشت وأحرمت ولبّت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واصحابه... الحديث » ومثلها صحيحة العيص، فلو كانت البيداء على بعد ميل كما في كثير من الكلمات لكان ذلك بعد إحرام وحركة الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله نحو مكة.

وفي صحيحة زرارة والفضلاء ومصححة حمران عن ابي جعفرعليه‌السلام أن أسماء نفست بمحمد في ذي الحليفة، وكل من ترجم محمداًرضي‌الله‌عنه ذكر بأن ولادته كانت في ذي الحليفة أو بالشجرة، ففي سنن ابن ماجة وابي داود وغيرهما عن عائشة ان اسماء نفست بمحمد بالشجرة، وروى النسائي واحمد من العامة عن انس أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله صلى الظهر بالبيداء ثم ركب وقصد جبل البيداء فأهل للحج، وعن ابن عمر ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بات بذي الحليفة ببيداء وصلى في مسجدها، فالشجرة وذي الحليفة والبيداء إشارة لمكان واحد.

وقد ذكرنا في المواقيت: أن الروايات في تعيين ميقات اهل المدينة على أربع طوائف، الاولى: مادل على ان الميقات هو ذو الحليفة، والثانية: أنه ذو الحليفة وفسر بمسجد الشجرة، والثالثة: ذو الحليفة وفسر بالشجرة، والرابعة: انه الشجرة، ولاريب ان المقصود من الشجرة هو المسجد اذ من الواضح عدم كون الميقات نفس الشجرة، فيدور الامر بين الطائفة الاولى والثانية.

٦١

وقد قيل في مقام الجمع ان الطائفة الثانية مفسرة للاولى او حاكمة عليها، بمعنى ان ذا الحليفة اسم للمسجد خاصة وليس بأعم منه، او هو أعم منه لكن التعبد ضيّق دائرته، فتكون النتيجة أن الميقات هو خصوص المسجد.

وهو كلام متين ووفق القواعد الصناعية لو كنا نحن وهذه الطوائف فقط، إلا انه هناك طائفة خامسة وهي صريحة في عدم انحصار الميقات في المسجد بل في بعضها نهي صريح عن الاحرام منه، المحمول على الاستحباب جمعاً بين الروايات.

ففي صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن التهيؤ للاحرام، فقال: في مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ترى أناساً يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث المَيْل فتحرمون كما أنتم في محاملكم.

وصحيحة منصور بن حازم عنهعليه‌السلام قال: إذا صليت عند الشجرة فلا تلبّ حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش.

وصحيحة الحلبي عنهعليه‌السلام قال: الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لاينبغي لحاج ولالمعتمر أن يحرم قبلها ولابعدها، وقت لاهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة كان يصلي فيه ويفرض الحج فاذا خرج من المسجد وسار واستوت به البيداء حين يحاذي الميل الاول احرم» فلو كان الميقات هو خصوص المسجد فحسب لكان الصدر والذيل متهافتين فتدبر.

وصحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: صل المكتوبة ثم احرم بالحج أو المتعة واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى اول البيداء إلى أول ميل عن يسارك

٦٢

...» والمراد من «ثم احرم» اي إنو الحج او العمرة، يشهد له مرسل النضر المتقدم وصحيحة معاوية الاتية.

ومصححة علي بن جعفر عنهعليه‌السلام قال: سألته عن الإحرام عند الشجرة هل يحل لمن أحرم عندها ان لايلبي حتى يعلو البيداء ؟ قال: لايلبي حتي يأتي البيداء عند أول ميل، فأما عند الشجرة فلا يجوز التلبية.

وصحيحة ابن سنان قال سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يلب حتى يأتي البيداء » وفي صحيحته الاخرى عنهعليه‌السلام : إنما لبى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على البيداء، لان الناس لم يكونوا يعرفون التلبية، فاحب ان يعلمهم كيفية التلبية »، وغيرها من الروايات الصريحة في جواز ابتداء التلبية عند اول ميل من ذي الحليفة، وحملها على الجهر بها خلاف صريح جملة منها، والإلتزام بكون النية لوحدها كافية لتحقق الإحرام خلاف صريح للنصوص.

كما انه لايوجد مايعارض هذه الروايات من النهي عن التلبية عند أول ميل، نعم روايات العامة فيها تعارض واختلاف، فعن ابن عمر - كما في سنن ابي داود وغيره - قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ما أهل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا من عند المسجد، وفي سنن الترمذي عن الصادق عن ابيهعليهما‌السلام عن جابر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أراد الحج أذن في الناس فاجتمعوا فلما اتى البيداء أحرم.

وقد حاول ابن عباس - كما في سنن ابي داود - من الجمع بين هذه الروايات المختلفة في مكان اهلال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة

٦٣

ركعتين أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتين فسمع ذلك منه من قدم فحفظه عنه، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل وادرك ذلك منه أقوام... فقالوا انما أهل رسول الله حين استقلت به ناقته، فلما علا شرف البيداء وأهل ادرك ذلك منه أقوام فقالوا انما أهل حين علا شرف البيداء » وهذا الجمع لايمكن ان يلتزم به اذ صريح نصوص الخاصة وبعض العامة تنفي أن اهلال الرسول وتلبيته كانت في المسجد فراجع.

فالصحيح في الجمع بين هذه الطوائف من الروايات ان تفسير ذي الحليفة بالمسجد من باب تسمية الكل باسم الجزء كما في قوله تعالى (سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ) وقوله ( فلا يقربوا المسجد الحرام ) وقوله ( ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام ) ومن المعلوم ان المقصود بالمسجد في هذه الايات وغيرها هو مكة كما تفيده الروايات، فذو الحليفة ومسجد الشجرة والشجرة كلها مسمّيات لبقعة مكانية واحدة وهي الوادي.

ويشهد لهذا الجمع - مضافا لما مر - التعبير في بعض الروايات عن ذي الحليفة بالشجرة، ففي صحيحة ابن سنان قال: قال ابو عبداللهعليه‌السلام : «ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحج فكتب الى من بلغه كتابه - الى ان قال - فأقبل الناس فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف الأبط وحلق العانة والغسل والتجرد في ازار ورداء » وفي صحيحة ابن وهب « حتى تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء » وغيرها من الروايات.

مع انه في جملة من الروايات المفصلة لحج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٦٤

أن كل ذلك كان في ذي الحليفة، ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام : فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى الى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل ثم خرج حتى اتي المسجد الذي عند الشجرة فصلى فيه الظهر واحرم بالحج مفردا وخرج حتى انتهي الى البيداء عند الميل الاول فصف الناس له سماطين فلبى بالحج مفردا » فالرواية صريحة في ان الاغتسال في مكان من ذي الحليفة والصلاة في مكان آخر، فالمغتسل غير المصلى مكانا.

وليس هذا مختصاً بروايات الخاصة بل هو عند العامة كذلك، فقد روى ابو داود وابن ماجة عن عائشة ان اسماء نفست بمحمد بالشجرة، وروى الدارمني في سننه عن الصادق عن ابيهعليهما‌السلام عن جابر ان أسماء نفست بذي الحليفة، فالتعبير بالشجرة او مسجد الشجرة من باب تسمية الكل باسم الجزء شرافة وتبركا بالمسجد او الشجرة.

فما استغربه بعض الاعاظم من الفقهاء المعاصرين من مَيْلِ صاحب الحدائققدس‌سره الى وجوب تأخير التلبية الى البيداء تبعا للروايات الكثيرة ليس في محله، اذ ليس اول البيداء او بتعبير النصوص الميل الاول من ذي الحليفة خارج عن الميقات، ولعل عدم الاعتناء والعمل بهذه الروايات لدى عدة من الفقهاء قديما وحديثا ظنهم ان الميل الاول من ذي الحليفة خارج عن الميقات، فيقع التعارض بينه وبين روايات الميقات وإن التلبية هي المحققة للاحرام، والله العالم.

٦٥

الى البيداء(١)

، هذا للرجل وأما المرأة فليس عليها رفع الصوت بالتلبية أصلا.

والاولى لمن عقد الإحرام من سائر المواقيت تأخير التلبية إلى أن يمشي قليلا(٢) ، ولمن عقده من المسجد الحرام تأخيرها إلى الرقطاء وهي موضع دون الردم(٣) ، والردم موضع بمكة قيل: يسمى الان بمدعى بالقرب من مسجد الراية قبيل مسجد الجن.

مسألة ٥١: الواجب من التلبية مرة واحدة، نعم يستحب الإكثار منها وتكرارها ما استطاع، والأحوط(٤) لمن اعتمر عمرة التمتع قطع

____________________

(١) وهو خلاف جملة من الروايات، بل مقتضى الجمع بينها هو افضلية التلبية عند المَيل الاول، والله العالم.

(٢) لقولهعليه‌السلام في صحيحة هشام « وإن شئت لبّيت من موضعك، والفضل أن تمشي قليلا ثم تلبي » بحيث عدم الخروج من الميقات.

(٣) لقولهعليه‌السلام في صحيحة الفضلاء « فإن شئت لَبّيْتَ خلف المقام وأفضل ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء وتلبي قبل ان تصير إلى الابطح ».

(٤) وجزم بوجوب القطع السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته وقواه البعض الاخر، وقد أدعي عليه الاجماع وقطع الاصحاب تبعا للروايات المتعددة، ولعل وجه احتياط الماتن دام ظله صحيحة زرارة قال سألته عليه

=

٦٦

التلبية عند مشاهدة موضع بيوت مكة القديمة، وحده لمن جاء من أعلى مكة عن طريق المدينة «عقبة المدنيين» ولمن جاء من أسفها «عقبة ذي طوى».

كما أن الأحوط(١) لمن اعتمر عمرة مفردة قطعها عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم، وعند مشاهدة موضع بيوت مكة اذا كان إحرامه من أدنى الحل، ولمن حجّ بأيّ نوع من أنواع الحج قطعها

____________________

=

السلام أين يمسك المتمتع عن التلبية ؟ فقال: إذا دخل البيوت بيوت مكة لابيوت الابطح »، وصحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضاعليه‌السلام « أنه سال عن المتمتع متى يقطع التلبية، قال: إذا نظر الى عراش مكة عقبة ذي طوى، قلت: بيوت مكة، قال: نعم ».

ودعوى: بعض الاعلام ان صحيحة زرارة مجملة حيث لايعلم ماالمقصود من بيوت مكة هل القديمة او تعم البيوت المستحدثة فتكون الروايات الناصة على قطع التلبية اذا نظر الى بيوت مكة القديمة مبينة للمراد منها.

في غاية الفساد: اذ الابطح هو حد مكة القديمة، فالمقصود من بيوت مكة في صحيحة زرارة هي مكة القديمة لا المستحدثة.

(١) وجزم به وبشقه الثاني السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته، وهو المشهور، ووجه التوقف اختلاف الروايات، والامر سهل.

٦٧

عند الزوال من يوم عرفة(١) .

مسألة ٥٢: إذا شك بعد لبس الثوبين وقبل التجاوز من المكان الذي لايجوز تأخير التلبية عنه في أنه قد أتى بها أم لا بنى على عدم الاتيان(٢) ، واذا شك بعد الاتيان بالتلبية انه أتى بها صحيحة أم لا بنى على الصحة(٣) .

الأمر الثالث: لبس الثوبين: (الازار والرداء) بعد التجرد عما يجب على المحرم اجتنابه، ويستثنى من ذلك الصبيان، فيجوز تأخير تجريدهم إلى فخ(٤) إذا ساروا من ذلك الطريق.

والظاهر أنه لايعتبر في لبسهما كيفية خاصة، فيجوز الإتزار

____________________

(١) نصاً واجماعا.

(٢) لأصالة العدم.

(٣) لقاعدة الفراغ.

* وإذا تبين له بعد الوقوفين أنه لم يؤد التلبية بصورة صحيحة فإن كان اللحن لايمنع من صدق التلبية عرفا فلا شيء عليه وإلا فليجددها في مكانه ويصح حجه أيضا.

(٤) لصحيحة ابن الحر قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الصبيان من اين نجردهم ؟ فقال: « كان أبي يجردهم من فخ »، ونحوه صحيحة علي بن جعفر، وفخ بئر معروف على فرسخ من مكة.

٦٨

بأحدهما كيف شاء، والارتداء بالآخر أو التوشح به أو غير ذلك من الهيئات، وإن كان الأحوط لبسهما على الطريق المألوف(١) .

مسألة ٥٣: لبس الثوبين للمحرم واجب استقلالي وليس شرطاً في تحقق الإحرام على الأظهر(٢) .

مسألة ٥٤: الأحوط(٣) في الازار ان يكون ساتراً من السرة إلى الركبة، وفي الرداء ان يكون ساتراً للمنكبين والعضدين وقدرا معتدا به من الظهر.

والأحوط وجوبا كون اللبس قبل النيّة والتلبية(٤) ولو قدمهما عليه فالاحوط الاولى إعادتهما بعده(٥) ·

____________________

(١) لقول الحجةعليه‌السلام في مكاتبة الحميري « والأحب إلينا والافضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا إن شاء الله» ومنشأ الاحتياط ضعف السند.

(٢) كما هو ظاهر جملة من الروايات الكثيرة.

(٣) وجزم به السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته، ولادليل عليه ظاهراً إلا دعوى أن ذلك مسمى الصدق العرفي في الاتزار والارتداء، فتأمل.

(٤) كما نسب للمشهور، ووجه التوقف ان لبس الثوبين كما مر واجب مستقل لاشرطا في تحقق الاحرام.

(٥) لاحتمال شرطيته للإحرام.

٦٩

مسألة ٥٥: لو احرم في قميص جاهلاً أو ناسياً نزعه وصح إحرامه(١) ، بل الأظهر صحة إحرامه حتى فيما إذا احرم فيه عالماً عامداً(٢) ، واما إذا لبسه بعد الإحرام فلا إشكال في صحة إحرامه، ولكن يلزم عليه شقه واخراجه من تحت(٣) ·

مسألة ٥٦: لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام وبعده للتحفظ من البرد أو الحر أو لغير ذلك(٤) ·

____________________

(١) إذ التجرد عن المخيط ليس شرطاً في صحة الإحرام، ولو كان شرطاً لوجب تجديد النية والتلبية، وظاهر الروايات نفيه، ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام في رجل احرم وعليه قميصه، فقال: « ينزعه ولا يشقه وإن كان لبسه بعدما احرم شقه واخرجه مما يلي رجليه » وظهورها في عدم الاشتراط واضحة، والظاهر انه لا خلاف بينهم في ذلك.

(٢) لعدم كون لبس الثوبين شرطا في صحة الاحرام، وعدم كون التروك دخيلة في الاحرام، إذ كما مر قصد ترك المحرمات أو قصدها - في الجملة - ليس من شروط او موانع الاحرام فراجع.

(٣) لصحيحة ابن عمّار المتقدمة.

(٤) لعدم المانع، مضافا لصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المحرم يتردى بالثوبين، قالعليه‌السلام : « نعم والثلاثة ان شاء يقي بها الحر والبرد ».

٧٠

مسألة ٥٧: يعتبر في الثوبين نفس الشروط المعتبرة في لباس المصلي(١) ، فيلزم ان لا يكونا من الحرير الخالص(٢) ، ولا من اجزاء السباع، بل مطلق مالايؤكل لحمه على الاحوط(٣) ، ولا من المُذّهب، ويلزم طاهرتهما كذلك(٤) ، نعم لا باس بتنجسهما بنجاسة معفو عنها

____________________

(١) نصاً واجماعاً، ففي صحيحة حرير عنهعليه‌السلام «كل ثوب تصلي فيه فلا بأس ان تحرم فيه ».

(٢) تشهد له صحيحة ابي بصير قال: سئل أبو عبداللهعليه‌السلام عن الخميصة سداها ابريسم ولحمتها من غزل ؟ قال: لابأس بأن يحرم فيها، إنما يكره الخالص منه » وغيرها.

(٣) وجزم به السيد الخوئي وأعاظم تلامذته وهو المشهور بين العلماء، ولعل وجه التوقف أن صحيحة حريز المتقدمة غاية ماتدل على أن كل ثوب يصلى فيه يصح الاحرام فيه، وليس لها دلالة على ان كل مالايصلى فيه لايحرم فيه بل هي ساكتة عن هذا الحكم، فتأمل.

وكان الاولى للماتن دام ظله أن يتوقف في اجزاء السباع اذ لامستند لحرمة مالايأكل لحمه إلا صحيحة حريز على الظاهر، نعم وردت مجموعة من الصحاح تنهي عن الصلاة في جلود السباع، ولعله للنهي عن الصلاة فيما لايأكل لحمه، فراجع.

(٤) ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي احرم فيها وبين غيرها ؟ قال: نعم اذا كانت طاهرة.

٧١

في الصلاة(١) .

مسألة ٥٨: الأحوط في الازار ان يكون جميعه ساتراً للبشرة غير حاك عنها(٢) ، ولايعتبر ذلك في الرداء(٣) .

مسألة ٥٩: الاحوط الأولى في الثوبين ان يكونا من المنسوج، ولا يكونا من قبيل الجلد والملبّد(٤) .

مسألة ٦٠: يختص وجوب لبس الازار والرداء بالرجال دون النساء، فيجوز لهنّ أن يحرمنّ في ألبستهنّ العادية(٥) على أن تكون واجدة للشرائط المتقدمة.

مسألة ٦١: ان حرمة لبس الحرير وإن كانت تختص بالرجال ولا يحرم لبسه على النساء إلاّ أن الاحوط(٦) للمرأة ان لا يكون ثوبها من

____________________

(١) ومستنده صحيحة حريز المتقدمة.

(٢) وجزم به السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته، ومستندهم في ذلك صحيحة حريز وقد تقدم الاشكال في دلالتها والتأمل فراجع.

(٣) لصحة الصلاة فيه.

(٤) لشبهة إحتمال عدم صدق الثوبين عليهما.

(٥) يمكن ان يستفاد ذلك من روايات جواز لبس المخيط لهنَّ وغير ذلك.

(٦) وجزم بعدم الجواز السيد الخوئي واعاظم تلامذته، ومن القدماء

=

٧٢

الحرير، بل الاحوط ان لاتلبس شيئا من الحرير الخالص في جميع أحوال الإحرام(١) إلا في حال الضرورة كالاتقاء من البرد والحر(٢) .

مسألة ٦٢: إذا تنجس أحد الثوبين أو كلاهما بعد التلبس بالإحرام فالأحوط(٣) المبادرة إلى التبديل أو التطهير(٤) .

____________________

=

الصدوق والشيخ في المقنعة والسيد في الجمل والشهيد في الدروس، وذهب الى الجواز المفيد في احكام النساء وابن ادريس وأكثر المتأخرين، ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات، ولعل النصرة للقائلين بالجواز والله العالم.

(١) لاطلاق النصوص.

(٢) ففي موثقة سماعة عنهعليه‌السلام « لاينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة، فاما في الحر والبرد فلا بأس ».

(٣) مر انه يشترط طهارة ثوبي الاحرام عند عقده، وهل يشترط ذلك استدامة كما هو ابتداءا ؟ مقتضى ظهور جملة من الروايات اشتراط ذلك، ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي احرم فيها وبين غيرها، قال: نعم إذا كانت طاهرة » وفي صحيحة الاخرى قال: سألته عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة ؟ قال: لايلبسه حتى يغسله، واحرامه تام» ودعوى ان قولهعليه‌السلام «لايلبسه» ظاهر في أنه لم يتحقق اللبس بعد، باطلة لاستعمال مثل هذه الصيغة في الرفع والدفع، ومع اشتراط الطهارة استدامة لابد من المبادرة العرفية للتطهير او التبديل.

(٤) * فمرشد الحاج او غيره اذا تطلب عمله ان يبقى فترة طويلة في

٧٣

مسألة ٦٣: لا تجب الاستدامة في لباس الإحرام، فلا بأس بإلقائه عن متنه لضرورة أو غيره ضرورة(١) ، كما لا بأس بتبديله على ان يكون البدل واجداً للشرائط.

تروك الإحرام

قلنا في ما سبق: إن الإحرام لا ينعقد بدون التلبية أو ما بحكمها وإن حصلت منه نية الإحرام، وإذا أحرم المكلّف حرمت عليه أمور، وهي خمسة وعشرون(٢) كما يلي:

١ - الصيد البري، ٢ - مجامعة النساء ٣ - تقبيل النساء، ٤ لمس المرأة، ٥ - النظر إلى المرأة وملاعبتها، ٦ - الاستمناء، ٧ - عقد النكاح ٨ - استعمال الطيب، ٩ - لبس المخيط أو مابحكمه للرجل،

____________________

(١) وهي على ثلاثة أقسام، الأول: مشترك بين الرجال والنساء، والثاني، مختص بالرجال دون النساء، والثالث، مختص بالنساء دون الرجال.

(٢) وهي على ثلاثة أقسام، الأول: مشترك بين الرجال والنساء، والثاني، مختص بالرجال دون النساء، والثالث، مختص بالنساء دون الرجال·

٧٤

١٠ - التكحل، ١١ - النظر في المرآة، ١٢ - لبس الخف والجورب للرجال ١٣ - الفسوق، ١٤ - المجادلة، ١٥ - قتل هوام الجسد، ١٦ التزين، ١٧ - الأدهان ١٨ - إزالة الشعر من البدن، ١٩ - ستر الرأس للرجال وهكذا الارتماس في الماء حتى على النساء، ٢٠ - ستر الوجه للنساء، ٢١ - التظليل للرجال، ٢٢ - إخراج الدم من البدن، ٢٣ - التقليم، ٢٤ - قلع الضرس ٢على قول، ٢٥ - حمل السلاح.

١ - الصيد البري

مسألة ٦٤: لا يجوز للمحرم استحلال شيء من صيد البرّ، سواء في ذلك اصطياده وقتله وجرحه وكسر عضو منه، بل مطلق إيذائه، كما لايجوز ذلك للمحلّ في الحرم أيضا، والمراد بالصيد الحيوان الممتنع بالطبع وإن تأهل لعارض، ولافرق فيه بين أن يكون محلّل الأكل أم لا على الاظهر(١) .

مسألة ٦٥: تحرم على المحرم إعانة غيره - مُحلاً كان أو محرماً - على صيد الحيوان البرّي، حتى بمثل الاشارة إليه، بل الأحوط عدم

____________________

(١) لشمول إطلاق الروايات لكل حيوان بري مطلقا.

٧٥

إعانته في مطلق مايحرم على المحرم استحلاله من الصيد.

مسألة ٦٦: لا يجوز للمُحرِم إمساك الصيد البري، والاحتفاظ به سواء اصطاده هو - ولو قبل إحرامه - أم غيره في الحلّ أم الحرم.

مسألة ٦٧: لايجوز للمحرم أكل شيء من الصيد وإن كان قد اصطاده المحل في الحلّ، كما يحرم على المحلّ - على الاحوط - مااصطاده المحرم في الحل قتله بالاصطياد أو ذبحه بعد اصطياده، وكذلك يحرم على المحلّ مااصطاده أو ذبحه المحرم أو المحلّ في الحرم.

* مسألة ٦٨: إذا اصطاد المحرم حيوانا في الحرم فأخرجه إلى خارج الحرم جاهلا بالحكم أو عالما به يجب عليه إعادته إلى الحرم.

مسألة ٦٩: يثبت لفرخ الصيد البّري حكم نفسه، وأما بيضه فلا يبعد حرمة أخذه وكسره وأكله على المحرم، والاحوط ان لايعين غيره على ذلك ايضا.

مسألة ٧٠: الأحكام المتقدمة - كما ذكرنا - إنما تختص بصيد البرّ، ومنه الجراد، وأما صيد البحر فلا بأس به، والمراد بصيد البحر ما يعيش في الماء فقط كالسمك، واما ما يعيش في الماء وخارجه فملحق بالبري، ولا بأس بصيد ما يشك في كونه برياً على الأظهر.

مسألة ٧١: كما يحرم على المحرم صيد البرّ كذلك يحرم عليه

٧٦

قتل شيء من الدوابّ وإن لم يكن من الصيد، ويستثنى من ذلك موارد:

١ - الحيوانات الاهلية - إن توحشت - كالغنم والبقر والإبل، ومالايستقلّ بالطيران من الطيور كالدجاج حتى الدجاج الحبشي (الغرغر) فإنه يجوز له ذبحها، كما لابأس بذبح مايشك في كونه أهلياً.

٢ - ماخشيه المحرم على نفسه أو أراده من السباع والحيات وغيرهما، فإنه يجوز له قتله.

٣ - سباع الطيور إذا آذت حمام الحرم، فيجوز قتلها أيضاً.

٤ - الأفعى والأسود الغدر وكل حيّة سوء والعقرب والفارة، فإنه يجوز قتلها مطلقاً، ولاكفارة في قتل شيء ممّا ذكر، كما لاكفارة في قتل السباع مطلقا - إلا الاسد - على المشهور.

وقيل بثبوت الكفارة - وهي قيمته - في قتل مالم يرده منها.

مسألة ٧٢: لابأس للمحرم أن يرمي الغراب والحدأة، ولاكفارة لو أصابهما الرمي وقتلهما.

* مسألة ٧٣: لايجوز للمحرم قتل الوزغ.

١ - كفّارات الصيد

مسألة ٧٤: في قتل النعامة بدنة، وفي قتل بقرة الوحش بقرة،

٧٧

وكذا في قتل حمار الوحش على الأحوط، وفي قتل الظبي والأرنب شاة، وكذلك في الثعلب على الأحوط.

مسألة ٧٥: من اصاب شيئاً من الصيد، فان كان فداؤه بدنة ولم يجد مايشتريه به فعليه اطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين مد، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً، وإن كان فداؤه بقرة ولم يجدها فليطعم ثلاثين مسكيناً، فإن لم يقدر صام تسعة أيام، وإن كان فداؤه شاة ولم يجد فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيام.

مسألة ٧٦: في قتل القطاة والحجل والدراج ونظيرها حمل قد فطم من اللبن وأكل من الشجر، وفي العصفور والقبرة والصعوة مد من الطعام على الاظهر، وفي قتل غير ماذكر من الطيور - كالحمامة ونحوها - شاة، وفي فرخه حمل أو جدي، وحكم بيضه إذا كان فيه فرخ يتحرّك حكم الفرخ، وإذا كان فيه فرخ لايتحرّك ففيه درهم، وكذا إذا كان مجردا عن الفرخ على الاحوط، وفي قتل جرادة واحدة تمرة أو كف من الطعام، والثاني افضل، ومع التعدد تتعدد الكفارة إلا إذا كان كثيرا عرفا فإن فيه شاة.

مسألة ٧٧: في قتل اليربوع والقنفذ والضب جدي وفي قتل العظاية كف من الطعام.

مسألة ٧٨: في قتل الزنبور متعمداً إطعام شيء من الطعام، واذا كان القتل دفعاً لايذائه فلا شيء عليه.

٧٨

مسألة ٧٩: إذا أصاب المحرم الصيد في خارج الحرم فعليه الفداء، او قيمته السوقية فيما لاتقدير لفديته، وإذا أصابه المحلّ في الحرم فعليه القيمة، إلا في الاسد فإن فيه كبشا على الاظهر، وإذا أصابه المحرم في الحرم فعليه الجمع بين الكفارتين.

مسألة ٨٠: يجب على المحرم ان ينحرف عن الجادة إذا كان فيها الجراد، فان لم يتمكن فلا بأس بقتلها.

مسألة ٨١: لو اشترك جماعة محرمون في قتل صيد، فعلى كل واحد منهم كفّارة مستقلة.

مسألة ٨٢: كفّارة أكل الصيد ككفارة الصيد نفسه، فلو صاده المحرم وأكله فعليه كفارتان.

مسألة ٨٣: إذا كان مع المحل صيد ودخل الحرم يجب عليه ارساله، فان لم يرسله حتى مات لزمه الفداء، ومن أحرم ومعه صيد حرم عليه إمساكه مطلقا كما تقدم، وإن لم يرسله حتى مات لزمه الفداء ولو كان ذلك قبل دخول الحرم على الأحوط.

مسألة ٨٤: لا فرق في وجوب الكفّارة في قتل الصيد وأكله بين العمد والسهو والجهل.

مسألة ٨٥: تتكرر الكفّارة بتكرر الصيد لخطأ أو نسيان أو اضطرار أو جهل يعذر فيه، وكذلك في العمد إذا كان الصيد من المحل في الحرم، أو من المحرم مع تعدد الإحرام، واما اذا تكرر الصيد عمدا

٧٩

من المحرم في إحرام واحد فلا تجب الكفارة بعد المرة الاولى، بل هو ممن قال الله تعالى فيه:( ومن عاد فينتقم الله منه ) .

٢ - مجامعة النساء

مسألة ٨٦: يحرم على المحرم الجماع أثناء عمرة التمتع، وكذا أثناء العمرة المفردة وأثناء الحج قبل الاتيان بصلاة طواف النساء(١) .

مسألة ٨٧: إذا جامع المتمتع أثناء عمرته قُبلاً أو دُبراً عالماً عامداً فإن كان بعد الفراغ من السعي لم تفسد عمرته ووجبت عليه الكفّارة(٢) وهي على الاحوط جزور أو بقرة(٣) ، وإن كان قبل الفراغ

____________________

(١) بلا خلاف في ذلك أصلا.

(٢) كما هو مقتضى النصوص.

(٣) وذهب بعض الاعاظم إلى ان كفارته شاة والاحوط مافي المتن، وخيّر آخر بين الجزور والبقرة والشاة وإن كان الاحوط ان يكفّر الموسر بالجزور والمتوسط بالبقرة.

والروايات على ثلاث طوائف، ففي صحيحة معاوية انه ينحر جزورا، وفي صحيحة الحلبي عليه جزور او بقرة، وفي صحيحة ابن مسكان عليه دم

=

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341