الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية11%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92414 / تحميل: 7840
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

والدماغ.

وبتعبيرٍ دقيقٍ: عندنا أنّها من آثار الروح بتوسّط المخّ.

وثبت علميّاً - أيضاً - أنّ للقلب حركة قبل تمام أربعة أشهر بكثير، وتُسمع دقات قلب الجنين بالآلات الحديثة الطبّيّة، فليس الحياة الإنسانيّة تدور مدار حركة القلب حدوثاً، ولا بعد في أن لا تدور مدارها في البقاء والاستدامة، فكما تبدأ حركة القلب قبل الحياة الإنسانيّة، يمكن بقاءها بعد نهايتها، خلافاً للأطبّاء المتقدِّمين.

وحينئذٍ هل يصح أنْ نذهب إلى قول الأطبّاء الجدد بأنّ موت جذع المخِّ هو علامة انقطاع الروح عن البدن ؟

وهذا يتوقّف على أمرين:

١ - إثبات انقطاع الروح عند موته نهائيّاً وكليّاً عن البدن، ولا يكفي ذهاب الوعي والحسّ وغيرهما، إذ لعلّه لفساد الآلة - وهو المخّ - دون انقطاع الروح، كذهاب البصر بفساد العين، فلا تبصر الروح لكن عدم إبصارها لا يكشف عن انقطاع علاقتها عن البدن، فاحتمال بقاء الروح واتّصاله ببعض البدن - ولو ضعيفاً وفي الجملة ولدقائق قصيرة - لا نافي له، والعلوم التجربية - ولو في المرحلة الراهنة - قاصرة عن نفي الاحتمال المذكور، كما أنّ العقل عاجز عنه - أيضاً - والدين ساكت عنه.

٢ - إثبات أنّ المخّ غير قابل للتعويض، ولا للإصلاح عند خرابه، بخلاف القلب، فإنّه قابلٌ للتعويض حتّى بقلبٍ بلاستيكي.

لكنّ عدم تيسّر تعويضه وإصلاحه، لعلّه لقصور الطبّ في دوره الحاضر، لا لعدم إمكان التعويض أو الإصلاح في نفسه، وما أدراك ما هو تطوّر الطبّ في مستقبلٍ بعيدٍ أو قريب(١) ؟

فحصول الموت وحدوثه

___________________

(١) ويمكن أن يُدفع هذا الإيراد بما سيجيء في الفصل الرابع، في جواب الاعتراض الرابع، فتأمّل.

١٤١

بسكون القلب وإن لم يدلّ عليه دليل، بل هو مرجوح لكنّه بموت جذع المخّ - أيضاً - لم يصل إلى حدّ اليقين، وإنْ كان راجحاً.

ولو سألتني عن الحقّ، ف أقول لك: إنّ لحظة بدء الحياة الإنسانيّة(١) ، ولحظة نهايتها لم تثبتا بدليلٍ قاطعٍ، فإنّ تعلّق الروح وانقطاعها غير محسوسَين، ولا مُدرَكين للعقل، ولا منصوصَين بنصٍّ قاطعٍ دينيّ.

ثمرة القولين:

ربّما يموت المخّ - ونعني به جذعه لا قشره - والقلب ينبض، وهذا على قسمين:

الأوّل: ينبض القلب تلقائيّاً.

الثاني: ينبض بآلةٍ صناعيّةٍ بحيث لولاها لسكن القلب بالمرّة.

لا يبعد الحكم على صاحب المخّ المذكور بالموت على الفرض الثاني، فإنّ قلبه كمخّه مات هو ميّت، وتحريك قلبه بآلة خارجيّة لا تؤثِّر في إعادة حياته أو إدامتها، وفي الفرض الأوّل، الحكم بموته مبنيٌّ على القولين المذكورين عند الأطبّاء قديماً وحديثاً.

وستعرف أنّ للميّت أحكاماً كثيرة يختلف ترتيبها في هذه الفاصلة(٢) ، فللبحث المذكور ثمرات كثيرة شرعيّة، أهمّها عند الأطبّاء: نزع

___________________

(١) تقدّم أنّ ما دلّ على تعلّق الروح بعد تمام أربعة أشهر بالجنين، غير خالٍ عن النقاش والخلل.

(٢) يقول طبيبٌ: عند توقّف الدورة الدمويّة، إذا كان ضغط الدم عند المريض طبيعيّاً، وهو في سكتةٍ قلبيّةٍ مفاجِئةٍ، فإمكانيّة أخذ عضوٍ لكي يُزرع لآخر لا تتجاوز وقتاً كبيراً من بين ١٥ إلى ٢٠ دقيقة. ( ص٥٧٢ الحياة الإنسانيّة بدايتها ونهايتها ).

ويقول طبيبٌ آخر:... ولكن الآن وبواسطة التطوّرات الطبّيّة والعلوم الحيويّة

=

١٤٢

القلب لزرعه في بدن غيره في هذه الفاصلة العابرة، إذ تأخيره ربّما يُفسد القلب فلا يصلح للزرع.

وإمّا الكِلية، فإن أوصى صاحبها بنزعها مطلقاً، ومن دون تحديدٍ بزمانٍ ما بعد الموت، أو صرّح به بالفعل، فيجوز نزعه في تلك الفاصلة، إذا لم يكن له خطر زائد على حياته القصيرة، وإمّا إن علّقه على موته، فحاله حال القلب في الجواز، وعدمه على القولين.

توضيح وتقييم:

أقول : لتوضيح محلّ البحث نذكر صوراً تخطر بالبال عاجلاً:

( الأُولى ): موت تمام المخّ، أي جذعه وقشرته وتوقّف القلب.

( الثانية ): موت تمام المخّ، وحركة القلب صناعيّةٌ بعد توقّفه.

( الثالثة ): موت تمام المخّ مع حركة القلب تلقائيّاً.

( الرابعة ): حركة القلب صناعيّة بعد توقّفه، ثمّ تجديد عمل المخّ بعد موته.

___________________

=

أمكن تغذية القلب والرئة والأعضاء الأُخرى، بوسائل صناعيّة لمدّة معيّنة أقصاها أسبوعان، ولو أنّ المخّ قد سبق وإن مات، وفي نظري أنّ الإنسان كما نعرفه أيضاً قد مات، وهذه التطوّرات - مع الأسف - خلقت اختلافاً في تحديد وقت الموت... هل هو وقوف القلب، كما في التعريف الطبّي القديم ؟

أو وقوف عمل المخّ، كما في التعريف الجديد، والذي يؤدّي إلى وقوف أعمال الأعضاء الأُخرى إذا لم نجد الوسائل الصناعيّة ؟

وقد يصل الفرق في وقت الموت إلى أُسبوعين بسبب اختلاف التعريف، انتهى.

أقول: فيه نظر يظهر ممّا ذكرنا في المتن آنفاً.

١٤٣

( الخامسة ): موت المخّ وتوقّف القلب مع حياة بعض أعضاء البدن.

( السادسة ): موت جذع قشرة المخّ وحياة جذع المخّ مع الصورة المتقدِّمة.

أقول : وفي الصورة الأُولى موت الفرد متحقّق عند جميع الأطبّاء القدامى والجدد.

وليكن في الثانية - أيضاً - كذلك عندهم، إذ لا أثر للتحريك الصناعي المذكور.

والثالثة: هي محلُّ الخلاف بين القدماء والمتأخِّرين من الأطبّاء، فعلى قول الأوّلين يُحكم بحياة الفرد، وعلى قول الآخرين بموته.

وفي الرابعة: لا مجوّز للحكم بموت الفرد، بل هو حيّ بحياة إنسانيّة.

وفي الخامسة: يحكمون بموته، فلاحظ أقسام الحياة في الفصل الرابع الآتي ذكره عن قريب.

وفي السادسة: احتمالان:

الأوّل: أنّ موت قشرة المخّ يستلزم بطلان الحياة الإنسانيّة، إن صحّ ما ادّعى بعض الأطبّاء من أنّ قشرة المخّ هي التي تميّز الإنسان عن الحيوان، بما رزقه الله من مَلَكَات إنسانيّة، وقال: إنّ جذع المخّ هو الحدّ الأدنى اللاّزم للحياة. ولا عبرة بالحياة غير الإنسانيّة، كما يأتي في الجواب عن الاعتراض السابع في الفصل الرابع.

الثاني: أنّ بقاء الحياة في جذع المخّ تكشف عن بقاء علقة الروح الإنسانيّة بالبدن، وفقدان الوعي وسائر المَلَكَات لفساد الآلة والعضو، فلا يكشف عن بطلان الحياة الإنسانيّة، ولا اقل من الشكّ في ذلك فيعامل معه معاملة الإنسان الحيّ استصحاباً.

وبعد، فإنّ تحديد انقطاع علاقة الروح بالبدن بالدقّة في الفروض المذكورة - سوى الأوّلَين - غير واضح تماماً، والله العالم.

١٤٤

( ٢ )

موضع المخّ(١) من وجود الإنسان

الخليّة وإن تمثّل حياةً إلاّ أنّ حياة الغالبيّة العظمى من خلايا جسد الإنسان، وكذلك أعضائه التي يحتويها هذا الجسد، لها حياتها المستقلّة عن حياة الإنسان كفرد ؛ بدليل أنّنا يمكن أنْ نأخذ بعض خلايا من جسم الإنسان لزراعتها ودراستها بالمعمل، ولا تفقد حياتها بخروجها من جسم الإنسان، ومن الأمثلة الأُخرى استئصال كلية حيّة من جسم إنسان لزراعتها في جسم إنسانٍ آخر، إنّها لا تفقد حياتها، ولا تكسب حياةً جديدة من الجسد المنقولة إليه، بل تحيا بحياتها الأُولى طالما توافرت لها إمكانيّة الغذاء المناسب.

فالقلب والرئتان والكبد والكلى يمكن استئصالها واستبدالها بأعضاء أُخرى إنسانيّة، أو حتّى بلاستيكية، مع استمراريّة الذات الإنسانيّة وعدم تغيّرها إلاّ المخّ.

قد نظنّ الآن أنّ النفس الإنسانيّة تكمن في مخّ الإنسان ؛ لأنّه مكان استقبال جميع الحواسّ من: سمعٍ وبصرٍ وشمٍّ وذوقٍ ولمسٍ، إنّه مكان الاستقبال الوحيد من العالم الخارجي، كما أنّه يحتوي على مخازن الذاكرة من قراءات وسمع وبصر وغيرها والخبرات السابقة ومكان التفكير والابتكار، وبه تمّ إرساء الطباع والعادات والمثل المكتَسبة والمميِّزة لكلّ إنسانٍ، ومكان تواجد الغرائز الموروثة، كما أنّه مصدر الأفعال المترتّبة على ما

___________________

(١) الدماغ يبدأ تكوينه بعد تلقيح البويضة بأسابيع، ويكتمل في الأُسبوع الثاني عشر. ص١٢٧ رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

١٤٥

يستقبله من معلومات.

ولو نظرنا بتكبيرٍ مجهريٍّ داخل المخّ ؛ لوجدناه يتكوّن من ملايين الخلايا العصبيّة، التي تشبه البطّاريّات الكهربائيّة الصغيرة، يترجم فيها كلّ شيءٍ من: أحاسيس وأفكار ورغبات إلى ومضات كهربائيّة، تحملها أسلاكٌ دقيقة معزولة تنتهي إلى أطرافٍ دقيقةٍ تترجم هذه الومضات السابقة إلى طاقات كيميائيّة، تقوم بدورها بتنبيه خلايا أُخرى، وهكذا تستقبل الأحاسيس من سمعيّة وبصريّة، وخلافه وتنفّذ المهام من فكر وأفعال.

وهنا يجب أنْ نلاحظ أنّ جميع الأحاسيس الواردة للمخّ، وأيضاً جميع الإشارات الصادرة عنه لتنفيذ المهام، تصل منها للعلم إلى مكان معيّن للمخّ يكون باستمرار على علمٍ تامٍّ بمجريات الأُمور، وذلك هو جذع المخّ، وعلى الأدق: نسيج معيّن داخله يُسمّى النسيج الشبكي.

وهذا الجزء له تأثيرٌ كبيرٌ على أجزاء المخّ الأُخرى، وقد أثبتت البحوث الكثيرة أنّ هذا النسيج الشبكي هو المسؤول عن وَعي الإنسان(١) ، وأنّه إذا فقد الإنسان وعيه لسبب أو آخر فإنّ ذلك يحدث ؛ لأنّ هذا النسيج قد تعرض لضررٍ ما، وذلك كالإصابة في الحوادث، أو بالتأثير من السموم أو الأمراض.

ويدخل في ذلك التخدير أو تعاطي العقاقير من منوِّمةٍ ومهدِّئةٍ مهلوسةٍ، وهو المسؤول عن نوم الإنسان ويقظته... ويبدو لنا الآن أنّ هذا

___________________

(١) قيل: يمكن أنْ يتلف النصفان الكرويان ويستمرّ الإنسان في الحياة ؛ لأنّ جذع المخّ هو الذي ينظّم التنفّس، وبالتالي يستمرّ المريض أو المصاب في الحياة، وإنّما ذهاب النصفين الكرويين يعني: فقده للإحساس وللحركة وللفهم وللكلام وللسمع، ولكنّه كائنٌ حيّ بالحياة الجسديّة، ص٧٧ رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

١٤٦

هو في الغالب مكمن النفس الإنسانيّة(١) .

وعند توقّف القلب عن العمل نهائيّاً لأيّ سببٍ من الأسباب، يتبعه فوراً فقدان الوعي وتوقّف التنفّس، وهما وظيفتان من وظائف المخّ الذي لا يتحمّل توقّف دورته الدمويّة إلاّ لثوان معدودة، ولو أنّ الخلايا تظلّ حيّةً لبضع دقائق، إلاّ أنّها تتوقّف في أثنائها عن العمل(٢) .

وأمّا العضلات والعِظام والجلد، فقد تستطيع الحياة لمدّة ساعات بعد توقّف القلب والدورة الدمويّة. وقد يمكن أحياناً أن يعود القلب للعمل، ويبدأ التنفّس الذاتي في العمل من جديد ( في الدقائق اليسيرة ) ويعود الإنسان إلى وعيه، ففي هذه الفترة الحرجة التي يُعتبر الإنسان فيها ميّتاً بكلّ المقاييس الإكلينيكيّة الطبيّة، ولكنّه بالفعل لا يكون ميّتاً ؛ لأنّ مخّه ومن ثمّ معظم أعضاء الجسم لا زالت حيّةً.

وقد يعود القلب والتنفّس للعمل بعد فترة الدقائق الأربع، بعددٍ من الثواني ولكنّ قشرة المخّ الحسّاسة قد تكون تلفت جزئيّاً أو كليّاً على حين تستمرّ أجزاء المخّ الأُخرى، ومنها جذع المخّ في العمل، وقد يحدث هذا التلف نفسه نتيجة هبوطٍ شديدٍ في ضغط الدم لفترةٍ طويلةِ حتّى بدون

___________________

(١) وسيأتي توضيح حول كيفيّة تعلّق الروح بالبدن عن قريب، إن شاء الله، ولا عبرة بتعابير مثل الكمون والمكمن وأمثالهما فإنّها غير دقيقة.

(٢) لكن نقلت وكالات الأنباء في الشهر السابع من ١٩٩٦ م: أنّ امرأةً صينيّة توقّف قلبها ٤٥ دقيقة إثر اتّصالها بالبرق، ثمّ رجع قلبها إلى الحركة، واحتيت وقال الأطبّاء: إنّه لم يُرَ لحدّ الآن مَن رجع إلى الحياة بعد توقّف قلبه وجهاز تنفّسه في هذا الوقت الطويل.

ولاحظ أوّل حاشية في الفصل الرابع جواباً لهذه المشكلة، فما ذكرته وكالات الأنباء إنّما يصير مشكلةً إذا علم الأطبّاء توقّف القلب، لا توقّفه عن النبض فقط.

١٤٧

توقّف القلب والتنفّس، وذلك لوصول الغذاء للمخّ بكمّيّات غير كافية في هذه المدّة، وقد يحدث ذلك نتيجة إصابة شديدة غير مميتة للمخّ، ولا علاج حينئذٍ، فخلايا المخّ التي تموت لا يمكن تعويضها.

وفي حالة فقدٍ كاملٍ للوعي يستمرّ هذا الإنسان في حياة جسديّة مدّة حياةٍ كاملة ؛ على هذا الوضع بالرعاية الطبيّة، ويتنفّس ذاتيّاً ؛ لأنّ جذع المخّ سليم، لكن مثل هذه الحياة لا يكون إلاّ داخل مستشفى، وهي بالتأكيد كارثة اقتصادية، مع انعدام الأمل في عودة المريض إلى وعيه، وقد شُوهد مريض كذلك استمرّت حياته ( ١٥ ) عاماً في أُوربا(١) .

وقد يموت المخّ أوّلاً فيؤدّي إلى وفاة الإنسان، حتّى إذا كانت بقيّة الأعضاء الأُخرى، بما في ذلك القلب سليمة، كما في بعض إصابات الرأس الشديدة في حوادث الطرق، أو السقوط من أماكن مرتفعة وغير ذلك، فيموت المخّ بالكامل، أو أساساً جذع المخّ، وطبيعي تبدأ سلسلة الموت في هذه الحالة بفقد الوعي، وتوقّف التنفّس وانقطاع الأُوكسجين عن الدم، إنّ الدورة الدمويّة التي ما تزال تعمل، ينقص فيها الأُوكسجين ويتراكم ثاني أوكسيد الكربون، وبالتدريج تموت بقيّة الأعضاء الأُخرى، ولا يعود المخّ بتزويد الجسم بالأُوكسجين بواسطة أجهزة التنفّس الصناعي، فإنّ خلايا

___________________

(١) إذا قلنا إنّه لسلامة جذع مخّه حيّ ومحكوم بالحياة، لكن لا يبعد أنْ نقول بعدم وجوب حفظه عن الموت ؛ لأنّ هذا الوجوب لم يدل عليه دليلٌ لفظيٌّ نتمسّك بإطلاقه، كما لا يخفى على الخبير المتعمّق في الفقه، ولا يشتبه عليك وجوب حفظ النفس المحترمة بحرمة قتله وبينهما بونٌ بعيدٌ، وعليه، فإذا لم يدفع المال لحفظه - والحال هذه - وقطع الطبيب الآلات الطبّيّة فمات نهائيّاً لا ترجع تبعة موته إلى أحد، فقد أماته الله سبحانه وتعالى، فلاحظ وتأمّل، ولاحظ ما ذكرنا في ج٣ من كتابنا حدود الشريعة، مادّة الحفظ ؛ تعلم أنّ وجوب الحفظ لا يشمل مثل المقام.

١٤٨

المخّ التالفة لا يمكن تعويضها.

والخلاصة: إنّ توقف القلب عن العمل لا يعني بالضرورة الوفاة ( فترة الدقائق الأربع ) كما أنّ استمرار القلب في العمل بعد موت المخّ لا يعني الحياة(١) .

وقال بعضهم: إنّ المخّ يحتمل توقّف القلب أقل من أربع دقائق، فإذا القلب يعود لعمله بعد ذلك بقي المخّ تالفاً، كما أنّ توقّف التنفّس يتبعه توقّف القلب بعد أقل من ذلك(٢) .

وخلاصة ذلك: أنّ موت الإنسان بموت مخّه، وأمّا تحديد وقت وفاة المخّ فهنا أكثر من طريقة له ولكنّ أكثرها دقةً وتحديداً هي أن يُوصَل أي مريض مصاب بإصابة شديدة بالمخّ بأجهزة تخطيط المخّ، أو أجهزة قياس عمل المخّ، أو أجهزة فحص عمل جذع المخّ، فإنّها دقيقة تقوم بتحديد المطلوب(٣) .

___________________

(١) انتخبنا ما في المتن ممّا ذُكر في ص٣٣٤ إلى ص٣٤٢ من الحياة الإنسانيّة بدايتها ونهايتها.

(٢) قيل: يخرج من المخّ عشرات الألياف العصبيّة ( الأعصاب ) من خلال ثقوب في الجمجمة والعمود الفقري، كما أنّ الكثير من الشرايين والأوردة تنقل إليه ومنه الدم اللاّزم لتغذيته، إن الجهاز العصبي المركزي، والمخّ بصفةٍ خاصّةٍ، لا يتحمّل تغييرات فيزيائيّة أو كيميائيّة في المحيط الذي يعيش فيه إلاّ في نطاق محدود جدّاً، فمثلاً:

التغيير في درجات الحرارة بالنسبة لأعضاء أُخرى كالجلد تتحمّل إلى عشر أو عشرين درجة مئويّة صعوداً أو هبوطاً من الدرجة العادية ( ٣٧ ) إلاّ أنّ المخّ لا يتحمّل انخفاضاً أكثر من درجتين وإلاّ ابتدأ عمله في التأثّر، وقد يغيب الإنسان عن وعيه فيما يشبه النوم، وهذا ما حدث لجيوش نابليون عند هجومها على روسيا في الشتاء القارس البرد، وسبب اندحاره وهزيمته. كما أنّ ازدياد درجة حرارة المخّ عن ثلاث درجات قد يسبّب أيضاً فقدان الوعي، وقد يُصاب الإنسان بما يُسمّى ضربة شمس، ص٥٧ وص٥٨ رؤية إسلاميّة لزراعة الأعضاء البشريّة.

(٣) أظنّ آراء الأطبّاء في ذلك مختلفة، وبعضهم لا يطمئن بتحديد المطلوب فلا بُدّ من البحث في ذلك، ولاحظ ما يأتي في ص١٥٥ تجد صدق ما قلنا.

١٤٩

( ٣ )

أيضاً المخّ والقلب

ولمّا كان قرار تشخيص الموت يتبعه إيقاف الأجهزة الصناعيّة، ووقف أجهزة التنفّس يتبعه توقّف القلب، فقد كان من الضروري تمحيص هذه القضيّة ( أي اعتبار موت جذع الدماغ موتاً للمريض ) بصورةٍ أُخرى، فأجريت دراسة استقصائيّة للحالات التي تمّ فيها تشخيص موت الدماغ، ولكنّ الأجهزة لم توقف لسبب من الأسباب، وقد زادت على سبعمئة حالة، وقد ماتت الحالات جميعاً رغم استمرار الأجهزة. هذا وقد توقف القلب فيها بعد ساعات أو أيّام من موت الدماغ، وكان متوسّط المدّة ثلاثة أيّام ونصف إلى أربعة أيّام ونصف يوم، وأقصى مدّة سُجّلت لاستمرار القلب في الدقّ هي أربعة عشر يوماً(١) ... ولم يعش أحد ( من هذه الحالات ٧٠٠)...(٢) .

القلب يمكنه أن يتوقّف عن العمل تماماً بسبب قطع الأُوكسجين عنه، أو قطع وصول الدم الذي يحمل الأُوكسجين إليه، إمّا تلقائيّاً بسبب المرض أو بواسطة الجرّاح أثناء عمليّات القلب المفتوح.

وإذا حدث ذلك وحرارة القلب طبيعيّة ( أي بدون تبريد ) فإنّ القلب يبقى حيّاً، أو قابلاً للحياة لمدّةٍ تتراوح بين ٢٠ إلى ٣٠ دقيقة بدون تلفٍ كبيرٍ، وإذا عاد الأُوكسجين إلى القلب خلال هذه المّدة ( بعودة الدورة الدمويّة

___________________

(١) يتّجه هنا سؤال وهو أنّ اختلاف المدّة من ساعات إلى أربعة عشر يوماً هل لا يكون دليلاً على عدم علّيّة مشخّصة محدّدة من موت جذع المخّ لموت الشخص، فلابُدّ هنا من الانتظار حتّى تشخيص الحلقة المفقودة. فتأمّل فيه.

(٢) ص ٣٥٧ الحياة الإنسانيّة بدايتها ونهايتها.

١٥٠

التاجيّة ) يعود القلب إلى العمل كما كان، وإذا زادت فترة قطع الأُوكسجين يزداد التلف تدريجاً حتّى إذا وصلت المدّة إلى ٩٠ - ١٠٠ دقيقة ( أو أقل ) يفقد القلب قابليّته للحياة.

وأمّا مع التبريد فيحتمل القلب قطع الأُوكسجين ساعات بدون تلف(١) وبالنسبة للمخّ فتوجد ظروف مشابِهة لما ذُكر عن القلب إلاّ أنّ المخّ يفقد قابليّته إذا انقطع عنه الأُوكسجين لمدّة دقائق معدودة ( ٣ - ٥ دقائق ) وحرارته طبيعيّة، ومع التبريد يمكن للمخّ أن يعود للعمل بعد عدّة ساعات من التوقّف إذا عادت إليه الدمويّة الحاملة للأُوكسجين(٢) .

موت القلب ليس موت الفرد:

يمكن ان يتوقّف القلب عن العمل تماماً بصفة موقتة اوبصفة دائمة وتستمر حياة صاحبه بجسده وذكره وعاطفته وحواسه وإدراكه وكل مقومات شخصيته مادامت هناك مضخة بديله تضخ الدم وتسيره عبراً للدورة الدموية، وهذه المضخة يمكن أنْ تكون قلباً عضوياً آخر من إنسان أو حيوان أو تكون آلية(٣) .

موت المخّ موت الفرد:

موت المخّ يؤدّي بالضرورة إلى موت صاحبه. نعم من الممكن أنْ يتوقف المخّ عن العمل جزئيّاً لسبب ما، ثمّ يعود إلى حالته الطبيعيّة ما لم

___________________

(١) ص ٣٨٧ نفس المصدر.

(٢) ص ٣٨٨ نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر، وقيل القلب يتوقّف أحياناً عن النبض، ويظهر كأنّه مات ولكنّه لم يمت، وله قابليّة الحياة. وهنا التفرقة بين سكون القلب والموت، ص٥٢٩ نفس المصدر.

وقيل إنّ القلب كأيّ عضو في الجسم محتاج إلى غذاء وهواء: يعني الأُوكسجين، فإذا توقّفت دورة الدم لأي سببٍ كان يتوقّف عن العمل، ففيه جهاز كهربائي يساعده أو ينظِّم نبضه، ص٥٣٥ نفس المصدر.

١٥١

يفقد الحياة أو القابليّة للحياة تماماً، وأمّا إذا فقد القابليّة للحياة، وانعدمت كلّ المؤشِّرات الكهربائيّة فيه، فلا يمكن إصلاحه بعد ذلك، ولا يمكن للإنسان الحياة بدونه، ولا يوجد للمخّ بديل.

( ٤ )

اعتراضات على هذا القول وأجوبتها

١ - كيف يُحكم بموت إنسانٍ بموت مخّه، وربّما قلبه ما زال ينبض ؟

أُجيب عنه: بأنّ حياة عضوٍ لا يتعارض مع موت صاحبه، فمثلاً الشعر يستمر في النموّ لمدّة ٢٤ ساعة أو أكثر بعد موت صاحبه ودفنه، وبدون أيّ دورةٍ دمويّةٍ جاريةٍ، والقلب العضوي يمكنه أن يستمرّ خارج الجسد منفصلاً عن صاحبه مدّةً، إذا وُفّر له الغذاء والحرارة المناسبة، وفي هذا الأثناء يكون صاحبه قد مات ودُفن، وكذلك كثير من أعضاء الجسد.

وجدير بالذكر هنا أنْ نعلم أنّ الحياة على أقسام:

فمنها الحياة الإنسانيّة الواعية.

ومنها الحياة الجسديّة، وهي الحياة أثناء النوم، وأثناء التخدير وتعاطي السموم في إصابات المخّ، وحالات الغيبوبة وحالات وفاة قشر المخّ، هذه الحياة موجودة وفيها روح(١) .

ومنها الحياة العضويّة، وهي تكون بعد وفاة جذع المخّ، ولا زالت بعض الأعضاء موجودة حيّة. طبعاً ذلك يستدعي وجود تنفّس صناعي.

___________________

(١) نعم الفرق بين القسمين في مجرّد الوعي ونحوه، وأمّا كيفيّة علاقة الروح الإنسانيّة بالجسد في كلٍّ من الحالتين فهي مجهولة عندنا، أو بالأدق: عندي !

١٥٢

ومنها الحياة النسيجيّة.

ومنها الحياة الخلويّة(١) .

فلابُدّ من عدم اشتباه بعضها ببعضٍ آخر.

٢ - ولو أنّه لا يوجد حاليّاً بديل كامل للمخّ فإنّه يوجد بديل لأحد وظائفه، وهو تحريك الجهاز التنفّسي عن طريق آلة التنفّس، ممّا يوفّر الأُوكسجين للقلب وبقيّة الجسد، فيمكن له الاحتفاظ بقابليّتهم للحياة ولو لفترة من الزمان، فلماذا لا تُستعمل آلة التنفّس لفترة غير محدودة ؟

وأُجيب عنه، أوّلاً: بعدم إمكان الحفاظ على هذه الحالة لفترات غير محدودة، إذ تتدهور الحالة تدريجاً حتّى يتوقّف القلب العضوي والأعضاء الأُخرى، بالرغم من كلّ الآلات المستعملة.

وثانياً: بأنّه في أثناء الإبقاء على حياة بعض الأعضاء، يكون هنا انعدام تامّ لحركة الإنسان، وفكره وعاطفته وحواسّه وإدراكه، وكلّ مقوِّمات شخصيّته.

وثالثاً: بأنّ حياة بعض الأعضاء لا تعني بالضرورة حياة صاحبه(٢) .

وقد ذكر بعض الباحثين مثالاً لعدم دلالة نبض القلب على الحياة: بإنسانٍ قُطع رأسه، تلقّفه الأطبّاء وحفظوا الجسد المفصول ؛ فبقي القلب الموصول بالأجهزة نابضاً، ففي هذه الحالة لا يمكن لأحدٍ أنْ يدّعي بقاءَ الروح في جسدٍ بلا رأس، مهما كانت خلاياه حيّةً(٣) .

٣ - إذا كان قياس الدماغ - أي كهرباء الدماغ - يكفي بالحكم بالموت فلماذا تحدد السلطات الصحيّة في المملكة المتّحدة عام ( ١٩٧٧ ) شروطاً

___________________

(١) ص٥٢٥ الحياة الإنسانيّة.

(٢) ص٣٩٠ وص٣٩١ الحياة الإنسانيّة.

(٣) ص٤٢٥ نفس المصدر.

١٥٣

فلا بُدّ من توافرها لتشخيص موت الدماغ ؟

منها على سبيل المثال:

أوّلاً: أنْ يكون المريض في حالة غيبوبة عميقة، وأن نستبعد أسباب الغيبوبَة القابلة للعلاج كليّاً أو جزئيّاً، مثل العقاقير المهدّئة أو المنوِّمة، أو الانخفاض الشديد في حرارة الجسم.

ثانياً: أنْ يكون المريض معتمداً على أجهزة التنفّس الصناعي لانعدام التنفس التلقائي.

ثالثاً: ألاّ يكون هناك شكّ في وجود تلفٍ في الدماغ غير قابلٍ للعلاج، مثل: إصابة بالرأس، أو نزيف تلقائيّ بالدّماغ، أو بعد عمليّة جراحيّة في المخّ ونحو ذلك.

رابعاً: أنْ يثبت الفحص السريري علامات موت جذع الدماغ، كاتّساع العينين اتساعاً ثابتاً لا يتأثّر بالضوء، وانعدام التأثّر الانعكاسي في منطقة الأعصاب القحفيّة(١) ، وهكذا.

خامساً: انعدام الاستجابة لمحاولات تنبيه التنفّس التلقائي(٢) .

وأجاب عنه بعض الأطبّاء: بأنّ وضع هذه الشروط لمجرّد التأكيد والاحتياط، لا لغير ذلك. لكنّ موضوع الاحتياط هو الاحتمال المنافي للعلم، إذ مع العلم لا معنى للاحتياط.

٤ - ليس من الإمكان ببعيد مجيء يومٍ يتمكّن العلم المتطور من إعادة النشاط الكهربائي للدماغ، أو نقل جذع الدماغ من بدنٍ إلى بدنٍ آخر(٣) .

___________________

(١) في المنجد: القِحف ج أقحاف وقحوف وقحفة: العظم الذي فوق الدماغ. ما انفلق من الجمجمة فانفصل. إناء من خشب مثل قحف الرأس كأنّه نصف قدح..

(٢) ص٣٥٥ نفس المصدر السابق.

(٣) إذا فرضنا حياة فردٍ بنقل مخّ فردٍ آخر كزيد، فإن وجدنا الفرد المذكور بأفكاره

=

١٥٤

أقول : لكنّنا نتكلّم الآن حسب الظروف الموجودة، فلابدّ أنْ نقول بموت الفرد بموت جذع مخّه، حتّى إذا جاء نَصْرُ العلم وفَتْح الطبّ ؛ فنقول بما اقتضاه الوقت.

٥ - الحكايات الكثيرة المتفرِّقة التي يتناقلها الناس من أنّ فلاناً مات ثمّ صار حيّاً قبل الدفن، أو بعد الدفن، ثمّ رجع إلى الأحياء، أو مات مرّةً أُخرى في قبره كما فهم ذلك بعد نبش قبره، وهذه الحكايات وإن لم نصدّق بجميعها لكن لا مجال لتكذيب كلّها، ففي هذه الموارد بالطبع كان القلب متوقّفاً طيلة تلك المدّة، والمريض لا وعي له ولا إدراك ولا حراك، وسواءٌ مات المخ أم لم يمت، فإنّ حياةً مثل هذا الفرد يبطل القول المذكور.

وأجاب عنه بعض الأطبّاء: بأنّ مردّ هذا في الغالب إلى خطأٍ في التشخيص، فلعلّهم تبيّنوا توقّف قلبه بحبس نبضه، أو حبس نبض شرايين الرقبة، أو الاستماع إلى صدره، وقد تعجز الحواسّ الطبيعيّة عن أنْ تذكر الاختلاجات الضعيفة، ولعلّهم إنْ رسم لهم رسّام القلب الكهربائي، كانوا يستنبطون أنّه حيّ..(١) .

٦ - نُقل عن جريدة الأهرام ( ٣٠/٩/١٩٨٤ ) خبرٌ وهو:

___________________

=

وعواطفه وجميع مشخّصاته السابقة، فهو ينقض القول السائد اليوم بأنّ موت الفرد بموت مخّه. وأمّا إنْ وجدناه بمشخصات زيد وذاكرته وأفكاره واتجاهاته فلا ينقضه ؛ لإمكان القول أو صحّته بأنّ هذا الفرد لم يحيى، بل الحي هو زيد ببدن ذلك الفرد، ومثل هذا الفرض سيوجب أسئلةً شرعيّةً وأخلاقيّةً واجتماعيّةً وروحيّةً، وأمره غامض جدّاً لا سيّما بالنسبة إلى الزوجة والأولاد والأقرباء.

وأظهر من هذا الفرض فرض زرع رأس أحدٍ في بدن آخر، إذا قدر الطبُّ عليه في دهر.

(١) ص٥٤٩ الحياة الإنسانيّة.

١٥٥

حالة وضع أثارت اهتمام العلماء في العالَم أجمع، تلك حالة السيّدة الفلنديّة انجاليتالو ٣٢ عاماً، التي وضعت طفلها الرابع وهي في غيبوبة تامّة منذ شهرين ونصف، وقد دخلت الأُمّ في هذه الغيبوبة إثر إصابتها بنزيفٍ في المخّ.

والغريب أنّ الأُمّ قد توفّيت بعد أنْ وضعت طفلها ماركو بيومين... فقد كانت الأُمّ تتنفّس صناعيّاً، وتتغذّى بالأنابيب، ويُنقل لها دمٌ مرّةً أُسبوعا، وذلك لمدّة عشرة أسابيع(١) .

وأُجيب عنه: بأنّ الأُمّ لم تكن حيّة وليس لها روح، وإنّما هي استُعملت كحاضنةٍ صناعيّةٍ للجنين الذي في جوفها.

٧ - إنّ تعطيل الحواسّ لا يستلزم فقد الحياة، وإلاّ لكان النائم والمجنون والمغشيّ عليه فاقدين للحياة. ألا ترى أنّ القرآن الكريم لم يحكم على أصحاب الكهف - مع الغيبوبة الطويلة ( ٣٠٩ أعوام ) بأنّهم أموات بل المستفاد من قوله تعالى:

( وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ ) (٢) حياتهم، وكذا في قوله سبحانه:( لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا ) (٣) قيل ذلك لطول شعورهم ونموّ أظافرهم ولحاهم، إلى غير ذلك ممّا يغيّر الملامح، ويخيف عند زيادته عن المألوف.

أقول : مرّ جواب هذا مجملاً في بعض المسائل المتقدِّمة ( بداية الحياة الإنسانيّة ).

ويقول بعض الأطباء: إنّ كلّ غيبوبة لا تدلّ على موت المخّ، ولا بدّ أن يستبعد الطبيب هنا الأسباب التي تؤدّي إلى غيبوبة قابلة للعلاج، كالمواد المخدِّرة والبرودة الشديدة في البلاد التي فيها بردٌ شديدٌ، وعندما لا يتأكّد

___________________

(١) ص٤٤٧ نفس المصدر.

(٢ و ٣) الكهف آية ١٨.

١٥٦

عندنا سبب الغيبة لا نشخِّص موت جذع الدماغ(١) .

وأوضحه بعض الاختصاصيّين بقوله: إنّ جذع المخّ نسمّيه المراحل الدنيا أو الأقل، وأمّا المراحل العليا أو المراكز العليا فهي مرحلة القشرة.

المراحل الدنيا لا تعني أهمّيّتها بالنسبة للحياة بالعكس من المراحل العليا - المنطقة العليا هي التي تميّز الإنسان عن الحيوان، بما رزقه الله تعالى من ملكات إنسانيّة - ولكنّ المراحل ( أو المنطقة) الدنيا هي الحدّ الأدنى اللاّزم للحياة هو جذع المخّ ؛ لذلك قيل المعتوه ليس ميّتاً ؛ لأنّه فقد الخاصّة العليا وهي قشرة المخّ، ولكنّه مازال يحتفظ بالحد الأدنى وهو جذع المخّ، هو فيصل التعريف بين الحياة والموت(٢) .

٨ - يقول طبيبٌ: كانت عندنا مريضة كان فيها كسر، عملنا لها عمليّة قلب مفتوح وعلى طول العمليّات توفّيت، عملنا لها عمليّة إنعاش، عملنا لها مرّتين، وبعدها صحت واستمرّت، وبعد العمليّة ما صحت وظلت فاقدةً الوعي لمدّة ثلاثة أشهر، وبعد ثلاثة أشهر والرئيس أقنعني بأنّ توقف كلّ حاجةٍ وتتركها تموت ؛ لأنّها انتهت، فأنا طرحت عليه وقلت له: إنّني سمعت أشياء تجريبيّة على الحيوانات أنّ بعضهم يعطيها جرعةً كبيرة من الكورتيزون وهي متوفّرة أصلاً، وما في ضررٍ نجرّب عليها، وفعلاً أُعطيت الجرعة العاديّة ثلاثين مرّة، وبعد ثلاث ساعات صحت، خرجت من المستشفى وذهبت إلى بيتها(٣) .

وأُجيب عنه: أنّه بطبيعة الحال لم يكن جذع المخّ قد مات.

___________________

(١) ص٥١٨ الحياة الإنسانيّة.

(٢) ص٥٤١ نفس المصدر.

(٣) ص٥١٨ نفس المصدر.

١٥٧

( ٥ )

شواهد على صحّة قول الأطبّاء الجدد

١ - حركة القلب توجد في الجنين قبل تعلّق الروح الإنسانيّة، فلا تتعلّق بالحياة الإنسانيّة في الابتداء والانتهاء، كما ذكرناه سابقاً أيضاً.

لا يُقال: المخّ أيضاً يتكامل في الأُسبوع الثاني عشر - كما سبق أيضاً - فقياساً على قولك، يُقال: إنّ عمل المخّ لا يدلّ على الحياة.

فإنّا نقول: مطلق العمل لا يدلّ على تحقّق الحياة الإنسانيّة، بل العمل الخاصّ وهو العمل الإرادي، وإدراك الكلّيّات والعواطف وسائر الملكات، ولو في الجملة وأنّى لك بإثباتها، فلاحظ.

٢ - من صفات الروح أو آثارها العواطف الإنسانيّة والإدراك، وحيث إنّهما تذهبان بذهاب المخّ فلم تبق الحياة الإنسانيّة فيكشف أنّ الروح تدور مدار المخّ، وإن احتمل ذهاب العواطف لفساد المحلّ، فلا يُحتمل ذلك في إدراك الكلّيّات التي يستقلّ به الروح.

٣ - الإدراكات الحسيّة من الحواس الخمس، كلّها تنشأ وترجع إلى المخّ دون القلب العضوي، بل نسبته إلى الإدراكات كنسبة اليد والرجل والأنف والبطن والعضد - مثلاً - إليها، كما هو واضح في مثل هذه الأعصار.

وربّما يمكن أنْ يتوهّم أحدٌ: بأنّ الإدراكات الحسيّة لمكان اتّصاف الحيوانات، أو معظمها بها أو بأكثرها لا تخصّ الروح الإنسانيّة، بل الروح الحيوانيّة.

وجوابه: أنّها في الإنسان ترجع إلى روحه الإنسانيّ، إذ لا تتعدّد أرواحه، وليس له روحان حيوانيّ وإنسانيّ.

١٥٨

٤ - لو كان الروح متعلِّقة بالقلب حدوثاً وبقاءً ؛ لذهبت بذهابه وتعويضه بقلب بلاستيكي، لكنّها باقيةٌ بتمام مشخّصاتها مع التعويض المذكور.

فهذه الأُمور إنْ لم تكن بتمامها دلائل على موت الفرد بموت مخّه، فلا أقل من كونها شواهد عليه.

( ٦ )

عجيبة

المخّ بما له من المكانة المعقّدة المهمّة التي تحيّر العقول، وهو جهازٌ لا نظير ولا مثيل له في الكون - ظاهراً - وقد قيل: لو أراد الإنسان أن يصنع مثله من الفِلزّ لما وسعته كرة الأرض !!! فسبحانَ من مبدعٍ وحكيمٍ وقديرٍ وعليمٍ وخالقٍ، وعنت الوجوه للحيّ القيّوم.

ولكن مع ذلك فقد أهمله القرآن المجيد، ولم يذكره مطلقاً - حسب فهمي القاصر - لا من حيث دلالته على صفات الله الكماليّة والجماليّة ( الثبوتيّة الذاتيّة والفعليّة ) ولا من حيث بيان أعظم سننه بعد الروح على الإنسان، ولا من حيث تعلّق الروح به. وهذا ممّا لا أفهم له وجهاً.

ما للتراب وللعلوم وإنّما

يسعى ليعلم أنّه لا يعلمُ

( ٧ )

علاقة الروح بالبدن

مقتضى الآيات القرآنيّة والأحاديث المعتبَرة والبراهين العقليّة - على

١٥٩

ما سبق بعضها في مسألة بداية الحياة الإنسانيّة - أنّ للإنسان روحاً ونفساً وبدناً، وهذا أمرٌ مقطوعٌ لا ريب فيه.

وتقدّم أنْ قلنا: إنّ الروح والنفس مفهومان منطبقان على مصداقٍ واحدٍ جزماً أو وجداناً.

والكلام هنا في بيان كيفيّة علاقة الروح بالبدن، وفيها احتمالات أو أقوال:

١ - علاقة الروح بالبدن علاقة الحال بالمحلّ، كما عن أهل السنّة ( الأشاعرة ) حيث قالوا: إنّ الإنسان مكوّن من جسد وروح تحلّ في هذا الجسد مادام صالحاً لاستقبال الروح(١) ، ونسمّيه بالعلاقة الحلوليّة كحلول الأمراض بالبدن، وكحلول جملة من الأعراض بالجسم.

٢ - علاقتها به كعلاقة العرض بموضوعه ( حسب المصطلح في الكلام والحكمة )، نسبه الرازي إلى المعتزلة ( الذين يتبعون العقل في المعارف بدل متابعة أبي الحسن الأشعري )، وأنهم قالوا: إنّ الحياة عرض قائم بالجسم، أي أنّ الروح عرض قائم بذلك الجسم، فجعلوا الروح غير منفصلة عن الجسم، كما هي منفصلة عنه على القول الأوّل(٢) .

لكن لا وثوق لنا بنقل الرازي، فلا يثبت هذا عن المعتزلة، ولم يمكنني - في هذا البلد البعيد عن العلم وأهله - الرجوع إلى كتبهم، والله العالم.

٣ - أو كعلاقة الراكب بالمركب ؟

٤ - أو كعلاقة المظروف بالظرف ؟

٥ - أو كعلاقة المَلِك بمملكته ورئيس الجمهوريّة ببلاده، فهي علاقة

___________________

(١ و ٢) ص٤٦٥ الحياة الإنسانيّة، نقلاً عن تفسير الرازي.

١٦٠

تدبيريّة.

لا يُستفاد من الآيات المتضمّنة لبيان نفس الإنسان شيء من تلك الخصوصيّات على ما أفهم - وفهمي قاصر - وكذا من قوله تعالى:( ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ) (١) ، بناءً على نظارته إلى الروح كما هو الأظهر - وقد مرّت الإشارة إليه في مسألة بداية الحياة الإنسانيّة.

نعم ما ورد في آدم وعيسىعليهما‌السلام ربّما يشير إلى موضوعنا هذا، كقوله سبحانه وتعالى:( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) ( السجدة ٩ ).

وقوله تعالى:( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) ( الحجر ٢٩ - ص٧٢ ).

وقوله تعالى:( وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ) ( الأنبياء ٩١ ).

وقوله تعالى:( وَ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ) (التحريم ١٢).

أقول : أولاً: أنّه لا فرق بين آدم وعيسىعليهما‌السلام وغيره من الآدميّين في كيفيّة نفخ الروح(٢) .

وثانياً: أنّ هذه الروح هي روح الإنسان لا شيء غيرها، وإضافتها إلى الله سبحانه كإضافة البيت والكتاب والأهل إليه ( بيت الله كتاب الله أهل الله )، وهي إضافة تشريفيّة فقط، وتؤكِّد هذا جملةٌ من الأحاديث:

ففي صحيح الأحول المروي في الكافي ( ج١ ص١٣٣ ) قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الروح التي في آدمعليه‌السلام قوله: ( فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي )، قال: ( هذه روح مخلوقة والروح في عيسى مخلوقة ).

___________________

(١) المؤمنون آية ١٤.

(٢) نعم مقتضى الآية الأخيرة أنّ نفخ الروح في الجنين من فرج أُمّه، ومقتضى بعض الروايات أنّه من فمها، والعمدة هي الآية الكريمة.

١٦١

وفي حسنة حمران ( نفس المصدر ): سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ:( وروح منه ) ، قال:

( هي روح الله مخلوقة خلقها الله في آدم وعيسى ).

وفي صحيح محمّد بن مسلم المروي عن معاني الأخبار، قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ:

( ونفخت فيه من روحي ) ، قال: ( روح اختاره الله واصطفاه وخَلقه وأضافه إلى نفسه، وفضّله على جميع الأرواح، فنفخ منه في آدم ) ج١٤ ص١١ بحار الأنوار.

وثالثاً: أنّ الآيات والأحاديث لا تدلاّن على أنّ الله نفخ الروح في آدم وعيسى ؛ حتّى يُقال بمثله في جميع بني آدم فيصحّ القول الأوّل ونحوه، بل مدلولها أن الله نفخ من الروح فيهما، فالروح منفوخ منها لا منفوخة، وهذا يظهر بأدَنى تعمّقٍ في الآيات الكريمة.

وأنا أظنّ - والله العالم العاصم الهادي - أنّ المراد بالنفخ هو الإحياء، فمعنى الآيات على هذا: أنّ الله أحيى آدم وعيسى من الروح، فالروح مبدأ الحياة لا نفسها، والظاهر أنّ علاقة الروح بالبدن تدبيريّة، فليست بداخلة في البدن ولا راكبة ولا البدن ظرفها، وإذا قلنا بتجرّد الروح كما هو الظاهر، فلا بُدّ من اختيار هذا القول عقلاً.

فإنْ قال قائلٌ: فما تقول في قوله تعالى:( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ) (١) الدال على دخول الروح في البدن ؟

فقد أُجيب عنه بأنّ بلوغ النفس الحلقوم كناية عن الإشراف التامّ للموت، فليس المراد حركة الروح من الأسفل إلى الحلقوم حركة مكانيّة، وكذا الكلام في قوله تعالى:( کَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ) (٢) .

___________________

(١) الواقعة آية ٣٦.

(٢) القيامة آية ٢٦.

١٦٢

والأظهر عندي : أنّه لا دليل على رجوع الضمير في قوله تعالى:( بَلَغَتِ ) إلى الروح، ويُحتمل قويّاً رجوعه إلى الحياة الإنسانيّة القائمة بجميع البدن والرأس الناشئة من الروح كما ذكرنا قبيل هذا، ومع هذا الاحتمال لا يبقى مستمسكٌ لمَن يظنّ أنّ الروح داخلة في البدن، وتخرج منه خروج جسم من جسم.

وأمّا قوله تعالى في حقّ مجاهدي غزوة الخندق:( وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ) (١) ، فلا تكون قرينة على أنّ الضمير في الآيتين المُشار إليهما - أيضاً - يرجع إلى القلوب، على أنّه - أيضاً - كناية جزماً، والله أعلم وهو الهادي.

( ٨ )

الروح مجرّدة أو جسم لطيف ؟

ذهب جمعٌ من المتكلّمين إلى أنّها جسم لطيف، وذهب جمعٌ من الحكماء إلى أنّها مجرّدة عن المادّة ولواحقها كالزمان والمكان، بل مال الحكيم السبزواريرحمه‌الله تبعاً لشهاب الدين السهروردي شيخ الإشراق إلى أنّها لا ماهيّة لها أيضاً(٢) ، وقبوله بل تصوّره مشكل.

فالروح على المشهور عند الحكماء جوهر مجرّد له نحو اتّصال وعلاقة بالبدن، وقد أُقيمت عليه دلائل عقليّة وعلميّة، ولا بأس بالاعتماد على مجموعها، ومَن شاء فليراجع إلى محالّها فان نقلها وتفصيلها لا تناسب هذا الكتاب، والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأُمور وبواطن الأشياء.

___________________

(١) الأحزاب آية ١٠.

(٢) شرح المنظومة.

١٦٣

( ٩ )

القلب في القرآن

ذُكِرَتْ لفظتا القلب والقلوب في آيات كثيرة من القرآن، وأُسندت إليه في تلك الآيات أُمور كثيرة: كالإثم، والاطمئنان، والغفلة، والمرض، والختم، والهداية، والرعب، وعدم الفقه، والزيغ، والتقوى، والتعقل وعدمه، والعمى، والتقلّب، والاشمئزاز، والكظم، والقفل، وإنزال السكينة، وإنزال الوحي، وجعل الرأفة، والرحمة، والكسب، والأُلفة، والخير، والتعمد، والطهارة، وزينة الاِيمان، وعدم دخول الاِيمان، والطبع، والحسرة، والوجل، والريب، والغيظ، واللهو، والإخبات، وامتحان التقوى، والخشوع، وغير ذلك.

والقلب عضوٌ عضليٌّ أجوفٌ يستقبل الدم من الأوردة، ويدفعه في الشرايين في الجهة اليسرى من التجويف الصدري.

نعم، ذكر أهل اللّغة له معانٍ أُخرى: كالعقل واللُّبّ والفؤاد( عن مختار الصحاح ) ، ووسط الشيء ولبّه ومحضه وخالص الشيء وخياره( عن المعجم الوسيط ) ، ونفس الشيء وحقيقته(عن لسان العرب ) .

وفي المنجد : القلب...: العقل، قلب الجيش وسطه، قلب كلّ شيءٍ لبّه ومحضه، ويقال: رجل قلب، أي: خالص النسب.

فمعان القلب بعد معناه المعروف: هو العقل - واليه يرجع اللّبّ ظاهراً - وخالص الشيء ومحضه وخياره، ونفس الشيء وحقيقته، هذه المفاهيم الأخيرة يصحّ انطباقها على الروح، وعليه فالقلب هو العضو الخاص

١٦٤

المعروف والعقل والروح(١) .

وحيث إنّ الأُمور المنسوبة إليه في القرآن كلّها من صفات النفس والروح قطعاً، ونسبتها إلى القلب العضلي كنسبتها إلى سائر الأعضاء من اليد والرجل ونحوهما في البطلان، تعيّن حمل القلب على معنى الروح، وحينئذٍ فلا إشكال.

لكنّ تأويل آيات القرآن بهذه السهولة غير ميسّر، بل هو غير جائز ما لم يدعمه دليلٌ شرعيٌّ معتَبَر، إذا لم يثبت أنّ النفس أو الروح معنى حقيقي أو منصرف إليه لفظ القلب، كما هو كذلك عندنا، إذ المفهوم المتبادر ما يقصده الأطبّاء، فلاحظ.

على أنّ في تأويل القرآن - وهو السند الأصيل للإسلام والنبوّة الخاتميّة - مع الغضّ عن منعه الشرعي إشكالاً قويّاً ليس هنا موضع بيانه، والذي يمكن أنْ يركن إليه في فهم معنى القلب آيات نذكر بعضها.

١ - قوله سبحانه وتعالى:( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) (٢) ( الحجّ ٤٦ ).

٢ -( وَ لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِکُمْ وَ لِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِکُمْ ) ( آل عمران ١٥٤ ).

٣ -( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) ( الأحزاب ٤ ).

٤ -( وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ) ( الأحزاب ١٠ ).

أقول : الآية الأُولى ظاهرة بل صريحة على أنّ المراد بالقلب الذي وُصف بالعمى هو العضو المعروف، ضرورة أنّ العقل والروح ليسا في

___________________

(١) وهل هو في المعنيين الأخيرين حقيقة لغوية، أو مجاز أخذوه من الاستعمالات الخاصّة فيه وجهان.

(٢) ومن عجيب التأويل فيه: حمل الصدر على الجمجمة، وحمل القلب على المخّ !!!

١٦٥

الصدر.

والآية الثانية كالنّصّ على تباين الصدر والقلب إن لم يحمل قوله تعالى:وليمحص ... على أنّه عطف بيان، كما هو الأظهر حسب القاعدة، وإلاّ لدلت على اتّحاد الصدر والقلب، وحينئذٍ لابُدّ من حملهما على معنى ثالث ضرورة تباين العضوان المادّيّان، وعلى كلٍّ لا يُستفاد منها المراد من القلب على فرض كون العطف لغير البيان.

والثالثة كالأُولى ظاهرة في إرادة العضو المشهور.

وأمّا الرابعة فتُحمل على المعنى الكنائي، كشدّة حال الصحابة الحاضرين في غزوة الأحزاب، سواء أُريد بالقلوب معناها المتبادر أو الأرواح.

فإن جعلنا الآيتين الأُولى والثالثة قرينتين عامّتين لجميع الموارد المستعملة فيها القلب فهو، وإلاّ فيبقى معناه مجهولاً في محدودة تفسير الآيات الكريمة، إلاّ أنّ يُدّعى تبادره إلى العضو المشهور، وأنّ الروح أو العقل معنى مجازي لا يُحمل عليه لفظ القلب إلاّ مع القرينة، فتأمّل.

وجعل بعض المفسّرين قوله تعالى:( وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) ( البقرة ٢٢٥ )، من الشواهد على إرادة النفس والروح من القلب، فإنّ التعقّل والتفكّر، والحبّ والبغض، والخوف، وأمثال ذلك، وإنْ أمكن أنْ ينسبها أحد إلى القلب باعتقاد أنّه العضو المدرك في البدن على ما ربّما يعتقده العامّة، كما يُنسب السمع إلى الأُذن، والإبصار إلى العين، والذوق إلى اللسان، لكنّ الكسب والاكتساب ممّا لا يُنسب إلاّ إلى الإنسان ألبتّة(١) .

___________________

(١) ص٢٢٤ ج٢ تفسير الميزان، ولمؤلِّفهرحمه‌الله بيان في معنى القلب في القرآن، لم نر

=

١٦٦

أقول : الكسب المستتبع للمؤاخذة قد يكون بأعمال جوارحيّة، وقد يكون بأفعال أو صفات قلبيّة، كما يظهر ممّا ذكرناه في أوّل هذا البحث، فما ذكره هذا القائل لا يُعتمد عليه.

ثمّ إنّ المنقول عن ابن سينا: أنّه رجّح كون الإدراك للقلب بمعنى أنّ دخالة الدماغ فيه دخالة الآلة، فللقلب الإدراك، وللدماغ الوساطة(١) .

أقول : وضعفه ظاهر، وكم للفلاسفة تخرّصات بالغيب، وحدسيات باطلة، وتحكّمات بغير حقٍّ، فهمناها من العلم الحديث المبنيّ على الحسّ، نعم هو حقّ إنْ بدّلنا القلب بالروح.

والمقام عندي من المشكلات، ولا يهتدي فكري القاصر إلى فهم مراده تعالى من القلب، فادعوه متضرّعاً وراجياً، ربّ زدني علماً وما كنا لنهتدي لولا أنْ هديتنا.

ولُبّ التحيّر: أنّ نسبة الذوق، والشمّ، والسمع، والبصر، واللمس، إلى الأعضاء الخمسة ظاهرة ؛ لأنّها محالّ هذه الإدراكات، وإنْ لم تكن مدركاتها، ولكنّ نسبة الأُمور المتقدّمة في أوّل هذا البحث إلى القلب العضلي غير صحيحة، إلاّ إذا وجد بينه وبين الروح رابطة مصحّحة لنسبة أفعالها، وصفاتها إليه، وهذه الرابطة لم تثبتها العلوم التجريبيّة، ولا البراهين العقليّة لحد الآن، والعلم في تطورّه بعد، والله العالم.

نعم لا شكّ في وجود رابطة لائقة بين الروح والمخّ كرابطة المصوّر

___________________

=

فيه شيئاً مفيداً، ومن شاء فليراجعه. واعلم أنّ نسبة السمع إلى الأذن، والبصر إلى العين، والذوق إلى اللسان - مثلا - نسبة صحيحة، وإن كان المدرك هو الروح على ما هو الحقّ، لعلاقة شبه الحال والمحلّ، وأمّا نسبة الإدراك إلى القلب كنسبته إلى اليد - مثلاً - غير صحيحة، بعدما كشفت العلوم بطلان ما تزعمه العامّة من كون القلب مدركاً، فاهماً.

(١) تفسير الميزان ج ٢ ص ٢٢٥.

١٦٧

وجهاز التصوير، لكن حتّى اليوم إذا قلت لأحدٍ: حُبّك في مخّي، لربّما ضحك الناس، بخلاف ما لو قلت، حُبّك في قلبي ! لكنّ المتّبع هو العقل، أو العلم، دون حسبان العوام، وإنْ كان الحكم ببطلان حسبانهم في المقام لا يخلو عن زيادة جرأة.

فإن قلت: إنّ حسبان العوام ذلك نشأ من ظاهر القرآن المجيد، بعدما فسّر المفسِّرون آياته، أو ترجمها المترجمون، وذكرها المبلِّغون والمرشدون، فإذا أوجبنا تأويلها للقرينة الخارجيّة ؛ لا تبقى مشكلة في ردّ اعتقاد العوام بدرك القلب وفهمه.

قلت : أوّلاً إنّ المراد بالعوام ليس خصوص المسلمين، كما زعمت، بل مطلق الناس أو غالبهم، فإنّ نسبة العلم والفهم والحبّ والبغض وغير ذلك إلى القلب، موجودة مستعملة في لغات غير المسلمين، ممّن لم يسمعوا استعمالات القرآن المجيد، فكان معظم العقلاء من الآدميين اعتقدوا ذلك، وإلى هذا ينظر قولنا: إنّ ردّ حسبانهم في المقام لا يخلو عن زيادة جرأة.

وثانياً: إنّا لم نوجب تأويل الآيات القرآنيّة، بل منعنا منه وانتظرنا تطوّر العلم، حتّى يتوصّل إلى الحلقة المفقودة المتوسّطة بين الصفات النفسيّة، والقلب.

( ١٠ )

الصدر في القرآن

في القرآن آيات تدلّ على نسبة جملةٍ من الأُمور إلى الصدر:( بَل

١٦٨

هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (١) ،( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ مَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) (٢) ،( يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) (٣) ،( إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ ) (٤) ،( وَ لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِکُمْ وَ لِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِکُمْ ) (٥) ،( مِمَّا يَکْبُرُ فِي صُدُورِکُمْ ) (٦) ،( حَاجَةً فِي صُدُورِکُمْ ) (٧) ،( وَ نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ) (٨) ،( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) (٩) ، وغيرها.

وفي المنجد: الصدر ج الصدور: ما دون العنق إلى فضاء الجوف، وله معانٍ أُخر:

١- أعلى مقدم كل شيء.

٢- أوّل كل شيء كالنهار.

٣- الطائفة من الشيء.

٤- الوزير الأكبر.

ولاحظ مختار الصحاح، ولسان العرب، والمعجم الصحيح، وغيرها.

ولا يبعد إطلاقه على هذه المعاني بعناية معناه الأوّل، فيكون استعماله فيها مجازيّاً، فلاحظ.

والمتبادر من لفظ الصدر - ولو في مثل أعصارنا - هو المعنى الأوّل، إلاّ إذا قامت القرينة على غيره، ومن حسن الاتفاق أنّ أهل اللُّغة الفارسيّة - أيضاً - ينسبون إلى الصدر ( سينه ) بعض ما ينسبه إليه في العربيّة.

___________________

(١) العنكبوت آية ٤٩.

(٢) غافر آية ١١.

(٣) الناس آية ٥.

(٤) آل عمران آية ٢٩.

(٥) آل عمران آية ١٤٥.

(٦) الإسراء آية ٥١.

(٧) الغافر آية ٨٠.

(٨) الأعراف آية ٤٣.

(٩) الشرح آية ١.

١٦٩

وعلى كلٍّ، يجري فيه السؤال المذكور في القلب بتفاوتٍ ما، كما لا يخفى.

تتمة:

القرآن يسند بعض الصفات والافعال التابعة للادراك أو الدالة عليه إلى أشياء ثلاثة: النفس والقلب والصدر، وربما يسند شيء واحد كالاخفاء والحاجة والوسوسة إلى النفس والصدر، والاطمئنان إلى القلب والنفس، أليس هذا مشعراً بوحدة هذه الاشياء مصداقاً ولو في عدة من الآيات لا في جميعها؟ تأمل ثم اقض، فإنه أمر مهم في المقام ولا اعلم من ذكره.

( ١١ )

علامات الموت والحياة

يقول الشهيد الأوّلرحمه‌الله في مبحث احتضار اللمعة:... إلاّ مع الاشتباه فيصبر عليه ثلاثة أيّام.

ويقول: الشهيد الثانيرحمه‌الله في شرحها: إلاّ أنْ يعلم قبلها ( أي قبل ثلاثة أيّام ) لتغيّر وغيره من أمارات الموت، كانخساف صدغيه، وميل أنفه، وامتداد جلدة وجهه، وانخلاع كفّه من ذراعيه، واسترخاء قدميه، وتقلّص أُنثييه إلى فوق مع تدلي الجلدة، ونحو ذلك(١) .

وعن بعضهم أنّ علامته: زوال النور من بياض العين وسوادها، وذهاب التنفس وزوال النبض، وعن جالينوس: الاستبراء بنبض عروق بين الأُنثيين، أو عروق يلي الحالب والذكر

___________________

(١) ص٢٤ وص٢٥ ج٤ جواهر الكلام.

١٧٠

بعد الغمز الشديد، أو عرق في باطن الإلية، أو تحت اللسان، أو في بطن المنخر.

أقول : وقد أحسن صاحب الجواهررحمه‌الله حيث قال بعد نقل تلك العلامات: إنّ المدار على العلم الذي تطمئنّ به النفس... فاحتمال إناطة الحكم بهذه العلامات وان لم تفده - أي العلم - في غاية الضعف ؛ لظهور الأخبار... في كون المدار على العلم ن كما صرّح به في الموثّق، وأنّ تعليق الحكم على التغيير إنّما هو لإفادته ذلك غالباً.

وعن المحقّقرحمه‌الله في المعتبر: ويجب التربّص مع الاشتباه، حتّى تظهر علامات الموت وحدّه العلم، وهو إجماع، وعن تذكرة العلاّمة: أنّه لا يجوز التعجيل مع الاشتباه، حتّى تظهر علامات الموت، ويتحقّق العلم به بالإجماع(١) .

أقول : فإنْ علم المكلّف به فهو، وإلاّ فلابُد من الرجوع إلى الاختصاصيّين ؛ حتّى يطمئنّ بقولهم بالموت.

وأمّا الأحاديث المتعلّقة بالمقام فإليك بعضها:

١ - موثّق عمّار عن الصادقعليه‌السلام المروي في الكافي وغيره: ( الغريق يُحبس حتّى يتغيّر، ويعلم أنّه قد مات ثمّ يُغسّل ويُكفّن ). وسَئل عن المصعوق ؟ قال: ( إذا صعق حبس يومين ثمّ يغسّل ويكفّن ).

٢ - صحيح هشام بن الحكم عنهعليه‌السلام : ( خمس ينتظر بهم إلاّ أن يتغيّروا: الغريق، المصعوق، والمبطون، والمهدوم، والمدخن ).

٣ - وفي حديث عن الكاظمعليه‌السلام في المصعوق والغريق: ( ينتظر به

___________________

(١) ص٢٥ نفس المصدر.

١٧١

ثلاثة أيّام إلاّ أنْ يتغيّر قبل ذلك )(١) .

ولا يبعد حمل الأخبار على حصول العلم بالموت، ولا شكّ أنّه أحوط.

وأمّا علامة الحياة، فالمذكور في الأحاديث الاستهلال والتحرّك، كصحيح ربعي، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول في سقط إذا سقط من ( في يب ) بطن أُمّه فتحرك تحرّكاً بيّناً: ( يرث ويورث فإنّه ربّما كان أخرس ). وقريب منه حديثه الآخر، وصحيح الفضيل، وموثّقة أبي بصير، وغيرها.

وفي رواية عمر بن يزيد:... فشهدت المرأة التي قبّلتها أنّه استهلّ وصاح حين وقع إلى الأرض، ثمّ مات، قال الصادقعليه‌السلام : ( على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام ).

وفي رواية ابن سنان عنهعليه‌السلام : ( لا يُصلّى على المنفوس - وهو المولود الذي لم يستهلّ، ولم يصح، ولم يورث من الديّة، ولا من غيرها. ( من والديه ولا من غيرهما في يب )، وإذا استهلّ فصلّ عليه وورّثه ). ص٣٥٠ وص٣٥١ ج ٢٤ جامع الأحاديث. ويدلّ عليه غيرها أيضاً.

أقول : وجدير بالذكر: أنّ هذه الأحاديث لم تذكر نبض القلب علامةً للحياة، فهل هو تلميح إلى عدم دلالته عليها ؟

(١٢)

لا يجب تحريك القلب على كلّ حال

إذا تحقّق جذع المخّ، وتوقّف عمله بكامله، وعلم بتوقّف القلب توقّفاً

___________________

(١) ص ٤٧٥ و٤٧٦ ج٢ الوسائل نسخة الكومبيوتر.

١٧٢

تامّاً فهو ميّت على قول جميع الأطبّاء، وعليه فلا يجب اتّصال الآلة الصناعيّة المحرّكة لقلبه به، إذ مع العلم في عدم تأثيرها في إعادة الحياة لا أثر لحركة القلب، وهذا واضح، بل مؤنة الاتصال في المستشفى نوع من الإسراف، بل ربّما تحرم جزماً، كما إذا كانت للميّت ورثة صغار، أو عليه دين للناس أو لله تعالى، وتركته على فرض صرفها في اتصال الآلة لا تفي بالدَّين المذكور.

وأمّا إذا مات قسمٌ من المخّ كقشرته، ففي وجوب وصول الآلة مع الإمكان وجهان: من كونه حيّاً في الجملة - ولو احتمالاً - فيستصحب حياته فيجب حفظها، ومن أنّ فوت القشرة فوت للمميّزات الإنسانية، كما قال بعض الأطبّاء، ولا تجب حفظ مطلق الحياة بل حياة الإنسان، فتأمّل.

وعلى كلٍّ، إنّ قتل النفس غير حفظها، وهما أمران متمايزان، والأوّل حرام عقلاً وشرعاً - كتاباً وسنّةً وإجماعاً - وأمّا الثاني، فليس على وجوبه دليلٌ لفظيٌّ واضحٌ ؛ وقوله تعالى:( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) (١) ، يدلّ على الفضل دون اللزوم، وقد ذكرنا بحثه في الجزء الثالث من كتابنا حدود الشريعة في مادّة الحفظ، وأنّ الدليل عليه لُبّي، والمتيقّن هو وجوبه في غير هذا الفرض، والمقام محتاج إلى مزيد تأمّل.

( ١٣ )

الأحكام الفقهيّة للموت

١ - انتقال الأموال إلى الورثة.

___________________

(١) المائدة آية ٣٢.

١٧٣

٢ - عدم استحقاق من مات قبله من الورثة.

٣ - الجناية على الميّت تختلف حكماً عن الجناية على الحيّ، فقطع رأس الحيّ يوجب القصاص دون رأس الميّت.

٤ - صحّة قضاء صلاته وصومه ووجوبهما على الولّي، وعدمهما في حياته.

٥ - وجوب العمل بوصاياه.

٦ - انتقال ما وُصّي به إلى الموصى له.

٧ - استقلال البنت في تزويجه إذا لم يكن لها جدٌّ عن أبيها.

٨ - وجوب تجهيزه.

٩ - عدم وجوب نفقة مَن تجب عليه نفقته بعد الموت.

١٠ - بطلان إذنه وتوكيله على ما فُصّل في الفقه.

١١ - حلول ديونه.

١٢ - وجوب أداء ديونه على الورثة.

١٣ - بدء العدّة على نسائه.

١٤ - جواز نكاح الخامسة بعد موت الزوجة، أو نكاح أُختها.

١٥ - لزوم أداء ديونه وحقوق الله على الورثة.

١٦ - صحّة تولية خليفة، أو تنصيب قاضٍ بدلاً عن الميّت.

١٧ - صيرورة بعض الورثة غنيّاً.

١٨ - عزل الولاة بناءً على ترتّبه على موت الإمام.

١٩ حرمة التصرّف في أمواله إذا كان الوارث صغيراً أو غير راضٍ به.

٢٠ - عدم إرثه من مورّثه إذا مات قبله.

٢١ - وجوب الغسل بمسّه في الجملة.

١٧٤

ولعلّ المتتبّع يجد جملةً أُخرى من هذه الأحكام.

فالبحث في تعيين الموت، وأنّه بموت جذع المخّ أو توقّف القلب ذو ثمراتٍ كبيرةٍ كثيرةٍ - كما عرفت - ومن أهمّها عند الأطبّاء: جواز قطع أعضائه - خصوصاً قلبه - إذ التأخير ولو يسيراً ربّما أفسده، ولم يصلح لزرعه في بدن المحتاج، كما قالوا، وستعرف حكمه في المسألة الآتية إنْ شاء الله تعالى.

واعلم أنّ الله سبحانه وفّقنا بعد تأليف هذا الكتاب، لتأليف كتابٍ آخر حول ما يتعلّق بالروح باسم ( روح از نظر دين وعقل وعلم روحي جديد ) وذكرنا فيه المباحث بتفصيل أكثر ممّا ذكرنا في هذه المسألة، وسوف يُطبع إن شاء الله في القريب العاجل، ومَن شاء مزيد التفصيل حول الروح، فعليه بمطالعة ذلك الكتاب

١٧٥

المسألة العشرون

حكم قطع أعضاء الميِّت

( الجهة الأُولى ) : في نقل الأحاديث المتعلِّقة بالموضوع.

١ - صحيح جميل، عن غير واحدٍ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال:

( قطع رأس الميّت أشدّ من قطع رأس الحي ).

٢ - صحيح مسمع كردين، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل كسر عظم ميّت ؟

فقال: ( حرمته ميّتاً أعظم من حرمته وهو حيّ ).

٣ - صحيح صفوان ( عن رجالهم صا ) قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام :

( أبى الله أنْ يظنّ بالمؤمن إلاّ خيراً، وكسرك عظامه حيّاً وميتاً سواء )(١) .

٤ - صحيح ابن سنان عن الصادقعليه‌السلام في رجلٍ قطع رأس الميت ؟

قال: ( عليه الديّة ؛ لأنّ حرمته ميّتاً كحرمته وهو حيّ )(٢) .

( الجهة الثانية ) : مقتضى إطلاق هذه الأحاديث حرمة قطع أعضاء الميّت مطلقاً، سواء كان عن قصد سوءٍ وعداوةٍ، أو عن عبثٍ أو لأغراض إنسانيّة مهمّة، كما هو المتداول اليوم عند الأطباء، وقد أفتى بذلك جمعٌ من الفقهاء(٣) .

___________________

(١) ص٤٨٩ إلى ص٤٩٧ ج٢٦ جامع الأحاديث.

(٢) ص٢٤٨ ج١٩ الوسائل، هذه الأحاديث تدلّ على أنّ توهين المؤمن الحي والميّت حرام، ويحرم على المؤمن توهين نفسه أيضاً بالملاك، والظاهر أنّ الموضوع في الأحاديث مطلق المسلم، وإن لم يكن مؤمناً.

(٣) لاحظ كتب أهل الفتوى المسمّاة ب-: توضيح المسائل.

١٧٦

نعم إذا توقّف حياة مسلم على قطع عضوٍ من الميّت بالفعل أجازه بعضهم لتقديم وجوب حفظها على حرمة قطع عضو الميّت، فإنّه أهمّ منها.

يقول سيّدنا الأُستاذ الخوئي ( قدّس الله سرّه ): لا يجوز قطع عضو من أعضاء بدن المسلم الميّت كالعين أو العضو الآخر للزرع في بدن الحي، وإنّما يجوز ذلك فيما إذا توقّف حياة الحي عليه، وحينئذٍ يجوز، ولكن تجب الديّة على القاطع، وفي الصورتين لا بأس بزرعه في بدن الحي، وبعد الزرع يُعدّ جزأً من بدن الحي، فيترتّب عليه أحكام الحي.

وقال أيضاً: يجوز قطع عضو من بدن الكافر الميّت، أو مَن شُكّ في إسلامه لزرعه في بدن المسلم الحي، وبعد الزرع يُعدّ جزءاً من بدنه فيجري عليه حكمه، وكذا إذا زرع عضواً من الحيوان نجس العين، فيكون بعد الزرع ظاهراً.

أقول : في صيرورة الجزء النجس بعد الزرع طاهراً بتبع البدن عندي إشكال، وبقيّة كلامهرحمه‌الله صحيح، فافهم.

ويمكن أنْ يُقال: إنّ هذه الأحاديث لا تُثبت حكماً جديداً للميّت، سوى ما ثبت في حقّ الحي، فإذا قلنا بجواز إهداء المؤمن كليته مثلاً لأخيه المؤمن(١) ، ولا ضرر له، ولا هو هتك لحرمته عرفاً، فأيّ مانعٍ من جواز أخذها منه بعد موته بوصيّةٍ منه ؟

لا لحفظ الحياة فقط بل لدفع الحرج عنه، ولعلّه لأجل ما ذكرنا ذهب السيّدان الأستاذان العَلَمان الحكيم والخوئي - رضوان الله تعالى عليهما - إلى الجواز في فرض الوصيّة(٢) .

___________________

(١) للمؤلِّف الفقير كلية واحدة مأخوذة من أخيه الحاج محمّد عارف، جزاه الله خير الجزاء، وأطال عمره، وقد فسدت كليتاي، فأجرى طبيبٌ في لندن عمليّةً ناجحةً قبل سنوات.

(٢) لاحظ منهاج الصالحين، وتوضيح المسائل ص ٥٦٠.

١٧٧

وهذا هو الأظهر إنْ شاء الله تعالى - سواء كانت الوصيّة تبرعيّة أو بأخذ عوض - خلافاً لما ذكرناه في الجزء الأوّل والثاني من كتابناحدود الشريعة قبل سنوات، وأمّا في غير الوصيّة ففيه إشكال أو منع(١) ، بل ربّما يشكل القطع في فرض توقّف حياة أحدٍ بالفعل عليه ؛ لأنّ وجوب حفظ نفس محترمة، بهذا النحو لم يثبت في حقّ الأحياء، حتّى يجوز أو يجب في المقام، فتأمّل، والله العالم.

ولكن غير واحدٍ من فقهائنا المعاصرين أجازوا قطع أعضاء الميّت، عند حفظ النفس المحترمة عن الهلاك(٢) .

وأمّا جواز القطع بإذن أولياء الميّت في فرض عدم وصيّته به ففيه نظر، أو منع لعدم شمول ولايتهم لمثل ذلك فلا عبرة بإذنهم.

فإن قلت: مقتضى انصراف الأحاديث المتقدّمة هو عدم حرمة القطع، على القاطعين إن صحّت الوصيّة لا جواز الوصيّة أي صحّتها.

قلت : إنّ سلطة الإنسان على ماله وبدنه ثابتة ببناء العقلاء، وإنّما منعنا جواز قطع بعض الأعضاء وتردّدنا في جواز قطع بعض الأعضاء الأُخر في حال الحياة، لدليلٍ خارجيٍّ مفقودٍ في حال الموت، فإنّه فرق كثير بين الحالتين، ولا موضوع للضّرر بعد الموت، فلاحظ وتدبّر، وسيأتي ما يتعلّق به في المسألة الخامسة والعشرين.

وعلى كلٍّ، صرّح السيّد الأُستاذ الخوئيقدس‌سره بعدم وجوب الديّة على مَن قطع عضو الميّت بوصيّة منه(٣) .

___________________

(١) إن كثيراً من الناس يحتاجون إلى زرع القرنية، وإعطائهم النور، فلو جاز قطعه بلا وصيّة لاستفاد منها المحتاجون.

(٢) لاحظ فتاويهم في كتبهم الفتوائيّة.

(٣) توضيح المسائل ص ٥٦٠.

١٧٨

( الجهة الثالثة ) : إذا كان العضو المطلوب قطعه من الداخل: كالكلية، والقلب، والرئة، والكبد - مثلاً - جاز قطعه قبل غسل الميّت وبعده، وإذا كان من الظاهر: كاليد - مثلاً - فلابُدّ من أخذه ونزعه بعد الغسل، جمعاً بين الحكمين، إلاّ إذا كان تأخير قطعه إلى ما بعد الغسل مفسداً لزرعه في الحيّ، فإنْ كان لحفظ حياته فلا شكّ في وجوبه، فضلاً عن جوازه:( وَ مَنْ أَحْيَاهَا فَکَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) (١) .

وإن كان لدفع مشقّةٍ وحرجٍ فلا يبعد الجواز، إن شاء الله، فيغسل بعد الزرع، إنْ قيل بوجوب غسل المبان من الميّت.

( الجهة الرابعة ) : هل يجب على القاطع أو الآمر في فرض جواز القطع أو وجوبه الديّة ؟

فيه احتمالات: الوجوب مطلقاً، عدمه مطلقاً بناءً على عدم اعتبار الوصيّة في جواز القطع أو وجوبه، وجوبها في فرض عدم الوصيّة وعدمها في فرض الوصيّة. ولعلّ الأخير أوجه، فلاحظ وتأمّل.

( الجهة الخامسة ) : هل يجوز قطع أعضاء الميّت للتشريح، وتعليم طلاب كليّة الطبّ بناءً على وجوب تعلّم الطبّ، بل وتعليمه وجوباً كفائيّاً ؟

لا شكّ في جوازه من ميّت غير مسلم، وهو يوجد في أكثر بلاد المسلمين اليوم أو في جميعها، ويلحق به من شُكّ في إسلامه، وإن فُرض عدم تيسّره في بلدٍ فيمكن استيراده من بلدٍ آخر، فلا ملزم لإطالة البحث، ومع وجود جثّة غير مسلمٍ لا إشكال في حرمة قطع أعضاء المسلم الميّت(٢) .

___________________

(١) المائدة ٣٢.

(٢) وفي جوازه مع وصيّة الميّت وجه بالجواز في بعض الأعضاء، وأمّا في جميعها بحيث استلزمت ترك الدفن الواجب، أو النبش المحرّم، ففيه نظر.

١٧٩

( الجهة السادسة ) : يجب غسل مسّ الميّت على مَن مسّه بشروطه، لأيّ غرضٍ طبّيٍّ أو عاطفيٍّ، وفي وجوبه بمسّ قطعةٍ مبانةٍ منه تفصيل، بل خلاف.

وإذا شكّ الماسُّ في أنّ الميّت الممسوس قد غُسِّل سابقاً حتّى لا يجب الغسل بمسّه أم لم يُغسّل، فيجب الغسل بمسه، فإن جاؤا به من مقابر المسلمين، يُبنى على أنّه قد غُسّل، وإلاّ ففيه نظر، ولعلّ الأظهر وجوب الغسل بمسّه، نعم إذا مسّه مع سترٍ بلاستيكي أو غيره، لم يجب الغسل بلا شكّ.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341