الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية0%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد آصف المحسني
تصنيف: الصفحات: 341
المشاهدات: 89348
تحميل: 7085

توضيحات:

الفقه والمسائل الطبية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89348 / تحميل: 7085
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

تدبيريّة.

لا يُستفاد من الآيات المتضمّنة لبيان نفس الإنسان شيء من تلك الخصوصيّات على ما أفهم - وفهمي قاصر - وكذا من قوله تعالى:( ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ) (١) ، بناءً على نظارته إلى الروح كما هو الأظهر - وقد مرّت الإشارة إليه في مسألة بداية الحياة الإنسانيّة.

نعم ما ورد في آدم وعيسىعليهما‌السلام ربّما يشير إلى موضوعنا هذا، كقوله سبحانه وتعالى:( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) ( السجدة ٩ ).

وقوله تعالى:( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) ( الحجر ٢٩ - ص٧٢ ).

وقوله تعالى:( وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ) ( الأنبياء ٩١ ).

وقوله تعالى:( وَ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ) (التحريم ١٢).

أقول : أولاً: أنّه لا فرق بين آدم وعيسىعليهما‌السلام وغيره من الآدميّين في كيفيّة نفخ الروح(٢) .

وثانياً: أنّ هذه الروح هي روح الإنسان لا شيء غيرها، وإضافتها إلى الله سبحانه كإضافة البيت والكتاب والأهل إليه ( بيت الله كتاب الله أهل الله )، وهي إضافة تشريفيّة فقط، وتؤكِّد هذا جملةٌ من الأحاديث:

ففي صحيح الأحول المروي في الكافي ( ج١ ص١٣٣ ) قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الروح التي في آدمعليه‌السلام قوله: ( فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي )، قال: ( هذه روح مخلوقة والروح في عيسى مخلوقة ).

___________________

(١) المؤمنون آية ١٤.

(٢) نعم مقتضى الآية الأخيرة أنّ نفخ الروح في الجنين من فرج أُمّه، ومقتضى بعض الروايات أنّه من فمها، والعمدة هي الآية الكريمة.

١٦١

وفي حسنة حمران ( نفس المصدر ): سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ:( وروح منه ) ، قال:

( هي روح الله مخلوقة خلقها الله في آدم وعيسى ).

وفي صحيح محمّد بن مسلم المروي عن معاني الأخبار، قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ:

( ونفخت فيه من روحي ) ، قال: ( روح اختاره الله واصطفاه وخَلقه وأضافه إلى نفسه، وفضّله على جميع الأرواح، فنفخ منه في آدم ) ج١٤ ص١١ بحار الأنوار.

وثالثاً: أنّ الآيات والأحاديث لا تدلاّن على أنّ الله نفخ الروح في آدم وعيسى ؛ حتّى يُقال بمثله في جميع بني آدم فيصحّ القول الأوّل ونحوه، بل مدلولها أن الله نفخ من الروح فيهما، فالروح منفوخ منها لا منفوخة، وهذا يظهر بأدَنى تعمّقٍ في الآيات الكريمة.

وأنا أظنّ - والله العالم العاصم الهادي - أنّ المراد بالنفخ هو الإحياء، فمعنى الآيات على هذا: أنّ الله أحيى آدم وعيسى من الروح، فالروح مبدأ الحياة لا نفسها، والظاهر أنّ علاقة الروح بالبدن تدبيريّة، فليست بداخلة في البدن ولا راكبة ولا البدن ظرفها، وإذا قلنا بتجرّد الروح كما هو الظاهر، فلا بُدّ من اختيار هذا القول عقلاً.

فإنْ قال قائلٌ: فما تقول في قوله تعالى:( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ) (١) الدال على دخول الروح في البدن ؟

فقد أُجيب عنه بأنّ بلوغ النفس الحلقوم كناية عن الإشراف التامّ للموت، فليس المراد حركة الروح من الأسفل إلى الحلقوم حركة مكانيّة، وكذا الكلام في قوله تعالى:( کَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ) (٢) .

___________________

(١) الواقعة آية ٣٦.

(٢) القيامة آية ٢٦.

١٦٢

والأظهر عندي : أنّه لا دليل على رجوع الضمير في قوله تعالى:( بَلَغَتِ ) إلى الروح، ويُحتمل قويّاً رجوعه إلى الحياة الإنسانيّة القائمة بجميع البدن والرأس الناشئة من الروح كما ذكرنا قبيل هذا، ومع هذا الاحتمال لا يبقى مستمسكٌ لمَن يظنّ أنّ الروح داخلة في البدن، وتخرج منه خروج جسم من جسم.

وأمّا قوله تعالى في حقّ مجاهدي غزوة الخندق:( وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ) (١) ، فلا تكون قرينة على أنّ الضمير في الآيتين المُشار إليهما - أيضاً - يرجع إلى القلوب، على أنّه - أيضاً - كناية جزماً، والله أعلم وهو الهادي.

( ٨ )

الروح مجرّدة أو جسم لطيف ؟

ذهب جمعٌ من المتكلّمين إلى أنّها جسم لطيف، وذهب جمعٌ من الحكماء إلى أنّها مجرّدة عن المادّة ولواحقها كالزمان والمكان، بل مال الحكيم السبزواريرحمه‌الله تبعاً لشهاب الدين السهروردي شيخ الإشراق إلى أنّها لا ماهيّة لها أيضاً(٢) ، وقبوله بل تصوّره مشكل.

فالروح على المشهور عند الحكماء جوهر مجرّد له نحو اتّصال وعلاقة بالبدن، وقد أُقيمت عليه دلائل عقليّة وعلميّة، ولا بأس بالاعتماد على مجموعها، ومَن شاء فليراجع إلى محالّها فان نقلها وتفصيلها لا تناسب هذا الكتاب، والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأُمور وبواطن الأشياء.

___________________

(١) الأحزاب آية ١٠.

(٢) شرح المنظومة.

١٦٣

( ٩ )

القلب في القرآن

ذُكِرَتْ لفظتا القلب والقلوب في آيات كثيرة من القرآن، وأُسندت إليه في تلك الآيات أُمور كثيرة: كالإثم، والاطمئنان، والغفلة، والمرض، والختم، والهداية، والرعب، وعدم الفقه، والزيغ، والتقوى، والتعقل وعدمه، والعمى، والتقلّب، والاشمئزاز، والكظم، والقفل، وإنزال السكينة، وإنزال الوحي، وجعل الرأفة، والرحمة، والكسب، والأُلفة، والخير، والتعمد، والطهارة، وزينة الاِيمان، وعدم دخول الاِيمان، والطبع، والحسرة، والوجل، والريب، والغيظ، واللهو، والإخبات، وامتحان التقوى، والخشوع، وغير ذلك.

والقلب عضوٌ عضليٌّ أجوفٌ يستقبل الدم من الأوردة، ويدفعه في الشرايين في الجهة اليسرى من التجويف الصدري.

نعم، ذكر أهل اللّغة له معانٍ أُخرى: كالعقل واللُّبّ والفؤاد( عن مختار الصحاح ) ، ووسط الشيء ولبّه ومحضه وخالص الشيء وخياره( عن المعجم الوسيط ) ، ونفس الشيء وحقيقته(عن لسان العرب ) .

وفي المنجد : القلب...: العقل، قلب الجيش وسطه، قلب كلّ شيءٍ لبّه ومحضه، ويقال: رجل قلب، أي: خالص النسب.

فمعان القلب بعد معناه المعروف: هو العقل - واليه يرجع اللّبّ ظاهراً - وخالص الشيء ومحضه وخياره، ونفس الشيء وحقيقته، هذه المفاهيم الأخيرة يصحّ انطباقها على الروح، وعليه فالقلب هو العضو الخاص

١٦٤

المعروف والعقل والروح(١) .

وحيث إنّ الأُمور المنسوبة إليه في القرآن كلّها من صفات النفس والروح قطعاً، ونسبتها إلى القلب العضلي كنسبتها إلى سائر الأعضاء من اليد والرجل ونحوهما في البطلان، تعيّن حمل القلب على معنى الروح، وحينئذٍ فلا إشكال.

لكنّ تأويل آيات القرآن بهذه السهولة غير ميسّر، بل هو غير جائز ما لم يدعمه دليلٌ شرعيٌّ معتَبَر، إذا لم يثبت أنّ النفس أو الروح معنى حقيقي أو منصرف إليه لفظ القلب، كما هو كذلك عندنا، إذ المفهوم المتبادر ما يقصده الأطبّاء، فلاحظ.

على أنّ في تأويل القرآن - وهو السند الأصيل للإسلام والنبوّة الخاتميّة - مع الغضّ عن منعه الشرعي إشكالاً قويّاً ليس هنا موضع بيانه، والذي يمكن أنْ يركن إليه في فهم معنى القلب آيات نذكر بعضها.

١ - قوله سبحانه وتعالى:( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) (٢) ( الحجّ ٤٦ ).

٢ -( وَ لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِکُمْ وَ لِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِکُمْ ) ( آل عمران ١٥٤ ).

٣ -( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) ( الأحزاب ٤ ).

٤ -( وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ) ( الأحزاب ١٠ ).

أقول : الآية الأُولى ظاهرة بل صريحة على أنّ المراد بالقلب الذي وُصف بالعمى هو العضو المعروف، ضرورة أنّ العقل والروح ليسا في

___________________

(١) وهل هو في المعنيين الأخيرين حقيقة لغوية، أو مجاز أخذوه من الاستعمالات الخاصّة فيه وجهان.

(٢) ومن عجيب التأويل فيه: حمل الصدر على الجمجمة، وحمل القلب على المخّ !!!

١٦٥

الصدر.

والآية الثانية كالنّصّ على تباين الصدر والقلب إن لم يحمل قوله تعالى:وليمحص ... على أنّه عطف بيان، كما هو الأظهر حسب القاعدة، وإلاّ لدلت على اتّحاد الصدر والقلب، وحينئذٍ لابُدّ من حملهما على معنى ثالث ضرورة تباين العضوان المادّيّان، وعلى كلٍّ لا يُستفاد منها المراد من القلب على فرض كون العطف لغير البيان.

والثالثة كالأُولى ظاهرة في إرادة العضو المشهور.

وأمّا الرابعة فتُحمل على المعنى الكنائي، كشدّة حال الصحابة الحاضرين في غزوة الأحزاب، سواء أُريد بالقلوب معناها المتبادر أو الأرواح.

فإن جعلنا الآيتين الأُولى والثالثة قرينتين عامّتين لجميع الموارد المستعملة فيها القلب فهو، وإلاّ فيبقى معناه مجهولاً في محدودة تفسير الآيات الكريمة، إلاّ أنّ يُدّعى تبادره إلى العضو المشهور، وأنّ الروح أو العقل معنى مجازي لا يُحمل عليه لفظ القلب إلاّ مع القرينة، فتأمّل.

وجعل بعض المفسّرين قوله تعالى:( وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) ( البقرة ٢٢٥ )، من الشواهد على إرادة النفس والروح من القلب، فإنّ التعقّل والتفكّر، والحبّ والبغض، والخوف، وأمثال ذلك، وإنْ أمكن أنْ ينسبها أحد إلى القلب باعتقاد أنّه العضو المدرك في البدن على ما ربّما يعتقده العامّة، كما يُنسب السمع إلى الأُذن، والإبصار إلى العين، والذوق إلى اللسان، لكنّ الكسب والاكتساب ممّا لا يُنسب إلاّ إلى الإنسان ألبتّة(١) .

___________________

(١) ص٢٢٤ ج٢ تفسير الميزان، ولمؤلِّفهرحمه‌الله بيان في معنى القلب في القرآن، لم نر

=

١٦٦

أقول : الكسب المستتبع للمؤاخذة قد يكون بأعمال جوارحيّة، وقد يكون بأفعال أو صفات قلبيّة، كما يظهر ممّا ذكرناه في أوّل هذا البحث، فما ذكره هذا القائل لا يُعتمد عليه.

ثمّ إنّ المنقول عن ابن سينا: أنّه رجّح كون الإدراك للقلب بمعنى أنّ دخالة الدماغ فيه دخالة الآلة، فللقلب الإدراك، وللدماغ الوساطة(١) .

أقول : وضعفه ظاهر، وكم للفلاسفة تخرّصات بالغيب، وحدسيات باطلة، وتحكّمات بغير حقٍّ، فهمناها من العلم الحديث المبنيّ على الحسّ، نعم هو حقّ إنْ بدّلنا القلب بالروح.

والمقام عندي من المشكلات، ولا يهتدي فكري القاصر إلى فهم مراده تعالى من القلب، فادعوه متضرّعاً وراجياً، ربّ زدني علماً وما كنا لنهتدي لولا أنْ هديتنا.

ولُبّ التحيّر: أنّ نسبة الذوق، والشمّ، والسمع، والبصر، واللمس، إلى الأعضاء الخمسة ظاهرة ؛ لأنّها محالّ هذه الإدراكات، وإنْ لم تكن مدركاتها، ولكنّ نسبة الأُمور المتقدّمة في أوّل هذا البحث إلى القلب العضلي غير صحيحة، إلاّ إذا وجد بينه وبين الروح رابطة مصحّحة لنسبة أفعالها، وصفاتها إليه، وهذه الرابطة لم تثبتها العلوم التجريبيّة، ولا البراهين العقليّة لحد الآن، والعلم في تطورّه بعد، والله العالم.

نعم لا شكّ في وجود رابطة لائقة بين الروح والمخّ كرابطة المصوّر

___________________

=

فيه شيئاً مفيداً، ومن شاء فليراجعه. واعلم أنّ نسبة السمع إلى الأذن، والبصر إلى العين، والذوق إلى اللسان - مثلا - نسبة صحيحة، وإن كان المدرك هو الروح على ما هو الحقّ، لعلاقة شبه الحال والمحلّ، وأمّا نسبة الإدراك إلى القلب كنسبته إلى اليد - مثلاً - غير صحيحة، بعدما كشفت العلوم بطلان ما تزعمه العامّة من كون القلب مدركاً، فاهماً.

(١) تفسير الميزان ج ٢ ص ٢٢٥.

١٦٧

وجهاز التصوير، لكن حتّى اليوم إذا قلت لأحدٍ: حُبّك في مخّي، لربّما ضحك الناس، بخلاف ما لو قلت، حُبّك في قلبي ! لكنّ المتّبع هو العقل، أو العلم، دون حسبان العوام، وإنْ كان الحكم ببطلان حسبانهم في المقام لا يخلو عن زيادة جرأة.

فإن قلت: إنّ حسبان العوام ذلك نشأ من ظاهر القرآن المجيد، بعدما فسّر المفسِّرون آياته، أو ترجمها المترجمون، وذكرها المبلِّغون والمرشدون، فإذا أوجبنا تأويلها للقرينة الخارجيّة ؛ لا تبقى مشكلة في ردّ اعتقاد العوام بدرك القلب وفهمه.

قلت : أوّلاً إنّ المراد بالعوام ليس خصوص المسلمين، كما زعمت، بل مطلق الناس أو غالبهم، فإنّ نسبة العلم والفهم والحبّ والبغض وغير ذلك إلى القلب، موجودة مستعملة في لغات غير المسلمين، ممّن لم يسمعوا استعمالات القرآن المجيد، فكان معظم العقلاء من الآدميين اعتقدوا ذلك، وإلى هذا ينظر قولنا: إنّ ردّ حسبانهم في المقام لا يخلو عن زيادة جرأة.

وثانياً: إنّا لم نوجب تأويل الآيات القرآنيّة، بل منعنا منه وانتظرنا تطوّر العلم، حتّى يتوصّل إلى الحلقة المفقودة المتوسّطة بين الصفات النفسيّة، والقلب.

( ١٠ )

الصدر في القرآن

في القرآن آيات تدلّ على نسبة جملةٍ من الأُمور إلى الصدر:( بَل

١٦٨

هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (١) ،( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ مَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) (٢) ،( يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) (٣) ،( إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ ) (٤) ،( وَ لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِکُمْ وَ لِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِکُمْ ) (٥) ،( مِمَّا يَکْبُرُ فِي صُدُورِکُمْ ) (٦) ،( حَاجَةً فِي صُدُورِکُمْ ) (٧) ،( وَ نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ) (٨) ،( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) (٩) ، وغيرها.

وفي المنجد: الصدر ج الصدور: ما دون العنق إلى فضاء الجوف، وله معانٍ أُخر:

١- أعلى مقدم كل شيء.

٢- أوّل كل شيء كالنهار.

٣- الطائفة من الشيء.

٤- الوزير الأكبر.

ولاحظ مختار الصحاح، ولسان العرب، والمعجم الصحيح، وغيرها.

ولا يبعد إطلاقه على هذه المعاني بعناية معناه الأوّل، فيكون استعماله فيها مجازيّاً، فلاحظ.

والمتبادر من لفظ الصدر - ولو في مثل أعصارنا - هو المعنى الأوّل، إلاّ إذا قامت القرينة على غيره، ومن حسن الاتفاق أنّ أهل اللُّغة الفارسيّة - أيضاً - ينسبون إلى الصدر ( سينه ) بعض ما ينسبه إليه في العربيّة.

___________________

(١) العنكبوت آية ٤٩.

(٢) غافر آية ١١.

(٣) الناس آية ٥.

(٤) آل عمران آية ٢٩.

(٥) آل عمران آية ١٤٥.

(٦) الإسراء آية ٥١.

(٧) الغافر آية ٨٠.

(٨) الأعراف آية ٤٣.

(٩) الشرح آية ١.

١٦٩

وعلى كلٍّ، يجري فيه السؤال المذكور في القلب بتفاوتٍ ما، كما لا يخفى.

تتمة:

القرآن يسند بعض الصفات والافعال التابعة للادراك أو الدالة عليه إلى أشياء ثلاثة: النفس والقلب والصدر، وربما يسند شيء واحد كالاخفاء والحاجة والوسوسة إلى النفس والصدر، والاطمئنان إلى القلب والنفس، أليس هذا مشعراً بوحدة هذه الاشياء مصداقاً ولو في عدة من الآيات لا في جميعها؟ تأمل ثم اقض، فإنه أمر مهم في المقام ولا اعلم من ذكره.

( ١١ )

علامات الموت والحياة

يقول الشهيد الأوّلرحمه‌الله في مبحث احتضار اللمعة:... إلاّ مع الاشتباه فيصبر عليه ثلاثة أيّام.

ويقول: الشهيد الثانيرحمه‌الله في شرحها: إلاّ أنْ يعلم قبلها ( أي قبل ثلاثة أيّام ) لتغيّر وغيره من أمارات الموت، كانخساف صدغيه، وميل أنفه، وامتداد جلدة وجهه، وانخلاع كفّه من ذراعيه، واسترخاء قدميه، وتقلّص أُنثييه إلى فوق مع تدلي الجلدة، ونحو ذلك(١) .

وعن بعضهم أنّ علامته: زوال النور من بياض العين وسوادها، وذهاب التنفس وزوال النبض، وعن جالينوس: الاستبراء بنبض عروق بين الأُنثيين، أو عروق يلي الحالب والذكر

___________________

(١) ص٢٤ وص٢٥ ج٤ جواهر الكلام.

١٧٠

بعد الغمز الشديد، أو عرق في باطن الإلية، أو تحت اللسان، أو في بطن المنخر.

أقول : وقد أحسن صاحب الجواهررحمه‌الله حيث قال بعد نقل تلك العلامات: إنّ المدار على العلم الذي تطمئنّ به النفس... فاحتمال إناطة الحكم بهذه العلامات وان لم تفده - أي العلم - في غاية الضعف ؛ لظهور الأخبار... في كون المدار على العلم ن كما صرّح به في الموثّق، وأنّ تعليق الحكم على التغيير إنّما هو لإفادته ذلك غالباً.

وعن المحقّقرحمه‌الله في المعتبر: ويجب التربّص مع الاشتباه، حتّى تظهر علامات الموت وحدّه العلم، وهو إجماع، وعن تذكرة العلاّمة: أنّه لا يجوز التعجيل مع الاشتباه، حتّى تظهر علامات الموت، ويتحقّق العلم به بالإجماع(١) .

أقول : فإنْ علم المكلّف به فهو، وإلاّ فلابُد من الرجوع إلى الاختصاصيّين ؛ حتّى يطمئنّ بقولهم بالموت.

وأمّا الأحاديث المتعلّقة بالمقام فإليك بعضها:

١ - موثّق عمّار عن الصادقعليه‌السلام المروي في الكافي وغيره: ( الغريق يُحبس حتّى يتغيّر، ويعلم أنّه قد مات ثمّ يُغسّل ويُكفّن ). وسَئل عن المصعوق ؟ قال: ( إذا صعق حبس يومين ثمّ يغسّل ويكفّن ).

٢ - صحيح هشام بن الحكم عنهعليه‌السلام : ( خمس ينتظر بهم إلاّ أن يتغيّروا: الغريق، المصعوق، والمبطون، والمهدوم، والمدخن ).

٣ - وفي حديث عن الكاظمعليه‌السلام في المصعوق والغريق: ( ينتظر به

___________________

(١) ص٢٥ نفس المصدر.

١٧١

ثلاثة أيّام إلاّ أنْ يتغيّر قبل ذلك )(١) .

ولا يبعد حمل الأخبار على حصول العلم بالموت، ولا شكّ أنّه أحوط.

وأمّا علامة الحياة، فالمذكور في الأحاديث الاستهلال والتحرّك، كصحيح ربعي، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول في سقط إذا سقط من ( في يب ) بطن أُمّه فتحرك تحرّكاً بيّناً: ( يرث ويورث فإنّه ربّما كان أخرس ). وقريب منه حديثه الآخر، وصحيح الفضيل، وموثّقة أبي بصير، وغيرها.

وفي رواية عمر بن يزيد:... فشهدت المرأة التي قبّلتها أنّه استهلّ وصاح حين وقع إلى الأرض، ثمّ مات، قال الصادقعليه‌السلام : ( على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام ).

وفي رواية ابن سنان عنهعليه‌السلام : ( لا يُصلّى على المنفوس - وهو المولود الذي لم يستهلّ، ولم يصح، ولم يورث من الديّة، ولا من غيرها. ( من والديه ولا من غيرهما في يب )، وإذا استهلّ فصلّ عليه وورّثه ). ص٣٥٠ وص٣٥١ ج ٢٤ جامع الأحاديث. ويدلّ عليه غيرها أيضاً.

أقول : وجدير بالذكر: أنّ هذه الأحاديث لم تذكر نبض القلب علامةً للحياة، فهل هو تلميح إلى عدم دلالته عليها ؟

(١٢)

لا يجب تحريك القلب على كلّ حال

إذا تحقّق جذع المخّ، وتوقّف عمله بكامله، وعلم بتوقّف القلب توقّفاً

___________________

(١) ص ٤٧٥ و٤٧٦ ج٢ الوسائل نسخة الكومبيوتر.

١٧٢

تامّاً فهو ميّت على قول جميع الأطبّاء، وعليه فلا يجب اتّصال الآلة الصناعيّة المحرّكة لقلبه به، إذ مع العلم في عدم تأثيرها في إعادة الحياة لا أثر لحركة القلب، وهذا واضح، بل مؤنة الاتصال في المستشفى نوع من الإسراف، بل ربّما تحرم جزماً، كما إذا كانت للميّت ورثة صغار، أو عليه دين للناس أو لله تعالى، وتركته على فرض صرفها في اتصال الآلة لا تفي بالدَّين المذكور.

وأمّا إذا مات قسمٌ من المخّ كقشرته، ففي وجوب وصول الآلة مع الإمكان وجهان: من كونه حيّاً في الجملة - ولو احتمالاً - فيستصحب حياته فيجب حفظها، ومن أنّ فوت القشرة فوت للمميّزات الإنسانية، كما قال بعض الأطبّاء، ولا تجب حفظ مطلق الحياة بل حياة الإنسان، فتأمّل.

وعلى كلٍّ، إنّ قتل النفس غير حفظها، وهما أمران متمايزان، والأوّل حرام عقلاً وشرعاً - كتاباً وسنّةً وإجماعاً - وأمّا الثاني، فليس على وجوبه دليلٌ لفظيٌّ واضحٌ ؛ وقوله تعالى:( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) (١) ، يدلّ على الفضل دون اللزوم، وقد ذكرنا بحثه في الجزء الثالث من كتابنا حدود الشريعة في مادّة الحفظ، وأنّ الدليل عليه لُبّي، والمتيقّن هو وجوبه في غير هذا الفرض، والمقام محتاج إلى مزيد تأمّل.

( ١٣ )

الأحكام الفقهيّة للموت

١ - انتقال الأموال إلى الورثة.

___________________

(١) المائدة آية ٣٢.

١٧٣

٢ - عدم استحقاق من مات قبله من الورثة.

٣ - الجناية على الميّت تختلف حكماً عن الجناية على الحيّ، فقطع رأس الحيّ يوجب القصاص دون رأس الميّت.

٤ - صحّة قضاء صلاته وصومه ووجوبهما على الولّي، وعدمهما في حياته.

٥ - وجوب العمل بوصاياه.

٦ - انتقال ما وُصّي به إلى الموصى له.

٧ - استقلال البنت في تزويجه إذا لم يكن لها جدٌّ عن أبيها.

٨ - وجوب تجهيزه.

٩ - عدم وجوب نفقة مَن تجب عليه نفقته بعد الموت.

١٠ - بطلان إذنه وتوكيله على ما فُصّل في الفقه.

١١ - حلول ديونه.

١٢ - وجوب أداء ديونه على الورثة.

١٣ - بدء العدّة على نسائه.

١٤ - جواز نكاح الخامسة بعد موت الزوجة، أو نكاح أُختها.

١٥ - لزوم أداء ديونه وحقوق الله على الورثة.

١٦ - صحّة تولية خليفة، أو تنصيب قاضٍ بدلاً عن الميّت.

١٧ - صيرورة بعض الورثة غنيّاً.

١٨ - عزل الولاة بناءً على ترتّبه على موت الإمام.

١٩ حرمة التصرّف في أمواله إذا كان الوارث صغيراً أو غير راضٍ به.

٢٠ - عدم إرثه من مورّثه إذا مات قبله.

٢١ - وجوب الغسل بمسّه في الجملة.

١٧٤

ولعلّ المتتبّع يجد جملةً أُخرى من هذه الأحكام.

فالبحث في تعيين الموت، وأنّه بموت جذع المخّ أو توقّف القلب ذو ثمراتٍ كبيرةٍ كثيرةٍ - كما عرفت - ومن أهمّها عند الأطبّاء: جواز قطع أعضائه - خصوصاً قلبه - إذ التأخير ولو يسيراً ربّما أفسده، ولم يصلح لزرعه في بدن المحتاج، كما قالوا، وستعرف حكمه في المسألة الآتية إنْ شاء الله تعالى.

واعلم أنّ الله سبحانه وفّقنا بعد تأليف هذا الكتاب، لتأليف كتابٍ آخر حول ما يتعلّق بالروح باسم ( روح از نظر دين وعقل وعلم روحي جديد ) وذكرنا فيه المباحث بتفصيل أكثر ممّا ذكرنا في هذه المسألة، وسوف يُطبع إن شاء الله في القريب العاجل، ومَن شاء مزيد التفصيل حول الروح، فعليه بمطالعة ذلك الكتاب

١٧٥

المسألة العشرون

حكم قطع أعضاء الميِّت

( الجهة الأُولى ) : في نقل الأحاديث المتعلِّقة بالموضوع.

١ - صحيح جميل، عن غير واحدٍ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال:

( قطع رأس الميّت أشدّ من قطع رأس الحي ).

٢ - صحيح مسمع كردين، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل كسر عظم ميّت ؟

فقال: ( حرمته ميّتاً أعظم من حرمته وهو حيّ ).

٣ - صحيح صفوان ( عن رجالهم صا ) قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام :

( أبى الله أنْ يظنّ بالمؤمن إلاّ خيراً، وكسرك عظامه حيّاً وميتاً سواء )(١) .

٤ - صحيح ابن سنان عن الصادقعليه‌السلام في رجلٍ قطع رأس الميت ؟

قال: ( عليه الديّة ؛ لأنّ حرمته ميّتاً كحرمته وهو حيّ )(٢) .

( الجهة الثانية ) : مقتضى إطلاق هذه الأحاديث حرمة قطع أعضاء الميّت مطلقاً، سواء كان عن قصد سوءٍ وعداوةٍ، أو عن عبثٍ أو لأغراض إنسانيّة مهمّة، كما هو المتداول اليوم عند الأطباء، وقد أفتى بذلك جمعٌ من الفقهاء(٣) .

___________________

(١) ص٤٨٩ إلى ص٤٩٧ ج٢٦ جامع الأحاديث.

(٢) ص٢٤٨ ج١٩ الوسائل، هذه الأحاديث تدلّ على أنّ توهين المؤمن الحي والميّت حرام، ويحرم على المؤمن توهين نفسه أيضاً بالملاك، والظاهر أنّ الموضوع في الأحاديث مطلق المسلم، وإن لم يكن مؤمناً.

(٣) لاحظ كتب أهل الفتوى المسمّاة ب-: توضيح المسائل.

١٧٦

نعم إذا توقّف حياة مسلم على قطع عضوٍ من الميّت بالفعل أجازه بعضهم لتقديم وجوب حفظها على حرمة قطع عضو الميّت، فإنّه أهمّ منها.

يقول سيّدنا الأُستاذ الخوئي ( قدّس الله سرّه ): لا يجوز قطع عضو من أعضاء بدن المسلم الميّت كالعين أو العضو الآخر للزرع في بدن الحي، وإنّما يجوز ذلك فيما إذا توقّف حياة الحي عليه، وحينئذٍ يجوز، ولكن تجب الديّة على القاطع، وفي الصورتين لا بأس بزرعه في بدن الحي، وبعد الزرع يُعدّ جزأً من بدن الحي، فيترتّب عليه أحكام الحي.

وقال أيضاً: يجوز قطع عضو من بدن الكافر الميّت، أو مَن شُكّ في إسلامه لزرعه في بدن المسلم الحي، وبعد الزرع يُعدّ جزءاً من بدنه فيجري عليه حكمه، وكذا إذا زرع عضواً من الحيوان نجس العين، فيكون بعد الزرع ظاهراً.

أقول : في صيرورة الجزء النجس بعد الزرع طاهراً بتبع البدن عندي إشكال، وبقيّة كلامهرحمه‌الله صحيح، فافهم.

ويمكن أنْ يُقال: إنّ هذه الأحاديث لا تُثبت حكماً جديداً للميّت، سوى ما ثبت في حقّ الحي، فإذا قلنا بجواز إهداء المؤمن كليته مثلاً لأخيه المؤمن(١) ، ولا ضرر له، ولا هو هتك لحرمته عرفاً، فأيّ مانعٍ من جواز أخذها منه بعد موته بوصيّةٍ منه ؟

لا لحفظ الحياة فقط بل لدفع الحرج عنه، ولعلّه لأجل ما ذكرنا ذهب السيّدان الأستاذان العَلَمان الحكيم والخوئي - رضوان الله تعالى عليهما - إلى الجواز في فرض الوصيّة(٢) .

___________________

(١) للمؤلِّف الفقير كلية واحدة مأخوذة من أخيه الحاج محمّد عارف، جزاه الله خير الجزاء، وأطال عمره، وقد فسدت كليتاي، فأجرى طبيبٌ في لندن عمليّةً ناجحةً قبل سنوات.

(٢) لاحظ منهاج الصالحين، وتوضيح المسائل ص ٥٦٠.

١٧٧

وهذا هو الأظهر إنْ شاء الله تعالى - سواء كانت الوصيّة تبرعيّة أو بأخذ عوض - خلافاً لما ذكرناه في الجزء الأوّل والثاني من كتابناحدود الشريعة قبل سنوات، وأمّا في غير الوصيّة ففيه إشكال أو منع(١) ، بل ربّما يشكل القطع في فرض توقّف حياة أحدٍ بالفعل عليه ؛ لأنّ وجوب حفظ نفس محترمة، بهذا النحو لم يثبت في حقّ الأحياء، حتّى يجوز أو يجب في المقام، فتأمّل، والله العالم.

ولكن غير واحدٍ من فقهائنا المعاصرين أجازوا قطع أعضاء الميّت، عند حفظ النفس المحترمة عن الهلاك(٢) .

وأمّا جواز القطع بإذن أولياء الميّت في فرض عدم وصيّته به ففيه نظر، أو منع لعدم شمول ولايتهم لمثل ذلك فلا عبرة بإذنهم.

فإن قلت: مقتضى انصراف الأحاديث المتقدّمة هو عدم حرمة القطع، على القاطعين إن صحّت الوصيّة لا جواز الوصيّة أي صحّتها.

قلت : إنّ سلطة الإنسان على ماله وبدنه ثابتة ببناء العقلاء، وإنّما منعنا جواز قطع بعض الأعضاء وتردّدنا في جواز قطع بعض الأعضاء الأُخر في حال الحياة، لدليلٍ خارجيٍّ مفقودٍ في حال الموت، فإنّه فرق كثير بين الحالتين، ولا موضوع للضّرر بعد الموت، فلاحظ وتدبّر، وسيأتي ما يتعلّق به في المسألة الخامسة والعشرين.

وعلى كلٍّ، صرّح السيّد الأُستاذ الخوئيقدس‌سره بعدم وجوب الديّة على مَن قطع عضو الميّت بوصيّة منه(٣) .

___________________

(١) إن كثيراً من الناس يحتاجون إلى زرع القرنية، وإعطائهم النور، فلو جاز قطعه بلا وصيّة لاستفاد منها المحتاجون.

(٢) لاحظ فتاويهم في كتبهم الفتوائيّة.

(٣) توضيح المسائل ص ٥٦٠.

١٧٨

( الجهة الثالثة ) : إذا كان العضو المطلوب قطعه من الداخل: كالكلية، والقلب، والرئة، والكبد - مثلاً - جاز قطعه قبل غسل الميّت وبعده، وإذا كان من الظاهر: كاليد - مثلاً - فلابُدّ من أخذه ونزعه بعد الغسل، جمعاً بين الحكمين، إلاّ إذا كان تأخير قطعه إلى ما بعد الغسل مفسداً لزرعه في الحيّ، فإنْ كان لحفظ حياته فلا شكّ في وجوبه، فضلاً عن جوازه:( وَ مَنْ أَحْيَاهَا فَکَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) (١) .

وإن كان لدفع مشقّةٍ وحرجٍ فلا يبعد الجواز، إن شاء الله، فيغسل بعد الزرع، إنْ قيل بوجوب غسل المبان من الميّت.

( الجهة الرابعة ) : هل يجب على القاطع أو الآمر في فرض جواز القطع أو وجوبه الديّة ؟

فيه احتمالات: الوجوب مطلقاً، عدمه مطلقاً بناءً على عدم اعتبار الوصيّة في جواز القطع أو وجوبه، وجوبها في فرض عدم الوصيّة وعدمها في فرض الوصيّة. ولعلّ الأخير أوجه، فلاحظ وتأمّل.

( الجهة الخامسة ) : هل يجوز قطع أعضاء الميّت للتشريح، وتعليم طلاب كليّة الطبّ بناءً على وجوب تعلّم الطبّ، بل وتعليمه وجوباً كفائيّاً ؟

لا شكّ في جوازه من ميّت غير مسلم، وهو يوجد في أكثر بلاد المسلمين اليوم أو في جميعها، ويلحق به من شُكّ في إسلامه، وإن فُرض عدم تيسّره في بلدٍ فيمكن استيراده من بلدٍ آخر، فلا ملزم لإطالة البحث، ومع وجود جثّة غير مسلمٍ لا إشكال في حرمة قطع أعضاء المسلم الميّت(٢) .

___________________

(١) المائدة ٣٢.

(٢) وفي جوازه مع وصيّة الميّت وجه بالجواز في بعض الأعضاء، وأمّا في جميعها بحيث استلزمت ترك الدفن الواجب، أو النبش المحرّم، ففيه نظر.

١٧٩

( الجهة السادسة ) : يجب غسل مسّ الميّت على مَن مسّه بشروطه، لأيّ غرضٍ طبّيٍّ أو عاطفيٍّ، وفي وجوبه بمسّ قطعةٍ مبانةٍ منه تفصيل، بل خلاف.

وإذا شكّ الماسُّ في أنّ الميّت الممسوس قد غُسِّل سابقاً حتّى لا يجب الغسل بمسّه أم لم يُغسّل، فيجب الغسل بمسه، فإن جاؤا به من مقابر المسلمين، يُبنى على أنّه قد غُسّل، وإلاّ ففيه نظر، ولعلّ الأظهر وجوب الغسل بمسّه، نعم إذا مسّه مع سترٍ بلاستيكي أو غيره، لم يجب الغسل بلا شكّ.

١٨٠