الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية16%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92423 / تحميل: 7842
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

تدبيريّة.

لا يُستفاد من الآيات المتضمّنة لبيان نفس الإنسان شيء من تلك الخصوصيّات على ما أفهم - وفهمي قاصر - وكذا من قوله تعالى:( ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ ) (١) ، بناءً على نظارته إلى الروح كما هو الأظهر - وقد مرّت الإشارة إليه في مسألة بداية الحياة الإنسانيّة.

نعم ما ورد في آدم وعيسىعليهما‌السلام ربّما يشير إلى موضوعنا هذا، كقوله سبحانه وتعالى:( ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ ) ( السجدة ٩ ).

وقوله تعالى:( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ) ( الحجر ٢٩ - ص٧٢ ).

وقوله تعالى:( وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا ) ( الأنبياء ٩١ ).

وقوله تعالى:( وَ مَرْيَمَ ابْنَةَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا ) (التحريم ١٢).

أقول : أولاً: أنّه لا فرق بين آدم وعيسىعليهما‌السلام وغيره من الآدميّين في كيفيّة نفخ الروح(٢) .

وثانياً: أنّ هذه الروح هي روح الإنسان لا شيء غيرها، وإضافتها إلى الله سبحانه كإضافة البيت والكتاب والأهل إليه ( بيت الله كتاب الله أهل الله )، وهي إضافة تشريفيّة فقط، وتؤكِّد هذا جملةٌ من الأحاديث:

ففي صحيح الأحول المروي في الكافي ( ج١ ص١٣٣ ) قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الروح التي في آدمعليه‌السلام قوله: ( فإذا سوّيته ونفخت فيه من روحي )، قال: ( هذه روح مخلوقة والروح في عيسى مخلوقة ).

___________________

(١) المؤمنون آية ١٤.

(٢) نعم مقتضى الآية الأخيرة أنّ نفخ الروح في الجنين من فرج أُمّه، ومقتضى بعض الروايات أنّه من فمها، والعمدة هي الآية الكريمة.

١٦١

وفي حسنة حمران ( نفس المصدر ): سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ:( وروح منه ) ، قال:

( هي روح الله مخلوقة خلقها الله في آدم وعيسى ).

وفي صحيح محمّد بن مسلم المروي عن معاني الأخبار، قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزّ وجلّ:

( ونفخت فيه من روحي ) ، قال: ( روح اختاره الله واصطفاه وخَلقه وأضافه إلى نفسه، وفضّله على جميع الأرواح، فنفخ منه في آدم ) ج١٤ ص١١ بحار الأنوار.

وثالثاً: أنّ الآيات والأحاديث لا تدلاّن على أنّ الله نفخ الروح في آدم وعيسى ؛ حتّى يُقال بمثله في جميع بني آدم فيصحّ القول الأوّل ونحوه، بل مدلولها أن الله نفخ من الروح فيهما، فالروح منفوخ منها لا منفوخة، وهذا يظهر بأدَنى تعمّقٍ في الآيات الكريمة.

وأنا أظنّ - والله العالم العاصم الهادي - أنّ المراد بالنفخ هو الإحياء، فمعنى الآيات على هذا: أنّ الله أحيى آدم وعيسى من الروح، فالروح مبدأ الحياة لا نفسها، والظاهر أنّ علاقة الروح بالبدن تدبيريّة، فليست بداخلة في البدن ولا راكبة ولا البدن ظرفها، وإذا قلنا بتجرّد الروح كما هو الظاهر، فلا بُدّ من اختيار هذا القول عقلاً.

فإنْ قال قائلٌ: فما تقول في قوله تعالى:( فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ ) (١) الدال على دخول الروح في البدن ؟

فقد أُجيب عنه بأنّ بلوغ النفس الحلقوم كناية عن الإشراف التامّ للموت، فليس المراد حركة الروح من الأسفل إلى الحلقوم حركة مكانيّة، وكذا الكلام في قوله تعالى:( کَلاَّ إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ ) (٢) .

___________________

(١) الواقعة آية ٣٦.

(٢) القيامة آية ٢٦.

١٦٢

والأظهر عندي : أنّه لا دليل على رجوع الضمير في قوله تعالى:( بَلَغَتِ ) إلى الروح، ويُحتمل قويّاً رجوعه إلى الحياة الإنسانيّة القائمة بجميع البدن والرأس الناشئة من الروح كما ذكرنا قبيل هذا، ومع هذا الاحتمال لا يبقى مستمسكٌ لمَن يظنّ أنّ الروح داخلة في البدن، وتخرج منه خروج جسم من جسم.

وأمّا قوله تعالى في حقّ مجاهدي غزوة الخندق:( وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ) (١) ، فلا تكون قرينة على أنّ الضمير في الآيتين المُشار إليهما - أيضاً - يرجع إلى القلوب، على أنّه - أيضاً - كناية جزماً، والله أعلم وهو الهادي.

( ٨ )

الروح مجرّدة أو جسم لطيف ؟

ذهب جمعٌ من المتكلّمين إلى أنّها جسم لطيف، وذهب جمعٌ من الحكماء إلى أنّها مجرّدة عن المادّة ولواحقها كالزمان والمكان، بل مال الحكيم السبزواريرحمه‌الله تبعاً لشهاب الدين السهروردي شيخ الإشراق إلى أنّها لا ماهيّة لها أيضاً(٢) ، وقبوله بل تصوّره مشكل.

فالروح على المشهور عند الحكماء جوهر مجرّد له نحو اتّصال وعلاقة بالبدن، وقد أُقيمت عليه دلائل عقليّة وعلميّة، ولا بأس بالاعتماد على مجموعها، ومَن شاء فليراجع إلى محالّها فان نقلها وتفصيلها لا تناسب هذا الكتاب، والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأُمور وبواطن الأشياء.

___________________

(١) الأحزاب آية ١٠.

(٢) شرح المنظومة.

١٦٣

( ٩ )

القلب في القرآن

ذُكِرَتْ لفظتا القلب والقلوب في آيات كثيرة من القرآن، وأُسندت إليه في تلك الآيات أُمور كثيرة: كالإثم، والاطمئنان، والغفلة، والمرض، والختم، والهداية، والرعب، وعدم الفقه، والزيغ، والتقوى، والتعقل وعدمه، والعمى، والتقلّب، والاشمئزاز، والكظم، والقفل، وإنزال السكينة، وإنزال الوحي، وجعل الرأفة، والرحمة، والكسب، والأُلفة، والخير، والتعمد، والطهارة، وزينة الاِيمان، وعدم دخول الاِيمان، والطبع، والحسرة، والوجل، والريب، والغيظ، واللهو، والإخبات، وامتحان التقوى، والخشوع، وغير ذلك.

والقلب عضوٌ عضليٌّ أجوفٌ يستقبل الدم من الأوردة، ويدفعه في الشرايين في الجهة اليسرى من التجويف الصدري.

نعم، ذكر أهل اللّغة له معانٍ أُخرى: كالعقل واللُّبّ والفؤاد( عن مختار الصحاح ) ، ووسط الشيء ولبّه ومحضه وخالص الشيء وخياره( عن المعجم الوسيط ) ، ونفس الشيء وحقيقته(عن لسان العرب ) .

وفي المنجد : القلب...: العقل، قلب الجيش وسطه، قلب كلّ شيءٍ لبّه ومحضه، ويقال: رجل قلب، أي: خالص النسب.

فمعان القلب بعد معناه المعروف: هو العقل - واليه يرجع اللّبّ ظاهراً - وخالص الشيء ومحضه وخياره، ونفس الشيء وحقيقته، هذه المفاهيم الأخيرة يصحّ انطباقها على الروح، وعليه فالقلب هو العضو الخاص

١٦٤

المعروف والعقل والروح(١) .

وحيث إنّ الأُمور المنسوبة إليه في القرآن كلّها من صفات النفس والروح قطعاً، ونسبتها إلى القلب العضلي كنسبتها إلى سائر الأعضاء من اليد والرجل ونحوهما في البطلان، تعيّن حمل القلب على معنى الروح، وحينئذٍ فلا إشكال.

لكنّ تأويل آيات القرآن بهذه السهولة غير ميسّر، بل هو غير جائز ما لم يدعمه دليلٌ شرعيٌّ معتَبَر، إذا لم يثبت أنّ النفس أو الروح معنى حقيقي أو منصرف إليه لفظ القلب، كما هو كذلك عندنا، إذ المفهوم المتبادر ما يقصده الأطبّاء، فلاحظ.

على أنّ في تأويل القرآن - وهو السند الأصيل للإسلام والنبوّة الخاتميّة - مع الغضّ عن منعه الشرعي إشكالاً قويّاً ليس هنا موضع بيانه، والذي يمكن أنْ يركن إليه في فهم معنى القلب آيات نذكر بعضها.

١ - قوله سبحانه وتعالى:( فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ) (٢) ( الحجّ ٤٦ ).

٢ -( وَ لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِکُمْ وَ لِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِکُمْ ) ( آل عمران ١٥٤ ).

٣ -( مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ ) ( الأحزاب ٤ ).

٤ -( وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ) ( الأحزاب ١٠ ).

أقول : الآية الأُولى ظاهرة بل صريحة على أنّ المراد بالقلب الذي وُصف بالعمى هو العضو المعروف، ضرورة أنّ العقل والروح ليسا في

___________________

(١) وهل هو في المعنيين الأخيرين حقيقة لغوية، أو مجاز أخذوه من الاستعمالات الخاصّة فيه وجهان.

(٢) ومن عجيب التأويل فيه: حمل الصدر على الجمجمة، وحمل القلب على المخّ !!!

١٦٥

الصدر.

والآية الثانية كالنّصّ على تباين الصدر والقلب إن لم يحمل قوله تعالى:وليمحص ... على أنّه عطف بيان، كما هو الأظهر حسب القاعدة، وإلاّ لدلت على اتّحاد الصدر والقلب، وحينئذٍ لابُدّ من حملهما على معنى ثالث ضرورة تباين العضوان المادّيّان، وعلى كلٍّ لا يُستفاد منها المراد من القلب على فرض كون العطف لغير البيان.

والثالثة كالأُولى ظاهرة في إرادة العضو المشهور.

وأمّا الرابعة فتُحمل على المعنى الكنائي، كشدّة حال الصحابة الحاضرين في غزوة الأحزاب، سواء أُريد بالقلوب معناها المتبادر أو الأرواح.

فإن جعلنا الآيتين الأُولى والثالثة قرينتين عامّتين لجميع الموارد المستعملة فيها القلب فهو، وإلاّ فيبقى معناه مجهولاً في محدودة تفسير الآيات الكريمة، إلاّ أنّ يُدّعى تبادره إلى العضو المشهور، وأنّ الروح أو العقل معنى مجازي لا يُحمل عليه لفظ القلب إلاّ مع القرينة، فتأمّل.

وجعل بعض المفسّرين قوله تعالى:( وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) ( البقرة ٢٢٥ )، من الشواهد على إرادة النفس والروح من القلب، فإنّ التعقّل والتفكّر، والحبّ والبغض، والخوف، وأمثال ذلك، وإنْ أمكن أنْ ينسبها أحد إلى القلب باعتقاد أنّه العضو المدرك في البدن على ما ربّما يعتقده العامّة، كما يُنسب السمع إلى الأُذن، والإبصار إلى العين، والذوق إلى اللسان، لكنّ الكسب والاكتساب ممّا لا يُنسب إلاّ إلى الإنسان ألبتّة(١) .

___________________

(١) ص٢٢٤ ج٢ تفسير الميزان، ولمؤلِّفهرحمه‌الله بيان في معنى القلب في القرآن، لم نر

=

١٦٦

أقول : الكسب المستتبع للمؤاخذة قد يكون بأعمال جوارحيّة، وقد يكون بأفعال أو صفات قلبيّة، كما يظهر ممّا ذكرناه في أوّل هذا البحث، فما ذكره هذا القائل لا يُعتمد عليه.

ثمّ إنّ المنقول عن ابن سينا: أنّه رجّح كون الإدراك للقلب بمعنى أنّ دخالة الدماغ فيه دخالة الآلة، فللقلب الإدراك، وللدماغ الوساطة(١) .

أقول : وضعفه ظاهر، وكم للفلاسفة تخرّصات بالغيب، وحدسيات باطلة، وتحكّمات بغير حقٍّ، فهمناها من العلم الحديث المبنيّ على الحسّ، نعم هو حقّ إنْ بدّلنا القلب بالروح.

والمقام عندي من المشكلات، ولا يهتدي فكري القاصر إلى فهم مراده تعالى من القلب، فادعوه متضرّعاً وراجياً، ربّ زدني علماً وما كنا لنهتدي لولا أنْ هديتنا.

ولُبّ التحيّر: أنّ نسبة الذوق، والشمّ، والسمع، والبصر، واللمس، إلى الأعضاء الخمسة ظاهرة ؛ لأنّها محالّ هذه الإدراكات، وإنْ لم تكن مدركاتها، ولكنّ نسبة الأُمور المتقدّمة في أوّل هذا البحث إلى القلب العضلي غير صحيحة، إلاّ إذا وجد بينه وبين الروح رابطة مصحّحة لنسبة أفعالها، وصفاتها إليه، وهذه الرابطة لم تثبتها العلوم التجريبيّة، ولا البراهين العقليّة لحد الآن، والعلم في تطورّه بعد، والله العالم.

نعم لا شكّ في وجود رابطة لائقة بين الروح والمخّ كرابطة المصوّر

___________________

=

فيه شيئاً مفيداً، ومن شاء فليراجعه. واعلم أنّ نسبة السمع إلى الأذن، والبصر إلى العين، والذوق إلى اللسان - مثلا - نسبة صحيحة، وإن كان المدرك هو الروح على ما هو الحقّ، لعلاقة شبه الحال والمحلّ، وأمّا نسبة الإدراك إلى القلب كنسبته إلى اليد - مثلاً - غير صحيحة، بعدما كشفت العلوم بطلان ما تزعمه العامّة من كون القلب مدركاً، فاهماً.

(١) تفسير الميزان ج ٢ ص ٢٢٥.

١٦٧

وجهاز التصوير، لكن حتّى اليوم إذا قلت لأحدٍ: حُبّك في مخّي، لربّما ضحك الناس، بخلاف ما لو قلت، حُبّك في قلبي ! لكنّ المتّبع هو العقل، أو العلم، دون حسبان العوام، وإنْ كان الحكم ببطلان حسبانهم في المقام لا يخلو عن زيادة جرأة.

فإن قلت: إنّ حسبان العوام ذلك نشأ من ظاهر القرآن المجيد، بعدما فسّر المفسِّرون آياته، أو ترجمها المترجمون، وذكرها المبلِّغون والمرشدون، فإذا أوجبنا تأويلها للقرينة الخارجيّة ؛ لا تبقى مشكلة في ردّ اعتقاد العوام بدرك القلب وفهمه.

قلت : أوّلاً إنّ المراد بالعوام ليس خصوص المسلمين، كما زعمت، بل مطلق الناس أو غالبهم، فإنّ نسبة العلم والفهم والحبّ والبغض وغير ذلك إلى القلب، موجودة مستعملة في لغات غير المسلمين، ممّن لم يسمعوا استعمالات القرآن المجيد، فكان معظم العقلاء من الآدميين اعتقدوا ذلك، وإلى هذا ينظر قولنا: إنّ ردّ حسبانهم في المقام لا يخلو عن زيادة جرأة.

وثانياً: إنّا لم نوجب تأويل الآيات القرآنيّة، بل منعنا منه وانتظرنا تطوّر العلم، حتّى يتوصّل إلى الحلقة المفقودة المتوسّطة بين الصفات النفسيّة، والقلب.

( ١٠ )

الصدر في القرآن

في القرآن آيات تدلّ على نسبة جملةٍ من الأُمور إلى الصدر:( بَل

١٦٨

هُوَ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (١) ،( يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ مَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) (٢) ،( يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) (٣) ،( إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ ) (٤) ،( وَ لِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِکُمْ وَ لِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِکُمْ ) (٥) ،( مِمَّا يَکْبُرُ فِي صُدُورِکُمْ ) (٦) ،( حَاجَةً فِي صُدُورِکُمْ ) (٧) ،( وَ نَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ ) (٨) ،( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) (٩) ، وغيرها.

وفي المنجد: الصدر ج الصدور: ما دون العنق إلى فضاء الجوف، وله معانٍ أُخر:

١- أعلى مقدم كل شيء.

٢- أوّل كل شيء كالنهار.

٣- الطائفة من الشيء.

٤- الوزير الأكبر.

ولاحظ مختار الصحاح، ولسان العرب، والمعجم الصحيح، وغيرها.

ولا يبعد إطلاقه على هذه المعاني بعناية معناه الأوّل، فيكون استعماله فيها مجازيّاً، فلاحظ.

والمتبادر من لفظ الصدر - ولو في مثل أعصارنا - هو المعنى الأوّل، إلاّ إذا قامت القرينة على غيره، ومن حسن الاتفاق أنّ أهل اللُّغة الفارسيّة - أيضاً - ينسبون إلى الصدر ( سينه ) بعض ما ينسبه إليه في العربيّة.

___________________

(١) العنكبوت آية ٤٩.

(٢) غافر آية ١١.

(٣) الناس آية ٥.

(٤) آل عمران آية ٢٩.

(٥) آل عمران آية ١٤٥.

(٦) الإسراء آية ٥١.

(٧) الغافر آية ٨٠.

(٨) الأعراف آية ٤٣.

(٩) الشرح آية ١.

١٦٩

وعلى كلٍّ، يجري فيه السؤال المذكور في القلب بتفاوتٍ ما، كما لا يخفى.

تتمة:

القرآن يسند بعض الصفات والافعال التابعة للادراك أو الدالة عليه إلى أشياء ثلاثة: النفس والقلب والصدر، وربما يسند شيء واحد كالاخفاء والحاجة والوسوسة إلى النفس والصدر، والاطمئنان إلى القلب والنفس، أليس هذا مشعراً بوحدة هذه الاشياء مصداقاً ولو في عدة من الآيات لا في جميعها؟ تأمل ثم اقض، فإنه أمر مهم في المقام ولا اعلم من ذكره.

( ١١ )

علامات الموت والحياة

يقول الشهيد الأوّلرحمه‌الله في مبحث احتضار اللمعة:... إلاّ مع الاشتباه فيصبر عليه ثلاثة أيّام.

ويقول: الشهيد الثانيرحمه‌الله في شرحها: إلاّ أنْ يعلم قبلها ( أي قبل ثلاثة أيّام ) لتغيّر وغيره من أمارات الموت، كانخساف صدغيه، وميل أنفه، وامتداد جلدة وجهه، وانخلاع كفّه من ذراعيه، واسترخاء قدميه، وتقلّص أُنثييه إلى فوق مع تدلي الجلدة، ونحو ذلك(١) .

وعن بعضهم أنّ علامته: زوال النور من بياض العين وسوادها، وذهاب التنفس وزوال النبض، وعن جالينوس: الاستبراء بنبض عروق بين الأُنثيين، أو عروق يلي الحالب والذكر

___________________

(١) ص٢٤ وص٢٥ ج٤ جواهر الكلام.

١٧٠

بعد الغمز الشديد، أو عرق في باطن الإلية، أو تحت اللسان، أو في بطن المنخر.

أقول : وقد أحسن صاحب الجواهررحمه‌الله حيث قال بعد نقل تلك العلامات: إنّ المدار على العلم الذي تطمئنّ به النفس... فاحتمال إناطة الحكم بهذه العلامات وان لم تفده - أي العلم - في غاية الضعف ؛ لظهور الأخبار... في كون المدار على العلم ن كما صرّح به في الموثّق، وأنّ تعليق الحكم على التغيير إنّما هو لإفادته ذلك غالباً.

وعن المحقّقرحمه‌الله في المعتبر: ويجب التربّص مع الاشتباه، حتّى تظهر علامات الموت وحدّه العلم، وهو إجماع، وعن تذكرة العلاّمة: أنّه لا يجوز التعجيل مع الاشتباه، حتّى تظهر علامات الموت، ويتحقّق العلم به بالإجماع(١) .

أقول : فإنْ علم المكلّف به فهو، وإلاّ فلابُد من الرجوع إلى الاختصاصيّين ؛ حتّى يطمئنّ بقولهم بالموت.

وأمّا الأحاديث المتعلّقة بالمقام فإليك بعضها:

١ - موثّق عمّار عن الصادقعليه‌السلام المروي في الكافي وغيره: ( الغريق يُحبس حتّى يتغيّر، ويعلم أنّه قد مات ثمّ يُغسّل ويُكفّن ). وسَئل عن المصعوق ؟ قال: ( إذا صعق حبس يومين ثمّ يغسّل ويكفّن ).

٢ - صحيح هشام بن الحكم عنهعليه‌السلام : ( خمس ينتظر بهم إلاّ أن يتغيّروا: الغريق، المصعوق، والمبطون، والمهدوم، والمدخن ).

٣ - وفي حديث عن الكاظمعليه‌السلام في المصعوق والغريق: ( ينتظر به

___________________

(١) ص٢٥ نفس المصدر.

١٧١

ثلاثة أيّام إلاّ أنْ يتغيّر قبل ذلك )(١) .

ولا يبعد حمل الأخبار على حصول العلم بالموت، ولا شكّ أنّه أحوط.

وأمّا علامة الحياة، فالمذكور في الأحاديث الاستهلال والتحرّك، كصحيح ربعي، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول في سقط إذا سقط من ( في يب ) بطن أُمّه فتحرك تحرّكاً بيّناً: ( يرث ويورث فإنّه ربّما كان أخرس ). وقريب منه حديثه الآخر، وصحيح الفضيل، وموثّقة أبي بصير، وغيرها.

وفي رواية عمر بن يزيد:... فشهدت المرأة التي قبّلتها أنّه استهلّ وصاح حين وقع إلى الأرض، ثمّ مات، قال الصادقعليه‌السلام : ( على الإمام أن يجيز شهادتها في ربع ميراث الغلام ).

وفي رواية ابن سنان عنهعليه‌السلام : ( لا يُصلّى على المنفوس - وهو المولود الذي لم يستهلّ، ولم يصح، ولم يورث من الديّة، ولا من غيرها. ( من والديه ولا من غيرهما في يب )، وإذا استهلّ فصلّ عليه وورّثه ). ص٣٥٠ وص٣٥١ ج ٢٤ جامع الأحاديث. ويدلّ عليه غيرها أيضاً.

أقول : وجدير بالذكر: أنّ هذه الأحاديث لم تذكر نبض القلب علامةً للحياة، فهل هو تلميح إلى عدم دلالته عليها ؟

(١٢)

لا يجب تحريك القلب على كلّ حال

إذا تحقّق جذع المخّ، وتوقّف عمله بكامله، وعلم بتوقّف القلب توقّفاً

___________________

(١) ص ٤٧٥ و٤٧٦ ج٢ الوسائل نسخة الكومبيوتر.

١٧٢

تامّاً فهو ميّت على قول جميع الأطبّاء، وعليه فلا يجب اتّصال الآلة الصناعيّة المحرّكة لقلبه به، إذ مع العلم في عدم تأثيرها في إعادة الحياة لا أثر لحركة القلب، وهذا واضح، بل مؤنة الاتصال في المستشفى نوع من الإسراف، بل ربّما تحرم جزماً، كما إذا كانت للميّت ورثة صغار، أو عليه دين للناس أو لله تعالى، وتركته على فرض صرفها في اتصال الآلة لا تفي بالدَّين المذكور.

وأمّا إذا مات قسمٌ من المخّ كقشرته، ففي وجوب وصول الآلة مع الإمكان وجهان: من كونه حيّاً في الجملة - ولو احتمالاً - فيستصحب حياته فيجب حفظها، ومن أنّ فوت القشرة فوت للمميّزات الإنسانية، كما قال بعض الأطبّاء، ولا تجب حفظ مطلق الحياة بل حياة الإنسان، فتأمّل.

وعلى كلٍّ، إنّ قتل النفس غير حفظها، وهما أمران متمايزان، والأوّل حرام عقلاً وشرعاً - كتاباً وسنّةً وإجماعاً - وأمّا الثاني، فليس على وجوبه دليلٌ لفظيٌّ واضحٌ ؛ وقوله تعالى:( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) (١) ، يدلّ على الفضل دون اللزوم، وقد ذكرنا بحثه في الجزء الثالث من كتابنا حدود الشريعة في مادّة الحفظ، وأنّ الدليل عليه لُبّي، والمتيقّن هو وجوبه في غير هذا الفرض، والمقام محتاج إلى مزيد تأمّل.

( ١٣ )

الأحكام الفقهيّة للموت

١ - انتقال الأموال إلى الورثة.

___________________

(١) المائدة آية ٣٢.

١٧٣

٢ - عدم استحقاق من مات قبله من الورثة.

٣ - الجناية على الميّت تختلف حكماً عن الجناية على الحيّ، فقطع رأس الحيّ يوجب القصاص دون رأس الميّت.

٤ - صحّة قضاء صلاته وصومه ووجوبهما على الولّي، وعدمهما في حياته.

٥ - وجوب العمل بوصاياه.

٦ - انتقال ما وُصّي به إلى الموصى له.

٧ - استقلال البنت في تزويجه إذا لم يكن لها جدٌّ عن أبيها.

٨ - وجوب تجهيزه.

٩ - عدم وجوب نفقة مَن تجب عليه نفقته بعد الموت.

١٠ - بطلان إذنه وتوكيله على ما فُصّل في الفقه.

١١ - حلول ديونه.

١٢ - وجوب أداء ديونه على الورثة.

١٣ - بدء العدّة على نسائه.

١٤ - جواز نكاح الخامسة بعد موت الزوجة، أو نكاح أُختها.

١٥ - لزوم أداء ديونه وحقوق الله على الورثة.

١٦ - صحّة تولية خليفة، أو تنصيب قاضٍ بدلاً عن الميّت.

١٧ - صيرورة بعض الورثة غنيّاً.

١٨ - عزل الولاة بناءً على ترتّبه على موت الإمام.

١٩ حرمة التصرّف في أمواله إذا كان الوارث صغيراً أو غير راضٍ به.

٢٠ - عدم إرثه من مورّثه إذا مات قبله.

٢١ - وجوب الغسل بمسّه في الجملة.

١٧٤

ولعلّ المتتبّع يجد جملةً أُخرى من هذه الأحكام.

فالبحث في تعيين الموت، وأنّه بموت جذع المخّ أو توقّف القلب ذو ثمراتٍ كبيرةٍ كثيرةٍ - كما عرفت - ومن أهمّها عند الأطبّاء: جواز قطع أعضائه - خصوصاً قلبه - إذ التأخير ولو يسيراً ربّما أفسده، ولم يصلح لزرعه في بدن المحتاج، كما قالوا، وستعرف حكمه في المسألة الآتية إنْ شاء الله تعالى.

واعلم أنّ الله سبحانه وفّقنا بعد تأليف هذا الكتاب، لتأليف كتابٍ آخر حول ما يتعلّق بالروح باسم ( روح از نظر دين وعقل وعلم روحي جديد ) وذكرنا فيه المباحث بتفصيل أكثر ممّا ذكرنا في هذه المسألة، وسوف يُطبع إن شاء الله في القريب العاجل، ومَن شاء مزيد التفصيل حول الروح، فعليه بمطالعة ذلك الكتاب

١٧٥

المسألة العشرون

حكم قطع أعضاء الميِّت

( الجهة الأُولى ) : في نقل الأحاديث المتعلِّقة بالموضوع.

١ - صحيح جميل، عن غير واحدٍ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال:

( قطع رأس الميّت أشدّ من قطع رأس الحي ).

٢ - صحيح مسمع كردين، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجل كسر عظم ميّت ؟

فقال: ( حرمته ميّتاً أعظم من حرمته وهو حيّ ).

٣ - صحيح صفوان ( عن رجالهم صا ) قال: قال أبو عبد اللهعليه‌السلام :

( أبى الله أنْ يظنّ بالمؤمن إلاّ خيراً، وكسرك عظامه حيّاً وميتاً سواء )(١) .

٤ - صحيح ابن سنان عن الصادقعليه‌السلام في رجلٍ قطع رأس الميت ؟

قال: ( عليه الديّة ؛ لأنّ حرمته ميّتاً كحرمته وهو حيّ )(٢) .

( الجهة الثانية ) : مقتضى إطلاق هذه الأحاديث حرمة قطع أعضاء الميّت مطلقاً، سواء كان عن قصد سوءٍ وعداوةٍ، أو عن عبثٍ أو لأغراض إنسانيّة مهمّة، كما هو المتداول اليوم عند الأطباء، وقد أفتى بذلك جمعٌ من الفقهاء(٣) .

___________________

(١) ص٤٨٩ إلى ص٤٩٧ ج٢٦ جامع الأحاديث.

(٢) ص٢٤٨ ج١٩ الوسائل، هذه الأحاديث تدلّ على أنّ توهين المؤمن الحي والميّت حرام، ويحرم على المؤمن توهين نفسه أيضاً بالملاك، والظاهر أنّ الموضوع في الأحاديث مطلق المسلم، وإن لم يكن مؤمناً.

(٣) لاحظ كتب أهل الفتوى المسمّاة ب-: توضيح المسائل.

١٧٦

نعم إذا توقّف حياة مسلم على قطع عضوٍ من الميّت بالفعل أجازه بعضهم لتقديم وجوب حفظها على حرمة قطع عضو الميّت، فإنّه أهمّ منها.

يقول سيّدنا الأُستاذ الخوئي ( قدّس الله سرّه ): لا يجوز قطع عضو من أعضاء بدن المسلم الميّت كالعين أو العضو الآخر للزرع في بدن الحي، وإنّما يجوز ذلك فيما إذا توقّف حياة الحي عليه، وحينئذٍ يجوز، ولكن تجب الديّة على القاطع، وفي الصورتين لا بأس بزرعه في بدن الحي، وبعد الزرع يُعدّ جزأً من بدن الحي، فيترتّب عليه أحكام الحي.

وقال أيضاً: يجوز قطع عضو من بدن الكافر الميّت، أو مَن شُكّ في إسلامه لزرعه في بدن المسلم الحي، وبعد الزرع يُعدّ جزءاً من بدنه فيجري عليه حكمه، وكذا إذا زرع عضواً من الحيوان نجس العين، فيكون بعد الزرع ظاهراً.

أقول : في صيرورة الجزء النجس بعد الزرع طاهراً بتبع البدن عندي إشكال، وبقيّة كلامهرحمه‌الله صحيح، فافهم.

ويمكن أنْ يُقال: إنّ هذه الأحاديث لا تُثبت حكماً جديداً للميّت، سوى ما ثبت في حقّ الحي، فإذا قلنا بجواز إهداء المؤمن كليته مثلاً لأخيه المؤمن(١) ، ولا ضرر له، ولا هو هتك لحرمته عرفاً، فأيّ مانعٍ من جواز أخذها منه بعد موته بوصيّةٍ منه ؟

لا لحفظ الحياة فقط بل لدفع الحرج عنه، ولعلّه لأجل ما ذكرنا ذهب السيّدان الأستاذان العَلَمان الحكيم والخوئي - رضوان الله تعالى عليهما - إلى الجواز في فرض الوصيّة(٢) .

___________________

(١) للمؤلِّف الفقير كلية واحدة مأخوذة من أخيه الحاج محمّد عارف، جزاه الله خير الجزاء، وأطال عمره، وقد فسدت كليتاي، فأجرى طبيبٌ في لندن عمليّةً ناجحةً قبل سنوات.

(٢) لاحظ منهاج الصالحين، وتوضيح المسائل ص ٥٦٠.

١٧٧

وهذا هو الأظهر إنْ شاء الله تعالى - سواء كانت الوصيّة تبرعيّة أو بأخذ عوض - خلافاً لما ذكرناه في الجزء الأوّل والثاني من كتابناحدود الشريعة قبل سنوات، وأمّا في غير الوصيّة ففيه إشكال أو منع(١) ، بل ربّما يشكل القطع في فرض توقّف حياة أحدٍ بالفعل عليه ؛ لأنّ وجوب حفظ نفس محترمة، بهذا النحو لم يثبت في حقّ الأحياء، حتّى يجوز أو يجب في المقام، فتأمّل، والله العالم.

ولكن غير واحدٍ من فقهائنا المعاصرين أجازوا قطع أعضاء الميّت، عند حفظ النفس المحترمة عن الهلاك(٢) .

وأمّا جواز القطع بإذن أولياء الميّت في فرض عدم وصيّته به ففيه نظر، أو منع لعدم شمول ولايتهم لمثل ذلك فلا عبرة بإذنهم.

فإن قلت: مقتضى انصراف الأحاديث المتقدّمة هو عدم حرمة القطع، على القاطعين إن صحّت الوصيّة لا جواز الوصيّة أي صحّتها.

قلت : إنّ سلطة الإنسان على ماله وبدنه ثابتة ببناء العقلاء، وإنّما منعنا جواز قطع بعض الأعضاء وتردّدنا في جواز قطع بعض الأعضاء الأُخر في حال الحياة، لدليلٍ خارجيٍّ مفقودٍ في حال الموت، فإنّه فرق كثير بين الحالتين، ولا موضوع للضّرر بعد الموت، فلاحظ وتدبّر، وسيأتي ما يتعلّق به في المسألة الخامسة والعشرين.

وعلى كلٍّ، صرّح السيّد الأُستاذ الخوئيقدس‌سره بعدم وجوب الديّة على مَن قطع عضو الميّت بوصيّة منه(٣) .

___________________

(١) إن كثيراً من الناس يحتاجون إلى زرع القرنية، وإعطائهم النور، فلو جاز قطعه بلا وصيّة لاستفاد منها المحتاجون.

(٢) لاحظ فتاويهم في كتبهم الفتوائيّة.

(٣) توضيح المسائل ص ٥٦٠.

١٧٨

( الجهة الثالثة ) : إذا كان العضو المطلوب قطعه من الداخل: كالكلية، والقلب، والرئة، والكبد - مثلاً - جاز قطعه قبل غسل الميّت وبعده، وإذا كان من الظاهر: كاليد - مثلاً - فلابُدّ من أخذه ونزعه بعد الغسل، جمعاً بين الحكمين، إلاّ إذا كان تأخير قطعه إلى ما بعد الغسل مفسداً لزرعه في الحيّ، فإنْ كان لحفظ حياته فلا شكّ في وجوبه، فضلاً عن جوازه:( وَ مَنْ أَحْيَاهَا فَکَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) (١) .

وإن كان لدفع مشقّةٍ وحرجٍ فلا يبعد الجواز، إن شاء الله، فيغسل بعد الزرع، إنْ قيل بوجوب غسل المبان من الميّت.

( الجهة الرابعة ) : هل يجب على القاطع أو الآمر في فرض جواز القطع أو وجوبه الديّة ؟

فيه احتمالات: الوجوب مطلقاً، عدمه مطلقاً بناءً على عدم اعتبار الوصيّة في جواز القطع أو وجوبه، وجوبها في فرض عدم الوصيّة وعدمها في فرض الوصيّة. ولعلّ الأخير أوجه، فلاحظ وتأمّل.

( الجهة الخامسة ) : هل يجوز قطع أعضاء الميّت للتشريح، وتعليم طلاب كليّة الطبّ بناءً على وجوب تعلّم الطبّ، بل وتعليمه وجوباً كفائيّاً ؟

لا شكّ في جوازه من ميّت غير مسلم، وهو يوجد في أكثر بلاد المسلمين اليوم أو في جميعها، ويلحق به من شُكّ في إسلامه، وإن فُرض عدم تيسّره في بلدٍ فيمكن استيراده من بلدٍ آخر، فلا ملزم لإطالة البحث، ومع وجود جثّة غير مسلمٍ لا إشكال في حرمة قطع أعضاء المسلم الميّت(٢) .

___________________

(١) المائدة ٣٢.

(٢) وفي جوازه مع وصيّة الميّت وجه بالجواز في بعض الأعضاء، وأمّا في جميعها بحيث استلزمت ترك الدفن الواجب، أو النبش المحرّم، ففيه نظر.

١٧٩

( الجهة السادسة ) : يجب غسل مسّ الميّت على مَن مسّه بشروطه، لأيّ غرضٍ طبّيٍّ أو عاطفيٍّ، وفي وجوبه بمسّ قطعةٍ مبانةٍ منه تفصيل، بل خلاف.

وإذا شكّ الماسُّ في أنّ الميّت الممسوس قد غُسِّل سابقاً حتّى لا يجب الغسل بمسّه أم لم يُغسّل، فيجب الغسل بمسه، فإن جاؤا به من مقابر المسلمين، يُبنى على أنّه قد غُسّل، وإلاّ ففيه نظر، ولعلّ الأظهر وجوب الغسل بمسّه، نعم إذا مسّه مع سترٍ بلاستيكي أو غيره، لم يجب الغسل بلا شكّ.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

( ج ١؛ ٢١٥ ) والدّر المنثور ( ج ٣؛ ٢٨ ) والانتصار (١٠٥) وتفسير التبيان ( ج ٣؛ ٤٥٢ ) ومجمع البيان ( ج ٣؛ ٢٠٧ ).

وأنس بن مالك. انظر تفسير الطبريّ ( ج ١٠؛ ٥٨ ) وأحكام القرآن لابن العربي ( ج ٢؛ ٥٧٧ ) وتفسير الرازيّ ( ج ١١؛ ١٦١ ) والمغني لابن قدامة ( ج ١؛ ١٥٠ ) والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ( ج ٦؛ ٩٢ ) وشرح المهذب للنووي ( ج ١؛ ٤١٨ ) والدرّ المنثور ( ج ٣؛ ٢٨ ) والانتصار (١٠٦) والتبيان ( ج ٣؛ ٤٥٢ ).

وعبد الله بن مسعود، وسلمان الفارسي، وأبو ذرّ الغفاري، وعمّار بن ياسر، وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام جميعا. انظر نهاية الإقدام - في أوائل الكتاب - وهو مخطوط. كما ذهب إلى ذلك صحابة آخرون، وجمع من التابعين وفقهاء العامّة.

والوقوف عند الشبهة إلى الإمام، فإنّه لا شبهة عنده

في تفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٨٦، ٢٨٧ ) عن عبد الله بن جندب، قال: كتب إليّ أبو الحسن الرضاعليه‌السلام : ذكرت رحمك الله وذكر في آخر الكتاب: أنّ هؤلاء القوم سنح لهم شيطان اغترّهم بالشبهة، ولبّس عليهم أمر دينهم بل كان الفرض عليهم والواجب لهم من ذلك الوقوف عند التحيّر، وردّ ما جهلوه من ذلك إلى عالمه ومستنبطه؛ لأن الله يقول في محكم كتابه:( وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ) (١) . يعني آل محمّد ...

وفي بصائر الدرجات ( ٤٣٢ - ٤٣٣ ) / الباب ١٧ من الجزء الثامن - الحديث ٢ عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: ولا يقبل الله أعمال العباد إلاّ بمعرفته، فهو عالم بما يرد من ملتبسات الوحي ومعمّيات السنن ومشتبهات الفتن وانظر ما في الكافي ( ج ١؛ ٢٠٣ ) عن الصادق مثله.

وهذا المعنى من مسلّمات عقائد الإماميّة. انظر ما يتعلق بهذا المعنى الكافي ( ج ١؛ ١٧٨، ٢١٠، ٢١٢ ) وفيه تسعة أحاديث في أنّ أهل الذكر الذين أمر الله الخلق

__________________

(١) النساء؛ ٨٣

٢٢١

بسؤالهم هم الأئمّةعليهم‌السلام ، و ( ج ١؛ ٢٦٩، ٢٧٦ ). وانظر المسترشد في الإمامة (٦٠٢) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٢٣ ) و ( ج ٣؛ ٩٨ ) وحلية الأولياء ( ج ١؛ ٦٣ ) ومناقب الخوارزمي (٤٢) وتاريخ دمشق ( ج ٢؛ ٢٥٩ ) في أنّ عليّا يبيّن للناس ما اشتبه عليهم وما اختلفوا فيه من بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وطاعة وليّ الأمر بعدي، ومعرفته في حياتي وبعد موتي، والأئمّة: من بعده واحدا فواحدا

في ذلك نزل قوله تعالى:( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، ففي الكافي ( ج ١؛ ١٨٧ ) عن الحسين بن أبي العلاء، قال: ذكرت لأبي عبد اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قولنا في الأوصياء « أنّ طاعتهم مفترضة »، قال: فقال: نعم، هم الذين قال الله تعالى:( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ...

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٨٢ ) عن جابر الجعفي في تفسيره، عن جابر الأنصاريّ، قال: سألت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عن قوله:( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ ) (٣) عرفنا الله ورسوله فمن أولو الأمر؟ قال: هم خلفائي يا جابر، وأئمّة المسلمين من بعدي، أوّلهم عليّ بن أبي طالب، ثمّ الحسن ثمّ الحسين، ثمّ عليّ بن الحسين، ثمّ محمّد بن عليّ المعروف في التوراة بالباقر، وستدركه يا جابر، فإذا، لقيته فأقرئه منّي السلام، ثمّ الصادق جعفر بن محمّد، ثمّ موسى بن جعفر، ثمّ عليّ بن موسى، ثمّ محمّد بن عليّ، ثمّ عليّ بن محمّد، ثمّ الحسن بن عليّ، ثمّ سميّي وكنيّي حجّة الله في أرضه وبقيّته في عباده ابن الحسن بن عليّ، الذي يفتح الله على يده مشارق الأرض ومغاربها، ذاك يغيب عن شيعته غيبة لا يثبت على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه بالإيمان.

__________________

(١) النساء؛ ٥٩

(٢) النساء؛ ٥٩

(٣) النساء؛ ٥٩

٢٢٢

وانظر تفسير الآية ونزولها في عليّعليه‌السلام ، وفيه وفي ولديه، وفيه وفي الأئمّةعليهم‌السلام ، في شواهد التنزيل ( ج ١؛ ١٨٩ - ١٩١ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٥ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٢٧٦ ) وتفسير فرات ( ١٠٧ - ١١١ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٢٣ ) وتفسير القمّي ( ج ١؛ ١٤١ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ١١٤ - ١١٦ ).

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ١٣ ) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لعائشة - بعد أن سألته عن معنى السيّد في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ سيّد العرب -: قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : من افترضت طاعته كما افترضت طاعتي.

وقد تظافر قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ وليكم بعدي

في الكافي ( ج ١؛ ١٨٥ - ١٩٠ ) سبعة عشر حديثا في فرض طاعة الأئمّةعليهم‌السلام ، منها ما رواه في ( ج ١؛ ١٨٨، ١٨٩ ) عن الصادقعليه‌السلام : فأشهد أنّ عليّا كان قيّم القرآن، وكانت طاعته مفترضة، وكان الحجّة على الناس بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وانظر كفاية الأثر (٢١٧) وأمالي الطوسي (٥٦٢) وأمالي المفيد (١٨) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٩٤ ) وبشارة المصطفى (٢٣) وسنن الترمذيّ ( ج ٢؛ ٢٩٧ ) ومسند أحمد ( ج ٤؛ ٤٣٧ ) و ( ج ٥؛ ٣٥٦ ) وسنن أبي داود ( ج ٣؛ ١١١ ) وحلية الأولياء ( ج ٦؛ ٢٩٤ ) وخصائص النسائي ( ١٩، ٢٣ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٧١، ٢٠٣ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ١٥٤، ١٥٩، ٣٩٦ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٢٨، ١٩٩ ) وتاريخ بغداد ( ج ٤؛ ٣٣٩ ) وأسد الغابة ( ج ٥؛ ٩٤ ) والإصابة ( ج ٢؛ ٥٠٩ ).

وأمّا معرفة الإمام في حياته وبعد موته

فيدلّ عليه جميع الأدلّة الدالّة على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر بمعرفة أهل بيته والأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام كما سيأتي، وأوامره المتكررة بمعرفة عليّعليه‌السلام ومتابعته في حياته وبعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد ورد وجوب معرفتهمعليهم‌السلام في كثير من الأحاديث والروايات، منها:

ما رواه الكليني في الكافي ( ج ١؛ ١٨٠ ) عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن الحسن بن محبوب، عن هشام بن سالم، عن زرارة، قال: قلت لأبي جعفرعليه‌السلام : أخبرني

٢٢٣

عن معرفة الإمام منكم واجبة على جميع الخلق؟ فقالعليه‌السلام : إنّ الله عزّ وجلّ بعث محمّدا إلى الناس أجمعين رسولا وحجّة لله على جميع خلقه في أرضه، فمن آمن بالله وبمحمّد رسول الله واتّبعه وصدّقه فإنّ معرفة الإمام منّا واجبة عليه، ومن لم يؤمن بالله وبرسوله ولم يتّبعه ولم يصدّقه ويعرف حقّهما فكيف يجب عليه معرفة الإمام وهو لا يؤمن بالله ورسوله ويعرف حقّهما؟! ...

وفيه أيضا ( ج ١؛ ١٨٠ ) عن أحدهماعليهما‌السلام أنّه قال: لا يكون العبد مؤمنا حتّى يعرف الله ورسوله والأئمّة صلوات الله عليهم كلّهم، وإمام زمانه، ويردّ إليه ويسلّم له، ثمّ قال: كيف يعرف الآخر وهو يجهل الأوّل؟!

وفي الكافي أيضا ( ج ١؛ ١٨٠ - ١٨٥ ) أربعة عشر حديثا في معرفة الإمام والردّ إليه.

وأمّا طاعة ومعرفة الأئمّة من بعد عليّعليهم‌السلام واحدا فواحدا

فقد فاقت النصوص فيها العدّ والحصر، وقد صرّح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بأنّ الأئمّة من بعده اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش أو كلّهم من بني هاشم، وذلك من طرق الفريقين. انظر ينابيع المودّة ( ٣؛ ١٠٤، ١٠٧ )، ذكر يحيى بن الحسن في كتاب العمدة من عشرين طريقا في أنّ الخلفاء بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله اثنا عشر خليفة كلّهم من قريش، في البخاري من ثلاثة طرق، وفي مسلم من تسعة طرق، وفي أبي داود من ثلاثة طرق، وفي الترمذي من طريق واحد، وفي الحميدي من ثلاثة طرق. وانظر العمدة ( ٤١٦ - ٤٢٣ ) وفرائد السمطين ( ج ٢؛ ١٤٧ - ١٥٠ ) والخصال ( ٤٦٧ - ٤٦٩ ). وقد أخرج هذا الحديث عن عليّعليه‌السلام ، وعبد الله بن مسعود، وجابر بن سمرة، وجابر الأنصاريّ، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن عباس، القندوزي الحنفي - في ينابيع المودّة ( ج ٣؛ ١٠٥ ) - وقال: قال بعض المحقّقين: إنّ الأحاديث الدالّة على كون الخلفاء بعده اثني عشر قد اشتهرت من طرق كثيرة، فبشرح الزمان وتعريف الكون والمكان علم أنّ مراد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله من حديثه هذا الأئمّة الاثنا عشر من أهل بيته وعترتهعليهم‌السلام .

٢٢٤

وأمّا الأحاديث المصرّحة بأسمائهمعليهم‌السلام فهي أيضا كثيرة جدّا، بل روى بعضها أعلام العامّة، فقد روى أسماءهم واحدا واحدا عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الحمويني في فرائد السمطين ( ج ٢؛ ١٣٢ - ١٣٥، ١٥٣ ) وفي مواضع أخرى من كتابه، ورواهم القندوزيّ الحنفي في ينابيع المودّة ( ج ٣؛ ٩٩ - ١٠٣ ) وغيرهما.

وفي كفاية الأثر ( ٢١٣ - ٢١٩ ) عن علقمة بن قيس، قال: خطبنا أمير المؤمنينعليه‌السلام على منبر الكوفة فقام إليه رجل - يقال له عامر بن كثير - فقال: يا أمير المؤمنين لقد أخبرتنا عن أئمّة الكفر وخلفاء الباطل، فأخبرنا عن أئمّة الحقّ وألسنة الصدق بعدك؟ قال: نعم، إنّه بعهد عهده إليّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماما، تسعة من صلب الحسين قلت: يا رسول الله أفلا تسمّيهم لي؟

قال: نعم، أنت الإمام والخليفة بعدي، تقضي ديني وتنجز عداتي، وبعدك ابناك الحسن والحسين، وبعد الحسين ابنه عليّ زين العابدين، وبعده ابنه محمّد يدعى بالباقر، وبعد محمّد ابنه جعفر يدعى بالصادق، وبعد جعفر ابنه موسى يدعى بالكاظم، وبعد موسى ابنه عليّ يدعى بالرضا، وبعد عليّ ابنه محمّد يدعى بالزكي، وبعد محمّد ابنه عليّ يدعى بالنقي، وبعد عليّ ابنه الحسن يدعى بالأمين، والقائم من ولد الحسن، سميّي وأشبه الناس بي، يملؤها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما.

هذا، وقد ثبت بالروايات الصحيحة المتظافرة أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله نصّ عليهم بأسمائهم جميعاعليهم‌السلام ، وأنّ كلّ إمام كان ينصّ على من بعده. وحسبك ما رواه أبو القاسم الخزّاز من علماء القرن الرابع في كتابه « كفاية الأثر في النصّ على الأئمّة الاثني عشر »، وما رواه الكليني في الكافي ( ج ١؛ ٢٨٦ - ٣٢٩، ٥٢٥ - ٥٣٥ ) وما في كتاب الإمامة والتبصرة من الحيرة، لوالد الشيخ الصدوقرحمه‌الله .

والبراءة من الأحزاب تيم وعدي وأميّة وأشياعهم وأتباعهم

هذا التعبير جاء في روايات أهل البيتعليهم‌السلام مرادا منه أبو بكر وعمر وعثمان ومعاوية،

٢٢٥

وهذا كثير في كلام العرب، قال السيّد المرتضى - في شرح القصيدة المذهّبة (٨٩) في شرح البيت السادس عشر من القصيدة، وهو قوله:

أإلى أميّة أم إلى شيع الّتي

جاءت على الجمل الخدبّ الشوقب

ـ قال: ذكر القبيلة نفسها وأراد أبناءها ومن نسلت، وهذا في الكلام المنظوم والمنثور كثير.

وقد عبّر عنهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بالأحزاب لأنّهم من الّذين نفّروا ناقته وحاولوا اغتياله في ليلة العقبة، وهم الذين كتبوا الصحيفة لإزواء الخلافة عن عليّعليه‌السلام ، وهم الّذين لم يؤمنوا بالله طرفة عين أبدا، وقد اتّفق الشيخان وابنتاهما على أن يسمّوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وكان أبو سفيان رئيس الأحزاب المجمع لهم في غزوة الخندق ( الأحزاب ) كما في تطهير الجنان (٥٤) وكان معه معاوية ابنه، وكانت راية المشركين يوم أحد مع طلحة بن أبي طلحة العدويّ من بني عبد الدار كما في تفسير القمّي ( ج ١؛ ١١٢ ) وكان عبيد الله بن عمر بن الخطّاب من زعماء جيش معاوية في صفّين، وامتنع عبد الله بن عمر عن بيعة عليّعليه‌السلام وبايع الحجّاج من بعد، وهم من بني عدي، وكانت تيم أيضا تبغض عليّا، وقد خرجت عائشة منهم على عليّعليه‌السلام ، وكانت تقول - كما في الطبريّ ( ج ٥؛ ٢٢٢ ) والعقد الفريد ( ج ٥؛ ٧٤ ) -: « ما زلت أرجو النصر حتّى خفيت أصوات بني عدي »، وخرج معها مروان وسائر بني أميّة إلاّ من خشع كما في الطبريّ ( ج ٥؛ ١٦٩ ) واجتمعت بنو أميّة إلى عائشة، وتشاوروا وقالوا: كلنا نطلب بدم عثمان، ورأسهم عبد الله بن عامر الحضرمي، ومروان بن الحكم، والمشار إليهما طلحة والزبير كما في تذكرة الخواص (٦٥) وقد قاتل الأمويون النبي والوصي صلوات الله عليهما، ولذلك قال عليّعليه‌السلام في صفين: « انفروا إلى بقية الأحزاب » كما في تطهير الجنان (٥٤) وتقريب المعارف (٢٩٤) وقال عمّار بن ياسر لأبي زينب: « أثبت أبا زينب ولا تشك في الأحزاب عدوّ الله ورسوله » كما في صفين (١٠١) وقالرحمه‌الله : « إنّ مراكزنا على مراكز رايات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم بدر ويوم أحد ويوم حنين، وإنّ هؤلاء على مراكز رايات المشركين من الأحزاب » كما في صفّين (٣٢١).

ورقى عثمان المنبر فقال: « أيّها الناس إنّ أبا بكر كان يؤثر بني تيم على الناس، وإنّ عمر

٢٢٦

كان يؤثر بني عدي على كلّ الناس، وإنّي أؤثر والله بني أميّة على سواهم » كما في أمالي المفيد (٧٠).

وفي شرح النهج ( ج ٦؛ ٢١ ) روى الزبير بن بكار، قال: روى محمّد بن إسحاق أنّ أبا بكر لمّا بويع افتخرت تيم بن مرّة، قال: وكان عامّة المهاجرين وجلّ الأنصار لا يشكّون أنّ عليّاعليه‌السلام هو صاحب الأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال الفضل بن العبّاس: « يا معشر قريش، وخصوصا يا بني تيم، إنّكم إنّما أخذتم الخلافة بالنبوّة، ونحن أهلها دونكم ». وانظر الموفقيات (٥٨٠).

وفي شرح النهج أيضا ( ج ٦؛ ١٨ ) قال ابن أبي الحديد: والذي ثبت عندي أنّ أوّل من بايعه عمر.

وفي الشرح أيضا ( ج ٦؛ ١١ ) قال: واجتمعت بنو أمية إلى عثمان بن عفّان فقام عثمان ومن معه فبايعوا أبا بكر.

هذه النصوص وغيرها تبيّن أنّ التحزّب التيمي والعدوي والأموي كان وراء غصب عليّ وأهل البيتعليهم‌السلام الخلافة، وهذه حقيقة ثابتة من حقائق التاريخ، ذكرت تفاصيلها في كلّ كتاب أرّخ بيعة السقيفة الظالمة، ولذلك عبّر أبو سفيان بشعره عن هذه الأحزاب بقوله يحرّض عليّاعليه‌السلام :

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكم

و لا سيّما تيم بن مرّة أوعدي

انظر شعره في الموفقيات (٥٧٧) وشرح النهج ( ج ٦؛ ١٧ ).

فهؤلاء هم الأحزاب وبقية الأحزاب الّذين قاتلوا النبي والوصي صلوات الله عليهما. وسيأتي مثل هذا المعنى في الطّرفة (٢٤) وأنّ الناكثين والقاسطين والمارقين أيضا من الأحزاب.

وقد ورد ذمّهم والبراءة منهم صريحا في روايات أهل البيتعليهم‌السلام ، فمن ذلك ما في الكافي ( ج ٨؛ ٣٤٥ ) عن زرارة، عن أحدهماعليهما‌السلام ، قال: أصبح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوما كئيبا حزينا، فقال له عليّعليه‌السلام : مالي أراك يا رسول الله كئيبا حزينا؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : وكيف لا أكون كذلك وقد رأيت في ليلتي هذه أنّ بني تيم وبني عدي وبني أميّة يصعدون على منبري هذا،

٢٢٧

يردّون الناس عن الإسلام القهقرى، فقلت: يا ربّ في حياتي أو بعد موتي؟ فقال: بعد موتك.

وفي تفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٣٢١ ) عن عبد الرحيم القصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى( وَما جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْناكَ ) (١) قال: أري رجالا من بني تيم وعدي على المنابر يردّون الناس عن الصراط القهقرى، قلت( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (٢) قال: هم بنو أميّة.

وفي تفسير القمّي ( ج ٢؛ ٣٨٩، ٣٩٠ ) قالت قريش: فمتى يكون ما تعدنا يا محمّد من أمر عليّ والنار، فأنزل الله( حَتَّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ ) (٣) يعني الموت والقيامة( فَسَيَعْلَمُونَ ) (٤) يعني فلانا وفلانا وفلانا ومعاوية وعمرو بن العاص وأصحاب الضغائن من قريش( مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً ) (٥) ...

وفي الكافي ( ج ١؛ ٤٢٦ ) عن عليّ بن جعفر، قال: سمعت أبا الحسن الكاظمعليه‌السلام يقول: لمّا رأى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تيما وعديّا وبني أميّة يركبون منبره أفظعه، فأنزل الله قرآنا يتأسى به ....

وفي كتاب سليم (١٩٢) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قال في حديث: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد كان أخبرني أنّه رأى على منبره اثني عشر رجلا أئمّة ضلال من قريش، يصعدون منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وينزلون على صورة القرود، يردّون أمّته على أدبارهم عن الصراط المستقيم، اللهم قد خبّرني بأسمائهم رجلا رجلا وكم يملك كلّ واحد منهم، واحدا بعد واحد، عشرة منهم من بني أميّة، ورجلين من حيّين مختلفين من قريش، عليهما مثل أوزار الأمّة جميعا إلى يوم القيامة، ومثل جميع عذابهم، فليس دم يهرق في غير حقّه، ولا فرج يغشى، ولا حكم بغير حقّ إلاّ كان عليهما وزره.

وفي تقريب المعارف (٢٤٢) قول عليّعليه‌السلام للحارث الأعور: ابرأ منهما. وفي المصدر

__________________

(١) الإسراء؛ ٦٠

(٢) الإسراء؛ ٦٠

(٣) مريم؛ ٧٥

(٤) الجنّ؛ ٢٤

(٥) الجنّ؛ ٢٤

٢٢٨

نفسه (٢٤٥) قول الباقرعليه‌السلام : الله ورسوله منهما بريئان، وفيه أيضا (٢٤٨) قول الصادقعليه‌السلام : ابرأ منهما برأ الله ورسوله منهما. وفي الكافي ( ج ٨؛ ٢٣٧ ) أن أمّ خالد قالت للصادقعليه‌السلام : فإن هذا الذي معك [ تعني أبا بصير ] على الطنفسة يأمرني بالبراءة منهما، وكثير النوّاء يأمرني بولايتهما، فأيّهما خير وأحبّ إليك؟ قال: هذا والله أحبّ إليّصلى‌الله‌عليه‌وآله من كثير النوّاء وأصحابه.

وقد ثبت عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه ما مات حتّى دعا بالويل على بني أميّة وهو عنهم غير راض. انظر مستدرك الحاكم ( ج ٤؛ ٤٧٩، ٤٨٠، ٤٨٧ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٤٠، ٦٨، ٩١ ) و ( ٧؛ ١٤٢، ١٧١ ) وحلية الأولياء ( ج ٦؛ ٢٩٣ ).

ونزل قوله تعالى:( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (١) في بني أميّة، وبني الحكم. انظر الدّر المنثور ( ج ٤؛ ١٩١ ) وتطهير الجنان (١٤٣) وكنز العمال ( ج ٧؛ ١٤٢ ) وسنن الترمذيّ ( ج ٢؛ ٣٥ ) وتفسير الطبريّ ( ج ٣٠؛ ١٦٧ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٣؛ ١٧٠ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ٢١ ) ومجمع البيان ( ج ٣؛ ٤٢٤ ) والتبيان ( ج ٦؛ ٤٩٤ ) والكشّاف ( ج ٢؛ ٦٧٦ ) والسيرة الحلبية ( ج ١؛ ٣٣٧ ) وتفسير القرطبي ( ج ١٠؛ ٢٨٦ ) وتفسير الشوكاني ( ج ٥؛ ٢٦٣ ) وتفسير النيسابوريّ بهامش الطبريّ ( ج ١٥؛ ٥٥ ) والخصائص الكبرى ( ج ٢؛ ١١٨ ) وتفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٣٢٠، ٣٢١ ) وانظر في هذا الشأن تخريجات الغدير ( ج ٨؛ ٢٤٨ ).

وقد صرّح عليّعليه‌السلام بهذا المعنى، وأنّه كان يعاديهم ويبرأ منهم، ففي الكافي ( ج ٨؛ ١٠٣ ) عن الباقرعليه‌السلام قال: إنّ عمر لقي عليّاعليه‌السلام فقال له: أنت الذي تقرأ هذه الآية( بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ ) (٢) وتعرّض بي وبصاحبي؟! قال: فقال له عليّعليه‌السلام : أفلا أخبرك بآية نزلت في بني أميّة( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ ) (٣) ، فقال عمر: كذبت، بنو أميّة أوصل للرحم منك، ولكنّك أبيت إلاّ عداوة لبني تيم وبني عدي وبني أميّة.

وقالعليه‌السلام - كما في مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٠٢ ) -: وبي كان [ رسول الله ] يبري

__________________

(١) الإسراء؛ ٦٠

(٢) القلم؛ ٦

(٣) محمّد؛ ٢٢

٢٢٩

جماجم البهم وهام الأبطال، إلى أن فزعت تيم إلى الفرار، وعديّ إلى الانتكاص.

وقالعليه‌السلام أيضا في المصدر نفسه ( ج ٢؛ ٢٠٣ ): سبقني إليها التيمي والعدوي كسباق الفرس، احتيالا واغتيالا وخدعة وغيلة، ثمّ قال بعد كلام له: يا معشر المهاجرين والأنصار أين كان سبقة تيم وعديّ ألا كانت يوم الأبواء إذ تكاثفت الصفوف؟! ...

وقد اتّفقت روايات أهل البيتعليهم‌السلام وسيرتهم وفي أدعيتهم على لعن الثلاثة ومن تابعهم وشايعهم، وهو معنى آخر للبراءة منهم، ففي التهذيب ( ج ٢؛ ٣٢١ ): سمعنا أبا عبد اللهعليه‌السلام وهو يلعن في دبر كلّ صلاة مكتوبة أربعة من الرجال وأربعا من النساء: التيمي والعدويّ وفعلان ومعاوية، ويسمّيهم، وفلانة وفلانة وهند وأمّ الحكم أخت معاوية.

وفي تقريب المعارف (٢٤٤) عن السجادعليه‌السلام : هما أوّل من ظلمنا حقّنا، وأخذا ميراثنا، وجلسا مجلسا كنّا أحقّ به منهما، فلا غفر الله لهما، ولا رحمهما، كافران كافر من تولاّهما.

وانظر في لعنهما والبراءة منهما الكافي ( ج ١؛ ٣٧٤ ) و ( ج ٢؛ ٥٢٩، ٥٣٠ ) و ( ج ٨؛ ١٠٢، ١٠٣، ٢٤٥، ٢٤٦ ) والتهذيب ( ج ٤؛ ١٤٥ ) وكتاب سليم (١٩٢) والخصال (١٠٦) ورجال الكشي ( ج ٢؛ ٤٦١ ) والاحتجاج ( ج ٢؛ ٤٦٥ ) وتقريب المعارف ( ٢٣٧ - ٢٥٧ ) وتفسير العيّاشي ( ج ١؛ ٣٨ ) وتفسير القمي ( ج ٢؛ ١٤، ٢١ ) وتقريب المعارف أيضا ( ٢٤٨ - ٢٥٣ ) ففيه عدّة روايات بأسانيد متعددة.

وقد استقصى ذلك العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار / المجلد الثامن من الطبع الحجريّ - باب « كفر الثلاثة ونفاقهم وفضائح أعمالهم ».

وأن تمنعني ممّا تمنع منه نفسك

لقد بايع المسلمون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيعة العقبة، وكان شرط عليهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله شروطا لله ولنفسه، فأمّا الشروط الّتي لله فهي الترغيب في الإسلام وإطاعة الله، واشترط عليهم لنفسه أن يمنعوه وأهل بيته وذريتهعليهم‌السلام ممّا يمنعون منه أنفسهم وأهاليهم وذراريهم.

ففي تفسير القمّي ( ج ١؛ ٢٧٢، ٢٧٣ ): لمّا أظهر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الدعوة بمكّة قدمت

٢٣٠

عليه الأوس والخزرج، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تمنعوني وتكونون لي جارا حتّى أتلو عليكم كتاب ربّي وثوابكم على الله الجنّة؟ فقالوا: نعم، خذ لربّك ولنفسك ما شئت، فقال لهم: موعدكم العقبة في اللّيلة الوسطى من ليالي التشريق، فحجّوا ورجعوا إلى منى، وكان فيهم ممّن قد حجّ بشر كثير، فلمّا كان اليوم الثاني من أيّام التشريق، قال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان اللّيل فاحضروا دار عبد المطلّب على العقبة، ولا تنبّهوا نائما، ولينسلّ واحد فواحد، فجاء سبعون رجلا من الأوس والخزرج فدخلوا الدار، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : تمنعوني وتجيروني حتّى أتلو عليكم كتاب ربّي وثوابكم على الله الجنّة؟ فقال سعد بن زرارة والبراء بن معرور وعبد الله بن حزام: نعم يا رسول الله، اشترط لربّك ولنفسك ما شئت، فقال: أمّا ما أشترط لربّي فأن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأشترط لنفسي أن تمنعوني ممّا تمنعون أنفسكم وتمنعوا أهلي ممّا تمنعون أهاليكم وأولادكم، فقالوا: وما لنا يا رسول الله؟ فقال: الجنّة في الآخرة ....

وفي الكافي ( ج ٨؛ ٢٦١ ) عن الصادقعليه‌السلام ، قال: قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : كنت أبايع لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على العسر واليسر والبسط والكره، إلى أن كثر الإسلام وكثف، قال: وأخذ عليهم عليّعليه‌السلام أن يمنعوا محمّدا وذريته صلوات الله عليهم ممّا يمنعون منه أنفسهم وذراريهم، فأخذتها عليهم، نجا من نجا وهلك من هلك.

وانظر مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٤ ) والسقيفة وفدك (٦٩) وشرح النهج ( ج ٦؛ ٤٤ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٢؛ ٢٣٨، ٢٣٩ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ٩٨، ٩٩ ) وتاريخ ابن خلدون ( ج ٢؛ ٤١٨ ) وتاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ٣٨ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٢؛ ٤٤٢ ) والروض الأنف ( ج ٤؛ ٨٢ ).

وزاد ابن هشام في سيرته ( ج ٢؛ ٤٥٤ ) المبايعة بشرط: وأن لا ننازع الأمر أهله، وأن نقول بالحقّ أينما كنّا، لا نخاف في الله لومة لائم. وهو أيضا في الروض الأنف ( ج ٤؛ ١٣٥ ) وأنساب الأشراف ( ج ١؛ ٢٩٤ ).

وواضح أنّ عليّاعليه‌السلام كان قد بايع لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك ووفى به، ولذلك كان

٢٣١

هوعليه‌السلام يأخذ منهم البيعة على ذلك، نجا من نجا وهلك من هلك منهم.

وقد وفى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ببيعته فلم يفرّ ولم ينكل في حرب، ولم يترك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ تركه الثلاثة وغيرهم فلم يفوا بالبيعة، فلذلك عدّ عليّ نقض شروط هذه البيعة كفرا بالله، ففي كشف الغمّة ( ج ١؛ ١٩٢، ١٩٤ ) روى عكرمة، قال: سمعت عليّاعليه‌السلام يقول: لمّا انهزم الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم أحد لحقني من الجزع عليه ما لم أملك نفسي، وكنت أمامه أضرب بسيفي بين يديه، فرجعت أطلبه فلم أره، فقلت: ما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليفرّ، وما رأيته في القتلى وحملت على القوم فأفرجوا، فإذا أنا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد وقع مغشيّا عليه، فنظر إليّ وقال: ما فعل الناس يا عليّ؟ قلت: كفروا يا رسول الله وولّوا الدّبر وأسلموك. ونقل هذا الخبر في كشف اليقين (١٢٨) وفيه: أنّ عليّاعليه‌السلام قال: للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : نقضوا العهد وولّوا الدّبر.

وفي حديث عمران بن حصين - كما في كشف الغمّة ( ج ١؛ ١٩٤ ) - قال: لمّا تفرّق الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جاء عليّعليه‌السلام متقلّدا بسيفه حتّى قام بين يديه، فرفعصلى‌الله‌عليه‌وآله رأسه إليه وقال: مالك لم تفرّ مع الناس؟ فقالعليه‌السلام : يا رسول الله أرجع كافرا بعد إسلامي؟!

وكان ممّن ثبت ذلك اليوم أبو دجانة الأنصاري، ففي الكافي ( ج ٨؛ ٣٢٠ ) قال: فلم يزل يقاتل حتّى أثخنته الجراحة فلمّا سقط احتمله عليّعليه‌السلام فجاء به إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فوضعه عنده، فقال: يا رسول الله أوفيت ببيعتي؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم.

وفي تفسير فرات (٩٤) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبا دجانة ذهب الناس فالحق بقومك، فقال أبو دجانة: يا رسول الله ما على هذا بايعناك وبايعنا الله، ولا على هذا خرجنا.

فكان عليّعليه‌السلام قد وفى ببيعته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذه الوقعة وفي جميع الوقائع. وقد فرّ الشيخان في أماكن شتّى، وشاركهما عثمان بذلك فيما عدا خيبر، فقد فرّوا في أحد وحنين ونكل الشيخان في خيبر وغيرها. انظر في فرارهم وجبنهم وعدم وفائهم بالبيعة. تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ٤٧، ٦٢ ) ودلائل الصدق ( ج ٢؛ ٥٥٣ - ٥٦١ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ١٨٣، ١٩٢ - ١٩٥، ١٩٧، ٢٠٤، ٢٠٥، ٢١٣، ٢٢١، ٢٢٣ ) وشرح النهج

٢٣٢

( ج ١٣؛ ٢٧٨، ٢٩٣ ) و ( ج ١٥؛ ٢٠ - ٢٥، ٢٩ ) ومغازي الواقديّ ( ج ١؛ ٩٢، ٢٢٥، ٢٢٦، ٢٣٧، ٢٤٠، ٢٥٨، ٢٥٩، ٢٧٧ - ٢٨٠، ٢٩٣، ٢٩٥، ٣١٠، ٣٢١ ) و ( ج ٢؛ ٢٧٠، ٤٧٠، ٦٠٧، ٦٠٩، ٦٥٣، ٦٥٧ ) و ( ج ٣؛ ٨٨٩، ٨٩٠، ٩٠٤، ٩٣٦ ) والامتاع للمقريزيّ (١٣٢) والإرشاد ( ٤٢، ٤٥، ٥٥، ٦٦، ٧٤، ٧٦ ) وتاريخ ابن الأثير ( ج ٢؛ ١١٩، ١٥٥ - ١٥٨، ٢٢٠، ٢٦٢ ) وتاريخ الطبريّ ( ٣؛ ١٨، ٢٠، ٩٣، ٩٤ ) وسيرة ابن هشام ( ج ٣؛ ٧٨، ٨٦، ٣٤٩ ) ومستدرك الحاكم ( ج ٢؛ ٣٧ ) و ( ج ٣؛ ٣٧، ٧٣، ١١٢ ) وكنز العمال ( ج ٣؛ ٧٠، ٢٩٤ ) و ( ج ٥؛ ٣٠٤ ) كتاب الغزوات ( ج ٦؛ ٣٩٤ ) والدرّ المنثور ( ج ٢؛ ٨٩، ٩٠ ) و ( ج ٣؛ ٢٢٤ ) وأنساب الأشراف ( ١، ٣٢٦ ) وسيرة ابن إسحاق ( ٣٣٠، ٣٣٢ ) والسيرة الحلبية ( ج ٣؛ ١٢٣ ) وتذكرة الخواص ( ٢٥، ٣٨ ) وتفسير النيسابوريّ ( ج ٤؛ ١١٢، ١١٣ ) وروح المعاني ( ج ٤؛ ٩٩ ) وتفسير مفاتيح الغيب ( ج ٩؛ ٥٢ ) والفصول المهمّة ( ٥٧، ٥٨، ٦٠، ٦١ ) وأسد الغابة ( ج ٤؛ ٢٠ ) وكشف اليقين ( ١٢٨، ١٤٠، ١٤٣، ١٤٤ ) وخصائص الوحي المبين ( ١٨٨، ١٩٠، ١٩١ ) ومسند أحمد ( ج ١؛ ٩٩ ) والصراط المستقيم ( ج ٣؛ ١٠٠، ١٠١ ) و ( ج ٢؛ ١، ٢ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٢٤ ) ومناقب الخوارزمي ( ١٠٣، ١٠٤ ) والبداية والنهاية ( ج ٤؛ ٢١١ - ٢١٣، ٣٧٦ ) ودلائل البيهقي ( ٤؛ ٢١٠ - ٢١٢ ) ومناقب بن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢١٠، ٢١١ ) ومجمع البيان ( ج ٣؛ ١٧ ) والتبيان ( ٥؛ ١٩٧، ١٩٨ ) وتجارب الأمم ( ج ١؛ ١٥٥ ) والاستيعاب ( ج ٢؛ ٨١٢، ٨١٣ ) وصحيح البخاريّ ( ج ٣؛ ٦٧ ).

يا خديجة هذا عليّ مولاك ومولى المؤمنين وإمامهم بعدي

ويدلّ على إيمان أمّ المؤمنين خديجة بولاية أمير المؤمنين، ومبايعتها إياه على ذلك، والتسليم له، حديث المعراج؛ فإنّ فيه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أمر أن يسأل من أرسل قبله من الأنبياء على ما بعثوا؟ فسألهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالوا بأنّهم بعثوا وأرسلوا على الشهادة بالتوحيد والإقرار بنبوّة وولاية رسول الله، وولاية أمير المؤمنينعليه‌السلام ، وقد أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بحديث المعراج الناس، فكذّبته قريش وعتاتها، وصدّقه المؤمنون وعلى رأسهم خديجة

٢٣٣

بلا خلاف بين المسلمين، ولذلك قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدّقتني إذ كذّبني الناس » كما في مسند أحمد بن حنبل ( ج ٦؛ ١١٧ ) فتكون من المؤمنات بولاية عليّعليه‌السلام ، ومبايعة للنبي على ولاية أمير المؤمنين.

ففي المحتضر (١٢٥) عن ابن مسعود قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في حديث الإسراء: فإذا ملك قد أتاني، فقال: يا محمّد سل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ فقلت:

معشر الرّسل والنبيّين، على ما بعثكم الله قبلي؟ قالوا: على ولايتك يا محمّد وولاية عليّ بن أبي طالب.

وفي شواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٢٢٢، ٢٢٣ ) بسنده عن عبد الله بن مسعود، قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عبد الله، أتاني الملك، فقال: يا محمّد، واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا على ما بعثوا؟ قلت: على ما بعثوا؟ قال: على ولايتك وولاية عليّ بن أبي طالب.

انظر كشف الغمّة ( ج ١؛ ٣١٢ ) وروضة الواعظين (٥٩) وكنز جامع الفوائد ( ٥٤، ٥٥ ) ونهج الحقّ وكشف الصدق (١٨٣) ومقتضب الأثر ( ٣٧ - ٤٣ ) وكنز الفوائد ( ٢٥٦ - ٢٥٨ ) وإرشاد القلوب (٢١٠) وتفسير فرات ( ١٨١، ١٨٢ ) عن الإمام الباقرعليه‌السلام ، وخصائص الوحي المبين (١٥٣) والبرهان ( ج ٤؛ ١٤٧، ١٤٨ ) وبحار الأنوار ( ج ٣٦؛ ١٥٤، ١٥٥ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٨٠ ) ومناقب الخوارزمي ( ٢٢١ - ٢٢ ) وفرائد السمطين ( ج ١، ٨١ ) وذخائر العقبى (٦٩) وكفاية الطالب (٧٥) وكنز العمال ( ج ٦؛ ١٥٤، ١٥٦ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٠٨ ) وتفسير النيسابوري ( ج ٣؛ ٣٢٨ ) وشواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٢٢٢ - ٢٢٥ ) وانظر تخريجاته في هامش شواهد التنزيل.

هذا، بالإضافة إلى عموم الأدلّة الدالّة على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله صدع بولاية أمير المؤمنين من بدء البعثة، عند بيعة الدار وبعدها، وما من موقف وقفه النبي إلاّ وأخذ الولاية لنفسه ولأخيه - كما سيأتي - فلا يبقى أدنى شك ولا شبهة في أنّ أمّ المؤمنين خديجة كانت من المبايعات لعليعليه‌السلام والمقرّات بإمامته وولايته.

٢٣٤

الطرفة الثانية

ذكر هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ١٨؛ ١٧٩ ) فإنّه بعد أن روى ما في العلل قال: « أقول ورواه السيّد في الطّرف بإسناده عن الأعمش مثله ».

وانظر مضمون هذه الطّرفة في علل الشرائع ( ١٧٠ / الباب ١٣٣ - الحديث ٢ ) والصراط المستقيم ( ج ١؛ ٣٢٥ ) حيث قال: « ذكر ذلك الفرّاء في معالمه والثعلبي بإسناده في تفسيره، وغيره من طرق كثيرة »، وسعد السعود ( ١٠٥، ١٠٦ ) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ٨٥، ٨٦ ) وشرح الأخبار ( ج ١؛ ١٠٧ ) وأمالي الطوسي ( ٥٨١ - ٥٨٣ / المجلس ٢٤ - الحديث ١١ ) وتاريخ الطبريّ ( ج ٢؛ ٢١٧ ) وتفسير فرات ( ٣٠٠، ٣٠١ ) ومجمع البيان ( ج ٤؛ ٢٠٦ ) وشواهد التنزيل ( ج ١؛ ٥٤٢ - ٥٤٧ ) والمناقب لابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٢٤، ٢٥ ) وكشف اليقين (٤٠) ونظم درر السمطين ( ٨٢، ٨٣ ) وكفاية الطالب ( ٢٠٥، ٢٠٦ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ١٠٤، ١٠٥ ) وشرح النهج ( ج ١٣؛ ٢١٠ ) وتقريب المعارف (١٩٣) وتهذيب الآثار (٦٠) وإثبات الوصيّة ( ٩٩، ١٠٠ ) وطبقات ابن سعد ( ج ١؛ ١٨٧ ) وتاريخ أبي الفداء ( ج ٢؛ ١١٦ ) ومسند أحمد ( ج ١؛ ١١١ ) وسليم بن قيس (٢٠٠) والدرّ المنثور ( ج ٥؛ ٩٧ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ١٢٤ ) والسيرة الحلبيّة ( ج ١؛ ٤٦٠ ) وأسنى المطالب ( ١٢ / الباب الثالث ) وتاريخ دمشق ( ج ١؛ ٩٧ - ٩٩ ) رواه؛ بسبعة طرق، ومروج الذهب ( ج ٢؛ ٢٨٣ ) والكامل لابن الأثير ( ج ٢؛ ٦٢ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٢٥ ) وأخرجه ابن البطريق في خصائص الوحي المبين ( ٩٤ - ٩٨ ) عن الحافظ أبي نعيم ومناقب أحمد

٢٣٥

وتفسير الثعلبي عن كلّ منهم بعدّة أسانيد. وهناك مصادر أخرى كثيرة ذكرت هذا الحدث التأريخي العظيم، انظر الغدير ( ج ٢؛ ٢٧٩ - ٢٨١ ) وقادتنا ( ج ١؛ ٧٨ - ٨٦ ) والملل والنحل ( ج ١؛ ١٤٤ ). وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٤٢ ) « بيعة العشيرة كانت بعد مبعثه بثلاث سنين كما ذكره الطبريّ في تاريخه، والخركوشي في تفسيره ومحمّد بن إسحاق في كتابه ».

٢٣٦

الطّرفة الثالثة

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرف - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٢٧٨، ٢٧٩ ) و ( ج ٦٥؛ ٣٩٥ ) ونقلها باختصار العلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٨ ).

هذه الطّرفة من مختصات الكتاب، لكن تدلّ عليها قرائن وأدلّة كثيرة، فأمّا الزهراءعليها‌السلام فقد قضت عمرها تدافع عن ولاية عليّعليه‌السلام وأحقّيّته في الخلافة، ويكفيك خطبتها الّتي خطبتها بعد غصب الأوّل فدكا منها، وفيها عيون البلاغة والفصاحة في المطالبة بحقّ عليّعليه‌السلام وإمامته وخلافته، وهذا من المسلّمات والثوابت التاريخيّة بلا نزاع بين المسلمين.

وأمّا حمزة أسد الله وأسد رسوله، فيدل على مبايعته للإمام عليّعليه‌السلام عمومات أدلّة الإمامة والولاية، وكلّ ما دلّ على بيعة خديجة ممّا تقدّم، ويزيد على ذلك هنا النصوص الصريحة في ولايته هو وجعفر لعليعليه‌السلام ، وتصريحات عليّعليه‌السلام بذلك وأنّهما لو كانا حيّين لما غصب الخلافة.

ويزيد الأمر تأكيدا التصريح بوجود أعمام النبي في بيعة العشيرة السالفة، ونصّ على وجود حمزة فيهم، ولم ينكر دعوة النبي وولاية عليّعليه‌السلام إلاّ أبو لهب. ففي تفسير فرات ( ٢٩٩ - ٣٠١ ) قال: فيهم أعمامه العبّاس وحمزة وأبو طالب، وأبو لهب الكافر، وهذا يدلّ على مبايعتهم عليّاعليه‌السلام وأنّ أبا لهب الكافر امتنع من ذلك.

هذا مع أنّ حمزة وجعفرا كانا أوّل المسلمين بعد عليّ، قال المسعوديّ في إثبات الوصيّة:

٢٣٧

١٠٠ ثمّ آمن من بعد أمير المؤمنين قوم من عشيرته أوّلهم جعفر وحمزة.

وأمّا الروايات في مبايعتهم لعليعليه‌السلام ، ففي الكافي ( ج ١؛ ٤٢٦ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٩٦ ) عن الصادقعليه‌السلام - في قوله تعالى( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلى صِراطِ الْحَمِيدِ ) (١) - قال: ذاك حمزة وجعفر هدوا إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام . وانظر اليقين (٤١٣) وتفسير فرات ( ٣٤٠ / الحديث ٤٦٥ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٢٣٣ ).

وأمّا الروايات الدالّة على أنّ حمزة وجعفر من النجباء ومن المخلصين وأنّهم مع الخمسة أصحاب الكساء فكثيرة جدّا، منها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : نحن بنو عبد المطّلب سادة أهل الجنّة، أنا وعليّ وحمزة وجعفر والحسن والحسين. انظر هذا النصّ وما يؤدي معنى انتجابهم في تذكرة الخواص (٤٨) وتاريخ بغداد ( ج ٩؛ ٤٣٤ ) وذخائر العقبى ( ١٥، ٨٩ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٨٢ ) وشرح النهج ( ج ٧؛ ٦٤ ) والخصال (٤١٢)، وأمالي الصدوق (١٧٢)، وينابيع المودّة ( ج ٢؛ ٦٩ ) وتفسير القمي ( ج ٢؛ ١٢٦ ) والكافي ( ج ١؛ ٤٥٠ ) وروضة الواعظين (٢٦٩) ودلائل الإمامة (٢٥٦) وبصائر الدرجات (١٤١) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١٦٩ ) والمسترشد (٦١١) ومناقب ابن المغازلي (٤٨) ومناقب الخوارزمي (٢١٢).

وفي الكافي ( ج ٨؛ ١٨٩، ١٩٠ ) عن سدير الصيرفي، قال: كنا عند أبي جعفر فذكرنا ما أحدث الناس بعد نبيّهم واستذلالهم أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقال رجل من القوم: أصلحك الله فأين كان عزّ بني هاشم وما كانوا فيه من العدد؟ فقال أبو جعفر: ومن كان بقي من بني هاشم؟! إنّما كان جعفر وحمزة فمضيا أما والله لو أنّ حمزة وجعفر كانا بحضرتهما ما وصلا إلى ما وصلا إليه، ولو كانا شاهديهما لأتلفا نفسيهما.

وفي شرح النهج ( ج ١١؛ ١١١ ) وكان عليّعليه‌السلام يستصرخ تارة بقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتارة بعمّه حمزة وأخيه جعفر - وهما ميّتان - وعقد ابن أبي الحديد في هذا الشرح

__________________

(١) الحجّ؛ ٢٤

٢٣٨

( ج ١١؛ ١١٥ - ١٢٠ ) فصلا في أنّ جعفرا وحمزة لو كانا حيّين لبايعا عليّا بالخلافة بعد النبي. وانظر التصريح بذلك في المسترشد: ٤١٧، وتفسير العيّاشي ( ج ٢؛ ٥٨، ٥٩ ).

والذي يؤكّد هذا هو تجديد البيعة لعليعليه‌السلام على حمزة قبل شهادتهرحمه‌الله لأنّه مسئول عن ولاية عليّعليه‌السلام ، ومثله في هذا مثل فاطمة بنت أسد أمّ الإمام عليّعليه‌السلام ، حين لقّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ولاية عليّ وإمامته. انظر في ذلك الكافي ( ج ١؛ ٤٥٣، ٤٥٤ ) وبشارة المصطفى ( ٢٤١، ٢٤٢ ) وروضة الواعظين ( ج ١؛ ١٤٢ ) وأمالي الصدوق (٢٥٩).

وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إذا خلا دعا عليّاعليه‌السلام فأخبره من يفي منهم ومن لا يفي

أمالي الصدوق (٣١١) عن الصادق، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، قال: بلغ أمّ سلمة فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : والله ما رددتك من موجدة، وإنّك لعلى خير من الله ورسوله، لكن أتيتني وجبرئيل عن يميني وعليّ عن يساري وجبرئيل يخبرني بالأحداث التي تكون من بعدي، وأمرني أن أوصي بذلك عليّا وهو في بشارة المصطفى ( ٥٨، ٥٩ ).

وفي تذكرة الخواص (١٠٩) قال: ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليعليه‌السلام ما يلقى من بعده، قال: فبكى عليّ.

وفي شرح النهج ( ج ٢؛ ٢٨٨ ) قال عليّعليه‌السلام : إنّ خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني بالمتمرّدين عليّ من الرجال والمتمرّدات من النساء إلى أن تقوم الساعة. وانظر الفتوح ( ج ١؛ ٤٨٣ ) وقول عليّعليه‌السلام : وقد أخبرني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بكلّ متمرّد عليّ.

وفي تفسير القمّي ( ج ٢؛ ٦١ ) عن مروان، عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى:( إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِأُولِي النُّهى ) (١) ، قال: نحن والله أولو النهى، فقلت: جعلت فداك وما معنى « أولي النّهى »؟ قال: ما أخبر الله به رسوله ممّا يكون بعده من ادّعاء فلان الخلافة والقيام بها،

__________________

(١) طه؛ ١٢٨

٢٣٩

والآخر من بعده، والثالث من بعدهما وبني أميّة، فأخبر رسول الله، وكان كما أخبر الله به نبيّه، وكما أخبر رسول الله عليّا، وكما انتهى إلينا من عليّعليه‌السلام فيما يكون من بعده من الملك في بني أميّة وغيرهم. ومثله في بصائر الدرجات: ٥٣٨.

وفي الخصال ( ٥٧٢ - ٥٨٠ ) فيه ذكر فضائل لعليعليه‌السلام ، وفيها قولهعليه‌السلام : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثني ودعا لي بدعوات وأطلعني على ما يجري بعده، فحزن لذلك بعض أصحابه، وقالوا: لو قدر محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يجعل ابن عمّه نبيّا لجعله، فشرّفني الله بالاطّلاع على ذلك على لسان نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وفي كتاب سليم بن قيس: ١١٩ قال عليّعليه‌السلام لعبد الله بن عمر: فإنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أخبرني بكلّ ما قال [ أي عمر ] لك وقلت له، قال ابن عمر: ومتى أخبرك؟ قالعليه‌السلام : أخبرني في حياته ...

وعن كتاب سليم بن قيس: ١٩٢ عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال في حديث: إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قد أخبرني أنّه رأى على منبره اثني عشر رجلا أئمّة ضلال من قريش، يصعدون على منبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وينزلون على صورة القردة، يردّون أمّته على أدبارهم عن الصراط المستقيم، اللهم قد أخبرني بأسمائهم رجلا رجلا وكم يملك كلّ واحد منهم ...

هذا، ويدلّ عليه ما سيأتي من أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله علّم عليّاعليه‌السلام كلّ ما علمه هوصلى‌الله‌عليه‌وآله ، مضافا إلى ما ورد من أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله دفع إلى عليّعليه‌السلام صحيفتين في إحداهما أسماء أهل الجنّة أصحاب اليمين، وفي الأخرى أسماء أصحاب النار أصحاب الشمال. وحسبك في ذلك ما في بصائر الدرجات ( ٢١٠ - ٢١٢ ) وفيه ستة أحاديث، وانظر كتاب اليقين (٤٥٢) ونقل ابن شهرآشوب في المناقب ( ج ١؛ ٢٥٣ ) في صفات الأئمّة عن أخبار الإماميّة: « ويكون عنده صحيفة فيها أسماء شيعتهم إلى يوم القيامة، وصحيفة فيها أسماء أعدائهم إلى يوم القيامة ».

هذا، مضافا إلى ما ورد من أنّهمعليهم‌السلام يعرفون الرجل إذا رأوه بحقيقة الإيمان وحقيقة النفاق. انظر بصائر الدرجات (٣٠٨) وفيه ستّة أحاديث في ذلك.

وقد نزل الأمر بكتمان ذلك السرّ من الله سبحانه وتعالى، ففي الكافي ( ج ٨؛ ٣٨٠ )

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341