الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية0%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد آصف المحسني
تصنيف: الصفحات: 341
المشاهدات: 89309
تحميل: 7085

توضيحات:

الفقه والمسائل الطبية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89309 / تحميل: 7085
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المسألة الواحدة والعشرون

حكم قطع أعضاء الحيّ

والبحث فيه من نواح:

١ - حكم أصل القطع.

٢ - المنقول منه.

٣ - الأعضاء المنقولة.

٤ - المنقول إليه.

٥ - الغاية من النقل.

٦ - كيفيّة النقل ووسيلته.

أمّا الناحية الأُولى، فلقائِلٍ أنْ يقول بحرمة قطع الحيّ بعض أعضاء بدنه للغير ؛ فإنّه إضرار بالنفس والبدن، والإضرار حرام في الشريعة، سواء بنفسه أو بغيره، وسواء انجرّ إلى تلف النفس أم لم ينجر.

ووجوب حفظ النفس المحترمة كفاية إنّما هو بالطرق المتعارفة، لا بقطع أعضاء بدن المكلّفين وزرعها في بدن المضطرّ، فإنّ هذا النحو من الحفظ لم يذكره الفقهاء، فضلاً عن وروده في الكتاب والسنّة.

أقول : الإضرار بالنفس على ثلاثة أوجه:

الأوّل : إلقاء النفس إلى التهلكة بأيّ وجهٍ كان، وهذا حرام منصوص لا إشكال فيه.

الثاني : إتلاف الأعضاء المهمّة كقطع اليد أو الرجل واللسان، أو قلع

١٨١

العين، ونظائر ذلك ممّا يعلم بعدم رضى الشارع به، ومثله التسبيب لابتلاء النفس بالأمراض الخطيرة: كالسلّ والسرطان والإيدز والجذام وأمثالها، ودليل الحرمة هو العلم المذكور سواءٌ وُجد دليل لفظي عليها، أم لا وهذه الحرمة في بعض الموارد: كقلع عينٍ واحدةٍ لزرعها في رأس عالم جليل ذي مكانةٍ دينيّةٍ أعمى - مثلاً - مبنيّة على الاحتياط.

الثالث : الإضرار بأدون من الوجهين المذكورين، وهذا غير محرّم لعدم الدليل عليه، فإنّ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (لا ضرر ولا ضرار )(١) ، لا يدلّ على حرمة الإضرار بالنفس ظاهراً(٢) ، والرجوع إلى أصالة البراءة، بل إلى بناء العقلاء على تسلّط الناس على أموالهم وأنفسهم يعطي الجواز، وترى العقلاء يقدمون على بعض الأضرار بمشيٍ زائدٍ، أو أكلٍ زائدٍ، أو عملٍ شاقٍّ، ولا يذمّ أحدٌ أحداً على ذلك، ولاحظ المسألة الخامسة والعشرين.

لا يجوز مساعدة المحتاج على الوجه الأوّل، بلا إشكالٍ حتّى إذا فرضنا علم المساعد بموته بعد دقائق، فإنّه لا يجوز إتلاف نفسه في هذه الدقائق اليسيرة.

وهل تجوز بالوجه الثاني، بدعوى أنّ حرمته إنّما هي إذا كان الإتلاف لغرضٍ عقلائي، فيجوز قطع أحد يديه لتُزرع في بدن مقطوع اليدين، أو قلع عينه لزرعها في رأس الأعمى، وإن لم يجز قطع اليدين وقلع العينين معاً ؟ فيه بحث واحتمالات.

وأمّا مساعدة الغير بالوجه الثالث فهي راجحة ولا إشكال فيها، وإذا توقّف حياة أحد عليها تجب.

___________________

(١) الكافي ج ٥ ص ٢٨٠ و٢٩٢. نسخة الكومبيوتر.

(٢) لاحظ بحثه في الجزء الثاني، في كتابنا حدود الشريعة في محرّماتها، ص٤٠٤ إلى ص٤١٥.

١٨٢

وعدم ورده في الفقه، إنّما هو لعدم إمكان هذه الأقسام من المساعدات الطبّيّة في الزمان السابق، لا لعدم وجوبها، فلاحظ.

لكنّ لأحدٍ أنْ يمنع الوجوب، لعدم دليل لفظي يتمسّك بإطلاقه في مثل المقام - كما أشرنا إليه سابقاً - والدليل اللّبّي لا يشمل ما شكّ في شموله له، بل يقتصر فيه على القدر المتيقَّن.

فإنْ قلت: إنّ إهداء كليةٍ واحدةٍ برعاية الطبيب الماهر، وإن لم يستلزم ضرراً لصاحبها بالفعل، لكنّه يخاف على نفسه إذا ابتليت كليته الأُخرى بالنقص والمرض في المستقبل، فلم تقدر على دفع سموم الدم إلى المثانة، ولم يجد من يعطيه الكلية بلا عوض، ولم يقدر هو على عوضها.

قلت : يمكن الاعتماد على استصحاب سلامتها من الأمراض، أو استصحاب عدم حدوث المرض عليها في المستقبل. لكنّ الاستصحاب المذكور لا يدفع احتمال الضرر والخوف منه ؛ فلا يجوز له إهدائها دفعاً للضرر، حتّى إذا كان هذا الغير ابنه وكان مرضه حرجيّاً للوالد، فإنّ قاعدة لا حرج معارضة أو مزاحمة بقاعدة حرمة الإضرار بالنفس.

وإن شئت فقل: يشكل إجراء قاعدة لا حرج في مثل المقام، كما أشرنا إليه في أوائل الكتاب.

إلاّ أن يُدّعى أنّ احتمال مثل هذا الضرر في المستقبل ضعيف، ولا يوجب العقلاء دفعه، فلاحظ.

وأمّا الناحية الثانية: فالمنقول منه قد يكون غير بالغ، أو مجنوناً، وقد يكون ميّتاً، وقد يكون رشيداً بالغاً، وقد يكون جنيناً أو سقطاً، وقد يكون حيواناً، وقد يكون غير محترم النفس.

أمّا الثالث: فقد مرّ حكمه، وأمّا الأوّلان فلا يجوز قطع أعضائهما لعدم ولاية الولي عليهما بهذا الحدّ، إلاّ أنْ يفرض توقّف نفقتهما على هذا العمل

١٨٣

وبدونه تقع سلامتهما في خطر مهم، وأمّا الرابع فله ذلك بمقدار مأذون له شرعاً كما عرفت.

ولا يجوز الأخذ من الجنين بوجه، وأمّا الذي سقط تلقائيّاً، أو أجهض في الموارد المرخّص فيها ذلك - كما سبق بيانه - فلا مانع لزرع بعض أعضائه في الغير ؛ إذا رضي الوالدان به، بعد إتيان ما يجب من تجهيزه إنْ أمكن وإلاّ قبله.

إذا كان ترك العمليّة يوجب تلف النفس المحترمة، أو مشقّة شديدة لوالدي السقط - كما إذا كان المريض من أقربائهما مثلاً - وفي غير الفرضين المذكورين ؛ يشكل ترك واجب لأجل تحصيل مالٍ غير محتاجٍ إليه.

وأمّا الحيوان فإن كان ممّا يؤكل لحمه وأخذ العضو بعد ذبحه فلا كلام، وإنْ كان غير مأكول اللحم، فإن زرع عضوه في البطن فلا إشكال فيه قبل التذكية أو بعدها، وإن زرع في الظاهر بعد تذكيته، فقد ورد في موثّقة زرارة أنّه سأل أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر، فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إنّ الصلاة في وبر كلّ شيءٍ حرام أكله، فالصلاة في: وبره، وشعره، وجلده، وبوله، وروثه، وكلّ شيءٍ منه، فاسد ؛ لا تُقبل تلك الصلاة حتّى يُصلّى في غيره ممّا أحلّ الله أكله... )(١) .

وإنْ أخذ قبل تذكيته، أو أخذ من حيوانٍ نجسٍ العين، كالكلب والخنزير، فمضافاً إلى هذا الإشكال تزيد مشكلة النجاسة المُبْطلة للصلاة، بل للغسل، بل الوضوء إذا زُرع في محلّ أعضاء الوضوء، وكذا إذا أخذ من الكافر غير الكتابي.

___________________

(١) ص٣٤٥ ج٤ الوسائل نسخة الكومبيوتر نقلاً عن الكافي.

١٨٤

وأجاب عنه بعض الفقهاء الأجلاّء: أنّه بعد الزرع يصبح جزءً من بدن الإنسان، ومحكوماً بحكمه فلا يجري عليه حكم غير المذكّى، وحكم الكلب والخنزير والكافر، أي هو يصير طاهراً بعد الزرع بالتّبع. وأنا فيه متوقّف، والله العالم.

وأمّا الأخير فإن كان حربيّاً، أو مرتدّاً سواء كان حيّاً، أم ميّتاً فيجوز أخذ العضو منه لمسلم رضي أم لا، بعوض أم بغير عوض، وأمّا المحكوم بالإعدام حدّاً فلا يجوز ذلك في حقّه، وإنّما يجب قتله حسب ما عيّنه الشرع، وقطع العضو أمر زائد لا دليل عليه، فهو ظلمٌ محرّم.

وأمّا المحكوم بالإعدام قصاصاً فهو - أيضاً - كذلك قبل القصاص وبعده، إلاّ إذا صولح على ذلك ورضي به.

وأما الناحية الثالثة: فقد تبيّن ممّا تقدّم حول الضرر الضابطة في جواز ما يُنقل من الأعضاء وما لا يُنقل.

وعلى كلٍّ، لا شبهة في جواز نقل الدم إلى الغير بعوض أو بغير عوض، وقد صرّح بعض فقهائنا بصحّة بيعه(١) .

وأمّا الناحية الرابعة: فان كان المنقول إليه مسلماً فلا إشكال فيه، وإما إذا كان كافراً فهل يجوز للمؤمن أنْ يعطيه عضوه ؟ فيه تردد. وأمّا إذا دفع إليه بعوض، وكان في أشدّ الحاجة إليه، فالظاهر أنّه جائز، لكنّ الأحوط بل الأقوى: عدم جواز دفعه إلى الناصبي والمبتدع، ومَن يُريد تخريب الدين، وتضعيف المؤمنين، في غير فرض الاضطرار إلى ماله بخصوصه.

وقد يكون المنقول منه والمنقول إليه شخصاً واحداً. ولا بأس حينئذٍ في النقل إذا كان

___________________

(١) وهو سيّدنا الأُستاذ الخوئيقدس‌سره .

١٨٥

الفرض حفظ العضو الأهم، وقد يكون العضو بلاستيكيّاً، وهذا لا إشكال في زرعه إذا لم يكن غصبيّاً.

وأمّا الناحية الخامسة: فالغاية قد تكون حفظ النفس من التلف، وقد تكون رفع الحرج الشديد، وقد تكون مجرّد أخذ المال، أمّا مع الحاجة الشديدة إليه، أو لا معها، بل لجمع المال فقط، كما أنّ الغاية للمنتقل إليه قد تكون حفظ نفسه، وقد تكون رفع الحرج عنها، وقد تكون أغراضاً تجمّليّة بحتة، وربما تختلف الأحكام المتعلّقة بالقطع والمقطوع منه بالنسبة إلى بعض هذه الغايات حسب الفتاوى، فلابُدّ للمكلّفين من الرجوع إلى مقلَّديهم ( بفتح اللام ) في ذلك.

وأمّا الناحية السادسة: فالعمليّة قد تقترن بعدّة أُمورٍ محرّمةٍ، أو غير جائزة بعنوانها الأوّلي، ونذكر بعضها من باب المثال:

١ - ٢ - نظر الأجنبي إلى بدن الأجنبيّة وبالعكس، أو نظر أحدهما إلى عورة الآخر، ولو كان الطبيب والمريض من جنسٍ واحدٍ.

٣ - ٤ - لمس الأجنبي بدن الأجنبيّة أو بالعكس، أو لمس العورة ولو بين المثلين.

٥ - الاضطرار إلى أكل طعام وشراب نجسين ك ،ما في مستشفيات البلاد الغربيّة وغير الإسلاميّة، أيّام العمليّة حتّى حصول القدرة، وكذا عند الفحوص الطبيّة قبل العمليّة.

٦ - الاضطرار إلى أداء الصلاة في لباسٍ نجسٍ، أو بدن نجس كذلك.

٧ - الصلاة عن جلوس أو عن استلقاء أو اضطجاع لا عن قيام، حتّى يقدر عليه.

ثمّ الأربعة الأُولى متعلّقة بالمنقول منه، والمنقول إليه والطبيب ومساعديه المراقبين للمرضى في المستشفيات جميعاً.

١٨٦

أقول : إذا أُجريت العمليّة لحفظ النفس أو لرفع مرض حرجي لا شبهة في جواز كلّ الأُمور السبعة للمريض، والأُمور الأربعة للطبيب، إذا لم يمكن الاجتناب عن بعضها: كلبس شيءٍ مانعٍ عن المسّ بالبدن ونحو ذلك.

وأمّا إذا أُجريت للتجمّل فقط فلا ترتفع حرمة المحرّمات، ولا لزوم الواجبات في حقّهما.

وأمّا المنقول منه فإن قصد حفظ النفس المحترمة ؛ فيجوز له كلّ ذلك، كما يجوز للمنقول إليه، وإن قصد رفع المرض الحرجي، فإن كان حرجيّاً له أيضاً لمكان علاقته بالمريض، فالحكم هو الجواز لنفي الحرج، وإن لم يكن له حرجيّاً فربّما يشكل إقدامه على العمليّة وإن كان قطع العضو جائزاً لمكان تلك المحرّمات والواجبات الضمنيّة، وجريان قاعدة نفي الحرج في حقّ المنقول إليه لا يكفي للمنقول منه، وكفايته للطبيب إنّما هي بدليلٍ خاصٍّ مرّ في المسألة الثانية، إلاّ أنْ يدّعى القطع بعدم الفرق بينهما، فتأمّل.

وإنْ قصد المال لحاجةٍ شديدةٍ إليه، فالظاهر جواز الأُمور المذكورة ؛ لقاعدة نفي الحرج والضرر، وإن قصد جمع المال فقط فيشكل الأمر، حتّى في فرض حفظ حياة المنقول إليه إذا لم يقصده، فضلاً عن فرض التجمّل، بل الظاهر عدم رفع الحرمة والوجوب في حقّه، فلاحظ وتأمّل.

١٨٧

المسألة الثانية والعشرون

أحكام متعلّقة باللّمس والنظر وتشريح الميّت وغير ذلك

١ - هل ترتفع حرمة النظر والمسّ المحرّمين للطلاب والطالبات في كلّيّة الطبّ في مقام تعلّمهم - فإنّه واجب كفائي - وهل يفرق الحكم الشرعي بالنسبة إلى الأحياء والأموات ؟

( ج ) : أمّا المسّ فالظاهر عدم الاحتياج إليه غالباً ؛ لإمكان لبس ما يمنع مسّ البدن باليد، فلا مجوّز لرفع حرمته أصلاً، وأمّا النظر إلى الوجه والكفّين، فلا بأس به مطلقاً بغير قصد الشهوة واللّذة، وكذا إلى الكافرات بمقدار ما تعارف عدم حجابهن، بل وكذا إلى المبتذلات اللاّئي إذا نُهين لا ينتهين، وأمّا إلى بدن المسلمات غير المبتذلات فلا.

وأمّا السؤال عن جواز إلباس المساعدة للطبيب لباسه، أو نزعه، ممّا يستلزم المسّ المحرّم، وأنّه عادة رسميّة رائجة حين العمليّة، أو الفراغ منها ؟

فجوابه : أنّ حرمة المسّ لا تزول بهذه العادات غير الإسلامية.

٢ - هل يجوز الرجوع للتداوي والعمليّة إلى الجنس المخالف، إذا استلزم النظر والمسّ المحرّمين، مع إمكان الرجوع إلى المماثل أو لا يجوز ؟

( ج ) : لا يجوز الرجوع إلى الجنس المخالف، إلاّ مع تعذّر المماثل الصالح للعلاج والتشخيص، وحينئذٍ يجوز النظر والمسّ للطبيب - أيضاً - كما مرّ دليله في المسألة الثانية، ويقدّم المحارم على غيرهم، ووجهه واضح في النظر إلى غير العورة، ومسه، فإنّه يجوز لهم، وأمّا في مسّ العورة والنظر إليها

١٨٨

فليس حكمه بواضح، فهو أحوط.

٣ - هل يجوز النظر إلى العورة ومسّها في مقام التداوي مطلقاً أو بشرط ؟

( ج ) : يجوز بشرط تداوي المرض الحرجي للمريض، ويزيد للمخالف شرط فقد المماثل أيضاً.

وربّما قيل بتقديم المحارم على غيرهم، وهو أحوط، كما أشرنا إليه آنفاً.

٤ - هل يجب على مَن يتعلّم الطبّ الغسل بمسّ بدن الميّت، مع أنّه يتكرّر في كثيرٍ من الأيّام، بل ربّما في كلّ يومٍ مرّاتٍ ؟

( ج ) : نعم يجب الغسل عند الصلاة، وطريق التخلّص عن الغسل لبس سترٍ يمنع عن مسّ اليد ببدن الميّت مباشرةً، وهو أمرٌ سهلٌ.

وأمّا إذا مسّ القطعة المبانة منه، فعند بعض الفقهاء المعاصرين أنّه لا يجب على الماسّ الغسل(١) ، وعند المشهور وجوبه بمسّها إذا اشتملت على العظم دون المجرّد عنه كاللحم فإنّه لا يجب(٢) بمسه، وأمّا مسّ العظم المجرّد ففي وجوب الغسل به، أقوال أربعة.

هذا كلّه إذا لم يغسّل الميّت، وأمّا إذا غُسّل الميّت أو جاؤا به من مقابر المسلمين، فلا يجب الغسل بمسّه، فإنّ وجوب الغسل بمسّ الميّت إنّما هو بمسّه بعد البرودة، وقبل غسله، وبدون حائل.

٥ - إذا لم يمكن تعلّم الطبّ إلاّ بالنظر واللّمس المحرّمين فما هو الحكم ؟

( ج ) : يقول بعض الفقهاء المعاصرين: إنّه إذا توقف بقاء حياة

___________________

(١) وهو السيّد السيستاني ( طال عمره ) وهو من المراجع المشهورين اليوم.

(٢) لاحظ كتاب الطهارة من جواهر الكلام.

١٨٩

المسلمين - ولو في الزمان المستقبل على تعلّم الطبّ المتوقّف على النظر والمسّ المحرّمين، جازا مع الاقتصار على مقدار الضرورة، بشرط عدم التلذّذ والريبة.

٦ - هل يجوز للذكور تعلّم الأمراض النسائيّة، بحيث يصبحوا أخصّائيّين ( اختصاصيّين ) فيبتلون بالمسّ والنظر في أيّام التعلّم ؟

( ج ) : أمّا نفس التعلّم، فلا شكّ في جوازه، لجواز النظر والمسّ حين المعالجة والعمليّة بشرطٍ سبق، وأمّا النظر والمسّ في أيّام التعلّم ففي جوازهما نظر، إلاّ إذا توقّفت حياة المسلمين في المستقبل على تعلّمه الطبّ، فيجوزان.

وإذا علم أو أحتمل قيام إناث بمقدار الحاجة لتعلّم الطبّ ( قسم الأمراض النسائيّة ) فيشكل أو يحرم عليهم المسّ والنظر.

٧ - هل يجوز إجبار المتعلّمات على تعلّم الأمراض النسائيّة بمقدار حاجة النساء في هذا العصر، حتّى لا يفتقرن إلى الرجال ولا إلى إرائة أبدانهنّ لهم ؟

( ج ) : والأظهر عندي جوازه بل لزومه على الحكومة الإسلاميّة، ويمكن أنْ نسنده إلى الفهم من مذاق الشرع.

هذا إذا لم يكتف بمَن اشتغلن برضاهنّ بتعلّم الطبّ لمقدار الحاجة، وإلاّ فلا معنى للإجبار.

وعلى كلٍّ، لا يدفع وجوب الإجبار المذكور بقيام السيرة من صدر الإسلام إلى اليوم على عدمه، فإنّ الشرائط الحاضرة لم تكن متوفّرة في السابق، ومع هذا التفاوت الوسيع بين الحال والماضي لا مجال للتمسك بالسيرة، فلاحظ.

٨ - المعتدّة التي يحرم خروجها من بيتها، هل يجوز خروجها للعلاج ؟

( ج ) : المعتدّة المريضة يجوز خروجها للتداوي والعلاج ؛ لنفي الحرج

١٩٠

والضرر، وأمّا الطبيبة المعتدّة، فلا يجوز خروجها لعلاج المرضى إذا وجد غيرها لعلاجهم، ومع عدمه إنّما يجوز الخروج إذا لم يمكن العلاج في بيتها، واستلزم عدم خروجها تلف النفس، أو كان مرض المريض حرجيّاً لها لمكان قرابته منها مثلاً، وأمّا إذا كان المرض حرجيّاً للمريض فقط، ولم يوجد غيرها للتداوي ففي جواز خروجها من بيتها وجهان.

نعم، إذا أوجب عدم خروجها من بيتها فقدان مؤنتها المحتاج إليها بالفعل، أو عزلها من قبل إدارة المستشفى، وكان حرجيّاً لها لضيق معيشتها ؛ جاز لها الخروج بقدر الضرورة. وهذا لا يخصّ الطبيبة بل هو - كنظائره - عام.

٩ - ما معنى الضرورة المجوّزة للنظر والمسّ المحرّمين، حتّى مسّ العورة للمريض والطبيب ؟

( ج ) : للضرورة هنا معنيان: حفظ النفس من التلف، وكون تحمل المرض حرجياً للمريض، وأمّا إذا لم يبلغ المرض حدّ الحرج والضرر، فلا يبيح ما هو محرّم في نفسه للمريض والطبيب والمضمّد.

١٠ - هل يجوز للمرأة الطبيبة، أو المساعدة للطبيب أنْ تكشف عن ذراعيها في المختبر، أو محلّ العمليّة إذا ألزمها القانون بذلك ؟

( ج ) : لا يجوز لها ذلك، ولا حرمة للقوانين المخالفة لقوانين الإسلام.

١١ - أصبحت المصافحة مع الأجانب والأجنبيّات في بيئة الجامعات والكليّات والمختبرات من الواجبات العرفيّة وتاركها يوهن، فتكون له مشقّة نفسيّة، فهل ترخصونها لهنّ ؟

( ج ) : كلاّ، هي حرام في غير المحارم، إلاّ إذا كانت من وراء ساتر.

١٢ - هل يجوز تقطيع أعضاء الميّت للتشريح والتعلّم، أو للزراعة ؟

١٩١

( ج ) : أمّا حكم النزع للترقيع والزراعة فقد تقدّم، وأمّا التشريح فلا يجوز بميّت مسلم، ويجوز تقطيع أعضاء الميّت غير المسلم أو مَن شكّ في إسلامه.

ويقول السيّد الأُستاذ الخوئيرضي‌الله‌عنه : نعم إذا توقّف حياة مسلمٍ حيٍّ على تشريح بدن مسلم ميّتٍ، جاز ولكن يجب على مَن يقطعه الديّة(١) .

أقول : في كلّ بلد يوجد جثّة غير مسلم فيكتفي بها لقضاء الحاجة، وأمّا إذا فرضنا عدم وجود ذلك، ولم يتيسّر لهم إلاّ الميّت المسلم، وفرضنا توقّف حياة المسلمين - ولو في المستقبل على وجود الأخصائيّين الذين لا يتيسّر لهم العلم إلاّ بالتشريح لا يبعد جواز تقطيع الميت المسلم، وهل يكون ذلك بعد الصلاة عليه أو بعد دفنه؟ فيه وجهان.

١٣ - قد تدّعي المريضة مرضاً في بدنها أو في عورتها، ولا يعلم الطبيب أنّ المرض مهمٌ أو غير مهم، يمكن تحمّله لها بلا مشقّة، أو يعلم أنّه غير حرجي، فهل يجوز له النظر أو المسّ لتشخيص المرض على نحو الدقّة ؟ وكذا الحال في المريض والطبيبة ؟

( ج ) : إذا كان المرض حرجيّاً للمريض والمريضة ؛ جاز النظر واللمس في فرض فقدان المماثل، وإذا لم يكن حرجيّاً لا يجوزان للمخالف والمماثل، وعند شكّ الطبيب في بلوغ المرض درجة الحرج، لا يبعد الاعتماد على قول المريض والمريضة في فرض عدم اتّهامهما.

١٤ - قد يشكّ الطبيب في تحقّق الضرورة المجوِّزة لمس المرأة والنظر إليها ؛ لأنّه يحتمل وجود المماثلة لها، أو يعلم بوجودها، ولكن المريضة

___________________

(١) توضيح المسائل، وغيره من كتبهقدس‌سره .

١٩٢

تدّعي أنّها راجعتها ولم تنتفع بعلاجها، فهل يكفي هذا الادّعاء للطبيب لجواز علاجها حتّى يمسّ عورتها، وكذا الكلام في حقّ الطبيبة والمريض ؟

( ج ) : أفتى بعض الفقهاء بجواز الاعتماد على قول المريض بامتناع المراجعة إلى المحرم والمماثل، والظاهر عدم الفرق بينه وبين قوله بعدم انتفاعه من المحرم أو المماثل.

وعلى كلٍّ، إذا علم بوجود المماثل ؛ لا يجوز للطبيب النظر والمس في فرض سكوت المريض.

١٩٣

المسألة الثالثة والعشرون

حول إفشاء الأسرار

( البحث الأوّل ) في نقل بعض الأحاديث:

١ - في الحديث الصحيح عن الباقرعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( المجالس بالأمانة )(١) .

أقول : قضيّة الإطلاق عدم جواز إفشاء ما لا يرضى به أهل المجلس ؛ بل الأصل عدم الجواز إلاّ إذا أُحرز رضاهم بالإفشاء، ومع ذكر عدم الإفشاء يصير عدم الجواز آكد، وأخذ الميثاق يصير أشدّ تأكيداً.

والظاهر عدم خصوصيّة للمجلس، فيشمل الحكم المكالمات الهاتفيّة والمكاتبة وأمثالها.

نعم في شمول الحديث لغير المسلمين نظر، لاحتمال الانصراف، أو لما يُفهم من مذاق الشرع في غير أهل الذمّة.

٢ - وفي صحيح ابن سنان قال: قلت له: ( أي الإمام الصادق -عليه‌السلام - ) عورة المؤمن على المؤمن حرام ؟ قال: ( نعم. قلت: يعني سفلتيه ؟ قال: ليس حيث تذهب إنّما هو إذاعة سرّه)(٢) .

أقول : فمَن لا يرضى بإذاعة صلاة ليله مثلاً، يشكل أو يحرم إذاعته ،

___________________

(١) ص٤٧١ ج٨ الوسائل، وفي الباب روايات، لكن ليس فيها ما يُعتبر سنداً، إلاّ ما ذكرناه هنا.

(٢) ص٢٩٤ ج١٢ الوسائل نسخة الكومبيوتر.

١٩٤

فضلاً عن حرمة إذاعة ما يضرّ بماله وعرضه ونفسه(١) .

٣ - وفي معتبرة معلّى بن خنيس.. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( قال الله عزّ وجلّ: قد نابذني من أذّل عبدي المؤمن )(٢) .

٤ - وفي صحيح ابن سنان عن الصادقعليه‌السلام قال:

( قال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله -: ألا أُنبئكم بشراركم، قالوا: بلى يا رسول الله، قال: المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة، الباغون للبراء المعائب )(٣) .

والمستفاد من هذه الأحاديث الأربعة حرمة إفشاء ما في المجالس، وحرمة إذاعة أسرار المؤمن، وحرمة إذلال المؤمن، والنميمة، والتّفريق بين الأحبّة، وطلب العيب للبراء.

وأمّا حرمة الغيبة، وحرمة سوء الظن، وحرمة التجسّس، فيدلّ عليها قوله تبارك وتعالى:

( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا ) ( الحجرات ٢ ).

وقد استُثني من حرمة الغيبة ما إذا كانت مصلحة الغيبة أقوى من تركها، وما إذا كان المغتاب ( بالفتح ) متجاهراً بالفسق، وفرض تظلّم المظلوم بإظهار ما فعل به الظالم ؛ لقوله تعالى:( لا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ ) (٤) ، وفي جرح الرواة، وجرح الشهود، وغير ذلك كما فُصِّل في الكتب الفقهيّة(٥) .

___________________

(١) لاحظ ص٢٢٦ ج١ من كتابنا حدود الشريعة في محرّماتها.

(٢) لاحظ بقيّة الأحاديث في ذلك في ص٢٢٩ ج١ حدود الشريعة.

(٣) ص٦١٦ ج٨ الوسائل.

(٤) النساء آية ١٤٨.

(٥) لاحظ ص٧٥ إلى ص٨٣ ج٢ حدود الشريعة.

١٩٥

والجدير بالذكر هنا الإشارة إلى أمرين:

١ - من جملة ما استثناه شيخنا الأنصاريقدس‌سره في مكاسبه المحرّمة من حرمة الغيبة قصد ردع المغتاب من المنكَر(١) ولكنّ سيّدنا الأُستاذ الخوئيقدس‌سره ناقشه نقاشاً متيناً(٢) .

٢ - ومن جملة ما استثناه الشيخ المذكور نصح المستشير(٣) ، فإنّ النصيحة واجبةٌ للمستشير.

أقول : أمّا وجوب النصح فيدلّ عليه صحيح معاوية بن وهب، عن الصادقعليه‌السلام :

( يجب للمؤمن على المؤمن النصيحة له في المشهد والمغيب ). ومثله صحيح الحذّاء(٤) .

لكنّ النسبة بينه وبين حرمة الغيبة هي العموم من وجه، ففي مورد الاجتماع تقع المزاحمة فلابُدّ من الأخذ بالأهمّ، وهو يختلف باختلاف الموارد والحالات.

واعلم أنّه يجب حفظ الأيمان، ويحرم الحنث كتاباً وسنةً وهذا ممّا لا إشكال فيه ؛ لكن قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما رواه الشيعة(٥) وأهل السنّة: ( إذا رأيت خيراً من يمينك فدعها ) وهذا استثناء من وجوب حفظ الأيمان وحرمة الحنث، وهو أصلٌ مهمٌ.

___________________

(١) لاحظ المكاسب المحرَّمة.

(٢) مصباح الفقاهة بحث الغيبة.

(٣) المكاسب المحرَّمة.

(٤) ص٥٩٤ ج١١ الوسائل.

(٥) ص١٧٥ ج١٦ وسائل الشيعة.

١٩٦

أصلٌ مفيدٌ

لا يجب إعلام مَن أخطأ في الموضوعات، كمَن صلّى إلى غير جهة القبلة وهو يزعم أنّها القبلة، أو يفطر يوماً من رمضان وهو يزعم أنّه يوم عيد، وهكذا. نعم، إذا علم الحكم والموضوع ثمّ خالف ؛ يجب على الإنسان أمر المتخلِّف بالمعروف أو نهيه عن المنكر، وإذا جهل الحكم فيجب على الإنسان إرشاد الجاهل، وأمّا إذا علم الحكم وجهل الموضوع فلا يجب على المكلَّفين تنبيهه.

نعم، استثنوا منه النفوس والأعراض، بل بعضهم الأموال الخطيرة، فمَن زعم أنّ زيداً كافرٌ مهدور الدم، وقصد بالفعل قتله يجب على الغير بيان الواقع وأنّه غير مهدور الدم، بل وردْعه ودفْعه عنه أيضاً، أو اعتقد امرأةً أجنبيّةً زوجته فأراد مباشرتها، يجب على الغير إعلامه وردْعه، يُفهم ذلك من مذاق الشرع.

إذا تقرّرت هذه الأحكام الفقهيّة العامّة لجميع المسلمين، بل المكلّفين من غير اختصاص الأطبّاء، وإن كان الأطبّاء وموظفو الأمن العام أكثر الناس ابتلاء ببعض هذه المسائل، نذكر في كتابنا هذا عدّةً من الموارد، التي هي محلّ ابتلاء الأطبّاء المتديّنين المقيّدين بأحكام دينهم - وقليلاً ما هم - والله الموفق -.

١ - إذا علم الطبيب بعد الفحوصات الطبّيّة أنّ الرجل لن يستطيع الإنجاب، وذلك لعدم وجود حيوانات منويّة في منيّه، ثمّ يأتي بعد ذلك ويخبر الطبيب أنّه بعد العلاج استطاع أن ينجب طفلاً، فهل يجوز أو يجب

١٩٧

على الطبيب أن يخبره عن استحالة الإنجاب في حقّه أم لا يجوز ؟

يحتمل جواز أخبار الطبيب للزوج بأنّه لم يكن قابلاً للإنجاب، فانّ مجرّد هذا لا يدلّ على اتّهام الزوجة بالزنا المحرّم، لاحتمال انتقال النطفة إلى رحمها من الأرض ونحوها كما قد يتّفق، أو بطريقٍ طبّيٍّ على غفلةٍ منها مثلا، أو أنّها أُكرهت على الزنا، فإخبار الطبيب لا يستلزم سوء ظنٍّ بها، لكن إذا علم أو احتمل الطبيب إقدام الزوج على قتلها وإفضاحها وهتك شرفها، لا يجوز الإخبار ظاهرا ؛ لما عرفت من حرمة إذلال المؤمن مؤكّدة، بناءً على عدم الفرق بين المباشرة والتسبّب، وهذه الحرمة ثابتة في حقّه، حتّى وإن فرضنا حلفه في أوّل شغله على عدم إخفاء الحال على المريض، فإنّ الحرمة المذكورة تمنع عن العمل بالحلف ؛ كما عرفت من قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله . وأمّا إذا علم أنّه لا يترتّب على إخباره إلا طلاقها فيحتمل الجواز ؛ لأنّ الطلاق غير محرم.

ثمّ إنّه إذا علم الطبيب بإقرارها، أو غيره أنّها زنت ؛ يجب عليه أن ينهاها عن نسبة الولد إلى زوجها، من باب النهي عن المنكر.

وعلى كلٍّ، إذا جاز الإخبار للطبيب فإنّما هو جائزٌ غير واجب، وله أن لا يخبر الزوج أصلا ولكن لا يدلّسه إذا سأله.

٢ - لا يجوز إخبار الطبيب السلطة أو الزوج بزنى الزوجة ؛ لحرمة الغيبة، وحرمة الإذلال، وحرمة إذاعة السرّ، كما أنّه لا يجوز للطبيب وغيره عند سؤال الزوج عن فجور زوجته أن يكذب، بل إمّا يسكت أو يتورّى.

٣ - إذا تبيّن بالفحوص الطبيّة أنّ أحد الشخصين المقبلَين على الزواج اللذين طلبا فحص ما قبل الزواج، لا ينجب أو ينجب طفلا مشوّهاً إذا ما تمّ ذلك الزواج، فهل يقوم الطبيب بإخطار الفرد الآخر منهما، أم أن النقص

١٩٨

المذكور يعتبر سرّاً من الأسرار التي لا يجوز إفشاءها، أو يعلّق الجواز والمنع على طلب الآخر معرفة النتيجة وعدم طلبه.

أقول : للمورد صور، فإن أقبلا على الطبيب بشرط أن يبيّن حقيقة حال كلٍّ منهما للآخر، كما لعلّه الغالب، فالظاهر وجوب إخبارهما بالحقيقة ؛ لانعقاد الإجارة مشروطة بذلك، ويقول الله تعالى:( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) (١) ، ولو لم يبيّن لا يستحقّ الأُجرة، وقَسَمُ الطبيب على عدم إفشاء السرّ لا يشمل المورد جزماً.

وإن أراد منه الفحص وإعلان النتيجة لكلٍّ منهما منفردا، فلا يجوز له إخبار الغير لحرمة إذاعة السرّ وللقسم - إن حلف أوّلاً على عدم إفشاء حال المرضى -.

وأمّا إذا أطلقا الطلب ولم يبيّنا أحد القسمين السابقين، فالمتبادَر من الإطلاق هو القسم الأوّل، لاسيّما مع السؤال عن النتيجة.

٤ - إذا علم الطبيب أنّ مريضه مدمن خمرٍ، وهو سائق أو طيّار، فهل يجب عليه الإبلاغ أو يحرم ؟

أقول : يجب على الطبيب، من باب النهي عن المنكر، أن ينهى المريض عن شرب الخمر أوّلاً، وعن السياقة في حال السكر ثانياً، فان لم يرتدع، أو علم الطبيب من أوّل أنّه لا يرتدع ؛ وجب عليه إبلاغ الجهات المسؤولة الحكوميّة لما مرّ ذيل عنوان ( أصل مفيد ) عن قريب، ويجوز إعلام مَن يريد السفر مع المدمن المذكور بالحال.

وبالجملة : حفظ النفوس أهمّ من حفظ عرض واحد مقصر.

٥ - إذا علم الطبيب باجتهاده، أو بإقرار المريض أنّه مبتلى بالزنا، أو

___________________

(١) المائدة آية ١.

١٩٩

باللّواط، أو بالمساحقة، أو بالسرقة، أو بقتل شخص أو أشخاص، مثلاً، فما هو وظيفته في الإبلاغ والسكوت ؟

وكذا غير الطبيب - إلاّ مَن كان وليّ القتيل، أو مالك المال المسروق ونحو ذلك، فيجوز له الرجوع إلى الجهات المسؤولة للقصاص وتحصيل حقّه، وهذا ممّا لا إشكال فيه.

أقول : لا يجوز له الإبلاغ لما مرّ، وإنّما يجب عليه نهي المتخلّف عن المعاصي، نعم إذا علم أنّه يريد قتل شخص آخر، أو أنّه مفسد يريد إدامة فساده ؛ يجب عليه إبلاغ الحكومة لما مرّ في الأصل المفيد.

٦ - إذا علم الطبيب عن مريضته: أنّها قامت بترك وليدها غير الشرعيّ في الطريق العام تفاديا للفضيحة، فهل يسكت أو يبلّغ السلطات ؟

( ج ) : لا يجوز له ولغيره افضاح المرأة لما مرّ، وإنّما يجب عليه وعلى جميع المسلمين كفاية حفظ اللقيطة من التلف، ولو بردّها إلى أُمّها، وإذا فُرض عدم حفظه إلا بأُمّه، جاز بل وجب إبلاغ السلطات والتعريف بأُمّه.

٧ - إذا علم الطبيب أنّ المرأة المزوّجة تخون زوجها، لا يجوز له إبلاغ الزوج أو الحكومة، ولو قذفها ولم يقدر على إثبات الزنا يُجْلَد ثمانين جلدةً وهو حدّ القذف.وإذا سأله زوجها عن سبب مرضها النفسي، فهل له أن يخبره بأنّه خوف خيانتها بك ؟

لا يجوز له الكذب ولا الصدق !

٨ - إذا علم الطبيب أنّ السائق يضعف نور عينه، والسياقة خطر له وللناس، فقد مرّ حكم الطبيب المذكور، في جواب السؤال الرابع.

٩ - شخص أحد عينيه لا يبصر، وهو يطلب من الطبيب كتمانه، لئلاّ تفارقه زوجته أو خطيبته، وتطلب هي منه حال عينه، فما هو حكمه ؟ وكذا في عكس المفروض.

( ج ) : لايجوز إفشاء عيبه حتّى لزوجته بوجهٍ، بل الأظهر عدم جوازه

٢٠٠