الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية0%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد آصف المحسني
تصنيف: الصفحات: 341
المشاهدات: 89305
تحميل: 7085

توضيحات:

الفقه والمسائل الطبية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89305 / تحميل: 7085
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لخطيبته وإن لم يجز له غرّها والتدليس بل يقول لها: اذهبي به إلى طبيبٍ آخر، وأمّا إذا جاءته تستشيره لأن تتزوّج بالرجل المذكور، فقد تقدّم حكمه في بحث الغيبة، ولا بُعد في أنّه يجب عليه أن يشيرها بترك التزويج، وعدم ذكر عيب الرجل جمعاً بين الحقّين، وهكذا في فرض عكس الموضوع بلا فرق أصلاً.

١٠ - امرأة ابتُليت بأمراض خفيّة، ويأتي مَن يريد زواجها إلى الطبيب المعالِج، ويسأل عن حالها، فلا يجوز له الإخبار بأمراضها ولا غرّ الزوج، كما عرفت في السؤال السابق.

١١ - مرشد في المباحث، سبب مرضه النفسي ما أوقع الناس فيه أذى، فهل يجوز للطبيب أن يحذِّر الناس ؟

( ج ) : نعم يجوز ذلك له بل يحسن له ؛ لأنّه إحسان للأبرياء، وهو أهمّ من حفظ عرض نمّامٍ فاسقٍ، بل إذا علم أنّ الدولة الظالمة تقتل الناس بنميمته يجب عليه أن يفشي حاله ؛ لما مرّ من وجوب حفظ النفس مطلقاً، وحلف الطبيب أوّلاً على عدم الإفشاء يلغي أثره في أمثال الموارد ؛ لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله المتقدِّم: ( إذا رأيت خيراً من يمينك فدعها ).

١٢ - مريضٌ نفسيٌّ اعترف لطبيبه بارتكابه جرماً يحاكَم من جرّائه متّهمٌ آخر، هل يُبلِّغ عنه ؟

( ج ) : إذا طلب منه المتّهم الآخر الشهادة عند الحاكم، ففي وجوب إجابته عليه تفصيل ذكرناه في ص١٧٢ وص١٧٣ ج٢ حدود الشريعة، وإذا لم يستشهده المتّهم الآخر، أو لم يكن عالماً بعلم الطبيب، لكن اتهام المتّهم لمكان قرابته من الطبيب كان حرجيّاً للطبيب المذكور ففي جواز إبلاغه وجهان، ومع فقد الأمرين المذكورين يمكن الرجوع إلى تقديم الأهمّ على

٢٠١

المُهمّ، فإن حفظ المتّهم أهمّ جاز له الإبلاغ، وإن كان عرض المريض أهمّ لم يجز، نعم إذا خاف على المتّهم القتل وجب الإبلاغ وبالعكس وجب السكوت، إن كان قتله غير مستحق.

١٣ - امرأة حملت سفاحاً، هل يجهض الطبيب حملها، وهل يبلِّغ عنها السلطات ؟

( ج ) : مرّ حكم الإجهاض في المسألة السادسة، وأمّا الإبلاغ عنها فلا يجوز بل لا يجوز تعييرها على ذنبها الماضي وإنّما ينصحها لئلاّ تعود إلى المعصية ثانية.

١٤ - رجل ابتلي في سفر له لمرض تناسلي فيمتنع عن زوجته وهي تسأل الطبيب عن سبب امتناعه عنها فهل يسكت الطبيب أو يصارحها ؟

( ج ) : إذا فرضنا امتناع الزوج عن جماع زوجته فلا مجوز لإفشاء عيبه وان نشأ من الزنا واما إذا لم يمتنع عنها إلا أياما معدودة وكان في مجامعته إياها ضررا لها أو يمتنع عنها مدة طويلة تصبح هي كالمعلقة فلا بد من تقديم الاهم على المهم، والاحسن أو اللازم رجوع الطبيب في ذلك إلى الحاكم الشرعي حتى يبين له الأهم من المهم.

١٥ - مريض ابتلي بالايدز - وهو مرض خطير أو قاتل كما يأتي - فيضر بحال من الزوج أو الزوجة، فما هو وظيفة الطبيب في السكوت والابلاغ ؟

١٦ - ما هو حكمه في سائر الأمراض السارية: كالجدري والكوليرا وغيرهما في الإفشاء والكتمان ؟

( ج ) : في الموردين إذا لم يطلب المريض كتمان مرضه فهو وإن يريد كتمانه ففي مثل الإيدز يأتي بحثه مفصّلاً، وعلى الجملة مع إحراز سراية المرض والإضرار بالناس، لا يحسن الكتمان لتقديم الأهمّ على المهم.

٢٠٢

١٧ - إذا علم الطبيب أنّ الحمل ليس من الزوج فإنّه عقيم، بل هو من منيّ رجلٍ آخر بفجور الطرفين، أو بإغصاب الزوجة أو بإخصاب بيضة الزوجة بحيوانٍ منويّ لرجلٍ آخر، أو بييضة مخصبة من امرأة ورجل آخرين، فهل يسكت الطبيب أو يفشي الواقعيّة لأحد الزوجين أو كليهما - إذا كانا غافلين، وهل يجوز إبلاغه للطفل إذا بلغ حدّ الرشد والتعقّل ؟

( ج ) : لا يجب عليه الإبلاغ، نعم إنّ علم عدم وقوع المفسدة بين الزوجين جاز بيان الواقع(١) ، وإن علم بوقوعها لا يجوز، وهكذا للولد، إلاّ إذا طرأ عنوانٌ ثانويٌّ آخر.

١٨ - إذا كان الإفشاء مانعاً عن حدوث الجريمة، فما هو حكم الطبيب ؟

( ج ) : إذا كانت الجريمة ممّا يفهم من الشرع عدم الرضا بوقوعها مطلقاً إذا أمكن منعه ولو بالردع، فضلا عن النهي والإبلاغ، كالقتل والزنا واللواط والفساد ونحو ذلك، يجب عليه الإبلاغ والإفشاء للجهات القادرة على المنع، وقد نقل طبيب عن مريضة أنّ أحد محارمها يعتدي عليها، ففي مثل ذلك سكوت الطبيب يعني إدامة الزنا، ولا يرضى به الشارع بوجه، وههنا يجب على الطبيب والمرأة التوسّل بكلّ وسيلةٍ ممكنةٍ لمنع هذا العمل، ومنها الإبلاغ، لكن بنحو لا يستحقّ الطبيب حدّ القذف، إذا لم يقدر على إثبات الزنا.

وأمّا إذا كانت المعصية أدون منها فلا يجوز إفشائها، لما مرّ في بحث الغيبة في أوائل هذه المسألة.

___________________

(١) مع قطع النظر عن حلفه ابتداءً على إفشاء أسرار المرضى ومعه لا يجوز، وهكذا في سائر الأسئلة.

٢٠٣

فإن قلت: يجب إفشاءه من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذ المفروض أن الإفشاء يمنع عن حدوث الجريمة.

قلت : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إنّما يجبان لإحداث داعٍ في نفس المتخلّف، فهما تعجيز تشريعيّ، وإمّا التعجيز التكويني فلا يجب مطلقاً، اللّهمّ إلاّ في القتل والزنا وأمثالهما كما مرّ، فمَن يريد السبّ والغيبة، بل الافتراء، لا يجب على المسلمين وضع اليد، أو شيءٍ آخر على فمه ليعجزه عن التكلّم.

١٩ - هل يُفشي الطبيب لمريضه حقيقة مرضه، وإن علم أنّه يخشى عليه من الانهيار العصبي إذا واجهته الحقيقة: كبعض مراتب مرض السرطان وغيره، أو يجب كتمانه، وما هو الحكم إذا شكّ الطبيب في قدرة تسلّط المريض على نفسه إذا علم بحقيقة الحال ؟

( ج ) : إذا علم الطبيب بذلك الإفشاء المذكور، وإذا علم أنّ كتمانه يوجب ضرراً أكبر، فإن أمكن دفع الضرر الأكبر بالتداوي أو بإخبار من يلي أمر المريض، فالحكم هو عدم الجواز، وأمّا إذا لم يمكن دفعه بأحد الوجهين فيجب على الطبيب إخباره(١) ؛ تقديماً للأهمّ على المهمّ، وإذا شكّ في تضرّره نفسيّاً بمجرّد الإبلاغ، يجوز الإبلاغ لأصالة البراءة، وإن كان الاحتياط أولى.

___________________

(١) الوجوب من جهة عقد الإجارة أي إجارة المريض لبيان مرضه، وفي غير الإجارة الإخبار مستحبٌّ فإنّه إحسان، إلاّ في مثل القتل فإنّ الإخبار واجب، كما مرّ غير مرّة.

٢٠٤

المسألة الرابعة والعشرون

عمليات تجوز أم لا تجوز شرعاً

١ - العلم توصّل إلى تنمية حيوانات بأضعاف حجمها العادي... وليس من المستغرَب أنْ نرى إدخال D.N.A المجمع إلى جسم الإنسان، بحيث يتولّد منها أمثال الجبابرة والمردة، التي نسمع عنها في قصص ألف ليلة وليلة(١) .

أقول :أوّلاً : إنْ قلنا بجوازه، فإنّما هو على مستوى فرد أو أفراد معدودة، وأمّا على مستوى العموم فالحكم - جوازاً وتحريماً - موقوف على ملاحظة ما يترتّب على هذا العمل من اللوازم والآثار، وإذا علمنا من مذاق الشرع، بأنّ الله لا يرضى بذلك على وجهٍ يتغيّر النوع الإنساني عن أحسن تقويمه الذي خلقه الله عليه ؛ فنحكم بحرمته.

وثانياً : إنّ تغيير حجم الأولاد، إذا لم يرض به الأولاد بعد بلوغهم، ويكون موهناً لهم عند الناس ومؤذياً لأنفسهم، لا دليل على جوازه ؛ إذ لا ولاية للأب والجد - فضلاً عن الأُمّ - على أولادهم بهذا النحو جزماً، وليس الأمر يخصّ نفس الوالدين حتّى يُقال إنّ الناس مسلّطون على أموالهم وأنفسهم، بل هو راجع إلى غيرهم، ولا فرق في الحكم ظاهراً بين تنقيص السليم الموجود وتعييبه، وإيجاد الموجود معيباً ناقصاً.

٢ - زوج لا يقدر على إزالة بكارة زوجته بالطريق العادي، فهل يجوز

___________________

(١) ص٢١٠ الرؤية الإسلاميّة لبعض الممارسات الطبّيّة.

٢٠٥

له أن يطلب من الطبيب إزالتها ؟ وما هو وظيفة الطبيب والزوجة ؟

أقول : في صحيح عبد الله بن سنان، عن الصادقعليه‌السلام في امرأة افتضت جاريتها بيدها، قال: ( عليها مهرها وتُجلد الثمانين )(١) .

وفي صحيح معاوية عنهعليه‌السلام في حديثٍ طويلٍ: إنّ امرأة دعت نسوة فامسكن يتيمة بعدما رمتها وأُخذت عذرتها بإصبعها، فقضى أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( أنْ تُضرب المرأة حدّ القاذف، وألزمهنّ جميعاً العقر، وجعل عقرها أربعمئة درهم )(٢) .

وقد ذكرنا بحث الموضوع في كتابنا حدود الشريعة ( ج٤ ص٣٤٩ وج١ ص٢٨٢ ).

وخلاصة الكلام : أنّ الحديثين ينصرفان عن فرض قصور الزوج عن الافتضاض بالدخول، ولا يبعد أنْ نقول بالجواز في المقام، بدليل نفي العسر والحرج، ولوجوب التمكين على الزوجة، ولوجوب وطء الزوجة على الزوج في الجملة.

ثمّ إذا أمكن للزوج افتضاض زوجته في هذا الفرض بطريق صحّي، ولو بهداية الطبيب، فلا يجوز الذهاب عند الطبيبة، ولا يجوز للطبيبة - فضلاً عن الطبيب - النظر إلى عورتها ولمسها، وأمّا إذا لم يمكن فيجوز للطبيبة مباشرة العمل، وقيل يوجب تقديم الطبيبة المحرم على غير المحرم في مسّ العورة، والنظر إليها إذا أمكن، ولا شكّ أنّه أحوط.

٣ - أب لا يريد علاج ابنه أو ابنته، ولا يأذن للطبيب به لداع من الدواعي فيتركه حتّى يموت، فهل يجوز للطبيب أنْ يعالجه من دون إذن الأب المذكور ؟

___________________

(١ و٢) ص٢٣٨ وص٢٣٩ ج١٤ الوسائل.

٢٠٦

أقول : في فرض خوف الموت على الابن والبنت ؛ يجب العلاج على الطبيب، ولو بالقوّة، ويحرم على الأب منعه، ومعنى ولاية الأب: هو العمل حسب مصلحة المولى عليه، لا ملكيّة رقابه.

ولا يبعد ذلك في علاج الأمراض الخطرة الأُخرى - أيضاً - كشلل اليدين أو الرجلين، أو السرطان، أو العمى، وأمثال ذلك، والأحوط الاستئذان من الحاكم الشرعي.

وأمّا في الأمراض الجزئيّة، فإن كانت البنت بالغةً، فلا ولاية لأحدٍ عليها في أمثال الموارد، وأمّا إن كانت صغيرةً ففي علاجها دون إذن وليّها إشكال، ولا بُدّ من مراجعة الحاكم الشرعي.

٤ - يرفض بعض الرجال فحص الطبيب للنساء اللآتي هنّ من محارمه، وبعضهم يمنعون من إجراء عمليّة جراحيّة بتوسّط الطبيب، والمفروض أنّه لا يوجد طبيبة ؟

أقول : يفهم حكمه ممّا سبق في البند الثالث، وممّا مضى في بعض المسائل المتقدِّمة، على أن ليس لكلّ محرم ولاية على محرمه، بل لا ولاية للأخ والأُمّ والجدّ لأُمّ في مذهبنا، فضلاً عن غيرهم. ولمنع المتحكّم المغتلب يرجع إلى الحكومة.

وعلى كلٍّ، في الأمراض الجزئيّة لا يجوز مباشرة الجنس المخالف، كما سبق، كما لا يجوز علاجها من دون إذن مَن به المرض.

٥ - يستنكر بعض الرجال من عمليّات تتعلّق ببعض أعضاء بدنه، فما هو وظيفة الطبيب ؟

أقول : يمكن أنّ يُفهم حكم هذا السؤال ممّا سبق بتفاوتٍ جزئيٍّ.

فرعان:

١ - في كلّ موردٍ يجب العلاج رغم كراهية المريض، أو وليّه يقع

٢٠٧

الكلام في مؤنة العلاج، وأنّه هل يجوز أخذها من مال المريض - إذا كان له مال - أم لا ؟

فيه وجهان، والأحسن الرجوع إلى الحاكم الشرعي.

وأمّا إذا لم يكن له مال، ففي فرض خطر موته، يجب على الناس كفايةً إيتاء مؤنة العلاج.

٢ - إذا أراد أحدٌ أن يقطع يده أو رجله أو أنفه، أو أن يقلع عينه لأيّ سببٍ كان، فهل يجب على الناس منعه بالقوّة زائداً على النهي عن المنكر كما يجب ذلك في فرض إقدامه على قتله؟

فيه وجهان، من عدم دليلٍ لفظيٍّ شرعيٍّ عليه، ومن إمكان فهم ذلك من مذاق الشرع.

وعلى الثاني: يجب على الطبيب معالجة المريض، وحفظ أعضائه المهمّة، وإن لم يأذن المريض، وعلى الأوّل: لا يجب عليه بل لا يجوز إذا لم يأذن ؛ لحرمة التصرّف في بدن الغير وماله من دون رضاه.

٦ - إذا احتاجت المريضة لعمليّةٍ أو لعلاجٍ، ولا يأذن لها زوجها بالخروج، كما لا يأذن زوج الطبيبة لها أيضاً بالخروج من بيتها، ولا يتيسّر إجراء العمليّة الطبيّة في البيت، فماذا يصنع ؟

أقول : يحرم على زوج المريضة منعها من الخروج للعلاج ؛ فإنّه ظلم وإيذاء وربّما قتل لها، ويجوز لها الخروج مع التمكّن، ومع عدمه إذا تمكّنت الطبيبة من الخروج من دون إذن زوجها، وجب عليها الخروج لحفظ النفس المحترمة.

وأمّا إذا كان المرض جزئيّاً، لم يجز للمريضة والطبيبة الخروج من بيتهما من دون إذن زوجيهما، نعم في الأمراض الموجبة للحرج جاز للمريضة الخروج من بيتها مع نهي الزوج ؛ لقاعدة نفي العسر والحرج، ولا يجوز ذلك للطبيبة فتأمّل، إلاّ إذا كان مرض المريضة حرجاً لها - أيضاً - لقرابةٍ ونحوها.

٢٠٨

٧ - إذا أصرّ زوج المريضة على حضور الطبيبة ولا يأذن للطبيب للعلاج، ويمنع زوج الطبيبة زوجته عن الخروج من البيت، كما في الليل مثلاً، فما هو الحكم الفقهي ؟

أقول : لتوضيح الحال لا بُدّ من بيان فروع وأحكامها:

أوّلاً : يجب على الطبيب أو الطبيبة علاج مَن كان في معرض التلف، وجوباً عينيّاً إذا لم يوجد معالِجٌ آخر، وإذا لم يتيسّر حفظ النفس إلاّ في مكان مخصوص كالمستشفى أو بيت المريضة ؛ يجب على الطبيبة الخروج من بيتها حتّى مع نهي زوجها عنه ؛ وذلك لوقوع التزاحم بين حرمة خروجها من بيتها من دون إذن زوجها، ووجوب حفظ النفس المحترمة، ولا شكّ في أهمّيّة الثاني من الأوّل فتسقط الحرمة المذكورة، ويحرم على زوجها منعها من الخروج، وكذا لزوج المريضة يحرم منعها من الخروج. ولا يجوز للمريضة والطبيبة، في هذا الفرض، قبول نهي زوجيهما عن خروجهما.

ثانياً : إذا وجد طبيب لعلاج المريضة، فهل يجب على الطبيبة مباشرة العلاج والتداوي - وجوباً عينياً - لعدم تحقّق النظر والمسّ المحرّمين.

الظاهر عدم الوجوب لعدم الدليل عليه، ولا فرق في ذلك بين كون المرض مُهْلِكاً أو غير مُهْلِك، ولا بين كون الطبيبة مزوّجة أم خليّة، نعم مع نهي زوجها أو عدم إذنه يحرم خروجها، وأمّا المريضة فلا يجوز لها ولوليّها اختيار الطبيب مع إمكان الطبيبة، كما لا يجوز للمريض أو وليّه اختيار الطبيبة مع إمكان الطبيب إذا كان العلاج مستلزماً للنظر والمسّ المحرَّمين، كما لا يجوز للطبيب والطبيبة لمس الجنس المخالف، والنظر إليه مع إمكان المماثل له.

ثالثاً : لا يجب على الطبيب أو الطبيبة الذهاب إلى بيت المريض إلاّ

٢٠٩

في فرض توقّف حفظ النفس المحترمة عليه.

رابعاً : يجب الذهاب إلى الطبيب عند حفظ النفس، وإذا لم يوجد المماثل يجب الذهاب إلى الجنس المخالف، سواءٌ رضي الوالد والزوج أم لا.

وهل للزوج حقّ لينهى زوجته عن التداوي، أو العمليّة عند غير المماثل مع إمكانه، فتستحق مع التخلّف عقابين: لمخالفة الحكم الشرعيّ، ولترك حقّ الزوج، أو معصية واحدة كما إذا لم يستلزم العلاج نظراً ومسّاً محرّماً ؟

فيه وجهان، والارتكاز يدلّ على الأوّل.

خامساً : إذا كان مرضها مهلكاً ولكنّ زوجها يمنعها من الخروج، كما يمنع زوج الطبيبة إيّاها من الخروج، فحينئذٍ يتدخّل الحاكم الشرعي فيخرج أحديهما من بيتهما - حسب المصلحة - أو كلتيهما إلى المستشفى مثلاً.

٢١٠

المسألة الخامسة والعشرون

حكم نزع الأعضاء وبيعها

أمّا حكم نزع الأعضاء، فقد مرّ في المسألة الحادية والعشرين، وملخّص المقال أنّه لا يجوز نزع أعضاء يوجب الموت آجلاً أو عاجلاً ؛ فإنه من قتل النفس وإلقائها إلى التهلكة، وقد حرّمهما القرآن المجيد حتّى وإنْ أنقذ به نفساً محترمة من الهلاك، فإنّ هذا النحو من الإيثار لم يثبت جوازه في الشرع، فضلاً عن رجحانه.

ويلحق به في الحرمة نزع اليدين أو الرجلين أو العينين أو اللسان، وأمثال ذلك ممّا يُفهم عدم جوازه من مذاق الشرع، وكذا الابتلاء بأمراض خطيرة مضرّة بحياته وأهله كالشلل مثلاً، أو مسرية مضرّة لغيره من المسلمين، وهو لا يقدر على ضبطها وعدم نشرها.

بل لا يجوز قطع الأنف وإنْ فُرض عدم ضرره طبّاً ؛ لكونه إهانةً للقاطع عند الناس، ولا يجوز للمسلم إذلال نفسه، حتّى إذا قصد به إهداءه لغيره بعوضٍ أو بلا عوض، فتأمّل.

وهنا قسمٌ ثالثٌ لا يتّضح حكمه الشرعي كلّ الاتّضاح، كقلع إحدى العينين، فإنه وإن لم يضرّ بحياة صاحبها لكنّها عضوٌ مهمٌّ، وكقطع كليةٍ واحدةٍ لاحتمال فساد الأُخرى لسبب من الأسباب في المستقبل القريب أو البعيد، ولا يطمئنّ بتمكّنه من الحصول على كلية غيره حين الاحتياج إليها - ولا فرق في وجوب حفظ النفس من التلف الحالي والاستقبالي.

٢١١

والحال أنّ حفظ النفس المؤمنة - أيضاً - واجبٌ عقلاً وله ثواب كثير ؛ لقوله تعالى:( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) (١) .

وكقطع إحدى اليدين أو الرجلين لزرعها في بدن الغير بعوضٍ أو بغير عوضٍ، حتّى إذا كان ذلك للاحتياج إلى مالٍ لأجل أداء النفقة الواجبة، أو دين الناس، أو لأداء حقّ الله كالزكاة والخمس حيث قصّر في أدائهما، ولا قدرة له اليوم إلاّ بذلك ؛ فإنّ أداء دَين الله تعالى، ودَين الناس وحقوقهم لا يجب بهذا النحو قطعاً، بل هو عاجز غير مكلَّف به فعلاً.

نعم، إذا توقّف أصل حياته على ذلك جاز أو وجب ذلك، سواء كان القطع لزرعه في بدن نفسه، أو في بدن غيره بعوضٍ يتوقّف عليه حياته، والله أعلم.

وهنا قسمٌ رابعٌ لا شكّ في جوازه، يقول السيّد الأُستاذ الخوئيرضي‌الله‌عنه : لا يجوز قطع عضو من أعضائه الرئيسيّة التي يضرّ بحياته أو يوجب نقصاً وعيباً(٢) ، نعم يجوز قطع الجلد ولحم الفخذ ممّا ينبت مكانه ثانياً، ويجوز له أخذ المال لأجل القطع(٣) .

أقول : ومن هذا القسم بيع لبن الإنسان، وإجارة المرضعة، وإخراج الدم وبيعه على الأقوى، فإنّ له منفعة محلّلة مقصودة في مثل أعصارنا، ولا نقبل دعوى الإجماع المنقول على عدم صحّة بيعه، وكذا يجوز قصّ الشعر وبيعه إذا فرض له منفعة محلّلة مقصودة.

___________________

(١) المائدة آية ٣٢.

(٢) لا دليل على حرمة كلّ ما يوجب العيب والنقص، وإلاّ لبطل استدراكه واستثناءه بقوله نعم يجوز...

(٣) أي لا لأجل صحّة البيع ( والله العالم ) وعلى كلٍّ، أخذ المال لأجل القطع لا إشكال فيه إن جاز القطع كما يجوز لإعراضه عن حقّه على العضو المقطوع.

٢١٢

فرع :

إذا توقّف حياة مسلم على قطع عضوٍ من بدن الإنسان، فهل يجب عليه قطعه وإيتائه له بعوضٍ أو بغير عوضٍ إذا لم يكن له خطر على حياته عاجلاً أو آجلاً، أو لا تجب بدعوى أنّ مثل هذا النحو من حفظ النفس المحترمة، غير ثابتٍ شرعاً ولا إطلاق يتمسّك به ؟

فيه وجهان. نعم، إذا أعطى أحدٌ عضوه للمريض وكان المريض فقيراً ؛ يجب على الناس دفع مؤنة العمليّة الطبّيّة وأُجرة الطبيب، وعوض العضو إن أراده صاحبه وجوباً كفائيّاً.

وأمّا حكم بيع الأعضاء، فأقول مستعيناً بالله تعالى:

اعلم أنّ المِلك على قسمين: تكويني واعتباري،والأوّل : كملكيّته تعالى للكائنات، وعليها تُحمل الآيات الدالة على أنّ له تعالى ملك السموات والأرض، وأمثالها، فالله سبحانه وتعالى أوجد الكائنات وألبسها وجودها، وهي تفتقر إليه تعالى حدوثاً وبقاءً، فملكيّته تعالى لها ليست باعتبار معتبر كملوكيّة الملوك ومالكيّة المالكين.

والثاني : كملكيّة الإنسان لأمواله مثلاً، وقوام هذه الملكيّة هو الاعتبار - أي اعتبار العرف العام أو الخاص أو الشرع، ولا واقع لها سواه - وهي تحصل بالعمل الحرّ كالإحياء والحيازة، أو بالعمل المعاوضي الجعلي كالإجارة والجعالة والمزارعة والمساقاة ونحوها، أو بالإرث والهبة والديّة والوصيّة ونحو ذلك، أو بالبيع والشراء والمضاربة وغيرها.

ثمّ إنّ للإنسان الانتفاع بأعضائه بكلّ تصرّفٍ مقدورٍ ما لم يمنعه مزاحمٌ أقوى، وهذا محسوس.

وهل الروح مالك لأعضاء بدنها أم لا ؟

٢١٣

وعلى الأوّل هل ملكيّتها تكوينيّة أو تشريعيّة فيه احتمالات.

وجه عدم الملكيّة مطلقاً أنّ الروح ( النفس ) ليست بعلّةٍ موجِدة وسببٍ فاعليٍّ للبدن، بل هي مدبِّرة بإذن الله، فلا تملك البدن ملكيّةً تكوينيّةً، ولم يدل دليلٌ شرعيٌّ على أنّ البدن ملك للنفس فلا تملكها ملكيّة اعتباريّة.

ووجه الملكيّة التكوينيّة أو شبهها أنّ النفس علّة قريبة لحياة البدن، ولولا الحياة لتلاشى البدن كما هو محسوس، فهي علّة لوجود البدن، وكلّ علّةٍ موجِدة مالكة لمعلولها تكويناً.

ووجه الملكيّة الاعتباريّة أنّها ناشئة عن الملكيّة التكوينيّة، فبثبوتها كما عرفت تثبت. إلاّ أنْ يقال: إنّ المتيقّن أنّ الملكيّة الاعتباريّة إنّما تنشأ عن الملكيّة التكوينيّة الذاتيّة فقط، وهي خاصّة بالله الواحد القهّار، ولا أحد غيره تثبت له هذه الملكيّة التكوينيّة الذاتيّة لدلائل التوحيد، فكلّ علّة تملك معلولها فإنّما تملكه بتمليك الله تعالى إيّاها، فلا موجب للملكيّة الاعتباريّة سوى اعتبار الخالق الواجب، ولا يُعقل اعتباره إلاّ من طريق الشرع وقواعده عامّة أو خاصّة.

وإذن، لا بُدّ من الرجوع إلى نصوص الشريعة وأُصولها.

ويمكن أنْ نثبت ملكيّة الإنسان لأعضائه - ملكيّةً اعتباريّةً، يصحّ بيعها بعد قطعها حلالاً أو حراماً بقول الصادقعليه‌السلام في صحيح عبد الله بن سنان: ( كلّ شيءٍ فيه حلال وحرام فهو لك حلال أبداً، حتّى تعرف الحرام منه بعينه فتدعه )(١) .

___________________

(١) ص٥٩ ج١٢ الوسائل.

٢١٤

وعن موضع من التهذيب: ( كلّ شيءٍ يكون منه حرام وحلال... )(١) .

لكنّ الحديث لا يدلّ على المراد، أمّا أوّلاً: فلاختصاصه بالشبهات الموضوعيّة ظاهراً، دون الشبهات الحكميّة التي منها المقام كما هو غير خفي، وأمّا ثانياً: فلأنّه من جملة ما دلّ على أصالة البراءة، وهو أصلٌ ينفي الحكم وليس بمثبت لحكم تكليفي، ولا لحكمٍ وضعيٍّ كما في المقام، حيث يُراد إثبات الملكيّة الاعتباريّة.

فإن قلت: البراءة تنفي العقاب بأخذ الثمن وأكله - وهذا هو المقصود - وإن لم تثبت الملكيّة.

قلت : استصحاب عدم انتقال مال المشتري مقدّم على البراءة، وهو يقتضي حرمة التصرّف في المال المذكور.

وإذا بلغ الكلام إلى هذا فينبغي أن ندع الأُصول العمليّة، ونتمسّك بإطلاق ما دلّ على صحّة البيع والتجارة، كقوله تعالى:

( أَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبَا ) (٢) ، وقوله تعالى:( إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ ) (٣) ، ولا يعتبر في المبيع إلاّ التموّل أو الملك.

قال الشيخ الأنصاري - قدّس الله روحه الطيّبة - في بحث شرائط العوضين من مكاسبه: يُشترط في كلّ منهما كونه متموّلاً ؛ لأنّ البيع لغةً مبادلة مالٍ بمالٍ، وقد احترزوا بهذا الشرط عمّا لا يُنتفع به منفعة مقصودة للعقلاء محلّلة في الشرع ؛ لأنّ الأوّل ليس بمالٍ عرفاً كالخنافس والديدان... والثاني ليس بمالٍ شرعاً كالخمر والخنزير، ثمّ قسّموا عدم الانتفاع إلى ما

___________________

(١) ج ٧ ص ٢٢٦، نسخة الكومبيوتر.

(٢) البقرة آية ٢٧٥.

(٣) النساء آية ٢٩.

٢١٥

يستند إلى خسّة الشيء كالحشرات، وإلى ما يستند إلى قلّته كحبّة حنطة، وذكروا أنّه ليس مالاً وإن كان يصدق عليه الملك، ولذا يحرم غصبه إجماعاً..، والأَولى أن يُقال: إنّ ما تحقّق أنّه ليس بمالٍ عرفاً، فلا إشكال ولا خلاف في عدم جواز وقوعه أحد العوضين، اذ لا بيع إلاّ في ملك، وما لم يتحقّق فيه ذلك، فإن كان أكل المال في مقابله أكلاً بالباطل عرفاً، فالظاهر فساد المقابلة، وما لم يثبت فيه ذلك فان ثبت دليل من نصٍّ أو إجماع على عدم جواز بيعه فهو، وإلاّ فلا يخفى وجوب الرجوع إلى عموم صحّة البيع والتجارة...

ثمّ إنّهم احترزوا باعتبار الملكيّة في العوضين من بيع ما يشترك فيه الناس: كالماء والكلاء والسموك والوحوش قبل اصطيادها، وتكون هذه كلّها غير مملوكة بالفعل، واحترزوا به - أيضاً - عن الأرض المفتوحة عنوة..، انتهى ما أردنا نقله من كلامهرحمه‌الله (١) .

والمفهوم من مجموع كلامه صحّة بيع الأعضاء المقطوعة، فإنّها مال عند العقلاء إنْ لم يدل دليل آخر على خلافها.

فإن قلت: الإنسان الحرّ غير مملوك، وغير مال، ولذا لا يجوز بيعه وهبته ولا تصحّ معاوضته بوجه، فكذا أعضاؤه.

قلت : لا دليل على جريان حكم الكلّ على البعض المقطوع لا شرعاً ولا عرفاً، ولاسيّما أنّ الحرّيّة والكرامة راجعتان إلى النفس دون البدن.

فإن قلت: جعل الديّة على الأعضاء دليل واضح على ملكيّة الإنسان لأعضائه.

قلت : ليست الديّة أرشاً وقيمةً لها لإمكان أنّها غرامة لشيء يُنتفع به ،

___________________

(١) أوّل كتاب البيع من مكاسبهرضي‌الله‌عنه .

٢١٦

ولذا قال الشيخ الأنصاريقدس‌سره في كلامٍ له حول حكم كلب الماشية في مكاسبه المحرّمة: بأنّ الديّة لو لم تدلّ على عدم التملّك - وإلاّ لكانت الواجب القيمة كائنة ما كانت - لم تدلّ على التملّك، لاحتمال كون الديّة من باب تعيين غرامة معيّنة لتفويت شيءٍ ينتفع به، لا لإتلاف مالٍ كما في إتلاف الحرّ، وممّا يؤكّد كون الديّة غرامة، هو أنّ الأصل الأوّل في قطع الأعضاء عمداً القصاص، وهو غرامة قطعاً، وفي فرض الخطأ أو المصالحة تنتقل الغرامة إلى الديّة.

إذا عرفت ذلك كلّه فنختم البحث بذكر أُمور:

١ - بناء العقلاء على سلطة الناس على أنفسهم وأموالهم في الجملة، وهذا يثبت ملكيّة الشخص على أجزاء بدنه المقطوعة فيجوز له بيعها وهبتها، فما لم يثبت من الشرع المنع نكشف منه إمضاءه، لبنائهم على هذا الأصل، وهذا هو أرجح ما يُعتمد عليه في الملكيّة الاعتباريّة للأعضاء، ولكنّ الأحوط ترك البيع والشراء.

٢ - جواز أكل العوض لا يتوقّف على إثبات الملكيّة وصحّة المعاملة وضعاً، فإنّ الإنسان أولى بأعضاء بدنه وبخمره وخنزيره، وإن لم يكن بمالكٍ لها ؛ ويصحّ أخذ مال لإعراضه عن حقّه، هذا حتّى إذا كان نزع العضو حراماً، فإنّه لا يسقط حقّه هذا عليه.

ويجوز - أيضاً - أخذ المال على قطع العضو إذا كان القطع جائزاً، وكذا على مقدّماته كالذهاب إلى المستشفى والجرّاح ونحو ذلك، فانّ ذلك عمل محترم يجوز أخذ المال بإزائه.

٣ - أمّا المريض، فيجب عليه دفع المال لإعراض صاحب العضو، أو على قطعه إذا كان جائزاً، أو على مقدِّماته، وجوباً مؤكّداً إذا كانت حياته في معرض التلف، أو في معرض الابتلاء بالأمراض المزمنة، كما سبق تفصيلها ،

٢١٧

وفي غير الفرضين يحسن دفع المال لإحراز الصحّة والفراغ للعبادة.

ولا شيء عليه إذا كان القطع حراماً على صاحب العضو، نعم لايجوز له تشويقه عليه ؛ لأنّ التشويق على الحرام حرام، كما ذكرناه في محلّه.

٤ - يدّعي بعض الباحثين من أهل السنّة اتّفاق المحقّقين - وفي موضعٍ آخر اتّفاق الفقهاء - على أنّه لا يجوز للإنسان أنْ يبيع عضواً من أعضاء جسده أيّاً كان هذا العضو(١) ، واستدلّ عليهأوّلاً : بأنّ جسد الإنسان وما يتكوّن منه من أعضاء ليس محلاًّ للبيع والشراء، وليس سلعةً من السلع التي يصحّ فيها التبادل التجاري،وثانياً : أنّ جسد الإنسان ليس مِلكاً له على الحقيقة، وإنما المالك الحقيقي خالقه، والإنسان ما هو إلاّ أمين على هذا الجسد.

أقول : دعوى اتّفاق فقهاء أهل السنّة على بطلان بيع الأعضاء ممنوعة بعدما لم تعنون المسألة في الأزمنة السابقة وإنّما هي من المسائل المستجدّة، هذا أوّلاً.

وثانياً : إنّ العضو المقطوع مال يميل إليه العقلاء، فيتمسّك بإطلاق قوله تعالى:( أحلّ اللهُ البيع ) ، أو ببناء العقلاء على تسلّط الناس على أموالهم وأبدانهم، كما سبق، فالوجه الأوّل في كلامه مجرّد دعوى غير صحيح، لكن ذكرنا أنّه مطابق للاحتياط عندي.

وثالثاً : بأنّ ملكيّته تعالى لا تنافي ملكيّة الإنسان ؛ لأنّها في طولها لا في عرضها، والله مالك كلّ شيءٍ، فلابُدّ من البحث حول أنّ الإنسان هل هو مالك لعضوه أم لا وما هو دليل لملكيّته كما مرّ، وهذا القائل لم يهتد إليه، مع أنّه لو تمّ ما ذكره في الوجه الثاني، لمنع من صحّة هبة العضو أيضاً

___________________

(١) ص٣٠٨ وص٣٠٩، الرؤية الإسلاميّة لبعض الممارسات الطبّيّة.

٢١٨

للمريض، في حين أنّ هذا الباحث ذهب إلى صحّتها في الجملة، ونسب جواز التبرّع به إلى جمعٍ من فقهاء أهل السنّة، وفي آخر كلامه إلى جمهور الفقهاء بشروط وضرورة، وهذا منه تناقض، وقد عرفت - أيضاً - أنّ نسبة الحكم إلى جمهور فقهائهم حدسيّة واجتهاد منه.

٢١٩

المسألة السادسة والعشرون

حكم غشاء البكارة وما يتعلّق به

غشاء البكارة غشاء موجود حول فتحة المهبل الخارجيّة، ويتكوّن من طبقتين من الجلد الرقيق بينهما نسيج رخو، غنيٌّ بالأوعية الدمويّة، ولفتحة غشاء البكارة أشكال متعدّدة، فمنها: المستدير والهلالي والغربالي والمنقسم طوليّاً وقد يكون مصمتاً، أي بدون فتحةٍ في بعض الحالات النادرة، ممّا لا يسمح بمرور دم الطمث للخارج، وتراكمه في المهبل ثمّ في الرحم(١) ، ويكون هذا الغشاء في أغلب الأحيان رقيقاً، إلاّ أنّه في أحيان أُخرى يكون سميكاً، لدرجة الاحتياج لإجراء عمليّة جراحة لفضّه عند الزواج، كما أنّ درجة مرونته وتمدّده تختلف من فتاةٍ لأُخرى، وهناك نوع يُسمّى بالغشاء المطّاطي المتمدّد والذي يمكن معه إتمام الجماع بدون أنْ يتمزّق(٢) .

وفي هذا النوع قد لا يحدث إلاّ ألمٌ بسيطٌ أثناء أوّل جماع بعد

___________________

(١) في هذا الفرض لابُدّ من إجراء جراحةٍ، ويقوم الطبيب بعمل فتحة في الغشاء لنزول دم الحيض المجتمع في المهبل والرحم، ويجب أن ينتبه الجرّاح إلى ترك جزءٍ كافٍ من الغشاء حول الفتحة التي يفتحها، ليُفضّ عند الزواج، ص٤٢٧ الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبّيّة.

أقول : إذا كانت العمليّة ضروريّة لصحّة الفتاة فلا بأس بها شرعاً، ويجب عليها اختيار الطبيبة مع الإمكان، ولابُدّ لمن يقوم بالعمليّة من الاقتصار على عمل الفتحة بمقدار الضرورة، حتّى لا يضمن ولا يُحكم عليه بالغرامة الشرعيّة.

(٢) ص٤٢٥ نفس المصدر.

٢٢٠