الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية0%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد آصف المحسني
تصنيف: الصفحات: 341
المشاهدات: 89323
تحميل: 7085

توضيحات:

الفقه والمسائل الطبية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89323 / تحميل: 7085
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الزواج، وقد لا يحدث نزول دم إطلاقا ؛ لمرونة الغشاء وتمدّده وعدم تمزّقه، وقد يظنّون بها أنّها ليست عذراء(١) .

وعلى كلٍّ، يصاحب فضّ غشاء البكارة في ليلة الزفاف بعض الألم والنزيف الذي يختلف من فتاةٍ لأُخرى، ويعتمد على حدٍّ كبير على درجة تمزّق الغشاء، والذي يعتمد بدوره على نوع الغشاء ومدى سمكه ومرونته، وقد يكون النزيف شديداً بحيث يستدعي إسعاف الفتاة، والتدخّل الجراحي بربط الشرايين النازفة وخياطة مكان التمزّق لوقف النزيف(٢) .

وسبب تمزّق غشاء البكارة قبل الزواج أمران: الدخول كانت الفتاة راضية به أو مكرهة - أو وقوع حادث أدّى إلى إصابات بمنطقة الفرج، ويمكن للطبيب المتخصّص معرفة تمزّق غشاء البكارة عن حادث أو اغتصاب بسهولة، إذ إنّ التمزّق في هذه الحالة يكون حديثاً، ومصحوباً بكدمات وإصابات أُخرى بمنطقة الفرج وما حولها(٣) .

إذا تقرّر ذلك فهنا أسئلة تطلب أحكامها الشرعية:

( السؤال الأوّل ) : إنّ قيام الطبيبة أو الطبيب برتق غشاء البكارة، يُعتبر خداعاً لزوج الفتاة المستقبلي، وإنّه هو الذي خدعه، وعدم قيامه به يؤدّي للأضرار الشديدة بالفتاة وأهلها، وعدم قدرة الفتاة على الزواج حتّى لا يُفتضح أمرها، وإيذائها الشديد إذا أُجبرت على الزواج عند كشف حالها، والطبيب قد أقسم عند بدء حياته العلميّة بعدم القيام بأيّ عملٍ فيه غشّ وخداع، كما أنّه أقسم في نفس الوقت بأنّ يعمل جهده لدفع الأذى عن

___________________

(١) ص٤٢٧ نفس المصدر.

(٢) ص٤٢٦ نفس المصدر.

(٣) ص٤٢٨ نفس المصدر.

٢٢١

مرضاه والحفاظ على حياتهم وصحّتهم البدنيّة والنفسيّة، فما هو الحكم الشرعي ؟

أقول : جواب هذا السؤال يتوقّف على ذكر مباحث فقهيّة لابُدّ من ذكرها على نحو الاختصار، ونسأل الله العصمة عن الخطأ:

( الأوّل ) : قيل لا خلاف في حرمة تدليس الماشطة، بل أُدعى عليه، الاجماع، وقد تعرّض لتوضيح التدليس وبيان صغرياته شيخنا الأنصاريرضي‌الله‌عنه في مكاسبه المحرَّمة.

لكنّ الإجماع المنقول لا يكون دليلاً على الحرمة، وعمل الماشطة في مثل هذه الأعصار لا يُعدّ تدليساً، وكذا بعض ما عدّوه من مصاديقه ليس بتدليس.

ويمكن أنْ نستدلّ على حرمة التدليس بموثّقة بكير: في خصيٍّ دلّس نفسه لامرأة مسلمة فتزوّجها، فقال: ( يُفرّق بينهما إنْ شاءت المرأة، ويوجع رأسه، وإن رضيت به أقامت معه... )(١) .

وفي موثّقة سماعة...: ( ويوجع ظهره كما دلّس نفسه )(٢) بناءً على دلالة إيجاع الظهر أو الرأس على الحرمة، وإن نوقش فيه فيحرم التدليس لكونه من أفراد الغشّ المحرّم.

( الثاني ) : لا إشكال في حرمة الغشّ بين المسلمين، وتدلّ عليها أحاديث كثيرة(٣) ، وفي القاموس: غشّه لم يمحضه النصح، أو أظهر له خلاف ما أضمر كغششه... والمغشوش الغير الخالص.

___________________

(١) ص٦٠٨ ج١٤ الوسائل الطبعة المتوسّطة.

(٢) ص٢٢٧ ج٢١ الوسائل نسخة الكومبيوتر.

(٣) الوسائل ج١٧ ص٢٦٦ وص٢٧٩ وغيرها نسخة الكومبيوتر.

٢٢٢

وفي مكاسب الشيخ الأنصاريرحمه‌الله : ثمّ إنّ الغشّ يكون بإخفاء الأدنى في الأعلى: كمزج الجيّد بالرديء، أو غير المراد بالمراد: كإدخال الماء في اللبن، أو بإظهار الصفة الجيّدة المفقودة وهو: التدليس، وبإظهار الشيء على خلاف جنسه: كبيع المموّه على أنّه ذهب أو فضّة.

أقول : الدليل على أنّ التدليس من أفراد الغشّ، مضافاً إلى صدق معناه اللُّغوي عليه ( أظهر خلاف ما أضمر ) صحيح هشام قال: كنت أبيع السابري ( أي الثوب الرقيق ) في الظلال فمرّ عليّ أبو الحسن الأوّل موسىعليه‌السلام راكباً، فقال لي: ( يا هشام إنّ البيع في الظلال غشّ والغشّ لا يحلّ )(١) بناءً على أنّ الظلال يظهر صورةً حسنة للّباس المذكور، لا أنّ البرودة توجد ثقلاً للّباس(٢) .

فإظهار الفتاة وصف البكارة لزوجها تدليس محرّم سواء خُلقت غير باكرة، أو فقدت بكارتها بحرام أو بغصب، أو في نوم ونحوه، أو بحادث.

لا يُقال: لا تدليس في المقام إذا لا تظهر الفتاة لخطيبها أو لزوجها صفةً مفقودةً في الواقع، فإنّ العمليّة الطبّيّة تغيّر الواقع فتصبح ذات غشاء البكارة بعد ذهابه منها، كما إذا كانت مشلولةً فأصبحت بالتداوي سليمةً.

فإنّه يُقال: إنّ غرض الأزواج من العذارى غالباً ليس نفس الغشاء، من حيث هو غشاء، بل غرضهم منه عدم كونها مدخولة لغيرهم - بطريق حلال أو حرام - فرتق غشاء البكارة الزائل بالدخول تدليس لا محالة، إذا كان العقد بانياً على بكارتها، أو شُرطت لفظاً.

___________________

(١) ص٢٠٨ ج١٢ الوسائل الطبعة المتوسّطة.

(٢) لاحظ بحث الغشّ في مكاسب الشيخ الأنصاريقدس‌سره وكتابنا حدود الشريعة ج٢ ص٦٤ إلى ص٦٦.

٢٢٣

نعم في الزائل بغير الدخول لا تدليس برتقه، إلاّ إذا فُرض بناء عقد النكاح على وجود الغشاء الطبيعي بما هو هو، وهو نادر.

( الثالث ) : لا يبعد أنْ يُقال إنّه لا فرق في الشرط بين ذكره صريحاً في ضمن العقد ومتنه، وبين ذكر العقد بانياً عليه قبل العقد وحينه ؛ لشمول قولهعليه‌السلام : ( المسلمون عند شروطهم )(١) ، وعليه فالبكارة سواءٌ جُعلت شرطاً في متن العقد أم كان بناء العقد عليه، فهو شرط يترتّب عليها أحكام الشرط.

( الرابع ) : هل قيام الطبيبة برتق غشاء البكارة، أو إصلاحه، أو تجديده غشّ محرّم عليه، وإن لم تقصد الغشّ والتدليس المحرّمين، بل إنّما قصدت أجرتها فقط ؟

يقول الشيخ الأنصاري في مكاسبه المحرَّمة ( ص١٨ ): فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ قصد الغير لفعل الحرام معتبر قطعاً في حرمة فعل المعين، وأنّ محل الكلام هي الإعانة على شرط الحرام بقصد تحقّق الشرط دون المشروط، وأنّها هل تُعدّ إعانةً على المشروط فتحرم، أم لا، فلا تحرم ما لم يثبت حرمة الشرط من غير جهة التجرّي، انتهى ما أردنا نقله.

أقول : لم يثبت حرمة الإعانة على مطلق الحرام، وإنّما الثابت حرمة الإعانة على الظلم، وإعانة الحكومة غير الدينيّة، والإعانة على القتل وهو من أظهر أفراد الظلم، نعم يحرم التعاون على الإثم والعدوان كما في القرآن المجيد(٢) ، لكنّ التعاون غير الإعانة على ما ذكرناه في كتابنا حدود الشريعة ( ج٢ مادّة الإعانة في حرف العين ).

___________________

(١) الوسائل ج ٢٣ ص ١٤٢ نسخة الكومبيوتر.

(٢)( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) .

٢٢٤

وعلى كلٍّ، الحكم بحرمة إعانة الظلم، أو مطلق الحرام على قول مطلقاً، وإنْ لم يقصد تحقّق المشروط محتاج إلى تأمّل.

ثمّ إنّ عمل الطبيب إذا لم يعد غشّاً وتدليساً فلا مانع من القيام بعمل الرتق، حتّى بملاحظة قسمه في ابتداء أمره ؛ لعدم ارتكابه ما يخالف قسمه، وأمّا إن عُدّ غشّاً وتدليساً، أو قلنا بحرمة الإعانة على الحرام حتّى إذا لم يقصده أو قصد الحرام، فلا يجوز العمل المذكور، ولا عبرة بقسمه على أنّه يعمل جهده لدفع الأذى عن مرضاه، فإنّه مخصوص لا محالة بفرض عدم كون العمل محرّماً لعلّة من العلل.

( الخامس ) : إذا عادت البكارة بالعمليّة الطبّيّة، فهل يترتّب على المرأة أحكامها الفقهيّة ككفاية سكوتها في العقد، وتوقّف صحّة عقدها على إذن وليّها ولزوم كون الزوج معها سبعة أيّام من زفافها ؟

وإذا اطّلع الزوج على حقيقة الحال، هل له الخيار في فسخ عقدها ؟

إذا فتق الغشاء بالوثبة ونحوها من الأسباب، غير سبب الدخول، أو خُلقت فاقدةً للغشاء، فالظاهر أنّه لا تأثير لتجديد الغشاء المذكور في ترتّب أحكام الباكرة عليها، وعدم ترتّبها أصلاً كما هو المفهوم من مجموع الأحاديث، ومراعاة الاحتياط في هذا الفرض أحسن وأصلح، والله العالم.

وأمّا إذا زنت أو زُني بها جبراً، أو في حال غشوتها أو نومها، ففي إلحاقها بالبكر أو الثيّب إشكال واختلاف بين الفقهاء، فمنهم مَن ألحقها بالبكر كصاحبي المستند والعروة الوثقى(١) ، ومنهم مَن ألحقها بالثيّب كصاحبي الجواهر والمستمسك -رحمهم‌الله جميعاً -(٢) وهنا يمكن أن

___________________

(١) العروة الوثقى في فصل أولياء العقد، المسألة الثانية، ولاحظ كتاب الفقه ج ٦٤ ص ٣٣.

(٢) جواهر الكلام ج ٢٩ ص ١٨٥، الفقه ج ٦٤ ص ٣٣.

٢٢٥

نجعل رتق الغشاء أو إصلاحه أو تجديده ذا ثمرة فنرجّح به القول الأوّل على القول الثاني، فإن إعادة الغشاء الكامل، نعم الجواب لسيّدنا الأُستاذ الحكيمقدس‌سره في مستمسكه، حيث يقول: إنّ البكر بمعنى ذات البكارة، ولا دخل للتزويج وعدمه فيها، فإنّه مع تسليمه لا يبقى مجال له بعد إعادة الغشاء، فلاحظ وتأمّل.

وأمّا إذا زال غشاء البكارة بدخول الزوج، ثمّ بعد الطلاق أو موت الزوج أُجريت العمليّة لتجديده، فلا شكّ في عدم ترتيب أحكام البكر عليها، بل هي ثيّب تجري عليها أحكامها، وأمّا خيار فسخ العقد إذا اشترط البكارة، ثمّ بانت ثيّباً ففيه خلاف(١) ، وعلى تقدير ثبوت الخيار نقول: لا يخلو اشتراط البكارة إمّا لأجل أنّ الزوجة لا تكون مدخولة لغيره كما هو الغالب، وإمّا لأجل الغشاء نفسه زيادةً على عدم كونها مدخولة.

أمّا الفرض الأوّل: فيختلف ثبوت الخيار باختلاف الصور المتقدِّمة، فيثبت إذا كان سبب زوال الغشاء الدخول بها، ولا يثبت في غيره من الأسباب.

وأمّا الفرض الثاني: فإن كان المراد - ولو بالانصراف - الغشاء الطبيعي، فلا ثمرة للعمليّة لثبوت الفسخ للزوج مطلقاً، وأمّا إنّ كان المراد أعمّ من الغشاء الطبيعي والصناعي، فلا خيار له وأصبح الغشاء الصناعي ذا ثمرة. هذا كلّه في الجواب عن السؤال الأوّل.

( السؤال الثاني ) : يقوم بعض الأطبّاء بخياطةٍ ورتقٍ لإصلاح غشاء البكارة المتمزّق إذا كان التمزّق بسيطاً، إلاّ أنّ هذا قد لا ينجح في بعض

___________________

(١) يقول السيّد الأُستاذ الخوئي -رضي‌الله‌عنه - في كتابه توضيح المسائل: إذا شرط الزوج بكارة الزوجة، ثمّ ظهرت عدمها بدخول رجل، ليس له - على الأحوط - خيار الفسخ، وله أخذ التفاوت بين مهر البكر وغيرها من المهر المسمّى.

٢٢٦

الأحيان، فهل يجب شرعاً على الطبيب إبلاغ الفتاة بهذا الأمر واحتمال فشل العمليّة ؟

( ج ) : غرض الفتاة بقاء الغشاء الصناعي إلى حين الزواج، وسكوت الطبيب عن عدم النجاح الدائمي تدليس وغشّ، فلابُدّ له من الإبلاغ.

( السؤال الثالث ): يقوم بعض الأطبّاء بإجراء عمليّة رتق وإصلاح غشاء البكارة، أو عمل غشاء جديد، إذا لا يجدي الرتق والإصلاح بعد الحادث أو الاغتصاب، ومعاودة ذلك إذا لم تنجح العمليّة الأُولى، فما هو الحكم ؟

( ج ) : إذا كان عدم النجاح لأجل طول المدّة، فيجب تأخير العمليّة إلى زمانٍ قريبٍ من الزواج، حتّى لا تتعدّد العمليّة، ولا تحتاج المرأة والطبيبة إلى مسّ الفرج والنظر إليه المحرمين، فإنّ الضرورات تُقدّر بقدرها، وإن كان لنقصٍ فنّيٍّ لا بأس بالإعادة.

( السؤال الرابع ) : في حالة وجود تمزّقات بغشاء البكارة في أطفال تعرّضن لحوادث أو اغتصاب، فإنّه يُفضّل عدم إجراء عمليّة رتق أو إصلاح للغشاء فوراً ؛ وذلك لصغر أنسجة الأطفال ورقّتها، وسهولة إصابتها أثناء العمليّة إلى فشلها في كثيرٍ من الأحيان، ومن الأوفق تأجيل العمليّة إلى أنْ تبلغ الطفلة سنّ الخامسة عشرة، حيث تكون الأنسجة أكبر وأسمك، ممّا يزيد من فرض نجاح العمليّة.

( ج ) : إذا أمكنت العمليّة الناجحة قبل تمييز الطفل فهو أحسن، بل هو أحوط للأولياء، ومع عدم إمكانها لا بأس بالتّأخير المذكور، وفي كلّ صور المسألة تُقدّم الطبيبة على الطبيب، ويحرم على الفتاة وعلى الطبيب العمليّة إذا تيسّرت الطبيبة، وإذا أمكن أنْ يعقدها الطبيب - ولو عقداً مؤقّتاً - تعيّن

٢٢٧

على الأحوط، وتحرم العمليّة على الطبيبة أيضاً.

( السؤال الخامس ) : عند حضور فتاة وزوجها عند الطبيب بعد الزواج، لفحصها للتأكّد من بكارتها لعدم نزول دمٍ أثناء أوّل جماع، وشكّ الزوج في أنّ زوجته لم تكن عذراء، ومع علم الطبيب في حالة وجود تمزّق قديمٍ بغشاء البكارة، فهل يبلّغ الزوج بذلك أم لا ؟

نعم لا مشكلة في حالة وجود غشاء البكارة المطّاطي المتمدّد، إذ يشرح الطبيب للزوج الحالة بدون أن يكون قد خدعه.

( ج ) : الظاهر عدم جواز النظر إلى العورة ومسّها للطبيب والمرأة لمثل هذا الفرض وأمثاله، ولا يجوز للزوج إجبارها على كشف عورتها عند الطبيب أو الطبيبة، ووظيفة الزوج حمل الواقعة على وجهٍ مشروعٍ سائغٍ، ولا يجوز له سوء الظنّ بزوجته.

وإذا عاينها الطبيب أو الطبيبة عصياناً، فإنْ علم بترتّب الفساد على إخباره بواقع الحال، لا يجوز له الإبلاغ، كما لا يجوز له أنْ يخدع الزوج كذباً فليتوسّل إلى حيلة، وإذا لم يترتّب الفساد، ورضيت الزوجة ببيان واقع الحال، جاز له الإبلاغ بما يعلم، وأما إذا لم ترض الزوجة ففيه بحثٌ وإشكالٌ.

( السؤال السادس ) : إذا حضرت الفتاة وحدها عند الطبيب أو الطبيبة، وكُشف تمزّق قديم بغشاء البكارة، فهل يرفض الطبيب طلبها لعمل الرتق، أو إصلاحه في جميع الأحوال ؟ أو يقوم بعملها في جميع الأحوال ؟

أو فيه تفصيل كأنْ يكتفي بإعطاء شهادة طبّيّة لها، توضّح سبب تمزّق الغشاء من الاغتصاب أو حادث(١) .

___________________

(١) يقول بعض الأطبّاء: ومصائب تصيب الفتاة فتؤدّي إلى تمزّق بكارتها كالسقطة ،

٢٢٨

( ج ) : هذا السؤال مهمٌّ جدّاً شرعاً، ولابُدّ من ذكر مطالب في المقام، فإنّها تنفع المرضى والأطباء والطبيبات في جميع الموارد.

أوّلاً : فليعلم أنّ ما يتخيّله بعض الناس، وبعض الأطبّاء، من أنّ الطبيب محرم يجوز له المسّ والنظر ؛ خيال باطل مخالف للشرع، والطبيب كغيره في حرمة النظر إلى الجنس المخالِف، ومسّ بدنه وكذا العكس، ويحرم للطبيب والطبيبة النظر إلى عورة الغير، كما يجب على المريض حفظ عورته عن الطبيب كما يحفظ عن غيره، وإنّما يجوز النظر بشروط تقدّم ذكر بعضها في أوائل هذا الكتاب وأثنائه إلى الآن.

ثانياً : إنّ مَن تريد إصلاح الغشاء، أو رتقه، أو تجديده، لا تخلو عن أحد الحالات:

أ : أنّها خُلقت فاقدة البكارة.

ب : فتق غشاء بكارتها بأحد الحوادث غير الاختيارية، أو الاختيارية كالوثبة إمّا مع الغفلة عن استلزامها ذلك، وإمّا عن تعمّدٍ وقصدٍ إلى ذلك.

ج : أنّها اغتُصبت إمّا جبراً، وإمّا إكراها، وإمّا في حالة النوم أو الغشوة أو نحوها.

د : أنّها زنت وفجرت باختيارها، وبالفعل هي إمّا تائبة وأصلحت أمرها وتريد العمليّة للزواج، وإمّا مصرّة على فجورها وتريد العملية لمزيد العوض والمال.

___________________

=

والصدمة، والحِمل الثقيل، وطول العنوسة، وكثرة دم الحيض، والخطأ في بعض العمليّات التي يكون الغشاء محلاًّ لها، ونحو ذلك.

أقول : ويلحق بها في الحكم الدخول جبراً أو عن إكراه، أو في نوم ونحو ذلك، كما ذكره هذا الطبيب - أيضاً - لاحظ ص٥٨٨ الرؤية الإسلاميّة لبعض الممارسات الطبّيّة.

٢٢٩

ه -: زالت بكارتها بدخولها زوجها السابق، لكنّها تريد العمليّة لتغرّ زوجها الثاني في المستقبل بأنّها باكر، أو تريدها لزوجها لمجرّد التنوّع والالتذاذ.

و : المشتهر أمرها بالزنا، أو كان أمرها - بالفعل - رُفع إلى القاضي، وهي تريد تكذيب الشهود بعذرتها الصناعيّة.

لا تجوز العمليّة ؛ لحرمة المسّ والنظر في فرض التعمّد في البند الثاني ( ب ) على وجه، ولا في فرض البند الرابع إذا لم تكن تائبةً في الفرضين، ولا في فرض البندين الأخيرين ( ه- - و ) مطلقاً ؛ إذ لا وجه لجواز ارتكاب الحرام للطرفين، نعم إنّما تجوز العمليّة في هذه الفروض إذا لم يكن المسّ والنظر بحرامين، كما إذا أجراها زوجها - بالنكاح الدائم أو المؤقّت - وأمّا بقيّة البنود والفروض فسيأتي حكمها.

وثالثاً : إذ كان ترك العمليّة المذكورة غير حرجيٍّ للمرأة، لا تجوز لها وللطبيبة إجراء العمليّة المستلزمة لمس العورة والنظر إليها، في بقيّة البنود السابقة وفروضها.

وأمّا إذا كان حرجيّاً، كما إذا فرضنا اضطرارها إلى الزواج، إمّا لشهوتها أو إجبار أهلها عليه، والزوج المستقبل لا يتحمّل فقدان بكارتها، فيؤل الأمر إلى افتضاح حالها ؛ جاز لها وللطبيبة إجراء العمليّة لقاعدة نفي الحرج والعسر، ولكن لابُدّ أن يعلم أنّ الطبيبة مقدّمةٌ على الطبيب وجوباً، والمحرم كالأب والعمّ والخال والخالة والعمّة - مثلاً - مقدّم على الأجنبي على قول، والزوج مقدّم على الكلّ قطعاً، فمع إمكان المقدّم لا تجوز للمتأخّر مباشرة العمليّة.

ثمّ الظاهر أنّ قاعدة نفي الحرج والعسر، وقاعدة نفي الضرر لا تجري فيما إذا كانت البليّة وقعت بسوء اختيار المكلَّف، نعم إذا تابت ورجعت

٢٣٠

يمكن إجراء تلك القواعد في حقّها، كما أشرنا إليه فيما سبق أيضاً، والله العالم.

لا يُقال: ليس بناء فقهائنا على إجراء قاعدة نفي الحرج والعسر في نفي المحرّمات.

قال سيّدنا الأُستاذ الحكيمرضي‌الله‌عنه (١) : فلا يكون الحرج مجوّزاً لفعل المحرّمات عندهم، وإنْ كان مجوّزاً لترك الواجبات، فلا يجوز الزنا للحرج، ولا يجوز أكل مال الغير للحرج... وإن كان الفرق بين الواجبات والمحرّمات في ذلك غير ظاهر، ومقتضى دليل نفيه نفي التحريم كنفي الوجوب، انتهى.

فإنّه يُقال الأمر كما أفاده سيّدنا الحكيمقدس‌سره ، نعم إنّ نفي الحرج لا يجري فيما يعلم من مذاق الشرع عدم نفيه بالحرج: كالقتل واللّواط والزنا والمساحقة وأمثالها، وأمّا في غيرها، فلا مانع من التمسّك بإطلاق قوله تعالى:

( مَا جَعَلَ عَلَيْکُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (٢) .

وبالجملة : لا يجوز مسّ الفرج والنظر إليه، إلاّ إذا كان ترك العمليّة حرجيّاً، ولم يكن إزالة الغشاء بسوء اختيارها - في غير فرض التوبة والإصلاح - ومع ذلك لابُدّ من تقديم الزوج ثمّ الطبيبة ثمّ الطبيب، بل تقديم المحرم على غيره على قول، وفّقنا الله للعمل بأحكامه إنّه هو البَرُّ الرّحيم.

فرع :

إذا زالت الغشاء بحادثٍ غير اختياريٍّ واضطرّت إلى العمليّة الطبّيّة، وليس هناك إلاّ الطبيب الأجنبي ويمكن تزويجه مؤقّتاً ليومٍ واحدٍ - مثلاً - بلا مشقّة، فهل يجب عليها تزويجه فراراً عن حرمة النظر والمسّ أم لا، وأنّ قاعدة نفي الحرج ترفع حرمتهما ؟

فيه وجهان، ولا شكّ أنّ الأوّل أحوط.

___________________

(١) ص٢٤٧ ج١٤ مستمسك العروة الوثقى ( الطبعة الجديدة ).

(٢) الحجّ آية ٧٨.

٢٣١

المسألة السابعة والعشرون

حول زراعة الأعضاء التناسليّة

ينقسم الجهاز التناسلي للمرأة إلى الداخلي والخارجي، ويتكوّن الداخلي من مبيضين: أحدهما على اليمين، والآخر على اليسار من قناة فالوب ( القناة الرحميّة ) والرحم والمهبل، المبيضان متّصلان بالرحم بواسطة وتر سميك على ناحية اليمين واليسار، وهما عبارة عن أكياس تحتوي على عددٍ محددٍ من البويضات عند الولادة، أي عدد البويضات داخل المبيض تكون قد تمّ تكوينها قبل ولادة الأُنثى من بطن أُمّها، ويصل عدد البويضات في المبايض إلى حوالي مليونين بويضة عند الولادة وتبدأ في التناقص لتصل إلى ٤٠٠ ألف بويضة عند البلوغ ثمّ يتناقص إلى ٤٠٠ بويضة قابلين للإخصاب، ويرجع السبب في هذا النقصان إلى مراحل النضج المتعدّد التي تمرّ بها البويضة، ابتداءً من الخليّة الأوليّة للبويضة حتّى مرحلة الناضجة قبل خروجها من المبيض، وذلك تحت تأثير هرمونات التناسل بشكل زيادة ونقصان لهذه الهرمونات، والناظر إلى تكوين الجنين معتمداً على المعلومات والحقائق، التي يمدّنا بها علم الأجنّة ؛ يجد أنّ المبيض يبدأ تكوينه في الأُنثى عند الأُسبوع ٨ - ١٢ للجنين الأُنثى وهي في بطن أُمّها، ويتكوّن من الحمل الناتج من إخصاب حيوانٍ منويٍّ يحتوي على الصبغ السيني، مع البويضة التي تحتوي أيضاً على الصبغ السيني، ثمّ تبدأ بعد ذلك عمليّة تخليق باقي الجهاز التناسلي للمرأة.

بعد ولادة الأُنثى تبدأ البويضة داخل المبيض مراحل النضج لتكوين

٢٣٢

البويضة الناضجة الصالحة للإخصاب في الفترة ما بين الولادة وبلوغ الأُنثى سنّ البلوغ، ثمّ تبدأ هذه البويضات الناضجة بالنزول شهريّاً من المبيض، فإذا ما لُقّحت يحدث الإخصاب والحمل، أمّا إذا لم تلقّح يحدث ما نسمّيه بالطمث الشهري نتيجةً للتغييرات الهرمونيّة، فإذا ما قمنا ونقلنا هذا العضو -المبيض - من أُنثى إلى أُنثى أُخرى، فإنّنا بهذا قد نقلنا المبيض بما تحتويه من بويضات تحمل الصفات الوراثيّة، التي ورثتها الأُنثى المنقول منها المبيض من والديها إلى أُنثى أُخرى، والتي تمّ نقل المبيض لها، والأبناء الناتجين من المنقول إليها، سوف يكونون من الناحية الوراثيّة أولاد المنقول منها، وهذا هو خلط الأنساب(١) .

زرع الخصية:

قبل ولادة الطفل الذكر تكون الخصية داخل التجويف البطني، وتنزل إلى خارج البطن ( داخل الكيس ) عند الولادة.

عند تخليق الجنين الذكر، من إخصاب حيوانٍ منويٍّ يحتوي على الصبغ الصادي، لبويضةٍ تحتوي على الصبغ السيني ؛ يتحدّد جنس الجنين ذكراً، ثمّ يبدأ نتيجةً لوجود الصبغ الصادي - في هذا الجنين - تكوّن الخصية في الأُسبوع السادس من الحمل(٢) ، ثمّ تقوم هاتان الخصيتان بإفراز الهرمونات

___________________

(١) ص٤٤٥ وص٤٤٦، رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

أقول : في كون ذلك خلط الأنساب نظر أو منع كما لا يخفى، ولا دليل شرعاً على منع نقل الصفات الوراثيّة إلى الغير، وأمّا نقل مني المرأة إلى امرأةٍ أُخرى، فهو وإن لم أجد دليلاً لفظيّاً على منعه في غير المساحقة ؛ لكنّ الارتكاز المتشرّعي على منعه.

(٢) وقال طبيبٌ آخر: ومن المعلوم أنّ الخصية ( الغدد التناسليّة ) تتكوّن في الحدبة

=

٢٣٣

اللاّزمة لتكوين باقي الأعضاء الخاصّة بالجهاز التناسلي للذكر.

ووظيفة الخصية إفراز هرمون الرجولة منذ المراحل الأُولى من الحمل ؛ وذلك لتخليق باقي أعضاء الجهاز التناسلي للذكر(١) ، كما أنّها تقوم بتكوين الحيوانات المنويّة، عند بلوغ الرجل سن البلوغ، من الخلايا الأوليّة الموجودة في الخصية، والتي تحمل الصفات الوراثيّة، التي ورثتها تلك الخلايا الأوليّة والدي حامل هذه الخصية، فالخصية تقوم بدور المصنع الذي ينتج الحيوانات المنويّة بواسطة تأثير الهرمونات على المواد الأوليّة ( الخليّة الأوليّة التي تنتج الحيوان المنوي الناضج ) الموجود في الخصية.

وإذا ما تمّ نقل هذه الخصية إلى شخصٍ آخر، فإنّنا بذلك ننقل المصنع بآلاته ومعدّاته، والموادّ الأوّليّة التي يحتويها إلى مكانٍ آخر، ولا يكون دور المنقول إليه سوى تشغيل المصنع فقط، أي لن يكون له دورٌ في نقل المورّثات التي

___________________

=

التناسليّة، وتبدأ في الظهور في الأُسبوع الخامس والسادس في الجنين، ثمّ تتمايز في نهاية الأُسبوع السادس وبداية الأُسبوع السابع إلى خصية أو مبيض ؛ لأنّها تكون قبل ذلك غير متمايزة. ص٤٦٥ ( رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة ).

أقول : وعلى كلٍّ، إن ثبت هذا علميّاً ثبوتا قطعيّاً، فهو يناقض بعض الأحاديث الدالة بظاهرها على صيرورة الجنين ذكراً أو أُنثى بعد أربعة أشهر، وقد تقدّم نقل أحدها في المسألة السادسة. ولاحظ ص١٤١ ج٧ الوسائل نسخة الكومبيوتر، وفيها عن عليعليه‌السلام تحوّل النطفة في الرحم أربعين يوماً، فمن أراد أن يدعو الله عزّ وجلّ ففي تلك الأربعين، قبل أن يخلق... وعلى كلّ الأحاديث المذكورة قابلة للتأويل.

(١) وظيفة إفراز الهرمونات في الأُنثى أشدّ تعقيداً من الذكر، وهي السبب في التغييرات التي تحدث في بطانة الرحم مؤدّية إلى حدوث الطمث، كما تؤثّر على جميع أجهزة الجسم.

أمّا بالنسبة إلى الذكر فهي مسؤولة عن الصفات الثانويّة للذكورة، مثل: نمو شعر العانة بصورةٍ خاصّةٍ مختلفةٍ عن الأُنثى، ونمو الشعر على الوجه، وتغيّر الصوت، وبناء العظام، وتوزيع الدهن في الجسم، وإيجاد الرغبة الجنسيّة. ص٤٦٤ رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

٢٣٤

يحملها أولاده، بل سوف يساعد على نقل الصبغيّات الوراثيّة، التي ورثها الشخص المنقول منه هذه الخصية، إلى ذريّة الشخص المنقول له الخصية.

وتعتبر هذا وكأنّنا قمنا بإخصاب بويضة زوجة الرجل، المنقولة له الخصية، بحيوانٍ منويٍّ لرجلٍ آخر، المنقولة منه الخصية، فإذا ما تمّ زرع الخصية بين الرجال فإنّنا نساعد على خلط الأنساب.

وأمّا الأعضاء التناسليّة الأُخرى: كالقضيب والرحم والأُنبوبة والمهبل، فهي كسائر أعضاء الجسد، مثل: القلب والكلية والكبد، في عدم التأثير من الناحية الوراثيّة، ولا تخلو منها الأنساب(١) .

أقول : زراعة الأعضاء التناسليّة في حدّ نفسها لا بأس بها، إن قدر الطبّ عليها يوماً ما، وإنّما يشكل من الجهتين الأخيرتين، الأُولى: حرمة النظر واللمس المحرّمين - وقد تقدّمت مفصّلة - الثانية: من جهة الجماع بها، إذ مباشرة المنقول إليه لزوجها أو لزوجته لا يخلو عن إشكال، ولا فرق في الإشكال بين المبيض، والخصية، والقضيب، والجهاز الخارجي للمرأة، وذلك لا لأجل انتساب الجهاز المذكور إلى صاحبه الأوّل حتّى إذا كان حيّاً، فإنّ الانتساب الماضي غير مضرٍّ، والانتساب الفعلي إلى صاحبه الأوّل ممنوع، بل هو منتسب إلى صاحبه الجديد، بل لأجل ارتكاز المتشرِّعة على قبح الجماع بها، وهو يكشف عن تقبيح الشارع له وتحريمه، إلاّ أنْ يُقال: إنّ قبيحه عند المتشرِّعة لا لأجل أنّهم مسلمون ومتشرّعة، ولا لأجل أنّهم العقلاء بل من أجل أنّهم من أهل الغيرة، وكثيراً ما يشتبه الأمر بين الغيرة وبين ارتكاز المتشرّعة.

وعلى كلٍّ، القبح الذي يكشف عن منع الشارع إنّما

___________________

(١) انتخبناه من ص٤٤٧ إلى ص٤٥١، رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة، باختصار.

٢٣٥

هو القبح الذي من المشهورات، عند جميع العقلاء بما هم عقلاء، ولتحقيق ذلك لابُدّ من مراجعة علم المنطق، وعلم الأُصول عند البحث عن ملازمة حكم العقل والشرع(١) ، وكذا القبح الذي يعتقده المسلمون بما هم مسلمون ؛ فإنّه يكشف عن تقبيح الشرع، فلاحظ وتدبّر.

على أنّ في زرع الخصية، بل في زرع المبيضين، مانعٌ آخر - كما تقدّم - فما قيل من جواز زرع الخصية كأنّه للجهل بما ذكره الأطبّاء.

فإن قيل: إذا فرض قدرة الطبّ على تفريغ الخصية من السائل المنويّ نهائيّاً، فأيّ مانعٍ من نقلها إلى بدن الغير إذ لا تُخلَط الأنساب حينئذٍ ؟

يُقال في جوابه - كما قيل - إنّ الحيوانات المنويّة الجديدة تتكوّن من نفس الخلايا، وليست من خلايا جديدة.

لكن الممنوع شرعاً - على نحوٍ مرّ - إقرار ماء الرجل في رحم أجنبيّة، ولم يدلّ دليل على أنّ خلاياه يجب أن لا تكون من الأجنبي، فتأمّل، فإنّ المقام محتاجٌ إلى توضيحٍ طبّيٍّ، وأنّه هل يصدق على الخلايا الماء، أو المني أم لا ؟ وما هي مقدارها ؟

فإن قيل: كيف تكون الخصية مصنعاً للمني، ويقول القرآن:( فَلْيَنْظُرِ الإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ ) (٢) ؟

يقال: إنّ الخصية توجد بين الصلب والترائب في أوّل تكوينها من الناحية الجنينية، وإنّما تنزل داخل الكيس ( خارج البطن ) عند الولادة.

أقول : مرّ أنّها داخل التجويف البطني، وليس هو من الترائب التي فُسّرت بأعلى الصدر، فتأمّل.

___________________

(١) لاحظ صراط الحق ج٢، وكتاب الفصول في علم الأُصول.

(٢) الطارق آية ٥.

٢٣٦

ثم إنّه لا فرق في الحكم، بينما كان الغرض تحصيل النسل أو مجرّد الاستمتاع، أو التجميل والتجمّل(١) ، حيث إنّ المبيضين يفرزان - بالإضافة إلى البييضات - هرمون الأُنوثة الذي يضفي على المرأة صفات الجمال الأُنثوي، من: نعومة الجلد، ونعومة الصوت، ورقّة الشعر، وتوزيع الشحوم على الجسم، كما أنّ الخصيتين تفرزان بالإضافة إلى المني هرمون الذكورة الذي يُضفي على الرجل: غلظ الصوت، ونبات شعر الوجه، وخشونة الشعر، والقوّة البدنيّة، وغير ذلك(٢) .

كما لا فرق في الحكم السابق، بين كون المأخوذ منه حيّاً أو ميّتاً، بوصيّةٍ منه أم لا، على أنّ قطع الآلة التناسليّة عن البدن بعوضٍ أو هبةٍ حرام على الحيّ ظاهراً، فلاحظ وتأمّل.

فرعان:

١ - لو فرضنا وقوع: زراعة الأعضاء التناسليّة حراماً أو حلالاً، وباشر المنتقل إليه زوجته أو زوجها فالولد ولدهما كما مرّ، إلاّ أنْ تكون الخصية المنقولة حاوية لنطفة تكوّنت قبل نزعها من مصدرها، فالولد من صاحبها ظاهراً لا من المباشر، فلاحظ.

٢ - الظاهر وجوب الديّة على مَن قطع هذه الأعضاء المزروعة كغيرها، مثل: القلب والكلية والعين، وأمثال ذلك، عملاً بإطلاق أدلّة الديّات، وعدم انصرافها إلى قطع الأعضاء الأصليّة الأوليّة، وأمّا قطع الأعضاء البلاستيكيّة

___________________

(١) بعض الأمثلة من الحاجيّات ولو لبعض الأفراد، فالتجميل في المقام ليس كلّه من الكماليّات، فإذا كان فقد اللّحية لبعض الناس حرجيّاً كان إنباتها من الحاجيّات.

(٢) ص٥٤٠ رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

٢٣٧

فلا تشملها الأدلّة لانصرافها عنها، والله أعلم، فإن انجرّ نزعها إلى الموت - كالقلب البلاستيكي - فلا شكّ في تعلّق الديّة الكاملة للنفس إنْ لم يتعمّد، وإلاّ فعليه القوَد إنْ شاء الورثة، وفي غيره يرجع إلى الحكومة، حسب اختلاف الموارد، فلاحظ.

٢٣٨

المسألة الثامنة والعشرون

حول الحيض في فصول

( الفصل الأوّل ) : قالت بعض الطبيبات: إنّ أوّل ظهور الحيض يعيّن البلوغ للفتاة، وتكون غالباً في سنّ الحادية عشر أو أكثر قليلاً، ويستمرّ إلى مستهلّ سنّ اليأس، وتُعتبر المدّة بين ظهوره وانقطاعه ( فترة الحياة التناسليّة )، والحيض: ( الطمث ) عبارة عن نزيفٍ شهريٍّ يستمرّ بين أربعة وستّة أيّام، ويتسبّب الطمث عن تضخّمٍ في الغشاء المخاطي للرحم من الداخل، فتتّسع أوعيته من شرايين وأوردة وبامتلاء غدده المخاطيّة، وذلك قبل ظهور الطمث بأيّام قلائل.

والدورة الشهريّة تختلف كثيراً من امرأةٍ لأُخرى، وفي المتوسّط تحدث كلّ ٢٨ يوماً، وقد يحدث اختلاف، وتحدث كل ٢١ أو كل ٣٥ يوماً، وكذلك مدّة الحيضة تختلف - أيضاً - من ثلاثة إلى سبعة أيّام.

( الفصل الثاني ) : في كيفيّة حدوث الطمث:

في سنّ البلوغ تبدأ الغدّة النخاميّة تحت تأثير مراكز عليا في المخّ تنبيه الغدد الصمّاء، ومنها المبيضان، فيفرزان الهرمونات الأُنثوية فينمو الرحم، وفي كلّ دورةٍ ينمو الغشاء المبطّن للرحم، ويمتلئ بالغدد، وتتركّز فيه المواد الغذائيّة استعداداً لاستقبال البويضة الملقّحة التي تنغرس في جدار الرحم المعدّ لذلك، فإذا لم يحدث حمل تبقى البويضة بدون تلقيح، وتبدأ في الضمور ( الضمور: الهزال ) وتهبط معها الهرمونات، فيتفتّت

٢٣٩

الغشاء المخاطي المبطّن للرحم، وينزل على هيئة دم الحيض.

والسائل الحيضي: عبارة عن دمٍ غير متجلّط مع مخاط مع بقايا خلايا الغشاء المخاطي الذي تفتّت، وتكون كمّيّته قليلة ومخاطياً في أوّل الحيض، ثمّ يكون مائلاً للحمرة، ثمّ بنّي اللون في نهاية الحيض، وعند زيادة كمّيّة الدم عن الطبيعي يتجلّط الدم، وهذا يدلّ على زيادة النزيف(١) .

( الفصل الثالث ) : في سنّ البلوغ وسنّ اليأس ( الإياس ):

واعلم أنّه يتعيّن بلوغ الفتاة بظهور أوّل طمث، ويبدأ عادةً في سن الحادية عشرة، وقليلاً ما يتأخّر للثالثة أو الرابعة عشر، ونادراً ما يكبر عن سنّ العاشرة، وتتحوّل الطفلة من دور الطفولة إلى دور الأُنوثة الكاملة، ونزول الحيض يختلف حسب الوراثة والأجناس والتغذية والحالة النفسيّة، ويختلف باختلاف الشعوب وطبيعة الحياة الاجتماعيّة.

سنّ اليأس يشمل تغييرات كثيرة، منها انقطاع الطمث، وفي العادة ينقطع الطمث عند سنّ الخامسة والأربعين إلى سنّ الخامسة والخمسين، وربّما يحدث قبل الأربعين أو بعد الخامسة والخمسين، وفي العادة ينقطع الطمث تدريجيّاً، ويحدث الطمث كلّ شهرين أو ثلاثة شهور إلى ستّة شهور، وبعد ذلك ينقطع نهائيّاً.

ومن المعروف أنّه إذا حدث سنّ البلوغ مبكِّراً تأخّر سنّ اليأس، أو العكس كذلك، وهذا يتوقّف على الجنس - أيضاً - وعلى الوراثة، وطبيعة الأكل، والحالة الاقتصادية، وقد يكبر سنّ اليأس قبل سنّ الأربعين، ويرجع السبب في ذلك إمّا للحالة النفسيّة، أو قصور في عمل المبيض، أو استئصال المبيض

___________________

(١) ص٤٣٣ وص٤٣٤، الرؤية الإسلاميّة لبعض الممارسات الطبّيّة.

٢٤٠