الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية22%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92458 / تحميل: 7846
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

استرخت فشدّها بالذهب.

ونحن مع احترامنا لصاحب الجواهررضي‌الله‌عنه وفقهه وتتبّعه نقول: إنّ المتيقّن هو حرمة لبس الذهب.

ولاحظ ما ذكرنا حوله في الجزء الثاني من كتابنا: حدود الشريعة، مادّة لبس الذهب.

وأجاز أكثر فقهاء أهل السنّة شدَّ السنّ المتحركة بالذهب، سوى أبي حنيفة وأبي يوسف ؛ فقالا: إنّه محرّم ولا يباح إلاّ للضرورة(١) .

٥ - يجوز وصل عظام الإنسان بعظام الحيوانات، وبالمواد البلاستيكية الحديثة، وغيرها، وبالحديد إذا كُسر العظم أو تعيّب، نعم إذا كان في ظاهر البدن، فلابُدّ من مراعاة ما لا ينافي الوضوء والغسل وغيرهما.

٦ - يجوز قطع الإصبع الزائد، أو السنّ الزائدة لأصالة البراءة، بل ولأنّ بناء العقلاء على أنّ الناس مسلّطون على أموالهم وأنفسهم، وهذا البناء ممضاة عند الشارع في غير ما منعه ؛ ولأنّه نقص وشين فإبقاءه عسر، وقال تعالى:

( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (٢) .

والبحث إنّما هو في قطع اليد أو الرجل أو العين أو الأنف الزائدة، والعمدة هي الثلاثة الأُولى، فهل يجوز قطعها ؟

فيه وجهان، وجه الجواز ما مرّ، ووجه المنع إمكان فهم منعه من مذاق الشرع، والأوجه الجواز.

والعمدة مَن له رأسان، فإن فرضنا أنّ كلّ رأسٍ له فكر وقصدٌ خاصٌّ به، بحيث يعلم أنّ لكلّ رأسٍ روحاً تعلق به فهما فردان، وإن كان بدنهما أو بعض بدنهما واحداً، كما رأينا صورته في هذه الأيّام في بعض النشريّات اليوميّة، فلا يجوز قطع أحدهما، وأمّا إن علمنا من وحدة القصد والفكر أنّ

___________________

(١) الرؤية الإسلاميّة لبعض المسائل الطبّيّة ص ٥١٠.

(٢) البقرة آية ١٨٥.

٢٦١

لهما روحاً واحدة ففي جواز قطع أحدهما وجهان، والمسألة مشكلة جدّاً(١) .

٧ - يجوز ثقب الآذان وتعليق الحلق فيها ؛ لعدم الدليل على المنع حتّى في الصبي، فإنّ ألم الثقب في مثل زماننا خفيف جدّاً، وما ذكره الغزالي وغيره من وجوه المنع(٢) ضعيفٌ جدّاً لا يُلتفت إليه.

٨ - يجوز تغيير هيئة الأعضاء بالزيادة والنقصان بعمليّة جراحيّة: كالأنف والآذان والشفة والفكّ والذقن والثديين، لرغبة في الحسن والجمال، أو بطلب من زوجها، لعدم الدليل على المنع، وأمّا تغييرها لأجل نظر المشاهدين الأجانب في السينما والتلفزيون ومحافل الفسق والفجور فلا يجوز.

لا يُقال: إنّ الفرض الأوّل أيضاً يحرم للتدليس.

فإنّا نقول: قد مرّ سابقاً أنّ التدليس إنّما يحرم إذا أوجب ضرراً للغير لا مطلقاً، على أنّ في صدق التدليس في المقام نظراً ؛ لأنّ - الفرد - سواء فيه الذكر والأُنثى - قد غيّر الواقع لا أنّه ستر الواقع بأمرٍ جميلٍ مرغوب.

٩ - يجوز استقطاع بعض أعضاء البدن وزرعه في محلّ العضو المبتور، ولا فرق في ذلك بين كون الأوّل أنفع أو الثاني ؛ فإنّ الناس مسلّطون على أنفسهم فيما لم يحرّمه الشارع، نعم يمكن أنّ نستثني منه موردين:

___________________

(١) وأمّا جواز زرع رأس آخر في بدن الإنسان، على مستوى فرد أو أفراد محدودة، ففيه نظر، لا يبعد الجواز إن لم يستلزم محذوراً آخر، لكن في إجراء أحكام مَن له الرأس أو مَن له البدن عليه بحث.

(٢) الرؤية الإسلاميّة لبعض المسائل الطبّيّة ص ٥١٣ - ٥١٧.

٢٦٢

الأوّل : ما إذا أمكن زرع مادّة صناعيّة، أو فلزّيّة، أو عضو من حيوان، ففي مثله يشكل الأمر بجواز قطع عضو البدن، فتأمّل.

الثاني : ما إذا كان العضو الذي يُراد قطعه مهمّاً جدّاً: كقطع لسانه لإصلاح انفه، فإنّه لا يجوز جزماً، أو قلع عينه لإصلاح عضده مثلاً، وهكذا.

والبحث حول تفصيل جزئيّات هذا الاستثناء طويل جدّاً، وليس الحكم الشرعي واضحاً في جميع الصور، كما إذا دار الأمر بين فساد العينين معاً وفساد اللسان، فهل يُقطع أحدهما لأجل الآخر ؟ وأيّهما لأيهما ؟ ولِمَ ؟

وكما إذا دار الأمر بين الرِّجْلين واليدين.

وبالجملة : ترجيح الأعضاء المهمّة، التي نعلم من مذاق الشرع حرمة الإضرار بها وإفسادها، إذا دار الأمر بين إتلاف بعضها لحفظ بعضها الآخر ليس بسهل.

١٠ - يجوز للإنسان أنْ يهزل بدنه بأيّ وجه كان، مثل المشي، وتقليل الطعام، وعمليّة سحب الدهون من الجسم إذا لم يضر بسلامته ضرراً كثيراً، كما يجوز له تسمينه بأسباب مباحة.

١١ - يجوز استئصال ثدي امرأة أُصيبت بمرض سرطان الثدي، وثبت ذلك بالقطع، وكان بقاءه مضرّاً بحياتها، ويجوز لها إجراء عمليّة تجميل للثدي المستأصل. وإن شئت فقل: إنّ الأوّل واجب والثاني جائز للأصل. وربّما يمكن أن تجب - أيضاً - إذا أمر به الزوج، وكان الزوج يتنفّر من الزوجة بدون العمليّة المذكورة.

وهل مئونة العمليّة على الزوج، أو على الزوجة، أو فيه تفصيل ؟

ولابُدّ من مراجعة باب النفقات في كتاب النكاح لمعرفة الحكم.

ثمّ إنّ نزع الثدي لأجل بيعها على الغير ممّا يشكل الحكم بجوازها شرعاً، فلا يبعد تحريمه على الأحوط.

٢٦٣

المسألة الحادية والثلاثون

ما يتعلّق بالخنثى

قال بعض الأطبّاء: ظاهرة الخنثى: هناك سبع درجات من الذكورة، وسبع درجات من الأُنوثة، كلّ أُنثى فيها سبع صفات معيّنة، على مستويات معيّنة في التركيب.

وكلّ رجلٍ أيضاً له سبع درجات إذا اختلت درجة أو أكثر من هذه، سيحدث فيه شيء من التناقض، قد يقلّ وقد يكثر، فإذا كان التناقض كاملاً، نجد مخلوقاً إنساناً جسمه جسم أنثى، وجلده جلد أنثى ومظهره مظهر أنثى، وله نعومة الأُنثى، وله فرج الأُنثى، إلاّ أن تركيبه الكروموزومي اكس واي مثل الذكر فهنا تناقض، الجسم له شكل، والتركيب الكرموزومي له شكل آخر، هذا أحد أنواع الخنوثة.

ولكن مثل هذا المخلوق، أي هذه السيّدة تتزوّج، وتكون كفئاً للزوجيّة، وقد تكون على درجةٍ عاليةٍ من الجمال الأُنثوي، وتعيش حياةً زوجيّةً سعيدةً، ولكنّها لا تحمل أيضاً.

وقد يوجد بالمقابل الرجل الذي لا تنبت له لحية، وقد تكون خصيتاه صغيرتين، وقد يكون جسمه شحميّاً كجسم المرأة، وقد يكون ذَكَره صغيراً جدّاً، وقد يكون كيسه خالياً من الخصيتين ؛ لأنّ الخصيتين لم ت-نزلا من ( إلى ظ ) الكيس، وإنّما ظلّتا في البطن، في مكانهما أيّام أن كان جنيناً، وقد يكون طرفه عند قناة البول ؛ لأنّها لا تفتح على طرف الذكر ولكن في قاعدته.

٢٦٤

وكم من مواليد ولدت على هذه الصورة، تنظر القابلة أو المولِّدة فإذا هناك ما يشبه أن يكون ذكراً، فإذا بال المولود لن يخرج البول من طرف الذكر، وإنّما من قاعدته، ولأنّ الكيس خالٍ من الخصيتين، لا ينهض أن يعطي أو يقنع أنّه كيس، فإذا بالطفل يُسمّى باسم أُنثى. وآخر واحدة منهنّ عندي كان اسمها معصومة وولدت معصومة ولبست الفستان، وراحت المدرسة وتخرّجت من الثانويّة، وذهبت للتعيين، وفي القومسيون الطبّي أدركوا أنّها مشعرة، جسمها فيه شعر كثير، وحضرت معصومة، وجدنا أنّ تركيبها الأصلي ذكر، وأنّ في بطنها خصيتين، وأنّ كلاًّ من الشعر وكبر البظر ناتج عن الهرمونات.

ولمّا كانت قد نشأت أُنثى، فإنّها حتّى بالرّغم من أنّها ذكر لن تصلح أبداً أن تكون ذكراً، فأجريت لها عمليّة جراحيّة لإنزال الخصيتين الموجودتين في البطن ؛ لأنّهما تكونان معرّضتين للسرطان، وحتّى تتخلص من الهرمون الذكري، الذي تفرزه الخصيتان، وأزلنا معظم الذَكَر لنردّ إليها علامات الأُنوثة، وأعطيناها الهرمون الأُنثوي، فكبر لها النهدان، وأخبرنا أهلها أنّها عندما تأتي لكي تتزوّج تحضر لكي نعمل لها فرجاً صناعيّاً، لتكون جاهزةً للجنس، ولكن أعلموا خطيبها أنّها لأمرٍ ما لا تستطيع الإنجاب.

الخنوثة قد تُعقد لها المؤتمرات التي تستمرّ عدّة أيّام. ونكتفي بهذا القَدْر(١) .

وقال آخر: إنّ تحديد الجنس نعتبره خمس خطوات: الخطوة الأُولى التحديد الصبغي، إذا كان يحمل الصبغ الصادي أم الصبغ السيني بجرعةٍ

___________________

(١) ص٤٦ وص٤٦، الإنجاب في ضوء الإسلام.

٢٦٥

مزدوجةٍ، وهذا المستوى الأوّل.

المستوى الثاني: هو نتيجة لوجود الصبغ الصادي سوف ينتج عنه تكوين الغدّة الذكريّة: التي هي التناسليّة، التي هي الخصية، ثمّ بعد ذلك يأتي دور الهرمونات في تكوين الأعضاء الذكريّة الخارجيّة والداخليّة، هذا أربع مستويات.

والمستوى الخامس: وهو بعد الولادة هذا الطفل بالنسبة لنا ذكر، هذه خمسة مستويات فإذا كانت في اتّجاهٍ واحدٍ يُعتبر هذا ذكر كامل ؛ وإذا كان فيه خلل بمعنى مستوى يؤدّي إلى الأُنوثة ومستوى يؤدّي إلى الذكورة، فهنا نبدأ في المشكلة...

الطفل المخنّث نوعان: مخنّث كاذب ومخنّث حقيقي، المخنّث الكاذب ممكن يكون خنثى لكن ذكريّة، أو خنثى أُنثويّة، يعني: الأعضاء التناسليّة الخارجية تشير أنّ فيها شيئاً من الرجولة، ولكن داخلها يبقى فيه مبيضان، أو العكس صحيح الأعضاء التناسليّة فيها تقترب إلى الأُنوثة، لكن يبقى فيه خصيتان.

أمّا النوع الثاني وهو الخصية الحقيقية، هذا يستوجب وجود المبيض، والخصيتين يعني خصية ومبيض لازم يكونوا موجودين...(١) .

إذا عرفت هذا فالكلام يقع في أُمور:

( الأمر الأوّل ) : في نقل الأحاديث المعتبرة سنداً:

١ - صحيح داود بن فرقد عن الصادقعليه‌السلام قال: سُئل عن مولود ولد ( و ) له قُبُل وذَكَر، كيف يورث ؟

قال: ( إنْ كان يبول من ذكره فله ميراث الذكر، وإن كان يبول من القُبُل فله ميراث الأُنثى)(٢) .

أقول : ليس المبال موضوعاً لمجرّد الميراث، بل هو علامة الذكوريّة

___________________

(١) ص٥٣٢ وص٥٣٣، رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

(٢) لاحظ كلّ ما نقله في هذا المقام من الأحاديث السبعة في ص٤٨٧ إلى ص٥٠١ ج٢٤ جامع الأحاديث.

٢٦٦

والأُنثوية كما يدلّ الحديث الآتي، ثمّ لا مجال في مثل المفروض إعمال علامة الحيض والاحتلام كما لا يخفى، لكن تجري فيه علامة عدد الأضلاع، وهل هما مترتّبان أو يكتفي بكلٍّ منهما عن الآخر؟

فيه وجهان، ظاهر هذه الصحيحة وغيرها: تقدّم المبال على عدد الأضلاع. والله أعلم.

٢ - صحيح محمّد بن قيس - المروي في الخصال -... إلى أنْ قال ( الحسن المجتبى -عليه‌السلام - ): وأمّا المؤنّث فهو الذي لا يدري أذكر هو أم أُنثى، فإنّه يُنتظر به، فإن كان ذكر احتلم، وإنْ كانت أُنثى حاضت وبدا ثدييها، وإلاّ قيل: بُل، فإنْ أصاب بوله الحائط فهو ذكر وان انتكص بوله ( على رجليه - مستدرك الوسائل ) كما انتكص بول البعير فهي امرأة.

أقول : يظهر منه تقدّم التعرّف بالحيض، وظهور الثدي، والاحتلام، على البول في فرض تيسّر الانتظار.

ثمّ إنّ ذيل الرواية ينافي ما تقدّم، لكن لا بُدّ من حمله عليه جمعاً بينهما، فانتكاص البول عبارة أُخرى عن خروجه من الفرج، وعدمه عن خروجه عن الذكر، بل هذا التعبير أحسن لعدم جواز النظر إلى العورتين معاً في غير الضرورة، فينظر إلى نفس البول يصيب الحائط مثلاً أو ينتكص.

٣ - صحيح محمّد بن قيس المروي في الفقيه، عن الباقرعليه‌السلام :

( إنّ شريحاً القاضي بينما هو في مجلس القضاء إذْ أتته امرأة، فقالت: أيّها القاضي اقضِ بيني وبين خصمي، فقال لها: وَمَن خصمك ؟

قالت: أنت، قال: أفرجوا لها، فأفرجوا لها فدخلت، فقال لها ما ظلامتك ؟

قالت: إنّ لي ما للرجال وما للنساء، قال شريح فإنّ أمير المؤمنين يقضي على المبال، قالت فإنّي أبول بهما جميعاً ويسكنان معاً.

قال شريح: والله ما سمعت بأعجب من هذا، قالت وأعجب من هذا، قال: وما هو ؟

قالت: جامعني

٢٦٧

زوجي فولدت منه، وجامعت جاريتي فولدت منّي، فضرب شريح إحدى يديه على الأُخرى متعجّباً، ثمّ جاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ... فقال:عليه‌السلام لها: وَمَن زوجك ؟ قالت: فلان، فبعث إليه فدعاه، فقال: أتعرف هذه ؟ قال: نعم هي زوجتي، فسأله عمّا قالت، فقال: هو كذلك، فقالعليه‌السلام له: لاَنت أجرأ من راكب الأسد حيث تقدم عليها بهذه الحال، ثمّ قال: يا قنبر أدخلها بيتاً مع امرأة تعد أضلاعها، فقال: يا أمير المؤمنين لا آمن(١) عليها رجلاً ولا ائتمن عليها امرأة، فقال:عليه‌السلام : عليّ بدينار الخصي - وكان من صالحي أهل الكوفة وكان يثق به - فقال له: يا دينار أدخلها بيتاً وعرّها من ثيابها وامرها أن تشدّ مئزراً وعُد أضلاعها، ففعل دينار ذلك وكانت أضلاعها سبعة عشر، تسعة في اليمين وثمانية في اليسار، فألبسها ثياب الرجال والقلنسوة والنعلين وألقى عليها الرداء وألحقه بالرجال.

فقال زوجها: يا أمير المؤمنين ابنة عمّي وقد ولدت مني، تلحقها بالرجال ؟!!!

فقال: إنّي حكمت عليها بحكم الله، إنّ الله تبارك وتعالى خلق حوّاء من ضلع آدم الأيسر، وأضلاع الرجال تنقص وأضلاع النساء تمام )(٢) .

___________________

(١) قول الرجل هذا من خوفه عليها في بيت تحت نظارة الحكومة، ربّما يشبه قصص الأطفال، ولا يبعد دلالته على عدم صحّة الرواية، أو حمق الزوج.

(٢) ربّما يلوح من الحديث جواز زواج الخنثى، وإلاّ للامهما أمير المؤمنينعليه‌السلام ولجرى الحدّ على الخنثى ؛ لأنّه إمّا زانية وإمّا مساحِقة، وذكر أنّ ولده من الزوج والجارية ولد شبهة أو ولد زنا. إلاّ أن يُقال: إنّ الخنثى وزوجه والجارية كانوا جاهلين قاصرين، ولا يجب، أو لا يجوز تعيير المذنب على الذنب الماضي وان قولهعليه‌السلام لانت أجرأ من راكب الأسد يدلّ على حرمة الزواج أو الدخول، وولد الشبهة، ولا حكم له حتّى ينبّه عليه، وكذا ولد الزنا سوى بطلان التوارث بينه وبين والديه وهو كان خارجاً عن محلّ الابتلاء فعلاً، ولعلّهعليه‌السلام بيّنه ولم يذكره الباقرعليه‌السلام اختصاراً، فتأمّل. وعلى كلٍّ

=

٢٦٨

والعجب أنّ عد الاضلاع لم يُذكر في سائر الروايات، بل ظاهر الحديثين الآتيين عدم اعتباره، وهذا عجيب.

وقال المحقّق في الشرائع: والرواية ضعيفة(١) .

ونقل في الجواهر عن الحلّي دعوى تواترها، والظاهر أنّ الرواية بطريق الصدوق صحيحة سنداً إنْ وفى الصدوق بقوله في المشيخه(٢) ، وأمّا تواترها فهو ممنوع.

وقال صاحب الجواهر(٣) : نعم لا ريب في عدم تيسّره غالباً على وجهٍ تطمئنّ النفس بمعرفة ذلك، خصوصاً في الجسم السمين، ولذا ذكروا: غير ذلك من الأمارات، وحكموا بإعطاء نصف النصيبين ؛ لعلمهم بعدم تيسّر معرفة هذه العلامة لغيرهم، ومن هنا ظنّ بعض الناس مخالفة هذه العلامة للحسّ، مدّعياً أنّه اختبر ذلك غير مرّة فلم يتحقّقها ؛ بل قيل: إنّ أهل التشريح يدّعون التساوي بين الرجل والمرأة بالأضلاع. إلاّ أنّه كما ترى بعد الرواية الصحيحة...

أقول : الطبّ الحديث قادر على الجواب الدقيق، فإذا أثبت التساوي بينهما فلا يعمل بالأمارة المذكورة، وحيث إنّ ذيل الرواية يجعلها غير قابلة لاختصاصها بموردها، فترّد إلى مَن صدر عنه.

٤ - صحيح هشام بن سالم - المروي في الكافي - عن الصادقعليه‌السلام : قلت له: المولود يولد له ما للرجال وللنساء ؟ قال: يورث من حيث سبق ( يسبق خ ل ) بوله، فإن خرج منهما سواء فمن حيث ينبعث(٤) ، فإن كانا

___________________

=

الحديث يدلّ على جواز النظر، ولمس البدن في أمثال المقام. واعلم أن ذيل الحديث يشمل فاقد العورتين أيضاً.

(١و٢و٣) ص٢٨٤ ج٣٩ من الجواهر.

(٤) وفي الجواهر ( ص٢٨١ ج٣٩ ) نعم عن بعض النسخ ينبت بمعنى ينقطع. ثمّ

=

٢٦٩

سواء، ورث ميراث الرجال والنساء(١) .

أقول : يُقيّد إطلاقه بغيره جمعاً، كما هو كذلك في تاليه.

٥ - في موثّق إسحاق بن عمّار، عن جعفر بن محمّد، عن أبيهعليه‌السلام :

( إنّ عليّاً -عليه‌السلام - كان يقول: الخنثى يورث من حيث يبول، فإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق البول ورث منه، فإنْ مات ولم يبل فنصف عقل المرأة ونصف عقل الرجل )(٢) .

أقول : فسّر صاحب الجواهر العقل بالميراث، وهو غير بعيد وعلى كلٍّ ظاهر الحديث - وهو عن عليٍّعليه‌السلام - ينفي عدد الأضلاع أمارة على تعيين الجنس.

٦ - صحيح عبد الله بن مسكان - المروي في التهذيب - عن إسحاق المرادي، قال: سئل وأنا عنده - يعني أبا عبد اللهعليه‌السلام - عن مولودٍ ليس بذكرٍ ولا أُنثى ليس له إلاّ دبر، كيف يورث؟

قال: ( يجلس الإمام ويجلس معه أُناس، ويدعو الله ويجيل السهام على أيّ ميراث يورثه، ميراث الذكر أم ميراث الأُنثى، فأيّ ذلك خرج ورث عليه. ثمّ قال: وأيّ قضيّةٍ أعدل من قضيّةٍ يُجال عليها بالسهام ؟ إنّ الله عزّ وجلّ يقول:( فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) )(٣) .

أقول : وقريب منه معتبرة ثعلبة، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

والظاهر اتّحاد الروايتين.

ثمّ إنْ كان قوله ( سئل ) مبنيّاً للفاعل ورجع الضمير إلى إسحاق فالسند

___________________

=

البعث إمّا بمعنى الثوران والقوّة والكثرة، وإمّا بمعنى الاسترسال كما في القاموس: بعثه كمنعه أرسله فانبعث لاحظ ص٢٧٩ نفس المصدر أيضاً.

(١) جامع الأحاديث ج٢٤ ص٤٩٦.

(٢) المصدر ص٤٩٧.

(٣) المصدر ٤٩٩.

٢٧٠

مُعْتَبرٌ مطلقاً، وإن كان مبنيّاً للمفعول ونائب فاعله الإمامعليه‌السلام يسقط الحديث عن الاعتبار لجهالة إسحاق المرادي، والعبارة إنْ لم تكن ظاهرة في الثاني - لا أقل - من إجمالها الموجب لعدم اعتبارها.

هذا، وروى الشيخرحمه‌الله في تهذيبه ( ج٩ ص٣٥٧ ) بسنده عن علي بن الحسن بن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، قال: سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام وأنا عنده عن مولود. بتفاوت ما. والظاهر وحدة الحديث، وهذا السند يعين الوجه الأوّل، فيصبح السند معتبراً.

واحتمال حذف كلمة إسحاق المرادي ( الفزاري ) عن هذا السند خلاف الظاهر، فتأمّل جيّداً.

واعلم أنّ في صحّة طريق الشيخ إلى علي بن الحسن كلام طويل جدّاً، ذكرناه في كتابنا(بحوث في علم الرجال ) - الطبعة الثالثة - في شرح مشيخة التهذيبين.

٧ - صحيح الفضيل بن يسار ( المروي في الكتب الأربعة وغيرها ) قال: سألت أبا عبد الله عن مولودٍ ليس له ما للرجال ولا ( وليس ) له ما للنساء، قال: ( ( هذا ) يقرع الإمام ( أو المقرع ) به ( عليه ) يكتب على سهمٍ عبد الله و ( يكتب ) على سهمٍ ( آخر ) أمَة الله، ثمّ يقول الإمام: اللّهم أنت الله لا إله إلاّ أنت عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون: بيِّن لنا أمر هذا المولود كيف ( حتّى ) يورث ما فرضت له في الكتاب. ثمّ يُطرح السهمان في سهامٍ مُبْهمة، ثمّ تُجال السهام على ما ( أيّهما ) خرج ورثه عليه )(١) .

___________________

(١) أشرنا أنّ كلّ هذه الأحاديث السبعة نقلناها من ٤٨٧ إلى ص٥٠١ ج٢٤ جامع الأحاديث.

٢٧١

أقول : الحديثان الأخيران: يبيّنان حكم نوع آخر من الخنثى، ولا يمكن تمييزه بالاحتلام والحيض، كما يمكن بإنبات اللّحية وظهور الثدي، واختلاف الأضلاع وتساويها - بناءً على اعتباره - والظاهر أنّ عدم بيانها من الإمام من أجل عدم إمكان الانتظار سنين متمادية، ولا مؤمن على حفظ حقّه أي الميراث، فأرجع رفع مشكلته إلى القرعة.

( الأمر الثاني ) : مدلول الأحاديث: أنّ لتمييز الذكر والأُنثى في الفرد الخنثى الذي له آلة الرجل وفرج المرأة علامات:

أوّلها : الحيض، وظهور الثدي، والاحتلام، وهذه الثلاثة مقدّمة على غيرها في مقام التمييز إذا أمكنت بالفعل، أو بالانتظار الميسور غير الطويل.

ثانيها : المبال، فإنْ بال من الفرج فهو أُنثى، وإن بال من الذكر فهو ذكر، وإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق البول، فإنْ تساويا في السبق فمن حيث ينبعث على إشكال في معنى الانبعاث، وضبطه كما مرّ في الحاشية السابقة.

ثالثها : تساوي الأضلاع واختلافها، على إشكال فيه، وقد سبق، وعلى فرض اعتباره فالأظهر تساوي هذه العلامة مع السابقتين، وإن كان الأحوط تقدّم الأُولى عليه بل الثانية أيضاً.

وأمّا فاقد العورتين فيتميّز بالقرعة، ويحتمل تمييزه بإنبات اللّحية، وظهور الثديين وإن لم يرد بهما نصٌّ فيه.

وعلى ضوء ما ذكرنا لا يبقى الخنثى مشكلاً، أمّا في فاقد العورتين فإنّ ما يرفع الإشكال عنه هي القرعة.

وأمّا في واجد العورتين فمورد الإشكال فيه مَن لم يتميّز بالمبال، وسبق البول وانبعاثه، وبالحيض، وظهور الثدي، والاحتلام، والعلامات غير المنصوصة كإنبات اللّحية، ونحوها ممّا

٢٧٢

يوجب الاطمئنان بالجنس، فإذا قلنا بجريان القرعة للروايات العامّة - منها رواية ابن مسكان المتقدّمة - كما هو الأرجح فلا يبقى للخنثى المشكل مصداقاً، نعم الأحوط لزوماً في مورد موثقة إسحاق بن عمّار: الاقتصار على ما فيها من إعطاء نصف ميراث الرجال ونصف ميراث النساء.

وأمّا في غير الميراث فيرجع إلى القرعة، فإنْ صحّ ما قلنا فتزيل العقبة أمام تزويجه وتزوّجه، وسائر أحكام أحد الجنسين عليه الخاصّة به، والله أعلم.

ثمّ إنْ دخل الطفل الواجد للعورتين في أحد الصنفين بعملية طبّيّة، فإن صار واجداً لجميع أوصاف ذاك الصنف فهو محكوم بأحكامه، حتّى في الميراث، وهكذا غير الطفل، وإنْ بقي فيه بعض صفات الأُنثى ففيه إشكال.

وهل لوليّ الطفل حقٌّ في تغييره إلى أحد الجنسين ؟ فيه بحث وكلام.

( والأمر الثالث ) : نظر الفقهاء ( رض ) في ذلك:

قال المحقّقرحمه‌الله في الشرائع:

( مَن له فرج الرجال والنساء يرث على الفرج الذي ) يبول(١) منه... بل الإجماع بقسميه عليه... فإن بال منهما فمِن حيث ( يسبق منه البول ) بلا خلاف محقّق أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه أيضاً... ( فإنْ جاء منهما ) دفعةً ( اعتُبر الذي ينقطع أخيراً فيورث عليه ) إجماعاً في محكيّ السرائر والتحرير والمفاتيح وظاهر الغُنْية والخلاف، بل وكتاب الأعلام للمفيد(٢) . ( فإن) كانت مشكلاً بأن كان المخرجان قد ( تساويا في السبق - والتأخّر - خ ) قال في الخلاف ( يعمل

___________________

(١) الجملات الخارجيّة عن الهلالين من كلام صاحب الجواهررحمه‌الله .

(٢) المخالفون في المقام هم: القاضي والصدوق والاسكافي والمرتضى، فلاحظ كلامهم في الجواهر.

٢٧٣

بالقرعة ) محتجّاً بالأخبار والإجماع، وقال في النهاية والإيجاز والمبسوط: ( نصف ميراث رجل ونصف ميراث امرأة )... بل هو المشهور نقلاً وتحصيلاً، بل عن الغُنْية الإجماع عليه ( وقال المفيد -رحمه‌الله - والمرتضى -رحمه‌الله - تُعد أضلاعه فإن استوى فهو امرأة وإن اختلفا فهو ذكر، وهي رواية شريح القاضي حكايةً لفعل عليعليه‌السلام واحتجّا(١) بالإجماع ) مع ذلك ( والرواية ضعيفة والإجماع لم نتحقّقه(٢) ).

( وقال الشيخ في محكيّ مبسوطه: ولو كان الخنثى زوجاً، أو زوجة، كان له نصف ميراث الزوج، ونصف ميراث الزوجة ).

أقول : يظهر من هذا الكلام صحّة زواج الخنثى المشكل عند الشيخ الطوسيقدس‌سره وإنْ قال صاحب الجواهرقدس‌سره : لكن فيه أنّ المعلوم عدم جوازه نكاح الخنثى المشكل لأصالة حرمة الوطء.

ثمّ قال: ( مَن ليس له فرج الرجال والنساء يورث بالقرعة ) عند المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل عن السرائر وظاهر الغُنْية والتنقيح الإجماع عليه(٣) .

خاتمة

اشتهر البحث في لسان أهل العلم من أنّ الخنثى المشكل جنس ثالث، أو هو داخل في أحد الجنسين ؟

ومعنى الثاني: أنّه لا يخلو في الواقع إمّا أن يكون ذكراً أو أُنثى.

قال في الجواهر ( ج٣٩ ص٢٧٧ ): لعدم الواسطة على الظاهر من

___________________

(١) أي المفيد والمرتضى، وكذلك الحلِّي في السرائر كما في الجواهر.

(٢) وخالف صاحب الجواهر المحقّق واعترض عليه في تضعيفه الرواية والإجماع.

(٣) ص٢٩٤ ج٣٩ من الجواهر.

٢٧٤

تقسيم الإنسان، بل مطلق الحيوان إلى الذكر والأُنثى، في جميع الأصناف، في الكتاب والسنّة على وجهٍ لا يُستطاع إنكاره، لكنّ احتمال نظارة ما في الكتاب والسنّة إلى الأغلبيّة، بل الغالبيّة العظمى، قائمٌ لا دافع له، وأمّا وجود الخنثى أو خنثى المشكل في الحيوانات فلا علم لنا، ولم أر ولم أسمع من علماء العلوم الحديثة فيه شيئاً أصلاً، وهو سؤال يعجبني جوابه.

وبناءً على ما رجّحنا من جريان القرعة في واجد العورتين، لا يبقى مصداقاً للخنثى المشكل بحسب التعبّد الشرعي، أي السلوك الفقهي، وأمّا بحسب ما نقلناه عن الطبيب الثاني، أنّ الخنثى المشكل جنس ثالث مركّب من الجنسين.

لكن المتأمّل في مجموع كلام الطبيبين السابق، يقتنع بأنّ جواب هذا السؤال مبنيٌّ على تعريفٍ دقيقٍ علميٍّ لجنس الذكر ولجنس الأُنثى، فهنالك يتبيّن حال مصاديق الخنثى المختلفة، وأنّهم داخلون في أحد الجنسين، أو يبقى بعضهم خارجاً عنهما، فيكون مشكلاً أو حقيقيّاً كما في تعبير بعض الأطبّاء.

لكنّ الكلام في صحّة هذا التعريف بعدما سبق كلامهم - وإن كان ناقصاً - في الدرجات والمستويات الجنسيّة، ولا أظنّ طبيباً يثبت صحّة تعريفه في قِبَال مَن خالفه، وذكر تعريفاً مغايراً له.

فالجواب المتعيّن عاجلاً عندي - ولست من الأطبّاء بل ولا من الفقهاء - أنّ مَن فيه خنوثة داخل في أحد الجنسين على بعض التعاريف والوجوه، وداخل في الجنس الآخر على بعض التعريفات الأُخر، وربّما لا يبقى خنثى مشكل على بعض الوجوه، والله العالم.

والنتيجة أنّ هذا السؤال ( هل الخنثى المشكل جنس مستقل أو داخل في أحد الجنسين ) جوابه مبني على الاصطلاحات، ولا مشاحّة في الاصطلاح.

٢٧٥

المسألة الثانية والثلاثون

نصب الأجهزة التعويضية لعلاج الضعف الجنسي

إليكم ما نشرته يوميّة الوطن ذيل هذا العنوان

القاهرة - الوطن

أخيراً تمّ اكتشاف علاج أكيد وفعّال للضعف الجنسي... العلاج الجديد: عبارة عن أجهزة تعويضيّة يتمّ تركيبها داخل جسم الرجل ؛ فتؤدّي الوظيفة المطلوبة منها دون أن تتأثّر قدرته على الإنجاب.. هذه الأجهزة تعيش مع الرجل طوال حياته دون أن تتلف، ويتمّ إدخالها للجسم بعمليّة جراحيّة بسيطة، لا تستغرق أكثر من ساعةٍ واحدةٍ، ويستخدمها حاليّاً آلاف الرجال في أميركا.

وفي مصر قام الدكتور أيمن محمود شكري، أخصّائي جراحة العقم والتناسل، بتركيب هذه الأجهزة لمئات المرضى ؛ فهي أتمّ علاجٍ للضّعف الجنسي، يرحم المريض من الأدوية الكيمياويّة التي لم تحقّق أيّ نتائج فعّالة حتّى الآن. أسرار هذه الأجهزة يكشفها هذا التحقيق.

الأجهزة التعويضيّة تقوم بوظيفة الدم.. ولكي نفهم ذلك، يجب أن نعرف كيف تتمّ عمليّة الانتصاب أساساً - الكلام للدكتور أيمن محمود شكري الطبيب الوحيد الذي يقوم بتركيب هذه الأجهزة - يقول: إنّ الانتصاب يتمّ عندما تكون لدى الإنسان رغبة أساساً ؛ فيعطي المخّ إشارةً للدم لكي يتدفّق الجسم الكهفي الموجود في العضو التناسلي الذكري، وبعد

٢٧٦

ذلك تقوم الأوردة بحبس هذا الدم داخل العضو فتحدث عمليّة الانتصاب.

فإذا حدث أيّ عطل في الأعصاب الموصلة بين المخ والجهاز التناسلي، أو في شرايين العضو الذكري، أو في الأوردة، لا تحدث عمليّة الانتصاب بصورةٍ كاملةٍ وفعّالةٍ، وهو ما نطلق عليه: الضعف الجنسي.. قد نُعالج هذا الضعف من خلال عمليّة جراحيّة لتوسيع الشرايين، أو ربط الأوردة، ولكنّ هذه العمليّة صعبة جدّاً، ولا تتعدّى نسبة نجاحها٤٠ % تقريباً.. كما أنّ هناك نوعيّة معيّنة من الناس، لا يمكن إجراء عمليّات جراحيّة معقّدة لهم، مثل: مرضى السكّر، والقلب، والفشل الكلوي.. وبصفةٍ عامّةٍ، كان تركيب الأجهزة التعويضيّة أكثر أماناً وفاعليّة لمعظم مرضى الضعف الجنسي.

يضيف أخصّائي الأجهزة التعويضيّة: أنّ هذه الأجهزة تقوم بدور الدم الذي يتدفّق داخل الجسم الكهفي للعضو الذكري، فإذا لم يتدفّق بشكلٍ كافٍ بسبب عطل في الشرايين، أو يتسرب سريعاً بسبب عطل في الأوردة فيمكن تركيب الأجهزة التعويضيّة.. هذه الأجهزة نقوم بإدخالها إلى الجسم الكهفي لتجعل العضو منتصباً، ويستطيع المريض بفضلها ممارسة العمليّة الجنسيّة في أيّ وقت.

ويعتبر ف. د أيمن شكري بأنّ فكرة الأجهزة التعويضيّة قديمة جدّاً.. بدأت عام ١٩٢٦ على يد الطبيب الأميركي ( بوجوراسي ) الذي زرع أحد ضلوع القفص الصدري داخل جسم العضو الذكري.. ثمّ كان الطبيب المصري ( البحيري ) هو أوّل من زرع هذه الأجهزة التعويضيّة داخل الجسم الكهفي للعضو الذكري، ولكنّها كانت صلبةً في ذلك الوقت، ممّا كان يجعل الشكل العام غير مقبول ؛ حيث يظلّ العضو منتصباً مدى الحياة. ومنذ

٢٧٧

السبعينات حدث تطوّرٌ كبيرٌ في هذه الأجهزة، جعلها العلاج الأكيد والفعّال حاليّاً للضعف الجنسي - ذلك المرض الذي يعذّب صاحبه يوميّاً، والذي حار فيه ومعه الأطبّاء والعلماء - ويوجد من هذه الأجهزة نوعان.. النوع الأوّل: هو القابل للتمدّد، والثاني: القابل للانثناء.

أمّا النوع الأوّل: فيتكوّن من أُنبوبتين ومضخّة، يتمّ تركيب الأُنبوبتين في الجسم الكهفي، بينما تُوضع المضخّة داخل الكيس الذي يحمي الخصيتين، وعندما يرغب الرجل يضغط على المضخّة فتتمدّد الأنابيب.. وحينما ينتهي من الممارسة يستطيع الضغط على المضخّة مرّةً أُخرى فتنكمش الأنابيب. وميزة هذا الجهاز هي: أنّه يجعل العضو الذكري يبدو لو كان طبيعيّاً ومشكلته تكمن في ارتفاع ثمنه.

النوع الثاني: هو القابل للانثناء.. وهو يتيح ممارسة طبيعيّة جدّاً.. كما أنّه أرخص كثيراً من النوع الأوّل، وتركيبه يتمّ بسهولةٍ أكثر، ولكنّ مشكلته أنّه يجعل العضو كبيراً بصفةٍ مستمرّةٍ.. ولذلك يمكن التغلّب على هذا الحجم الكبير بثني القضيب إلى أسفل أو إلى أعلى، وعند الممارسة تجعل وضعه أفقيّاً.

ويوضّح د. أيمن شكري السبب الأساسي في عدم انتشار الأجهزة التعويضيّة كعلاج للضعف الجنسي يكمن في عدم توافر أخصّائيين في هذا المجال داخل العالم العربي.. فالمشكلة أن الضعف الجنسي مجال أساسي ( للدجل الطبّي ).. والثابت أنّ معظم الأطبّاء الذين يعملون في هذا المجال ليس لديهم شهادات عليا في هذا التخصّص، وقد عملوا به ؛ لأنّه يحقّق أرباحاً مادّيّة كبيرة، مقارنةً بالتخصّصات الطبّيّة الأُخرى.. وفي حالة توافر الأخصّائيين سوف تنتشر الأجهزة التعويضيّة دون شكّ كعلاجٍ للضّعف

٢٧٨

الجنسي..

وهناك سبب آخر، يحول دون انتشارها، وهو: عدم معرفة الناس بطبيعة هذه الأجهزة، حيث يخاف معظم المرضى من خوض هذه التجربة.

يواصل أخصّائي جراحة التناسل أنّ نسبة نجاح عمليّة تركيب الأجهزة التعويضية تصل إلى ١٠٠% فهي عمليّة بسيطة وسهلة، لا يستغرق إتمامها أكثر من ساعة.. يتمّ خلال العمليّة استخدام أُسلوب التخدير النصفي للمريض، بمعنى أنّه يستطيع متابعة ما يحدث له خلال تركيب الجهاز.. ومثل هذه العمليّة هي الوحيدة من نوعها في العالَم التي يرى المريض نتائجها بنفسه أوّلاً بأوّل، ممّا يجعله يحسّ بالراحة والطمأنينة، ويشعر أن مشكلته قد انتهت إلى الأبد، وعادت إليه مرّةً أُخرى فحولته المفقودة.

والظاهر جواز هذه العمليّة من نظر الفقه، وعدم المانع فيه، سوى رؤية العورة ومسّها، وقد مرّ الكلام حولهما مفصّلاً ومكرّراً، فإن لم يكن له حرج ؛ فلا تجوز العمليّة إلاّ إذا كان المباشر طبيبة عقدها الرجل المريض - ولو عقداً مؤقتاً - وأمّا إذا كان بقاء المريض على حاله مستلزماً للحرج الشديد ؛ فلا تحرم العمليّة المذكورة عليه وعلى الطبيب.

٢٧٩

المسألة الثالثة والثلاثون

زراعة الخلايا والأنسجة داخل المخّ

١ - هل هناك ما يُسمّى بزراعة المخّ ؟

أمّا وقد تمّ الآن زراعة كلّ شيءٍ بشريٍّ في جسم الإنسان تقريباً، من أطراف كالأيدي والأرجل، ومن أعضاء كالقلب والكبد والرئة.. ( والكلية )، فإنّه لم يبق ما لم يُزرع إلاّ المخّ.

إنّنا نعرف أنّه من مبادئ علم زراعة الأعضاء، أنّ العضو الذي يُنقل للزراعة، لابُدّ أن يكون عضواً حيّاً سليماً لنقله مكان عضوٍ تلف وأشرف صاحبه على الوفاة، ونحن نعلم - أيضاً - أنّ وفاة الإنسان تكون لتلف مخّه، واستئصال مخٍّ سليمٍ من شخصٍ ما، هو قتل له، فتكون الترجمة الحرفيّة لهذا العمل هو ( قتل إنسان لنقل مخّه لإنسان توفّى فعلاً ).

فالإنسان الحيّ هو الذي يملك مخّاً حيّاً مهما تلفت بعض أعضاء جسمه ؛ لأنّ أيّها يمكن تعويضه بطريقة أو أُخرى، فمثلاً: الكلى يمكن الاستعاضة عنها بالكلى الصناعيّة، أو بنقل كلى حيّة من متبرِّع، ولا يمكن أنْ يقال: نفس الشيء عن المخ ؛ لأنّ الذي توفّى بتلف مخّه لا يمكن لبشرٍ أن يبعثه بأن ينقل مخّ حيٍّ إليه.

إنّ ما يُقال عن نقل المخّ ما هو إلاّ من قبيل الخيال العلميّ، وعلى الفرض الجدلي: إذا أمكن نقل مخّ إنسانٍ حيٍّ إلى إنسانٍ متوفّى، ففي هذه الحالة يُقال: إنّ جسد المتوفّى قد نُقل إلى المخّ وليس العكس(١) .

___________________

(١) ص٥٥ وص٥٦، رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

المخالفين لأنّه منصب الهيّ وكمال نفسانيّ ودرجة وهيبة

وما قيل من أنّ الولاية بمنزلة الحليلة للأئمّة واغتصبها المغتصبون منهم فتزوّجها فالنواصب أبناء هذه البغيّة ونزّلوا أخبار خبث مولد النواصب هذا التنزيل وقالوا : إنّ الزوج الشرعي للولاية هم الأئمّةعليهم‌السلام وقد عقد الله هذا الزواج في السماء

وهذا حديث باطل ومردود وهو أدنى من كلام المبرسمين أصحاب الماليخوليا ، والأولى أن ندعوه هذيان القلم ، وأكثر من هذا لا يستحقّ من عناية العلماء لردّه ولا يتّسق مع سابقة العلماء وشئوناتهم العلميّة ورتب أهل الفضل كما قال الحكماء :

از سخن پُر در من هم چون صدف هر گوش را

قفل گوهر ساز ياقوت زمر پوش را

در جواب هر سؤالى حاجت گفتار نيست

چشم بينا عذر مى خواهد لب خاموش را

لا تجعلنّ كلّ قول مثل جوهرة

تقرط الأُذن فيها كي تحلّيها

أبعد عن العين بالأقفال جوهرة

فإنّ حقّ يتيم الدرّ تخفيها

ولا تجيبنّ يوماً كلّ مسألة

إطباق كلّ شفاه عذرها فيها

ومن الأشعار التي أنشدها الإمام الرضاعليه‌السلام في حضرة المأمون ونسبه إلى بعض فتيان آل عبد المطّلب كما ورد في العيون هذان البيتان :

وإذا ابتليت بجاهل متكلّف

يجد المحال من الأُمور صوابا

أوليته منّي السكوت وربّما

كان السكوت عن الجواب جوابا(١)

وجملة القول : إنّ هذه الفقرة من الزيارة مساوقة لفقرة الصحيفة السجاديّة

_________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ١٥٧ وفيه بدل « ابتليت » « بليت » وبدل « متكلّف » « متحكّم » ( هامش الأصل ) وفي المجلّد الأوّل منه ص ١٨٧ أربعة أبيات بدل البيتين ( المترجم )

٣٠١

وفيها يشير الإمام السجّاد إلى عيد الأضحى والجمعة وصلاة العيدين والخطبة ويقول : « اللهمّ هذا المقام لخلفائك وأصفياءك ومواضع اُمناءك في الدرجة الرفيعة التي اختصصتهم بها قد ابتزّوها »(١) وهذا الابتزاز والإزالة والدفع كلّ ذلك ناشئ عن الصدر السالف والقرن الأوّل من عدول الصحابة ، ولا تتنافى عدالتهم مع ظلم أهل البيت وإيذاء فاطمةعليها‌السلام وإحراق بيتها والخلاف مع عليّعليه‌السلام وبغض الحسنينعليهما‌السلام ، كما مرّ عليك جانب من ذلك وعسى أن نشير فيما يأتي إلى جملة اُخرى منه

بل لا يتنافى ذلك عندهم مع تغيير جميع الفروع والاُصول والأحكام وهدم أساس الشريعة المقدّسة ـ على الصادع بها ألف سلام ـ كما يظهر ذلك من الأخبار المبثوثة في مطاوي كتبهم المعتمدة واُصولهم الصحيحة

نقل السيّد المحقّق الأمين شارح الصحيفة المقدّسة من الجمع بين الصحيحين في مسند أبي الدرداء في الحديث الأوّل من أخبار البخاري : قالت اُمّ الدرداء : دخل عليّ أبو الدرداء وهو مغضب ، فقلت : ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمر محمّد شيئاً إلّا أنّهم يصلّون جميعاً(٢)

وفي الحديث الأوّل من صحيح البخاري من مسند أنس بن مالك نقل عن الزهري قال : دخلت على أنس بن مالك بدمشق وهو يبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ فقال : لا أعرض شيئاً ممّا أدركت إلّا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيّعت(٣)

وفي حديث آخر إنّه قال : ما أعرف شيئاً ممّا كان على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

_________________

(١) الصحيفة السجاديّة ، دعاء ٤٩ ( هامش الأصل ) الكاملة : ٢٨١ نشر جامعة المدرّسين ( المترجم )

(٢) صحيح البخاري ١ : ١٦٦ باب فضل صلاة الفجر في جماعة ، ط دار مطابع الشعب بمصر ( هامش الأصل )

(٣) نفسه ، باب تضييع الصلاة عن وقتها ، ص ١٤١ ( هامش الأصل )

٣٠٢

قيل : فالصلاة ؟ قال : أليس صنعتم ما صنعتم فيها(١)

وهذه شهادة صريحة من أبي الدرداء وأنس بن مالك ـ وهما من أكابر الصحابة عند أهل السنّة والجماعة ـ بأنّ أحكام الشريعة بأجمعها غيّرت ، وبدّلت أحكام الشرع الشريف عامّة ، حتّى الصلاة وهي أظهر الواجبات وأعرف الفرايض ، وجميع ما مرّ جرى على أيدي الصحابة والتابعين الذين رووا في حقّهم « خير القرون قرني ثمّ القرن الذي يليه »(٢)

وإذا كان حال القرن الأوّل والثاني بهذه المثابة فما بالك بالقرون اللاحقة والأعصار التابعة التي تتبدّل في كلّ يوم أحوالها ، وتتنزّل شئونها باعترافهم

وطبقاً للحديث سابق الذكر يمكن أن نقول :

õ خُذ جملة البلوى ودع تفصيلها õ

_________________

(١) نفسه

(٢) عمران بن حصين ، عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : خيركم قرني ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ الذين يلونهم قال عمران : فما أدري قال النبيّ بعد قوله مرّتين أو ثالثاً ، ثمّ يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون ، ويخونون ولا يؤتمنون ، وينذرون ولا يفون ، ويظهر فيهم السمن

وفي خبر آخر : خير الناس قرني ثمّ الذين يلونهم ، ثمّ يجيء من بعدهم قوم تسبق شهادتهم إيمانهم ، وإيمانهم شهادتهم [ صحيح البخاري ، ٨ : ١١٣ باب ما يحذر من زهرة الدنيا والتنافس فيها ، ط دار ومطابع الشعب بمصر ] ( هامش الأصل )

٣٠٣

وَلَعَنَ اللهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتالِكُمْ

الشرح : التمهيد مأخوذ من المهاد بمعنى البساط والفراش أو من العهد بمعنى سرير الطفل ، وكلاهما عائد إلى أصل واحد ونصّ في أساس البلاغة على أنّ التمهيد معناه التوطئة وتسهيل الأمر والإصلاح ، والمراد في أمثال هذه الوقائع وتمهيد العذر من المعاني المجازيّة ، ومعناه بسطه وتهيئة قبوله

والباء في « بالتمكين » للسببيّة على الظاهر والتمكين بمعنى الإقدار ، والظاهر أنّ اشتقاق المكان منه بحسب اللفظ ، وأمّا بحسب المعنى فاشتقاقه من الكون

القتال : بمعنى القتل والذبح والحرب

والمقصود من الممهّدين هم الأوائل الذين سهّلوا السبيل ووطّئوا الاُمور ، وهيّئوا أسباب الظلم ، لأنّه لولاهم وما ارتكبوه من السلوك الوحشي الخشن مع أهل البيت لما جرأ الأواخر على ظلمهم بتلك القسوة المعهودة

وهذا أصحّ الوجوه في تفسير الفقرة المعروفة « المقتول في يوم الجمعة أو الاثنين »(١)

_________________

(١) كما في البحار ٤٤ : ١٩٩ و ٢٠١

وعن عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام : يوم الاثنين يوم نحس قبض الله عزّ وجلّ نبيّه ، وما اُصيب آل محمّد إلّا يوم الاثنين [ الكافي ، باب صوم عرفة وعاشوراء ؛ بحار الأنوار ٤٥ : ٩٤ ] وتأتي هذه الرواية بتفصيلها ذيل « اللهمّ إنّ هذا يوم تبرّكت به بنو اُميّة »

مروج الذهب : وسُمعت في جنازته ( الإمام أبي الحسن الهاديعليه‌السلام ) سوداء وهي تقول : ماذا لقينا من يوم الاثنين [ بحار الأنوار ٥٠ : ٢٠٧ ]

ولنعم ما قيل : « ما قُتل الحسين إلّا في يوم السقيفة » فلعنة الله على من أسّس أساس الظلم والجور على أهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين [ بحار الأنوار ٤٥ : ٣٣٨ ]

٣٠٤

لأنّ يوم السقيفة حدث في يوم الاثنين ، وقد أجاد الشاعر المفلّق الحاج هاشم الكعبي حيث قال :

تا الله ما سيف شمر نال منك ولا

يدا سنان وإن جلّ الذي ارتكبوا

لولا الذي أغضبوا ربّ العُلى وأبوا

نصّ الولا ولحقّ المصطفى غصبوا

أصابك النفر الماضي بما ابتدعوا

وما المسبّب لو لم ينجح السبب

ولا تزال خيول الحقد كامنة

حتّى إذا أبصروها فرصة وثبوا

فادرك الكلّ ما قد كان يطلبه

والقصد يدرك لمّا يمكن الطلب

كفُّ بها اُمّك الزهراء قد ضربوا

هي التي اُختك الحورا بها سلبوا

وإن نار وغىً صاليت جمرتها

كانت لها كفّ ذاك البغي تحتطب

وليبك يومك من يبكيك يوم غدوا

بالصنوا قوداً وبنت المصطفى ضربوا

والله ما كربلا لو لا السقيفة والإحياء

تدري(١) ولا لا النار ما الحطب

وورد في كثير من الأخبار لعن قاتلي سيّد الشهداء ومقاتليه ، ولعلّنا نشير إلى جانب منه فيما يأتي ونكتفي هنا بذكر حديث واحد ليقوم بأداء حقّ هذا العنوان ،

_________________

ولنعم ما نقله عليّ بن عيسى عن بعض الأصحاب عن القاضي أبي بكر بن أبي قريعة في ضمن أبياتٍ له :

وأريتكم أنّ الحسين

اُصيب في يوم السقيفه

ولأيّ حالٍ اُلحدت

بالليل فاطمة الشريفه

ولما حمت شيخيكم

عن وطي حجرتها المنيفه

أوّه لبنت محمّد

ماتت بغصّتها أسيفه

فوالله لا أنسى زينب بنت عليّعليهما‌السلام وهي تندب وتنادي بصوت حزين وقلب كئيب : وا محمّداه ! صلّى عليك مليك السماء وهذا حسين محزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرداء ، بأبي من عسكره في يوم الاثنين نهبا بأبي من فساط مقطّع العُرى . [ بحار الأنوار ٤٥ : ٥٩ ]

(١) جاء في الكتاب « تعلم » ولا يستقيم بها الوزن فاستبدلنا بها « تدري » لأنّي أحفظها هكذا

٣٠٥

ولئلّا تخلو هذه المقولة من هذه الأخبار من رأس

وفي تفسير الإمام الحسن العسكري :( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ ) (١) نزلت في اليهود ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا نزلت هذه الآية في هؤلاء اليهود الذين نقضوا عهد الله وكذّبوا رسل الله وقتلوا أولياء الله : أفلا اُنبّئكم بمن يضاهيهم من يهود هذه الاُمّة ؟ قالوا : بلى يا رسول الله قال : قومٌ من اُمّتي ينتحلون بأنّهم أهل ملّتي ، يقتلون أفاضل ذرّيّتي وأطائب اُرومتي ، ويبدّلون شريعتي وسنّتي ، ويقتلون ولدي الحسن والحسين كما قتل أسلاف هؤلاء اليهود زكريّا ويحيى

ألا وإنّ الله يلعنهم كما لعنهم ، ويبعث على بقايا ذراريهم يوم القيامة هادياً مهديّاً من ولد الحسين المظلوم يحرقهم بسيوف أوليائه إلى نار جهنّم

ألا ولعن الله قتلة الحسين ومحبّيهم وناصريهم والساكتين عن لعنهم من غير تقيّة تسكتهم

ألا وصلّى الله على الباكين على الحسين بن عليّعليهما‌السلام رحمة وشفقة ، واللاعنين لأعدائهم والممتلئين عليهم غيظاً وحنقاً

ألا وإنّ الراضين بقتل الحسينعليه‌السلام شركاء قتله

ألا وإنّ قتلته وأعوانهم وأشياعهم ، والمتقدّمين بهم برآء من دين الله

ألا إنّ الله ليأمر الملائكة المقرّبين أن يتلقّوا دموعهم المصبوبة لقتل الحسينعليه‌السلام إلى الخزّان في الجنان فيمزجونها بماء الحيوان فيزيد في عذوبتها وطيبها ألف ضعفها ، وإنّ الملائكة ليتلقّون دموع الفرحين الضاحكين لقتل الحسينعليه‌السلام ويلقونها في ألهاوية ويمزجونها بحميمها وصديدها وغسّاقها وغسلينها فتزيد في شدّة حرارتها وعظيم عذابها ألف ضعفها ، يشدّد بها على

_________________

(١) البقرة : ٨٤

٣٠٦

المنقولين إليها من أعداء آل محمّد عذابهم(١)

اللهمّ اجر دموعنا في مصاب الحسين ، ووفّقنا للعن قتلته من الأوّلين والآخرين ، اللهمّ العنهم لعناً وبيلاً ، وعذّبهم عذاباً أليماً لا تعذّب به أحداً من خلقك ، وصلّ على محمّد وآله الطاهرين من اليوم إلى يوم الدين

_________________

(١) تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ٣٦٧ ط اُولى ١٤٠٩ مهر ـ قم المقدّسة ( المترجم ) تفسير الإمام العسكريعليه‌السلام : ١٤٨ ، بحار الأنوار ٤٤ : ٣٠٤ رقم ١٧ ( هامش الأصل )

٣٠٧

بَرِئْتُ إِلَىٰ اللهِ وَإِلَيْكُمْ مِنْهُمْ وَمِنْ أَشْياعِهِمْ وَأَتْباعِهِمْ وَأَوْلِيائِهِمْ(١)

برء : من باب سمع أي فارق ، والتبرّي بمعنى المفارقة ، وهذا المعنى مأخوذ من كتب الأدب من قبيل منتهى الإرب وتاج المصادر ، وترجمة القزويني على القاموس ، ولم تبيّن الكتب العربيّة حقيقة معنى البرائة ، وبرأ من مرضه أي تنق وعوفي ، وبرأ من دينه أي سقط عنه طلبه ، وكلا المعنيين مأخوذ من المعنى المتقدّم

وفي تفسير مجمع البيان ومفاتيح الغيب لابن الخطيب الرازي فسّر البرائة بانقطاع العصمة ، وهذا تفسير باللازم

وبعض المنتسبين إلى العلم فسّروا البرائة بالامتناع ، وبعد التتبّع والفحص الكامل لم نجد وجهاً لهذا التفسير

وسبب تعدّيته بـ « إلى » كان لإشرابه معنى توجّه أو تعطّف ، لأنّ المتبرّء من واحد متقرّب إلى الآخر ، إذ المتبرّء حين يدبر عنه يقبل على غيره فيثير حنقه بمحبّة غيره ورعاية قربه ، ولعلّ هذا المعنى هو الذي صحّح دخول « إلى » على هذا الطرف

والضمير في « منهم » راجع إلى جميع الطوائف المذكورة المراد من هذه الصفات أولئك الذين لهم المدخليّة التامّة في ذلك الأمر حيث استندت إليهم الأفعال ممّا جرى على الحسينعليه‌السلام بنحو من الأنحاء لينفى عنهم عنوان الأشياع والأتباع وينطبق عليهم عنوان مستقلّ آخر

تبع تباعاً وتِباعاً : اقتفى أثر فلان ، وتبع وزان فرس بمعنى تابع ، ويطلق على

_________________

(١) الصحيح من أشياعهم وأتباعهم وغفلةً من المؤلّف أو الناسخ حدث التقديم والتأخير ( هامش الأصل )

٣٠٨

المفرد والجمع مثل :( إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا ) (١) وجمع أتباع ، وتباعة ، وإن كان يطلق على المشي الظاهر ولكنّه من جهة التوسّع في الإطلاق يتناول المعنوي أيضاً وفي هذا السياق يوجد حديث مبنى على ذوق أهل المعرفة وليس هذا المقام موضع بيانه

الشيعة : عبارة عن الأنصار والأتباع ، صرّح بذلك في المصباح وغيره ، واشتقاقه من المشايعة ومعناها المتابعة والنصرة ، وهو مأخوذ من التشييع والمشايعة بمعنى المصاحبة للتعظيم ، كما يستعمل في معنى مشايعة الموتى وتشييعهم ، وكلا الحقيقتين مأخوذ من الشيوع بمعنى الظهور لأنّ في لفظ : مشيّع ومشايع يتبادر الميّت والضيف إلى الذهن وبه يتعالى اسمه ويشيع شرفه

ومجمل القول : جمع الشيعة شيعٍ ، وجمع الشيع أشياع ، وقد ارتكب الفيروزآبادي في القاموس خطأً حين اعتبر الأشياع والشيع كلاهما جمع التشيّع ، لأنّ قياس العربيّة لا يسمع بجمع « فعله » على « أفعال » وصرّح بما قلناه الفيّومي في المصباح

الولي : مأخوذ من ولي ومعناه الحقيقي القرب ، ويستعمل في القرابة النسبيّة والقرب الروحاني وهو المحبّة ، ويستعمل أيضاً في قرب الإحاطة وهو الرئاسة

واعلم أنّ رعاية الصحّة تتمّ في أمرين :

الأمر الأوّل : التنقية وهي دفع الفضلات والأخلاط الفاسدة

والأمر الثاني : التقوية وهي حفظ البنية وبقاء المزاج الذي هو الصورة الخامسة الحاصلة من تفاعل الكيفيّات الأربع ، المتداعية بالانفكاك والانفصال

كما أنّ حصول الكمال الإنساني والترقّي النفساني في السلوك الأخلاقي بأمرين :

_________________

(١) إبراهيم : ٢١

٣٠٩

أحدهما : دفع الرذائل من قبيل الحسد واللؤم والقساوة وحبّ الجاه

وثانيهما : كسب الفضائل من جنس العفو والسماح ورقّة القلب والإعراض عن الخلق

ومثله الإيمان وهو مصحّح جميع الأعمال وميزان كلّ كمال مركّب كذلك من جزئين :

الأوّل : البرائة من أعداء الله

والثاني : محبّة الله وأوليائه

وهذا المعنى مضافاً إلى ما جاء في سرده وتوضيحه من الكتاب والسنّة فإنّه وارد في خصوص جماعة معيّنة من طريق أهل بيت النبيّ ؛ أهل العصمة والطهارة أرواحنا لهم الفداء ، وذلك معترف به ومشهود به من جميع القلوب الصافية والنفوس الزاكية

حيث ما من عاقل نبيه يستولي عليه الوهم بالقدرة على الجمع بين محبّة إنسان ومحبّة عدوّه ، كما قال الشاعر في الحكمة الشعريّة :

تحبّ عدوّي ثمّ تزعم أنّني

صديقك إنّ الرأي منك لعازبُ

وللعقلاء أصحاب البصائر والقلوب الواعية تكفي هذه الآية المباركة التي يقول الحقّ تعالى فيها :( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّـهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَـٰئِكَ حِزْبُ اللَّـهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّـهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (١) وفي هذه الآية المباركة وردت وجوه من تأكيد المنع عن موادّة أعداء الله

_________________

(١) المجادلة : ٢٢

٣١٠

وفي الحديث المنقول عن العيون بطرق عدّة أنّ الإمام الرضاعليه‌السلام كتب إلى المأمون في حديث طويل : حبّ أولياء الله واجب وكذلك بغض أعداء الله والبرائة منهم ومن أئمّتهم ولعلّنا نشير في أثناء البحث إلى جانب منه في مقام آخر(١)

_________________

(١) عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ٢ : ١٢٢ رقم ٣٥ ما كتبه الرضاعليه‌السلام إلى المأمون في محض الإسلام وشرايع الدين ( هامش الأصل ) وفي نسختي ص ١٢٤ ( المترجم )

٣١١

يَا أَبا عبد الله إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَكُمْ ، وَحَرْبٌ لِمَنْ حارَبَكُمْ إِلىٰ يَوْمِ الْقِيامَةِ

الشرح : السلم : بمعنى المسالمة والصلح والموادعة لأنّه جاء بمعنى المسالمة والصلح كما في القاموس وغيره ، والظاهر عدم الاشتراك بل من باب استعمال المصدر بمعنى اسم الفاعل ، فإمّا أن يكون محمولاً على المبالغة أو بتقدير ذو ( اي ذو سلم ) كما صرّح بذلك الأُدباء ، وهذا المعنى وإن لم يكن قياسيّاً بل متوقّفاً على مقتضى الحال الخاصّة التي يعرفها الأديب بالممارسة ، كما صرّح بذلك الآمدي في الموازنة بين أبي تمام والبحتري ، وإن كانت الأمثلة التي استشهد بها لا تخلو من نقاش ، ولكنّ الميزان في هذا الموضع ثابت ومحقّق

ومثله الحديث في كلمة « حرب » والأظهر في رأي هذا العبد لله أنّها المعنى المصدري نفسه

ويجب أن نقول ذلك من أجل إظهار كمال المطاوعة والتوغّل في العبوديّة والمتابعة أنّا وصلنا في هذا المقام إلى درجة أصبحنا حقيقة السلم مع من سالمكم ومصداقاً واقعيّاً للحرب لمن حاربكم

اليوم : بحسب أصل اللغة من أوّل طلوع الشمس إلى غروبها ـ كما هو المشهور بين اللغويّين ـ ويطابق اصطلاح حكماء الفرس وعلماء الهيئة والحساب أو أنّه من أوّل طلوع الفجر حتّى غروب الشمس كما صرّح بذلك ابن هشام في « شرح الكعبيّة » والظاهر أنّ المعنى الثاني لليوم هو تحديد الزمن الشرعي من اليوم وليس المعنى اللغوي ، وهذا القليل البضاعة أشار تلويحاً في « منظومة ميزان الفلك » إلى هذا المعنى :

واليوم من طلوع جرم الشمس

إلى غروبها بزعم الفُرْس

كذاك في النجوم والحساب

وذاك في السنّة والكتاب

يؤخذ من طلوع فجر صادق

إلى ذهاب حمرة المشارق

٣١٢

وتفصيل هذه الجملة أنّ غاية النهار زوال الحمرة(١) كما هو المعروف من مذهب الإماميّة ، أو غروب القرص كما هو مذهب أهل السنّة ، وقال بهذا شرذمة من علماء الشيعة نظراً إلى الأخبار المحمولة على التقيّة أو أنّهم جعلوا الأخبار في القول السابقة حاكمة على الأخبار التي قال بها الشيعة لا الأقلّيّة منهم فمالوا إليها وقالوا بها ، والإفاضة بها خارجة عن منهج هذا الشرح

وأحياناً يطلق اليوم على مطلق الزمان كما صرّح به ابن هشام في شرح الكعبيّة وحكى القول به عن سيبويه واستشهد بما أثر عن القوم من قولهم : أنا اليوم أفعل كذا ، ويريدون الوقت الحاضر ، ومن هذا القبيل قولهم : تلك أيّام الهرج ، كما قال بعض شرّاح القاموس(٢)

وأكثر اللغويّين والاُدباء نصّوا على هذا المعنى واستعماله في يوم القيامة أظهر ، لأنّه مبنى على هذا المعنى غير ملحوظٍ به طلوعاً أو غروباً ، ولابدّ من أخذهما في المعنى عند الوقوف على ظواهر العبارات

وفي الحقيقة إنّنا وإن أمكننا القول عن حقيقة اليوم بأنّه مدّة ظهور الشمس في نصف الفلك المرئي ، وأخذ الطلوع والغروب في معناه للدلالة على مصاديق أفراده في الخارج ، وبناءاً على هذا يكون يوم القيامة من مصاديق المعنى الأوّل ، والله أعلم بالصواب

القيامة : مصدر قيام ظاهراً ، يقال : قام قياماً وقيامة كما نقل بعض العلماء المتبحّرين اللغويّين ، وإن لم يذكر في كثير من الكتب

_________________

(١) يجب تحديدها بالمشرقيّة وبها يعرف دخول الليل ، أمّا الحمرة المغربيّة التي تمتدّ بعد اختطاط الظلام فلا عبرة بها ( المترجم )

(٢) قال الزبيدي : وقد يراد باليوم الوقت ، ومنه الحديث : تلك أيّام الهرج أي وقته ، ولا يختصّ بالنهار دون الليل [ تاج العروس ٩ : ١١٥ ]

٣١٣

وإطلاق يوم القيامة على يوم الحشر إمّا بسبب قيام البشريّة كافّة من مضاجعها للعرض على الله تعالى ، وإمّا بسبب قيام الخلق كافّة في ساحة العدل الربّاني جلّت عظمة الله ، كما في قوله تعالى عزّ من قائل :( يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ ) (١)

وزعم بعضهم أنّ الكلمة مولّدة من السريانيّة بمعنى « قيماً » أي يوم الحشر ، وهذا غاية في البعد ، والأصحّ الأوّل

والظاهر أنّ التعبير عن يوم الجمعة بيوم القيامة نظراً لهذا المعنى ، لقيام الخطيب فيها بالخطبة أو لقيام الناس فيه كافّة بالصلوات ، أو لقيام أمر النبيّ فيه ، أو لتذكاره بأمر يوم القيامة ، والله أعلم

فائدة

في الأخبار الكثيرة المرويّة عن الفريقين أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لفاطمة وأمير المؤمنينعليهما‌السلام : حربك حربي وسلمك سلمي(٢) وكذلك قال لأهل العباعليهم‌السلام : « أنا سلم لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم » أو قريباً من هذا اللفظ ، كما أوصل الترمذي في الجامع السند إلى زيد بن أرقم : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لعليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام : أنا سلم لمن سالمتم وحرب لمن حاربتم(٣)

يتبيّن من هذا الحديث على اُصول أهل السنّة والجماعة كفر معاوية وأصحاب الجمل وأصحاب واقعة كربلاء جميعاً ، لأنّ من حارب رسول الله باتفاق الاُمّة ونصّ الكتاب والسنّة كافر ، فإذا كان محارب هذه الجماعة محارباً لرسول الله فهو كافر البتّة

_________________

(١) المطفّفين : ٦

(٢) بحار الأنوار ٤٢ : ٢٦١ وتجد ذلك أيضاً في الأجزاء التالية ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٣٢ ـ ٣٣ ـ ٣٧ ـ ٣٨ ـ ٣٩ ـ ٤٠ ـ ٦٥ ( المترجم )

(٣) اُنظر : سنن ابن ماجة القزويني ١ : ٥٢ ( المترجم ) صحيح الترمذي ، ج ٥ باب ٦١ فضل فاطمة رقم ٣٨٧٠ ( هامش الأصل )

٣١٤

وَلَعَنَ اللهُ آلَ زِيادٍ

الشرح : يمكن أن يكون الواو في مطلع الجملة للعطف ، وتكون هذه الجملة الدعائيّة معطوفة على ما سبقها من اللعائن ، وعلى هذا الوجه تكون الجملة المتضمّنة للبرائة والاستسلام والمتابعة معترضة بين العاطف والمعطوف عليه ، والنكتة المتصوّرة في وجه إقحام هذه الجملة بينهما أنّ الزائر وهو يمارس لعن الأعداء يتذكّر أعمالهم الشنيعة وآثارهم الفظيعة ، فتقلّبهم الأيّام الخوالي فيهيج وجده الكامن وشوقه الساكن فيفقد السيطرة على نفسه وهو يستعرض جرائم القوم ومنكراتهم فيظهر البرائة منهم دونما اختيار منه ، وتدركه النفرة منهم ومن أتباعهم وأشياعهم ، من هنا يخاطب الإمام المظلوم لفرط حبّه وخلوص إرادته فيحمله ذلك على عرض مسالمته الكاملة ومتابعته الشاملة مع صفاء الباطن وخلوص النيّة بين يدي ساحة الإمام المقدّسة وسدّته الرفيعة

وينعتق من هذا الكلام الذي اندفع فجئة على لسانه مرّة اُخرى ويعدل عنه إلى الحديث الأوّل من لعن الأعداء ويعطف عليهم أولئك الذين هم أعيان الظالمين المسبّبين لهذا الخطب الفادح والرزء الجليل ، والذين لهم أثر يذكر في جريان هذه الخطوب وإعانة على حدوثها فيأخذ بلعنهم واحداً واحداً ، ويعطفهم على الأوائل لكي يشفي غيظه ويريح حنقه ويبرأ من لواعج صدره من ذكرهم بالتفصيل ، كما يمكن أن تكون الواو استئنافيّة

وعلى كلّ حال فإنّ النكتة تعود إلى ما ذكرناه تفصيلاً

وسوف نذكر معنى الآل بعد هذا الحديث إن شاء الله(١)

_________________

(١) ذيل « صلّی الله عليه وآله » ( هامش الأصل )

٣١٥

وزياد المنصوص عليه باللعن هو والد عبيد الله لعنهما الله المعروف بزياد بن أبيه وزياد بن اُمّه وزياد بن عبيد وزياد بن سميّة ، واشتهر بعد استلحق معاوية إيّاه بابن أبي سفيان ، وعبيد وسميّة كلاهما من موالي كسرىٰ فأهداهما كسرى إلى أبي الخير بن عمر الكندي أحد أقيال اليمن ، وأشار إلى ذلك أبو بكر بن دريد في مقصورته المعروفة ، فقال :

فخامرت نفس أبي الخير جوىٰ

حتّى حواه الحتف فيمن قد حوىٰ

وشرح حاله في الشروح الدريديّة وغيرها ، وفي شرح الدريديّة(١) : وكان من حديثه مسيره إلى كسرى يستجيشه على قومه فأعطاه جيشاً من الأساورة فلمّا صاروا بكاظمة ونظروا إلى وحشة بلاد العرب ، فقالوا : أين نمضي مع هذا ، فعمدوا إلى سمّ فدفعوه إلى طبّاخه ووعدوه بالإحسان إليه(٢) إن ألقى السمّ في طعام الملك ، ففعل ذلك ، فما استقرّ الطعام في جوفه حتّى اشتدّ وجعه ، فلمّا علم الأساورة ذلك دخلوا عليه فقالوا له : إنّك قد بلغت إلى هذه الحالة فاكتب لنا إلى الملك كسرى إنّك قد أذنت لنا في الرجوع ، فكتب لهم بذلك

ثمّ إنّ أبا الجبر خفّ ما به فخرج إلى الطائف البليدة التي بالقرب من مكّة وكان بها الحارث بن كلدة طبيب العرب الثقفي ، فعالجه فأبرأه فأعطاه سميّة ـ بضمّ العين المهملة وفتح الميم وتشديد الياء المثنّاة من تحتها وفي آخره هاء ـ وعبيداً ـ بضمّ العين المهملة تصغير عبد ـ وكان كسرى قد أعطاهما أبا الجبر في جملة ما أعطاه(٣) وهذا يوافق ما نقله ابن عبد ربّه وابن خلّكان

_________________

(١) فيها : إنّه أبو الجبر ولم يذكر سميّة ولا عبيداً [ الخطيب التبريزي ، شرح مقصورة ابن دريد ، ص ٥٩ ] ( المترجم )

(٢) إلى هنا أخذناه من هامش الخطيب : ٥٩

(٣) ابن خلّكان ، وفيات الأعيان ٦ : ٣٥٦

٣١٦

ويقول ابن الأثير في الكامل وابن خلدون في العبر : أنّ سميّة جارية لدهقان من أهل زنده رود ، أهداها للحارث بن كلدة لمّا عالجه ، والطريق الأوّل أتقن وأمتن

وخلاصة القول : إنّ سميّة ولدت نافعاً على فراش الحارث ولكنّه نفاه ، ثمّ ولدت أبابكرة الصحابي المعروف على فراشه ، فنفاه أيضاً ولم يعترف به ، وأعطى سميّة لعبيد ، وهؤلاء الثلاثة : زياد ونافع وأبوبكرة أولاد سميّة ومعهم شبل بن معبد الذين شهدوا على المغيرة لعنه الله بالزنا عند عمر بن الخطّاب ، وتلكّأ زياد بشهادته بتلويح من عمر ، فدرأ عن المغيرة الحدّ وأقامه على الشهود ، وهي من أشدّ المطاعن على عمر ، كما هو مذكور بالتفصيل في الأسفار الكلاميّة

وقال في العقد الفريد : كان الزانيات من النساء في الجاهليّة ينصبن على بيوتهنّ رايات ليعرفن بذلك ويقصدهنّ الشباب ، وكان بغاة النفع من الناس يرسلون جواريهم في هذا السبيل كرهاً ليجمعن لهم الحطام الفاني والعرض الزائل وينالوا بذلك الحياة الدنيا ، وقد أشار الله تعالى في محكم كتابه المجيد بقوله :( وَلَا تُكْرِهُوا
فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِّتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَن يُكْرِههُّنَّ
) (١) يريد في الجاهليّة( فَإِنَّ اللَّـهَ مِن بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) يريد في الإسلام

وفي مروج الذهب : وكانت سميّة من ذوات الرايات بالطائف تؤدّي الضريبة إلى الحارث بن كلدة وكانت تنزل بالموضع الذي نزل فيه البغايا بالطائف خارجاً عن الحضر في محلّة يقال لها : حارّة البغايا .

وجاء أبو سفيان يوماً إلى أبي مريم السلولي وهو خمّار في الطائف في الجاهليّة ، فقال : أبغني بغيّاً ، فأتيته وقلت له : لم أجد إلّا جارية الحارث بن كلدة سميّة فقال : ائتني بها على ذفرها وقذرها ( يظهر من قول أبي سفيان هذا أنّه

_________________

(١) النور : ٣٣

٣١٧

وطأها قبل هذا اليوم ) ( الى أن قال ) والله لقد أخذ بدرعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً ، فلم ألبث أن خرج عليّ يمسح جبينه ، فقلت : مه يا أبا سفيان ، فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم لو لا استرخاء من ثديها وذفر من فيها(١)

وولدت سميّة زياداً عام أوّل من الهجرة على فراش عبيد الله ، فكان يعرف بزياد بن عُبيد وابن اُمّه وابن أبيه وابن سميّة ، ولمّا بلغ أشدّه استكتبه أبو موسى الأشعري فأرسله عمر في حاجة فأحسن القيام بها فقدم على عمر وهو في المسجد ، فخطب بين يديه خطبة أعجب بها الحاضرون ، فقال عمرو بن العاص : لو كان قرشيّاً لساق العرب بعصاه ،

فقال أبو سفيان : اُقسم بالله أنّي أعرف الذي وضعه في رحم اُمّه

فقيل له : من يا تُرى ؟

فقال : أنا هو !

ولمّا استخلف أمير المؤمنين ، كان زياد معروفاً بالنزاهة ولم يظهر منه خلاف وكان إدرايّاً سياسيّاً حازماً ذا فطنة وكياسة ، من ثمّ عهد إليه أمير المؤمنين بإدارة حدود فارس(٢) ، وأراد معاوية خديعته فما تأتّىٰ ذلك له ، وكتب إليه يوماً يتهدّده ، فقال عقيب ذلك : « أتعجب من ابن آكلة الأكباد ورأس النفاق يخوّفني بقصده إيّاي » ، وأثنى على أمير المؤمنينعليه‌السلام ثناءاً بليغاً فأرسل إليه أمير المؤمنين رسالة يحذّره من مكر معاوية ويأمره بالثبات على عهده إلى أن استشهد أمير المؤمنين وانقضت أيّامه عند ذلك فتح معاوية أحابيله عليه ، واستعان عليه بخبث فطرته

_________________

(١) مروج الذهب ٢ : ١٥ و ١٦ بتصرّف من المؤلّف ( المترجم ) و ٣ : ٦ ط دار الهجرة ( هامش الأصل )

(٢) لم يعهد إليه الإمام بذلك إنّما كان بفعل ابن عبّاس لأنّه والي البصرة يومئذٍ وفارس من توابعها ( المترجم )

٣١٨

ودنائة مولده وأوكل أمر جذبه نحوه إلى المغيرة بن شعبة وهو يومئذٍ رأس النفاق ومعدن النصب فانطلّت الحيلة على زياد واستلحقه معاوية وصيّره أخاه واعترف زياد حبّاً في الدنيا وميلاً إلى جاهها بخباثة مولده ورضي باُخوّة معاوية وأبوة أبي سفيان وعند ذلك أقسم أبوبكرة أن لا يكلّمه لأنّه زنىّ سميّة وقدح في نسبه(١)

ولمّا استقرّ رأيهما على ذلك أرسلت إليه جويريّة بنت أبي سفيان عن أمر أخيها معاوية ، فأتاها فأذنت له وكشفت عن شعرها بين يديه وقالت : أنت أخي ، أخبرني بذلك أبو مريم ثمّ أخرجه معاوية إلى المسجد وجمع الناس ، فقام أبو مريم السلولي ، فقال : أشهد أنّ أبا سفيان قدم علينا بالطائف وأنا خمّار في الجاهليّة ، فقال : أبغني بغيّاً ، فأتيته وقلت له : لم أجد إلّا جارية الحارث بن كلدة سميّة ، فقال : إأتني بها على ذفرها(٢) وقذرها

فقال له زياد : مهلاً يا أبا مريم ، إنّما بعثت شاهداً ولم تبعث شائماً ، فقال أبو مريم : لو كنتم كفيتموني لكان أحبّ إليّ وإنّما شهدت بما عاينت ورأيت ، والله لقد أخذ بكُمِّ درعها وأغلقت الباب عليهما وقعدت دهشاناً ، فلم ألبث أن خرج عليّ يمسح جبينه ، فقلت : مه ، يا أبا سفيان ، فقال : ما أصبت مثلها يا أبا مريم ، لولا استرخاء من ثديها وذفر من فيها(٣)

وفي رواية الكامل : فخرجت من عنده وإنّ اسكتيها لتقطر منيّاً(٤)

_________________

(١) كان صرم أبي بكرة له قبل هذا التاريخ أي عندما تلجلج في الشهادة وكان أحد الشهود على المغيرة فأقسم أبوبكرة لا يكلّمه مادام حيّاً ( المترجم )

(٢) الذفر : الرائحة الخبيثة

(٣) المسعودي ٣ : ١٦ ط دار الكتب العلميّة لبنان ـ ١٤١١ ( المترجم )

(٤) الكامل في التاريخ ٣ : ٣٠١ ( المترجم )

٣١٩

ولولا أنّ ذلك في فضائح أعداء أهل البيت لما ذكرت هذه الجملة ، ولكنّها في فضائهم وأنا مترجمها أيضاً

ويقال : إنّ المتنبّي قال في حقّها :

أقم المسالح حول شفر سميّة

إنّ المنيّ بحلقتيها خضرم

وخلاصة الحديث : إنّ معاوية بهذه الشهادة صيّر زياداً أخاه ، وقام يونس بن عبيد فقال : يا معاوية ، قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّ الولد للفراش وللعاهر الحجر وقضيت أنت أنّ الولد للعاهر وأنّ الحجر للفراش مخالفة لكتاب الله تعالى وانصرافاً عن سنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادة أبي مريم على زنا أبي سفيان(١)

والحقّ أنّ هذا العار لا يمحوه الماء وهو طعن لا تجد له جواباً بأيّ كتاب ، وكان الفضل بن روزبهان التزم بالجواب على مطاعن معاوية في ردّه على نهج الحقّ وحين يبلغ الحديث إلى هذا الحدّ يقول : لم يكن معاوية بالخليفة الشرعي فلا يلزمنا الجواب عن كلّ مطاعنه وهذه الحكاية مذكورة في جميع كتب أهل السنّة والجماعة ، ولم يردّها أحد منهم ، وذكرها الشعراء في تلك الفترة وطعنوا بها على معاوية وزياد منهم عبدالرحمن بن الحكم أخو مروان لعنه الله :

ألا أبلغ معاوية بن حربٍ

مغلغلة من الرجل اليماني(٢)

أتغضب أن يقال أبوك عفّ

وترضى أن يقال أبوك زاني

فأشهد أن رحمك من زياد

كرحم الفيل من ولد الأتان

وأشهد أنّها حملت زياداً

وصخر من سميّة غير دان

_________________

(١) مروج الذهب ٣ : ١٧ ( المترجم ) والكامل لابن الأثير ٣ : ٤٤٢ ط بيروت ( هامش الأصل )

(٢) كذا في مروج الذهب وفي شرح النهج والوفيات فقد ضاقت بما تأتي اليدان وهو أثبت على هذه الرواية وقيل أنّها ليزيد بن المفرغ فيصحّ ما ذكرناه في المتن ( منهرحمه‌الله )

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341