الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية0%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد آصف المحسني
تصنيف: الصفحات: 341
المشاهدات: 89313
تحميل: 7085

توضيحات:

الفقه والمسائل الطبية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89313 / تحميل: 7085
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

استرخت فشدّها بالذهب.

ونحن مع احترامنا لصاحب الجواهررضي‌الله‌عنه وفقهه وتتبّعه نقول: إنّ المتيقّن هو حرمة لبس الذهب.

ولاحظ ما ذكرنا حوله في الجزء الثاني من كتابنا: حدود الشريعة، مادّة لبس الذهب.

وأجاز أكثر فقهاء أهل السنّة شدَّ السنّ المتحركة بالذهب، سوى أبي حنيفة وأبي يوسف ؛ فقالا: إنّه محرّم ولا يباح إلاّ للضرورة(١) .

٥ - يجوز وصل عظام الإنسان بعظام الحيوانات، وبالمواد البلاستيكية الحديثة، وغيرها، وبالحديد إذا كُسر العظم أو تعيّب، نعم إذا كان في ظاهر البدن، فلابُدّ من مراعاة ما لا ينافي الوضوء والغسل وغيرهما.

٦ - يجوز قطع الإصبع الزائد، أو السنّ الزائدة لأصالة البراءة، بل ولأنّ بناء العقلاء على أنّ الناس مسلّطون على أموالهم وأنفسهم، وهذا البناء ممضاة عند الشارع في غير ما منعه ؛ ولأنّه نقص وشين فإبقاءه عسر، وقال تعالى:

( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (٢) .

والبحث إنّما هو في قطع اليد أو الرجل أو العين أو الأنف الزائدة، والعمدة هي الثلاثة الأُولى، فهل يجوز قطعها ؟

فيه وجهان، وجه الجواز ما مرّ، ووجه المنع إمكان فهم منعه من مذاق الشرع، والأوجه الجواز.

والعمدة مَن له رأسان، فإن فرضنا أنّ كلّ رأسٍ له فكر وقصدٌ خاصٌّ به، بحيث يعلم أنّ لكلّ رأسٍ روحاً تعلق به فهما فردان، وإن كان بدنهما أو بعض بدنهما واحداً، كما رأينا صورته في هذه الأيّام في بعض النشريّات اليوميّة، فلا يجوز قطع أحدهما، وأمّا إن علمنا من وحدة القصد والفكر أنّ

___________________

(١) الرؤية الإسلاميّة لبعض المسائل الطبّيّة ص ٥١٠.

(٢) البقرة آية ١٨٥.

٢٦١

لهما روحاً واحدة ففي جواز قطع أحدهما وجهان، والمسألة مشكلة جدّاً(١) .

٧ - يجوز ثقب الآذان وتعليق الحلق فيها ؛ لعدم الدليل على المنع حتّى في الصبي، فإنّ ألم الثقب في مثل زماننا خفيف جدّاً، وما ذكره الغزالي وغيره من وجوه المنع(٢) ضعيفٌ جدّاً لا يُلتفت إليه.

٨ - يجوز تغيير هيئة الأعضاء بالزيادة والنقصان بعمليّة جراحيّة: كالأنف والآذان والشفة والفكّ والذقن والثديين، لرغبة في الحسن والجمال، أو بطلب من زوجها، لعدم الدليل على المنع، وأمّا تغييرها لأجل نظر المشاهدين الأجانب في السينما والتلفزيون ومحافل الفسق والفجور فلا يجوز.

لا يُقال: إنّ الفرض الأوّل أيضاً يحرم للتدليس.

فإنّا نقول: قد مرّ سابقاً أنّ التدليس إنّما يحرم إذا أوجب ضرراً للغير لا مطلقاً، على أنّ في صدق التدليس في المقام نظراً ؛ لأنّ - الفرد - سواء فيه الذكر والأُنثى - قد غيّر الواقع لا أنّه ستر الواقع بأمرٍ جميلٍ مرغوب.

٩ - يجوز استقطاع بعض أعضاء البدن وزرعه في محلّ العضو المبتور، ولا فرق في ذلك بين كون الأوّل أنفع أو الثاني ؛ فإنّ الناس مسلّطون على أنفسهم فيما لم يحرّمه الشارع، نعم يمكن أنّ نستثني منه موردين:

___________________

(١) وأمّا جواز زرع رأس آخر في بدن الإنسان، على مستوى فرد أو أفراد محدودة، ففيه نظر، لا يبعد الجواز إن لم يستلزم محذوراً آخر، لكن في إجراء أحكام مَن له الرأس أو مَن له البدن عليه بحث.

(٢) الرؤية الإسلاميّة لبعض المسائل الطبّيّة ص ٥١٣ - ٥١٧.

٢٦٢

الأوّل : ما إذا أمكن زرع مادّة صناعيّة، أو فلزّيّة، أو عضو من حيوان، ففي مثله يشكل الأمر بجواز قطع عضو البدن، فتأمّل.

الثاني : ما إذا كان العضو الذي يُراد قطعه مهمّاً جدّاً: كقطع لسانه لإصلاح انفه، فإنّه لا يجوز جزماً، أو قلع عينه لإصلاح عضده مثلاً، وهكذا.

والبحث حول تفصيل جزئيّات هذا الاستثناء طويل جدّاً، وليس الحكم الشرعي واضحاً في جميع الصور، كما إذا دار الأمر بين فساد العينين معاً وفساد اللسان، فهل يُقطع أحدهما لأجل الآخر ؟ وأيّهما لأيهما ؟ ولِمَ ؟

وكما إذا دار الأمر بين الرِّجْلين واليدين.

وبالجملة : ترجيح الأعضاء المهمّة، التي نعلم من مذاق الشرع حرمة الإضرار بها وإفسادها، إذا دار الأمر بين إتلاف بعضها لحفظ بعضها الآخر ليس بسهل.

١٠ - يجوز للإنسان أنْ يهزل بدنه بأيّ وجه كان، مثل المشي، وتقليل الطعام، وعمليّة سحب الدهون من الجسم إذا لم يضر بسلامته ضرراً كثيراً، كما يجوز له تسمينه بأسباب مباحة.

١١ - يجوز استئصال ثدي امرأة أُصيبت بمرض سرطان الثدي، وثبت ذلك بالقطع، وكان بقاءه مضرّاً بحياتها، ويجوز لها إجراء عمليّة تجميل للثدي المستأصل. وإن شئت فقل: إنّ الأوّل واجب والثاني جائز للأصل. وربّما يمكن أن تجب - أيضاً - إذا أمر به الزوج، وكان الزوج يتنفّر من الزوجة بدون العمليّة المذكورة.

وهل مئونة العمليّة على الزوج، أو على الزوجة، أو فيه تفصيل ؟

ولابُدّ من مراجعة باب النفقات في كتاب النكاح لمعرفة الحكم.

ثمّ إنّ نزع الثدي لأجل بيعها على الغير ممّا يشكل الحكم بجوازها شرعاً، فلا يبعد تحريمه على الأحوط.

٢٦٣

المسألة الحادية والثلاثون

ما يتعلّق بالخنثى

قال بعض الأطبّاء: ظاهرة الخنثى: هناك سبع درجات من الذكورة، وسبع درجات من الأُنوثة، كلّ أُنثى فيها سبع صفات معيّنة، على مستويات معيّنة في التركيب.

وكلّ رجلٍ أيضاً له سبع درجات إذا اختلت درجة أو أكثر من هذه، سيحدث فيه شيء من التناقض، قد يقلّ وقد يكثر، فإذا كان التناقض كاملاً، نجد مخلوقاً إنساناً جسمه جسم أنثى، وجلده جلد أنثى ومظهره مظهر أنثى، وله نعومة الأُنثى، وله فرج الأُنثى، إلاّ أن تركيبه الكروموزومي اكس واي مثل الذكر فهنا تناقض، الجسم له شكل، والتركيب الكرموزومي له شكل آخر، هذا أحد أنواع الخنوثة.

ولكن مثل هذا المخلوق، أي هذه السيّدة تتزوّج، وتكون كفئاً للزوجيّة، وقد تكون على درجةٍ عاليةٍ من الجمال الأُنثوي، وتعيش حياةً زوجيّةً سعيدةً، ولكنّها لا تحمل أيضاً.

وقد يوجد بالمقابل الرجل الذي لا تنبت له لحية، وقد تكون خصيتاه صغيرتين، وقد يكون جسمه شحميّاً كجسم المرأة، وقد يكون ذَكَره صغيراً جدّاً، وقد يكون كيسه خالياً من الخصيتين ؛ لأنّ الخصيتين لم ت-نزلا من ( إلى ظ ) الكيس، وإنّما ظلّتا في البطن، في مكانهما أيّام أن كان جنيناً، وقد يكون طرفه عند قناة البول ؛ لأنّها لا تفتح على طرف الذكر ولكن في قاعدته.

٢٦٤

وكم من مواليد ولدت على هذه الصورة، تنظر القابلة أو المولِّدة فإذا هناك ما يشبه أن يكون ذكراً، فإذا بال المولود لن يخرج البول من طرف الذكر، وإنّما من قاعدته، ولأنّ الكيس خالٍ من الخصيتين، لا ينهض أن يعطي أو يقنع أنّه كيس، فإذا بالطفل يُسمّى باسم أُنثى. وآخر واحدة منهنّ عندي كان اسمها معصومة وولدت معصومة ولبست الفستان، وراحت المدرسة وتخرّجت من الثانويّة، وذهبت للتعيين، وفي القومسيون الطبّي أدركوا أنّها مشعرة، جسمها فيه شعر كثير، وحضرت معصومة، وجدنا أنّ تركيبها الأصلي ذكر، وأنّ في بطنها خصيتين، وأنّ كلاًّ من الشعر وكبر البظر ناتج عن الهرمونات.

ولمّا كانت قد نشأت أُنثى، فإنّها حتّى بالرّغم من أنّها ذكر لن تصلح أبداً أن تكون ذكراً، فأجريت لها عمليّة جراحيّة لإنزال الخصيتين الموجودتين في البطن ؛ لأنّهما تكونان معرّضتين للسرطان، وحتّى تتخلص من الهرمون الذكري، الذي تفرزه الخصيتان، وأزلنا معظم الذَكَر لنردّ إليها علامات الأُنوثة، وأعطيناها الهرمون الأُنثوي، فكبر لها النهدان، وأخبرنا أهلها أنّها عندما تأتي لكي تتزوّج تحضر لكي نعمل لها فرجاً صناعيّاً، لتكون جاهزةً للجنس، ولكن أعلموا خطيبها أنّها لأمرٍ ما لا تستطيع الإنجاب.

الخنوثة قد تُعقد لها المؤتمرات التي تستمرّ عدّة أيّام. ونكتفي بهذا القَدْر(١) .

وقال آخر: إنّ تحديد الجنس نعتبره خمس خطوات: الخطوة الأُولى التحديد الصبغي، إذا كان يحمل الصبغ الصادي أم الصبغ السيني بجرعةٍ

___________________

(١) ص٤٦ وص٤٦، الإنجاب في ضوء الإسلام.

٢٦٥

مزدوجةٍ، وهذا المستوى الأوّل.

المستوى الثاني: هو نتيجة لوجود الصبغ الصادي سوف ينتج عنه تكوين الغدّة الذكريّة: التي هي التناسليّة، التي هي الخصية، ثمّ بعد ذلك يأتي دور الهرمونات في تكوين الأعضاء الذكريّة الخارجيّة والداخليّة، هذا أربع مستويات.

والمستوى الخامس: وهو بعد الولادة هذا الطفل بالنسبة لنا ذكر، هذه خمسة مستويات فإذا كانت في اتّجاهٍ واحدٍ يُعتبر هذا ذكر كامل ؛ وإذا كان فيه خلل بمعنى مستوى يؤدّي إلى الأُنوثة ومستوى يؤدّي إلى الذكورة، فهنا نبدأ في المشكلة...

الطفل المخنّث نوعان: مخنّث كاذب ومخنّث حقيقي، المخنّث الكاذب ممكن يكون خنثى لكن ذكريّة، أو خنثى أُنثويّة، يعني: الأعضاء التناسليّة الخارجية تشير أنّ فيها شيئاً من الرجولة، ولكن داخلها يبقى فيه مبيضان، أو العكس صحيح الأعضاء التناسليّة فيها تقترب إلى الأُنوثة، لكن يبقى فيه خصيتان.

أمّا النوع الثاني وهو الخصية الحقيقية، هذا يستوجب وجود المبيض، والخصيتين يعني خصية ومبيض لازم يكونوا موجودين...(١) .

إذا عرفت هذا فالكلام يقع في أُمور:

( الأمر الأوّل ) : في نقل الأحاديث المعتبرة سنداً:

١ - صحيح داود بن فرقد عن الصادقعليه‌السلام قال: سُئل عن مولود ولد ( و ) له قُبُل وذَكَر، كيف يورث ؟

قال: ( إنْ كان يبول من ذكره فله ميراث الذكر، وإن كان يبول من القُبُل فله ميراث الأُنثى)(٢) .

أقول : ليس المبال موضوعاً لمجرّد الميراث، بل هو علامة الذكوريّة

___________________

(١) ص٥٣٢ وص٥٣٣، رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

(٢) لاحظ كلّ ما نقله في هذا المقام من الأحاديث السبعة في ص٤٨٧ إلى ص٥٠١ ج٢٤ جامع الأحاديث.

٢٦٦

والأُنثوية كما يدلّ الحديث الآتي، ثمّ لا مجال في مثل المفروض إعمال علامة الحيض والاحتلام كما لا يخفى، لكن تجري فيه علامة عدد الأضلاع، وهل هما مترتّبان أو يكتفي بكلٍّ منهما عن الآخر؟

فيه وجهان، ظاهر هذه الصحيحة وغيرها: تقدّم المبال على عدد الأضلاع. والله أعلم.

٢ - صحيح محمّد بن قيس - المروي في الخصال -... إلى أنْ قال ( الحسن المجتبى -عليه‌السلام - ): وأمّا المؤنّث فهو الذي لا يدري أذكر هو أم أُنثى، فإنّه يُنتظر به، فإن كان ذكر احتلم، وإنْ كانت أُنثى حاضت وبدا ثدييها، وإلاّ قيل: بُل، فإنْ أصاب بوله الحائط فهو ذكر وان انتكص بوله ( على رجليه - مستدرك الوسائل ) كما انتكص بول البعير فهي امرأة.

أقول : يظهر منه تقدّم التعرّف بالحيض، وظهور الثدي، والاحتلام، على البول في فرض تيسّر الانتظار.

ثمّ إنّ ذيل الرواية ينافي ما تقدّم، لكن لا بُدّ من حمله عليه جمعاً بينهما، فانتكاص البول عبارة أُخرى عن خروجه من الفرج، وعدمه عن خروجه عن الذكر، بل هذا التعبير أحسن لعدم جواز النظر إلى العورتين معاً في غير الضرورة، فينظر إلى نفس البول يصيب الحائط مثلاً أو ينتكص.

٣ - صحيح محمّد بن قيس المروي في الفقيه، عن الباقرعليه‌السلام :

( إنّ شريحاً القاضي بينما هو في مجلس القضاء إذْ أتته امرأة، فقالت: أيّها القاضي اقضِ بيني وبين خصمي، فقال لها: وَمَن خصمك ؟

قالت: أنت، قال: أفرجوا لها، فأفرجوا لها فدخلت، فقال لها ما ظلامتك ؟

قالت: إنّ لي ما للرجال وما للنساء، قال شريح فإنّ أمير المؤمنين يقضي على المبال، قالت فإنّي أبول بهما جميعاً ويسكنان معاً.

قال شريح: والله ما سمعت بأعجب من هذا، قالت وأعجب من هذا، قال: وما هو ؟

قالت: جامعني

٢٦٧

زوجي فولدت منه، وجامعت جاريتي فولدت منّي، فضرب شريح إحدى يديه على الأُخرى متعجّباً، ثمّ جاء إلى أمير المؤمنينعليه‌السلام ... فقال:عليه‌السلام لها: وَمَن زوجك ؟ قالت: فلان، فبعث إليه فدعاه، فقال: أتعرف هذه ؟ قال: نعم هي زوجتي، فسأله عمّا قالت، فقال: هو كذلك، فقالعليه‌السلام له: لاَنت أجرأ من راكب الأسد حيث تقدم عليها بهذه الحال، ثمّ قال: يا قنبر أدخلها بيتاً مع امرأة تعد أضلاعها، فقال: يا أمير المؤمنين لا آمن(١) عليها رجلاً ولا ائتمن عليها امرأة، فقال:عليه‌السلام : عليّ بدينار الخصي - وكان من صالحي أهل الكوفة وكان يثق به - فقال له: يا دينار أدخلها بيتاً وعرّها من ثيابها وامرها أن تشدّ مئزراً وعُد أضلاعها، ففعل دينار ذلك وكانت أضلاعها سبعة عشر، تسعة في اليمين وثمانية في اليسار، فألبسها ثياب الرجال والقلنسوة والنعلين وألقى عليها الرداء وألحقه بالرجال.

فقال زوجها: يا أمير المؤمنين ابنة عمّي وقد ولدت مني، تلحقها بالرجال ؟!!!

فقال: إنّي حكمت عليها بحكم الله، إنّ الله تبارك وتعالى خلق حوّاء من ضلع آدم الأيسر، وأضلاع الرجال تنقص وأضلاع النساء تمام )(٢) .

___________________

(١) قول الرجل هذا من خوفه عليها في بيت تحت نظارة الحكومة، ربّما يشبه قصص الأطفال، ولا يبعد دلالته على عدم صحّة الرواية، أو حمق الزوج.

(٢) ربّما يلوح من الحديث جواز زواج الخنثى، وإلاّ للامهما أمير المؤمنينعليه‌السلام ولجرى الحدّ على الخنثى ؛ لأنّه إمّا زانية وإمّا مساحِقة، وذكر أنّ ولده من الزوج والجارية ولد شبهة أو ولد زنا. إلاّ أن يُقال: إنّ الخنثى وزوجه والجارية كانوا جاهلين قاصرين، ولا يجب، أو لا يجوز تعيير المذنب على الذنب الماضي وان قولهعليه‌السلام لانت أجرأ من راكب الأسد يدلّ على حرمة الزواج أو الدخول، وولد الشبهة، ولا حكم له حتّى ينبّه عليه، وكذا ولد الزنا سوى بطلان التوارث بينه وبين والديه وهو كان خارجاً عن محلّ الابتلاء فعلاً، ولعلّهعليه‌السلام بيّنه ولم يذكره الباقرعليه‌السلام اختصاراً، فتأمّل. وعلى كلٍّ

=

٢٦٨

والعجب أنّ عد الاضلاع لم يُذكر في سائر الروايات، بل ظاهر الحديثين الآتيين عدم اعتباره، وهذا عجيب.

وقال المحقّق في الشرائع: والرواية ضعيفة(١) .

ونقل في الجواهر عن الحلّي دعوى تواترها، والظاهر أنّ الرواية بطريق الصدوق صحيحة سنداً إنْ وفى الصدوق بقوله في المشيخه(٢) ، وأمّا تواترها فهو ممنوع.

وقال صاحب الجواهر(٣) : نعم لا ريب في عدم تيسّره غالباً على وجهٍ تطمئنّ النفس بمعرفة ذلك، خصوصاً في الجسم السمين، ولذا ذكروا: غير ذلك من الأمارات، وحكموا بإعطاء نصف النصيبين ؛ لعلمهم بعدم تيسّر معرفة هذه العلامة لغيرهم، ومن هنا ظنّ بعض الناس مخالفة هذه العلامة للحسّ، مدّعياً أنّه اختبر ذلك غير مرّة فلم يتحقّقها ؛ بل قيل: إنّ أهل التشريح يدّعون التساوي بين الرجل والمرأة بالأضلاع. إلاّ أنّه كما ترى بعد الرواية الصحيحة...

أقول : الطبّ الحديث قادر على الجواب الدقيق، فإذا أثبت التساوي بينهما فلا يعمل بالأمارة المذكورة، وحيث إنّ ذيل الرواية يجعلها غير قابلة لاختصاصها بموردها، فترّد إلى مَن صدر عنه.

٤ - صحيح هشام بن سالم - المروي في الكافي - عن الصادقعليه‌السلام : قلت له: المولود يولد له ما للرجال وللنساء ؟ قال: يورث من حيث سبق ( يسبق خ ل ) بوله، فإن خرج منهما سواء فمن حيث ينبعث(٤) ، فإن كانا

___________________

=

الحديث يدلّ على جواز النظر، ولمس البدن في أمثال المقام. واعلم أن ذيل الحديث يشمل فاقد العورتين أيضاً.

(١و٢و٣) ص٢٨٤ ج٣٩ من الجواهر.

(٤) وفي الجواهر ( ص٢٨١ ج٣٩ ) نعم عن بعض النسخ ينبت بمعنى ينقطع. ثمّ

=

٢٦٩

سواء، ورث ميراث الرجال والنساء(١) .

أقول : يُقيّد إطلاقه بغيره جمعاً، كما هو كذلك في تاليه.

٥ - في موثّق إسحاق بن عمّار، عن جعفر بن محمّد، عن أبيهعليه‌السلام :

( إنّ عليّاً -عليه‌السلام - كان يقول: الخنثى يورث من حيث يبول، فإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق البول ورث منه، فإنْ مات ولم يبل فنصف عقل المرأة ونصف عقل الرجل )(٢) .

أقول : فسّر صاحب الجواهر العقل بالميراث، وهو غير بعيد وعلى كلٍّ ظاهر الحديث - وهو عن عليٍّعليه‌السلام - ينفي عدد الأضلاع أمارة على تعيين الجنس.

٦ - صحيح عبد الله بن مسكان - المروي في التهذيب - عن إسحاق المرادي، قال: سئل وأنا عنده - يعني أبا عبد اللهعليه‌السلام - عن مولودٍ ليس بذكرٍ ولا أُنثى ليس له إلاّ دبر، كيف يورث؟

قال: ( يجلس الإمام ويجلس معه أُناس، ويدعو الله ويجيل السهام على أيّ ميراث يورثه، ميراث الذكر أم ميراث الأُنثى، فأيّ ذلك خرج ورث عليه. ثمّ قال: وأيّ قضيّةٍ أعدل من قضيّةٍ يُجال عليها بالسهام ؟ إنّ الله عزّ وجلّ يقول:( فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ ) )(٣) .

أقول : وقريب منه معتبرة ثعلبة، عن بعض أصحابنا عن أبي عبد اللهعليه‌السلام .

والظاهر اتّحاد الروايتين.

ثمّ إنْ كان قوله ( سئل ) مبنيّاً للفاعل ورجع الضمير إلى إسحاق فالسند

___________________

=

البعث إمّا بمعنى الثوران والقوّة والكثرة، وإمّا بمعنى الاسترسال كما في القاموس: بعثه كمنعه أرسله فانبعث لاحظ ص٢٧٩ نفس المصدر أيضاً.

(١) جامع الأحاديث ج٢٤ ص٤٩٦.

(٢) المصدر ص٤٩٧.

(٣) المصدر ٤٩٩.

٢٧٠

مُعْتَبرٌ مطلقاً، وإن كان مبنيّاً للمفعول ونائب فاعله الإمامعليه‌السلام يسقط الحديث عن الاعتبار لجهالة إسحاق المرادي، والعبارة إنْ لم تكن ظاهرة في الثاني - لا أقل - من إجمالها الموجب لعدم اعتبارها.

هذا، وروى الشيخرحمه‌الله في تهذيبه ( ج٩ ص٣٥٧ ) بسنده عن علي بن الحسن بن أيوب بن نوح، عن صفوان بن يحيى، عن عبد الله بن مسكان، قال: سئل أبو عبد اللهعليه‌السلام وأنا عنده عن مولود. بتفاوت ما. والظاهر وحدة الحديث، وهذا السند يعين الوجه الأوّل، فيصبح السند معتبراً.

واحتمال حذف كلمة إسحاق المرادي ( الفزاري ) عن هذا السند خلاف الظاهر، فتأمّل جيّداً.

واعلم أنّ في صحّة طريق الشيخ إلى علي بن الحسن كلام طويل جدّاً، ذكرناه في كتابنا(بحوث في علم الرجال ) - الطبعة الثالثة - في شرح مشيخة التهذيبين.

٧ - صحيح الفضيل بن يسار ( المروي في الكتب الأربعة وغيرها ) قال: سألت أبا عبد الله عن مولودٍ ليس له ما للرجال ولا ( وليس ) له ما للنساء، قال: ( ( هذا ) يقرع الإمام ( أو المقرع ) به ( عليه ) يكتب على سهمٍ عبد الله و ( يكتب ) على سهمٍ ( آخر ) أمَة الله، ثمّ يقول الإمام: اللّهم أنت الله لا إله إلاّ أنت عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون: بيِّن لنا أمر هذا المولود كيف ( حتّى ) يورث ما فرضت له في الكتاب. ثمّ يُطرح السهمان في سهامٍ مُبْهمة، ثمّ تُجال السهام على ما ( أيّهما ) خرج ورثه عليه )(١) .

___________________

(١) أشرنا أنّ كلّ هذه الأحاديث السبعة نقلناها من ٤٨٧ إلى ص٥٠١ ج٢٤ جامع الأحاديث.

٢٧١

أقول : الحديثان الأخيران: يبيّنان حكم نوع آخر من الخنثى، ولا يمكن تمييزه بالاحتلام والحيض، كما يمكن بإنبات اللّحية وظهور الثدي، واختلاف الأضلاع وتساويها - بناءً على اعتباره - والظاهر أنّ عدم بيانها من الإمام من أجل عدم إمكان الانتظار سنين متمادية، ولا مؤمن على حفظ حقّه أي الميراث، فأرجع رفع مشكلته إلى القرعة.

( الأمر الثاني ) : مدلول الأحاديث: أنّ لتمييز الذكر والأُنثى في الفرد الخنثى الذي له آلة الرجل وفرج المرأة علامات:

أوّلها : الحيض، وظهور الثدي، والاحتلام، وهذه الثلاثة مقدّمة على غيرها في مقام التمييز إذا أمكنت بالفعل، أو بالانتظار الميسور غير الطويل.

ثانيها : المبال، فإنْ بال من الفرج فهو أُنثى، وإن بال من الذكر فهو ذكر، وإن بال منهما جميعاً فمن أيّهما سبق البول، فإنْ تساويا في السبق فمن حيث ينبعث على إشكال في معنى الانبعاث، وضبطه كما مرّ في الحاشية السابقة.

ثالثها : تساوي الأضلاع واختلافها، على إشكال فيه، وقد سبق، وعلى فرض اعتباره فالأظهر تساوي هذه العلامة مع السابقتين، وإن كان الأحوط تقدّم الأُولى عليه بل الثانية أيضاً.

وأمّا فاقد العورتين فيتميّز بالقرعة، ويحتمل تمييزه بإنبات اللّحية، وظهور الثديين وإن لم يرد بهما نصٌّ فيه.

وعلى ضوء ما ذكرنا لا يبقى الخنثى مشكلاً، أمّا في فاقد العورتين فإنّ ما يرفع الإشكال عنه هي القرعة.

وأمّا في واجد العورتين فمورد الإشكال فيه مَن لم يتميّز بالمبال، وسبق البول وانبعاثه، وبالحيض، وظهور الثدي، والاحتلام، والعلامات غير المنصوصة كإنبات اللّحية، ونحوها ممّا

٢٧٢

يوجب الاطمئنان بالجنس، فإذا قلنا بجريان القرعة للروايات العامّة - منها رواية ابن مسكان المتقدّمة - كما هو الأرجح فلا يبقى للخنثى المشكل مصداقاً، نعم الأحوط لزوماً في مورد موثقة إسحاق بن عمّار: الاقتصار على ما فيها من إعطاء نصف ميراث الرجال ونصف ميراث النساء.

وأمّا في غير الميراث فيرجع إلى القرعة، فإنْ صحّ ما قلنا فتزيل العقبة أمام تزويجه وتزوّجه، وسائر أحكام أحد الجنسين عليه الخاصّة به، والله أعلم.

ثمّ إنْ دخل الطفل الواجد للعورتين في أحد الصنفين بعملية طبّيّة، فإن صار واجداً لجميع أوصاف ذاك الصنف فهو محكوم بأحكامه، حتّى في الميراث، وهكذا غير الطفل، وإنْ بقي فيه بعض صفات الأُنثى ففيه إشكال.

وهل لوليّ الطفل حقٌّ في تغييره إلى أحد الجنسين ؟ فيه بحث وكلام.

( والأمر الثالث ) : نظر الفقهاء ( رض ) في ذلك:

قال المحقّقرحمه‌الله في الشرائع:

( مَن له فرج الرجال والنساء يرث على الفرج الذي ) يبول(١) منه... بل الإجماع بقسميه عليه... فإن بال منهما فمِن حيث ( يسبق منه البول ) بلا خلاف محقّق أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه أيضاً... ( فإنْ جاء منهما ) دفعةً ( اعتُبر الذي ينقطع أخيراً فيورث عليه ) إجماعاً في محكيّ السرائر والتحرير والمفاتيح وظاهر الغُنْية والخلاف، بل وكتاب الأعلام للمفيد(٢) . ( فإن) كانت مشكلاً بأن كان المخرجان قد ( تساويا في السبق - والتأخّر - خ ) قال في الخلاف ( يعمل

___________________

(١) الجملات الخارجيّة عن الهلالين من كلام صاحب الجواهررحمه‌الله .

(٢) المخالفون في المقام هم: القاضي والصدوق والاسكافي والمرتضى، فلاحظ كلامهم في الجواهر.

٢٧٣

بالقرعة ) محتجّاً بالأخبار والإجماع، وقال في النهاية والإيجاز والمبسوط: ( نصف ميراث رجل ونصف ميراث امرأة )... بل هو المشهور نقلاً وتحصيلاً، بل عن الغُنْية الإجماع عليه ( وقال المفيد -رحمه‌الله - والمرتضى -رحمه‌الله - تُعد أضلاعه فإن استوى فهو امرأة وإن اختلفا فهو ذكر، وهي رواية شريح القاضي حكايةً لفعل عليعليه‌السلام واحتجّا(١) بالإجماع ) مع ذلك ( والرواية ضعيفة والإجماع لم نتحقّقه(٢) ).

( وقال الشيخ في محكيّ مبسوطه: ولو كان الخنثى زوجاً، أو زوجة، كان له نصف ميراث الزوج، ونصف ميراث الزوجة ).

أقول : يظهر من هذا الكلام صحّة زواج الخنثى المشكل عند الشيخ الطوسيقدس‌سره وإنْ قال صاحب الجواهرقدس‌سره : لكن فيه أنّ المعلوم عدم جوازه نكاح الخنثى المشكل لأصالة حرمة الوطء.

ثمّ قال: ( مَن ليس له فرج الرجال والنساء يورث بالقرعة ) عند المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة، بل عن السرائر وظاهر الغُنْية والتنقيح الإجماع عليه(٣) .

خاتمة

اشتهر البحث في لسان أهل العلم من أنّ الخنثى المشكل جنس ثالث، أو هو داخل في أحد الجنسين ؟

ومعنى الثاني: أنّه لا يخلو في الواقع إمّا أن يكون ذكراً أو أُنثى.

قال في الجواهر ( ج٣٩ ص٢٧٧ ): لعدم الواسطة على الظاهر من

___________________

(١) أي المفيد والمرتضى، وكذلك الحلِّي في السرائر كما في الجواهر.

(٢) وخالف صاحب الجواهر المحقّق واعترض عليه في تضعيفه الرواية والإجماع.

(٣) ص٢٩٤ ج٣٩ من الجواهر.

٢٧٤

تقسيم الإنسان، بل مطلق الحيوان إلى الذكر والأُنثى، في جميع الأصناف، في الكتاب والسنّة على وجهٍ لا يُستطاع إنكاره، لكنّ احتمال نظارة ما في الكتاب والسنّة إلى الأغلبيّة، بل الغالبيّة العظمى، قائمٌ لا دافع له، وأمّا وجود الخنثى أو خنثى المشكل في الحيوانات فلا علم لنا، ولم أر ولم أسمع من علماء العلوم الحديثة فيه شيئاً أصلاً، وهو سؤال يعجبني جوابه.

وبناءً على ما رجّحنا من جريان القرعة في واجد العورتين، لا يبقى مصداقاً للخنثى المشكل بحسب التعبّد الشرعي، أي السلوك الفقهي، وأمّا بحسب ما نقلناه عن الطبيب الثاني، أنّ الخنثى المشكل جنس ثالث مركّب من الجنسين.

لكن المتأمّل في مجموع كلام الطبيبين السابق، يقتنع بأنّ جواب هذا السؤال مبنيٌّ على تعريفٍ دقيقٍ علميٍّ لجنس الذكر ولجنس الأُنثى، فهنالك يتبيّن حال مصاديق الخنثى المختلفة، وأنّهم داخلون في أحد الجنسين، أو يبقى بعضهم خارجاً عنهما، فيكون مشكلاً أو حقيقيّاً كما في تعبير بعض الأطبّاء.

لكنّ الكلام في صحّة هذا التعريف بعدما سبق كلامهم - وإن كان ناقصاً - في الدرجات والمستويات الجنسيّة، ولا أظنّ طبيباً يثبت صحّة تعريفه في قِبَال مَن خالفه، وذكر تعريفاً مغايراً له.

فالجواب المتعيّن عاجلاً عندي - ولست من الأطبّاء بل ولا من الفقهاء - أنّ مَن فيه خنوثة داخل في أحد الجنسين على بعض التعاريف والوجوه، وداخل في الجنس الآخر على بعض التعريفات الأُخر، وربّما لا يبقى خنثى مشكل على بعض الوجوه، والله العالم.

والنتيجة أنّ هذا السؤال ( هل الخنثى المشكل جنس مستقل أو داخل في أحد الجنسين ) جوابه مبني على الاصطلاحات، ولا مشاحّة في الاصطلاح.

٢٧٥

المسألة الثانية والثلاثون

نصب الأجهزة التعويضية لعلاج الضعف الجنسي

إليكم ما نشرته يوميّة الوطن ذيل هذا العنوان

القاهرة - الوطن

أخيراً تمّ اكتشاف علاج أكيد وفعّال للضعف الجنسي... العلاج الجديد: عبارة عن أجهزة تعويضيّة يتمّ تركيبها داخل جسم الرجل ؛ فتؤدّي الوظيفة المطلوبة منها دون أن تتأثّر قدرته على الإنجاب.. هذه الأجهزة تعيش مع الرجل طوال حياته دون أن تتلف، ويتمّ إدخالها للجسم بعمليّة جراحيّة بسيطة، لا تستغرق أكثر من ساعةٍ واحدةٍ، ويستخدمها حاليّاً آلاف الرجال في أميركا.

وفي مصر قام الدكتور أيمن محمود شكري، أخصّائي جراحة العقم والتناسل، بتركيب هذه الأجهزة لمئات المرضى ؛ فهي أتمّ علاجٍ للضّعف الجنسي، يرحم المريض من الأدوية الكيمياويّة التي لم تحقّق أيّ نتائج فعّالة حتّى الآن. أسرار هذه الأجهزة يكشفها هذا التحقيق.

الأجهزة التعويضيّة تقوم بوظيفة الدم.. ولكي نفهم ذلك، يجب أن نعرف كيف تتمّ عمليّة الانتصاب أساساً - الكلام للدكتور أيمن محمود شكري الطبيب الوحيد الذي يقوم بتركيب هذه الأجهزة - يقول: إنّ الانتصاب يتمّ عندما تكون لدى الإنسان رغبة أساساً ؛ فيعطي المخّ إشارةً للدم لكي يتدفّق الجسم الكهفي الموجود في العضو التناسلي الذكري، وبعد

٢٧٦

ذلك تقوم الأوردة بحبس هذا الدم داخل العضو فتحدث عمليّة الانتصاب.

فإذا حدث أيّ عطل في الأعصاب الموصلة بين المخ والجهاز التناسلي، أو في شرايين العضو الذكري، أو في الأوردة، لا تحدث عمليّة الانتصاب بصورةٍ كاملةٍ وفعّالةٍ، وهو ما نطلق عليه: الضعف الجنسي.. قد نُعالج هذا الضعف من خلال عمليّة جراحيّة لتوسيع الشرايين، أو ربط الأوردة، ولكنّ هذه العمليّة صعبة جدّاً، ولا تتعدّى نسبة نجاحها٤٠ % تقريباً.. كما أنّ هناك نوعيّة معيّنة من الناس، لا يمكن إجراء عمليّات جراحيّة معقّدة لهم، مثل: مرضى السكّر، والقلب، والفشل الكلوي.. وبصفةٍ عامّةٍ، كان تركيب الأجهزة التعويضيّة أكثر أماناً وفاعليّة لمعظم مرضى الضعف الجنسي.

يضيف أخصّائي الأجهزة التعويضيّة: أنّ هذه الأجهزة تقوم بدور الدم الذي يتدفّق داخل الجسم الكهفي للعضو الذكري، فإذا لم يتدفّق بشكلٍ كافٍ بسبب عطل في الشرايين، أو يتسرب سريعاً بسبب عطل في الأوردة فيمكن تركيب الأجهزة التعويضيّة.. هذه الأجهزة نقوم بإدخالها إلى الجسم الكهفي لتجعل العضو منتصباً، ويستطيع المريض بفضلها ممارسة العمليّة الجنسيّة في أيّ وقت.

ويعتبر ف. د أيمن شكري بأنّ فكرة الأجهزة التعويضيّة قديمة جدّاً.. بدأت عام ١٩٢٦ على يد الطبيب الأميركي ( بوجوراسي ) الذي زرع أحد ضلوع القفص الصدري داخل جسم العضو الذكري.. ثمّ كان الطبيب المصري ( البحيري ) هو أوّل من زرع هذه الأجهزة التعويضيّة داخل الجسم الكهفي للعضو الذكري، ولكنّها كانت صلبةً في ذلك الوقت، ممّا كان يجعل الشكل العام غير مقبول ؛ حيث يظلّ العضو منتصباً مدى الحياة. ومنذ

٢٧٧

السبعينات حدث تطوّرٌ كبيرٌ في هذه الأجهزة، جعلها العلاج الأكيد والفعّال حاليّاً للضعف الجنسي - ذلك المرض الذي يعذّب صاحبه يوميّاً، والذي حار فيه ومعه الأطبّاء والعلماء - ويوجد من هذه الأجهزة نوعان.. النوع الأوّل: هو القابل للتمدّد، والثاني: القابل للانثناء.

أمّا النوع الأوّل: فيتكوّن من أُنبوبتين ومضخّة، يتمّ تركيب الأُنبوبتين في الجسم الكهفي، بينما تُوضع المضخّة داخل الكيس الذي يحمي الخصيتين، وعندما يرغب الرجل يضغط على المضخّة فتتمدّد الأنابيب.. وحينما ينتهي من الممارسة يستطيع الضغط على المضخّة مرّةً أُخرى فتنكمش الأنابيب. وميزة هذا الجهاز هي: أنّه يجعل العضو الذكري يبدو لو كان طبيعيّاً ومشكلته تكمن في ارتفاع ثمنه.

النوع الثاني: هو القابل للانثناء.. وهو يتيح ممارسة طبيعيّة جدّاً.. كما أنّه أرخص كثيراً من النوع الأوّل، وتركيبه يتمّ بسهولةٍ أكثر، ولكنّ مشكلته أنّه يجعل العضو كبيراً بصفةٍ مستمرّةٍ.. ولذلك يمكن التغلّب على هذا الحجم الكبير بثني القضيب إلى أسفل أو إلى أعلى، وعند الممارسة تجعل وضعه أفقيّاً.

ويوضّح د. أيمن شكري السبب الأساسي في عدم انتشار الأجهزة التعويضيّة كعلاج للضعف الجنسي يكمن في عدم توافر أخصّائيين في هذا المجال داخل العالم العربي.. فالمشكلة أن الضعف الجنسي مجال أساسي ( للدجل الطبّي ).. والثابت أنّ معظم الأطبّاء الذين يعملون في هذا المجال ليس لديهم شهادات عليا في هذا التخصّص، وقد عملوا به ؛ لأنّه يحقّق أرباحاً مادّيّة كبيرة، مقارنةً بالتخصّصات الطبّيّة الأُخرى.. وفي حالة توافر الأخصّائيين سوف تنتشر الأجهزة التعويضيّة دون شكّ كعلاجٍ للضّعف

٢٧٨

الجنسي..

وهناك سبب آخر، يحول دون انتشارها، وهو: عدم معرفة الناس بطبيعة هذه الأجهزة، حيث يخاف معظم المرضى من خوض هذه التجربة.

يواصل أخصّائي جراحة التناسل أنّ نسبة نجاح عمليّة تركيب الأجهزة التعويضية تصل إلى ١٠٠% فهي عمليّة بسيطة وسهلة، لا يستغرق إتمامها أكثر من ساعة.. يتمّ خلال العمليّة استخدام أُسلوب التخدير النصفي للمريض، بمعنى أنّه يستطيع متابعة ما يحدث له خلال تركيب الجهاز.. ومثل هذه العمليّة هي الوحيدة من نوعها في العالَم التي يرى المريض نتائجها بنفسه أوّلاً بأوّل، ممّا يجعله يحسّ بالراحة والطمأنينة، ويشعر أن مشكلته قد انتهت إلى الأبد، وعادت إليه مرّةً أُخرى فحولته المفقودة.

والظاهر جواز هذه العمليّة من نظر الفقه، وعدم المانع فيه، سوى رؤية العورة ومسّها، وقد مرّ الكلام حولهما مفصّلاً ومكرّراً، فإن لم يكن له حرج ؛ فلا تجوز العمليّة إلاّ إذا كان المباشر طبيبة عقدها الرجل المريض - ولو عقداً مؤقتاً - وأمّا إذا كان بقاء المريض على حاله مستلزماً للحرج الشديد ؛ فلا تحرم العمليّة المذكورة عليه وعلى الطبيب.

٢٧٩

المسألة الثالثة والثلاثون

زراعة الخلايا والأنسجة داخل المخّ

١ - هل هناك ما يُسمّى بزراعة المخّ ؟

أمّا وقد تمّ الآن زراعة كلّ شيءٍ بشريٍّ في جسم الإنسان تقريباً، من أطراف كالأيدي والأرجل، ومن أعضاء كالقلب والكبد والرئة.. ( والكلية )، فإنّه لم يبق ما لم يُزرع إلاّ المخّ.

إنّنا نعرف أنّه من مبادئ علم زراعة الأعضاء، أنّ العضو الذي يُنقل للزراعة، لابُدّ أن يكون عضواً حيّاً سليماً لنقله مكان عضوٍ تلف وأشرف صاحبه على الوفاة، ونحن نعلم - أيضاً - أنّ وفاة الإنسان تكون لتلف مخّه، واستئصال مخٍّ سليمٍ من شخصٍ ما، هو قتل له، فتكون الترجمة الحرفيّة لهذا العمل هو ( قتل إنسان لنقل مخّه لإنسان توفّى فعلاً ).

فالإنسان الحيّ هو الذي يملك مخّاً حيّاً مهما تلفت بعض أعضاء جسمه ؛ لأنّ أيّها يمكن تعويضه بطريقة أو أُخرى، فمثلاً: الكلى يمكن الاستعاضة عنها بالكلى الصناعيّة، أو بنقل كلى حيّة من متبرِّع، ولا يمكن أنْ يقال: نفس الشيء عن المخ ؛ لأنّ الذي توفّى بتلف مخّه لا يمكن لبشرٍ أن يبعثه بأن ينقل مخّ حيٍّ إليه.

إنّ ما يُقال عن نقل المخّ ما هو إلاّ من قبيل الخيال العلميّ، وعلى الفرض الجدلي: إذا أمكن نقل مخّ إنسانٍ حيٍّ إلى إنسانٍ متوفّى، ففي هذه الحالة يُقال: إنّ جسد المتوفّى قد نُقل إلى المخّ وليس العكس(١) .

___________________

(١) ص٥٥ وص٥٦، رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

٢٨٠