الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية0%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد آصف المحسني
تصنيف: الصفحات: 341
المشاهدات: 89345
تحميل: 7085

توضيحات:

الفقه والمسائل الطبية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89345 / تحميل: 7085
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢ - منذ عدّة سنوات ابتدأت فكرة زراعة أنسجةٍ وخلايا داخل المخّ، في بحوث أكاديميّة مختلفة، على حيوانات المعامل من فئران وغيرها ؛ وذلك لتجربة تأثير عقاقير مختلفة عليها، وكذلك لدراسة تصرّف هذه الخلايا في الظروف البيئيّة المختلفة، كما في مجال دراسة الأورام السرطانيّة سلوكيّاً وعلاجيّاً.

وحيث إنّ زراعة المخّ غير ممكنة، فماذا عن زراعة خلايا أو أنسجة سليمة في مكان آخر تالفة، فيما يشبه عمليّات الترقيع في الجلد مثلاً ؟

إنّ نجاح مثل هذه الزراعة العلاجيّة في حيوانات التجارب، قد تكون مرحلة توطئة لتطبيقها على الإنسان.

ولقد تمّ ذلك بالفعل، وكان لبلاد مثل: السويد والمكسيك قصب السبق في هذا المجال، وصدر عن مراكز أبحاثهم المئات من التقارير والبحوث، بل والأكثر من ذلك: أنّه قد تمّت بالفعل بعض التطبيقات على الإنسان.

ومن هذا الكمّ الكبير للبحوث والتجارب، التي صدرت حتّى الآن، من عددٍ كبيرٍ من الدول في أوروبّا الشرقيّة والغربيّة، والولايات المتّحدة الأمريكيّة، وأمريكا الجنوبيّة، يمكننا أن نتبيّن أن هذه الأبحاث قد تشعّبت وتعدّدت اتجاهاتها، وبالتالي الأغراض التي تهدف إليها، وبصفةٍ عامّةٍ يمكننا الآن أن نقوم بتقسيمها إلى قسمين رئيسين:

أوّلاً : أبحاث تهدف إلى توفير هرمونات معيّنة داخل المخّ، وذلك لتعويض نقصٍ بها ممّا يُعتقد أنّه السبب في ظهور عوارض، أو أمراض عصبيّة، وهي ما يُسمّى بالهرمونات العصبيّة ( Neurotransmitters ) مثل الدوبامين، والكولين، والكاتيكولامين، والهدف من الزراعة هو توفيرها

٢٨١

بصفةٍ مستمرّةٍ من إفراز هذه الأنسجة.

ثانياً : أبحاث تهدف إلى تعويض عن أنسجة تلفت لأسباب مختلفة، كالإصابات في الحوادث، أو نتيجة الالتهابات، أو أمراض الشرايين، وكلّ ما ينتهي إلى تليّفٍ يؤدّي إلى توقّف تنبيهات الحسّ والحركة داخل الجهاز العصبي المركزي، والغرض من الزراعة هنا، هو: محاولة إعادة سريان هذه التنبيهات عن طريق قنوات الاتّصال الجديدة، والتي ستنشأ من هذه الخلايا عبر الأنسجة التالفة المتليّفة، وقد أظهرت التجارب أنّ النتائج تختلف كثيراً اعتماداً على عوامل عدّة، منها نوعيّات الأنسجة المستخدمة في الزراعة، مصادرها، أُسلوب نقلها وأماكن زراعتها بالمخّ، كما تعتمد - أيضاً - على عمر الخلايا المستخدمة وبالتّالي مرحلة نضجها.

زراعة الأنسجة بغرض توفير الهرمونات العصبيّة

١ - ( ربّما كان هذا أوّل الأهداف التي قُصدت من الزراعة، وبالذات لعلاج مرض باركنسون أو الشلل الرعّاش )(١) .

أقول : الغرض من زراعة الخلايا والأنسجة داخل المخّ، أُمورٌ منها: ماعرفته، ومنها: تحسين مظاهر شيخوخة المخّ، ومنها: علاج ضعف الذاكرة، ومنها شفاء مرض السكّر الكاذب، ومنها إعادة دورة الطمث والتبويض مرّةً أُخرى، ومنها احتمال علاج أمراض عصبيّة مستعصية، لا يوجد لها علاج حتّى الآن.

يقول طبيبٌ في هذا المقام: ثمّ هناك تساؤل آخر بل إنّه حلم البشريّة

___________________

(١) ص٦١ وص٦٢ نفس المصدر.

٢٨٢

الأزلي الذي طالما داعب خيالها من مئات الأجيال، وهو هل لهذه الجراحات المقدرة، الصحّة والشباب ؛ فتعالج المخّ الذي هرم والجسم الذي وهن ؟!

وهل يمكن للمرأة العجوز أن تعود إلى نضارتها، وإلى إنجاب الأولاد من جديد ؟

أقول : إذا حصلت للطّبّ هذه المقدرة، بحيث يصبح قادراً على ما ذكرناه هنا على غيره، لكان كلّ تلك الأعمال جائزة شرعاً لا مانع منها، وقد تقدّم في مسألة رفع الموت عن الإنسان جواب بعض الأسئلة المتعلِّقة بالمقام أيضاً، نعم لابُدّ من التوجّه الشديد إلى عدّة أُمور:

١ - لزوم اعتبار الخبرة الكافية للمتصدّي، فإنّ جهاز المخّ معقّد فوق ما يُتصوّر، فلابُدّ من إدامة التجربة العلميّة على مخّ الحيوانات أو غيرها، حتّى حصول اليقين بالنتائج ؛ لئلاّ يضرّ الإنسان بتلفٍ في مخّه.

٢ - عدم جواز إجهاض الجنين لزراعة خلاياه في مخّ المريض ؛ فإنّ إجهاضه حرامٌ كما مرّ، نعم فيما استثنى الإجهاض من الحرمة - سواء جاز أو وجب - لا مانع منها إذا لم تحلّه الحياة، أو زالت حياته، وذلك مع مراعاة ما يتعلّق بالجنين من التجهيز، حسب ما فُصّل في الفقه.

٣ - عدم سلب اختيار الإنسان وإرادته، فإنّا نعلم بعدم رضا الشارع بذلك، والحقّ: أنّ تكليف الإنسان بالشريعة واستحقاقه الثواب والعقاب، كليهما موقوفان على اختيار الإنسان وإرادته.

وقد يتخيّل أنّ كلّ نشاطٍ اختياريٍّ يقوم به الإنسان، هو أثرٌ من آثار الروح بواسطة البدن، والبدن جنديٌّ مطيعٌ للروح، وليس الفكر والشعور والإرادة ناشئة عن الدماغ، نتيجة تفاعلات كيميائيّة وفيزيائيّة، كما يتوهّمها المادّيّون، فيمكن أن يبقى إرادة الإنسان وإن تصرّفوا في مخّه، ولكنّه تخيّلٌ خاطئ، فإنّ الأمر وإن كان كذلك، إلاّ أنّ له تأثيراً كبيراً في أعمال الروح

٢٨٣

وتفكره، فيمكن سلب إرادة الروح بالتصرّف في بعض مواضع المخّ، وان لم يكن معلوماً قطعيّاً.

وأمّا عمليّة المخّ لتغيير الفكر، وبالتّالي لتغيير السلوك، ولو في حدود اختيار الفاعل وإرادته فهي على قسمين:

الأُولى : التغيير إلى الشرّ والفساد، وهذا لا يجوز ؛ لأنّه تعاون على الإثم والعدوان.

الثاني : التغيير إلى الخير والصلاح، وهو يجوز.

وهنا يتوجّه سؤالٌ صعبٌ، وهو أنّه ما هو المعيار للخير والصلاح ؟ وما هو المناط للشرّ والفساد ؟

وجوابه يختلف باختلاف الأديان، بل المذاهب، والحضارات، والأقوام، ولا ضابط له.

لا يُقال: مع تشخيص الخير والصلاح - من نظر الفقه - تدخل عمليّة تغيير الفكر والصفات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي حسنة بل واجبة.

فإنّه يُقال: الأمر والنهي المذكوران تشريعيّان لا تكوينيّان، وبعبارةٍ أُخرى: أنّهما لإحداث الداعي في نفس المكلَّف لإتيان المعروف وترك المنكر، ولا يجب على المكلَّف، من باب الأمر بالمعروف، إيجاد العمل بالقوّة بتوسّط المتخلّف وتارك الواجب، ولا يجب أخذ الدارجة من يد السارق، ولا وضع اليد على فم مَن يغتاب، أو يسب، أو يفتري، أو يُغنّي، ونحو ذلك، وإنْ شئت فقل:

إنّ الأمر والنهي المذكورين غير الدفع والردع، وهذا واضح.

نعم فيما علم من مذاق الشرع ذلك ؛ جاز أو وجب الدفع كما في الزنا واللواط والقتل، مثلاً.

والمقام من قبيل الدفع، ولا يدخل في باب الإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٢٨٤

المسألة الرابعة والثلاثون

نزع عضوٍ من ناقص الخِلْقة

لا يجوز انتزاع عضو من مولود ناقص الخِلْقة ظاهراً أو باطناً، كالوليد عديم الدماغ، ويُراد بعديم الدماغ: الذي يُولد وليس له قبو رأس وليس له فصّان مخّيّان، وإنّما له جذع مخّ يقوم على الوظائف الحيويّة الأساسيّة: من دورةٍ دمويّةٍ، وتنفّس بعد الانفصال حيّاً بالميلاد، ولكنّها حياة محدودة موقوتة، ثمّ يموت بعد ساعات أو أيّام أو أسابيع.

وذلك أنّه إنسانٌ حيٌّ ؛ فلا يجوز قتله، ولا الإضرار به بوجهٍ حتّى لوالديه، فضلاً عن غيرهما، ولا فرق في عدم الجواز بين قصر العمر وطوله جزماً.

ومن الأطبّاء مَن يدعو لجعل غياب المخّ مساوياً لموت المخّ، حتّى وإن كانت منطقة الجذع حيّة، ولكن قام الاعتراض على ذلك ؛ لأنّ أخذ عضوٍ حيويٍّ من إنسانٍ حيٍّ يُعتبر قتلاً، وزاد الأمر تعقيداً أنّ التشريح الدقيق أثبت وجود بقايا نسيج مخّي متلبّسة بجذع المخّ، وأنّ جذع المخّ في بعض الأحيان يكتسب القدرة على القيام ببعض وظائف المخّ النائب(١) .

وقد يُقال: إنّ تشخيص حالة اللاّدماغيّة يمكن التوصّل إليه بصورة مؤكّدة بمجرّد النظر إلى رأس المولود، وبناءً على المعايير، كعدم وجود جزءٍ كبيرٍ من الجمجمة، وكعدم وجود فروة رأسٍ في منطقة الجزء الغائب من الجمجمة، وكوجود أنسجة ليفيّة نازفة مكشوفة، وكعدم وجود نصفي كرتي

___________________

(١) ص١٧٨ وص١٧٩، رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

٢٨٥

الدماغ(١) .

لكن قال بعضهم: إنّه تبيّن أنّ تشخيص موت المخّ في الوليد عديم الدماغ من الصعوبة بمكان...(٢) .

___________________

(١) ص٢٠٢ نفس المصدر.

(٢) ص١٧٩ نفس المصدر.

٢٨٦

المسألة الخامسة والثلاثون

هل هو شخص سابق أو جديد ؟

إذا قدّر الطبّ أنْ يحتفظ جسد المريض بالتبريد قبل موته قليلاً، أو بعد موت الدماغ بدقائق، فيحفظه خمسين أو مئة سنة مثلاً، ثمّ أعاده إلى وضعه الذي كان عليه قبل التبريد، وأزال مرضه السابق فصار حيّاً سليماً(١) ، فهل هو إنسان جديد أو إنسان سابق ؟

وهنا سؤال ثانٍ، وهو أنّ مثل هذا التبريد ما هو حكمه شرعاً ؟

أمّا جواب السؤال الأوّل، فالواقع أنّ حقيقة الإنسانيّة ليست بهذا الهيكل المحسوس، وإنْ كان له دخل في أفعال الروح وتصوّراتها وأفكارها إلى حد، وإنّما قوامها بروحها الناطقة، فإن كان هذا الحيّ بالفعل من حيث عقائده وعلومه وذاكراته مثل ما كان في الحياة السابقة فهو ذاك الإنسان السابق، ويترتّب عليه جميع أحكامه الشرعيّة، وما يتعلّق بروابطه الاجتماعية والحقوقية والأخلاقية، وإن لم يكن مثل السابق، فيمكن أن يُقال بأنّه شخص جديد.

هذا هو التصوّر الابتدائي في هذا المقام لكنّ الأمر لا يخلو عن صعوبة، وذلك أوّلاً، مَن يعلم أنّ روحه - في الحياة الثانية - جديدة بعد إمكان زوال ذاكرته، وتغيّر معلوماته، وعروض النسيان عليه، كما يقول بعض

___________________

(١) كما أمكن ذلك في حقّ البييضة الملقّحة، على ما مرّ في بعض المباحث السابقة، فيمكن غرسها في رحم المرأة بعد خمسين سنة من الانجماد مثلاً.

٢٨٧

العلماء بمثله في موضوع عالم الذرّ والميثاق، بل وكلّ مَن يقول بتقديم خَلْق الروح على البدن، يلتزم بنسيان الروح مشاهداته في تلك المرحلة قبل الولادة، ومن الممكن نسيان ذكره، وتغيّر ملكاته بعد التبريد أو بعد الحياة المجدّدة.

وثانياً : أنّه لا شاهد من التاريخ والتجربة على توارد روحين على بدنٍ واحدٍ متعاقباً.

وعلى كلٍّ، فمع الشكّ في الوحدة والتعدّد يجري استصحاب بقاء الشخصيّة، وعدم تعلّق روح آخر به وبقاء تعلّق الروح السابقة بالنسبة إلى الأحكام الشرعيّة.

هذا كلّه بناءً على أنّ التبريد المذكور يوجب موته، وعليه يُبطل زوجيّته لزوجتها بالموت - كما سبق بحثه - وفي لزوم ردّ ما أخذه الورثة إليه بحث.

وأمّا إذا كان الشخ-ص في حال تبريده حيّاً بنوعٍ من الحياة، فالفرد المذكور هو الفرد السابق بعينه، وحال تبريده كحال نومه.

وهل يجب عليه قضاء صلواته وصيامه ؟ فيه وجهان.

وأمّا جواب السؤال الثاني وحكم هذا التحفّظ فأقول :

الظاهر عدم وجوبه لعدم دليل على وجوب حفظ النفس بهذا النحو، فهو أمرٌ جائز بناءً على بقاء حياته، وأمّا بناءً على موته فلا يبعد تحريمه، فتأمّل ثمّ إذ قبل التبريد حراماً - أي ثبت أنّ التبريد حالة موت، وانقطاع روح عنه فهو محكوم بالموت، فإنّ شكّ الورثة في عودة حياته ؛ فيجوز لهم تقسيم ماله، ويجوز لزوجته الزواج بعد عدّة الوفاة، ولزوجها نكاح أُختها مثلاً، وكذا يجب العمل ببقيّة أحكام الموت، كقضاء عباداته، وقضاء ديونه، والعمل بوصاياه، وإن علموا بعودة حياته - ولو بحسب التجربة - فالحكم بموته لا يخلو عن إشكالٍ بل منع، والله اعلم.

٢٨٨

المسألة السادسة والثلاثون

توضيح حول مرض الإيدز

وفيه مطالب اثنا عشر:

( الأوّل ) : أصبحت عدوى الأمراض الجنسيّة عامّةً، منتشرة في العالم على نطاقٍ واسعٍ، إذ تصاب الآن في كلّ عامٍ أكثر من مئتين وخمسين مليون حالة جديدة، وأمّا عدوى الإيدز وحده فقد أصابت خلال السنوات القليلة الماضية عدداً يقارب أربعة عشر مليوناً من البشر، وينتظر أنْ يرتفع هذا العدد بحلول سنة ألفين إلى أربعين مليوناً أو يزيد(١) ،( لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) (٢) .

وأهمّ طرق العدوى بفيروس الإيدز هو ما يأتي:

١ - الاتّصال الجنسي الذي يكون أحد طرفيه مصاباً بالعدوى، سواء بين أفراد الجنس الواحد أو الجنسين، هذا الطريق يمثّل أكثر من ٩٠% من حالات العدوى، وهناك ممارسات جنسيّة معيّنة تزيد من خطر انتقال العدوى، مثل تعدّد القرناء الجنسيّين، واللواط، والمخالطة الجنسيّة للبغايا، وكذلك وجود أمراض تناسليّة أُخرى(٣) .

وقيل: إنّه إذا جامع الرجل المريض بالايدز زوجته فاحتمال الإصابة نصف في المئة: لكن قيل: إنّ معنى ذلك إذا كان الرجل في شبابه قويّاً

___________________

(١) ص٤٢ رؤية إسلاميّة للمشاكل الاجتماعيّة لمرض الإيدز.

(٢) الروم آية ٤.

(٣) ص٦١ نفس المصدر.

٢٨٩

يجامع في الأُسبوع مرّتين، وثماني مرّات في الشهر، و٩٦ مرّةً في السنة ؛ كان احتمال الإصابة أكثر من ٤٠ أو من ٥٠% في السنة الواحدة، فتصبح النسبة ضخمة(١) .

٢ - الحقن بمحاقن ملوّثة بفيروسات المرض، كما يحدث عند اشتراك مدمني المخدّرات في حقن أنفسهم بمحاقن وإبر ملوّثة.

٣ - الدم ومشتقاته، سواء بنقل الدم العلاجي، أو باستخدام الإبر والمحاقن الملوّثة بالفيروس.

٤ - انتقال العدوى من الأُمّ للجنين: دلّ استعمال أحدث طريقة لكشف جزئيّات الفيروس، على أنّ نسبة إصابة الجنين - وهو في داخل الرحم - بالعدوى هي نسبة ضئيلة لا تتجاوز عشرة بالمئة، وتحدث معظم حالات العدوى للجنين في أثناء الولادة من جرّاء تلوّث الجنين بالمفرزات التناسليّة المعدية بمعدل ثلاثين بالمائة، ولا تنتقل العدوى من الأُمّ إلى الجنين في ستّين بالمئة من الحالات(٢) .

وقال بعض الأطبّاء: إنّ الدورة الدمويّة للأُمّ والجنين لا اتّصال بينهما، والدورة الدمويّة للجنين مستقلّة تماماً عن الدورة الدمويّة للأُمّ، لكنّ بعض العوامل المرضيّة قد تخترق المشيمة، ولكن هذا لم يثبت فيما يتعلّق بالنسبة للايدز(٣) .

( الثاني ) : كلمة الإيدز مركبة في الأحرف الأُولى بالانجليزية لاسم مرضٍ خطيرٍ يُدعى:(متلازمة العوز المناعي المُكْتَسب ) وهو متلازمة أي

___________________

(١) ص٥٣٥ نفس المصدر.

(٢) ص٦٢ نفس المصدر.

(٣) ص٣٢٨ نفس المصدر.

٢٩٠

مجموعة من الأعراض المرضيّة تتلازم وتتزامن، وهو مكتسب لأنّ الإنسان يكتسبه اكتساباً بالعدوى.

ولمّا كان الجهاز المناعي في هذا المرض يتمّ تدميره تدميراً كبيراً، فإنّ الإنسان يُصاب بعوزٍ مناعيٍّ - أي نقص شديد في عناصر المناعة - ينجم عنه عجز الإنسان عن مجابهة سائر أنواع الجراثيم، بما في ذلك تلك الجراثيم التي ليس من عادتها أن تحدث المرض في الإنسان، ولكنّها تنتهز فرصة العوز المناعي لتحدثه، ولذلك تُدعى الجراثيم الانتهازية.

ومرض الإيدز هذا يسبّبه فيروس، وهو كائن دقيق لا يُرى إلاّ بالمجهر الالكتروني، يُطلق عليه اسم ( فيروس العوز المناعي البشري ) وهو ينتقل من الإنسان إلى الإنسان بواسطة سوائل البدن التي تحتوي عليه ( المني وسوائل عنق الرحم وسائل المهبل والدم )(١) .

( الثالث ) : العدوى نزول الجرثوم بساحة البدن، أي دخوله إليه وتكاثره فيه، وليس تعني العدوى حتماً حدوث المرض ؛ لأنّ الله سبحانه قد زوّد الإنسان بجهاز مناعي، يتولّى مسؤوليّة الدفاع عن البدن ضدّ كلّ عدوى تسومه، ويقوم الجهاز المناعي بواسطة أصناف متعدّدة من الخلايا، منها ما يهاجم الجرثوم بذاته فيلتهمه أو يقتله، ومنها ما يهاجم الجرثوم بمفرزاته ( التي نسمّيها الأجسام المضادّة أو الأضداد )، ومنها ما يساعد الأصناف الأُخرى من الخلايا في الهجوم، فيقوم بدور المؤازر والمساعف، ومن أجل ذلك إذا حدثت العدوى فيمكن أن تتطوّر الأُمور في أحد اتجاهات أربعة:

___________________

(١) ص٦٠ وص٦١ نفس المصدر.

٢٩١

أوّلها : أنْ تتغلب وسائل المقاومة في البدن على الجرثوم وتقضي عليه، فلا تظهر أعراض المرض.

وثانيها : أنْ يتغلّب الجرثوم ابتداء على وسائل دفاع البدن فيحدث مرض عدوائي ( أي ناجم عن العدوى ) قد تكون مدته قصيرة وقد تطول، وفي النهاية إما يتغلب الجسم فيحدث الشفاء، أو يتغلب الجرثوم فتحدث الوفاة.

وثالثها : أنّ تقوم وسائل المناعة بتعويق الجرثوم المعتدي، وتضيّق عليه الخناق، ولكنّه يبقى حيّاً متربصاً، ينتهز الفرصة للانقضاض.

ورابعها : أنْ تصل الحرب بين وسائل الدفاع وبين الجرثوم إلى مرحلة هدنةٍ مسلّحةٍ، لا يقضي فيها الجسم على الجرثوم ولا يؤذي الجرثوم الجسم، ولكنّ الشخص يمكن أنْ ينقل الجرثوم إلى جسمٍ آخر ؛ فيسبب فيه العدوى، وربّما المرض، ويسمّى الشخص في هذه الحالة بحامل الجرثوم.

( الرابع ) : بعد أنْ تتمّ العدوى بهذا الفيروس، فإنّه يختفي بسرعة داخل بعض الخلايا، ويأخذ في التكاثر تدريجاً وفي تدمير هذه الخلايا.

وتمرّ العدوى في الجسم بمراحل من أهمّها مرحلة الكمون، يهاجم خلايا الجهاز المناعي ممّا يؤدّي إلى تناقص عددها شيئاً فشيئاً، حتّى تصل إلى المستوى الحرجي، الذي لا يستطيع معه الشخص المصاب مقاومة جراثيم الأمراض، أو الخلايا الضارة مثل الخلايا السرطانيّة، فيحدث ما هو معروف بمرض الإيدز ( أي الاتّصاف بأعراض وعلامات مرضيّة ظاهرة، ترافقها أمراض الجراثيم الانتهازيّة والأورام الخبيثة )(١) ، والغالب أنّ

___________________

(١) ص٦٣ نفس المصدر، في فترة ما بعد عام ١٩٨٣م عرف أن للمرض فيروساً وأعراضاً منها ارتفاع في درجة الحرارة، هزال، وفقدان للشهيّة والوزن، تضخّم في

=

٢٩٢

المريض الذي يصل إلى هذه المرحلة يموت خلال فترة قصيرة، قد تكون أشهراً قليلة ولا تتعدّى السنتين.

وتكون مرحلة الكمون - أي ما بين العدوى وبين ظهور الأمراض المميّزة للمرض - قصيرة نسبيّاً في الأطفال ( أقل من سنتين ) وتتراوح في البالغين ما بين ٧ - ١٠ سنوات، وتقصر هذه المدّة بحدوث أمراض أُخرى مصاحبة أو سوء التغذية، أو الحمل في المرأة، ولذلك فإنّ متوسّطها في أفريقيا خمس سنين لما فيها من سوء التغذية والملاريا، مثلاً في حين يكون متوسطها في أمريكا عشر سنين بفضل التغذية الجيدة، والعلاج المناسب للأمراض المرافقة، ويكون الشخص معدياً طوال هذه المدّة(١) .

( الخامس ) : لا توجد شواهد بيّنة على انتقال العدوى من طريق الحشرات، أو الطعام، أو الشراب، أو المراحيض، أو المسابح ( حمامات السباحة ) أو المقاعد، أو أدوات الطعام المشتركة، أو حتى الملابس المستعملة، وقد ذكرت حالات معدودة في العالم كله، يعتقد فيها أنّ العدوى فيها انتقلت من طريق لبن الأُم، ويُظنّ ظنّاً أنّ المص الذي يمارسه الرضيع مع ما يرافقه من ضغط شديد على الغشاء المخاطي الرقيق في فمه قد يؤدّي إلى انتقال العدوى إذا كانت حلمة الثدي متشقّقة دامية، لكنّ الاحتمال ضئيل جدّاً(٢) ، وقيل: إنّ الطعام والشراب الملوّث، والمستقذَر، لا يبعد أنْ يكون سبباً لهذه المرض(٣) .

___________________

=

الغدد الليمفاويّة ( السهال ) ضعف في البنية، سهولة الإصابة بأمراض أُخرى نتيجة للميكروبات الانتهازيّة.

(١) ص٥٩ وص٦٠ وص٦٣ رؤية إسلاميّة للمشاكل الاجتماعيّة لمرض الإيدز.

(٢) ص٦٢ نفس المصدر.

(٣) ص٥٠٨ نفس المصدر.

٢٩٣

( السادس ) : مدّة العزل هي طوال الحقبة التي يكون الشخص فيها معدياً، وهي محدودة في معظم الأمراض، أمّا في الإيدز فهي العمر كلّه(١) .

( السابع ) : إنّ نسبة الإصابة حتّى تتطوّر إلى مرض، خلال خمس سنوات من العدوى تتراوح ما بين: ٢٥ إلى ٣٠% من المصابين يصبحون في حالات مرضيّة، وخلال عشر سنوات ما بين: ٥٠ إلى ٦٠% يصابون بالمرض، وكلّما طالت المدّة ارتفعت نسبة التحوّل من حامل الجراثيم إلى مريض، خلال ١٤ سنة يمكن لحوالي ٩٥% من الناس الذين أُصيبوا أنْ يتحوّلوا إلى حالات مرضيّة.

( الثامن ) : وأمّا نقل الأعضاء، ففي نقل القرنيّة ثبت أنّها تنقل العدوى، كذلك نقل السعار في إحدى الحالات، وكذلك نقل الكلى في حالات كثيرة، والآن قلّت احتمالات العدوى بهذه الطريقة ؛ لأنّه يتمّ الفحص قبل نقلها.

وأمّا التشريط والحلاقة والحجامة، فيمكن نقل العدوى بشرط أن يستخدم نفس الموسى، وعليه الدم موجود، ويتمّ الحلق لشخصٍ آخر قبل أن يجف هذا الدم، فهذا محتمل معه نقل العدوى(٢) .

( التاسع ) : استقرّت كلمة العقلاء من الغربيّين على أنّ هذا المخلوق المدمِّر للحياة، إنّما نشأ أوّل ما نشأ، ثمّ ترعرع في أحشاء الشواذّ والبغايا ودمائهم، وأنّه أطلّ رأسه أوّل ما ظهر من مستنقع الإباحة التي تسود العالم الغربي، حتّى أطلقوا عليه طاعون الشواذّ، ولم ينشأ عن القرود، ولا من المصانع الحربيّة، ولا من افريقية.

___________________

(١) ص٦٥ نفس المصدر.

(٢) ص١٠٧ نفس المصدر.

٢٩٤

هذا بالنسبة للعوامل الرئيسيّة التي أدّت إلى ولادة هذا المرض، وأمّا بالنسبة إلى طرق انتشاره، واحتلاله لمواقع جديدة من أجساد بني البشر، فإنّ أخطر قنواته هي الممارسات الجنسيّة الشاذّة والإدمان على المخدّرات والبغاء، وأما نقل الدم والتبرّع بالأعضاء، والحمل وغيرها لا تشكل في فاعليّتها سوى نسبة ضئيلة، وهي قنوات يمكن الاحتياط لها بالمراقبة والضبط(١) .

( العاشر ) : فيروس الإيدز لا ينتقل بسهولة كالأمراض المعدية الأُخرى مثل: الملاريا، والتيفوئيد، والكوليرا، والحمّى الشوكيّة، والسلّ ( التدرن )، والتهاب الكبد الفيروسي، وغير ذلك من الأمراض الجلديّة الأخرى.

( الحادي عشر ) : فيروس الإيدز لا يدخل جميع خلايا الجسم، ولكن ما يُصاب من الخلايا يسرع إليه الوصف، فلا يمكن استخراج الفيروس منه إلاّ بموت هذه الخليّة، لكن من فضل الله أنّ خلايا المناعة الأُخرى مثل الخلايا الطبيعيّة القاتلة، والخلايا الآكلة الكبيرة منها ممّا لم تُصب بالفيروس، وهذه الخلايا إذا أُعيدت إلى حالتها الصحيحة يمكن أنْ تقتل الخلايا الملوّثة بالفيروس، إذا ما وصلت إلى حالتها الطبيعيّة. وهذا ما نجد مبشّراته الآن لذلك التوازن(٢) .

( الثاني عشر ) : نقص المناعة الذي يُصاحب مرض الإيدز، يرشّح المريض لعدّة مصائب مهلكة ؛ لعدم القدرة على المقاومة.

ولتوضيح ذلك أقول مختصراً: إنّ الجراثيم أربعة:

١ - فيروسات، وهذه يسهّلها الإيدز بجميع أنواعها وأمراضها

___________________

(١) ص٤٧٤ نفس المصدر.

(٢) ص٥٢٢ نفس المصدر.

٢٩٥

ومخاطرها ما تُعرِّض المريض لاستقبالها، وهو في الحقيقة كذلك.

٢ - فطريّات، وهذه يساعد الإيدز على انتشارها ببعض الطفيليّات.

٣ - ونوع واحد من البكتريا وهي جرثومة السلّ، وهي تعتمد في انتشارها على الخليّة اللمفاويّة، التي يدمّرها ميكروب الإيدز لدرجة أنّ سلّ الطيور الذي لا يجرؤ على إصابة الإنسان السليم، يستطيع أنْ يصيب مريض الإيدز، وهناك حلف بيلوجي بين جرثومة السلّ وجرثومة الإيدز(١) .

نعم إنّ لمرض الإيدز خطورة كبيرة على الجهاز العصبي الذي هو مكوّن من حوالي ١٠٠ مليون خليّة، هذه الخلايا إذا دخل إليها المرض فإنّه يصيب القشرة السطحيّة للمخّ وتتليّف، ويوماً بعد يوم يتكوّن مثل الحمص من الخلايا التي تموت وتتجمّع، ثمّ يصيب الخلايا ( البيزل جانجلي ) ومعناه ( خلايا في قراع المخّ ) ثمّ يبدأ فيصيب الخلايا الأُخرى المختلفة في المخّ.....

خاتمة مؤسفة

نشرت مجلّة ( زد ماغازين ) حول الإيدز ودعارة الأطفال، والأسواق الحرّة في مملكة تايلند...: وازدادت صناعة الجنس في تايلند بعد إبرام معاهدة في العام ١٩٦٧م، والتي كانت تقضي بالسماح للجنود الأمريكيّين بالإتيان إلى تايلند من فيتنام لأجل الراحة والاستجمام، وبحلول عام ١٩٧٤م وصلت أماكن اللّهو والدعارة إلى أكثر من عشرين ألف مكان، فيما رصدت دراسة دوائر الشرطة أكثر من ٤٠٠ ألف مومس وعاهرة في ذلك

___________________

(١) ص٤٤٩ المصدر.

٢٩٦

العام بالذات... وفي يونيو ١٩٨٩ وجد باحثون بأنّ نسبة ٣،١٧% من المومسات... يحملن فيروس الإيدز الايجابي، وبحلول ديسمبر لعام ١٩٨٩ قفزت إلى أكثر من ٤،٢٠%، وفي العام ١٩٩٠ قُدّرت نسبة الأطفال العاملين في صناعة الدعارة الذين أُصيبوا بفيروس الإيدز الايجابي على صعيد البلاد كلّها بحوالي ٦٠%، وفي العام الجاري ( ١٩٩٣ ) بلغ عدد المصابين بالايدز حوالي ٦٠٠ ألف مصاب، ويزداد عدد المصابين بالايدز حوالي ١٢٠٠ شخص تايلندي في اليوم الواحد.

وفي العام ١٩٩٣ يولد ٣٠٠٠ طفل مصاب بمرض الإيدز... وتقدّر منظمة الصحّة العالميّة أنّه بحلول عام ١٩٩٧ فإنّ عدد الأشخاص المتوقّع أن يموتوا بمرض الإيدز يتراوح ما بين ١٢٥٠٠ و١٥٠٠٠٠ شخصاً(١) .

أقول : وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون.

ثمّ إنّ المستفاد من هذا وممّا مرّ في المطلب التاسع وغيره(٢) أنّ سبب فيروس الإيدز هو اللواط، ومباشرة البغايا مع تعدّد القرناء، والمستفاد من غيرها أنّهما سبب الانتقال دون سبب الوجود، وعلى هذا فلم يذكر سبب وجود هذا الفيروس في كلام الأطبّاء، وكأنّه لعدم علمهم به حتّى الآن.

___________________

(١) ص٢٨١ نفس المصدر.

(٢) ص١٨١ المصدر.

٢٩٧

المسألة السابعة والثلاثون

الأحكام الفقهيّة المتعلِّقة بمريض الإيدز وبكلّ مرضٍ مُعْدٍ

١ - يحرم على المريض بالايدز - وبكلّ مرضٍ معدٍ كجملة ما أسميناها في المطلب العاشر من المسألة السابقة - نقل مرضه إلى غيره من المسلمين، وأهل الذمّة والمعاهدين ؛ لحرمة الإضرار بهم جزماً، ويعاقَب المخالِف المتعمّد بما يراه الحاكم الشرعي صلاحاً، ويمكن تحريم نقل الجرثومة إلى الغير، وإن لم تكن بالفعل مرضاً له.

وعلى كلٍّ، الإضرار حرامٌ بأيّ وجهٍ اتفق حتّى بمثل السحر ونحوه، بل العقل يقبِّح حرمة الإضرار بالجِنّ والحيوان، وكل ما يحسّ الألم، وبمقتضى قاعدة الملازمة يمكن أنْ نقول بحرمة ذلك شرعاً، وكذا بإطلاق قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( لا ضرر ولا ضرار ) فيحرم الإضرار مطلقاً، إلاّ فيما دلّ الدليل الشرعي على الجواز كذبح الحيوان واستثماره.

٢ - إذا نقل المريض فيروس الإيدز - أو أيّ مرضٍ معدٍ آخر - إلى غيره فمات به ذلك الغير ولو بعد مدّة، وثبت علميّاً استناد موته إلى نقل العدوى، فإن كان الناقل متعمّداً، جاز لولّي الميّت قصاص الناقل، إذا كان المرض مهلكاً، وإذا كان الناقل جاهلاً أو غافلاً يجب عليه الديّة، على ما تقرّر في كتاب الديّات.

٣ - يستحقّ المنتقل إليه أخذ الغرامة عن الناقل، وحيث إنّه لا ديّة مذكورة له ففيه الأرش، وتكميل البحث فيه بذكر فصول ثلاثة:

٢٩٨

( الأوّل ) : في أصل لزوم الأرش في غير ما ورد فيه الديّة:

قال صاحب الجواهررضي‌الله‌عنه في بحث ديّات الأعضاء(١) في شرح قول ماتنه: ( كلّ ما لا تقدير فيه ففيه الأرش ): المسمّى بالحكومة، وفيه يكون العبد أصلاً للحرّ كما هو - أي الحرّ - أصل له ( أي للعبد ) فيما فيه مقدّر بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافاً إلى إمكان استفادته من النصوص بالخصوص، فضلاً عن استفادة عدم بطلان الجناية، وكونها هدراً حتّى أرش الخدش من الكتاب والسنّة، فليس مع عدم تقديره إلاّ الحكومة، وإلاّ كانت جنايةً لا استيفاءً لها ولا قصاص ولا ديّة، وهو منافٍ لما يمكن القطع به من الأدلّة كتاباً وسنةً وإجماعاً.

أقول : فليكن حكم الأرش مقطوعاً بما ذكره، وببناء العقلاء عليه، وما ورد من عدم سقوط حقّ مسلم(٢) ، وما في أحاديث الجامعة المذخورة عند الأئمّةعليهم‌السلام من ثبوت الأرش حتّى على الخدش والغمز.

( الثاني ) في كيفيّة الأرش:

في الشرائع والجواهر: كلّ موضعٍ قلنا فيه الأرش، أو الحكومة، فهما واحد اصطلاحاً، والمعنى أنّه يقوّم المجروح صحيحاً لو كان مملوكاً تارةً، ويقوّم مع الجناية أُخرى، ويُنسب إلى القيمة الأُولى، ويُعرف التفاوت بينهما، ويُؤخذ من الديّة للنفس لا للعضو بحسابه، أي التفاوت بين القسمين...

وكيف كان، فهذا في الحرّ الذي يكون العبد أصلاً له، في هذا الحال ضرورة توقّف معرفة الفائت على ذلك، بعد عدم التقدير من الشارع له ،

___________________

(١) ص١٦٨ ج٤٣.

(٢) الكافي ج ٧ ص ٣٠٢، والتهذيب ج ١٠ ص ٢٣٢، والفقيه ج ٤ ص ١١٤ نسخة الكومبيوتر.

٢٩٩

والفرض كون الجملة مضمونة بالديّة فتُضمن الأجزاء منها، فيستكشف بذلك كما يستكشف تفاوت المعيب والصحيح، ثمّ يرجع بعد إلى ثمن الذي ضمن به المبيع، فكذلك هنا، وهو واضح(١) .

( الثالث ) : ما يمكن أن يُقال في المقام وبالله الاعتصام:

لا يبعد أنْ يلزم الجاني بدفع جميع ما يحتاج المريض إلى صرفه في علاجه من ثمن الأدوية وأجر الأطباء وما يصرف في مقدّمات التداوي، حتّى أجرة السيّارة، وكذا ما يفوت على المريض من منافعه اليوميّة لأجل المرض، وهذا هو طريق العقلاء في أخذ الغرامة من المعتدي، ولاحِظ الفصل الثالث من كتاب إجارة العروة الوثقى ( المسألة الثالثة )، ولا يحصل لنا علم من إجماع الجواهر، فلا يكون حجّة لنا.

على انّه لا سبيل لنا في مثل هذه الأعصار إلى قيمة العبد، ولا وجود له في بلادنا(٢) .

ولا أدري رأي أهل الاستنباط - أيّدهم الله - في هذا العصر، غير أنّ ما ذكرنا هو الأرجح.

وأمّا في الأمراض التي لا علاج لها، فتعيين أرشها موكول إلى نظر الحاكم بمشورة أهل الخبرة، منهم الأطبّاء، مضافاً إلى غرامة منافع المريض اليوميّة الفائتة لأجل المرض عليه.

ويمكن أنْ نقول في نقل فيروس الإيدز: إنّه يهدم مناعة البدن وهي واحدة، فإتلافها يوجب الديّة كاملةً. لكن قيل: إنّ هذه القاعدة في خصوص الأعضاء دون المنافع، ففي صحيح هشام بن سالم، المرويّ في

___________________

(١) لاحظ ج ٤٣ من الجواهر.

(٢) بل المسلمون اليوم أُسراء بيد الكفّار في العالم، وثلّة منهم يسعون لفكاك رقابهم منهم.

٣٠٠