الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية11%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 92454 / تحميل: 7846
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

٢ - منذ عدّة سنوات ابتدأت فكرة زراعة أنسجةٍ وخلايا داخل المخّ، في بحوث أكاديميّة مختلفة، على حيوانات المعامل من فئران وغيرها ؛ وذلك لتجربة تأثير عقاقير مختلفة عليها، وكذلك لدراسة تصرّف هذه الخلايا في الظروف البيئيّة المختلفة، كما في مجال دراسة الأورام السرطانيّة سلوكيّاً وعلاجيّاً.

وحيث إنّ زراعة المخّ غير ممكنة، فماذا عن زراعة خلايا أو أنسجة سليمة في مكان آخر تالفة، فيما يشبه عمليّات الترقيع في الجلد مثلاً ؟

إنّ نجاح مثل هذه الزراعة العلاجيّة في حيوانات التجارب، قد تكون مرحلة توطئة لتطبيقها على الإنسان.

ولقد تمّ ذلك بالفعل، وكان لبلاد مثل: السويد والمكسيك قصب السبق في هذا المجال، وصدر عن مراكز أبحاثهم المئات من التقارير والبحوث، بل والأكثر من ذلك: أنّه قد تمّت بالفعل بعض التطبيقات على الإنسان.

ومن هذا الكمّ الكبير للبحوث والتجارب، التي صدرت حتّى الآن، من عددٍ كبيرٍ من الدول في أوروبّا الشرقيّة والغربيّة، والولايات المتّحدة الأمريكيّة، وأمريكا الجنوبيّة، يمكننا أن نتبيّن أن هذه الأبحاث قد تشعّبت وتعدّدت اتجاهاتها، وبالتالي الأغراض التي تهدف إليها، وبصفةٍ عامّةٍ يمكننا الآن أن نقوم بتقسيمها إلى قسمين رئيسين:

أوّلاً : أبحاث تهدف إلى توفير هرمونات معيّنة داخل المخّ، وذلك لتعويض نقصٍ بها ممّا يُعتقد أنّه السبب في ظهور عوارض، أو أمراض عصبيّة، وهي ما يُسمّى بالهرمونات العصبيّة ( Neurotransmitters ) مثل الدوبامين، والكولين، والكاتيكولامين، والهدف من الزراعة هو توفيرها

٢٨١

بصفةٍ مستمرّةٍ من إفراز هذه الأنسجة.

ثانياً : أبحاث تهدف إلى تعويض عن أنسجة تلفت لأسباب مختلفة، كالإصابات في الحوادث، أو نتيجة الالتهابات، أو أمراض الشرايين، وكلّ ما ينتهي إلى تليّفٍ يؤدّي إلى توقّف تنبيهات الحسّ والحركة داخل الجهاز العصبي المركزي، والغرض من الزراعة هنا، هو: محاولة إعادة سريان هذه التنبيهات عن طريق قنوات الاتّصال الجديدة، والتي ستنشأ من هذه الخلايا عبر الأنسجة التالفة المتليّفة، وقد أظهرت التجارب أنّ النتائج تختلف كثيراً اعتماداً على عوامل عدّة، منها نوعيّات الأنسجة المستخدمة في الزراعة، مصادرها، أُسلوب نقلها وأماكن زراعتها بالمخّ، كما تعتمد - أيضاً - على عمر الخلايا المستخدمة وبالتّالي مرحلة نضجها.

زراعة الأنسجة بغرض توفير الهرمونات العصبيّة

١ - ( ربّما كان هذا أوّل الأهداف التي قُصدت من الزراعة، وبالذات لعلاج مرض باركنسون أو الشلل الرعّاش )(١) .

أقول : الغرض من زراعة الخلايا والأنسجة داخل المخّ، أُمورٌ منها: ماعرفته، ومنها: تحسين مظاهر شيخوخة المخّ، ومنها: علاج ضعف الذاكرة، ومنها شفاء مرض السكّر الكاذب، ومنها إعادة دورة الطمث والتبويض مرّةً أُخرى، ومنها احتمال علاج أمراض عصبيّة مستعصية، لا يوجد لها علاج حتّى الآن.

يقول طبيبٌ في هذا المقام: ثمّ هناك تساؤل آخر بل إنّه حلم البشريّة

___________________

(١) ص٦١ وص٦٢ نفس المصدر.

٢٨٢

الأزلي الذي طالما داعب خيالها من مئات الأجيال، وهو هل لهذه الجراحات المقدرة، الصحّة والشباب ؛ فتعالج المخّ الذي هرم والجسم الذي وهن ؟!

وهل يمكن للمرأة العجوز أن تعود إلى نضارتها، وإلى إنجاب الأولاد من جديد ؟

أقول : إذا حصلت للطّبّ هذه المقدرة، بحيث يصبح قادراً على ما ذكرناه هنا على غيره، لكان كلّ تلك الأعمال جائزة شرعاً لا مانع منها، وقد تقدّم في مسألة رفع الموت عن الإنسان جواب بعض الأسئلة المتعلِّقة بالمقام أيضاً، نعم لابُدّ من التوجّه الشديد إلى عدّة أُمور:

١ - لزوم اعتبار الخبرة الكافية للمتصدّي، فإنّ جهاز المخّ معقّد فوق ما يُتصوّر، فلابُدّ من إدامة التجربة العلميّة على مخّ الحيوانات أو غيرها، حتّى حصول اليقين بالنتائج ؛ لئلاّ يضرّ الإنسان بتلفٍ في مخّه.

٢ - عدم جواز إجهاض الجنين لزراعة خلاياه في مخّ المريض ؛ فإنّ إجهاضه حرامٌ كما مرّ، نعم فيما استثنى الإجهاض من الحرمة - سواء جاز أو وجب - لا مانع منها إذا لم تحلّه الحياة، أو زالت حياته، وذلك مع مراعاة ما يتعلّق بالجنين من التجهيز، حسب ما فُصّل في الفقه.

٣ - عدم سلب اختيار الإنسان وإرادته، فإنّا نعلم بعدم رضا الشارع بذلك، والحقّ: أنّ تكليف الإنسان بالشريعة واستحقاقه الثواب والعقاب، كليهما موقوفان على اختيار الإنسان وإرادته.

وقد يتخيّل أنّ كلّ نشاطٍ اختياريٍّ يقوم به الإنسان، هو أثرٌ من آثار الروح بواسطة البدن، والبدن جنديٌّ مطيعٌ للروح، وليس الفكر والشعور والإرادة ناشئة عن الدماغ، نتيجة تفاعلات كيميائيّة وفيزيائيّة، كما يتوهّمها المادّيّون، فيمكن أن يبقى إرادة الإنسان وإن تصرّفوا في مخّه، ولكنّه تخيّلٌ خاطئ، فإنّ الأمر وإن كان كذلك، إلاّ أنّ له تأثيراً كبيراً في أعمال الروح

٢٨٣

وتفكره، فيمكن سلب إرادة الروح بالتصرّف في بعض مواضع المخّ، وان لم يكن معلوماً قطعيّاً.

وأمّا عمليّة المخّ لتغيير الفكر، وبالتّالي لتغيير السلوك، ولو في حدود اختيار الفاعل وإرادته فهي على قسمين:

الأُولى : التغيير إلى الشرّ والفساد، وهذا لا يجوز ؛ لأنّه تعاون على الإثم والعدوان.

الثاني : التغيير إلى الخير والصلاح، وهو يجوز.

وهنا يتوجّه سؤالٌ صعبٌ، وهو أنّه ما هو المعيار للخير والصلاح ؟ وما هو المناط للشرّ والفساد ؟

وجوابه يختلف باختلاف الأديان، بل المذاهب، والحضارات، والأقوام، ولا ضابط له.

لا يُقال: مع تشخيص الخير والصلاح - من نظر الفقه - تدخل عمليّة تغيير الفكر والصفات في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهي حسنة بل واجبة.

فإنّه يُقال: الأمر والنهي المذكوران تشريعيّان لا تكوينيّان، وبعبارةٍ أُخرى: أنّهما لإحداث الداعي في نفس المكلَّف لإتيان المعروف وترك المنكر، ولا يجب على المكلَّف، من باب الأمر بالمعروف، إيجاد العمل بالقوّة بتوسّط المتخلّف وتارك الواجب، ولا يجب أخذ الدارجة من يد السارق، ولا وضع اليد على فم مَن يغتاب، أو يسب، أو يفتري، أو يُغنّي، ونحو ذلك، وإنْ شئت فقل:

إنّ الأمر والنهي المذكورين غير الدفع والردع، وهذا واضح.

نعم فيما علم من مذاق الشرع ذلك ؛ جاز أو وجب الدفع كما في الزنا واللواط والقتل، مثلاً.

والمقام من قبيل الدفع، ولا يدخل في باب الإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

٢٨٤

المسألة الرابعة والثلاثون

نزع عضوٍ من ناقص الخِلْقة

لا يجوز انتزاع عضو من مولود ناقص الخِلْقة ظاهراً أو باطناً، كالوليد عديم الدماغ، ويُراد بعديم الدماغ: الذي يُولد وليس له قبو رأس وليس له فصّان مخّيّان، وإنّما له جذع مخّ يقوم على الوظائف الحيويّة الأساسيّة: من دورةٍ دمويّةٍ، وتنفّس بعد الانفصال حيّاً بالميلاد، ولكنّها حياة محدودة موقوتة، ثمّ يموت بعد ساعات أو أيّام أو أسابيع.

وذلك أنّه إنسانٌ حيٌّ ؛ فلا يجوز قتله، ولا الإضرار به بوجهٍ حتّى لوالديه، فضلاً عن غيرهما، ولا فرق في عدم الجواز بين قصر العمر وطوله جزماً.

ومن الأطبّاء مَن يدعو لجعل غياب المخّ مساوياً لموت المخّ، حتّى وإن كانت منطقة الجذع حيّة، ولكن قام الاعتراض على ذلك ؛ لأنّ أخذ عضوٍ حيويٍّ من إنسانٍ حيٍّ يُعتبر قتلاً، وزاد الأمر تعقيداً أنّ التشريح الدقيق أثبت وجود بقايا نسيج مخّي متلبّسة بجذع المخّ، وأنّ جذع المخّ في بعض الأحيان يكتسب القدرة على القيام ببعض وظائف المخّ النائب(١) .

وقد يُقال: إنّ تشخيص حالة اللاّدماغيّة يمكن التوصّل إليه بصورة مؤكّدة بمجرّد النظر إلى رأس المولود، وبناءً على المعايير، كعدم وجود جزءٍ كبيرٍ من الجمجمة، وكعدم وجود فروة رأسٍ في منطقة الجزء الغائب من الجمجمة، وكوجود أنسجة ليفيّة نازفة مكشوفة، وكعدم وجود نصفي كرتي

___________________

(١) ص١٧٨ وص١٧٩، رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

٢٨٥

الدماغ(١) .

لكن قال بعضهم: إنّه تبيّن أنّ تشخيص موت المخّ في الوليد عديم الدماغ من الصعوبة بمكان...(٢) .

___________________

(١) ص٢٠٢ نفس المصدر.

(٢) ص١٧٩ نفس المصدر.

٢٨٦

المسألة الخامسة والثلاثون

هل هو شخص سابق أو جديد ؟

إذا قدّر الطبّ أنْ يحتفظ جسد المريض بالتبريد قبل موته قليلاً، أو بعد موت الدماغ بدقائق، فيحفظه خمسين أو مئة سنة مثلاً، ثمّ أعاده إلى وضعه الذي كان عليه قبل التبريد، وأزال مرضه السابق فصار حيّاً سليماً(١) ، فهل هو إنسان جديد أو إنسان سابق ؟

وهنا سؤال ثانٍ، وهو أنّ مثل هذا التبريد ما هو حكمه شرعاً ؟

أمّا جواب السؤال الأوّل، فالواقع أنّ حقيقة الإنسانيّة ليست بهذا الهيكل المحسوس، وإنْ كان له دخل في أفعال الروح وتصوّراتها وأفكارها إلى حد، وإنّما قوامها بروحها الناطقة، فإن كان هذا الحيّ بالفعل من حيث عقائده وعلومه وذاكراته مثل ما كان في الحياة السابقة فهو ذاك الإنسان السابق، ويترتّب عليه جميع أحكامه الشرعيّة، وما يتعلّق بروابطه الاجتماعية والحقوقية والأخلاقية، وإن لم يكن مثل السابق، فيمكن أن يُقال بأنّه شخص جديد.

هذا هو التصوّر الابتدائي في هذا المقام لكنّ الأمر لا يخلو عن صعوبة، وذلك أوّلاً، مَن يعلم أنّ روحه - في الحياة الثانية - جديدة بعد إمكان زوال ذاكرته، وتغيّر معلوماته، وعروض النسيان عليه، كما يقول بعض

___________________

(١) كما أمكن ذلك في حقّ البييضة الملقّحة، على ما مرّ في بعض المباحث السابقة، فيمكن غرسها في رحم المرأة بعد خمسين سنة من الانجماد مثلاً.

٢٨٧

العلماء بمثله في موضوع عالم الذرّ والميثاق، بل وكلّ مَن يقول بتقديم خَلْق الروح على البدن، يلتزم بنسيان الروح مشاهداته في تلك المرحلة قبل الولادة، ومن الممكن نسيان ذكره، وتغيّر ملكاته بعد التبريد أو بعد الحياة المجدّدة.

وثانياً : أنّه لا شاهد من التاريخ والتجربة على توارد روحين على بدنٍ واحدٍ متعاقباً.

وعلى كلٍّ، فمع الشكّ في الوحدة والتعدّد يجري استصحاب بقاء الشخصيّة، وعدم تعلّق روح آخر به وبقاء تعلّق الروح السابقة بالنسبة إلى الأحكام الشرعيّة.

هذا كلّه بناءً على أنّ التبريد المذكور يوجب موته، وعليه يُبطل زوجيّته لزوجتها بالموت - كما سبق بحثه - وفي لزوم ردّ ما أخذه الورثة إليه بحث.

وأمّا إذا كان الشخ-ص في حال تبريده حيّاً بنوعٍ من الحياة، فالفرد المذكور هو الفرد السابق بعينه، وحال تبريده كحال نومه.

وهل يجب عليه قضاء صلواته وصيامه ؟ فيه وجهان.

وأمّا جواب السؤال الثاني وحكم هذا التحفّظ فأقول :

الظاهر عدم وجوبه لعدم دليل على وجوب حفظ النفس بهذا النحو، فهو أمرٌ جائز بناءً على بقاء حياته، وأمّا بناءً على موته فلا يبعد تحريمه، فتأمّل ثمّ إذ قبل التبريد حراماً - أي ثبت أنّ التبريد حالة موت، وانقطاع روح عنه فهو محكوم بالموت، فإنّ شكّ الورثة في عودة حياته ؛ فيجوز لهم تقسيم ماله، ويجوز لزوجته الزواج بعد عدّة الوفاة، ولزوجها نكاح أُختها مثلاً، وكذا يجب العمل ببقيّة أحكام الموت، كقضاء عباداته، وقضاء ديونه، والعمل بوصاياه، وإن علموا بعودة حياته - ولو بحسب التجربة - فالحكم بموته لا يخلو عن إشكالٍ بل منع، والله اعلم.

٢٨٨

المسألة السادسة والثلاثون

توضيح حول مرض الإيدز

وفيه مطالب اثنا عشر:

( الأوّل ) : أصبحت عدوى الأمراض الجنسيّة عامّةً، منتشرة في العالم على نطاقٍ واسعٍ، إذ تصاب الآن في كلّ عامٍ أكثر من مئتين وخمسين مليون حالة جديدة، وأمّا عدوى الإيدز وحده فقد أصابت خلال السنوات القليلة الماضية عدداً يقارب أربعة عشر مليوناً من البشر، وينتظر أنْ يرتفع هذا العدد بحلول سنة ألفين إلى أربعين مليوناً أو يزيد(١) ،( لِلَّهِ الأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ ) (٢) .

وأهمّ طرق العدوى بفيروس الإيدز هو ما يأتي:

١ - الاتّصال الجنسي الذي يكون أحد طرفيه مصاباً بالعدوى، سواء بين أفراد الجنس الواحد أو الجنسين، هذا الطريق يمثّل أكثر من ٩٠% من حالات العدوى، وهناك ممارسات جنسيّة معيّنة تزيد من خطر انتقال العدوى، مثل تعدّد القرناء الجنسيّين، واللواط، والمخالطة الجنسيّة للبغايا، وكذلك وجود أمراض تناسليّة أُخرى(٣) .

وقيل: إنّه إذا جامع الرجل المريض بالايدز زوجته فاحتمال الإصابة نصف في المئة: لكن قيل: إنّ معنى ذلك إذا كان الرجل في شبابه قويّاً

___________________

(١) ص٤٢ رؤية إسلاميّة للمشاكل الاجتماعيّة لمرض الإيدز.

(٢) الروم آية ٤.

(٣) ص٦١ نفس المصدر.

٢٨٩

يجامع في الأُسبوع مرّتين، وثماني مرّات في الشهر، و٩٦ مرّةً في السنة ؛ كان احتمال الإصابة أكثر من ٤٠ أو من ٥٠% في السنة الواحدة، فتصبح النسبة ضخمة(١) .

٢ - الحقن بمحاقن ملوّثة بفيروسات المرض، كما يحدث عند اشتراك مدمني المخدّرات في حقن أنفسهم بمحاقن وإبر ملوّثة.

٣ - الدم ومشتقاته، سواء بنقل الدم العلاجي، أو باستخدام الإبر والمحاقن الملوّثة بالفيروس.

٤ - انتقال العدوى من الأُمّ للجنين: دلّ استعمال أحدث طريقة لكشف جزئيّات الفيروس، على أنّ نسبة إصابة الجنين - وهو في داخل الرحم - بالعدوى هي نسبة ضئيلة لا تتجاوز عشرة بالمئة، وتحدث معظم حالات العدوى للجنين في أثناء الولادة من جرّاء تلوّث الجنين بالمفرزات التناسليّة المعدية بمعدل ثلاثين بالمائة، ولا تنتقل العدوى من الأُمّ إلى الجنين في ستّين بالمئة من الحالات(٢) .

وقال بعض الأطبّاء: إنّ الدورة الدمويّة للأُمّ والجنين لا اتّصال بينهما، والدورة الدمويّة للجنين مستقلّة تماماً عن الدورة الدمويّة للأُمّ، لكنّ بعض العوامل المرضيّة قد تخترق المشيمة، ولكن هذا لم يثبت فيما يتعلّق بالنسبة للايدز(٣) .

( الثاني ) : كلمة الإيدز مركبة في الأحرف الأُولى بالانجليزية لاسم مرضٍ خطيرٍ يُدعى:(متلازمة العوز المناعي المُكْتَسب ) وهو متلازمة أي

___________________

(١) ص٥٣٥ نفس المصدر.

(٢) ص٦٢ نفس المصدر.

(٣) ص٣٢٨ نفس المصدر.

٢٩٠

مجموعة من الأعراض المرضيّة تتلازم وتتزامن، وهو مكتسب لأنّ الإنسان يكتسبه اكتساباً بالعدوى.

ولمّا كان الجهاز المناعي في هذا المرض يتمّ تدميره تدميراً كبيراً، فإنّ الإنسان يُصاب بعوزٍ مناعيٍّ - أي نقص شديد في عناصر المناعة - ينجم عنه عجز الإنسان عن مجابهة سائر أنواع الجراثيم، بما في ذلك تلك الجراثيم التي ليس من عادتها أن تحدث المرض في الإنسان، ولكنّها تنتهز فرصة العوز المناعي لتحدثه، ولذلك تُدعى الجراثيم الانتهازية.

ومرض الإيدز هذا يسبّبه فيروس، وهو كائن دقيق لا يُرى إلاّ بالمجهر الالكتروني، يُطلق عليه اسم ( فيروس العوز المناعي البشري ) وهو ينتقل من الإنسان إلى الإنسان بواسطة سوائل البدن التي تحتوي عليه ( المني وسوائل عنق الرحم وسائل المهبل والدم )(١) .

( الثالث ) : العدوى نزول الجرثوم بساحة البدن، أي دخوله إليه وتكاثره فيه، وليس تعني العدوى حتماً حدوث المرض ؛ لأنّ الله سبحانه قد زوّد الإنسان بجهاز مناعي، يتولّى مسؤوليّة الدفاع عن البدن ضدّ كلّ عدوى تسومه، ويقوم الجهاز المناعي بواسطة أصناف متعدّدة من الخلايا، منها ما يهاجم الجرثوم بذاته فيلتهمه أو يقتله، ومنها ما يهاجم الجرثوم بمفرزاته ( التي نسمّيها الأجسام المضادّة أو الأضداد )، ومنها ما يساعد الأصناف الأُخرى من الخلايا في الهجوم، فيقوم بدور المؤازر والمساعف، ومن أجل ذلك إذا حدثت العدوى فيمكن أن تتطوّر الأُمور في أحد اتجاهات أربعة:

___________________

(١) ص٦٠ وص٦١ نفس المصدر.

٢٩١

أوّلها : أنْ تتغلب وسائل المقاومة في البدن على الجرثوم وتقضي عليه، فلا تظهر أعراض المرض.

وثانيها : أنْ يتغلّب الجرثوم ابتداء على وسائل دفاع البدن فيحدث مرض عدوائي ( أي ناجم عن العدوى ) قد تكون مدته قصيرة وقد تطول، وفي النهاية إما يتغلب الجسم فيحدث الشفاء، أو يتغلب الجرثوم فتحدث الوفاة.

وثالثها : أنّ تقوم وسائل المناعة بتعويق الجرثوم المعتدي، وتضيّق عليه الخناق، ولكنّه يبقى حيّاً متربصاً، ينتهز الفرصة للانقضاض.

ورابعها : أنْ تصل الحرب بين وسائل الدفاع وبين الجرثوم إلى مرحلة هدنةٍ مسلّحةٍ، لا يقضي فيها الجسم على الجرثوم ولا يؤذي الجرثوم الجسم، ولكنّ الشخص يمكن أنْ ينقل الجرثوم إلى جسمٍ آخر ؛ فيسبب فيه العدوى، وربّما المرض، ويسمّى الشخص في هذه الحالة بحامل الجرثوم.

( الرابع ) : بعد أنْ تتمّ العدوى بهذا الفيروس، فإنّه يختفي بسرعة داخل بعض الخلايا، ويأخذ في التكاثر تدريجاً وفي تدمير هذه الخلايا.

وتمرّ العدوى في الجسم بمراحل من أهمّها مرحلة الكمون، يهاجم خلايا الجهاز المناعي ممّا يؤدّي إلى تناقص عددها شيئاً فشيئاً، حتّى تصل إلى المستوى الحرجي، الذي لا يستطيع معه الشخص المصاب مقاومة جراثيم الأمراض، أو الخلايا الضارة مثل الخلايا السرطانيّة، فيحدث ما هو معروف بمرض الإيدز ( أي الاتّصاف بأعراض وعلامات مرضيّة ظاهرة، ترافقها أمراض الجراثيم الانتهازيّة والأورام الخبيثة )(١) ، والغالب أنّ

___________________

(١) ص٦٣ نفس المصدر، في فترة ما بعد عام ١٩٨٣م عرف أن للمرض فيروساً وأعراضاً منها ارتفاع في درجة الحرارة، هزال، وفقدان للشهيّة والوزن، تضخّم في

=

٢٩٢

المريض الذي يصل إلى هذه المرحلة يموت خلال فترة قصيرة، قد تكون أشهراً قليلة ولا تتعدّى السنتين.

وتكون مرحلة الكمون - أي ما بين العدوى وبين ظهور الأمراض المميّزة للمرض - قصيرة نسبيّاً في الأطفال ( أقل من سنتين ) وتتراوح في البالغين ما بين ٧ - ١٠ سنوات، وتقصر هذه المدّة بحدوث أمراض أُخرى مصاحبة أو سوء التغذية، أو الحمل في المرأة، ولذلك فإنّ متوسّطها في أفريقيا خمس سنين لما فيها من سوء التغذية والملاريا، مثلاً في حين يكون متوسطها في أمريكا عشر سنين بفضل التغذية الجيدة، والعلاج المناسب للأمراض المرافقة، ويكون الشخص معدياً طوال هذه المدّة(١) .

( الخامس ) : لا توجد شواهد بيّنة على انتقال العدوى من طريق الحشرات، أو الطعام، أو الشراب، أو المراحيض، أو المسابح ( حمامات السباحة ) أو المقاعد، أو أدوات الطعام المشتركة، أو حتى الملابس المستعملة، وقد ذكرت حالات معدودة في العالم كله، يعتقد فيها أنّ العدوى فيها انتقلت من طريق لبن الأُم، ويُظنّ ظنّاً أنّ المص الذي يمارسه الرضيع مع ما يرافقه من ضغط شديد على الغشاء المخاطي الرقيق في فمه قد يؤدّي إلى انتقال العدوى إذا كانت حلمة الثدي متشقّقة دامية، لكنّ الاحتمال ضئيل جدّاً(٢) ، وقيل: إنّ الطعام والشراب الملوّث، والمستقذَر، لا يبعد أنْ يكون سبباً لهذه المرض(٣) .

___________________

=

الغدد الليمفاويّة ( السهال ) ضعف في البنية، سهولة الإصابة بأمراض أُخرى نتيجة للميكروبات الانتهازيّة.

(١) ص٥٩ وص٦٠ وص٦٣ رؤية إسلاميّة للمشاكل الاجتماعيّة لمرض الإيدز.

(٢) ص٦٢ نفس المصدر.

(٣) ص٥٠٨ نفس المصدر.

٢٩٣

( السادس ) : مدّة العزل هي طوال الحقبة التي يكون الشخص فيها معدياً، وهي محدودة في معظم الأمراض، أمّا في الإيدز فهي العمر كلّه(١) .

( السابع ) : إنّ نسبة الإصابة حتّى تتطوّر إلى مرض، خلال خمس سنوات من العدوى تتراوح ما بين: ٢٥ إلى ٣٠% من المصابين يصبحون في حالات مرضيّة، وخلال عشر سنوات ما بين: ٥٠ إلى ٦٠% يصابون بالمرض، وكلّما طالت المدّة ارتفعت نسبة التحوّل من حامل الجراثيم إلى مريض، خلال ١٤ سنة يمكن لحوالي ٩٥% من الناس الذين أُصيبوا أنْ يتحوّلوا إلى حالات مرضيّة.

( الثامن ) : وأمّا نقل الأعضاء، ففي نقل القرنيّة ثبت أنّها تنقل العدوى، كذلك نقل السعار في إحدى الحالات، وكذلك نقل الكلى في حالات كثيرة، والآن قلّت احتمالات العدوى بهذه الطريقة ؛ لأنّه يتمّ الفحص قبل نقلها.

وأمّا التشريط والحلاقة والحجامة، فيمكن نقل العدوى بشرط أن يستخدم نفس الموسى، وعليه الدم موجود، ويتمّ الحلق لشخصٍ آخر قبل أن يجف هذا الدم، فهذا محتمل معه نقل العدوى(٢) .

( التاسع ) : استقرّت كلمة العقلاء من الغربيّين على أنّ هذا المخلوق المدمِّر للحياة، إنّما نشأ أوّل ما نشأ، ثمّ ترعرع في أحشاء الشواذّ والبغايا ودمائهم، وأنّه أطلّ رأسه أوّل ما ظهر من مستنقع الإباحة التي تسود العالم الغربي، حتّى أطلقوا عليه طاعون الشواذّ، ولم ينشأ عن القرود، ولا من المصانع الحربيّة، ولا من افريقية.

___________________

(١) ص٦٥ نفس المصدر.

(٢) ص١٠٧ نفس المصدر.

٢٩٤

هذا بالنسبة للعوامل الرئيسيّة التي أدّت إلى ولادة هذا المرض، وأمّا بالنسبة إلى طرق انتشاره، واحتلاله لمواقع جديدة من أجساد بني البشر، فإنّ أخطر قنواته هي الممارسات الجنسيّة الشاذّة والإدمان على المخدّرات والبغاء، وأما نقل الدم والتبرّع بالأعضاء، والحمل وغيرها لا تشكل في فاعليّتها سوى نسبة ضئيلة، وهي قنوات يمكن الاحتياط لها بالمراقبة والضبط(١) .

( العاشر ) : فيروس الإيدز لا ينتقل بسهولة كالأمراض المعدية الأُخرى مثل: الملاريا، والتيفوئيد، والكوليرا، والحمّى الشوكيّة، والسلّ ( التدرن )، والتهاب الكبد الفيروسي، وغير ذلك من الأمراض الجلديّة الأخرى.

( الحادي عشر ) : فيروس الإيدز لا يدخل جميع خلايا الجسم، ولكن ما يُصاب من الخلايا يسرع إليه الوصف، فلا يمكن استخراج الفيروس منه إلاّ بموت هذه الخليّة، لكن من فضل الله أنّ خلايا المناعة الأُخرى مثل الخلايا الطبيعيّة القاتلة، والخلايا الآكلة الكبيرة منها ممّا لم تُصب بالفيروس، وهذه الخلايا إذا أُعيدت إلى حالتها الصحيحة يمكن أنْ تقتل الخلايا الملوّثة بالفيروس، إذا ما وصلت إلى حالتها الطبيعيّة. وهذا ما نجد مبشّراته الآن لذلك التوازن(٢) .

( الثاني عشر ) : نقص المناعة الذي يُصاحب مرض الإيدز، يرشّح المريض لعدّة مصائب مهلكة ؛ لعدم القدرة على المقاومة.

ولتوضيح ذلك أقول مختصراً: إنّ الجراثيم أربعة:

١ - فيروسات، وهذه يسهّلها الإيدز بجميع أنواعها وأمراضها

___________________

(١) ص٤٧٤ نفس المصدر.

(٢) ص٥٢٢ نفس المصدر.

٢٩٥

ومخاطرها ما تُعرِّض المريض لاستقبالها، وهو في الحقيقة كذلك.

٢ - فطريّات، وهذه يساعد الإيدز على انتشارها ببعض الطفيليّات.

٣ - ونوع واحد من البكتريا وهي جرثومة السلّ، وهي تعتمد في انتشارها على الخليّة اللمفاويّة، التي يدمّرها ميكروب الإيدز لدرجة أنّ سلّ الطيور الذي لا يجرؤ على إصابة الإنسان السليم، يستطيع أنْ يصيب مريض الإيدز، وهناك حلف بيلوجي بين جرثومة السلّ وجرثومة الإيدز(١) .

نعم إنّ لمرض الإيدز خطورة كبيرة على الجهاز العصبي الذي هو مكوّن من حوالي ١٠٠ مليون خليّة، هذه الخلايا إذا دخل إليها المرض فإنّه يصيب القشرة السطحيّة للمخّ وتتليّف، ويوماً بعد يوم يتكوّن مثل الحمص من الخلايا التي تموت وتتجمّع، ثمّ يصيب الخلايا ( البيزل جانجلي ) ومعناه ( خلايا في قراع المخّ ) ثمّ يبدأ فيصيب الخلايا الأُخرى المختلفة في المخّ.....

خاتمة مؤسفة

نشرت مجلّة ( زد ماغازين ) حول الإيدز ودعارة الأطفال، والأسواق الحرّة في مملكة تايلند...: وازدادت صناعة الجنس في تايلند بعد إبرام معاهدة في العام ١٩٦٧م، والتي كانت تقضي بالسماح للجنود الأمريكيّين بالإتيان إلى تايلند من فيتنام لأجل الراحة والاستجمام، وبحلول عام ١٩٧٤م وصلت أماكن اللّهو والدعارة إلى أكثر من عشرين ألف مكان، فيما رصدت دراسة دوائر الشرطة أكثر من ٤٠٠ ألف مومس وعاهرة في ذلك

___________________

(١) ص٤٤٩ المصدر.

٢٩٦

العام بالذات... وفي يونيو ١٩٨٩ وجد باحثون بأنّ نسبة ٣،١٧% من المومسات... يحملن فيروس الإيدز الايجابي، وبحلول ديسمبر لعام ١٩٨٩ قفزت إلى أكثر من ٤،٢٠%، وفي العام ١٩٩٠ قُدّرت نسبة الأطفال العاملين في صناعة الدعارة الذين أُصيبوا بفيروس الإيدز الايجابي على صعيد البلاد كلّها بحوالي ٦٠%، وفي العام الجاري ( ١٩٩٣ ) بلغ عدد المصابين بالايدز حوالي ٦٠٠ ألف مصاب، ويزداد عدد المصابين بالايدز حوالي ١٢٠٠ شخص تايلندي في اليوم الواحد.

وفي العام ١٩٩٣ يولد ٣٠٠٠ طفل مصاب بمرض الإيدز... وتقدّر منظمة الصحّة العالميّة أنّه بحلول عام ١٩٩٧ فإنّ عدد الأشخاص المتوقّع أن يموتوا بمرض الإيدز يتراوح ما بين ١٢٥٠٠ و١٥٠٠٠٠ شخصاً(١) .

أقول : وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون.

ثمّ إنّ المستفاد من هذا وممّا مرّ في المطلب التاسع وغيره(٢) أنّ سبب فيروس الإيدز هو اللواط، ومباشرة البغايا مع تعدّد القرناء، والمستفاد من غيرها أنّهما سبب الانتقال دون سبب الوجود، وعلى هذا فلم يذكر سبب وجود هذا الفيروس في كلام الأطبّاء، وكأنّه لعدم علمهم به حتّى الآن.

___________________

(١) ص٢٨١ نفس المصدر.

(٢) ص١٨١ المصدر.

٢٩٧

المسألة السابعة والثلاثون

الأحكام الفقهيّة المتعلِّقة بمريض الإيدز وبكلّ مرضٍ مُعْدٍ

١ - يحرم على المريض بالايدز - وبكلّ مرضٍ معدٍ كجملة ما أسميناها في المطلب العاشر من المسألة السابقة - نقل مرضه إلى غيره من المسلمين، وأهل الذمّة والمعاهدين ؛ لحرمة الإضرار بهم جزماً، ويعاقَب المخالِف المتعمّد بما يراه الحاكم الشرعي صلاحاً، ويمكن تحريم نقل الجرثومة إلى الغير، وإن لم تكن بالفعل مرضاً له.

وعلى كلٍّ، الإضرار حرامٌ بأيّ وجهٍ اتفق حتّى بمثل السحر ونحوه، بل العقل يقبِّح حرمة الإضرار بالجِنّ والحيوان، وكل ما يحسّ الألم، وبمقتضى قاعدة الملازمة يمكن أنْ نقول بحرمة ذلك شرعاً، وكذا بإطلاق قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( لا ضرر ولا ضرار ) فيحرم الإضرار مطلقاً، إلاّ فيما دلّ الدليل الشرعي على الجواز كذبح الحيوان واستثماره.

٢ - إذا نقل المريض فيروس الإيدز - أو أيّ مرضٍ معدٍ آخر - إلى غيره فمات به ذلك الغير ولو بعد مدّة، وثبت علميّاً استناد موته إلى نقل العدوى، فإن كان الناقل متعمّداً، جاز لولّي الميّت قصاص الناقل، إذا كان المرض مهلكاً، وإذا كان الناقل جاهلاً أو غافلاً يجب عليه الديّة، على ما تقرّر في كتاب الديّات.

٣ - يستحقّ المنتقل إليه أخذ الغرامة عن الناقل، وحيث إنّه لا ديّة مذكورة له ففيه الأرش، وتكميل البحث فيه بذكر فصول ثلاثة:

٢٩٨

( الأوّل ) : في أصل لزوم الأرش في غير ما ورد فيه الديّة:

قال صاحب الجواهررضي‌الله‌عنه في بحث ديّات الأعضاء(١) في شرح قول ماتنه: ( كلّ ما لا تقدير فيه ففيه الأرش ): المسمّى بالحكومة، وفيه يكون العبد أصلاً للحرّ كما هو - أي الحرّ - أصل له ( أي للعبد ) فيما فيه مقدّر بلا خلاف أجده فيه، بل الإجماع بقسميه عليه، مضافاً إلى إمكان استفادته من النصوص بالخصوص، فضلاً عن استفادة عدم بطلان الجناية، وكونها هدراً حتّى أرش الخدش من الكتاب والسنّة، فليس مع عدم تقديره إلاّ الحكومة، وإلاّ كانت جنايةً لا استيفاءً لها ولا قصاص ولا ديّة، وهو منافٍ لما يمكن القطع به من الأدلّة كتاباً وسنةً وإجماعاً.

أقول : فليكن حكم الأرش مقطوعاً بما ذكره، وببناء العقلاء عليه، وما ورد من عدم سقوط حقّ مسلم(٢) ، وما في أحاديث الجامعة المذخورة عند الأئمّةعليهم‌السلام من ثبوت الأرش حتّى على الخدش والغمز.

( الثاني ) في كيفيّة الأرش:

في الشرائع والجواهر: كلّ موضعٍ قلنا فيه الأرش، أو الحكومة، فهما واحد اصطلاحاً، والمعنى أنّه يقوّم المجروح صحيحاً لو كان مملوكاً تارةً، ويقوّم مع الجناية أُخرى، ويُنسب إلى القيمة الأُولى، ويُعرف التفاوت بينهما، ويُؤخذ من الديّة للنفس لا للعضو بحسابه، أي التفاوت بين القسمين...

وكيف كان، فهذا في الحرّ الذي يكون العبد أصلاً له، في هذا الحال ضرورة توقّف معرفة الفائت على ذلك، بعد عدم التقدير من الشارع له ،

___________________

(١) ص١٦٨ ج٤٣.

(٢) الكافي ج ٧ ص ٣٠٢، والتهذيب ج ١٠ ص ٢٣٢، والفقيه ج ٤ ص ١١٤ نسخة الكومبيوتر.

٢٩٩

والفرض كون الجملة مضمونة بالديّة فتُضمن الأجزاء منها، فيستكشف بذلك كما يستكشف تفاوت المعيب والصحيح، ثمّ يرجع بعد إلى ثمن الذي ضمن به المبيع، فكذلك هنا، وهو واضح(١) .

( الثالث ) : ما يمكن أن يُقال في المقام وبالله الاعتصام:

لا يبعد أنْ يلزم الجاني بدفع جميع ما يحتاج المريض إلى صرفه في علاجه من ثمن الأدوية وأجر الأطباء وما يصرف في مقدّمات التداوي، حتّى أجرة السيّارة، وكذا ما يفوت على المريض من منافعه اليوميّة لأجل المرض، وهذا هو طريق العقلاء في أخذ الغرامة من المعتدي، ولاحِظ الفصل الثالث من كتاب إجارة العروة الوثقى ( المسألة الثالثة )، ولا يحصل لنا علم من إجماع الجواهر، فلا يكون حجّة لنا.

على انّه لا سبيل لنا في مثل هذه الأعصار إلى قيمة العبد، ولا وجود له في بلادنا(٢) .

ولا أدري رأي أهل الاستنباط - أيّدهم الله - في هذا العصر، غير أنّ ما ذكرنا هو الأرجح.

وأمّا في الأمراض التي لا علاج لها، فتعيين أرشها موكول إلى نظر الحاكم بمشورة أهل الخبرة، منهم الأطبّاء، مضافاً إلى غرامة منافع المريض اليوميّة الفائتة لأجل المرض عليه.

ويمكن أنْ نقول في نقل فيروس الإيدز: إنّه يهدم مناعة البدن وهي واحدة، فإتلافها يوجب الديّة كاملةً. لكن قيل: إنّ هذه القاعدة في خصوص الأعضاء دون المنافع، ففي صحيح هشام بن سالم، المرويّ في

___________________

(١) لاحظ ج ٤٣ من الجواهر.

(٢) بل المسلمون اليوم أُسراء بيد الكفّار في العالم، وثلّة منهم يسعون لفكاك رقابهم منهم.

٣٠٠

الفقيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ( كلّما كان في الإنسان اثنين ( اثنان - يب ) ففيهما الديّة في إحداهما ( أحدهما - يب ) نصف الديّة، وما كان ( فيه ئل ) واحداً ففيه الديّة )(١) .

أقول : تقييد الخبر أو انصرافه إلى خصوص الأعضاء محتاج إلى دليل قرينةٍ كقولهعليه‌السلام في أولّ الخبر: ( اثنين )، وإلاّ فالخبر يشمل الصفات النفسيّة - أيضاً - مضافاً إلى قواه البدنيّة ؛ لأنّ الموضوع هو الإنسان، وهو مركّب من البدن والنفس دون خصوص البدن.

وربّما يورد على ما ذكره صاحب الجواهر أيضاً، أنّ الأجزاء في الحرّ ليست قيمتها منسوبة إلى قيمة الأنفس، كما هو كذلك في السلعة، فتشبيه السلعة بالنفس غير ظاهر الوجه، بل قد يكون قيمة الأجزاء عشرين أضعاف قيمة الكلّ، واللاّزم في الأرش هو التقدير حسب المناسبات العرفيّة المستفادة من حكم الشارع بمقادير الديّة، ويمكن أنّ يُجاب عنه بأنّه أهمل في باب الديّات، مثلاً: يد الخطّاط الماهر، وبعض أهل الصّنعة، لها منافع كثيرة مع عدم الاختلاف في ديّة قطع اليد.

٤ - على الحكومة أنْ تراقب كلّ المرضى بالأمراض المُعْدية - على أنْ لاينقلوا العدوى إلى الأصحّاء - مراقبةً بمقدار اللاّزم لا أزيد، والأمراض في العدوى مختلفة، وقد تقدّم في المسألة السابقة: أنّ مرض الإيدز أخفّ الأمراض المعدية، فلا بأس بذهاب المريض به إلى معاهد التعليم والتعلّم، والمعامل، والمؤسّسات الحكوميّة، وغيرها، وإنّما يراقبون في خصوص الطرق الأربعة الناقلة، إلاّ إذا ثبتت العدوى بغيرها أيضاً، فتتّسع المراقبة.

___________________

(١) ص٣٧٨ ج٢٦ جامع أحاديث الشيعة.

٣٠١

فائدة طبّيّة حول الأمراض المُعْدِية

الأمراض المُعْدِية التي تنتقل من المريض إلى آخر، تختلف طُرق ووسائل انتقالها من مرضٍ إلى آخر، فمنها ما ينتقل بواسطة التنفّس كأمراض الجهاز التنفسي كالأنفلونزا الرئوي، ومنها ما ينتقل بواسطة الفم كأمراض الجهاز الهضمي، مثل: الدوسنتاريا والتيفوئيد، ومنها ما ينتقل عن طريق المعاشرة الجنسيّة، مثل: الزهري والسَّيَلان، ومنها ما ينتقل بطريق الملامسة كالجدري والجذام، وبعضها ينتقل بواسطة الحقن، أو نقل الدم كالالتهاب الكبدي الفيروسي، أو بواسطة وخز الحشرات كالملاريا التي تنقلها البعوضة، أو الطاعون الذي تنقله الفئران والبراغيث، وقد يكون للمرض الواحد أكثر من وسيلة لانتقاله كالايدز، إذْ تحقّق أنّه ينتقل بالاتّصال الجنسي، وعن طريق الدم ومشتقّاته كزراعة الأعضاء، والمخدّرات التي تُؤخذ عن طريق الحقن(١) .

٥ - إذا احتمل الطبيب عند نقل دم أحد، ولو بتوسّط زرع عضوٍ منه في بدن الغير، أنّ صاحب الدم مبتلى بالايدز، أو مرضٍ معدٍ آخر، فهل يجب عليه الفحص حتّى الاطمئنان بعدمه، أو لا يجب عملاً بأصالة الصحّة، أو أصالة عدم حدوث المرض المعدي، أو أصالة البراءة عن وجوب الفحص ؟ فيه وجهان.

وربّما يُقال: إنّ الأصل في النفوس، والفروج، والأموال الكثيرة، هو: الاحتياط، دون البراءة، ومقامنا داخل في الأوّل ؛ فإنّ مرض الإيدز مهلك لا

___________________

(١) ص١٤٥ رؤية إسلاميّة للمشاكل الاجتماعيّة لمرض الإيدز.

٣٠٢

علاج له لحدّ الآن، لكنّ هذا القول بإطلاقه لا دليل له، ويجري الاستصحاب وأصالة البراءة في كثيرٍ من جزئيّات تلك الموارد الثلاثة، كما أوضحه سيّدنا الأُستاذ الحكيمرحمه‌الله في الجملة، في بعض مجالس دروسه المباركة.

نعم إذا اشترط عليه المريض، أو الحكومة الإسلامية الفحصَ ؛ وجب لقولهعليه‌السلام : ( المؤمنون عند شروطهم )(١) ولقوله تعالى:( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وأمّا إذا علم الطبيب بأنّه في فرض ترك الفحص يُبتلى جمعٌ من المرضى بفيروس الإيدز لا محالة، فلا يبعد وجوب الفحص عليه، فتأمّل.

٦ - لا يجوز للمريض بالمرض المُعْدي التزويج أو التزوّج بالصحيح الغافل ؛ فإنّه إضرار به وهو واضح، وإذا كان المرض مهلكاً ولا يتيسّر التحفّظ منه للسالم من الزوجين ؛ لا يجوز للسالم إجابة المريض للزواج - بل لكلّ مصاحبة مؤدّية إلى انتقال المرض المهلك إليه - لأنّه من الإلقاء في التهلكة.

نعم إذا تباينا على ترك المجامعة - في مثل مرض الإيدز - جاز النكاح ولم يحرم(٢) ، وعلى كلٍّ، إذا رضيا بالنكاح صحّ النكاح، وإن حرم إنْ أوجب الإضرار بالنفس، فالحكم الوضعي غير الحكم التكليفي، فتدبّر فيه.

٧ - إذا تزوّج أو زُوّج جهلاً، بالمريض المُعْدي ثمّ علم، فهل له فسخ العقد إذا كانت العدوى مهلكة، أو مضرة إلى درجةٍ كبيرةٍ، ولم يتيسّر التحفّظ منها إلاّ بحرجٍ شديد ؟

ج: أمّا للزوج، فثبوت الخيار له في غاية الإشكال لما يُستفاد من

___________________

(١) تقدّم مصدره.

(٢) ويمكن أنْ يُقال بعدم حرمة النكاح في مثل الإيدز دائماً، وإنّما المحرّم هو الجماع فإنّه الطريق إلى الانتقال، نعم هو من مقدّمات الحرام.

٣٠٣

الحصر الوارد في بعض الروايات الواردة في العيوب، على ما يأتي في المسألة الآتية، فإنّها ظاهرة في نفي الخيار في غير العيوب المذكورة في الرواية، نعم له أنْ يطلّقها، بل يجب عليه في الفرض المذكور.

وأمّا للزوجة فلا يبعد ثبوت الخيار له ؛ لقاعدة لا ضرر، التي استدلّ بها لثبوت بعض الخيارات في باب المعاملات، ولقاعدة نفي الحرج(١) .

وأيّ ضررٍ من ابتلائها بالمرض المهلك، أو تدهور صحّتها شديداً، وفي مرض الإيدز بحرمانها من لذّة الجماع ما دام العمر، إلاّ أنْ تلتذّ بالدخول ولو مع استعمال الزوج الرفال والعازل الذكري، وقلنا بكفاية ذلك لحقها، فلا خيار لها حينئذٍ، إلاّ أنْ يُقال: إنّ زوجها في معرض الموت فلها الخيار من هذه الجهة، ويلحق بالايدز كلّ مرضٍ مهلكٍ سريعٍ، فتأمّل.

وغاية ما في الباب أنْ يأمر الحاكم الشرعي الزوج بالطلاق احتياطاً، فإن عصى تفسخ هي النكاح ويطلّقها الحاكم ولاية احتياطاً.

وعدم ذهاب مشهور فقهائنا إلى ثبوت الخيار بالأمراض المُعْدية أوّلاً غير ثابت ؛ لأنّ كثيراً منهم لا تصنيف لهم، أو لم تصل إلينا مصنّفاتهم وتأليفاتهم.

وثانياً أنّ ضرر الأمراض المُعْدية لم يكن واضحة للناس والفقهاء.

وثالثاً أنّه غير مانع عن الفتوى بالدليل، وهو قاعدتا نفي الحرج

___________________

(١) هذا بناء على عدم شمول صحيح الحلبي الآتي، المرويّ في الفقيه في المسألة الآتية لعيوب الرجل كما عن جماعة، وعليه فالحصر فيه ثابت في الرجل، وأنّه لا يردّ النكاح إلاّ من عيوب، وأمّا بناءً على الأرجح من شموله لعيوب كلّ من الزوجين، وجواز ردّ النكاح لكلٍّ منهما فالحصر ثابت لكليهما، فيمكن أنْ يرفع اليد عنه هنا لقاعدتي نفي الحرج والضرر كما رفع اليد عنه في بعض الموارد الأُخر كما ستعرف، وهاتان القاعدتان جاريتان في حق الرجل والمرأة. إلاّ أنْ يُقال: إنّ جواز الطلاق من طرف الزوج يمنع عن جريان قاعدة الحرج والضرر، فتأملّ.

٣٠٤

والضرر الرافعتان للزوم العقد بالنسبة إليها، وأمّا ما في الجواهر من قول مؤلِّفه الكبيررحمه‌الله : على أنّ العدوى مع اقتضائها التعدية إلى كلّ مرضٍ مُعْدٍ، ممّا لا يقول به الخصم، يمكن رفعه بإيجاب التجنب(١) ، فهو ضعيف، فإنّ الزوجيّة التي يجب تجنّب أحدهما عن الآخر فيهما حرجيّة أشدّ الحرج، وأيّ فائدةٍ لهذا الزواج الفاقد للسكون والمودّة والرحمة ؟! وليس هو من الامساك بالمعروف.

وربما يتمسّك لخيارها بقوله تعالى:( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) (٢) .

ويمكن أنْ نتمسّك له أيضاً بقوله تعالى:

( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ) (٣) .

إذ لا فرق بين الإمساك المسبوق بالطلاق بعد الرجوع، وبين الإمساك الابتدائي المسبوق بالنكاح في الحكم، ومعلوم أنّ إمساك الزوجة من قبل الزوج المبتلى بالعدوى، أو المريض بالمرض المهلك قريباً في أوّل الزواج ليس بمعروف. وإذا قصد الزوج المريض بإمساكها إضرارها ؛ فهو مدلول قوله تعالى:( وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ) .

لكنّ الكلام أوّلاً: أنّ هذا كلّه يوجب الخيار لها، أو أنّه يسبّب جواز إجبار الحاكم الزوج على الإمساك بالمعروف، وعدم الإمساك للاعتداء، وثانياً:

___________________

(١) الجواهر ج ٣٠ ص ٣٣٠.

(٢) ويحتمل أنّ المراد من الإمساك بالمعروف هو الإمساك لسكون النفس إليها، لا لأخذ المهر منها كلاًّ، أو بعضها، كما قال تعالى بعد ذلك( ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً ) ، إلاّ أن يُقال إنّ الإطلاق لا يُقيّد بالاحتمال، وقوله لا يحلّ لكم، حكم آخر لا عين الإمساك بالمعروف ؛ فإنّه خلاف الظاهر.

(٣) البقرة آية ٢٣١.

٣٠٥

في أنّه لو لم يقبل الزوج أمر الحاكم، ولم يطلقها أو لم يصلح شأنه - إذا كانت المشكلة اختياريّة غير قهريّة كالأمراض المُعْدية - فما هو الموقف ؟ هل يثبت الخيار للزوجة، أو يطلّقها الحاكم ولايةً عليه ؟

ثمّ إذا لم يتمّ الاستدلال بالآيات، ولا بقاعدتي نفي الضرر والحرج، بل ولا بقاعدة نفي العسر على ثبوت الخيار لها ؛ يمكن أنْ نثبته لأجل التدليس، فإنّ المرأة لو علمت بحال خاطبها، وأنّه مبتلى بالعدوى والمرض المهلك، لما رضيت بالزواج منه قطعاً(١) ، اللّهم إلاّ بعض النساء لأغراض خاصّة، وهو نادر، والسلامة من مثل هذه الأمراض وإن لم تُشترط صريحة في العقد لكنّها ممّا يبني الزوجان عليها، ويجريان عقد النكاح عليها، ولا فرق على الأظهر بين الشرط المذكور صريحاً في العقد، وبين الشرط المبنيّ عليه العقد، وسيأتي في المسألة الآتية بعض الكلام حول التدليس إن شاء الله.

٨ - لا يجب على الزوجة التمكين من الزوج المريض إذا احتملت الضرر المهمّ بالمباشرة، وربّما لا يجوز إذا كان الضرر مهلكاً أو شبهه، كما لا يجب على الزوج وطء الزوجة المريضة بالايدز ونحوه ؛ لذلك، إذا كان احتمال الضرر بعد تثبيته راجحاً عند العقلاء.

وبالجملة : حرمة الإضرار بالنفس أهمّ من وجوب أداء حقّ الزوجين، فتقدّم عليه عند التزاحم، نعم لا مانع من سائر الاستمتاعات في مرض الإيدز لما سبق من عدم نقل العدوى بها. وكذا يجب أداء حقّ الزوجين في الوطء إذا اطمأنّا بقول الطبيب الثقة الماهر بعدم العدوى مع استعمال الرفال والعازل الذكري.

وعلى الجملة : ليس البحث في الصغريات وكيفيّة العدوى، وإنّما

___________________

(١) وسكوت الزوج عن مرضه مع بناء الناس على أصالة الصحّة، وغفلة الزوجة عن احتمال مرضه تدليس.

٣٠٦

البحث في أصلٍ كليٍّ، وأنّ حفظ الضرر المهمّ مقدّم على حقوق الزوجين، وتشخيص الضرر كمّاً وكيفاً موكول إلى الطب.

٩ - لا يجوز دخول المرضى بالأمراض المُعْدية في المدارس والمعامل والدوائر، ويجب على أولياء الأطفال منعهم عن المدارس.

وأمّا المصابون بالايدز، فلا بأس بذهابهم بين الناس مع الرقابة على مسألة الدم والمباشرة.

١٠ - لا يجب عزل الصبي عن أُمّه المصابة بالايدز، بل لا يجوز، لحقّ الحضانة، وذلك لما مرّ من عدم نقل العدوى باللبن، مع التحفّظ على مسألة الدم، والأحسن عدم إيجار المرضعة المصابة بالايدز، نعم يجب عزله عن الأُمّ المصابة بمرض يعدي باللبن، أو بالتماس الجسمي، ويسقط حقّ حضانتها.

١١ - لا يجوز إجهاض الجنين المصاب بالايدز بعد تعلّق الروح به قطعاً، وأمّا قبله فإن كانت الإصابة به مظنونة فكذلك، وإنْ كانت مقطوعة طبّاً فالحكم بجواز إجهاضه مشكل جدّاً، وإن فُرض موته أثناء سنةٍ بعد ولادته.

١٢ - إذا فرضنا قيام فئة - من الرجال أو النساء - بأمر حكومات كافرة عدوّة للمسلمين بنشر الإيدز بين المسلمين، فحكم هؤلاء الفئة حكم الساعين في الأرض فساداً.

١٣ - ليس كلّ مصاب بالايدز مجرماً ؛ لأنّه قد ينتقل المرض إليه من دون تقصير له، ولا تخلّف عن حكمٍ شرعيٍّ، فلا يجوز بهم سوء الظن.

١٤ - هل يجوز اشتراط السلامة من الإيدز، وكلّ مرضٍ مُعْدي في النكاح ؟

الظاهر عدم المانع منه.

٣٠٧

١٥ - هل يحقّ للدولة تحتّم الفحص عن الإيدز، بل عن كلّ مرضٍ مُعْدٍ، عن كلّ مَن يريد التزويج والتزوّج، وإن استلزم مؤنةً كثيرةً على الزوجين ؟

الأولى إحالة هذا الحكم إلى الحاكم الشرعي، فيحكم باللزوم أو عدمه، حسب شرائط الظروف والوضع الصحّي، وقيل: إنّ في خلال الأشهر الثلاثة الأُولى من العدوى يمكن أنْ لا يظهر الإيدز.

١٦ - قيل: إنّه لا مانع من زواج المصاب والمصابة بالايدز ؛ لعدم الضرر عليها حينئذٍ، وقيل: إنّ جماعهما يمكن أن يُساعد على إضعاف صحّة كلّ منهما، وبالتالي يمكن أن تظهر ذريّة جديدة مصابة بالايدز، وتظهر وحدات جديدة للفيروس، إنّ فيروس الإيدز يغيّر جلده من آن إلى آخر(١) .

أقول : إذا كان احتمال الضرر المزيد ثبت طبّيّاً وكانت الزيادة خطيرة، فلا يبعد تحريم الوطء عليهما.

ثمّ إنّه يمكن أنْ يقال: إنّه لا فرق في الحكم بين نقل فيروس الإيدز إلى إنسانٍ سالمٍ وبين توليد إنسانٍ مريضٍ بالايدز من الأوّل، فإنّ العقل يقبّح كليهما، وعليه فلا يحلّ للزوجين ما يوجب حمل الزوجة بجنين يعلمان ابتلائه بالايدز ونحوه من الأمراض المهلكة، والله العالم.

١٧ - هل يضمن الطبيب إذا نقل العدوى إلى سالمٍ عمداً أو سهواً ؟

تقدّم بحثه مفصّلاً في المسألة الثالثة في أوائل الكتاب فلا نعيده هنا، فلاحظ.

١٨ - هل يجوز للمصاب أو المصابة الإحبال والحمل إذا لم يعلما

___________________

(١) ص٣٢٧ رؤية إسلاميّة للمشاكل الاجتماعيّة لمرض الإيدز.

٣٠٨

بابتلاء الجنين بالمرض، والأصل عدم ابتلائه به بعدما تقدّم في المسألة السابقة من كون نسبة إصابة الجنين بالايدز غير عالية ؟ فيه وجهان.

١٩ - ولو اختلف الزوجان فرغب أحدهما في الحمل وامتنع الآخر عنه، فالظاهر أنّه لا وجه لإجبار الممتنع لاسيّما في مثل الإيدز، فتفطّر القلب حزناً وأسىً على الوليد الذي يتمزّق ويحترق، ولا علاج له ولا دواء.

٢٠ - هل مرض الإيدز مرض الموت ؟

ومرض الموت يُمنع فيه المريض عن التبرّعات المنجزة الزائدة عن الثلث في ماله، عند جمعٍ كثيرٍ من فقهائنا المحقّقين ( رضي ‌الله ‌عنه م )(١) ، فتشخيصه مهمٌّ ومفيدٌ.

قال بعض الفضلاء من أهل السنّة(٢) : إنّ الفقهاء اختلفوا في التعريف بمرض الموت اختلافاً كثيراً، لا يرجع إلى نصٍّ من كتابٍ وسنّةٍ، وإنّما مردّه إلى الاجتهاد والنظر، فقال بعضهم: مرض الموت هو الذي يُقعد الإنسان عن عمله المعتاد في حال الصحّة... وعن ابن عابدين: إنْ علم أنّ به مرضاً مهلكاً غالباً، وهو يزداد إلى الموت فهو المقبر، وإنْ لم يعلم أنّه مهلك يعتبر العجز عن الخروج للمصالح... ( رد المختار ٢/٧١٦ ) وقيّدته مجلّة الأحكام العدليّة ( ١٥٩٥م ) بأنْ يموت المريض قبل مرور سنة من الإصابة به، وقيل غير ذلك.

وقال أيضاً: والذي يُستخلص من كلام جمهور الفقهاء، وتقريرات محقّقيهم: أنّ مرض الموت هو المرض المخوف الذي يتّصل بالموت، ولو لم يكن الموت بسببه ( الأم للشافعي ٤/٣٥ - مغني المحتاج ٣/٥٠ ) فعلى هذا يُشترط لتحقّقه أنْ يتوافر فيه وصفان:

___________________

(١) الجواهر ج ٢٦ ص ٦٣.

(٢) ص٤٦١ رؤية إسلاميّة للمشاكل الاجتماعيّة لمرض الإيدز.

٣٠٩

أحدهما : أنْ يكون مخوفاً، أي يغلب الهلاك منه عادةً أو يكثر... ويكفي الآن وقد تقّدّم علم الطب أنْ يرجع إلى الأطبّاء الخبراء في طبيعة المرض وأعراضه.

ثانيهما : أنْ يتّصل المرض بالموت سواءٌ وقع الموت بسببه، أم بسببٍ آخر خارجيٍّ عن المرض: كقتلٍ أو غرقٍ أو حريقٍ أو تصادمٍ أو غير ذلك.

وألحقوا بالمريض مرض الموت في الحكم، أشخاصا في حالات مختلفة ليس فيها مرض أو اعتلال صحّة، وإنّما توافر فيها الوصفان المشتَرَطان.

١ - ما إذا كان الشخص في الحرب، والتحمت المعركة، واختلطت الطائفتان في القتال، قالوا: فإنّ توقّع التلف هنا كتوقّع المرض أو أكثر.

٢ - ما إذا قُدِّم الشخص للقتل سواء أكان ذلك قصاصاً أو غير ذلك.

٣ - الأسير والمحبوس إذا كانا من العادة أنْ يُقتلا.

٤ - ما إذا ركب البحر وتموّج واضطرب، وهبّت الريح وخاف الغرق فهو مخوف.

أقول : يُلحق به راكب السيارة والطائرة في بعض الحالات.

٥ - المرأة الحامل إذا أتاها الطلق ( بناءً على شرائط الظروف القديمة ).

ويُشترط في هذه الحالات كلّها وما أشبهها: أنْ يتّصل حال خوف الهلاك الغالب أو الكثير بالموت، حتّى تُلحق بمرض الموت.

وقال: بناءً على هذا فإنّه يمكننا اعتبار المصاب بمرض الإيدز في مرض الموت ؛ نظراً لتوفّر مناط التعليل فيه ( كونه مخوفاً، واتّصاله بالموت ).

وقال بعضٌ آخر من أهل العلم من أهل السنّة(١) : مرض الموت هو

___________________

(١) ص٥٢٣ نفس المصدر.

٣١٠

المرض الذي يعقبه الموت... ومرض الإيدز يمرّ بمراحل مرحلة الإصابة، مرحلة الكمون، مرحلة التهيّج والقضاء... وفي هذه المرحلة فقط يمكن اعتباره مرض الموت ( فإنّه يصل إلى حدّ إنهاك الجسم، وقتل قوّة المناعة في الجسم، أو ظهور أمراض عصبيّة قاتلة ).

أقول : الظاهر أنّ كلّ مَن يقول بأنّ مرض الإيدز مرض الموت، يقصد هذه المرحلة، ولابُدّ أنْ يكون كذلك.

وأمّا إلحاق الأشخاص الآخرين، الذين ذكرنا أسماءهم في الموصوفين بمرض الموت، ففيه بحث، فإنّ ما استُدلّ به لمنع نفوذ التبرّعات الزائدة عن الثلث في المال، من الأحاديث الواردة من طريق الشيعة ليس الموضوع فيها مرض الموت، بل في جملةٍ منها ( عند موته )، وفي بعضها ( حضره الموت ) وفي بعضها - في حقّ المرأة - ( في مرضها ) وعلى هذا فلا يبعد شمول قولهعليه‌السلام : ( عند موته ) أولئك الأشخاص ومن يشابههم بلا حاجة إلى الإلحاق.

والعمدة في المقام : هو البحث عن دلالة تلك الأحاديث، على منع التبرّعات المذكورة، ولكنّها لا تخلو عن نظر، ولذا ذهب الآخرون إلى صحّتها، وتحقيقه لا يناسب هذا الكتاب فارجع إلى الكتب المبسوطة.

وعلى كلٍّ، ليس عنوان مرض الموت مذكوراً في الأحاديث المعتَبَرة ظاهراً، فإنْ قلنا بحجْر المريض عن التبرّعات المذكورة فلابُدّ من الاكتفاء على القدر المتيقَّن، وفي غيره يرجع إلى صحّتها لبطلان القياس عندنا.

٣١١

المسألة الثامنة والثلاثون

في العيوب المجوِّزة لفسخ النكاح

نذكر أوّلاً الأحاديث المعتَبَرة سنداً، ونذكر بعض الأحاديث غير المعتَبَرة أيضاً لعلّةٍ ما، ولكن نصرّح بضعفها أو النظر فيها، ونحن لا نرى في الأحاديث الضعيفة سنداً، اعتباراً وحجيّةً فلا نعتمد عليها.

١ - صحيح عبد الرحمان بن أبي عبد الله في الكتب الأربعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:

( المرأة تُردّ من أربعة أشياء: من البرص، والجذام، والجنون، والقرن و ( هو - كا - تهذيبين ) العفل(١) ما لم يقع عليها، فإذا وقع عليها فلا )(٢) .

أقول : أي إذا وقع عليها بعد علمه بالعيب فلا تُردّ المرأة، كما يُفهم ممّا يأتي.

٢ - صحيح الحلبي المروي في الكافي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال سألته عن رجلٍ تزوّج إلى قومٍ فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له ؟

قال: ( يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل )(٣) .

أقول : يمكن أنْ يقال: إنّ مفاده مفاد الحديث السابق في أنّ العيوب عيوب المرأة فقط، أمّا أولاً فلذكر كلمة العفل الخاصّ بالمرأة، وأمّا ثانياً فلاحتمال كون الفعل المضارع ( يردّ ) مبنيّ للفاعل والضمير المستتر

___________________

(١) العفل: نبات لحم ينبت في قُبُل المرأة وهو القرن كما قيل.

(٢ و٣) ص١٦٧ ج٢١ جامع الأحاديث.

٣١٢

المرفوع فيه يرجع إلى الرجل، وعليه فلا يدلّ الحديث على أنّ هذه العيوب في الرجل أيضاً، تجوّز الخيار والردّ.

ورواه في الفقيه عن حمّاد عن الحلبي، هكذا: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال في رجلٍ يتزوّج إلى قومٍ فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له، قال: ( لا تُردّ ( وقال - ئل ) إنّما يُردّ النكاح من البرص، والجذام، والجنون، والعفل، قلت: أرأيت إنْ كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها ؟ قال: لها المهر بما استحلّ من فرجها، ويغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها )(١) .

ورواه الشيخ في التهذيبين عن حمّاد، لكن طريقه إليه غير مذكور في المشيخة(٢) ، ولا عبرة بالطريق المذكور في فهرسته على ما حقّقناه في محلّه.

ثمّ إنّ اسم حمّاد منصرف إلى ابن عثمان أو ابن عيسى، وطريق الصدوق إلى كليهما معتَبَر في مشيخة الفقيه(٣) .

ثمّ إنّ احتمال كون الفعل ( يرد ) هنا مبنيّاً للمفعول أقرب أو أنسب، فإنّ الفعل السابق (ترد) كذلك جزماً(٤) .

لا يُقال: إنّ الكلام في عيوب المرأة فلا يشمل عيوب الرجل.

فإنّه يُقال: العبرة بإطلاق كلام الإمامعليه‌السلام دون كلام السائل، على أنّ

___________________

(١) ص١٦٧ وص١٦٨ نفس المصدر.

(٢) نفس المصدر.

(٣) وفي نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى تصريح بأنّه ابن عثمان، وهو مؤيِّد لا دليل ؛ لأنّ النوادر لم تصل إلى المجلسي والحرّ ( رحمهما الله ) بسندٍ معتَبَر.

(٤) لكن في الجواهر ( ص٣١٩ ج٣٠ ) نقل الحديث هكذا: لا يرد. أي بصيغة الغائب المذكور فيُحتمل كونه مجهولاً، كما يُحتمل كونه معلوماً، لكن في ص٣٦٣ ج٣٠ ضبطها ب-: لا ترد فلعلّ الأوّل من غلط الطابع أو الكاتب.

٣١٣

الأنسب على فرض إرادة عيوب المرأة فقط التعبير ب-: ( إنّما ترد من البرص ) دون التعبير ب-: ( إنّما يرد النكاح )، واختصاص العفل بالمرأة لا ينافي إرادة الرجل والمرأة، كما لا يخفى، وسؤال الراوي بعد ذلك سؤالٌ مستقلٌّ يتعلّق ببعض مصاديق الجواب، وهذا الوجه عندي أظهر بلحاظ الحديث، وعليه فهذه العيوب مجوّزة للردّ سواء كانت في المرأة أو في الرجل، والله تعالى أعلم، وإنْ قال صاحب الجواهر ( ج٣٠ ص٣١٩ ): ولعلّه لذا ( أي لاحتمال كون الفعل معلوماً، ورجوع الضمير إلى الرجل ) لم يحكم الأكثر كما ستعرف بالخيار لها في الجذام والبرص... وعلى كلّ حالٍ فالاستدلال لا يخلو عن إشكال، انتهى.

أقول : لكنّ المشهور قالوا بخيارها بجنونه.

وعلى كلٍّ، مقتضى الحصر عدم جواز ردّ النكاح عن غير هذه العيوب.

٣ - صحيح أبي عبيدة المروي في الكافي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال في رجلٍ تزوّج امرأةً من وليّها فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها ؟

قال: فقال: ( إذا دلّست العفلاء ( نفسها )، والبرصاء، والمجنونة، والمفضاة، ومَن كان بها ( من يب ) زمانة ظاهرة فإنّها تُردّ على أهلها من غير طلاق، ويأخذ الزوج المهر من وليّها الذي كان دلّسها، فإن لم يكن وليّها علم بشيءٍ من ذلك فلا شيء ( له ) وتردّ إلى أهلها. قال: وإن أصاب الزوج شيئاً ممّا أخذت منه فهو له، وإن لم يصب شيئاً فلا شيء له. وقال: وتعتدّ منه عدّة المطلّقة إن كان دخل بها، وإن لم يكن دخل بها فلا عدّة عليها ( له - يب ) ولا مهر لها )(١) .

٤ - صحيح داود بن سرحان المروي في التهذيب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء، قال: ( تردّ

___________________

(١) ص١٦٩ ج٢١ جامع الأحاديث.

٣١٤

على وليّها ويكون لها المهر على وليّها، وإن كان بها زمانة لا يراها الرجال، أُجيزت شهادة النساء عليها )(١) .

٥ - معتبرة غياث عن جعفر عن أبيه عليٍّعليه‌السلام : في رجلٍ تزوّج امرأةً فوجدها برصاء أو جذماء، قال:

( إن كان لم يدخل بها ولم يبيّن له، فإن شاء طلّق وإن شاء أمسك، ولا صداق لها، وإذا دخل بها فهي امرأته )(٢) .

أقول : يُحمل الطلاق على معناه اللُّغوي، والدخول على الدخول بعد العلم بالعيب جمعاً بينه وبين ما مرّ.

٦ - صحيح معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجلٍ تزوّج امرأةً فعلم بعد ما تزوّجها أنّها كانت زنت، قال:

( إنْ شاء زوجها أنْ يأخذ الصداق من الذي زوّجها، ولها الصداق بما استحلّ من فرجها، وإن شاء تركها )(٣) .

أقول : ظاهر الحديث هو تخيير الزوج بين ردّ الزوجة وتركها، لا بين أخذ المهر وعدمه.

٧ - صحيح أبي الصباح، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجلٍ تزوّج امرأة فوجد بها قرناً ؟

قال: فقال: ( هذه لا تحبل، ولا يقدر زوجها على مجامعتها، يردّها على أهلها صاغرةً ولا مهر لها. قلت: فإن كان دخل بها ؟

قال: إنْ كان علم بذلك قبل أنْ ينكحها - يعني المجامعة - ثمّ جامعها فقد رضي بها، وإن لم يعلم إلاّ بعد ما جامعها، فإنْ شاء بعد أمسك، وإنْ شاء طلّق )(٤) .

___________________

(١) ص ١٦٩ ج ٢١ جامع الأحاديث.

(٢) ص١٧٠ نفس المصدر.

(٣) ص١٦٥ المصدر.

(٤) ص١٧١ المصدر.

٣١٥

فالمستفاد من هذه الأحاديث التي اعتمدنا عليها لاعتبار إسنادها أُمور:

١ - للزوج ردّ زوجته عن البرص والجذام والجنون والعفل والقرن، وهذا ممّا لا إشكال فيه، وكذا له ردّها عن الإفضاء والزمانة إذا دلّست للحديث الثالث، وكذا له ردّ العمياء والعرجاء للحديث الرابع، ومَن زنت قبل الزواج للحديث السادس، فله خيار الفسخ بهذه العيوب، إذا لم يكن عالِماً بها قبل العقد، أو لم يدخل بها بعد العلم بها، وإلاّ فلا خيار له.

٢ - ألحق المشهور كما في الجواهر(١) الرتق بالعيوب المذكورة، وقال صاحب الجواهررحمه‌الله : بل الظاهر دخوله في العفل، وهو كون الفرج ملتحماً على وجهٍ ليس للذكر مدخل فيه.

أقول : الحديث السادس يشمله بمدلوله المطابقي.

وعن الغزالي إلحاق ضيق المنفذ زائداً على المعتاد بحيث لا يمكن وطؤها إلاّ بافضائها به(٢) ، ونفى البأس عنه في الجواهر(٣) .

أقول : وهو كذلك للحديث السادس.

٣ - وفي محكي المصباح: أن الزمانة مرض يدوم زماناً طويلاً.

وعن الصحاح: أنّها آفة تكون في الحيوانات، ورجل زمن أي مبتلى بين الزمانة.

وفي المنجد: الزمانة: العاهة، عدم بعض الأعضاء، تعطيل القوى، الحب.

وقيل: إنّ المتبادر في أعصارنا منها الإقعاد، والأصل عدم النقل، والظاهر هو مدرك فتوى السيّد الأُستاذ الخوئيقدس‌سره حيث فسّره في كتابه توضيح المسائل ب- زمين گير، ولكنّه ضعيف، فإنّ قوله في صحيح ابن

___________________

(١) ص٣٣٧ ج٣٠.

(٢) جواهر الكلام ج ٣٠ ص ٣٣٨.

(٣) ص٣٣٨ ج٣٠.

٣١٦

سرحان ( وإن كان بها زمانة لا يراها الرجال ).

ظاهر في إرادة الأعمّ من الإقعاد فإنّه يراه الرجال والنساء معاً، والظاهر أنّ الإمام بعدما ذكر العرجاء البرصاء والعمياء - وهي من الزمانة الظاهرة للرجال والنساء - أراد أنْ يذكر الزمانة المخفيّة على الرجال، لكن لا دليل على تعيين الزمانة المقصودة للإمامعليه‌السلام في هذا الخبر، ولا يصحّ الالتزام بها إذا فسّرناها بمطلق العاهة الطويلة زماناً.

نعم الإقعاد من أظهر مصاديقها، ولعلّه المراد في صحيح أبي عبيدة، ولعلّ هذا الصحيح هو مدرك سيّدنا الأُستاذ في فتواه، ويمكن أن نحمل عليه ما في صحيح ابن سرحان، ونقول: إنّ الإقعاد ربّما يكون ظاهراً للرجال والنساء، وربّما لا يظهر إلاّ على النساء ؛ لاحتياج معرفته لمزيد الدقّة الموقوف على خلع الخمار، لكن فيه إشكال وبحث.

وأمّا شمولها للأمراض المُعْدية المهلكة التي لا علاج لها، كالايدز مثلاً، إذا تحوّل من الكمون إلى المرض ففيه وجهان، من صحّة الانطباق، ومن عدم ذهاب المشهور إليه.

وفي شمولها لمقطوعة اليد أو الرجل أو الأُذنين، أو مجدوعة الأنف، أو مقطوعة الشفتين، ومنحنية الظهر، ومَن لا شعر على رأسها، وجهان أيضاً، من صدق الزمانة - ولو مع الأخذ بمصاديق الزمانة الظاهرة - ومن أولويّة بعضها من العرجاء، ومن عدم فتوى المشهور بثبوت الخيار، فتأمّل.

٤ - لم ينقل ُعن المشهور جواز الفسخ بزناها قبل العقد، خلافاً لظاهر الحديث السابع(١) ، ولا بوضع حملها من الزنا قبل العقد خلافاً لصحيح الحلبي(٢) ، ولا بزناها بعد العقد وقبل الدخول مع قول الكاظمعليه‌السلام

___________________

(١) لاحظ ص١١٧ ج٣٠ الجواهر.

(٢) لاحظه في ص٦٠١ ج١٤ الوسائل.

٣١٧

في صحيح الفضيل بن يونس: ( يفرّق بينهما، وتحدّ الحدّ، ولا صداق لها )، ولا بزناه بعد العقد مع دلالة صحيحة علي بن جعفر على التفريق بينه وبين أهله، نعم التفريق غير الخيار، كما لا يخفى، لكنّ المشهور لم يقل به ظاهراً، ولعلّه لصحيحة رفاعة أنّه لا يفرق بينهما إذا زنى قبل أنْ يدخل بها(١) في خصوص زنا الرجل، ولابُدّ لتحقيق هذا الموضوع من الرجوع إلى الكتب الفقهيّة المفصلة.

٥ - تعرّضت جملةٌ من هذه الروايات لحكم المهر وردّه، ولا موجب لبحثه هنا، ومَن شاء التحقيق فيه فعليه الرجوع إلى المطوّلات الفقهيّة.

هذا كلّه ما يتعلّق بعيوب المرأة.

وأمّا عيوب الرجل الموجبة لخيارها، والمجوِّزة لردّ الزوج، فقد ثبت بعضها فيما سبق وهو: البرص، والجذام، والجنون، على الأظهر.

وأما البقيّة فإليك نقل أحاديثها المعتَبَرة:

١ - موثّقة سماعة عن الصادقعليه‌السلام أنّ خصياً دلّس نفسه لامرأة، قال:

( يفرّق بينهما، وتأخذ المرأة منه صداقها، ويوجَع ظهره كما دلّس نفسه )(٢) .

٢ - موثّقة بكير، المرويّة في الكتب الأربعة عن أحدهماعليهما‌السلام ، في خصي دلّس نفسه لامرأةٍ مسلمةٍ فتزوّجها، فقال: ( يُفرّق بينهما إنْ شاءت ( المرأة ) ويوجع رأسه، وإن رضيت ( به ) وأقامت معه ؛ لم يكن لها بعد رضاها ( به ) أنْ تأباه )(٣) .

___________________

(١) ص٦١٦ المصدر.

(٢) ص١٧٣ ج٢١ جامع الأحاديث.

(٣) ص ١٧٣ ج ٢١ جامع الأحاديث.

٣١٨

٣ - صحيح أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن امرأةٍ أبتلى زوجها فلا يقدر على الجماع أتفارقه ؟ قال: ( نعم إنْ شاءت )(١) .

أقول : مدلول الحديث أنّه إذا عجز الزوج - بأيّ سببٍ كان - عن الجماع فللزوجة الخيار، وبطريقٍ أولى يثبت لها الخيار، إذا كان الزوج عاجزاً عنه قبل الزواج، وهو ظاهر.

ويعارضه الحديث السابع على وجه.

٤ - موثّقة عمّار عن الصادقعليه‌السلام أنّه سُئل عن رجلٍ أخذ عن امرأته فلا يقدر على إتيانها، فقال:

( إن كان لا يقدر على إتيان غيرها من النساء، فلا يمسكها إلاّ برضاها بذلك، وإنْ كان يقدر على غيرها، فلا بأس بإمساكها )(٢) .

أقول : في الحديث احتمالان:

الأوّل : أنّ التفصيل ناظر إلى وظيفة الزوج في جواز الإمساك مطلقاً، أو مشروطاً برضاها، و أمّا المرأة فلها الفسخ سواءٌ قدر هو على غيرها أم لا ؛ عملاً بالحديث الأوّل.

الثاني : أنّ القدر المتيقَّن في مقام التخاطب في التفصيل هو فرض أخذ الزوج عن زوجها، وقد فسّره بعضهم بالسحر.

وفي المنجد: أخذه: سحره، الأُخْذة رُقْية كالسحر يُؤخذ بها.

ويحتمل كونه مقيِّداً لإطلاق الحديث السابق، ولكن لا أعتمد على التقييد المحتمل المذكور على نحو الإطلاق، بل في خصوص المسحور كما عرفت.

٥ - صحيحة محمّد بن مسلم - على المشهور - عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( العنّين يتربّص به سنة، ثمّ إن شاءت امرأته تزوّجت، وإن شاءت

___________________

(١) ص١٧٥ نفس المصدر.

(٢) ص١٧٥ نفس المصدر.

٣١٩

أقامت )(١) .

أقول : في طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد، إشكال ذكرناه في كتابنا بحوث في علم الرجال ( الطبعة الثالثة ) فما لم أفز على حلّه، لا اعتمد على ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد كهذه الرواية.

٦ - موثّق حسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه، عن عليٍّعليه‌السلام : ( أنّه كان يقضي في العنّين أنْ يؤجّل سنةً من يوم ترافعه الامرأة )(٢) .

أقول : لا دليل على وصول نسخة من مصدر هذه الرواية - وهو كتاب قرب الإسناد - إلى المجلسي والحرّ - رحمهما الله - بسندٍ معتَبَرٍ، بل الظاهر أنّهما ينقلان عنه وجادة، ولا اعتبار به.

٧ - موثّقة إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيهعليه‌السلام أنّ عليّاً كان يقول:

( إذا تزوّج ( الرجل ) امرأةً فوقع عليها مرّة، ثمّ أعرض عنها فليس لها الخيار لتصبر، فقد ابتُليت، وليس لأُمّهات الأولاد ولا للإماء، ما لم يمسّها من الدهر إلاّ مرّة واحدة خيار )(٣) .

أقول : قولهعليه‌السلام : ( ثمّ أعرض عنها ) فيه إجمال، وغير ظاهر في مَن عجز عن الوطء، فلاحظ. وعلى تقدير إرادته منه فهو معارَض بالحديث الثالث.

٨ - صحيح أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول:

(... وهي بكر فزعمت أنّه لم يصل إليها فإنّ مثل هذا تعرف ( تعرفه ) النساء، فلينظر إليها من يوثق به منهنّ، فإذا ذكرت أنّها عذراء فعلى الإمام أنْ يؤجّله سنةً ( واحدة )، فإن وصل إليها، وإلاّ فرّق بينهما وأُعطيت نصف الصداق، ولا عدّة

___________________

(١ و٢) ص١٧٦ نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر والحديث لا يخلو عن إجمال، ويمكن أن نجعل ذيله قرينةً على إرادة الأمَة من صدره، والله العالم.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341