الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية0%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد آصف المحسني
تصنيف: الصفحات: 341
المشاهدات: 89462
تحميل: 7098

توضيحات:

الفقه والمسائل الطبية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89462 / تحميل: 7098
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الفقه والمسائل الطبية

الشيخ محمد آصف المحسني

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

الفِقهُ

والمَسائِل الطِبّيّة

بقلم

سماحة آية الله

الشيخ محمد آصف المحسني

٣

٤

يقول الدكتور الكسيس كاريل، المتوفّى ١٩٤٤:

إنّ علوم التشريح والفسيولوجيا والكيمياء والنفس والاجتماع، وغيرها من العلوم، لم تعطنا نتائج قطعيّة في ميادينها عن ماهيّة الإنسان، وإنّ الإنسان، الذي يعرفه العلماء، ليس إلاّ إنساناً بعيداً جدّاً عن الإنسان الحقيقي.

فالإنسان كائنٌ مجهولٌ لنفسه، وسيظلّ جهلنا به إلى الأبد.

٥

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحَمدُ لله رَبِّ العالمين، مُنزل الوَحي على المرسلين، والصلاة على محمّدٍ وآلهِ خَير الخَلق أجمعين، والسلام على جميعِ عبادِ الله الصالحين، لاسِيّما عَلى الشُهداء والعلماء المُجْتَهدين.

أمّا بعد، إنّ المنظّمة الإسلاميّة للعلوم الطبيّة في الكويت عقدت ندوات علميّة، دعت فيها الأطباء، وأهل العلم ممّن لهم معلومات فقهيّة، فعنون الأطبّاء المسائل الطبيّة المستجدّة، وذكر أهل العلم أحكامها الشرعية، من وجهة نظرهم، أو نظر المذاهب الأربعة غالباً(١) ، ثمّ تصدّت المنظّمة لطبع ما دارت في تلك الندوات العلميّة المفيدة المباركة في سبعة أجزاء باسم:

( الإسلام والمشكلات الطبيّة المعاصرة ) على نحو ما يلي:

___________________

(١) ابتداءً من ١١ شعبان ١٤٠٣ ه- الموافق ٢٤ مايو ١٩٨٣ م، وانتهاءً بأواخر جمادى الآخرة ١٤١٤، الموافق ديسمبر ١٩٩٣ م.

٧

أوّلاً : الإنجاب في ضوء الإسلام.

ثانياً : الحياة الإنسانية، بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي.

ثالثاً : الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبّيّة.

رابعاً :... لم أجده.

خامساً :... لم أجده.

سادساً : رؤية إسلامية لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

سابعاً : رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز.

فشكراً كثيراً: للأطباء المتديّنين، ولأهل العلم المتفقّهين، والمخلصين القائمين بأعمال الثبت والطبع، والله يُحبُّ المحسنين، كما أشكر ولدي، مسؤول سفارة الجمهورية الإسلامية الأفغانية في الكويت، واعظ زاده - وهو من أعضاء الحركة الإسلامية الأفغانية - حيث أهدى إليّ هذه الأجزاء، سوى الرابع والخامس حيث لم يوجدا.

فقصدت بفضل الله وعونه أنْ أنقل منهما بعض المطالب(١) ، ثمّ أذكر الحكم الفقهي من الفقه الجعفري، بحسب اجتهادي، فإنْ أصبت فهو من فضل ربي، وإنْ أخطأت فهو من قصوري أو من تقصيري، وأسأل الله - تبارك وتعالى - أنْ يجعله نافعاً لإخواني من أهل العلم، ولجميع المؤمنين، وأنْ يتقبّله منّي بكرمه السابق، وفضله الواسع.

___________________

(١) من غير التزام بمراعاة ترتيب مطالب تلك الأجزاء في كتابي هذا ؛ كما تعلمون فيما بعد.

٨

المسألة الأُولى

حُكمُ التداوي في الفقه

جواز التداوي من الواضحات التي تسالم الكلّ عليه. وفي موثّقة الحسين بن علوان، المروي في قرب الإسناد عن جعفر، عن أبيه، عن جابر، قال: قيل يارسول الله، أنتداوى ؟

قال: ( نعم، فتداووا فإنّ الله لم يُنزل داءً إلاّ وقد أنزل له دواءً )(١) .

أقول : وهل أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالتداوي للوجوب، أو للإرشاد ؟

فيه وجهان، نعم يجب التداوي من الأمراض الخطيرة لوجوب دفع الضرر، كما يجب تداوي الأطفال والمجانين على أوليائهم حسب قضيّة الولاية.

ثمّ الظاهر جوازه، بل وجوبه، وإن احتمل الضرر فيه احتمالاً مرجوحاً أو مساوياً ؛ لصحيح يونس بن يعقوب عن الصادقعليه‌السلام : الرجل يشرب الدواء ويقطع العرق، وربّما انتفع به، وربما قتله؟

قال: ( يشرب ويقطع )(٢) .

وربما يتخيّل بعض أهل العلم عدم وجوب التداوي مطلقاً، حتّى من الأمراض المهلِكة ؛ لاستبداله بالدعاء والتوكّل، قال الله تعالى:( وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلى اللهِ فَهُوَ حَسْبُه ) (٣) ، وقال تعالى:( ادْعُونِيَ أسْتَجِبْ لَكُمْ ) (٤) .

___________________

(١) ص١٧٩ ج١٧ الوسائل، ولابُدّ لاعتبار الرواية من إثبات أنّ نسخة قرب الإسناد الواصلة الى صاحب الوسائل قد وصلت بسندٍ معتبرٍ، وفيه بحث طويل عميق ذكرناه في محلّه. وعلى كل أخرجه بألفاظ مختلفة: أحمد، وأبو داود، والنسائي، والتزمذي، لاحظ ص٥٦٠ وص٥٧ ج٦ ( رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة ).

(٢) ص١٩٤ روضة الكافي.

(٣) الطلاق آية ٣.

(٤) غافر آية ٦٠.

٩

أقول : لكنّهما لا ينفيان وجوب التداوي وحده، بل لزوم تحصيل المعاش والنفقة، وتحصيل كلّ أمرٍ متوقّفٌ على أسبابه أيضاً، حتّى تحصيل العلم أيضاً !

بل لازم هذا التخيّل عدم وجوب حفظ النفس ! وهو كما ترى.

وهل يمكن أنْ يفتي عاقل بجواز ترك شرب الماء، أو أكل الطعام للمضطّر الذي يشرف على الهلاك ؟

والحلّ أنّ التوكّل لا ينافي السعي إلى تحصيل الأسباب، ولا هي تنافيه ( واعقل راحلتك وتوكّل على الله )(١) ، والدعاء لم يُشرَّع لإبطال الأسباب الطبيعيّة قطعاً، والأئمّةعليهم‌السلام تداووا، وأمروا أتباعهم بالتداوي، كما في الأحاديث الكثيرة(٢) ، بل ورد في بعض الأحاديث أنّ مَن يترك أُموراً لا يُستجاب دعاءه.

ثمّ إنّ التداوي كما قد يجب على المريض، يجب العلاج على الطبيب - أيضاً - وإنْ جاز له أخذ الأُجرة على طبابته إذا قدر المريض عليه.

وفي رواية محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام المرويّ في التهذيب، قال: سألته عن الرجل يعالج الدواء للناس فيأخذ عليه جعلاً ؟

قال: ( لا بأس )(٣) .

قال الفقيه اليزديقدس‌سره في خاتمة كتاب الإجارة من العروة الوثقى:

( السابعة عشرة ): لا بأس بأخذ الأُجرة على الطبابة، وإنْ كانت من الواجبات الكفائيّة ؛ لأنّها كسائر الصنائع، واجبة بالعرض لانتظام نظام معائش

___________________

(١) ج٧١ ص١٣٧ و ج١٠٣ ص٥، بحار الأنوار نسخة الكومبيوتر.

(٢) لاحظ الجزء ٦٢ من بحار الأنوار.

(٣) ص٣ ج٥٩، بحار الأنوار، والسند صحيح على المشهور، ولنا في صحّة طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد بحث ذكرناه في( بحوث في علم الرجال ) .

١٠

العباد، بل يجوز وإنْ وجبت عيناً، لعدم من يقوم بها غيره، ويجوز اشتراط كون الدواء عليه مع التعيين الرافع للغَرَر، ويجوز - أيضاً - مقاطعته على المعالجة إلى مدّة، أو مطلقاً، بل يجوز المقاطعة عليها بقيد البُرء، أو بشرطه إذا كان مظنوناً بل مطلقاً.

وما قيل من عدم جواز ذلك ؛ لأنّ البُرء بيد الله، فليس اختياريّاً له، وأنّ اللاّزم مع إرادة ذلك أنْ يكون بعنوان الجعالة لا الإجارة.

فيه: إنّه يكفي كون مقدّماته العاديّة اختياريّة، ولا يضرّ التخلّف في بعض الأوقات، كيف ؟! وإلاّ لم يصحّ بعنوان الجعالة أيضاً(١) .

أقول : وعلّق سيّدنا الأُستاذ الخوئي على قوله ( بل مطلقاً ): يشكل الحكم بالصحّة في فرض التقييد مع الظن بالبُرء أيضاً، نعم لا تبعد الصحّة مع الاطمئنان به.

كما أنّه علّق على الجزء الأخير من كلامه: الفرق بين الجعالة والإجارة من هذه الجهة ظاهرٌ(٢) .

وقالقدس‌سره في منهاج الصالحين: تجوز الإجارة على الطبابة سواءٌ أكانت بمجرّد وصف العلاج، أم بالمباشرة كجبر الكسير، وتجوز المقاطعة على العلاج بقيد البُرء إذا كانت العادة تقضي ذلك، كما في سائر موارد الإجارة على الأعمال الموقوفة على مقدّمات غير اختياريّة للأجير، وكانت توجد حينها عادةً(٣) . وتبعه بعض تلاميذه عليه.

___________________

(١) العروة الوثقى ٢/٤٢٠ - ٤٢١ طبعة مدينة العلم.

(٢) نفس المصدر.

(٣) منهاج الصالحين ٢/١٠٢ طبعة مدينة العلم.

١١

فائدة

نذكر فيها بعض الروايات المعتبرة سنداً:

١ - قال الصادقعليه‌السلام : ( قال موسى بن عمران: ياربّ من أين الداء ؟ قال: مني. قال: فالشفاء ؟ قال: مني. قال: فما يصنع عبادك بالمُعالِج ؟ قال: يطيب بأنفسهم، فيومئذٍ سُمّي المعالج الطبيب )(١) .

أقول : أيّ سُمّي بالطبيب لرفعه الهمّ عن نفوس المرضى بالرفق والتدبير، وليس الشفاء منهم، وفي بعض كتب اللغة: طَبَّ: تأنّى للأُمور وتلطّف، وفي بعض النسخ بالياء المثنّاة ( يطيب ).

وليس المراد أنّ الطبيب مشتقٌّ من مادّة الطيب، بل المراد أنّ تسميته بالطبيب لتداويه عن الهموم، فتطيب بذلك.

أقول : الشفاء لا ينافي التداوي ؛ لأنّهما من العلل الطوليّة، وصنع المُعالِج هو تشخيص الداء وتعيين الدواء فقط، والشفاء من الله تعالى.

٢ - كتب ابن أُذينة إلى الصادقعليه‌السلام يسأله عن الرجل ينعت له الدواء من ريح البواسير، فيشربه بقدر أسكرجة من نبيذ ليس يريد به اللّذة ( و ) إنّما يريد به الدواء ؛ فقال: ( لا، ولا جرعة ).

وقال: ( إنّ الله - عزّ وجلّ - لم يجعل في شيءٍ ممّا حرّم شفاءً ولا دواءً )(٢) .

أقول : اتّفقت أحاديثنا على منع التداوي بالخمر(٣) ، وهذا الحديث

___________________

(١) ص٨٨ روضة الكافي.

(٢) ص٨٨ ج٥٩ بحار الأنوار نقلاً عن الكافي.

(٣) لاحظ ص٢٠٢ وما بعدها ج٢٤ جامع الأحاديث.

١٢

يمنعه بمطلق الحرام. لكن، لو فرض بطريق قطعي مورداً: توقّف حياة أحد على شرب مسكر، أو خمر، أو على شرب دواءٍ فيه خمر ؛ جاز شربه أو لعلّه فرض نادر جدّاً.

٣ - قال الصادقعليه‌السلام : ( ما من دواءٍ إلاّ وهو شارع إلى الجسد ينظر ( سارع إلى الجسد ينتظر خ ) متى يؤمر به فيأخذه )(١) .

أقول : كأنّ الحديث يشير إلى موضوعٍ علميّ، وهو ما ثبت في علم الطب وغيره من مناعة البدن، وستعرفها في المسألة الخامسة والثلاثين، إنْ شاء الله تعالى.

نظر المذاهب الأربعة حول التداوي

نقل بعض أهل السنّة أنّ العلاج عند الإمام أحمد رخصة، وتركه درجة أعلى، وعند الشافعي: التداوي أفضل من تركه، ومذهب أبي حنيفة أنّه ( أي التداوي ) مؤكّد حتّى أنّه يقارب الوجوب، ومذهب مالك: أنّه يستوي فعله وتركه(٢) .

___________________

(١) روضة الكافي ص٨٨.

(٢) ص٦٢٤ وص٦٢٥ الحياة الإنسانيّة بدايتها ونهايتها.

١٣

المسألة الثانية

أثر الاضطرار والحرج والضرر والحاجة في رفع الأحكام الإلزاميّة

والبحث الأوّل في الاضطرار، قال الله تعالى:

( وَمَالَكُمْ ألاّ تَأكُلُوا ممّا ذُكِر اسْمُ الله عَلَيهِ وَقَد فَصَّل لَكُمْ مَّا حَرَّمَ عَلَيكُم إلاّ ما اضْطُررْتُم إلَيهِ ) ( الأنعام: ١١٩ ).

وقال تعالى:

( إنَّما حَرَّمَ عَليكُمْ المَيْتَةَ والدَّمَ وَلَحْمَ الخِنزِيِرَ وما أُهلّ به لِغَير الله فَمَن اضطُرَّ غَيَر بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إثْمَ عَلَيه... ) (البقرة: ١٧٣).

ولاحظ سورة المائدة(٣) ، والأنعام (١٤٥)، والنحل (١١٥).

وكلّ هذه الآيات وردت في مورد أكل المحرّمات الخاصّة.

وقال رسول الله -صلى‌الله‌عليه‌وآله - كما في حسنة حريز المرويّة في الخصال، عن الصادقعليه‌السلام :

( رُفع ( وضع ) عن أُمتي تسعة: الخطأ، والنسيان، وما أُكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطرّوا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكّر في الوسوسة في الخلق، ما لم ينطق بشفته)(١) .

وفي موثّقة سماعة - على إشكالٍ في صحّة طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد في المشيخة، عن الصادقعليه‌السلام : (... ولن يكلّفه الله ما لا طاقة له به )(٢) .

وفي موثّ-قةٍ أُخرى له - على إشكالٍ عرفته -: ( وليس شيء ممّا حرّم الله

___________________

(١) ص٨٨ ج١، مقدّمة جامع الأحاديث، الطبعة الأُولى.

(٢) ص٤٨٣ ج٥، الوسائل نسخة الكومبيوتر.

١٤

إلاّ وقد أحلّه لمَن اضطرّ إليه )(١) . وقريب منها موثّ-قة أبي بصير(٢) .

وفي صحيح محمّد بن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الرجل والمرأة يذهب بصره، فيأتيه الأطباء، فيقولون: نداويك شهراً أو أربعين ليلة مستلقياً كذلك يصلي ؟ فرخّص في ذلك، وقال:( فمَن اضطُرّ غَير باغٍ وَلا عادٍ فلا إثم عليه ) (٣) .

أقول : مورد الرواية ظاهراً الحاجة أو الحرج، ولكنّ الإمام طبّق عليه الاضطرار. ثمّ إنّ الحديث يدلّ على تعميم الآية لمطلق المحرّمات من دون اختصاصٍ لها بالأكل المحرّم، فلا تغفل، وفي صحيح حفص البختري عن الصادقعليه‌السلام قال: سمعته يقول في المغمى عليه: ما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر(٤) .

وبالجملة : الاضطرار رافع للتكليف كما في الأحاديث الكثيرة. والتّتبع بالكومبيوتر سهل.

( البحث الثاني في الحرج ):

قال الله تعالى:( وَمَا جَعَلَ عَلَيكُمْ في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) ( الحج: ٧٨ ).

وقال تعالى:( لِّيْسَ عَلَى الأعمى حَرَجٌ وَلاَ الأعرج حَرَجٌ وَلاَ عَلَى المَرِيِض حَرَجٌ ) (الفتح: ١٧ ) و ( النور: ٦١ ).

وفي صحيح زرارة عن الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى:( مَا يُريدُ الله

___________________

(١) ص٢٢٨ ج٢٣ المصدر.

(٢) ص٤٨٣ ج٥ نفس المصدر.

(٣) ص٤٩٦ نفس المصدر.

(٤) ص٢٧٣ج ١ جامع الأحاديث.

١٥

ليَجْعَلَ عَليكُم مِنْ حَرَجٍ ) : والحرج الضيق(١) .

وفي صحيح بريد العجلي، عنهعليه‌السلام : (... ولم يجعل الله تبارك وتعالى في الدين من ضيق، فالحرج أشدّ من الضيق )(٢) .

وعليه فيمكن أن يُحمل الضيق في الحديث السابق، على مرتبة عالية منه دفعاً للتعارض، فافهم.

وفي موثّقة أبي بصير - على إشكالٍ في صحّة طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد في المشيخة-: ( فإنَّ الدين ليس بضيّق، فإنّ الله يقول:( مَا جَعَلَ عَلَيكُمْ في الدِين مِنْ حَرَجٍ ) )(٣) .

قال سيِّدنا الأُستاذ الحكيمقدس‌سره في مستمسكه:... فلا يكون الحرج مجوّزاً لفعل المحرّمات عندهم، وإنْ كان مجوّزاً لترك الواجبات، فلا يجوز الزنا للحرج، ولا يجوز أكل مال الغير للحرج... وإن كان الفرق بين الواجبات والمحرّمات في ذلك غير ظاهر، ومقتضى دليل نفيه نفي التحريم كنفي الوجوب(٤) .

أقول : والحقّ جريان نفي الحرج في مطلق الأحكام الإلزاميّة الحرجيّة من الواجبات والمحرّمات، لكن لابُدّ أن يعلم أنّ للحرج مراتب متفاوتة، والأحكام الإلزاميّة - أيضاً - لها مراتب من حيث الأهميّة، فلا يمكن نفي حرمة الزنا واللواط والمساحقة، لمَن لا زوج له بدعوى الحرج، وهو ظاهر، فإذا رُوعيت هذه النكتة حسب الذوق الشرعي، والارتكاز المتشرّعي في جريان قاعدة نفي الحرج، لا يبقى وجهٌ للتفصيل بين الواجبات والمحرّمات.

___________________

(١) ص٣٦٤ ج٣ الوسائل نسخة الكومبيوتر.

(٢) ص١٩١ ج١ أُصول الكافي.

(٣) ص١٦٣ ج١ الوسائل نسخة الكومبيوتر.

(٤) ص٢٤٧ ج١٤.

١٦

( البحث الثالث في الضرر ):

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كما في موثّقة زرارة عن الباقرعليه‌السلام : ( لا ضرر ولا ضرار )(١) .

فكلّ حكمٍ ضرريٍّ يُنفى بهذا.

وأعلم أنّ البحث حول قاعدة نفي الضرر والضرار طويل، مذكور في علم أُصول الفقه، بل ألَّف غيرُ واحدٍ من الأعلام حولها رسالة مستقلّة.

( البحث الرابع في الحاجة ):

قال الله تعالى:( يُرِيُد الله بِكُمُ اليُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بكُمُ العُسْر ) ( البقرة: ١٨٥ ).

وفي صحيح الثمالي المروي في الكافي عن الباقرعليه‌السلام قال: سألته عن المرأة المسلمة يصيبها البلاء في جسدها إمّا كسر وإمّا جرح في مكان لا يصلح النظر إليه، يكون الرجل أرفق بعلاجه من النساء أيصلح له النظر إليها ؟ قال: ( إذا اضطرّت إليه فليعالجها ( فيعالجها - جامع )، إن شاءت )(٢) ، فلاحظ.

أقول : الحديث يدلّ على جواز نظر الطبيب إلى المريضة لاضطرارها، وتقييد النظر إليها بعدم إمكان العلاج بالنظر إليها بالنظر إلى المرآة، كما عن بعض الفقهاء خلاف إطلاق الصحيحة، فلا نلتزم به، والله أعلم بأحكامه.

___________________

(١) ص٣٢ ج١٨ الوسائل نسخة الكومبيوتر.

(٢) ص١٧٢ ج١٤ الوسائل ( الطبعة المتوسطة ).

١٧

المسألة الثالثة

ما يتعلّق بضمان الطبيب وعدمه

( الأوّل ) : إذا تبرّأ الطبيب من الضمان، وقبل المريض أو وليّه، ولم يقصّر في الاجتهاد والاحتياط ؛ فالأظهر براءته من ضمان الفساد إن اتّفق بمباشرته، كما اختاره جماعةٌ من المحقّقين، بل عن المسالك أنّه المشهور، واستدل له بخبر السكوني: ( من تطبّب أو تبيطر فليأخذ البراءة من وليّه، وإلاّ فهو ضامن )، وبأنّ العلاج ممّا تمسّ الحاجة إليه، فلو لم يشرع الإبراء تعذّر العلاج كما في الشرائع(١) .

وعن ابن إدريس أنّه لا يبرء ؛ لأنّه إسقاط الحقّ قبل ثبوته(٢) .

وفي الجواهر:... على أنّه ينبغي الجزم به ( أي بالإبراء ) إذا أخذ بعنوان الشرطيّة في عقد إجارة الطبيب مثلاً، إذ هو حينئذٍ يكون كاشتراط سقوط خيار الحيوان والمجلس ونحوهما ممّا يندرج تحت قولهمعليهم‌السلام : ( المؤمنون عند شروطهم )... وليس هذا من الإبراء قبل ثبوت الحق، بل من الإذن في الشيء المقتضية ( المقتضى ظ ) لعدم ثبوته نحو الإذن في أكل المال مثلاً.

أقول : وما ذكره صاحب الجواهر موجّه، وأمّا ما ذكره المحقّق في الشرائع من الوجهين ففيه نظر وإن قبله صاحب الجواهر ؛ لضعف الخبر

___________________

(١) ص ٤٧ ج ٤٣ جواهر الكلام.

(٢) نفس المصدر.

١٨

سنداً، ولتردّد في الثاني.

وهنا شيء، وهو أنّه إذا كان الطبيب قاصراً، ولكنّ المريض يعتقد مهارته، فقَبِل إبراءه فأفسد لجهله، ففي براءته نظر أو منع، فإنّ الطبيب مدلّس حينئذٍ.

( الثاني ) : الطبيب يضمن ما يتلف بعلاجه إن كان قاصراً - سواء كان قصوره في علاج المرض، أو في تشخيصه - وإنْ أذن المريض بالعلاج، ويظهر منهم نفي الخلاف فيه بل عن التنقيح الإجماع عليه(١) .

لكن قد يُقال بسقوط الضمان فيه بسبب الإذن، وردّ بقاعدة الضمان على كلّ مُتْلف خصوصاً في الدماء التي ورد فيها:

( أنّه لا يبطل دم امرئ مسلم )(٢) ، والإذن كعدمها بعد النهي عنه شرعاً، بل لو جوّزنا المباشرة للحاذق بلا إذنٍ لقاعدة الإحسان، أو أوجبناها عليه مقدّمةً لحفظ النفس المحترمة، لما ينافي ذلك الضمان الذي هو من باب الأسباب، كما في تأديب الزوجة والصبي ونحوهما، فتأمّل.

( الثالث ) : قالوا: يضمن الطبيب العارف الحاذق إذا عالج: صبيّاً، أو مجنوناً، أو مملوكاً، من غير إذن الولي والمالك، أو عالج عاقلاً حرّاً من غير إذنٍ فيه(٣) .

وقيل: إنّه لا خلاف فيه ظاهراً(٤) .

( الرابع ) : الطبيب العارف ( علماً وعملاً ) إذا أذن له المريض في العلاج، ولم يقصّر هو فيه، فعالج وآل علاجه إلى التلف في النفس أو الطرف

___________________

(١) جواهر الكلام ص ٤٤ ج ٤٣.

(٢) لاحظ ج ٤٣ من الجواهر.

(٣) نفس المصدر.

(٤) نفس المصدر.

١٩

فعن ابن إدريس: أنّه لا يضمن ؛ للأصل، ولأنّ الضمان يسقط بالإذن، ولأنّه فعلٌ سائغٌ شرعاً فلا يستعقب ضماناً(١) .

وعن جمعٍ من الأعلام: أنّه يضمن لمباشرته للإتلاف.

وفي الجواهر: وإن لم يصرّحوا أو أكثرهم بالإذن.

وعن المحقّق: نسبة ضمان الطبيب المُتْلف بعلاجه بقول مطلق إلى الأصحاب(٢) .

وأُجيب عن ما استدلّ به ابن إدريس بأنّ الإذن في العلاج ليس إذناً في الإتلاف، والجواز الشرعي لا ينافي الضمان، كما في الضرب للتأديب، نعم، وحيث أنّه غير متعمد لا يُقتص منه ؛ ثمّ إنّ فعل الطبيب في المقام من شِبْه العمد، فالضمان في ماله لا على عاقلته.

( الخامس ) : قال الفقيه اليزديقدس‌سره في كتاب الإجارة من العروة الوثقى: إذا أفسد الأجير للخياطة أو القصارة أو لتفصيل الثوب ضَمَن، وكذا الحجّام في حجامته أو الختان في ختنه، وكذا الكحّال أو البيطار، وكلّ من آجر نفسه لعمل في المستأجر، إذا أفسده يكون ضامناً إذا تجاوز عن الحدّ المأذون وإنْ كان بغير قصده ؛ لعموم مَن أتلف، وللصحيح عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يعطى الثوب ليصبغه، فقالعليه‌السلام :

( كلّ عاملٍ أعطيته أجراً على أنْ يُصلح فأفسد فهو ضامن )(٣) .

___________________

(١) جواهر الكلام ج ٤٣ ص ٤٥.

(٢) نفس المصدر ص ٤٦.

(٣) وهو صحيح الحلبي المروي في الفقيه. ورواه في الكافي والتهذيبين عن علي، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد، عن الحلبي، عنهعليه‌السلام بلفظ: سُئل عن القصار يفسد ؟

قال: ( كلّ أجيرٍ يُعطى الأجر على أن يُصلح فيفسد فهو ضامن ). ص ٥١ ج ١٩ جامع الأحاديث.

٢٠