الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية11%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 93348 / تحميل: 7979
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

الفقيه عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: ( كلّما كان في الإنسان اثنين ( اثنان - يب ) ففيهما الديّة في إحداهما ( أحدهما - يب ) نصف الديّة، وما كان ( فيه ئل ) واحداً ففيه الديّة )(١) .

أقول : تقييد الخبر أو انصرافه إلى خصوص الأعضاء محتاج إلى دليل قرينةٍ كقولهعليه‌السلام في أولّ الخبر: ( اثنين )، وإلاّ فالخبر يشمل الصفات النفسيّة - أيضاً - مضافاً إلى قواه البدنيّة ؛ لأنّ الموضوع هو الإنسان، وهو مركّب من البدن والنفس دون خصوص البدن.

وربّما يورد على ما ذكره صاحب الجواهر أيضاً، أنّ الأجزاء في الحرّ ليست قيمتها منسوبة إلى قيمة الأنفس، كما هو كذلك في السلعة، فتشبيه السلعة بالنفس غير ظاهر الوجه، بل قد يكون قيمة الأجزاء عشرين أضعاف قيمة الكلّ، واللاّزم في الأرش هو التقدير حسب المناسبات العرفيّة المستفادة من حكم الشارع بمقادير الديّة، ويمكن أنّ يُجاب عنه بأنّه أهمل في باب الديّات، مثلاً: يد الخطّاط الماهر، وبعض أهل الصّنعة، لها منافع كثيرة مع عدم الاختلاف في ديّة قطع اليد.

٤ - على الحكومة أنْ تراقب كلّ المرضى بالأمراض المُعْدية - على أنْ لاينقلوا العدوى إلى الأصحّاء - مراقبةً بمقدار اللاّزم لا أزيد، والأمراض في العدوى مختلفة، وقد تقدّم في المسألة السابقة: أنّ مرض الإيدز أخفّ الأمراض المعدية، فلا بأس بذهاب المريض به إلى معاهد التعليم والتعلّم، والمعامل، والمؤسّسات الحكوميّة، وغيرها، وإنّما يراقبون في خصوص الطرق الأربعة الناقلة، إلاّ إذا ثبتت العدوى بغيرها أيضاً، فتتّسع المراقبة.

___________________

(١) ص٣٧٨ ج٢٦ جامع أحاديث الشيعة.

٣٠١

فائدة طبّيّة حول الأمراض المُعْدِية

الأمراض المُعْدِية التي تنتقل من المريض إلى آخر، تختلف طُرق ووسائل انتقالها من مرضٍ إلى آخر، فمنها ما ينتقل بواسطة التنفّس كأمراض الجهاز التنفسي كالأنفلونزا الرئوي، ومنها ما ينتقل بواسطة الفم كأمراض الجهاز الهضمي، مثل: الدوسنتاريا والتيفوئيد، ومنها ما ينتقل عن طريق المعاشرة الجنسيّة، مثل: الزهري والسَّيَلان، ومنها ما ينتقل بطريق الملامسة كالجدري والجذام، وبعضها ينتقل بواسطة الحقن، أو نقل الدم كالالتهاب الكبدي الفيروسي، أو بواسطة وخز الحشرات كالملاريا التي تنقلها البعوضة، أو الطاعون الذي تنقله الفئران والبراغيث، وقد يكون للمرض الواحد أكثر من وسيلة لانتقاله كالايدز، إذْ تحقّق أنّه ينتقل بالاتّصال الجنسي، وعن طريق الدم ومشتقّاته كزراعة الأعضاء، والمخدّرات التي تُؤخذ عن طريق الحقن(١) .

٥ - إذا احتمل الطبيب عند نقل دم أحد، ولو بتوسّط زرع عضوٍ منه في بدن الغير، أنّ صاحب الدم مبتلى بالايدز، أو مرضٍ معدٍ آخر، فهل يجب عليه الفحص حتّى الاطمئنان بعدمه، أو لا يجب عملاً بأصالة الصحّة، أو أصالة عدم حدوث المرض المعدي، أو أصالة البراءة عن وجوب الفحص ؟ فيه وجهان.

وربّما يُقال: إنّ الأصل في النفوس، والفروج، والأموال الكثيرة، هو: الاحتياط، دون البراءة، ومقامنا داخل في الأوّل ؛ فإنّ مرض الإيدز مهلك لا

___________________

(١) ص١٤٥ رؤية إسلاميّة للمشاكل الاجتماعيّة لمرض الإيدز.

٣٠٢

علاج له لحدّ الآن، لكنّ هذا القول بإطلاقه لا دليل له، ويجري الاستصحاب وأصالة البراءة في كثيرٍ من جزئيّات تلك الموارد الثلاثة، كما أوضحه سيّدنا الأُستاذ الحكيمرحمه‌الله في الجملة، في بعض مجالس دروسه المباركة.

نعم إذا اشترط عليه المريض، أو الحكومة الإسلامية الفحصَ ؛ وجب لقولهعليه‌السلام : ( المؤمنون عند شروطهم )(١) ولقوله تعالى:( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وأمّا إذا علم الطبيب بأنّه في فرض ترك الفحص يُبتلى جمعٌ من المرضى بفيروس الإيدز لا محالة، فلا يبعد وجوب الفحص عليه، فتأمّل.

٦ - لا يجوز للمريض بالمرض المُعْدي التزويج أو التزوّج بالصحيح الغافل ؛ فإنّه إضرار به وهو واضح، وإذا كان المرض مهلكاً ولا يتيسّر التحفّظ منه للسالم من الزوجين ؛ لا يجوز للسالم إجابة المريض للزواج - بل لكلّ مصاحبة مؤدّية إلى انتقال المرض المهلك إليه - لأنّه من الإلقاء في التهلكة.

نعم إذا تباينا على ترك المجامعة - في مثل مرض الإيدز - جاز النكاح ولم يحرم(٢) ، وعلى كلٍّ، إذا رضيا بالنكاح صحّ النكاح، وإن حرم إنْ أوجب الإضرار بالنفس، فالحكم الوضعي غير الحكم التكليفي، فتدبّر فيه.

٧ - إذا تزوّج أو زُوّج جهلاً، بالمريض المُعْدي ثمّ علم، فهل له فسخ العقد إذا كانت العدوى مهلكة، أو مضرة إلى درجةٍ كبيرةٍ، ولم يتيسّر التحفّظ منها إلاّ بحرجٍ شديد ؟

ج: أمّا للزوج، فثبوت الخيار له في غاية الإشكال لما يُستفاد من

___________________

(١) تقدّم مصدره.

(٢) ويمكن أنْ يُقال بعدم حرمة النكاح في مثل الإيدز دائماً، وإنّما المحرّم هو الجماع فإنّه الطريق إلى الانتقال، نعم هو من مقدّمات الحرام.

٣٠٣

الحصر الوارد في بعض الروايات الواردة في العيوب، على ما يأتي في المسألة الآتية، فإنّها ظاهرة في نفي الخيار في غير العيوب المذكورة في الرواية، نعم له أنْ يطلّقها، بل يجب عليه في الفرض المذكور.

وأمّا للزوجة فلا يبعد ثبوت الخيار له ؛ لقاعدة لا ضرر، التي استدلّ بها لثبوت بعض الخيارات في باب المعاملات، ولقاعدة نفي الحرج(١) .

وأيّ ضررٍ من ابتلائها بالمرض المهلك، أو تدهور صحّتها شديداً، وفي مرض الإيدز بحرمانها من لذّة الجماع ما دام العمر، إلاّ أنْ تلتذّ بالدخول ولو مع استعمال الزوج الرفال والعازل الذكري، وقلنا بكفاية ذلك لحقها، فلا خيار لها حينئذٍ، إلاّ أنْ يُقال: إنّ زوجها في معرض الموت فلها الخيار من هذه الجهة، ويلحق بالايدز كلّ مرضٍ مهلكٍ سريعٍ، فتأمّل.

وغاية ما في الباب أنْ يأمر الحاكم الشرعي الزوج بالطلاق احتياطاً، فإن عصى تفسخ هي النكاح ويطلّقها الحاكم ولاية احتياطاً.

وعدم ذهاب مشهور فقهائنا إلى ثبوت الخيار بالأمراض المُعْدية أوّلاً غير ثابت ؛ لأنّ كثيراً منهم لا تصنيف لهم، أو لم تصل إلينا مصنّفاتهم وتأليفاتهم.

وثانياً أنّ ضرر الأمراض المُعْدية لم يكن واضحة للناس والفقهاء.

وثالثاً أنّه غير مانع عن الفتوى بالدليل، وهو قاعدتا نفي الحرج

___________________

(١) هذا بناء على عدم شمول صحيح الحلبي الآتي، المرويّ في الفقيه في المسألة الآتية لعيوب الرجل كما عن جماعة، وعليه فالحصر فيه ثابت في الرجل، وأنّه لا يردّ النكاح إلاّ من عيوب، وأمّا بناءً على الأرجح من شموله لعيوب كلّ من الزوجين، وجواز ردّ النكاح لكلٍّ منهما فالحصر ثابت لكليهما، فيمكن أنْ يرفع اليد عنه هنا لقاعدتي نفي الحرج والضرر كما رفع اليد عنه في بعض الموارد الأُخر كما ستعرف، وهاتان القاعدتان جاريتان في حق الرجل والمرأة. إلاّ أنْ يُقال: إنّ جواز الطلاق من طرف الزوج يمنع عن جريان قاعدة الحرج والضرر، فتأملّ.

٣٠٤

والضرر الرافعتان للزوم العقد بالنسبة إليها، وأمّا ما في الجواهر من قول مؤلِّفه الكبيررحمه‌الله : على أنّ العدوى مع اقتضائها التعدية إلى كلّ مرضٍ مُعْدٍ، ممّا لا يقول به الخصم، يمكن رفعه بإيجاب التجنب(١) ، فهو ضعيف، فإنّ الزوجيّة التي يجب تجنّب أحدهما عن الآخر فيهما حرجيّة أشدّ الحرج، وأيّ فائدةٍ لهذا الزواج الفاقد للسكون والمودّة والرحمة ؟! وليس هو من الامساك بالمعروف.

وربما يتمسّك لخيارها بقوله تعالى:( الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) (٢) .

ويمكن أنْ نتمسّك له أيضاً بقوله تعالى:

( وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ) (٣) .

إذ لا فرق بين الإمساك المسبوق بالطلاق بعد الرجوع، وبين الإمساك الابتدائي المسبوق بالنكاح في الحكم، ومعلوم أنّ إمساك الزوجة من قبل الزوج المبتلى بالعدوى، أو المريض بالمرض المهلك قريباً في أوّل الزواج ليس بمعروف. وإذا قصد الزوج المريض بإمساكها إضرارها ؛ فهو مدلول قوله تعالى:( وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ) .

لكنّ الكلام أوّلاً: أنّ هذا كلّه يوجب الخيار لها، أو أنّه يسبّب جواز إجبار الحاكم الزوج على الإمساك بالمعروف، وعدم الإمساك للاعتداء، وثانياً:

___________________

(١) الجواهر ج ٣٠ ص ٣٣٠.

(٢) ويحتمل أنّ المراد من الإمساك بالمعروف هو الإمساك لسكون النفس إليها، لا لأخذ المهر منها كلاًّ، أو بعضها، كما قال تعالى بعد ذلك( ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً ) ، إلاّ أن يُقال إنّ الإطلاق لا يُقيّد بالاحتمال، وقوله لا يحلّ لكم، حكم آخر لا عين الإمساك بالمعروف ؛ فإنّه خلاف الظاهر.

(٣) البقرة آية ٢٣١.

٣٠٥

في أنّه لو لم يقبل الزوج أمر الحاكم، ولم يطلقها أو لم يصلح شأنه - إذا كانت المشكلة اختياريّة غير قهريّة كالأمراض المُعْدية - فما هو الموقف ؟ هل يثبت الخيار للزوجة، أو يطلّقها الحاكم ولايةً عليه ؟

ثمّ إذا لم يتمّ الاستدلال بالآيات، ولا بقاعدتي نفي الضرر والحرج، بل ولا بقاعدة نفي العسر على ثبوت الخيار لها ؛ يمكن أنْ نثبته لأجل التدليس، فإنّ المرأة لو علمت بحال خاطبها، وأنّه مبتلى بالعدوى والمرض المهلك، لما رضيت بالزواج منه قطعاً(١) ، اللّهم إلاّ بعض النساء لأغراض خاصّة، وهو نادر، والسلامة من مثل هذه الأمراض وإن لم تُشترط صريحة في العقد لكنّها ممّا يبني الزوجان عليها، ويجريان عقد النكاح عليها، ولا فرق على الأظهر بين الشرط المذكور صريحاً في العقد، وبين الشرط المبنيّ عليه العقد، وسيأتي في المسألة الآتية بعض الكلام حول التدليس إن شاء الله.

٨ - لا يجب على الزوجة التمكين من الزوج المريض إذا احتملت الضرر المهمّ بالمباشرة، وربّما لا يجوز إذا كان الضرر مهلكاً أو شبهه، كما لا يجب على الزوج وطء الزوجة المريضة بالايدز ونحوه ؛ لذلك، إذا كان احتمال الضرر بعد تثبيته راجحاً عند العقلاء.

وبالجملة : حرمة الإضرار بالنفس أهمّ من وجوب أداء حقّ الزوجين، فتقدّم عليه عند التزاحم، نعم لا مانع من سائر الاستمتاعات في مرض الإيدز لما سبق من عدم نقل العدوى بها. وكذا يجب أداء حقّ الزوجين في الوطء إذا اطمأنّا بقول الطبيب الثقة الماهر بعدم العدوى مع استعمال الرفال والعازل الذكري.

وعلى الجملة : ليس البحث في الصغريات وكيفيّة العدوى، وإنّما

___________________

(١) وسكوت الزوج عن مرضه مع بناء الناس على أصالة الصحّة، وغفلة الزوجة عن احتمال مرضه تدليس.

٣٠٦

البحث في أصلٍ كليٍّ، وأنّ حفظ الضرر المهمّ مقدّم على حقوق الزوجين، وتشخيص الضرر كمّاً وكيفاً موكول إلى الطب.

٩ - لا يجوز دخول المرضى بالأمراض المُعْدية في المدارس والمعامل والدوائر، ويجب على أولياء الأطفال منعهم عن المدارس.

وأمّا المصابون بالايدز، فلا بأس بذهابهم بين الناس مع الرقابة على مسألة الدم والمباشرة.

١٠ - لا يجب عزل الصبي عن أُمّه المصابة بالايدز، بل لا يجوز، لحقّ الحضانة، وذلك لما مرّ من عدم نقل العدوى باللبن، مع التحفّظ على مسألة الدم، والأحسن عدم إيجار المرضعة المصابة بالايدز، نعم يجب عزله عن الأُمّ المصابة بمرض يعدي باللبن، أو بالتماس الجسمي، ويسقط حقّ حضانتها.

١١ - لا يجوز إجهاض الجنين المصاب بالايدز بعد تعلّق الروح به قطعاً، وأمّا قبله فإن كانت الإصابة به مظنونة فكذلك، وإنْ كانت مقطوعة طبّاً فالحكم بجواز إجهاضه مشكل جدّاً، وإن فُرض موته أثناء سنةٍ بعد ولادته.

١٢ - إذا فرضنا قيام فئة - من الرجال أو النساء - بأمر حكومات كافرة عدوّة للمسلمين بنشر الإيدز بين المسلمين، فحكم هؤلاء الفئة حكم الساعين في الأرض فساداً.

١٣ - ليس كلّ مصاب بالايدز مجرماً ؛ لأنّه قد ينتقل المرض إليه من دون تقصير له، ولا تخلّف عن حكمٍ شرعيٍّ، فلا يجوز بهم سوء الظن.

١٤ - هل يجوز اشتراط السلامة من الإيدز، وكلّ مرضٍ مُعْدي في النكاح ؟

الظاهر عدم المانع منه.

٣٠٧

١٥ - هل يحقّ للدولة تحتّم الفحص عن الإيدز، بل عن كلّ مرضٍ مُعْدٍ، عن كلّ مَن يريد التزويج والتزوّج، وإن استلزم مؤنةً كثيرةً على الزوجين ؟

الأولى إحالة هذا الحكم إلى الحاكم الشرعي، فيحكم باللزوم أو عدمه، حسب شرائط الظروف والوضع الصحّي، وقيل: إنّ في خلال الأشهر الثلاثة الأُولى من العدوى يمكن أنْ لا يظهر الإيدز.

١٦ - قيل: إنّه لا مانع من زواج المصاب والمصابة بالايدز ؛ لعدم الضرر عليها حينئذٍ، وقيل: إنّ جماعهما يمكن أن يُساعد على إضعاف صحّة كلّ منهما، وبالتالي يمكن أن تظهر ذريّة جديدة مصابة بالايدز، وتظهر وحدات جديدة للفيروس، إنّ فيروس الإيدز يغيّر جلده من آن إلى آخر(١) .

أقول : إذا كان احتمال الضرر المزيد ثبت طبّيّاً وكانت الزيادة خطيرة، فلا يبعد تحريم الوطء عليهما.

ثمّ إنّه يمكن أنْ يقال: إنّه لا فرق في الحكم بين نقل فيروس الإيدز إلى إنسانٍ سالمٍ وبين توليد إنسانٍ مريضٍ بالايدز من الأوّل، فإنّ العقل يقبّح كليهما، وعليه فلا يحلّ للزوجين ما يوجب حمل الزوجة بجنين يعلمان ابتلائه بالايدز ونحوه من الأمراض المهلكة، والله العالم.

١٧ - هل يضمن الطبيب إذا نقل العدوى إلى سالمٍ عمداً أو سهواً ؟

تقدّم بحثه مفصّلاً في المسألة الثالثة في أوائل الكتاب فلا نعيده هنا، فلاحظ.

١٨ - هل يجوز للمصاب أو المصابة الإحبال والحمل إذا لم يعلما

___________________

(١) ص٣٢٧ رؤية إسلاميّة للمشاكل الاجتماعيّة لمرض الإيدز.

٣٠٨

بابتلاء الجنين بالمرض، والأصل عدم ابتلائه به بعدما تقدّم في المسألة السابقة من كون نسبة إصابة الجنين بالايدز غير عالية ؟ فيه وجهان.

١٩ - ولو اختلف الزوجان فرغب أحدهما في الحمل وامتنع الآخر عنه، فالظاهر أنّه لا وجه لإجبار الممتنع لاسيّما في مثل الإيدز، فتفطّر القلب حزناً وأسىً على الوليد الذي يتمزّق ويحترق، ولا علاج له ولا دواء.

٢٠ - هل مرض الإيدز مرض الموت ؟

ومرض الموت يُمنع فيه المريض عن التبرّعات المنجزة الزائدة عن الثلث في ماله، عند جمعٍ كثيرٍ من فقهائنا المحقّقين ( رضي ‌الله ‌عنه م )(١) ، فتشخيصه مهمٌّ ومفيدٌ.

قال بعض الفضلاء من أهل السنّة(٢) : إنّ الفقهاء اختلفوا في التعريف بمرض الموت اختلافاً كثيراً، لا يرجع إلى نصٍّ من كتابٍ وسنّةٍ، وإنّما مردّه إلى الاجتهاد والنظر، فقال بعضهم: مرض الموت هو الذي يُقعد الإنسان عن عمله المعتاد في حال الصحّة... وعن ابن عابدين: إنْ علم أنّ به مرضاً مهلكاً غالباً، وهو يزداد إلى الموت فهو المقبر، وإنْ لم يعلم أنّه مهلك يعتبر العجز عن الخروج للمصالح... ( رد المختار ٢/٧١٦ ) وقيّدته مجلّة الأحكام العدليّة ( ١٥٩٥م ) بأنْ يموت المريض قبل مرور سنة من الإصابة به، وقيل غير ذلك.

وقال أيضاً: والذي يُستخلص من كلام جمهور الفقهاء، وتقريرات محقّقيهم: أنّ مرض الموت هو المرض المخوف الذي يتّصل بالموت، ولو لم يكن الموت بسببه ( الأم للشافعي ٤/٣٥ - مغني المحتاج ٣/٥٠ ) فعلى هذا يُشترط لتحقّقه أنْ يتوافر فيه وصفان:

___________________

(١) الجواهر ج ٢٦ ص ٦٣.

(٢) ص٤٦١ رؤية إسلاميّة للمشاكل الاجتماعيّة لمرض الإيدز.

٣٠٩

أحدهما : أنْ يكون مخوفاً، أي يغلب الهلاك منه عادةً أو يكثر... ويكفي الآن وقد تقّدّم علم الطب أنْ يرجع إلى الأطبّاء الخبراء في طبيعة المرض وأعراضه.

ثانيهما : أنْ يتّصل المرض بالموت سواءٌ وقع الموت بسببه، أم بسببٍ آخر خارجيٍّ عن المرض: كقتلٍ أو غرقٍ أو حريقٍ أو تصادمٍ أو غير ذلك.

وألحقوا بالمريض مرض الموت في الحكم، أشخاصا في حالات مختلفة ليس فيها مرض أو اعتلال صحّة، وإنّما توافر فيها الوصفان المشتَرَطان.

١ - ما إذا كان الشخص في الحرب، والتحمت المعركة، واختلطت الطائفتان في القتال، قالوا: فإنّ توقّع التلف هنا كتوقّع المرض أو أكثر.

٢ - ما إذا قُدِّم الشخص للقتل سواء أكان ذلك قصاصاً أو غير ذلك.

٣ - الأسير والمحبوس إذا كانا من العادة أنْ يُقتلا.

٤ - ما إذا ركب البحر وتموّج واضطرب، وهبّت الريح وخاف الغرق فهو مخوف.

أقول : يُلحق به راكب السيارة والطائرة في بعض الحالات.

٥ - المرأة الحامل إذا أتاها الطلق ( بناءً على شرائط الظروف القديمة ).

ويُشترط في هذه الحالات كلّها وما أشبهها: أنْ يتّصل حال خوف الهلاك الغالب أو الكثير بالموت، حتّى تُلحق بمرض الموت.

وقال: بناءً على هذا فإنّه يمكننا اعتبار المصاب بمرض الإيدز في مرض الموت ؛ نظراً لتوفّر مناط التعليل فيه ( كونه مخوفاً، واتّصاله بالموت ).

وقال بعضٌ آخر من أهل العلم من أهل السنّة(١) : مرض الموت هو

___________________

(١) ص٥٢٣ نفس المصدر.

٣١٠

المرض الذي يعقبه الموت... ومرض الإيدز يمرّ بمراحل مرحلة الإصابة، مرحلة الكمون، مرحلة التهيّج والقضاء... وفي هذه المرحلة فقط يمكن اعتباره مرض الموت ( فإنّه يصل إلى حدّ إنهاك الجسم، وقتل قوّة المناعة في الجسم، أو ظهور أمراض عصبيّة قاتلة ).

أقول : الظاهر أنّ كلّ مَن يقول بأنّ مرض الإيدز مرض الموت، يقصد هذه المرحلة، ولابُدّ أنْ يكون كذلك.

وأمّا إلحاق الأشخاص الآخرين، الذين ذكرنا أسماءهم في الموصوفين بمرض الموت، ففيه بحث، فإنّ ما استُدلّ به لمنع نفوذ التبرّعات الزائدة عن الثلث في المال، من الأحاديث الواردة من طريق الشيعة ليس الموضوع فيها مرض الموت، بل في جملةٍ منها ( عند موته )، وفي بعضها ( حضره الموت ) وفي بعضها - في حقّ المرأة - ( في مرضها ) وعلى هذا فلا يبعد شمول قولهعليه‌السلام : ( عند موته ) أولئك الأشخاص ومن يشابههم بلا حاجة إلى الإلحاق.

والعمدة في المقام : هو البحث عن دلالة تلك الأحاديث، على منع التبرّعات المذكورة، ولكنّها لا تخلو عن نظر، ولذا ذهب الآخرون إلى صحّتها، وتحقيقه لا يناسب هذا الكتاب فارجع إلى الكتب المبسوطة.

وعلى كلٍّ، ليس عنوان مرض الموت مذكوراً في الأحاديث المعتَبَرة ظاهراً، فإنْ قلنا بحجْر المريض عن التبرّعات المذكورة فلابُدّ من الاكتفاء على القدر المتيقَّن، وفي غيره يرجع إلى صحّتها لبطلان القياس عندنا.

٣١١

المسألة الثامنة والثلاثون

في العيوب المجوِّزة لفسخ النكاح

نذكر أوّلاً الأحاديث المعتَبَرة سنداً، ونذكر بعض الأحاديث غير المعتَبَرة أيضاً لعلّةٍ ما، ولكن نصرّح بضعفها أو النظر فيها، ونحن لا نرى في الأحاديث الضعيفة سنداً، اعتباراً وحجيّةً فلا نعتمد عليها.

١ - صحيح عبد الرحمان بن أبي عبد الله في الكتب الأربعة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال:

( المرأة تُردّ من أربعة أشياء: من البرص، والجذام، والجنون، والقرن و ( هو - كا - تهذيبين ) العفل(١) ما لم يقع عليها، فإذا وقع عليها فلا )(٢) .

أقول : أي إذا وقع عليها بعد علمه بالعيب فلا تُردّ المرأة، كما يُفهم ممّا يأتي.

٢ - صحيح الحلبي المروي في الكافي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال سألته عن رجلٍ تزوّج إلى قومٍ فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له ؟

قال: ( يردّ النكاح من البرص والجذام والجنون والعفل )(٣) .

أقول : يمكن أنْ يقال: إنّ مفاده مفاد الحديث السابق في أنّ العيوب عيوب المرأة فقط، أمّا أولاً فلذكر كلمة العفل الخاصّ بالمرأة، وأمّا ثانياً فلاحتمال كون الفعل المضارع ( يردّ ) مبنيّ للفاعل والضمير المستتر

___________________

(١) العفل: نبات لحم ينبت في قُبُل المرأة وهو القرن كما قيل.

(٢ و٣) ص١٦٧ ج٢١ جامع الأحاديث.

٣١٢

المرفوع فيه يرجع إلى الرجل، وعليه فلا يدلّ الحديث على أنّ هذه العيوب في الرجل أيضاً، تجوّز الخيار والردّ.

ورواه في الفقيه عن حمّاد عن الحلبي، هكذا: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام أنّه قال في رجلٍ يتزوّج إلى قومٍ فإذا امرأته عوراء ولم يبيّنوا له، قال: ( لا تُردّ ( وقال - ئل ) إنّما يُردّ النكاح من البرص، والجذام، والجنون، والعفل، قلت: أرأيت إنْ كان قد دخل بها كيف يصنع بمهرها ؟ قال: لها المهر بما استحلّ من فرجها، ويغرم وليّها الذي أنكحها مثل ما ساق إليها )(١) .

ورواه الشيخ في التهذيبين عن حمّاد، لكن طريقه إليه غير مذكور في المشيخة(٢) ، ولا عبرة بالطريق المذكور في فهرسته على ما حقّقناه في محلّه.

ثمّ إنّ اسم حمّاد منصرف إلى ابن عثمان أو ابن عيسى، وطريق الصدوق إلى كليهما معتَبَر في مشيخة الفقيه(٣) .

ثمّ إنّ احتمال كون الفعل ( يرد ) هنا مبنيّاً للمفعول أقرب أو أنسب، فإنّ الفعل السابق (ترد) كذلك جزماً(٤) .

لا يُقال: إنّ الكلام في عيوب المرأة فلا يشمل عيوب الرجل.

فإنّه يُقال: العبرة بإطلاق كلام الإمامعليه‌السلام دون كلام السائل، على أنّ

___________________

(١) ص١٦٧ وص١٦٨ نفس المصدر.

(٢) نفس المصدر.

(٣) وفي نوادر أحمد بن محمّد بن عيسى تصريح بأنّه ابن عثمان، وهو مؤيِّد لا دليل ؛ لأنّ النوادر لم تصل إلى المجلسي والحرّ ( رحمهما الله ) بسندٍ معتَبَر.

(٤) لكن في الجواهر ( ص٣١٩ ج٣٠ ) نقل الحديث هكذا: لا يرد. أي بصيغة الغائب المذكور فيُحتمل كونه مجهولاً، كما يُحتمل كونه معلوماً، لكن في ص٣٦٣ ج٣٠ ضبطها ب-: لا ترد فلعلّ الأوّل من غلط الطابع أو الكاتب.

٣١٣

الأنسب على فرض إرادة عيوب المرأة فقط التعبير ب-: ( إنّما ترد من البرص ) دون التعبير ب-: ( إنّما يرد النكاح )، واختصاص العفل بالمرأة لا ينافي إرادة الرجل والمرأة، كما لا يخفى، وسؤال الراوي بعد ذلك سؤالٌ مستقلٌّ يتعلّق ببعض مصاديق الجواب، وهذا الوجه عندي أظهر بلحاظ الحديث، وعليه فهذه العيوب مجوّزة للردّ سواء كانت في المرأة أو في الرجل، والله تعالى أعلم، وإنْ قال صاحب الجواهر ( ج٣٠ ص٣١٩ ): ولعلّه لذا ( أي لاحتمال كون الفعل معلوماً، ورجوع الضمير إلى الرجل ) لم يحكم الأكثر كما ستعرف بالخيار لها في الجذام والبرص... وعلى كلّ حالٍ فالاستدلال لا يخلو عن إشكال، انتهى.

أقول : لكنّ المشهور قالوا بخيارها بجنونه.

وعلى كلٍّ، مقتضى الحصر عدم جواز ردّ النكاح عن غير هذه العيوب.

٣ - صحيح أبي عبيدة المروي في الكافي عن أبي جعفرعليه‌السلام قال في رجلٍ تزوّج امرأةً من وليّها فوجد بها عيباً بعد ما دخل بها ؟

قال: فقال: ( إذا دلّست العفلاء ( نفسها )، والبرصاء، والمجنونة، والمفضاة، ومَن كان بها ( من يب ) زمانة ظاهرة فإنّها تُردّ على أهلها من غير طلاق، ويأخذ الزوج المهر من وليّها الذي كان دلّسها، فإن لم يكن وليّها علم بشيءٍ من ذلك فلا شيء ( له ) وتردّ إلى أهلها. قال: وإن أصاب الزوج شيئاً ممّا أخذت منه فهو له، وإن لم يصب شيئاً فلا شيء له. وقال: وتعتدّ منه عدّة المطلّقة إن كان دخل بها، وإن لم يكن دخل بها فلا عدّة عليها ( له - يب ) ولا مهر لها )(١) .

٤ - صحيح داود بن سرحان المروي في التهذيب عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في الرجل يتزوّج المرأة فيؤتى بها عمياء أو برصاء أو عرجاء، قال: ( تردّ

___________________

(١) ص١٦٩ ج٢١ جامع الأحاديث.

٣١٤

على وليّها ويكون لها المهر على وليّها، وإن كان بها زمانة لا يراها الرجال، أُجيزت شهادة النساء عليها )(١) .

٥ - معتبرة غياث عن جعفر عن أبيه عليٍّعليه‌السلام : في رجلٍ تزوّج امرأةً فوجدها برصاء أو جذماء، قال:

( إن كان لم يدخل بها ولم يبيّن له، فإن شاء طلّق وإن شاء أمسك، ولا صداق لها، وإذا دخل بها فهي امرأته )(٢) .

أقول : يُحمل الطلاق على معناه اللُّغوي، والدخول على الدخول بعد العلم بالعيب جمعاً بينه وبين ما مرّ.

٦ - صحيح معاوية بن وهب، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجلٍ تزوّج امرأةً فعلم بعد ما تزوّجها أنّها كانت زنت، قال:

( إنْ شاء زوجها أنْ يأخذ الصداق من الذي زوّجها، ولها الصداق بما استحلّ من فرجها، وإن شاء تركها )(٣) .

أقول : ظاهر الحديث هو تخيير الزوج بين ردّ الزوجة وتركها، لا بين أخذ المهر وعدمه.

٧ - صحيح أبي الصباح، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن رجلٍ تزوّج امرأة فوجد بها قرناً ؟

قال: فقال: ( هذه لا تحبل، ولا يقدر زوجها على مجامعتها، يردّها على أهلها صاغرةً ولا مهر لها. قلت: فإن كان دخل بها ؟

قال: إنْ كان علم بذلك قبل أنْ ينكحها - يعني المجامعة - ثمّ جامعها فقد رضي بها، وإن لم يعلم إلاّ بعد ما جامعها، فإنْ شاء بعد أمسك، وإنْ شاء طلّق )(٤) .

___________________

(١) ص ١٦٩ ج ٢١ جامع الأحاديث.

(٢) ص١٧٠ نفس المصدر.

(٣) ص١٦٥ المصدر.

(٤) ص١٧١ المصدر.

٣١٥

فالمستفاد من هذه الأحاديث التي اعتمدنا عليها لاعتبار إسنادها أُمور:

١ - للزوج ردّ زوجته عن البرص والجذام والجنون والعفل والقرن، وهذا ممّا لا إشكال فيه، وكذا له ردّها عن الإفضاء والزمانة إذا دلّست للحديث الثالث، وكذا له ردّ العمياء والعرجاء للحديث الرابع، ومَن زنت قبل الزواج للحديث السادس، فله خيار الفسخ بهذه العيوب، إذا لم يكن عالِماً بها قبل العقد، أو لم يدخل بها بعد العلم بها، وإلاّ فلا خيار له.

٢ - ألحق المشهور كما في الجواهر(١) الرتق بالعيوب المذكورة، وقال صاحب الجواهررحمه‌الله : بل الظاهر دخوله في العفل، وهو كون الفرج ملتحماً على وجهٍ ليس للذكر مدخل فيه.

أقول : الحديث السادس يشمله بمدلوله المطابقي.

وعن الغزالي إلحاق ضيق المنفذ زائداً على المعتاد بحيث لا يمكن وطؤها إلاّ بافضائها به(٢) ، ونفى البأس عنه في الجواهر(٣) .

أقول : وهو كذلك للحديث السادس.

٣ - وفي محكي المصباح: أن الزمانة مرض يدوم زماناً طويلاً.

وعن الصحاح: أنّها آفة تكون في الحيوانات، ورجل زمن أي مبتلى بين الزمانة.

وفي المنجد: الزمانة: العاهة، عدم بعض الأعضاء، تعطيل القوى، الحب.

وقيل: إنّ المتبادر في أعصارنا منها الإقعاد، والأصل عدم النقل، والظاهر هو مدرك فتوى السيّد الأُستاذ الخوئيقدس‌سره حيث فسّره في كتابه توضيح المسائل ب- زمين گير، ولكنّه ضعيف، فإنّ قوله في صحيح ابن

___________________

(١) ص٣٣٧ ج٣٠.

(٢) جواهر الكلام ج ٣٠ ص ٣٣٨.

(٣) ص٣٣٨ ج٣٠.

٣١٦

سرحان ( وإن كان بها زمانة لا يراها الرجال ).

ظاهر في إرادة الأعمّ من الإقعاد فإنّه يراه الرجال والنساء معاً، والظاهر أنّ الإمام بعدما ذكر العرجاء البرصاء والعمياء - وهي من الزمانة الظاهرة للرجال والنساء - أراد أنْ يذكر الزمانة المخفيّة على الرجال، لكن لا دليل على تعيين الزمانة المقصودة للإمامعليه‌السلام في هذا الخبر، ولا يصحّ الالتزام بها إذا فسّرناها بمطلق العاهة الطويلة زماناً.

نعم الإقعاد من أظهر مصاديقها، ولعلّه المراد في صحيح أبي عبيدة، ولعلّ هذا الصحيح هو مدرك سيّدنا الأُستاذ في فتواه، ويمكن أن نحمل عليه ما في صحيح ابن سرحان، ونقول: إنّ الإقعاد ربّما يكون ظاهراً للرجال والنساء، وربّما لا يظهر إلاّ على النساء ؛ لاحتياج معرفته لمزيد الدقّة الموقوف على خلع الخمار، لكن فيه إشكال وبحث.

وأمّا شمولها للأمراض المُعْدية المهلكة التي لا علاج لها، كالايدز مثلاً، إذا تحوّل من الكمون إلى المرض ففيه وجهان، من صحّة الانطباق، ومن عدم ذهاب المشهور إليه.

وفي شمولها لمقطوعة اليد أو الرجل أو الأُذنين، أو مجدوعة الأنف، أو مقطوعة الشفتين، ومنحنية الظهر، ومَن لا شعر على رأسها، وجهان أيضاً، من صدق الزمانة - ولو مع الأخذ بمصاديق الزمانة الظاهرة - ومن أولويّة بعضها من العرجاء، ومن عدم فتوى المشهور بثبوت الخيار، فتأمّل.

٤ - لم ينقل ُعن المشهور جواز الفسخ بزناها قبل العقد، خلافاً لظاهر الحديث السابع(١) ، ولا بوضع حملها من الزنا قبل العقد خلافاً لصحيح الحلبي(٢) ، ولا بزناها بعد العقد وقبل الدخول مع قول الكاظمعليه‌السلام

___________________

(١) لاحظ ص١١٧ ج٣٠ الجواهر.

(٢) لاحظه في ص٦٠١ ج١٤ الوسائل.

٣١٧

في صحيح الفضيل بن يونس: ( يفرّق بينهما، وتحدّ الحدّ، ولا صداق لها )، ولا بزناه بعد العقد مع دلالة صحيحة علي بن جعفر على التفريق بينه وبين أهله، نعم التفريق غير الخيار، كما لا يخفى، لكنّ المشهور لم يقل به ظاهراً، ولعلّه لصحيحة رفاعة أنّه لا يفرق بينهما إذا زنى قبل أنْ يدخل بها(١) في خصوص زنا الرجل، ولابُدّ لتحقيق هذا الموضوع من الرجوع إلى الكتب الفقهيّة المفصلة.

٥ - تعرّضت جملةٌ من هذه الروايات لحكم المهر وردّه، ولا موجب لبحثه هنا، ومَن شاء التحقيق فيه فعليه الرجوع إلى المطوّلات الفقهيّة.

هذا كلّه ما يتعلّق بعيوب المرأة.

وأمّا عيوب الرجل الموجبة لخيارها، والمجوِّزة لردّ الزوج، فقد ثبت بعضها فيما سبق وهو: البرص، والجذام، والجنون، على الأظهر.

وأما البقيّة فإليك نقل أحاديثها المعتَبَرة:

١ - موثّقة سماعة عن الصادقعليه‌السلام أنّ خصياً دلّس نفسه لامرأة، قال:

( يفرّق بينهما، وتأخذ المرأة منه صداقها، ويوجَع ظهره كما دلّس نفسه )(٢) .

٢ - موثّقة بكير، المرويّة في الكتب الأربعة عن أحدهماعليهما‌السلام ، في خصي دلّس نفسه لامرأةٍ مسلمةٍ فتزوّجها، فقال: ( يُفرّق بينهما إنْ شاءت ( المرأة ) ويوجع رأسه، وإن رضيت ( به ) وأقامت معه ؛ لم يكن لها بعد رضاها ( به ) أنْ تأباه )(٣) .

___________________

(١) ص٦١٦ المصدر.

(٢) ص١٧٣ ج٢١ جامع الأحاديث.

(٣) ص ١٧٣ ج ٢١ جامع الأحاديث.

٣١٨

٣ - صحيح أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن امرأةٍ أبتلى زوجها فلا يقدر على الجماع أتفارقه ؟ قال: ( نعم إنْ شاءت )(١) .

أقول : مدلول الحديث أنّه إذا عجز الزوج - بأيّ سببٍ كان - عن الجماع فللزوجة الخيار، وبطريقٍ أولى يثبت لها الخيار، إذا كان الزوج عاجزاً عنه قبل الزواج، وهو ظاهر.

ويعارضه الحديث السابع على وجه.

٤ - موثّقة عمّار عن الصادقعليه‌السلام أنّه سُئل عن رجلٍ أخذ عن امرأته فلا يقدر على إتيانها، فقال:

( إن كان لا يقدر على إتيان غيرها من النساء، فلا يمسكها إلاّ برضاها بذلك، وإنْ كان يقدر على غيرها، فلا بأس بإمساكها )(٢) .

أقول : في الحديث احتمالان:

الأوّل : أنّ التفصيل ناظر إلى وظيفة الزوج في جواز الإمساك مطلقاً، أو مشروطاً برضاها، و أمّا المرأة فلها الفسخ سواءٌ قدر هو على غيرها أم لا ؛ عملاً بالحديث الأوّل.

الثاني : أنّ القدر المتيقَّن في مقام التخاطب في التفصيل هو فرض أخذ الزوج عن زوجها، وقد فسّره بعضهم بالسحر.

وفي المنجد: أخذه: سحره، الأُخْذة رُقْية كالسحر يُؤخذ بها.

ويحتمل كونه مقيِّداً لإطلاق الحديث السابق، ولكن لا أعتمد على التقييد المحتمل المذكور على نحو الإطلاق، بل في خصوص المسحور كما عرفت.

٥ - صحيحة محمّد بن مسلم - على المشهور - عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: ( العنّين يتربّص به سنة، ثمّ إن شاءت امرأته تزوّجت، وإن شاءت

___________________

(١) ص١٧٥ نفس المصدر.

(٢) ص١٧٥ نفس المصدر.

٣١٩

أقامت )(١) .

أقول : في طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد، إشكال ذكرناه في كتابنا بحوث في علم الرجال ( الطبعة الثالثة ) فما لم أفز على حلّه، لا اعتمد على ما رواه الشيخ عن الحسين بن سعيد كهذه الرواية.

٦ - موثّق حسين بن علوان، عن جعفر، عن أبيه، عن عليٍّعليه‌السلام : ( أنّه كان يقضي في العنّين أنْ يؤجّل سنةً من يوم ترافعه الامرأة )(٢) .

أقول : لا دليل على وصول نسخة من مصدر هذه الرواية - وهو كتاب قرب الإسناد - إلى المجلسي والحرّ - رحمهما الله - بسندٍ معتَبَرٍ، بل الظاهر أنّهما ينقلان عنه وجادة، ولا اعتبار به.

٧ - موثّقة إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيهعليه‌السلام أنّ عليّاً كان يقول:

( إذا تزوّج ( الرجل ) امرأةً فوقع عليها مرّة، ثمّ أعرض عنها فليس لها الخيار لتصبر، فقد ابتُليت، وليس لأُمّهات الأولاد ولا للإماء، ما لم يمسّها من الدهر إلاّ مرّة واحدة خيار )(٣) .

أقول : قولهعليه‌السلام : ( ثمّ أعرض عنها ) فيه إجمال، وغير ظاهر في مَن عجز عن الوطء، فلاحظ. وعلى تقدير إرادته منه فهو معارَض بالحديث الثالث.

٨ - صحيح أبي حمزة قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول:

(... وهي بكر فزعمت أنّه لم يصل إليها فإنّ مثل هذا تعرف ( تعرفه ) النساء، فلينظر إليها من يوثق به منهنّ، فإذا ذكرت أنّها عذراء فعلى الإمام أنْ يؤجّله سنةً ( واحدة )، فإن وصل إليها، وإلاّ فرّق بينهما وأُعطيت نصف الصداق، ولا عدّة

___________________

(١ و٢) ص١٧٦ نفس المصدر.

(٣) نفس المصدر والحديث لا يخلو عن إجمال، ويمكن أن نجعل ذيله قرينةً على إرادة الأمَة من صدره، والله العالم.

٣٢٠

عليها )(١) .

٩ - معتبرة غياث بن إبراهيم، عن جعفر، عن أبيهعليه‌السلام ( أنّ عليّاًعليه‌السلام لم يكن يردّ من الحمق ويردّ من العسر )(٢) . إذا تقرّر ذلك فهنا مباحث:

الأوّل : للزوجة حقّ الفسخ إذا ظهر زوجها خصياً، وفي الشرائع والجواهر(٣) :

وأمّا الخصاء بالكسر والمدّ فهو سلّ الأُنثيين أي إخراجهما، وفي معناه بل قيل منه الوجاء بالكسر ورضّهما، فالمشهور بين الأصحاب أنّه عيب تتسلط به الامرأة الجاهلة على الفسخ... ولا إشكال في الوجاء مع فرض كونه فرداً منه، وإنْ كان مشكلاً إلاّ أنْ يُفهم التعليل من قولهعليه‌السلام (كما دلّس نفسه ) انه بمعناه، ومنه يُستفاد ثبوت الخيار حينئذٍ في فاقد الأُنثيين خلقةً ونحوه، ممّا هو كالخصي والموجوء إنْ لم يكن داخلاً فيها.

وقيل: إنّ النصوص جميعاً اشتملت على التدليس، ولعلّ خيارها من جهته لا من حيث كونه عيباً، إلاّ أن يُقال: يكفي في التدليس عدم إخباره بنفسه، بل لو لم يكن الخصاء عيباً لم يتحقّق الخيار بتدليسه أيضاً، فتأملّ.

قال الشيخ الأنصاريقدس‌سره في بعض رسائله في بعض مسائل النكاح المطبوعة مع مكاسبه ( ص ٣٩٨ ): الثاني في التدليس، وهو إظهار صفة كمال في المرأة مع انتفائها عنها، أو إخفاء صفة نقص(٤) ، والفرق بينه وبين العيب أنّ منشأ الخيار في العيب مجرّد ثبوته في الواقع، وفي التدليس اشتراط الصفة، بحيث لولا الاشتراط لم يثبت، فلو تزوّجها على أنّها حرّة

___________________

(١) ص١٧٨ نفس المصدر.

(٢) التهذيب ج ٧ ص ٤٣٢ نسخة الكومبيوتر.

(٣) ص٣٣٢ وص ٣٢٤ ج٣٠.

(٤) ويكفي في الإخفاء السكوت عن بيان العيب، كما يُفهم من الأحاديث المتقدّمة.

٣٢١

باشتراط ذلك في متن العقد، أو ذكره قبله، بحيث أجريا العقد على ذلك، فخرجت أمَةً فله الفسخ عملاً بمقتضى الشرط، إذ ليس فائدته إلاّ التسلّط مع عدمه، انتهى.

وقال بعض المؤلِّفين: ويظهر الثمرة فيما إذا لم يدلّس نفسه لها، بل اعتقد أنّها تعلم الحال أو جهل بكونه خصياً، فإنّه ليس لها الخيار فيه بناءً على كونه من جهة التدليس، ويكون لها الخيار فيه بناءً على كونه من جهة الخصاء.

أقول : وتوقّف سيّدنا الأُستاذ الخوئيرحمه‌الله في ثبوت الخيار في غير فرض التدليس، وأوجب الاحتياط(١) ، ولعلّه للإشكال في صحّة الشرط في النكاح، كما سيأتي بحثه.

واعلم أنّه لا ينفكّ التدليس عن نكاح الخصي إلاّ نادراً، فإنّ المرأة لا ترضى بنكاح الخصي، وإنّما ترضى بزواج الرجل مبنيّاً عليه ولو ارتكازاً، ولا يعتبر في تحقّق الشرط ذكره قبل العقد، أو في متنه، بل يكفي الارتكاز العقلائي فيه، بحيث لو علم أحد الزوجين بانتفائه لم يقدم على النكاح، فلا فرق بين كون الخيار من ناحية التدليس أو من ناحية العيب، فالخيار لها ثابت تقييداً في الحصر المذكور في صحيح الحلبي، وفي إلحاق غير الخصي إذا لم ينزل به وجهان.

الثاني : العنن كما في الشرائع والجواهر: مرض تضعف معه القوّة عن نشر العضو بحيث يعجز عن الإيلاج، ويفسخ به العقد، بل الإجماع بقسميه عليه ،... وإنْ تجدّد بعد العقد كما هو المعروف بين الأصحاب ،

___________________

(١) الفقه ج ٦٦ ص ٢١.

٣٢٢

بل لا أجد فيه خلافاً منا، بل الإجماع بقسميه عليه... لكن بشرط أنْ لا يطأ زوجته ولا غيرها، فلو وطأها ولو مرّة ثمّ عنّ، أو أمكنه وطء غيرها مع عننه عنها لم يثبت لها الخيار على الأظهر الأشهر.

أقول : وطء غير الزوجة مع عننه عنها لا يتمّ إلاّ برجوع المرض إلى الحالة النفسيّة، دون المرض الفيزيكي والنقص البدني، كما لا يخفى.

والعمدة أنّ هذا العنوان لم يثبت عندي بحديثٍ معتَبَرٍ سنداً، كما تعلم ممّا سبق، وإنّما العناوين المأخوذة في الأحاديث المعتَبَرة المتقدِّمة هي:

١ - غير القادر على الجماع.

٢ - المسحور غير القادر على الاتيان

٣ - المعرض عن الزوجة

٤ - غير الواصل إليها.

لكن لا يبعد الاطمئنان بصدور هذه الكلمة من جمع الروايات الواردة فيه من الإمامعليه‌السلام .

الثالث : إنّ صحيح أبي بصير مطلق، وإنّه متى لم يقدر الزوج على الجماع فللمرأة المفارقة، ولا يبعد ظهوره في عجزه عن مطلق الجماع لا عن جماع الزوجة فقط، فتأمّل، إذ المنصرف إليه هو جماع الزوجة ؛ نعم هو مصرّح به في موثّقة عمّار، لكن لا يقيّد به إطلاق غيره، والمتيقَّن اختصاصه بموضوعه وهو المسحور على كلا الاحتمالين المذكورين في الموثّقة.

نعم، الإطلاق مقيَّد بما في صحيح أبي حمزة.

والنتيجة : أنّ مَن لم يقدر على جماع زوجته ولو بعد الدخول بزمان(١) فبعد مرافعة الزوجة يؤجّله الإمام سنةً، فإن قدر عليه فهو وإلاّ فلها الخيار.

وأمّا موثّقة إسحاق، فنردّ علمها إلى مَن صدرت عنه.

___________________

(١) خلافاً للأشهر، كما مرّ عن الجواهر.

٣٢٣

الرابع : الحديث الثالث يشمل المجبوب أيضاً، إذا لم يبق له ما يمكن معه الوطء ولو بمقدار الحشفة، وإلاّ لا دليل على خيارها، نعم لا فرق في حدوث الجبّ قبل العقد أو بعده لإطلاق الحديث، خلافاً لجماعة.

الخامس : الحمق لا يوجب الخيار، كما يوجبه العسر، على ما في الحديث الأخير، والظاهر أنّ المراد به عجز الزوج عن النفقة الواجبة، لكن في الجواهر ( ص٣٢٦ ج٣٠ ) ( من العنن )، مكان ( من العسر ) وعن معلّق الجواهر أنّ الموجود في الوافي ج١٢ ص٨٤ ( الباب ٨٨ من أبواب النكاح ) نقله ( أي من العنن ) عن التهذيب أيضاً، وعليه فلا يُدرى الصحيح من المحرَّف، فلا يصحّ التمسّك بالكلمة المذكورة.

بقي في المقام فوائد مهمّة

الفائدة الأُولى : الشرط في العقد أعمّ من المذكور في متنه، ومن المركوز الذي يبني عليه المتعاقدان، بحيث لولاه لم يقدما على العقد على الأظهر، خلافاً للشيخ الأنصاري ( قدّس الله روحه الزكيّة ) في بحث خيار المجلس ( ص٢٢١ مكاسبه ) وفي بحث الشروط - حيث ذهب إلى عدم شمول أدلّة وجوب العمل بالشروط للشرط البنائي - ووفاقاً للسيّد الطباطبائي في محكّي حاشية المكاسب ص١١٨، حيث قال: في تعليل وجوب الوفاء بالشرط الذي وقع العقد مبنيّاً عليه، وإن لم يذكر في متنه: والوجه فيه صدق الشرط على هذا المقدار من التواطؤ والتباني، فيشمله عموم قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( المؤمنون عند شروطهم ) وأيضاً قيد معنوي، فيدلّ عليه عموم أوفوا بالعقود، انتهى.

وما أشار إليه في آخر كلامه هو الذي صرّح به الشيخ نفسه أيضاً ،

٣٢٤

قال(١) .

نعم يمكن أنْ يُقال: إنّ العقد إذا وقع مع تواطئهما على الشرط كان قيداً معنويّاً له، فالوفاء بالعقد الخاص لا يكون إلاّ مع العمل بذلك الشرط، ويكون العقد بدونه تجارة لا عن تراض، إذ التراضي وقع مقيّداً بالشرط(٢) .

أقول : وعليه فلا يبقى فرق بين القولين في النتيجة ظاهراً، فلاحظ.

وعلى هذا فيمكن أن يُقال: إنّ كثيراً من العيوب والأمراض المُعْدية، وبعض الأوصاف المنفِّرة شروط بنائيّة في عقد النكاح، بل يستحي الزوج أو الزوجة عن الاعتراف بالزوجيّة في مواردها، لكنّ هذه المنفِّرات على قسمين.

قسم ممّا يتّفق عليه الزوجان، وقسم يخصّ بأحدهما هو الأكثر، فإنّ كلاًّ من الزوجين يشترط بنائيّاً وارتكازيّاً عدم العيب والنقص في الآخر، ولا بناء للآخر على اشتراط عدم العيب في نفسه، فلا يثبت الخيار عند التخلّف، وهل يصحّ مثل هذا العقد الذي يشترط أحد الزوجين بنائيّاً أشياء، ولا يقبله الآخر بنائيّاً ؟!

والجواب محتاجٌ إلى تأمّل.

الفائدة الثانية : قضيّة إطلاق قولهعليه‌السلام : المسلمون عند شروطهم نفوذ الشرط في كلّ عقدٍ، حتّى في عقد النكاح، وأنّه لابُدّ من الوفاء به، لكنّ الفقهاء أبطلوا الشرط في عقد النكاح، ولم يثبتوا الخيار فيه بالشرط فيه، حتّى قال صاحب الجواهررضي‌الله‌عنه : بل لعلّ منافاته لعقد النكاح من ضروريّات الفقه(٣) ، وعن المحقّق الثاني في جامع المقاصد ( ج١ ص٢٤٤ ): وإنّما لم

___________________

(١) ص٣٨٢ المكاسب، الطبعة القديمة.

(٢) ولاحظ ص١٦٧ ج٢ الشروط للسيّد الشهيد محمّد تقي الخوئيرحمه‌الله .

(٣) ص١٤٩ ج٢٩ ولاحظ البحث هناك.

٣٢٥

يدخل خيار الشرط النكاح مع تناول عموم قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( المؤمنون عند شروطهم ) ؛ للإجماع، ولأنّه ليس عقد معاوضة ليشرع له اشتراط التروّي والاختيار، ولشدّة الاحتياط في الفروج ؛ ولأنّ فيه شائبة العبادة، ولأنّ رفعه متوقّف على أمرٍ معيّنٍ ( يريد به الطلاق )، فلا يقع لغيره.

فهذه وجوه خمسة في وجه عدم دخول خيار الشرط النكاح، وزاد بعضهم وجهاً سادساً، وهو استلزامه لابتذال المرأة وهو ضرر عليها.

وفي كشف اللثام: ولو شرط الخيار في النكاح بطل العقد في المشهور، وهو الوجه ؛ لأنّ فيه شائبة العبادة لا يقبل الخيار، ولم يتراضيا إلاّ بما دخله الخيار، فلم يريدا بلفظ العقد معنى النكاح، فيلغو، وابن إدريس صحّح العقد وأبطل الشرط لوجود المقتضي وهو عقد النكاح، وإنما فسد شرط الخيار، فيلغو ولا يفسد به العقد كغيره من الشروط، وللوجهين تردّد المحقّق(١) .

أقول : وقوله ( ولم يتراضيا إلاّ...) هو الذي اختاره سيّدنا الأُستاذ الخوئي بتفاوت ما(٢) ، فهذه الوجوه علل وأسباب لبطلان العقد بدخول خيار الشرط. لكن جميع هذه الوجوه غير قويّة وغير قابلة للاعتماد(٣) ، على أنّ كلمات جملةٍ من الفقهاء ربّما تدلّ على جواز الشرط في النكاح، فعن الشهيد في اللّمعة: ولو شرط كونها بنت مهيرة فظهرت بنت أمَة، فله الفسخ، وعلّله الشهيد الشارح: بمقتضى الشرط.

ويقول صاحب الجواهر(٤) عند قول المحقّق: إذا تزوّج امرأةً وشرط

___________________

(١و٢و٣) لاحظ تفصيل البحث في ص٣٠ إلى ص٤١ ج٢ من كتاب الشروط، وجعل مختار والده ( سيّدنا الأُستاذ الخوئيرحمه‌الله ) وجهاً مغايراً للوجوه الستّة وادّعى أنّه من ابتكار والده ).

(٤) ص٣٧٦ ج٣٠.

٣٢٦

كونها بكراً فوجدها ثيّباً: وثبت بالإقرار أو البيّنة سبق ذلك على العقد، كان له الفسخ ؛ لانتفاء الشرط الذي قد عرفت أنّ فائدته ذلك، ولعلّه لا خلاف فيه كما لا إشكال... مع الفتوى من غير خلاف منهم في تحقّق الخيار مع شرط الصفات، ككونها بنت مهيرة ونحوها، لدليل الشرطيّة القاطع للأصل وغير متوقّف على العيب، فراجع تمام كلامه.

وعن العلاّمة في بحث تدليس القواعد: كلّ شرطٍ يشرطه في العقد يثبت له الخيار مع فقده، سواء كان دون ما وصف أو أعلى على إشكال.

ويقول المحقّق الثاني في شرح هذا الكلام: لا ريب أنّ كل ما يشترط الزوج في عقد النكاح من صفات الكمال، ممّا لا ينافي مقصود النكاح، ولا يخالف الكتاب والسنّة صحيح، فإذا تبيّن انتفاءه وخلوّها من الكمال لم يكن النكاح باطلاً ؛ لأنّ فقد الشرط لا يقتضي بطلانه، ولكن يثبت للمشترط الخيار... وذهب الشارح الفاضل ولد المصنِّف إلى بطلان هذه الشروط، محتجّاً ببعد النكاح عن قبول الخيار، قال: وإنّما يصحّ شرط الحريّة، والنسب، والبكارة، وما يرى في الكفاءة للنصّ.

ولقائلٍ أنّ يقول: إنّ النصّ لم يرد بثبوت الخيار باشتراط البكارة، فيكون اشتراطه خروجاً عن النصّ، ومع ذلك فالكتاب والسنّة واردان بصحّة الشرط السائغ الذي ينافي مقتضى النكاح، وما يلزم منه ثبوت الخيار بفواته، فيكون الخيار حينئذٍ ثابتاً بالنصّ. ولو سلم فالبعيد عن النكاح اشتراط الخيار، لا اشتراط ما يقتضى فواته الخيار(١) .

أقول : لا بُعد في أنْ يكون إنكار المشهور متعلِّقاً باشتراط الخيار في عقد النكاح، بأنّ يفسخه المشروط له متى ما شاءه بلا وجه، فإن أراد المشهور

___________________

(١) ص٤١١ ج٢ جامع المقاصد، كما في ص ٣٧ ج ٢ الشروط.

٣٢٧

ذلك، فلا مضايقة في المنع عنه ؛ لما ذكره سيّدنا الأُستاذ الخوئيرحمه‌الله (١) .

وإن أرادوا شرط ما يقتضي فواته الخيار فلا نقبل، وقد عرفت من القواعد واللّمعة وشرحها، ومن الجواهر وغيرها خلافه، فما ذكره المحقّق الثاني هو الأقوى.

وخلاصة الكلام : أنّ إثبات الخيار للزوج أو الزوجة في غير الموارد المنصوصة المتقدِّمة أحد أُمور:

١ - الشرط البنائي والارتكازي إذا تخلّف، فإنّه يوجب الخيار ولو لأجل التدليس.

٢ - قاعدتا نفي الحرج والضرر وقاعدة نفي العسر.

٣ - الاشتراط في متن العقد وهذا أحسن.

الفائدة الثالثة في التدليس:

في الجواهر: هو تفعيل من المدالسة بمعنى المخادعة، والدلس محرّكاً الظلمة، فكأنّ المدلِّس لما دلّس وخدع، أظلم الأمر على المخدوع، ذكروه في كتاب البيع، وأثبتوا به الخيار إن فعل ما يظهر ضدّ الواقع كتحمير وجه الجارية... إلاّ أنّ الذي يظهر من نصوص المقام، بل هو صريح جماعةٍ من الأصحاب تحقّقه هنا ( أي في عقد النكاح ) بالسكوت عن العيب مع العلم به فضلاً عن الإخبار بضدّه(٢) .

ثمّ إنّه قد يتحقّق العيب من غير التدليس، كما لو كان خفيّاً على

___________________

(١) لاحظ كتاب الشروط لابنه الشهيد محمّد تقي الخوئيرحمه‌الله .

(٢) ما أفادهقدس‌سره من تحقّق التدليس بالسكوت نظر إلى نصوص المقام ممّا لا شكّ فيه، وهو الصحيح، ولا ينافيه ما تقدّم عن الشيخ الأنصاريقدس‌سره في بعض رسائله في النكاح، فإنّ الإخفاء الذي ذكره يتحقّق بالسكوت أيضاً، نعم بعض مَن عاصرناه من أهل الفتوى اختار في تفسير التدليس الإخبار بضدّ الواقع، كما تكرّر منه في جواب أسئلة مقلِّديه، وضيق الأمر على الناس.

٣٢٨

الزوجة ووليّها، والتدليس من غير عيبٍ كالحريّة والبكارة والنسب... وفقد سائر صفات الكمال، والتدليس والعيب معاً كمن دلّس بالعيب.

وفي صحيح محمّد بن القاسم بن فضيل، عن أبي الحسنعليه‌السلام في الرجل يتزوّج المرأة على أنّها بكر فيجدها ثيّباً أيجوز له أنّ يقيم عليها ؟ قال: فقال: ( قد تُفتق البكر من المركب ومن النزوة)(١) .

وفي صحيح محمّد بن جزك، قال: كتبت إلى أبي الحسنعليه‌السلام أسأله عن رجلٍ تزوّج جاريةً بكراً فوجدها ثيّباً، هل يجب الصداق لها وافياً أم ينتقص ؟ قال: ( ينتقص )(٢) .

أقول : تقدّم عن الجواهر أنّه إذا ثبت سبق ذلك على العقد كان له الفسخ... ولعلّه لا خلاف فيه...

وقال أيضاً: بل لا يبعد ثبوت الخيار معه، وإنْ لم يذكر ذلك شرطاً في متن العقد، وإنّما كان بتدليس منها أو من وليّها، لما سمعته في المسائل السابقة انتهى كلامه(٣) .

وفي صحيح الحلبي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ...: وقال في رجلٍ يتزوّج المرأة فيقول لها أنا من بني فلان، فلا يكون كذلك ؟ فقال: ( تفسخ النكاح، أو قال: ترد )(٤) .

___________________

(١) ص١٨٩ ج٢١ جامع الأحاديث. ونزا ينزوا: وثب يثب. والوثبة: النهوض والقيام. وقفز: وثب.

(٢) نفس المصدر، وفي كيفيّة نقص المهر أقوال.

(٣) ص٣٧٧ ج٣٠ وقال في محلٍّ آخر ( ص١١٤ ج٣ ) بل يقوى في النظر ثبوت الخيار إذا تزوّجها على الوصف الذي دلّست به فبان الخلاف، وإن لم يشترط ذلك في متن الخيار ؛ فلاحظ وتأمّل والله العالم. انتهى.

(٤) ص٦١٤ وص٦١٥ ج١٤ الوسائل.

أقول : في نسخة الكومبيوتر من الوسائل، نقل

=

٣٢٩

أقول : فإذا جاز لها بتدليس مثل هذا الأمر، جاز لها الردّ بتدليس أُمورٍ كثيرةٍ أُخرى بطريقٍ أولى.

نعم صحة الرواية مبينة على صحّة طريق الشيخ إلى الحسين بن سعيد في مشيخة التهذيب وفيه إشكال - ولا عبرة بصحّته في الفهرست - خلافاً للمشهور أو الكلّ في تصحيح طريق الشيخ إليه(١) .

وفي الجواهر: قد تكرّر منّا غير مرّة قوّة ثبوت الخيار بالتدليس بصفةٍ من صفات الكمال على وجهٍ يتزوّجها كذلك، فبان الخلاف - أي صفة كانت - لظهور نصوص التدليس فيه... بل يمكن دعوى تحصيل الإجماع منهم هنا على أنّ شرطيّة الصفات توجب الخيار إذا بان الخلاف، نعم لو كان الشرط من الأفعال أمكن القول بعدم الخيار بتعذّره، أو امتناعه ؛ للفرق بين النكاح والبيع بذلك، بل يلزم المشترط عليه بأدائه...(٢) .

وقال السيّد السيستاني: يتحقّق التدليس بتوصيف المرأة للرجل عند إرادة التزويج بالسلامة من العيب، مع العلم به بحيث صار ذلك سبباً لغروره وخداعه، فلا يتحقّق بالإخبار لا للتزويج أو لغير الزوج، والظاهر تحقّقه أيضاً بالسكوت عن بيان العيب، مع العلم به وإقدام الزوج بارتكاز السلامة

___________________

=

الرواية مسندة عن أبي عبد اللهعليه‌السلام لكن في جامع الأحاديث ص١٦٥ ج٢٠ نقلها مضمرة، قال سألته وهو المصرَّح به في الجواهر، ونقل عن كشف اللّثام وغيره: أنّه لا يجدي أنّ الحلبي أعظم من أن يروي نحو ذلك عن غير الإمام، لاحتمال رجوع الضمير إلى الحلبي ويكون الراوي ( أي حمّاد ) عنه سأله ( ص١١٢ ج٣٠ )

أقول : هذا الاحتمال ضعيف خلاف الظاهر، فلاحظ، وعلى كلٍّ ادّعى الشهيد الثاني أن الأكثر على أنّه ليس للمرأة الفسخ بذلك.

(١) لاحظ كتابنا: بحوث في علم الرجال، الطبعة الثالثة.

(٢) ص٣٨٥ وص٣٨٦ ج٣٠.

٣٣٠

منه(١) .

الفائدة الرابعة : فيما يترتّب على عدم إنفاق الزوج.

في صحيح الفضيل وربعي عن الصادقعليه‌السلام في قوله عزّ وجلّ:( وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آَتَاهُ اللَّهُ ) (٢) قال: ( إنْ أنفق عليها ما يقيم ظهرها مع كسوةٍ وإلاّ فرّق بينهما )(٣) .

وفي صحيح أبي بصير، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول:

( مَن كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها، ويطعمها ما يقيم صلبها ؛ كان حقّاً على الإمام أنْ يفرّق بينهما )(٤) .

أقول : ويؤيّدهما جملة من الروايات الواردة بمعناهما، غير المعتبرة سنداً، ومقتضى قوله تعالى:( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) (٥) . عدم قيموميّة الزوج على الزوجة في فرض عدم الإنفاق عجزاً أو عناداً، بناءً على أنّ علّة القيمومة مجموع الفضيلة الطبيعيّة والإنفاق، لا كلّ واحدة منهما.

اذا تقرّر ذلك فها هنا أبحاث:

١ - إطلاق الحديثين يشمل الفقير والواجد الممتنع، غائباً كان أو حاضراً.

٢ - هل يجري الحكم المذكور في عدم إسكان الزوجة مسكناً، خصوصاً مع احتياجها إليه ؟

فيه وجهان، من وجوبه عليه كالإطعام

___________________

(١) ص٨٧ ج٣ منهاج الصالحين.

(٢) الطلاق آية ٧.

(٣ و ٤) ص٤٥٢ ج٢١ جامع الأحاديث.

(٤) النساء آية ٣٤.

٣٣١

والكسوة، ومن عدم ذكره فيهما. وهكذا الكلام في عدم تهيئة الأدوية اللاّزمة.

٣ - التفريق ليس واجباً على الإمام مطلقاً، وإنّما هو لرعاية حقّ المرأة، فلو لم ترافع إلى الحاكم لم يجز له طلاقها، وإن رافعت إليه، فإن كان زوجها واجداً أجبره على الإنفاق أو الطلاق، وقد دلّ بعض الروايات المعتبرة على أنّ ( مَن كانت عنده امرأة فلم يكسها ما يواري عورتها، ولم يطعمها ما يُقيم صلبها ؛ كان حقّاً على الإمام أن يفرّق بينهما )(١) .

٤ - قيل: يجوز لها أنْ تأخذ من مال زوجها الممتنع ما تستحقّه بدون إذنه، ولا بأس به من باب التقاص، نعم في الغائب غير الممتنع الأحوط الاستئذان من الحاكم إنْ أمكن، وإلاّ جاز للحرج.

٥ - يجوز للحاكم أخذ مال الممتنع وبيعه لنفقتها، إذا طالبت ورافعت ؛ فإنّه وليّ الممتنع.

٦ - قيل: إنّ الطلاق باين غير رجعي.

أقول : ويُحتمل الرجوع في العدّة إذا صار الزوج موسراً، بعد ما كان معسراً، أو تاب ورجع إلى البذل، فتأمّل.

٧ - إذا تبيّن للزوجة إعسار الزوج، هل لها الخيار لقاعدة لا ضرر ؟

فيه وجهان(٢) ، لكنّ الترافع إلى الحاكم يدفع الضرر، إلاّ أنّ يجعل محلّ البحث فرض فقدان الحاكم الشرعي.

٨ - إذا تعمّد الزوج في إخفائه مصرّاً على عدم البذل، أو لا يمكن للحاكم لبُعد المكان ونحو ذلك، إجباره ؛ جاز له طلاقها عند مراجعتها لإطلاق

___________________

(١) جامع الأحاديث ج ٢١ ص ٤٥٢ - ٤٥٣.

(٢) لاحظ تفصيله ص١٠٤ وص١٠٥ ج٣١ الجواهر.

٣٣٢

الحديثين فإنّهما لم يعلِّقا الطلاق على الإجبار بين الأمرين، بل إذا علم الحاكم بامتناع الموسر ؛ جاز الطلاق وإن أمكنه إبلاغه للإطلاق المذكور ؛ فما ذكره السيّد السيستاني من التقييد(١) غير مدلِّل إلا أن يدعى الانصراف.

وهكذا الأمر في توقّف طلاق الحاكم على عدم إمكان بيع مال الممتنع له، ولا للزوجة، وإن جاز بيعه لهما أو للحاكم وحده، فإنّه تقييد للإطلاق بلا وجه سوى دعوى الانصراف، فلاحظ.

٩ - إذا امتنع الموسر عن البذل، فهل يجوز لها ترك حقوقه ؟ قيل: فيه إشكال، والاحتياط لا يُترك.

أقول : وهذا الإشكال والاحتياط يُضعِّفان بقوله تعالى:( فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ ) (٢) ، ونحوه من الآيات الواردة في ذلك.

خاتمة هذه المسألة التي طوّلناها استطراداً لخيار المرأة:

قال السيّد السيستاني ( طال عمره ): إذا هجر الزوج زوجته كليّاً فصارت كالمعلّقة، لا هي ذات زوج ولا هي مطلّقة، جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي، فيلزم الزوج بالعدول عن هجرها، وجعلها كالمعلّقة، أو تسريحها، لتتمكّن من الزواج من رجلٍ آخر، فإذا امتنع منهما جميعاً، بعد استنفاذ كلّ الوسائل المشروعة لإجباره، حتّى الحبس لو أمكنه، يطلّقها بطلبها ذلك، ويقع الطلاق بائناً أو رجعيّاً حسب اختلاف الموارد، ولا فرق فيما ذكرنا بين بذل الزوج نفقتها وعدمه، وأمّا إذا صارت كالمعلّقة بغير اختياره، كما لو كان الزوج محكوماً بالحبس مدّةً طويلةً، فهل يجب عليه أنْ يطلّقها إذا لم ترض

___________________

(١) منهاج الصالحين ج ٣ ص ١٠٨.

(٢) البقرة آية ١٩٤.

٣٣٣

بالصبر ؟ فيه إشكال، فالأحوط وجوباً له الاستجابة لطلبها في الطلاق، ولكن إذا امتنع عن الطلاق فعليها الانتظار حتّى يفرّج الله عنها.

وإذا كان يؤذّيها ويشاكسها بغير وجهٍ شرعيٍّ ؛ جاز لها رفع أمرها إلى الحاكم الشرعي ليمنعه من الإيذاء والظلم، ويُلزمه بالمعاشرة معها بالمعروف، فإنْ نفع وإلاّ عزّره بما يراه الحاكم، فإن لم ينفع - أيضاً - كان لها المطالبة بالطلاق، فإن امتنع منه ولم يمكن إجباره عليه ؛ طلّقها الحاكم الشرعي، انتهى كلامه(١) .

أقول : ويمكن أنْ نستدلّ على الموضوع الأوّل بقوله تعالى:( فَلا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِنْ تُصْلِحُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا * وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلاّ مِنْ سَعَتِهِ ) ( النساء ١٢٩ - ١٣٠ )، بدعوى أنّ المنهيّ عنه هو جعلها كالمعلّقة، سواء كان لحبّ ضرّتها أو لسببٍ آخر، وهذا النحو من الإمساك لاحقٌ للزوج، فيصحّ للحاكم طلاقها بعد امتناع الزوج منه ؛ لأنّ الحاكم وليّ الممتنع.

وأمّا وجه الاحتياط في فرض كون ذلك من غير اختياره في الموضوع الثاني، فلعلّه لاحتمال انصراف الآية إلى فرض الاختيار، وأمّا دليل الموضوع الثالث، فهو قوله تعالى:( فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ ) (٢) .

وقوله:( فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا ) (٣) ، بتقريبٍ عرفته.

ومع تعذّر الحاكم، هل لها الخيار بقاعدة لا ضرر، ونفي الحرج والعسر، وبما تقدّم من الآيات ؟ فيه وجهان.

___________________

(١) منهاج الصالحين ج٣ ص١٠٩.

(٢) البقرة آية ٢٢٩.

(٣) البقرة آية ٢٣١.

٣٣٤

المسألة التاسعة والثلاثون

فوائد متفرّقة طبّيّة وعلميّة

١ - قيل إنّ نطفة الرجل تحمل الأشكال المتغائرة من كروموزمات اكسواى، والذي يحدّد نوع الجنين ذكراً أم أنثى هو الرجل، أمّا المرأة فليست إلاّ كالأرض التي تُنبت ما يُزرع بها( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ ) (١) .

وقيل إنّ المرأة أيضاً تحدّد نوع الجنين، بإفرازاتها التي تمكِّن هذا ولا تمكِّن ذاك الحيوان المنوي، ذكراً أو أنثى.

٢ - الكليّات الخمس التي هي مقاصد التشريع: عبارة عن: الدين، والنفس، والعقل، والنسل، والكمال، كما قيل.

٣- قيل الاخصّائيين صحيح لغةً، وإنّما الخطأ في نطقها بكسر الخاء دون فتحها، ومعنى أخصّي يعلم فنّاً واحداً، أو تخصّص في فنٍّ واحدٍ، اختصاصيّين سليم.

٤- قال بعض الأطبّاء: من المستطاع تشخيص الحمل ولمّا يأت موعد الحيضة التي ستغيب فإنّ التبويض أي خروج البويضة - يكون قبل الحيض لمدّة أُسبوعين، ثمّ نقول وتظل البويضة قابلةً للتّلقيح يوماً واحداً، فإذا لُقّحت بدأ الحمل، وانتقل من القناة إلى الرحم في خمسة أيّام، ويعلق بجدار الرحم، ولمّا يجيء ميعاد العادة وحين تقول ( الست ) كان ميعادها أمس ولم تأت، يكون الحمل عمره أُسبوعان، ويكون قد علق، ويكون لو

___________________

(١) الإنجاب في ضوء الإسلام ص ٤٤.

٣٣٥

تتبّعنا بالتحليل يوماً بعد يوم، نستطيع أن نشخّص أنّ هناك حملاً قبل أن يأتي موعد الحيضة التي ستغيب(١) .

٥ - إنّ كلّ خليّةٍ بشريّةٍ خلقت لكي تتكاثر عدداً معيّناً من المرّات، بعد هذه المرّات تفقد مقدراتها على التكاثر تماماً ؛ لأنّ الخلايا ستتوقّف، وكلّ كائنٍ حيٍّ خلاياه فيها عددٌ معيّنٌ من مرّات الانقسام.

السلحفاة التي تعيش مئة عامٍ خلاياها تنقسم ٩٠ مرّة، والخلايا البشريّة تنقسم من أربعين إلى خمسين مرّة(٢) .

٦ - الشايع في الأوساط الطبيّة: أنّ الجينات تحوي الخصائص الفيزيائيّة، والخصائص النفسيّة والسلوكيّة كذلك، ويتحدّثون عن مشروع كتابة القاموس الإرثي كلّه، الذي يحتوي على ثلاثة ونصف بليون قاعدة إرثيّة، وهناك مشروع لإتمام قراءة هذا القاموس وتحديده خلال عشرة أعوام(٣) .

أقول : فتبارك الله أحسن الخالقين.

٧ - بعض از نويسندگان ميگويند: زيان هائيكه آميزش جنسي با زنان حايض ببار مى اورد زياد است مانند احتمال عقيم شدن مرد وزن او إيجاد يك- محيط مساعد براى برورش ميكرب بيماريهاى آميزشي چون سفليس وسوزاك ونيز التهاب اعضاى تناسلي زن ووارد شدن مواد حيض كه آكنده از ميكروبهاى داخل بدن است در عضو تناسلي مرد وغير اينها كه در كتب طب مذكور است.

وفّقنا الله تعالى لتأليف هذا الكتاب في سنة ١٣٧٥ ه-. ش ١٤١٧ه-. ق، في إسلام آباد عاصمة الباكستان.

___________________

(١) الإنجاب على ضوء الإسلام ص ٣٠٢.

(٢) الحياة الإنسانيّة بدايتها ونهايتها ص ٦٠٧.

(٣) رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة ص ٩٢.

٣٣٦

وليعلم أن ما نقلناه عن فقهاء أهل السنّة، ولم نذكر مصدره في بعض المقامات غفلةً فالمصدر هو أحد تلك الكتب الخمسة التي ذكرنا أسمائها في أوّل هذا الكتاب.

والحمد لله أوّلاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وصلّى الله على محمّدٍ

وآله الطاهرين، وعلينا وعلى عباد الله الصالحين

٣٣٧

الفهرس

الفِقهُ والمَسائِل الطِبّيّة بقلم سماحة آية الله الشيخ محمد آصف المحسني ٣

المسألة الأُولى حُكمُ التداوي في الفقه ٩

فائدة ١٢

نظر المذاهب الأربعة حول التداوي ١٣

المسألة الثانية أثر الاضطرار والحرج والضرر والحاجة في رفع الأحكام الإلزاميّة ١٤

المسألة الثالثة ما يتعلّق بضمان الطبيب وعدمه ١٨

خاتمة ٢٤

المسألة الرابعة أحكام المسّ والنظر ٢٥

فروع فقهيّة: ٢٦

المسألة الخامسة بِدءُ الحياة الإنسانيّة ٢٨

متى تتعلّق الروح بالبدن ؟ ٥٦

المسألة السادسة حول إجهاض الجنين(١) ٥٩

الأقاويل حول تطوّر الجنين ٦٨

فرع: ٧٧

المسألة السابعة حكم المنع من الحمل ٨١

توضيحٌ طبّيٌّ حول التعقيم ٨٤

المسألة الثامنة أطفال الأنابيب ٨٥

بقي في المقام أمران ٩٧

المسألة التاسعة إقرار المنيّ في رحم الأُنثى الأجنبيّة ١٠٠

فروع: ١٠٥

المسألة العاشرة بنوك الألبان ١٠٦

٣٣٨

المسألة الحادية عشرة معرفة جنس الجنين ١١٠

المسألة الثانية عشرة التحكّم في جنس الجنين ١١٢

تفصيل وتوضيح ١١٥

المسألة الثالثة عشرة تغيير الجنس ١١٧

المسألة الرابعة عشرة الإنجاب بلا زواج تمهيد: ١١٩

المسألة الخامسة عشرة المستقبل البيوتكنولوجي للإنسان ومعطيات النظام الاجتماعي ١٢٤

المسألة السادسة عشرة التحكّم في معطيات الوراثة ١٢٩

المسألة السابعة عشرة حكم البييضات الفائضة ١٣١

المسألة الثامنة عشرة في دفع الموت في الجملة ١٣٥

المسألة التاسعة عشرة نهاية الحياة الإنسانيّة ( ١ ) نظر الشريعة الإسلاميّة ١٣٩

توضيح وتقييم: ١٤٣

( ٢ ) موضع المخّ(١) من وجود الإنسان ١٤٥

( ٣ ) أيضاً المخّ والقلب ١٥٠

( ٤ ) اعتراضات على هذا القول وأجوبتها ١٥٢

( ٥ ) شواهد على صحّة قول الأطبّاء الجدد ١٥٨

( ٦ ) عجيبة ( ٧ ) علاقة الروح بالبدن ١٥٩

( ٨ ) الروح مجرّدة أو جسم لطيف ؟ ١٦٣

( ٩ ) القلب في القرآن ١٦٤

( ١٠ ) الصدر في القرآن ١٦٨

( ١١ ) علامات الموت والحياة ١٧٠

(١٢) لا يجب تحريك القلب على كلّ حال ١٧٢

( ١٣ ) الأحكام الفقهيّة للموت ١٧٣

المسألة العشرون حكم قطع أعضاء الميِّت ١٧٦

المسألة الواحدة والعشرون حكم قطع أعضاء الحيّ ١٨١

المسألة الثانية والعشرون أحكام متعلّقة باللّمس والنظر وتشريح الميّت وغير ذلك ١٨٨

٣٣٩

المسألة الثالثة والعشرون حول إفشاء الأسرار ١٩٤

أصلٌ مفيدٌ ١٩٧

المسألة الرابعة والعشرون عمليات تجوز أم لا تجوز شرعاً ٢٠٥

المسألة الخامسة والعشرون حكم نزع الأعضاء وبيعها ٢١١

فرع : ٢١٣

المسألة السادسة والعشرون حكم غشاء البكارة وما يتعلّق به ٢٢٠

المسألة السابعة والعشرون حول زراعة الأعضاء التناسليّة ٢٣٢

زرع الخصية: ٢٣٣

فرعان: ٢٣٧

المسألة الثامنة والعشرون حول الحيض في فصول ٢٣٩

المسألة التاسعة والعشرون أقل مدّة الحمل وأكثرها ودم النفاس ٢٤٦

فائدة مهمة ٢٥٣

المسألة الثلاثون بعض الأعمال التجميليّة ٢٥٤

المسألة الحادية والثلاثون ما يتعلّق بالخنثى ٢٦٤

خاتمة ٢٧٤

المسألة الثانية والثلاثون نصب الأجهزة التعويضية لعلاج الضعف الجنسي إليكم ما نشرته يوميّة الوطن ذيل هذا العنوان القاهرة - الوطن ٢٧٦

المسألة الثالثة والثلاثون زراعة الخلايا والأنسجة داخل المخّ ٢٨٠

زراعة الأنسجة بغرض توفير الهرمونات العصبيّة ٢٨٢

المسألة الرابعة والثلاثون نزع عضوٍ من ناقص الخِلْقة ٢٨٥

المسألة الخامسة والثلاثون هل هو شخص سابق أو جديد ؟ ٢٨٧

المسألة السادسة والثلاثون توضيح حول مرض الإيدز ٢٨٩

خاتمة مؤسفة ٢٩٦

المسألة السابعة والثلاثون الأحكام الفقهيّة المتعلِّقة بمريض الإيدز وبكلّ مرضٍ مُعْدٍ ٢٩٨

فائدة طبّيّة حول الأمراض المُعْدِية ٣٠٢

٣٤٠

341