الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية0%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد آصف المحسني
تصنيف: الصفحات: 341
المشاهدات: 89349
تحميل: 7085

توضيحات:

الفقه والمسائل الطبية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89349 / تحميل: 7085
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

النفسيّة لأفراد الأُسرة الآخرين، بما فيهم الأبناء الشرعيّون أو الأبناء بالتبنّي، ويدخل فيها الدواعي الجنينيّة ؛ كالحالات التي يتيقّن، أو يترجّح فيها أنّ الجنين مصابٌ بمرضٍ، أو عاهةٍ، أو مات فعلاً.

ومنها الدواعي الإنسانيّة: كالحمل الناتج عن الاغتصاب، أو وقاع القاصرة أو المجنونة.

ومنها الدواعي الطبّيّة الاجتماعية: كغزارة الإنجاب، أو تقارب الولادات والآثار الجسمية، أو النفسية التي لا ترقى لدرجة المرض.

ومنها - أيضاً - صغر السن أو كبره(١) .

٥ - ربّما أُبيح الإجهاض كوسيلةٍ لتحديد النّسْل، ولتخفيف حدّة الانفجار، فزاد عدد حالات الإجهاض القانوني من ربع حالات الحَمْل، ثمّ جاوزها في بعض الدول، ورأت الدولة أنّ الأُمّة تمارس لوناً من الانتحار بالانقراض !

ولا حاجة إلى تفصيل هذا البحث(٢) .

٦ - تظهر الحقيقة في إباحة الإجهاض من كلام بعض الأطبّاء، حيث أعلن في الإذاعة البريطانيّة: أنّ قانون الإجهاض الجديد قد احتضنته مجموعة من المشاغبين، قليلة العدد ولكن قويّة التنظيم، غزت الرأي العام بالدعاية المُغْرِضة المحرِّفة، وسخّروا الصحافة في غسل مخّ الأُمّة بشعار: الإجهاض حسب الطلب، وبأموال مجلوبة من الخارج طبعوا وروّجوا كُتيّباً يشرح القانون الجديد بأُسلوب مُغْرِض... وعندما عرضنا المساهمة في البحث ؛ قال أحد أعضاء البرلمان: نحن هنا لنشرّع لا لنسمع لآراء الفنّيين(٣) .

___________________

(١) ص٢٤٢ وص٢٤٣، نفس المصدر.

(٢) لاحظ ص٢٤٤، نفس المصدر.

(٣) ص٢٤٥، نفس المصدر.

٦١

٧ - الآثار المباشرة لتنفيذ قانون إباحة الإجهاض.

أوّلاً : زيادة مضطردة في حالات الإجهاض لدرجة شغلت من أسرّة المستشفيات، ومن وقت الأطبّاء الاختصاصيّين ما عطّل علاج المريضات بالأمراض الأُخرى(١) .

ثانياً : كان من بين النساء المُجْهِضات ٤٤ بالمئة فقط متزوّجات، وأمّا ال- ٥٦ بالمئة الباقية فكانت أحمال سفاح في بنات ( ٣٧ بالمئة ) أو مطلقات وأرامل ( ٩ بالمئة )، وفي أمريكا بلغت نسبة حمل السفاح بين المُجْهِضات درجة أعلى(٢) من ذلك، فقانون إباحة الإجهاض إنّما يلبّي الحاجة إلى السفاح.

ثالثاً : كانت ثلاث مستشفيات خاصّة في لندن - وبطبع الحال في جميع المدن الكبيرة الغربيّة أو معظمها - تجري من الإجهاضات أكثر ممّا تجريه مستشفيات منطقة لندن المجّانيّة الحكومية...، وهذا يدلّ على مدى الاستغلال التجاري للإجهاض.

رابعاً : رغم إباحة موانع الحَمْل وإباحة الإجهاض، فقد زادت نسبة

___________________

(١) وتجدر الإشارة هنا إلى أنّ في أمريكا وحدها قد تمّ إجهاض أكثر من ٢٥ مليون حَمْل في عامٍ واحدٍ، كما أوردت بعض المجلاّت عام ١٩٨٣.

وأشارت منظمة الصحّة العالميّة في تقريرها عام ١٩٨٤ أنّ حالات الإجهاض الجنائي أو المتعمّد قد بلغت أكثر من ٢٥ مليون حالة سنويّاً. ص١٨٣، الرؤية الإسلامية لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

وقيل إنّه يتمّ قتل ( ٤٠ ) مليون جنين كلّ عام في العالم بواسطة الإجهاض المحدث ( وهو الذي كان يُطلق عليه في الماضي الإجهاض الجنائي ) نصفهم - على الأقل - بصورةٍ غير قانونيّة ؛ ويؤدّي ذلك إلى وفاة مئتي ألف امرأة، وإصابة مئات الآلاف بأمراض مختلفة، وجعل عددٍ كبيرٍ منهنّ يعانين من العُقْم الدائم. ص٢١٠، نفس المصدر فاعتبروا يا أُولي الأبصار.

(٢) ص٢٤٦ الإنجاب في ضوء الإسلام.

٦٢

ولادات السِّفاح إلى الولادات الحلال زيادة كبيرة... ممّا يدلّ على أنّ لبّ القضيّة هو تفشّي الإباحة الجنسيّة(١) .

إذا علمت ما حكاه الأطبّاء المسلمون الخبراء حول الإجهاض وبعض حالات الجنين ؛ فهنا مطالب لا بُدّ من ذكرها:

( المطلب الاَوّل ) حول نظر الدين في حالات الجنين.

١ - قال الله تعالى:

( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ کُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاکُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَ غَيْرِ مُخَلَّقَةٍ (٢) لِنُبَيِّنَ لَکُمْ وَ نُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُکُمْ طِفْلاً... ) ( الحجّ ٥ ).

٢ - وقال تعالى:

( وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلاَلَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَکِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ (٣) عِظَاماً فَکَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ (٤) فَتَبَارَکَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ) ( المؤمنون ١٢ - ١٤ ).

___________________

(١) ص٢٤٦، الإنجاب في ضوء الإسلام.

(٢) ونُقل في مجمع البيان في تفسيره وجهين، أوّلهما: تامّة الخَلْق وغير تامّة. وثانيهما: مصوَّرة وغير مصوَّرة، وهي ما كان سقطاً لا تخطيط فيه ولا تصوير.

أقول : الثاني يرجع إلى الأوّل، كما في الميزان أيضاً، لكنّ هذا التفسير بكلا وجهيه بعيد عن سياق الآية، كبعد خبر سلام المرويّ في الكافي في تفسير الآية عن سياقها.

(٣) لعلّ المراد: من المضغة عظاماً، وليس المراد أنّ المضغة بتمامها تصير عظاماً.

(٤) قيل المراد به نفخ الروح. وقيل نبات الشعر والأسنان وإعطاء الفهم، وقيل الذكوريّة والأُنوثيّة كما في المجمع، والأوّل هو الصحيح ؛ للنص الصحيح ( ص٢٨٥ ج١٠ التهذيب ) الآتي، ولأنّ تعلّق الروح بالجسد من أهمّ مراحل خلقة الإنسان، ولولا إرادته من هذه الجملة( ثُمّ أنشأناه خلقاً آخر ) لزوم إهماله في القرآن، وهو بعيد غاية البعد.

وعلى كلٍّ، قيل إنّ النطفة الماء القليل أو مطلق الماء، والعلقة القطعة من الدم الجامد، والمضغة القطعة من اللّحم الممضوغة.

٦٣

ومدلول الآيتين أنّ مراحل الحمل أو الجنين في الرحم هي:

١ - كونه نطفة.

٢ - ثمّ كونه علقة.

٣ - ثمّ كونه مضغة. ( وإن لم نفهم معنى كونها مخلَّقةً وغير مخلَّقةٍ، كما أُشير في الحاشية ).

٤ - ثمّ كونه عظاماً(١) ولعلّه على وجهٍ أشرنا إليه في الحاشية.

٥ - ثمّ كسو العظام لحماً ( أي كونه ذا عظام مستورة باللّحم ).

٦ - إنشاءه خلقاً آخر ( أي نفخ فيه الروح فصار حيّاً بحياةٍ إنسانيّةٍ، على ما ذكرنا في الحاشية ).

ولم يوقّت القرآن هذه الحالات المترتّبة بوقتٍ معيّنٍ، فإذا ثبت في علم الطب، وعلم الأجنّة ثبوتاً حسّيّاً أو قطعيّاً(٢) تحديدها ؛ فالأخذ به لا ينافي القرآن، كما هو واضح.

نعم قد يُقال: إن الطبّ ينكر صيرورة النطفة علقة ومضغة، بل هي تنقلب إلى كتلة من الخلايا، فتنموا حتّى تكتمل وتصير بدن إنسان(٣) .

___________________

(١) ادّعى بعض الأطبّاء في كتابه - على ما ترجم لي بعض الأطبّاء المؤمنين بعض جملاته - أنّ أوّل عَظمٍ يُخلق هي الترقوة، يبتدئ من اليوم الخامس والثلاثين إلى اليوم الثاني والأربعين من الحمل، وأمّا تكميل العظام ففي الذكور إلى عشرين سنة، وفي الإناث إلى ١٨ سنة. وهذا ينافي الأحاديث الآتية جزماً.

(٢) وستقف في خلال مباحث الكتاب على تحديدات من بعض الأطباء، وتقدّم بعضها عن قريب.

(٣) قيل: إنّ النطفة في علم الأجنّة تُطلق على المنيّ، والمضغة على كتلة الخلايا الناتجة في أيّام قليلة من انقسام البييضة الملقّحة.

وأمّا العلوق فيستمرّ من آخر اليوم الرابع من الإخصاب، وتنغرس العلقة في بِطانة الرحم في اليوم السابع، ولا تكون بعد

=

٦٤

لكنّ بعض المؤمنين في لندن أتحفني بشريطة فيديويّة وقال:

إنّ عالِماً من كندا اعترف أنّ ما ذكره القرآن حول حالات الجنين هو المطابق للمشاهَدَة الحسيّة، فأنا أؤمن بأنّ القرآن كلام الله، لكنّني لا أتديّن بدين الإسلام، ولا أرجع عن ديني ؛ فإنّ أهلي من الأساقفة !

وأنا أردت ترجمة كلامه لكنّ صوت الشريط لم يكن حسناً فما قدرت على فهم كلامه تفصيلاً.

وبالجملة: رغم سعيي في باكستان لمشاهدة فيلم في ذلك لم أعثر عليه، فما دام لم أرَ الفيلم ؛ لا أستطيع الكلام حول هذا الادّعاء نفياً أو إثباتاً.

وأمّا الأحاديث فإليك ما وجدت منها من غير ما هو ضعيف سنداً:

١ - صحيح البزنطي المرويّ في قرب الإسناد عن الرضاعليه‌السلام :

(... إنّ النطفة تكون في الرحم ثلاثين يوماً، وتكون عَلَقةً ثلاثين يوماً، وتكون مُضْغةً ثلاثين يوماً، وتكون مخلَّقةً وغير مخلَّقةٍ ثلاثين يوماً، وإذا تمّت الأربعة أشهر ؛ بعث الله تبارك وتعالى مَلَكَين خلاّقين يصوّرانه، ويكتبان رزقه

___________________

=

ذلك علقة. ص٥٧، الحياة الإنسانيّة بدايتها ونهايتها.

أقول : وهذا نوع من التأويل.

وقال بعض الفضلاء من أهل السنّة: وإذا كان بعض العلماء من مفسّرين وفقهاء أوّلوا الحديث، وتلك الآيات القرآنية، بما يتعارض مع بعض المُعطيات الجديدة من الحقائق العلميّة في مجال الطب ؛ فإنّما يرجع ذلك إلى أخذهم المعنى اللُّغوي للعلقة والمُضغة، وحمل الحديث والآيات عليه بصورة تطابقيّة، مع أنّ الحيوان ( الجنين - ظ ) قد يكون على شكل علقة مع ظهور بعض الأعضاء فيه كالعينين - مثلاً - وقد يكون وجه الشبه مع العلقة كون الرأس وبقيّة الجسم على مستوى واحد ؛ لعدم وجود الأطراف، وكذلك المضغة، ليس من الضروري أن تكون قطعة لحمٍ لا خِلْقة فيها، بل إنّها قد تكون مختلفةً كما وصفها القرآن في بعض المواضع. ص ٢٦٣ و ٢٦٤، الإنجاب في ضوء الإسلام.

أقول : ما ذكره تأويل آخر ضعيف ولا مجوِّز لرفع اليد عن المعاني اللُّغوية في تفسير الآيات، إلاّ بدليل معتبر. نعم المُضغة قد تكون غير مختلفة وقد تكون مختلفة.

٦٥

وأجله شقيّاً أو سعيداً ). ص١٥٤ ج٥ بحار الأنوار.

أقول : مُضافاً إلى عدم فهم كونها مخلّقةً وغير مخلقة حتّى يُفهم جعل ثلاثين يوماً لهما، يرد عليه أنّ عدد الثلاثين يخصّ هذه الرواية، ولا يوجد في غيرها، وكأنّه شاذّ على أنْ السند وإن كان صحيحاً لكن الظاهر عدم وصول نسخة قرب الإسناد - وهو مصدر الحديث - إلى المجلسيرحمه‌الله مؤلِّف البحار، بسندٍ متّصلٍ صحيحٍ وإنّما ينقل عنه بالوجادة، كما سنح لي أخيراً، فلا تكون الأحاديث المنقولة منه في البحار والوسائل بمعتبرة.

٢ - معتبرة الحسن بن الجهم المرويّ في الكافي ( ج٦ ص١٣ ) قال: سمعت أبا الحسن الرضاعليه‌السلام يقول:

( قال أبو جعفر -عليه‌السلام -: إنّ النطفة تكون في الرحم أربعين يوماً، ثمّ تصير علقةً أربعين يوماً، ثمّ تصير مُضْغَةً أربعين يوماً، فإذا كمل أربعة أشهر بعث الله ملكين خلاّقين فيقولان: يا ربّ ما تخلق ذكراً أو أُنثى ؟(١) فيُؤمرون...

٣ - صحيح زرارة الطويل المرويّ في الكافي ( ج٦ ص١٣ ) عن أبي جعفرعليه‌السلام :

(... فتصل النطفة إلى الرحم فتتردّد فيه أربعين يوماً ( صباحاً خ )، ثمّ تصير علقةً أربعين يوماً، ثمّ تصير مضغةً أربعين يوماً، ثمّ(٢) تصير

___________________

(١) المتّفق عليه الآن بين الأطبّاء أنّ الذكورة والأُنوثة تحدَّدان عند التقاء الحيوان المنويّ بالبيضة، وأنّ الحيوان المنويّ يحمل الجسم الصبغي الذكري أو الأُنثوي. ص٥٨، الحياة الإنسانيّة.

لكن يمكن عدم علم المَلَكَين بالحال فيسألان عن خلق آلة الذكوريّة والأُنوثيّة، لكن إذا ثبت في علم الأجنّة خلق الآلة المذكورة قبل تمام الأربعة الأشهر كما تقدّم في آخر البند الثاني في أوّل هذه المسألة ( بعد الأُسبوع السادس ما هو إلاّ نموّ وليس تكويناً جديداً ) فلا بُدّ من ردّ علم هذه الجملة إلى مَن صدرت عنه.

(٢) يحتمل زيادة كلمة ( ثمّ ) بأن تكون صيرورة الجنين ذا لحمٍ تجري فيه عروق

=

٦٦

لحماً تجري فيه عروقٌ مشتبكةٌ، ثمّ يبعث الله مَلَكَين خلاّقين يخلقان في الأرحام ما يشاء الله، فيقتحمان في بطن المرأة من فم المرأة فيصلان إلى الرحم، وفيها الروح القديمة المنقولة في أصلاب الرجال وأرحام النساء(١) ، فينفخان فيها روح الحياة والبقاء، ويشقّان له السمع والبصر وجميع الجوارح وجميع ما في البطن بإذن الله، ثمّ يوحي الله إلى المَلَكَين اكتبا عليه قضائي ونافذ أمري... )

وفي صحيحٍ آخر لزرارة - بل هو مختصر حديثه الطويل المتقدّم ظاهراً -:

( ثمّ يبعث الله مَلَكَين خلاّقَين، فيُقال لهما: اخلقا كما يريد الله ذكراً أو أُنثى ) ( ج٦ ص١٦ الكافي ).

بقي أُمور ممّا يتعلّق بهذه الأحاديث المذكورة هنا وفي آخر المسألة المتقدّمة:

( الأوّل ) : إنّ الأحاديث لم تذكر لحالة العظام وكسوها لحماً مدّةً كما ذكرتها لحالة كون الجنين نطفة وعلقة ومُضْغة، بل بعضها أهملهما أساساً، وهذا عجيب.

___________________

=

مشتبكة داخلة في زمن كونه مُضْغة، كما تقدّم في صحيح محمّد بن مسلم في آخر المسألة السابقة، وقد يتوهّم أنّ ظاهر قوله تعالى:( فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَاماً فَکَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْماً ) يوافق هذه الصحيحة دون صحيحة محمّد بن مسلم. لكنّه ممنوع كما لا يخفى.

(١) ولعلّه إشارة إلى الحياة الكامنة في الحيوان المنوي والبييضة كما هي، غير بعيدة، وهذه الجملة خير مسكِّن للأطبّاء الذين يدّعون: أنّ حياة الجنين قبل تمام أربعة أشهر لم تكن معلومة في الأزمنة السابقة.

قال بعض الأطبّاء: الحقيقة أنّ الحياة متّصلة، ليست في الحيوان المنوي والبويضة فقط، لكن من خَلْق آدم إلى يوم القيامة، متّصلة باستمرار لم تنقطع أبداً، خَلْق النطفة هو اتّحاد هاتين... ص٢٨٤، الإنجاب في ضوء الإسلام.

٦٧

( الثاني ) : ظاهر صحيح محمّد بن مسلم السابق: أنّ شق السمع والبصر، وترتيب الجوارح، بعد خلقة العظام.

وظاهر معتبرة ابن الجهم: أنّ خلق ما يتحقّق به الذكورة والأُنوثة بعد تمام أربعة أشهر، وهذا ينطبق على سابقه نوع انطباق.

وظاهر صحيح زرارة: أنّ شقّ البصر والسمع، وجميع الجوارح، وجميع ما في البطن - أي بطن الجنين ظهراً - إنّما هو حين نفخ الروح فيه، أي كلّ ذلك بعد أربعة أشهر، وكلّ ذلك مخالفٌ لما يقوله الأطبّاء - كما ستمرّ أقوالهم بك بعد ذلك - فإنْ ثبتت أقوالهم بالحسّ أو القطع، فلا بُدّ من تأويل هذه الظواهر، أو ردّها إلى مَن صدرت عنه، فإنّ التأويل الخارج عن المتفاهم العُرفي كلفة لم نُؤمر بها.

( الثالث ) : مرّ في الحاشية دعوى بعض الأطبّاء: أنّ العظام تبدأ في التكوّن في الأُسبوع الخامس ( ٣٥ يوماً بعد الحمل )، فإنْ صحّ فهو ينافي الأحاديث جزماً.

الأقاويل حول تطوّر الجنين

١ - قال بعض الكتّاب: في الأُسبوع الثالث يتكوّن أوّل ظواهر الرأس والقلب، ثمّ يتكّون في جانب الجنين شيءٌ مدوّر متّصل بسرّة الجنين، وذلك الشيء هو الذي يأخذ عصارة الغذاء والماء والهواء، التي تستفيد منها الأُم بواسطة أجهزتها، ويعطيها للجنين، ومن الأُسبوع السادس يتكّون حول الجنين ثلاثة حجابات لحفظه عن الهواء والماء والنور وغيره، ولعلّه المراد بقوله تعالى:( فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاَثٍ ) (١) .

___________________

(١) الزُّمَر آية ٦.

٦٨

وقيل: كما هو معروف: إنّ الجنين في الأسابيع الثمان الأُوَل من الحمل ليس له أعضاء، أو أنسجة يمكن الاستفادة من نقلها، وبعد تلك المدّة ( ٦ - ٨ أسابيع ) تأخذ أعضاء الجنين وأطرافه في النموّ.

٢ - أوصت لجنة وارنوك في بريطانيا بجواز التجارب على الجنين في الأيام الأربعة عشر الأُولى على اعتبار أنّ تكوّن الجهاز العصبي يبدأ بعدها...(١) .

٣ - لاحظ ما مرّ في البند الثاني والثالث في أوّل هذه المسألة.

٤ - لاحظ مايأتي نقله في أوائل المسألة الثامنة حول أطفال الأنابيب.

٥ - لاحظ ما يأتي في أوائل المسألة السابعة والعشرين حول المبيضين وزرع الخصية.

( المطلب الثاني ) : يحرم الإجهاض مطلقاً - قبل ولوج الروح أو بعده - ولم يُنقل عن أحدٍ من فقهاء الشيعة خلاف في ذلك، وأمّا فقهاء أهل السنّة فجمع منهم على جوازه قبل ولوجها، ولهم أقاويل، لكن حرّموه بعد الولوج على ما قيل(٢) .

ودليل الحرمة عندنا حديثان:

أحدهما : معتبرة إسحاق المرويّة في الفقيه:

قلت لأبي الحسنعليه‌السلام : المرأة تخاف الحبل، فتشرب الدواء، فتلقي ما في بطنها - قال: ( لا.

فقلت: إنّما هو نطفة ؛ فقال: إنّ أوّل ما يُخلق نطفة )(٣) .

ثانيهما : صحيح رفاعة المرويّ في الكافي:

قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : اشتري الجارية فربّما احتبس طمثها من فساد دمٍ أو ريح في رحم فتُسقى دواءً لذلك، فتطمث من يومها ؟ فقال لي: ( لا تفعل ذلك.

فقلت له: إنّما

___________________

(١) ص١٧٤ الرؤية الإسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

(٢) الإنجاب على ضوء الإسلام ص ٣٦٠.

(٣) ص١٥ ج١٩ الوسائل.

٦٩

ارتفع طمثها منها شهراً، ولو كان ذلك من حبل إنّما كان نطفة كنطفة الرجل الذي يعزل، فقال لي:

إنّ النطفة إذا وقعت في الرحم تصير إلى علقة، ثمّ إلى مُضْغَةٍ، ثمّ إلى ما شاء الله، وإنّ النطفة إذا وقعت في غير الرحم لم يُخلق منها شيء، فلا تسقها الدواء إذا ارتفع طمثها شهراً وجاز وقتها الذي كانت تطمث فيه )(١) .

أقول : لا يبعد أنّ قيد الشهر لم يكن له خصوصيّة، وإنّما ذكره الإمام تبعاً لفرض السائل، والملاك هو مطلق ارتفاع الطمث، ومنه يظهر دلالة الحديث على وجوب الاحتياط، وعدم إجراء استصحاب عدم الحبل كما هو القاعدة في كلّ ما شكّ في حدوثه، وهذا يحكي عن اهتمام الشارع بالنطفة.

( المطلب الثالث ) : في حكم الإجهاض الوضعي، وهو لزوم الديّة.

١ - ديّة الجنين إذا كان بحكم المسلم الحرّ، وكان تامّ الخِلْقة ولم تلجه الروح: مئة دينار، كما نقله في الجواهر عن المشهور، ولم ينسب الخلاف فيه إلاّ إلى النعماني ؛ فإنّه أوجب الديّة كاملة، وإلاّ إلى الإسكافي، فأوجب فيه غرّة عبداً أو أمَةً إذا كانت الأمُّ مسلمة، وقدر قيمة الغرّة قدر نصف عشر الديّة(٢) .

٢ - ظاهر الروايات عدم الفرق بين الذكر والأُنثى في الديّة هنا ( أي فيما لم تلجه الروح ) ولم ينقل الخلاف فيه إلاّ عن الشيخرحمه‌الله في مبسوطه.

٣ - لو كان الحمل زائداً عن واحدٍ فلكلّ واحدٍ ديّته، كما في الشرائع والجواهر.

٤ - لم يوجب الفقهاء الكفّارة على المُجْهِض ؛ لعدم صدق القاتل عليه

___________________

(١) ص٣٣٨ ج٢، الوسائل نسخة الكومبيوتر.

(٢) لاحظ ج ٤٣ من الجواهر.

٧٠

بعد فرض عدم ولوج الروح في الجنين.

٥ - في إجهاض الجنين الذي ولجته الروح قطعاً ديّة كاملة للذكر، ونصفها للأُنثى(١) في الحرّ المسلم، بلا خلاف للنصوص.

٦ - تجب الكفّارة في فرض ولوج الروح مع مباشرة الجناية، بلا خلاف ولا إشكال ؛ لتحقّق موجِبها كما في الجواهر(٢) .

٧ - هذا كلّه في الجنين الذي ولجته الروح والذي لم تلجه وكان تامّ الخِلْقة، وأمّا إذا لم يتمّ خلقته ففي ديّته قولان:

أحدهما : غرّة عبد أو أمة،والأُخرى : - وهو الأشهر بل المشهور -: توزيع الديّة ( أي مئة دينار ) على المراتب، ففيه عظماً ثمانون ديناراً، ومضغة ستّون، وعلقة أربعون.

وفي الجواهر: وتتعلّق بكلّ واحدٍ من هذه المراتب الثلاث، أُمور ثلاثة: وجوب الديّة، وانقضاء العدّة للمطلَّقة - ضرورة صدق وضع الحمل بسقوطه - وصيرورة الأمَة أمّ ولد، وأمّا النطفة فلا يتعلّق بها إلاّ الديّة وهي عشرون ديناراً بعد إلقائها في الرحم، فجنى عليها الجاني وأسقطها، دون العدّة لعدم صدق وضع الحمل معها ودون الاستيلاد أيضاً(٣) .

أقول : في كلامه الأخير نظر.

٨ - لو ألقت الأُمّ حملها مباشرةً، أو تسبيباً ؛ فعليها ديّة ما ألقته، قيل بلا خلاف ولا إشكال، ولا نصيب لها من هذه الديّة بلا خلاف ولا إشكال مع العمد.

___________________

(١) لم يوجب فقيه القصاص هنا، فحال الجنين عندهم ليست كحال المولود، ويمكن أن نجعل هذا دليلاً على تقديم حياة الأُمّ على حياة الجنين، إذا دار الأمر بين موت أحدهما، وحفظ الآخر كما يأتي.

(٢) لاحظ ص٣٥٥ إلى ص٣٦٦ ج٤٣ منها.

(٣) لاحظ الجواهر ص٢٥٢ إلى ص٢٧٣ ج٣٢ في البحث عن عدّة الحامل.

٧١

٩ - ولو أفزعها مفزع، فألقته، فالديّة على المفزع بلا خلاف ولا إشكال، كما في الجواهر(١) .

١٠ - ديّة أعضاء الجنين وجراحاته بنسبة ديّته، قيل: بلا خلاف يوجد(٢) .

١١ - يرث ديّة الجنين مَن يرث المال منه - لو كان حيّاً مالكاً ثمّ مات - على ما ذكروه في كتاب الميراث.

١٢ - مَن أفزع مجامعاً فعزل، فعلى المفزع عشرة دنانير كما ذكروه(٣) .

وهل تتعلّق الديّة بإتلاف الجنين في الأنبوبة ؟

والأظهر تعلّقها به إذا كان في مسيرة إلى الكمال والإنسانيّة، وأمّا إذا لم يكن كذلك، وإنّما وضع فيها لمجرّد الاختبار العلمي أو التلقيح ؛ فلا كما يظهر من صحيح رفاعة المتقدّم(٤) ، فلاحِظ وتأمّل.

( المطلب الرابع ) في مبرّرات الإجهاض:

لا شكّ في بطلان جملة من المبرِّرات المقبولة عند الغربيّين، وأنّها غير مشروعة، ولا نطيل المقام بذكرها، وإنّما نذكر ما يمكن أنْ يكون مبرِّراً عندنا:

١ - الخطر على حياة الأُمّ في فرض استمرار الحَمْل.

٢ - الخطر على صحّة الأُم.

٣ - استلزام الحمل والولادة حرجاً شديداً للأُمّ.

٤ - موت الجنين.

___________________

(١ و ٢) راجع ج ٤٣ من الجواهر.

(٣) لاحظ ص٣٧٣ وغيرها ج٤٣ من الجواهر.

(٤) تقدّم في ص ٦٧.

٧٢

٥ - كون الجنين مصاباً بمرضٍ أو عاهة.

٦ - كونه عن زنا، سواء عن إكراه، أو عن مطاوعة من المرأة.

أمّا المورد الأوّل، ففي فرض عدم ولوج الروح، لا إشكال عندي في جواز الإجهاض، بل في لزومه ؛ لدوران الأمر بين الأهم والمهم، ولزوم تقديم الأهمّ، كما قرّر في البحث عن المرجّحات في باب التزاحم.

وأمّا الديّة فلا يبعد لزوم أدائها عليها ؛ لعدم ترتّبها على خصوص الإسقاط المحرَّم، فلاحظ.

وأمّا بعد ولوج الروح فيه، ففيه بحث طويل، ملخّصه: إنّ حفظ النفس - ولو في بطن الأُمّ - واجب، فإذا ماتت الأُمّ وجب إخراجه سالماً بشقّ بطنها حسب ما يراه الطبيب، بل مقتضى القاعدة وجوب إخراجه وإن علم بعدم بقاء الطفل إلاّ دقائق يسيرة ؛ فما نقل عن الحنابلة والمالكيّة من عدم جواز شقّ بطن الحامل إذا ماتت، ولو رأينا الولد يضطرب في بطنها معلِّلين: أنّه هتك حرمة متيقّنة لإبقاء حياة موهومة، باطل جزماً.

نعم إذا عُلِمَ عدم إمكان إخراجه حيّاً لم يجب.

وكذا يجب إخراجه حيّاً إذا عُلِمَ أنّ بقاءه في رحمها - ولو مع فرض حياتها - يوجب تلفه أو تلف أُمّه.

وأمّا إذا دار الأمر بين حفظ الولد وإتلاف الأُمّ وعكسه لعدم إمكان التحفّظ على كليهما ففيه إشكال، يقول صاحب الجواهرقدس‌سره : وأمّا لو كانا معاً حيّين وخشي على كلٍّ منهما، فالظاهر الصبر إلى أن يقضي الله، ولا ترجيح شرعاً، والأُمور الاعتباريّة من غير دليل شرعي لا يُلتفت إليها(١) .

___________________

(١) جواهر الكلام ج ٤ ص ٣٧٨.

٧٣

واختاره صاحب العروة الوثقى ؛ فقال:

ينتظر قضاء الله سبحانه وتعالى حتّى يتعلّق بموت أحدهما(١) ، وتبعه كلّ مَن علّق على كتابه مِن أرباب الفتوى.

وقال بعض الفضلاء من أهل السنّة: المعروف أنّ فقهاء المذاهب لا يرون جواز إجهاض الجنين لإنقاذ حياة الأُم، ولم يُخالف في ذلك إلاّ قلّة(٢) ، واستدلّ بعضهم عليه بأنّ موت الأُمّ به موهوم، فلا يجوز قتل آدمي لأمر موهوم.

لكن اللّجنة العلميّة للموسوعة الفقهيّة التي تصدر عن وزارة الأوقاف في الكويت، أفتوا بأنّ الحفاظ على حياة الأُمّ أولى بالاعتبار من بقاء الجنين ؛ لأنّها الأصل، وحياتها ثابتة بيقين، ولأنّ بقاء الجنين سيؤدي غالباً إلى وفاته بموت أمّه(٣) .

أقول : وقد ذكرنا قبل عشرين سنة تقريباً في كتابنا حدود الشريعة ( ج٣ ص٢١٤ إلى ص٢١٦ ) جواز قتل الجنين حفاظاً على حياة الأُمّ، وذكرنا دليله هنا فراجعه إنْ شئت، ولا أدري هل به قائل منّا أو لا، وإن كان بعض العلماء الذين أدخل كتابي - حدود الشريعة بتمام أجزائها - في موسوعته الفقهيّة مع الاختصار(٤) ، اختاره وقد استدلّ هو عليه بوجهين آخرين - أيضاً - لا يخلو بعض كلامه عن إشكال، أو منعٍ عندي(٥) .

___________________

(١) لاحظ أحكام الدفن من العروة الوثقى.

(٢) حاشية ص٢٨٥، الإنجاب في ضوء الإسلام.

(٣) ص٢٥٩، الإنجاب في ضوء الإسلام، ولاحظ ص٤٢٢ رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

(٤) الفقه ج ٩٢ ص ٨٢.

(٥) ص٨١ ج٩٢ الفقه.

٧٤

وأمّا المورد الثاني، فإنْ كان في رفع صحّة الأُم حرجاً شديداً عليه ؛ جاز إسقاط الجنين الذي لم تلجه الروح بعد ؛ لقاعدتي نفي الحرج والعسر، بل ولقاعدة نفي الضرر، وأمّا إذا ولجتها الروح، فلا تجري تلك القواعد في المقام ؛ لأنّها امتنانية في حقّ جميع المكلّفين، فلا معنى لإجرائها لنفع بعض وضرر بعض آخر.

أقول : لا مانع من صحّة هذا القول المشتهر بالنسبة لقاعدة نفي الضرر في المقام، وأمّا بالنسبة إلى قاعدة نفي الحرج والعسر فلا نسلّمها، فإنّ في شمول مثل قوله تعالى:( مَا جَعَلَ عَلَيْکُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) (١) ، ومثل قوله:( يريد اللهُ بكم اليسر ) ، للجنين منع واضح، بل في شموله للأطفال غير المميّزين بل المميّزين، إشكال، فإنّ القدر المتيقَّن من الخطاب فيهما( عليكم - بكم ) هم المكلّفون، ولكن مع ذلك لا يتيسر الفتوى بجواز اتلافهما لصحة اُمها لقوله تعالى:

( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ ) (٢) ، وغيره، والله العالم.

ومنه يظهر الحال في المورد الثالث، فإنّه كالثاني في الحكم.

وأمّا المورد الرابع فلا شكّ في لزوم إخراجه، ولا ديّة فيه قطعاً، بل إذا تتضرّر الأُمّ ببقائه لزم اخراجه في الجملة ؛ كما أنّه يجوز إجهاض الحمل المسمّى بالعنقودي أو الحمل الحويصلي، فإنّه حمل ينتج عنه تكوين كتلة من الأنسجة على شكل حويصلات مائيّة تشبه عنقود العنب في مظهرها، ولا تكون جنيناً أو إنساناً سويّاً، وقيل:

إنّ إجهاض مثله واجب طبّي، وتخليص الرحم منه فور تشخيصه ضروري ؛ تلافياً لحدوث مضاعفات

___________________

(١) الحجّ آية ٧٨.

(٢) المائدة آية ٣٢.

٧٥

خطيرة على المرأة(١) .

أقول : وهنا مورد آخر جاز إجهاضه ولا ديّة أيضاً، هو ما أشار إليه بعض الأطبّاء بقوله: بعد ما سبق كما أنّه معروف - علميّاً - أنْ ليس كلّ لقاحٍ بين حيوانٍ منويٍّ وبويضةٍ يكون الناتج عنه جنيناً قابلاً للحياة، بل قد يتولّد عن ذلك جنين عقيم، أو غير مكتمل، ويستمرّ وجوده في الرحم إلى فترةٍ زمنيّةٍ قد تصل إلى عدّة أسابيع قبل أنْ يُجهض تلقائيّاً، أو يُعمل على تخليص الرحم منه(٢) .

أقول : لكن إذا فُرض إجهاضه تلقائيّاً غير حرجيٍّ للمرأة ؛ لا يجوز لها تعجيل العمل على تخليص الرحم عنه، إذا استلزم مسّ العورة والنظر إليها، بل ونظر الأجنبي إلى بدنها.

وأمّا المورد الخامس، فإنّ فرض أنّ المرض أو العاهة يسبب بعد الولادة حرجاً شديداً للوالدين، لا مانع من إجهاضه قبل تعلّق الروح به، وكذا إذا كان على صورة غير إنسان، كما رأيناها في بعض النشريّات اليوميّة، فإنّه لا دليل على منع إتلاف جنين غير الإنسان، ولا على لزوم الديّة فيه، وأمّا إذا فرضنا أنّ الصورة صورة غير إنسان، والوعي وعي إنسان - وقد أثبته علم الأجنّة فرضاً - ففي إجهاضه إشكال.

وأمّا بعد ولوج الروح، فلا يجوز إجهاضه قطعاً ؛ لأنّه نفس محترمة، فتشمله الآيات الناهية عن قتلها.

وأمّا المورد الأخير، فلا يجوز إتلافه الأبناء على قولٍ ضعيفٍ لبعض القدماء بكفر ولد الزنا(٣) ، وإذا فرض أنّ حمله أو ولادته يوجب حرجاً

___________________

(١ و ٢) ص٣٦١ الإنجاب في ضوء الإسلام، ولعلّ المراد به الحمل الحويصلي الذي ذكرناه أوّلاً، فالموردان واحد.

(٣) صراط الحقّ ج ٢ ص ٤٠٩.

٧٦

شديداً للأُمّ، فإنْ كان الزنا عن اختيارها فلا يجوز له إجهاضه ؛ لعدم جريان قاعدتي نفي الحرج ونفي الضرر في حقها، وإنْ كان عن إكراه: فإنْ كان بعد نفخ الروح فيه فلا يجوز أيضاً لِمَا عرفت، وإنْ كان قبله: فلا يبعد جوازه في الجملة، والله أعلم. ويأتي مورد آخر للجواز في المسألة الثامنة إنْ شاء الله.

فرع:

إذا اعتدى أبٌ مثلاً على ابنته ( العياذ بالله ) أو ما يشبه ذلك ونتج منه حمل، فهل يجوز إجهاضه ؟

فإنّ مثل هذا الولد يكون مرفوضاً رفضاً باتّاً من أفراد المجتمع، على أنّ نسبة تعرّض هذا الجنين للتشوّه نسبة عالية حسب القوانين الوراثية العلميّة، ولذا نرى الإسلام إنّما أباح زواج الأقارب من الدرجة الرابعة(١) ، ولم يسمح بدرجة قرابة أقلّ من ذلك - كما في بعض المجتمعات - لِما لهذا الزواج من إضرار صحّيّة، قد أثبتها العلم الحديث فيما بعد.

أقول : لا خصوصيّة للمورد وأمثاله من زنى المحارم وإنّما عنونّاه تبعاً لبعض الأطبّاء، وهو داخل في المورد الخامس والسادس المتقدِّم، وعرفت حكمهما.

( المطلب الخامس ) : قد سبق أنّ الحياة متحقّقة في منيّ الرجل قبل التلقيح كتحقّقها في البييضات قبل الالتقاء، وقد خلق الله المرأة لتفرز واحدةً منها في كلِّ شهر، يعني: حوالي ثلاثين سنة: ثلاثمئة وستّون بييضة، لكنّ المرأة تنجب خمسة أو عشرة أو خمسة عشرة أو عشرين، فتُهدر بإرادة الله

___________________

(١) الدرجة الأُولى: الآباء والأُمّهات والأولاد.

الدرجة الثانية: الإخوة والأخوات.

الدرجة الثالثة: الأعمام والخالات والأخوال ومَن يقابلهم، وكلّ هؤلاء لا يجوز نكاحهم.

٧٧

تعالى من هذه البييضات أكثر من الثلاثمئة، والحيوانات المنويّة يقذف منها في كلّ مرّة أربعمئة مليون، وكلّ واحدٍ من هذه قادر على أنْ ينجب إن وصل إلى البييضة، فهذه طبيعة الخِلْقة(١) .

وقد تقدّم في المسألة السابقة: أنّه لا منافاة بين هذه الحياة، وبين ما يقول به المسلمون من الحياة الحادثة بعد الأربعة الأشهر من الحمل، فإنّ الأُولى حياة غير إنسانيّة، والثانية حياة إنسانيّة ناشئة عن الروح الإنسانيّة، وقد أشار الإمام الباقرعليه‌السلام في صحيح زرارة المتقدّم في أواسط هذه المسألة إلى هاتين الحياتين معاً، وقد أشار إليه - أيضاً - في رواية سعيد بن المسيّب التابعيّ عن الإمام زين العابدين علي بن الحسينعليه‌السلام المرويّة في الكافي والتهذيب، حينما يشرح مراحل الجنين وحدودها ومقدار الديّة، حتّى قالعليه‌السلام :

( فإن طرحته وهي نسمة مخلّقة له عظم ولحم مرتّب الجوارح، وقد نفخ فيه روح العقل ؛ فإنّ عليه ديّة كاملة ).

قلت له: أرأيت تحوّله في بطنها من حالٍ إلى حال، أبروح كان ذلك أم بغير روح ؟

قال: ( بروح عدا ( غذاء - يب ) الحياة القديم المنقول في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، ولولا أنّه كان فيه روح عدا الحياة(٢) ما تحوّل من حالٍ بعد حال في الرّحم، وما كان إذن على مَن قتله ديّة وهو في

___________________

(١) ص٢٨٠ الإنجاب في ضوء الإسلام. ولكن قال بعض آخر: كلّ دفعةٍ من الإفراغ للمني، يكون فيه من الحيوانات المجهريّة التي تشابه العلقة ثلاثمئة واثني عشر مليون ومئة وثمانون ألف، كما عن جماعةٍ من المكتشفين، كما أنّ في المرأة في مبيضها ثلاثمئة ألف بيضة قابلة للإخصاب.

أقول : لاحظ القولين حتّى تعلم أنّ كلّ ما يقوله الأطبّاء - وكذا سائر العلماء - ليس بصحيح، ولا يجوز قبوله باسم العلم الجديد من دون تحقيق وتثبّت.

(٢) هكذا في جامع الأحاديث ص٤٧٦ ج٢٦ نقلاً عن الكافي والتهذيب، لكن في نسختي من التهذيب ص٢٨٢ ج١٠: روح غذاء الحياة.

٧٨

تلك الحال )(١) .

وبالجملة : الحياة الخلويّة غير الحياة الإنسانيّة، فالأُولى أسبق من الثانية وأبقى منها.

يقول بعض الأطبّاء: من المعروف أنّ الإنسان عندما يموت وتنتهي حياته الإنسانيّة - التي لا خلاف عليها ولا خلاف على موته - تستمرّ خلاياه في الحياة إلى فترةٍ تطول أو تقصر من الوقت، والقلب يستمرّ في النبض بعد تنفيذ الإعدام... وتنقل من الموتى أعضاء إلى الأحياء: كقلب وكلية وكبد(٢) .

( المطلب السادس ) : مقتضى بعض الأحاديث: أنّ الحبلى المحكومة بالإعدام يؤجَّل إعدامها حتّى تضع ما في بطنها، وترضع ولدها، كمُعْتَبرة عمّار، قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن مُحصَنةٍ زنت وهي حبلى، قال: ( تقرّ حتّى تضع ما في بطنها، وترضع ولدها ثمّ تُرجم )(٣) .

بل في بعض الأحاديث - في قصّة زانية مُحْصَنة - فلمّا مضى الحولان أتت المرأة، فقالت: أرضعته حولين، فطهّرني يا أمير المؤمنين، فتجاهل عنها، وقال: ( أُطهّرك بماذا ؟

فقالت: إنّي زنيت فطهّرني... ؛ قال: فانطلقي فاكفليه حتّى يعقل أن يأكل ويشرب، ولا يتردّى من سطح لا يتهوّر في بئر... )(٤) .

أقول : لكنّ التأجيل المذكور في هذا الحديث ربّما يستند إلى عدم اكتمال الإقرار أربع مرّات، وتحقيقه في الفقه.

( المطلب السابع ) : قيل إنّ اللّولب يُستعمل لمنع الحمل، بمعنى أنّه

___________________

(١) تقدّم بيان المصدر آنفاً.

(٢) ص٢٧٩ الإنجاب في ضوء الإسلام.

(٣) ص٢٨ ج٤ الفقيه.

(٤) الكافي ج ٧ ص ١٨٥ نسخة الكومبيوتر.

٧٩

يمنع انغراس البويضة الملقحة في جدار الرحم(١) .

وقيل: اللّولب النحاسي يمنع تلقيح البويضة ولا يمنع التصاق البويضة الملقَّحة بالرحم. وبالتالي فهو ليس عامل إجهاض(٢) .

أقول : على الأوّل يستشكل جوازه إذا دخلت البييضة الملقَّحة الرحم، أو يحرم وعلى الثاني يجوز، وتشخيص الموضوع على عهدة الطبّ، على نحو لا يوجد اختلاف الأطبّاء فيه.

___________________

(١) لاحظ ص٢٩٠ وص٣٢٢ وص٣٢٦، الإنجاب في ضوء الإسلام.

(٢) ص٦٣٦، رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

٨٠