الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية0%

الفقه والمسائل الطبية مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 341

الفقه والمسائل الطبية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الشيخ محمد آصف المحسني
تصنيف: الصفحات: 341
المشاهدات: 89327
تحميل: 7085

توضيحات:

الفقه والمسائل الطبية
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 341 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89327 / تحميل: 7085
الحجم الحجم الحجم
الفقه والمسائل الطبية

الفقه والمسائل الطبية

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

المسألة السابعة

حكم المنع من الحمل

للمنع عن الحمل طرق مختلفة، إليك بيان جملة منها مع حكمها الشرعي:

١ - الإخصاء، ويمكن أن نستدلّ على حرمته بأنّه: إضرارٌ مهمّ بالنفس، وهو محرّم، فلاحظ.

ويحرم الإضرار بالغير مطلقاً، نعم في معتبرة يونس بن يعقوب، قال:

سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الإخصاء فلم يجبني، فسألت أبا الحسنعليه‌السلام ؛ قال: ( لا بأس به )(١) .

فيُفهم منه أنّ إخصاء الغير مع رضائه جائز، لكن حمله صاحب الوسائل(٢) على إخصاء الحيوان، ويؤكّده رواية قرب الإسناد، عن يونس، عن أبي الحسنعليه‌السلام ، قال: سألته عن إخصاء الغنم ؛ قال: ( لا بأس به )(٣) .

أقول : والله العالم.

٢ - العزل، وتدلّ أحاديثنا على جوازه - ولو على كراهة -، ففي صحيح ابن مسلم، قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن العزل ؛ فقال: ( ذلك إلى الرجل يصرفه حيث يشاء ).

وفي صحيحٍ آخر له - بنظر المشهور - (... أمّا الحرّة فإنّي أكره ذلك، إلاّ أن يشترط عليها حيث يتزوّجها )(٤) .

___________________

(١) ص٣٤١ ج٣ الفقيه وص٥٢٢ ج١١ الوسائل نسخة الكومبيوتر.

(٢) المصدر.

(٣) ص٥٢٣ ج١١ الوسائل وفي الجواهر ( ص١٩٢ ج٣٤ ) حول بحث التنكيل بعد نقل الحديث: ويتفرّع على ذلك انعتاق الخِصيان على مواليهم الذين يفعلون بهم ذلك، فلا يصحّ شراؤهم لمَن يعلم بالحال.

(٤) لاحظ الأحاديث في ص٢١٢ وما بعدها ج٢٠ جامع أحاديث الشيعة.

٨١

٣ - أكل الحبوبات الرائجة. وهو أيضاً جائز بعذر أو بدون عذر ؛ لأصالة الحليّة أو أصالة البراءة، ولا فرق في جواز أكله بين الزوج والزوجة.

وأمّا إذا استلزم ضرراً فإن كان جزئيّاً فهو غير حرام، وإن فرض مهمّاً فلا يجوز أكلها من هذه الجهة.

٤ - ٥ - جعل الشيء في الرحم أو في الآلة الذكوريّة، أو عليها، أو في الجهاز التناسلي للمرأة يمنع عن الحمل مؤقتاً، وهو أيضاً جائز، عملاً بأصالة البراءة، نعم يحرم من أجل نظر الأجنبي، أو الأجنبيّة إلى العورة ومسّها، وكذا نظر الأجنبي إلى بدن المرأة، فإن كان منع الحمل واجباً شرعيّاً لضررٍ على صحّة المرأة أو حياتها، فلا مانع من النظر ومسّ العورة أو بدن الأجنبيّة أو الأجنبي على الأجنبيّة ؛ فإن حرمتها ترتفع كما عرفت فيما سبق، وإن لم يكن واجباً فلا يجوز ؛ لعدم رفع الحرمة الشرعيّة لمجرّد الراحة عن مشقّة الحمل، فافهم جيّداً.

وأمّا إذا كان الحمل أو الولادة حرجيّة لها لجهات زائداً على ما هو المتعارف، فلا يبعد القول بجوازها.

٦ - ٧ - جعل الشيء في بدن المرأة أو الرجل ليمنع من الحمل دائماً، فإن استلزم حراماً آخر من النظر واللّمس، فلا يجوز لغير ضرورةٍ أو حرجٍ، وإن لم يستلزم فقد حرّمه بعض فقهائنا، ولعلّه لحرمة الإضرار بالنفس، لكنّها ممنوعة.

ولم أفت للسائلين لحدّ الآن بجوازه، ورأيت بعض المراجع حديثاً أفتى بجوازه، وهذا الفرض هو ما يُسمّى عند الأطبّاء بمنع الحمل الجراحي.

تنبيه : الإمساك عن الحمل والولادة بغير عذر، مرجوح، ففي صحيح محمد بن مسلم(١) عن الصادقعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ( تزوّجوا بكراً

___________________

(١) ص٥٨ نفس المصدر، ولاحظ أقوال المذاهب كلّها في ص٣٨٣ وما بعدها من الإنجاب في ضوء الإسلام.

٨٢

ولوداً، ولا تزوّجوا حسناء جميلة عاقراً ؛ فإنّي أُباهي بكم الأُمم يوم القيامة ).

ثمّ إنّ منع الحمل بلحاظ غايته قد يكون واجباً، وقد يكون حراماً وقد يكون مباحاً أو راجحاً أو مرجوحاً، واليك بعض أقسامه:

١ - يجب منع الحمل على الأُمّ إذا كان الحمل أو الولادة خطراً على حياتها أو على صحّتها إلى حدٍ كبيرٍ.

٢ - منع الحمل لأجل الانفجار السكّاني، كما هو مورد البحث في كثيرٍ من الدول، إمّا واجب وإمّا راجح، والحكم فيه راجح إلى الحاكم الشرعي، بعد الإحاطة الكاملة بالقضيّة وحسن تشخيص الموضوع.

٣ - منع الحمل لعلم الطبيب بان الولد سيكون مجنوناً أو مشوهاً جداً، راجح، ولا دليل على وجوبه.

٤ - منع الحمل بداع عصبيّةٍ دينيّةٍ، بحيث تتحوّل الأقلّيّات غير المسلمة إلى أغلبيّات، أو الأغلبيّات المسلمة إلى أقلّيّات.

وقد حكى طبيبٌ مسلمٌ: أنّه زار مركزاً طبّيّاً في أسيوط من بلاد مصر، حيث إنّ التعداد العام فيه ٥٠ بالمئة مسلمين و٥٠ بالمئة مسيحيين، فهاله بعد رؤية السجلاّت أنّ جميع المعقّمات كنّ مسلمات، وأن الطائفة الأُخرى لديها أوامرها بالتكاثر والنماء.

أقول : وفي المورد ونظائره، يمكن للحاكم الشرعي الحكم بتحريم منع الحمل، رغماً للحكومات الخائنة الفاسقة في البلاد الإسلاميّة.

ثمّ إنّك عرفت أنّه لولا جهة ملزمة فعلاً وتركاً، كان منع الحمل في حدّ نفسه مرجوحاً للحديث المذكور.

٨٣

توضيحٌ طبّيٌّ حول التعقيم

التعقيم عمليّة جراحيّة لا يتناول الشهيّة إلى الجنس، أو القدرة عليه، ولا يعطّل إلا القدرة على الإنجاب.

للرجل قناتان ملويّتان وبالعمليّة تسدّان، وللمرأة قناتا فالوب، وبإغلاقهما يحصل التعقيم.

وأمّا رفع التعقيم بفتح القناتين في الرجل والمرأة، فلا ينجح دائماً المئة في المئة، وربّما يبقى الرجل أو المرأة عقيماً أبداً.

ثمّ التعقيم قد يكون بربط الأنابيب، وقد يكون بقطعها، أو بطرق مختلفة يركّب عليها حلقة من المطّاط، وربّما يحصل بإزالة رحم المرأة، ويشبّهه طبيبٌ مسلمٌ بقتل الذبابة بالرصاص !

ويقول طبيبٌ آخر: إذا كان اللولب يسبّب لها نزيفاً، والحبوب يخشى منها أنّها تخثِّر الدم، فهناك وسائل أُخرى، مثل بعض الأشياء التي توضع محليّاً في المهبل، وإذ وقعت عليها الحيوانات المحليّة قتلت الحيوانات المنويّة، فإذا وضع لها عازل داخل المهبل وزوجها ليس عازلا نسمّيه الكبود، ووضعنا في المهبل بعض هذه الأدوية التي تقتل الحيوانات المنويّة، فيكون فيه ثلاثة خطوط دفاع، أظنّ أنّها في مجموعها يعادل الحبوب وزيادة.

أقول : المشكلة الشرعيّة في هذه المسألة المُبتلى بها اليوم، هي النظر إلى العورة ومسّها، سواء كانا من الطبيب أو الطبيبة، فإنّهما محرّمان، وكذا نظر الطبيب الأجنبي إلى بدن المرأة، ولا ترتفع الحرمة بمجرّد عدم إرادة الزوجين عدم الإنجاب ومنع الحمل، ما لم يكن الحمل - لعلّةٍ من العلل - حرجيّاً وضرريّاً.

٨٤

المسألة الثامنة

أطفال الأنابيب

مقدّمة في تعريف عدم الخصوبة والإنجاب وسببه:

وهو عدم القدرة على الحمل لمدّة سنة على الأقل، مع الاتّصال المنتظم بين الرجل وزوجته، وسبب عدم الإنجاب يشترك فيه الرجل والمرأة، حيث إنّ الرجل يتسبّب في حوالي ٣٠ بالمئة من حالات عدم الإنجاب، والمرأة تسبّب في حوالي ٤٠ بالمئة، وكليهما معاً في حوالي ٣٠ بالمئة(١) .

ومن الأسباب الرئيسيّة لعدم الإنجاب في المرأة هو انسداد البوقين، ويحدث ذلك في حدود ٤٠ بالمئة، ومنذ سنوات بدأت محاولات في التغلّب على مشكلة انسداد البوقين في المرأة بطريقين في نفس الزمن:

أولاً : عمليّة طفل الأنابيب التي نجحت في ١٩٧٨ في انجلترا.

ثانياً : استبدال الأُنبوبة المسدودة بأُخرى سليمة وطبيعيّة ومفتوحة من امرأةٍ أُخرى، وفي عمليّة النقل التي تستغرق ساعات طويلة، يتمّ تغذية الأُنبوبة بالمحاليل بواسطة الأوعية الدمويّة التي تتّصل بها وتغذّيها(٢) .

إذا عرفت هذا فإليك ما ذكره بعض الأطبّاء:

___________________

(١) لا اعتماد على هذه الإحصائيّات غالباً فإنّها تختلف في مكان إلى مكانٍ آخر، ومن زمانٍ إلى زمانٍ آخر بل من شخصٍ إلى شخصٍ آخر، وفي نفس المسألة ادّعى بعض المؤلّفين ما يغاير هذا الإحصاء.

(٢) لاحظ ص٤٥٣ وص ٤٥٤ وص٤٥٦، رؤية إسلاميّة لزراعة بعض الأعضاء البشريّة.

٨٥

الحيوان المنوي والبويضة كذراعي المقصّ كلّ منهما لا يقصّ فإذا اشتبكا كان المقصّ، وكان مكوّناً منهما معاً إذا التحم الحيوان المنوي وبه ٢٣ كروموزوماً، والبويضة وفيها ٢٣ كروموزوماً، إذ الحيوان يمثّل حصّة الأب وهي ٢٣ كروموزوماً، والبويضة تمثّل حصّة الأُمّ وهي ٢٣ كروموزوماً، إذا التحما نتجت خليّة واحدة هي ٤٦ كروموزوماً ٢٣ منها من الأب و٢٣ منها من الأُمّ، هذه الخليّة الواحدة هي بداية الإنسان، أوّل دور تكوين الإنسان وأمام هذه الخليّة بعد هذا أنّها تنقسم إلى ٢، ٤، ٨، ١٦، ٣٢، ٦٤، ١٢٨، وهكذا، وتبتدئ بالتدريج تكون الخلايا منها كبيرة قليلاً، وخلايا صغيرة قليلاً وخلايا متوسّطة، وخلايا طلعت فوق، وخلايا نزلت إلى تحت بالتدريج.

العين لا تلحظ هذا التدرّج، ولكن على مدى شهرين يتكوّن إنسانٌ صغيرٌ.

من الشهر الثالث هذا الانسان الصغير يكبر، ولا يتكوّن فيه شيء جديد بعد، ولكن يكبر.

نقل الجنين من رحم امرأة إلى رحم امرأة أخرى:

إذا كنّا نقول: المرأة يعني أُنثى الإنسان، فالإجابة سلبيّة، لم يمكن إلى الآن نقل جنين من رحم امرأة ؛ لأنّ انتزاع جنين من رحم امرأة سيميت الجنين قطعاً. ولكن إذا بدا تكوّن هذا الجنين في الخارج في أُنبوبة الاختبار، وكان هذا الجنين في أُنبوبة الاختبار من التحام منوي وبويضة من رجل وامرأة، والتحم المنوي والبويضة فتكوّنت الخليّة الوحيدة الواحدة التي بها ٤٦ كروموزوماً، وانقسمت إلى اثنين والاثنين إلى أربع، والأربع إلى ثمان، فالثمانية هذه يمكن أن تودع رحم امرأةٍ أُخرى، ولديها فرص أن تعلق، ويستمرّ الحمل حملاً عاديّاً حتّى يولد، وعندما يولد نقول إنّه طفل أُنبوبة الاختبار.

٨٦

ولكن يبقى أنّ التي ولدته في الحقيقة، ولكن لأنّ تكوّنه، أي بداية اللقاح بين المني والبويضة كان خارج الجسم في أُنبوبة الاختبار ؛ فلذلك يسمّونه طفل أُنبوبة الاختبار.

نقل جنين من أُنثى إلى أُنثى أمكن في الحيوان، فيحضر العلماء النعجة وتُلقّح تلقيحاً صناعيّاً، وحالما تحمل يفتحون بطنها ويشقّون الرحم، وينسلونه ويستخرجون الأجنّة وتوضع في رحم أرنبة، فيمكن أن تعيش فيها وتسافر الأرنبة ويفتحونها مرّةً ثانية بعد مدّة ويأخذون الأجنّة وتوضع في نعجةٍ فتعيش فيها. أمّا في الإنسان فلم يمكن ذلك إلى الآن(١) .

إذا تقرّر ذلك فنرجع إلى بيان أقسام الموضوع، وبيان أحكامها الشرعيّة:

( القسم الاول ) : أن يكون طفل الأُنبوب من الحيوان المنوي للزوج وبييضة الزوجة، فهذا ممّا لا إشكال في جوازه، سواء كانت لنقصٍ في المرأة أو بغير عذر، نعم المانع هو حرمة النظر والمسّ، كما أشرنا إليه فيما سبق فإذا باشره الزوج - مثلاً - فلا إشكال فيه مطلقا.

لا يُقال: الحرمة ترتفع بالضرورة، كما سبق، وعجز المرأة عن الحمل ضرورة.

فإنّا نقول : إنّ مثل هذه الضرورة لا ترفع الحرمة، ولا أقل من كونه مشكلاً.

وعلى كلٍّ، يُلحق الولد بالزوجين، وإن كان النقل لأجل حرمة النظر

___________________

(١) ص٢١٧ الإنجاب في ضوء الإسلام.

وفي إنكاره إمكان نقل جنين إنسان إلى إنسانٍ آخر نظر، ولابُدّ من الانتظار إلى المستقبل، وليس من حقّ العلم والطبيب البحث عن عدم الإمكان.

٨٧

والمسّ محرّماً ضرورة عدم تأثير هذه المحرّمة في صحّة انتساب الولد إلى والديه.

وما حُكي عن الشافعيّة: بأنه لو قذف رجل منيّه إلى الخارج بعمليّة محرّمة ( كالاستمناء )، ثمّ أخذ هذا المني فوضعه في رحم امرأته، أنّهم يرفضون هذا النسب، ضعيف إلى الغاية فلا يُلتفت إليه.

( القسم الثاني ) : التحام الحيوان المنوي مع بيضة امرأةٍ أجنبيّةٍ، ثمّ نقلها من الأُنبوبة إلى رحمها.

أقول : نفس عمليّة الالتحام ليست بمحرّمة، ولم يستشكل أحد في المراحيض المشتركة بين الأجانب والأجنبيّات، كما أنّه لا إشكال في بنك الدم، وبنك المني المشتركين من جهة الاختلاط.

نعم هنا بحث فقهي آخر في الأعضاء المبانة من الإنسان، من جهة جواز النظر إليها ومسّها للجنس المخالف الأجنبي حتّى في مثل شعر المرأة المنفصل عنها، ومن جهة وجوب الغسّل بمسّ القطعة المبانة من الميّت، فلاحظ العروة الوثقى والمستمسك وحدود الشريعة.

وأمّا نقل هذه النطفة إلى رحم الأجنبيّة ( غير الزوجة ) فهو غير جائز، لكنّه لا لأجل صدق الزنا، فإنّه منتفٍ في الفرض جزماً، ودعوى كونه زنا صراح، غلط فاحش، بل لفهم ذلك من بناء الشرع، ولو من ارتكاز المشترعة، وللنصّ الوارد المذكور في المسألة التاسعة الآتية.

ويمكن أن نستدلّ على حرمة العمليّة ( إدخال مني الأجنبي في رحم امرأةٍ بقوله تعالى:( وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ‌ إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ...

٨٨

فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذٰلِکَ فَأُولٰئِکَ هُمُ العَادُونَ‌ ) (١) .

بناءً على عدم الفرق في حفظ الفرج بين الرجال والنساء، وحفظ الفرج مطلقٌ يشمل حفظه عن فرج الآخر ومنيّه.

وكذا قوله تعالى:( وَ الْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحَافِظَاتِ ) (٢) .

لكن في الاستدلال بالآيتين بحثاً، لاحتمال انصرافهما إلى خصوص الزنا ؛ لعدم تعارف نقل المني من غير عمل الزنا في تلك الأعصار حتّى نادراً. على أنّ الآية الثانية ( الأحزاب ٣٥ ) لا تدلّ على الوجوب، إلاّ أن يُدّعى أنّه معلوم من الخارج، وأنّ حفظ الفرج محكوم بالوجوب دائماً. ومنه يظهر الإشكال في الاستدلال على المقام ( حرمة نقل ماء الرجل إلى رحم الأجنبيّة ) بقوله تعالى:( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) (٣) .

على أنّ صحيح أبي بصير(٤) يدلّ على أنّ المراد من الحفظ في الآية هو حفظها عن النظر فقط، ففيه قال الصادقعليه‌السلام : ( كلّ آيةٍ في القرآن في ذكر الفرج فهي من الزنا، إلاّ هذه الآية فإنّها من النظر ). وقريب منه رواية أبي عمر الزبيدي(٥) .

ولكنّ الثانية ضعيفة سنداً، وأمّا الأُولى، وإن كان سندها صحيحاً لكنّ مصدرها - وهو تفسير القمّي - لم تصل نسخته إلى صاحب الوسائل والبحار بطريقٍ معتَبَرٍ، فيشكل الاعتماد على رواياته وذكرنا بحثه في محلّه.

فالعمدة هو ارتكاز المتشرّعة، وما يأتي من الحديث في حرمة

___________________

(١) المؤمنون آية ٥.

(٢) الأحزاب آية ٣٥.

(٣) النور آية ٣١.

(٤) ص١٠١ ج٢ تفسير القمّي وص١٣٠ ج٣ تفسير البرهان.

(٥) ص١٦٦ ج١٥ الوسائل نسخة الكومبيوتر.

٨٩

العمليّة.

وإن استلزمت النظر إلى فرج المرأة ولمسها، فهما محرّمان آخران، فتكون العمليّة محرّمة بثلاث حرمات.

والاعتذار بأنّ زوج مثل هذه المرأة عقيم، باطل فإنّه لا يّعّد ضرورةً تُباح لأجله المحرّمات، وإلا لأباح الزنا في الأعصار المتقدّمة، التي لم ينجح الطبّ إلى هذا الحدّ، فتأمّل.

وأمّا الحكم الوضعي(١) ، فبالنسبة إلى الأمومة، يكون الأظهر صحّة النسب، وأنّ الولد ولدها فإنّها صاحبة البويضة وهي الحامل وهي الوالدة ؛ فيترتّب عليهما جميع أحكام الولد والأُمّ، سوى الميراث، إذ قد يتوهّم أنّه لا يرث، ولا يورث على مذهبنا من عدم إرث ولد الزنا وإيراثه، لكنّه توهّمٌ خاطئ، إذ لا يمكن إحرازهما غالباً ولا يحصل العلم بها، والمفروض أنّ عنوان الزنا لا يصدق على المقام جزماً، فلا مانع من التوارث.

وأمّا بالنسبة إلى الأُبوّة، فإن اشتبه الحال بين استناد الولد إلى الزوج

___________________

(١) الاعتبار الشرعي إن كان فيه بعث أو زجر، فهو المسمّى بالحكم التكليفي: كالوجوب والحرمة والاستحباب والكراهة، وإن لم يكن فيه بعث وزجر، فهو الحكم الوضعي: كالجزئيّة والشرطيّة، والسببيّة والضمان، والصحّة والبطلان، والأُبوّة والأُمومة، والأُخوة والولديّة، وأمثال ذلك، وإن رتّب عليها حكم تكليفي آخر.

وهل الحكم الوضعي مجعول مستقلّ، أو هو منتزع من الحكم التكليفي، أو فيه تفصيل ؟ فيه بحث طويل مذكور في أُصول الفقه.

وعلى كلٍّ، ليس المراد بالحكم الوضعي هنا الأحكام العرفيّة غير الشرعيّة.

٩٠

الأجنبي فالولد ولد الزوج ؛ لقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الولد للفراش وللعاهر الحَجَر )(١) ، وإن لم يشتبه الحال بل علم أنّ الولد من نطفة الأُنبوبة المفروضة أنّها من الأجنبي - كما إذا كان الزوج غائباً، أو علم عدم قربه منها وإن كان حاضراً، أو كانت المرأة خليّة غير مزوّجة - فلا مورد هنا للحديث ؛ لاختصاصه بفرض الشكّ، كما يأتي في المسألة الآتية.

وليس الحديث وارداً في إلحاق ولد الغير بالزوج، فإنّه ظلم وباطل لا يقبله ارتكاز المتشرّعة.

ويمكن أن يُقال: إنّ النطفة إذا لم تستقرّ في رحم المرأة بعقدٍ صحيحٍ شرعيٍّ، لا يُنسب الولد إلى صاحبها، ولا يصحّ النسب بها، كما ربّما يظهر من كلمات بعض الفقهاء(٢) .

لكنّها دعوى غير مدلّلة، فإنّ المتيقّن أنّ ولد الزنا لا يرث ولا يورث شرعاً، وأمّا أنّه ليس بولد، فهذا لا دليل عليه، بل هو ولد عرفاً وحقيقةً، ولم يثبت اصطلاح خاصّ للشرع في الولد، فالحقّ أنّ الرجل في المقام أب ووالد والولد ولده، ويترتّب عليهما جميع أحكام الأبوّة والبنوّة، حتّى الميراث بعد عدم صدق الزنا في المقام.

وبالجملة : لا فرق بين الرجل والمرأة في صدق الوالدين عليهما.

( القسم الثالث ) : نقل البييضة الملقّحة - سواء كانت من الزوجين كما في القسم الأول، أو من غيرهما كما في القسم الثاني، إلى الرحم امرأةٍ غير صاحبة البييضة، سواء كانت مزوّجة أو خليّة.

وحكمه التكليفي والوضعي يُفهم ممّا ذكرنا في القسم الثاني، بلا فرق

___________________

(١) لاحظ ج١٩ و٢١ و٢٦ من الوسائل نسخة الكومبيوتر، وسيأتي - أيضاً - بيان المصادر في المسألة الآتية.

(٢) الفقه لاحظ ص٢٠٦ ج ٦٤.

٩١

سوى تعيين الأُمّ، وأنّ هذا الولد يُنسب إلى امرأةٍ ولدته أو إلى صاحبة البييضة، إذ فيه قولان:

القول الأوّل : إنّ أُمّ الولد هي صاحبة البييضة، فإنّ أصل الولد منها، وسوف يرث خصائص البييضة، وصاحبة الرحم لا تعطيه إلا غذاءً كالمرضعة، ولا تعطيه أيّ توريثٍ لأيّ صفةٍ وراثيّةٍ.

أقول : لا دليل قاطع على عدم تأثير الرحم في حال الجنين وإيراثه الخصائص، فربّما يقف الطبّ غداً أو بعد غدٍ عليه، بل يقول بعض الأطبّاء(١) : إنّ الولد في الحقيقة بصرف النظر عن أصل البويضة، ليس فقط نتاج الكروموزمات الوراثيّة، فقد ثبت طبّيّاً الآن - وهو الاتجاه الطبّي الجديد - إن الإنسان نتاج العوامل الوراثيّة وتفاعلها مع البيئة المحيطة، وأشدّ هذه البيئات التصاقا به هو رحم أُمّه، فبصرف النظر عن الكروموزومات التي تحمل الشفرة الوراثيّة، إلاّ أنّ هذا السلوك الوراثي يتأثّر بالبيئة...، فيمكن أن يكون الطفل يحمل كروموزومات المبيض الأصل الذي استنبط منه، ولكنّ وجوده وتكوّنه وتغيّره صحيّاً وجسميّاً - وقد يكون والله أعلم نفسيّاً - متأثّر بالرحم الذي حمل فيه...

أقول : لا بُعد في صحّة القول الثاني، وأنّ الأُمّ هي الحامل الوالدة ؛ استناداً إلى ظاهر آيات قرآنيّة، كقوله تعالى:

( وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ ) (٢) ، وقوله تعالى:( حَمَلَتْهُ أُمُّهُ کُرْهاً وَ وَضَعَتْهُ کُرْهاً ) (٣) ، وقوله تعالى:( وَ اللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ ) (٤) ، وقوله تعالى:( إنّ

___________________

(١) ص٣٢١ وص٢٣٢ الإنجاب في ضوء الإسلام.

(٢) النجم آية ٣٢.

(٣) الاحقاف آية ١٥.

(٤) النحل آية ٧٨.

٩٢

أُمَّهَاتُهُمْ إِلاّ اللاّئِي وَلَدْنَهُمْ ) (١) ، هذه الآية الأخيرة لمكان حصرها، أوضح دلالةً من غيرها على المطلوب.

ولعلّ متوهّماً يتوهّم أنّ المراد بالحصر المذكور، إنّما هو بالنسبة إلى الأزواج المظاهرين لا بالنسبة إلى مثل المقام، لكنّه غفل من أنّ ذلك لا يمنع عن الأخذ بإطلاقه الشامل للمقام، وقد تقرّر في محلّه أنّ المورد غير مخصّص ولا مقيَّد، والعبرة بالظهور عند العقلاء.

ولازم ذلك : جواز الزواج بين صاحبة البويضة والولد، ولا مجال لإلحاقها بالمرضعة في التحريم، حتّى وإن تمّت أركان القياس، فإنّه باطل في فقه الأماميّة، نعم الاحتياط الشديد ترك مثل هذا الزواج، كما أنّ لازم القول الأول جواز الزواج بين الولد والوالدة، إذا لم يشرب من لبنها بمقدارٍ معتَبَرٍ في التحريم، ودعوى كونها كالمرضعة، باطلة.

وبقي أمرٌ آخر وهو أنّ إسقاط مثل هذا الحمل، هل يجوز للحامل، وكذا لزوجها - إذا كانت متزوّجة - ؟

أقول : إذا كانت الحامل غافلة أو نائمة أو مكروهة ومقهورة، في انتقال النطفة، فلا يبعد لها جواز الإسقاط وكذا لزوجها ؛ لأنّ هذا من حقوقهما، والنصّ الآتي على حرمة الإلقاء منصرف عن هذه الصورة ؛ ولأنّه ضررٌ وحرجٌ نفسيٌّ وإهانة لهما.

نعم إذا أقدمت المرأة على ذلك عمداً، أو عصيانا، فيشكل جواز إسقاطه لها وكذا الزوج، فلاحظ.

وهذا الحكم يجري في القسم الثاني أيضاً.

هذا كلّه قبل أن تلج الروح في الجنين، وأمّا بعده فلا يجوز بحالٍ ؛ لما مرّ.

___________________

(١) المجادلة آية ٢.

٩٣

( القسم الرابع ) : نقل النطفة من الزوجين إلى زوجةٍ أُخرى لهذا الزوج، بأن تكون إحداهما لها مبيض وليس لها رحم - مثلا - والأُخرى لها رحم ولا تعطي بيضة.

أقول : أمّا الحكم الوضعي فأبوّة الزوج ممّا لا نقاش فيه، كما أنّ مقتضى ما مرّ من الاستدلال بظاهر الآيات هو أُمومة الحامل الوالدة، دون صاحبة البويضة، ويُفهم حكم جميع صور هذا القسم ممّا سبق، وإنّما الكلام في حكمه التكليفي، وأنّ العمل المذكور جائز أم حرام ؟

قد يكون احتمال الحرمة من جهة رجوع هذا العمل إلى المساحقة المحرّمة في المعنى، ولكنّه ممنوعٌ جدّاً.

وقد يكون الادعاء: فهم مبغوضيّة العمل المذكور - إي إقرار مني امرأةٍ في رحم امرأةٍ أُخرى - من مذاق الشرع، وإن لم يدلّ دليلٌ لفظيٌّ على حرمته، لكنّها إن ثبتت في حدّ نفسها فهي في المقام غير معلومة، خصوصاً إذا فرضنا الزوجتين غافلتين، وكان القائم بالعمليّة هو الزوج، فلعلّ المتمسّك بأصالة البراءة غير ملوم.

وقد يكون من جهة عدم رضا بعض الثلاثة بالعمل المذكور، وصور الموضوع تسعة، تحصل من قيام بعضهم مستبدّاً بنقل النطفة ورضا الآخرين، وكراهتهما أو كراهة أحدهم.

ومحصّل الكلام : أنّه لا يجوز قيام صاحبة البويضة بنقل النطفة، مستبدّة مع كراهة ضرّتها الحامل والزوج، فإنّ عملها تصرّف من دون رضاهما، وإيذاء للحامل وابتلاء بمشقّة الحمل والولادة، وهو حرام، بل للحامل إسقاطه قبل ولوج الروح ؛ لِمَا مرّ.

٩٤

وأمّا قيام الزوج بالعمليّة مع كراهتهما أو كراهة احديهما ففيه احتمالان: وجه الجواز دعوى أنّ المفهوم من مجموع ما ورد في باب النكاح أنّ للزوج حقّ الاستيلاد ولو من دون إذن الزوجة، ويؤيّده قوله تعالى( الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ ) ، ووجه الحرمة أنّ المتيقّن من حقّه ما إذا كانت البييضة من الحامل الوالدة، لا في مثل مفروض البحث فإنّ حقّه غير محرز.

وأمّا قيام الحامل بها مع كراهة صاحبة البيضة، فلا يبعد عدم جوازه ؛ لأنّ تصرّفها في البييضة مع أنّها حقّ صاحبتها غير جائز، إذ التصرّف في حقّ الغير كالتّصرّف في مال الغير حرام.

وهذا الحكم جارٍ بالنسبة إلى استبداد الزوج وتصرفّه فيها دون رضى صاحبتها به.

وأمّا إذا رضيتا، ولكنّ الزوج كارهٌ، ففيه وجهان: وجه الجواز أنّ للمرأة الحمل والولادة وإن لم يرض بهما الزوج، ووجه الحرمة دعوى عدم ثبوت هذا الحقّ لها، ويؤيّده جواز العزل له وإن كرهته الزوجة، لكنّ الحرمة غير ثابتة، كما لا يخفى على المتأمّل، والحقّ المذكور ثابت لها ولا ينافيه جواز العزل له.

ونظير المقام ما إذا هيّجت الزوجة شهوة زوجها ثمّ جامعته بقصد الاستيلاد على كراهة زوجها بالولد، ولم أجد نصّاً يتعلّق بالمقام، بل لا أذكر مَن تعرّض له في الفقه.

( القسم الخامس ) : نقل نطفة الزوجين إلى الزوجة كما في الفرض الأوّل، لكن بعد وفاة زوجها.

ويمكن أن تُوخذ بييضة أو أكثر من حيوانٍ منويٍّ من الزوج، ويُستعان باثنين في الشهر الأوّل، ويوضع الباقي في ثلاّجة يجمد إلى فترة بعد سنة أو سنتين، أو يمكن حتّى بعد وفاة الزوج، ويمكن أن توضع

٩٥

هذه الأجنّة مرّةً أُخرى في الرحم(١) .

أقول : في المقام مطالب:

( الأوّل ) لا يبعد بطلان الزوجيّة او انتهائها بموت أحد الزوجين، فإنّ المفهوم حسب المتفاهم العرفي قيامها بالأحياء دون الأموات، ولا بين الأحياء والأموات، فالميّت كان زوجاً لا أنّه بالفعل زوجٌ للحيّ أو الحيّة، وعليه فلا مجال لاستصحاب بقاء الزوجيّة، لعدم بقاء الموضوع.

وأمّا ما ورد من جواز غسل كلّ منهما للأخر إذا مات، والنظر إليه، فمع الغضّ عن تعارضه بغيره، لا يُستفاد منه بقاء الزوجيّة، فإنّه حكم تعبّدي نلتزم به، كما نلتزم بولاية الزوج على زوجته الميّتة، لأجل النص.

والذي يؤكّد أو يدلّ على ما ذكرنا، استنكار المتشرّعة وطء الزوج زوجته الميّتة، بل أرسل بعض الفقهاء حرمته إرسال المسلّمات، وتجويز بعض المعاصرين وطئها كأنّه ناشٍ عن التعجيل في التأليف.

ويدلّ على بطلان الزوجيّة بموت أحداهما نكاح الخامسة فور موتها، أو تزويج أُختها، فتدبّر ولاحظ ص٣٢٧ ج٢ من كتابنا حدود الشريعة، حول حكم وطء الزوجة الميّتة.

( الثاني ) : بناءً على بطلان الزوجيّة، لا يجوز نقل تلك النطفة إلى رحم الزوجة بعد موت زوجها إلا بناءً على الاستصحاب التعليقي الذي لا نقول به.

ويُلحق بموت الزوج في الحكم طلاق الزوجة، بل الحكم فيه أظهر، ولا يبعد جوازه للزوج في العدّة الرجعيّة، فهو منه رجوع.

___________________

(١) لاحظ ص١٩٤ وص١٩٥ وص١٩٩ الإنجاب في ضوء الإسلام.

٩٦

( الثالث ) : وأمّا الحكم الوضعي، فالولد ولدهما كما عرفت وجهه، لكن في إرثه من أبيه الميّت إشكالاً، بل ذكر بعض المعاصرين: نعم الظاهر المستفاد من النصوص، بل وفتاويهم: لزوم أن يكون الحمل حال حياة الأب في إرثه منه... فلا يرث مثل هذا الولد(١) ، نعم لامانع - ظاهراً - أن يرث هذا الولد من أقرباء أبيه إذا ماتوا بعد استقراره في الرحم للإطلاق.

وأمّا إذا فرضنا أنّه نما في الأُنبوبة، وولد خارج الرحم، ففي كونه ولداً لصاحب البيضة إشكال أو منع ؛ لقوله تعالى:( إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ ) وما ذكره بعض المعاصرين من نفي البُعد في إرثه من الأُمّ، وأقربائها لصدق الولد محجوج بالآية الكريمة، وحمل الولادة في الآية على ما يعمّ حياة الولد في الأُنبوبة خلاف الظاهر جدّاً.

نعم، لا مانع من كونه ولداً بالنسبة إلى الأب كما مرّ، لكنّ في إرثه منه إذا مات الأب قبل حياته التامّة خارج الأُنبوبة، إشكالا، لعدم صدق الحمل عليه، وهو الموضوع، أو الشرط للميراث.

نعم إذا لم تُقسّم التركة لمانعٍ، أو لعدم وارثٍ آخر، فخرج ولد الأُنبوبة حيّاً لا بُعد في إرثه من تركة أبيه، والله أعلم بحقيقة أحكامه.

بقي في المقام أمران

١ - قال بعض الأطبّاء: البويضة المخصبة هي التقاء الحيوان المنوي بالبويضة، وهذا يحدث في الجزء الوحشي من الأُنبوبة، ثمّ بعد ذلك تتّجه نحو الرحم وتتكوّن منها العلقة، وبعد ذلك يحدث الاندغام، والاندغام هذا هو الحمل، ولذلك التعريف العلمي للحمل هو اندغام البويضة المخصبة

___________________

(١) ص١٤٨ ج٨٢ الفقه.

٩٧

الحيّة في أنسجة حيّة(١) .

أقول : وقبول هذا بالنسبة إلى الأحكام الشرعيّة محتاج إلى تأمّل.

٢ - نقل عن جريدة فرنسيّة: أنّه وضع الأطبّاء بويضة ملقّحة في رحم قردة تنمو، وقالوا: إنّ هذه العمليّة لم تنجح، ولكن عدم نجاحها لا يعود إلى استحالتها علميّاً، ولكن لبعض أخطاء وقعت، وسيعيدون العمليّة.

أقول : وذكرت بعض النشريّات اليوميّة: أنّ أحداً من أهالي قرية صغيرة قرب ماسكو، جامع خنزيرةً فأولدها مولوداً يشبه الخنزير، في بعض مظاهر بدنه والإنسان في بعضها الآخر.

وبالجملة : إذا وُلد مولود من ماء إنسانٍ وحيوان، سواء بالجماع أو بوسيلة طبّيّة، وكذا إذا نقلت البيضة المخصبة من إنسانين في رحم حيوان، أو من حيوانين في رحم إنسان فولد مولود، فما هو حكمه ؟

أقول : إذا ولد مولود إنساناً بدناً ونفساً فيجري عليه حكم الإنسان، وإن شبه الحيوان في بعض أجزاء بدنه، ويترتّب عليه أحكام النسب بالإضافة إلى الإنسان، إمّا مطلقا كما في فرض وساطة الآلات الطبّيّة، أو في غير الميراث، كما في فرض الزنا على ما سبق بيانه، نعم في فرض تولّده من حيوان أُنثى لا تثبت أُمومة صاحبة البييضة في حقّه.

وإذا كان حيواناً فلا يترتّب عليه أحكام الإنسان، وكذا إذا شكّ في كونه إنساناً أو حيواناً، فلاحظ - وتأمّل.

وأمّا إذا كان إنساناً روحاً وحيواناً بدناً، ففي مثل ذلك لابُدّ من الاحتياط، فلا يجوز قتله وإيذائه، وغصب ماله، للإطلاقات، كقوله تعالى:

___________________

(١) ص٣١٢ الحياة الإنسانيّة بدايتها ونهايتها.

٩٨

( مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ... ) (١) ، وغيره، بل يُحتمل شموله لإطلاقات أدلّة الحدود والقصاص.

ودعوى انصراف الإطلاقات عن مثل هذا الفرد الشاذّ ضعيفة، فإنّها - كما ذُكر في أُصول الفقه - تشمل الأفراد الشائعة والنادرة كمن له رأسان، مثلا، والمسلّم بطلان اختصاص المطلقات بالأفراد النادرة.

وأمّا بالنسبة إلى نكاحه - ذكراً كان أو أُنثى - فلا يجوز بحسب الاحتياط، والله العالم.

وأمّا إذا كان إنساناً بدنا وحيواناً فكراً، ففي إلحاقه بالإنسان أو بالحيوان إشكال.

ويقول الشهيد الثانيرحمه‌الله في بحث نجاسة الكلب والخنزير: وما تولّد منهما وإن باينهما في الاسم ( نجس )، وأمّا المتولّد من أحدهما وطاهر فإنّه يتبع في الحكم الاسم ولو لغيرهما، فإن انتفى المماثل فالأقوى طهارته، وإن حرم لحمه للأصل فيهما، انتهى كلامه.

أقول : في الحيوان يكفي صدق الاسم عرفاً، وأمّا في الإنسان فلابُدّ من العلم بتحقّق روحه. ثمّ إنّ في حكم الشهيدرحمه‌الله بنجاسة المتولّد منهما مع تباين الاسم إشكال، وكذا في كون الأصل في اللحوم هو الحرمة، وليس هنا موضع بحثه.

___________________

(١) المائدة آية ٢٣.

٩٩

المسألة التاسعة

إقرار المنيّ في رحم الأُنثى الأجنبيّة

قد يكون ذلك بالطريق المعتاد، فهو الزنا المحرَّم كتاباً وسنةً وإجماعاً، بل ضرورة من الدين.

وقد يكون بالوسائل الحديثة الطبيّة من دون المباشرة، كما إذا فرّغ الرجل منيّه(١) في ظرفٍ خاصٍّ، فتدخلهُ امرأة بوسيلة الإبرة ونحوها في رحم امرأةٍ، من دون النظر إلى فرجها، فضلاً عن مسّه إذا أمكن ذلك.

والكلام تارةً في حكمه التكليفي، وأُخرى في حكمه الوضعي.

أمّا الأوّل، فلا أظن خلافاً بين الفقهاء في كونه هو الحرمة، لا لأجل أنّه زنا، فإنّه مكابرة وزوراً وليس بزنا جزماً، بل بعنوان إدخال المنيّ في رحم أجنبيّة وإقراره فيه. وكما يحرم ذلك على الرجل يحرم قبوله على المرأة أيضاً.

ففي حديث علي بن سالم عن الصادقعليه‌السلام المروي في الكافي ( ج٥ ص٥٤١ )، قال:

( أشدّ الناس عذاباً يوم القيامة رجل أقرّ نطفته في رحمٍ يحرم عليه ).

ورواه البرقي في محاسنه، والصدوق في عقاب الأعمال.

وفي حديث الفقيه المرسَل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله :

( لن يعمل ابن آدم عملاً أعظم عند الله عزّ وجلّ من رجلٍ قتل نبيّاً، أو هدم الكعبة التي جعلها الله قبلةً لعباده، أو أفرغ مائه في امرأةٍ حراماً ).

وهذا الحديث ينهى عن إفراغ المنيّ في مطلق بدن المرأة دون

___________________

(١) سواء كان إفراغه حراماً كما في الاستمناء، أو حلالاً كما في فرض ملاعبة الزوج مع زوجته.

١٠٠