أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان0%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: الصفحات: 595
المشاهدات: 150042
تحميل: 11574

توضيحات:

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 150042 / تحميل: 11574
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وبذلك يكون تشيّع أهل الحديث في الكوفة أعمّ من الولائي والفضائلي، ولأجل هذا لم نَرَ أسماء بعض هؤلاء الذين حسبوا على الشيعة في كتب رجال الشيعة. وعليه فإنّ تشيّع أهل العراق كان أعمّ من تشيع أهل قمّ الذي كان ولائيّاً خالصاً، بمعنى أنّهم كانوا يقولون بعصمة عليّ والأئمّة الأحد عشر من أولاده ومن أولاد رسول الله، ولا يرتضون أن يخالطهم من يخالفهم في العقيدة.

نعم، قد اشتهر القمّيّون بتصلّبهم في العقيدة وتشدّدهم على كلّ متهّم بالانحراف عنها، وقد توجّهوا في العصور الأُولى إلى التأليف في أحوال الرواة، واضعين أصول علم الرجال والدراية انطلاقاً من تلك الشدة حتى لا تختلط مرويّات المنحرفين والمتّهمين بمرويّات الموثوقين من الشيعة، المعتدلين في تشيعهم وعقائدهم.

فكانوا هم من أوائل الجهابذة الذين رسموا أصول علم الرجال الشيعي، ولو رجعت إلى ترجمة محمد بن أحمد بن داود (ت ٣٦٨ هـ) في (الفهرست) للشيخ الطوسى لرأيته قد ألفّ كتاباً في الممدوحين والمذمومين(١) ، وهو من القميين.

وهناك كتاب آخر للقميين في علم الرجال وهو للبرقي يسمى: (برجال البرقي)، وهذا الكتاب سواء كان لأحمد بن محمد البرقي (ت ٢٧٤ هـ)، أو لأبيه محمد بن خالد البرقي، أو لابنه عبد الله بن أحمد، فكلّهم قد عاشوا قبل الكشّي (المتوفَّى في النصف الأول من القرن الرابع الهجري)، والنجاشي (ت ٤٥٠ هـ)، والشيخ الطوسي (ت ٤٦٠ هـ)، وابن الغضائري (ت ٤١١ هـ)، ومحمد بن الحسن أبي عبد الله المحاربي(٢) ، وغيرهم ممّن نص أصحاب الفهارس على أنّهم ألّفوا في أحوال الرجال في القرن الثالث أو الرابع الهجري.

____________________

(١) الرجال للنجاشي: ٣٨٤ / ت ١٠٤٥، الفهرست: ٢١١ / ت ٦٠٣.

(٢) الرجال للنجاشي: ٣٥٠ / ت ٩٤٣.

٨١

وبعد هذا لنا الآن أن نتساءل: لو كان هذا هو وضع بغداد وقم عقائدياً، فكيف يمكن أن ننسب الغلوّ والتفويض إلى البغداديين؟! مع ما عرفنا عنهم من أنّهم أقرب إلى العامّة مكاناً وفكراً، وذلك لمخالطتهم لأفكار المعتزلة والمرجئة وغيرها من الأفكار السائدة آنذاك في بغداد.

وفي المقابل كيف يمكننا تصوّر التقصير في أهل قمّ؟! مع وقوفنا على كثرة المرويّ من قِبَلِهِمْ في مقامات الأئمّة، واهتمامهم المفرط بالأخذ عن الثقات. والتعريفُ بكتاب(بصائر الدرجات) لمحمّد بن الحسن بن فروخ الصفار القمّي (ت ٢٩٠ هـ) من أصحاب الإمام العسكري، كاف لإعطاء صورة عن المنزلة المعرفيّة لأهل قمّ، إذ قد يتصور أن فكرة الغلوّ والتفويض هي أقرب إلى القميين من البغداديين، وذلك لوضوح الارتفاع في مروياتهم عن الأئمّة، في حين أنّ الأمر ينعكس فيما يقال عن البغداديين أو قُل: عن غير القميين أنّهم غلاة !!

فقد ذكر الصفار في كتابه أحاديث كثيرة فيما أخذ الله من مواثيقَ لأئمّة آل محمد(١) ، وأن رسول الله والأئمّة يعرفون ما رأوا في الميثاق(٢) ، وأنّ الله خلق طينة شيعة آل محمد من طينتهم(٣) .

وقد روى كذلك ١٦ حديثاً في أنّهم يعرفون رجال شيعتهم وسبب ما يصيبهم، و ١٢ حديثاً في أنّهم يحيون الموتى و يبرءون الأكمه والأبرص بإذنه تعالى، و ١٩ حديثاً في أنّ الأئمّة يزورون الموتى وأنّ الموتى يزورونهم، و ١٤ حديثاً في أنّهم يعرفون متى يموتون و يعلمون ذلك قبل أن يأتيهم الموت.

وفي علم الإمام بمنطق الطير والحيوانات ذكر الصفار ٤٣ حديثاً(٤) في ثلاثة

____________________

(١) بصائر الدرجات: ٩٩ / الجزء الثاني / الباب: ١١.

(٢) بصائر الدرجات: ١٠٠ / الجزء الثاني / الباب: ١٢.

(٣) بصائر الدرجات: ٣٦ / الباب: ٩.

(٤) انظر الجزء السابع الباب ١٤ و ١٥ و ١٦ من صفحة ٣٤١ إلى ٣٥٤.

٨٢

أبواب، كان لأحمد بن محمد البرقي ١٦ حديثاً منها.

وأنّ الأعمال تعرض على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله والأئمةعليهم‌السلام أحياءً كانوا أم أمواتاً(١) ، إلى غيرها من الأخبار الدالة على المكانات العالية للأئمّة.

إنّ رواية هكذا أحاديث معرفيّة في العترة المعصومة عن رواة من أهل قمّ يؤكد بأنّهم كانوا مستعدّين لتقبل مقامات الأئمّة ونقلها وروايتها، وأنّ ما رواه أحمد بن محمد البرقي عن مشايخه ليؤكّد على تقبّل القميين لمثل هكذا أخبار، وأنّها ليست بغلوّ في اعتقادهم، وهو الآخر يوضّح بأنّ إخراج أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري لأحمدَ بن محمد بن خالد البرقي لم يكن لما طرحه من عقائد في كتابه بل لأمور أخرى، كالقضايا السياسية المطروحة آنذاك، ولظروف التقية القاهرة التي كانت تحيط به والتي سنوضح بعض معالمها لاحقاً ولكونه هو الوحيد في مشايخ قمّ الذي كان له ارتباط مع السلطان(٢) ، وأن ابن عيسى بارتباطه بالحاكم كان يريد تقديم خدمة شرعية جليلة لمدينة قم، وقد حققها بالفعل.

والمطالع بمقارنة بسيطة بين كتاب(بصائر الدرجات) للصفار و(المحاسن) للبرقي يقف في كتابالبصائر على روايات أشدّ ممّا فيالمحاسن ، فلماذا يُطرَدُ أحمدُ بن محمد بن عيسى الأشعريُّ أحمد بن محمد البرقيَّ ولا يطرد الصفارَ الّذي روى عن البرقي؟ لا يمكن الجواب عن ذلك إلاّ بما قلناه الآن وبما سنوضحه لاحقاً.

إنّ رواية القميّين أحاديث عن المفضّل بن عمر، ومحمّد بن سنان، وسعد الإسكاف، والنوفليّ المتهّمين بالغلوّ والتفويض بجنب الرجال الذين لا كلام فيهم من أصحاب الأئمّة، ليؤكّد أنّهم لم يختلفوا مع تلك الروايات وما جاء فيها

____________________

(١) انظر الجزء التاسع الباب ٤ و ٥ و ٦ و ٧ و ٨ و ٩ و ١٠ من صفحة ٤٢٤ إلى ٤٣٨.

(٢) فهرست مصنفات أصحابنا المعروف برجال النجاشي: ٨٢ / ت ١٩٨، خلاصة الأقوال، للعلاّمة: ٦٤/ ت ٦٧.

٨٣

من أفكار، بل إنّ اختلافهم كان لأصول رسموها لأنفسهم في الجرح والتعديل انطلاقاً من تشدّدهم المبرّر للحفاظ على تراث المذهب، أو لظروف التقية التي كانوا يعيشون فيها. وبعبارة أخرى: خاف علماء قم من نشر الروايات التي يعسر فهمها على غير العلماء حتى لا تترتب مفاسد علمية وعقائدية في المجتمع الشيعي، لأن إساءة فهم هذه الروايات، قد يستغل من قبل أعداء المذهب للطعن فيه.

إذن، المنع لم يكن لبطلان تلك الأخبار أو لمخالفتها لأصول المذهب، بل كان لإعلانها والجهر بها بين عامة الناس، أو لمخالفتها لأصول لا يفهمون أبعادها فيسيئون فهمها؛ ولأجل ذلك ترى المحدثين كالصدوق والكلينيرحمهما‌الله لم يتداولها بشكل واسع في مصنفاتهم وانحسرت ببصائر الدرجات وأمثال ذلك في العصور اللاحقة.

وعليه فإن أحمد بن محمد بن عيسى الأشعريَّ لما أعاد البرقيَّ أراد أن يوقفنا على أنّ الأُصول التي ابتنى عليها كانت شديدة متشددة، أو أن الظروف التي دعته إلى إقصاء البرقي وطرده قد ارتفعت، فقد ذكر السيّد بحر العلوم فيرجاله (١) والخوانساري فيالرّوضات (٢) أن الأشعري مَشى حافياً في جنازة البرقي كي يَغْسلَ ما اقْتَرَفَهُ من ذنب في حقّه؛ وغرضه من ذلكقدس‌سره توثيق البرقي حتى لا تضيع رواياته التي هي معتمد المذهب؛ وفي الوقت نفسه التأكيد على حرصه على المذهب وخوفاً من إساءة فهم النصوص أو استغلالها من قبل المغرضين، فإنهرحمه‌الله أراد التأكيد على أمرين معاً:

١ - وثاقة البرقي.

٢ - حرصه على المذهب وخوفه من إساءة فهم نصوصه من قبل المغرضين والجاهلين.

ولأجل ذلك لم تره يطرد أمثال الصفار، بل اقتصر طرده على أمثال البرقي، ثم رجوعه عن ذلك، كل ذلك من أجل

____________________

(١) الفوائد الرجالية ١: ٣٣٩.

(٢) روضات الجنات ١: ٤٤ - ٤٥ وهو في خلاصة الأقوال: ٦٢ / القسم الأول ت ٧٣.

٨٤

الحيطة والحذر على رواياتنا وأحاديثنا.

كلّ هذا يدعونا لأن نقف وقفةَ متأمِّل على غرار أصحابنا الرجاليين في أحكام القميين على الرواة والرواية، وأن أحكامهم كانت مقطعية ولم تكن استمرارية لكلّ الأزمان، ونحن بعملنا هذا نريد أن ننتزع بعض تلك الأصول المتبنّاة عندهم، ولا نريد أن نقول إنّها عامة وجارية في كلّ المجالات، لأنّهم وحين جرحهم لأولئك الأُناس تراهم يذكرون العلة التي جرحوهم من أجلها، كالغلوّ، أو روايته عن الضعفاء، أو اعتماده المجاهيل وغيرها، فلنا أن نسأل عن تلك الجروح: هل هي جارحة حقاً أم لا؟ وما هو مدى اعتبارها، وهل هي أُصول معتبرة عندنا اليوم أم أنّها متروكة؟

و إنما قدمنا هذا الكلام وأشرنا إلى هذه البحوث، لنقف من بعد على بعض ملابسات كلام الشيخ الصدوقرحمه‌الله الآتي، وما يمكن أن يكون مستند القميين في جروحهم، ولكن قبل كلّ شيء لابدّ من الإشارة إلى متبنى المدارس الفكرية في المجتمعات الإسلامية ومنها الشيعية الإمامية.

فهناك مدرستان عند الشيعة الإمامية:

١ - مدرسة العقل، وهي المدعومة غالباً بالنقل، فقد تواجدت في بغداد المعتزلة وتكاملت على يد الشيخ المفيد والسيّد المرتضى والشيخ الطوسيرحمهم‌الله ومنه انتقلت إلى النجف، والحلة، وجبل عامل.

٢ - مدرسة النقل، وهي التي تأسست في المدينة المنورة لتنتقل إلى بغداد الأشاعرة وقم المحدِّيثين، وكربلاء الأخبارية في عهد الشيخ أحمد الأحسائي والشيخ يوسف البحراني وأمثالهم، ثم تحولها إلى الأصولية في عهد الوحيد البهبهاني وصاحب الرياض وأمثالهم.

وبما أن بحثنا يرتبط بشيء وآخر بالمحدّثين والمتكلمين، فلابد من توضيح أمر يتعلق بالمحدثين من الشيعة والسنة كذلك، وأنّهم على قسمين:

٨٥

قسمٌ: قصدوا حفظ الشرع بمعرفة صحيح الحديث من سقيمه، ولذلك رحلوا إلى الأمصار في سماع الحديث وجمع طرقه وطلب الأسانيد العالية فيه، دون التفقّه فيما يخالفها وكيفيّة الجمع بين الروايات.

وقسم آخر: المتفقهة، وهم الذين أضافوا إلى جمع الحديث التدبّر فيه ومقايسته مع الأحاديث الأُخرى وعرضه على القرآن الحكيم للوقوف على وجوه الجمع والتأويل فيها.

وقد يسمّى القسم الأوّل من هؤلاء المحدّثين ب:"الحشوية"؛ لأنّهم لا يتدبّرون في المتون بقدر ما يتدبّرون في الأسانيد، وقد يطلق على هؤلاء أحياناً:"المقلّدة" و"أصحاب الحديث" و"الأخباريون" ، علماً بأنّ لفظة (الحشوية) أُطلقت أوّلا على المحدثين من العامّة وخصوصاً الحنابلة منهم(١) و إن سعى ابن تيمية لإبعاد هذا اللقب عنهم(٢) ، لكنه لم يوفق في عمله ثم أُطلقت في الزمن المتأخرّ على بعض محدّثي الشيعة، لروايتهم أحاديث في التشبيه والتجسيم، أو لنقلهم أحاديث ضعيفة في مسألة تحريف القرآن(٣) ، أو لنقلهم الغثّ والسمين والذي عبّر عنهم الشيخ المفيد: أنّهم ليسوا بأصحابِ نظر وتفتيش، ولا فكر في ما يروونه ولا تمييز(٤) .

وقال أيضاً في رسالة(عدم سهو النبي) : فليس يجوز عندنا وعند الحشوية المجيزين عليه السهو أن يكذب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّداً ولا ساهياً(٥) .

____________________

(١) انظر على سبيل المثال: البرهان في أصول الفقه، للزركشي ١: ٣٩٢، التحفة المدنية في العقيدة السلفية: ١٦٤، الوافي بالوفيات ٢٧: ١٩٢، الدارس ١: ٢٠١، منادمة الأطلال: ١٠٠.

(٢) انظر مجموع الفتاوى لابن تيمية ٣: ١٨٦، العقود الدرية في مناقب شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، للمقدسي: ٢٥٤.

(٣) الذخيرة في علم الكلام للسيّد المرتضى: ٣٦١.

(٤) هذا هو كلام الشيخ المفيد في المسائل السروية، المسألة الثامنة: ٧٢.

(٥) عدم سهو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ٢٣ المطبوع ضمن مصنفات المفيد ج ١٠.

٨٦

وقد اتّبع السيّد المرتضى أُستاذه في ردّ المحدثين فكتب رسائل في ذلك ك:رسالة الرد على أصحاب العدد، ورسالة في إبطال العمل بأخبار الآحاد ، واتّهم القميين كافّة بالتجسيم، إذ قال:

إنّ القمّيّين كلّهم من غير استثناء لأحد منهم إلاّ أبا جعفر ابن بابويه بالأمس كانوا مشبِّهةً مجبِّرةً، وكتبهم وتصانيفهم تشهد بذلك وتنطق به، فليتَ شعري أيُّ رواية تخلص وتسلم من أن يكون في أصلها وفرعها واقف، أو غال، أو قمي مشبهٌ، والاختبار بيننا وبينهم التفتيش، ثمّ لو سَلِمَ خبرُ أحدهم من هذه الأُمور، لم يكن راويه إلاّ مقلدٌ بحت معتقدٌ لمذهبه بغير حجّة ودليل...(١) .

وقد كتب العلاّمة الفتوني العاملي المتوفَّى ١١٣٨ هـ رسالة باسم(تنزيه القمّيّين) في جواب السيّد المرتضى، وقد طبعت هذه الرسالة في مجلة تراثنا، العدد (٥٢)، الرابع للسنة الثالثة عشر / شوال ١٤١٨ هـ.

وقد سمّى الشيخ المفيد فيالفصول المختارة هؤلاء الشيعة:... جماعة من معتقدي التشيّع غير عارفين في الحقيقة، وإنّما يعتقدون الديانة على ظاهر القول، بالتقليد والاسترسال دون النظر في الأدّلة والعمل على الحجّة...(٢) .

ووصف الشيخ الطوسي هؤلاء المقلّدة في أصول الدين، بقوله: إذا سُئلوا عن التوحيد أو العدل أو صفات الله تعالى أو صحّة النبوة قالوا: كذا روينا، و يروون في ذلك كلّه الأخبار(٣) .

ومن خلال ما سبق اتضح لنا وجود بعض التخالف بين منهج القمّيّين ومنهج البغداديّين في العقائد والفقه أو قل اختلاف المباني والسلائق بينهم إذ إن المنهج الأول غالباً ما يعتمد على الأحاديث تبعاً لمشايخهم دون لحاظ ما يعارضه

____________________

(١) رسائل المرتضى ٣: ٣١٠.

(٢) الفصول المختارة: ١١٢ طبع ضمن مصنفات المفيد ج ٢.

(٣) العدة للشيخ الطوسي ١: ١٣٣.

٨٧

بعمق. وأمّا المنهج الثاني فيرى لزوم التدبر فيما يروونه بعمق، والسعي لرفع التعارض بين الأخبار، وخصوصاً في المسائل العقائدية.

وبعبارة أُخرى: إنّ القمّيّين قد يكونون أُصيبوا بردّة فعل، بسبب الصراع بين عقيدتهم الصحيحة في أهل البيت وبين نزعة الحشوية المتفشيّة عند بعضهم أي نزعة الجمود على الأخبار وذلك لابتعادهم عن الحركة العقلية التي كان يحظى بها البغداديون في طريقة الجمع بين الأخبار، ولوقوفهم على أخبار دالّة على النهي من الأخذ بالرأي في الأحكام من قبل الأئمّة، فواجهوا مشكلة، فمن جهة وقفوا على وجود هكذا أخبار في مرويّاتهم، ومن جهة أُخرى وقفوا على نصوص أُخرى دالّة على شرعيّة الاعتماد على العقل، وجواز الاجتهاد في دائرة النصوص، فاكتفوا بتوثيقات مشايخهم الثقات ووقفوا عليها، فأخذوا يتشدّدون في أخذ الأخبار إلاّ عن الثقات وما رواه مشايخهم، خوفاً من دخول الفكر الأجنبي في صلب العقيدة. وخوفاً من تزندق المتزندقة الذين يحاولون التشكيك بكل شيء، إذ إن مصنفات الشيخ الصدوققدس‌سره ناطقة ببراعته العقلية العظيمة، وأنّهرحمه‌الله وكذلك مدرسة قم هم أهل نزعة عقلية ظاهرة ممزوجة مع فهم روائي، غاية الأمر أنّ الظروف التي كانت تحيط بهم تمنعهم من فتح هذا الباب على مصراعيه خوفاً على المذهب.

أمّا البغداديون فكانوا يرون لأنفسهم مناقشة النصوص تبعاً لقول أئمتهم في لزوم عرض كلامهم على القران والسّنّة المتواترة القطعيّة والعقل وترك ما يُخالف سيرة المتشرّعة، فكانوا لا يأخذون العقل دليلاً مستقلاً دون النص، بل كانوا يفهمون النص على ضوء العقل، وبذلك صار القمّيّون ألصق بنزعة الحديث منهم إلى نزعة العقل؛ حفاظاً منهم على تراث العصمة وأنّه هو المقدم في عمليات الاستدلال والاستنباط باعتبار أنّ الظروف المحيطة بهم آنذاك تدفعهم للوقوف بوجه من يريد الكيد بالمذهب الحق وتشويه صورته.

٨٨

و إليك الآن بيان بعض تلك المسائل الخلافية التي يمكننا في ضوئها توضيح بعض المتبنيات الفكرية للطرفين، نطرحها كمحاولة في هذا المجال ولا ندعيها قواعد عامة وأصول لا يمكن تخطيها، بل هي نقاط توصلنا إليها وفق التتبع الأولي لمواقفهم ومروياتهم، مؤكدين بأن البت في أصول منهجهم لا يتحقق إلاّ بعد الاستقراء التام لمروياتهم وما قيل عنهم، وإليك النقاط الثلاث:

١ - البغداديون يأخذون بتوثيقات القميين لتشدّدهم ويتركون طعونهم لتسرعهم

اشتهر عن القميين تشددهم في الأخذ عن الرجال، جرحاً وتعديلاً، وقد ثبت عند علماء الرجال سنة(١) وشيعة(٢) الأخذ بتوثيقات المتشدّدين وعدم الاعتناء بطعونهم، لأنّهم يجرحون الرجال بأدنى كلمة، فلو ترضّوا على أحد صار توثيقاً له، ودليلاً على سلامة معتقده، وعليه يكون توثيقهم قد جاء بعد الفحص الشديد والتنقيب العالي، فمن اعتمده القميون فقد جاوز القنطرة(٣) .

هذا وقد عدّ الرجاليون اعتماد القمّيّين وروايتهم عن شخص، أحدَ أسباب المدح والقوة وقبول الرواية(٤) .

* قال النجاشي: إبراهيم بن هاشم، أبو إسحاق القمّي، أصله كوفي انتقل إلى قم...(٥) .

وأضاف الشيخ فيالفهرست : وأصحابنا يقولون: إنه أوّل من نشر حديث

____________________

(١) انظر فتح المغيث، للسخاوي ٣: ٣٥٨، عن الذهبي، والرفع والتكميل مثلاً : ٢٧٤.

(٢) انظر كلام السيّد حسن الصدر في نهاية الدراية: ٣٨٢ مثلاً.

(٣) انظر كلام المحقق البحراني في الحدائق الناضرة ٣: ٣٥٤ وصاحب الجواهر في جواهره ٤: ٨.

(٤) منتهى المقال ١: ٩١، عدة الرجال ١: ١٣٤.

(٥)فهرست مصنفات أصحابنا المعروف برجال النجاشي: ١٦ / ت ١٨.

٨٩

الكوفيين بقمّ، وذكروا أنّه لقي الرضا(١) .

قال السيّد الخوئي فيالمعجم : لا ينبغي الشك في وثاقة إبراهيم بن هاشم و يدل على ذلك عدة أمور:

منها: أنّه أوّل من نشر حديث الكوفيين بقمّ، والقمّيّون قد اعتمدوا على رواياته، وفيهم من هو مستصعب في أمر الحديث، فلو كان فيه شائبة الغمز لم يكن يتسالم على أخذ الرواية عنه وقبول قوله(٢) .

* ومثله الكلام عن إبراهيم بن محمد الثقفي، أبي إسحاق صاحب"الغارات" ، قال عنه المجلسي الأوّل فيشرح مشيخة الفقيه : أصله كوفيّ، وانتقل أبو إسحاق هذا إلى إصفهان وأقام بها، وكان زيديّاً أوّلاً، ثمّ انتقل إلينا، و يقال: إن جماعة من القميين كأحمد بن محمد بن خالد وفدوا إليه وسألوه الانتقال [ إلى قم ] فأبى.

وكان سبب خروجه من الكوفة أنّه عمل كتاب(المعرفة) وفيه المناقب المشهورة والمثالب، فاستعظمه الكوفيّون وأشاروا عليه بأن يترك الكتاب ولا يخرجه للناس، فقال: أي البلاد أبعد من الشيعة؟

فقالوا: أصفهان، فحلف: لا أروي هذا الكتاب إلاّ بها، فانتقل إليها، ورواه بها(٣) .

قال الذهبي في ترجمة إبراهيم الثقفي: بَثَّ الرَّفْضَ، وطلَبَهُ أهلُ قمّ ليأخذوا عنه فامتنع، أ لّف في المغازي، وخبر السقيفة، وكتاب الردّة، ومقتل عثمان، وكتاب الشورى، وكتاب الجَمَل وصفّين، وسيرة عليّ، وكتاب المصرع وغيرها(٤) .

قال الوحيد البهبهاني فيتعليقته على منهج المقال : إنّ معاملة القميّين

____________________

(١) الفهرست: ٣٥ / ت ٦.

(٢) معجم رجال الحديث ١: ٢٩١.

(٣) روضة المتقين ١٤: ٣٦.

(٤) تاريخ الإسلام للذهبي ٢١: ١١٢ - ١١٣.

٩٠

المذكورة ربّما تشير إلى وثاقته، يُنَبِّهُ على ذلك ما يأتي في إبراهيم بن هاشم(١) .

* وقال التستري فيالقاموس عن محمد بن عبد الله الهاشمي: عنونه النجاشي قائلاً: له كتاب يرويه القميّون... وهو يدل على حسنه؛ لأنّ مسلكهم التدقيق، ولولا أنّ غرضه ذلك لما خصّ روايته بهم(٢) .

هذا بعض الشيء عن منهج الرجاليين في التعديل فتراهم يوثّقون شخصاً لأنّه(أول من نشر أخبار الكوفيّين بقم) أو(أنّ أهل قمّ دعوه) ، و يعتبرون أمثال هذه النصوص توثيقاً لهؤلاء الرجال أو مشعرة بالتوثيق، في حين أنّك لو رجعت إلى أقوال الرجاليين كالكشي والنجاشي والشيخ وغيرهم، فلا تراهم يصرّحون بتوثيق إبراهيم بن هاشم وإبراهيم الثقفي ومحمد بن عبد الله الهاشمي وغيرهم إلاّ من خلال تلك القاعدة العامة المذكورة المأخوذ بها عند الرجاليّين شيعة وسنة، فإنّ هؤلاء يأخذون بتوثيق المتشدد، لأنّه جاء وفق استقراء وتتبّع، و يتركون الاعتناء بجروحه إلاّ أن تكون تلك الطعون نصوصاً صريحة صادرة عن المعصومين.

والعامّة يشترطون في الجرح أن يكون مفسّراً، ولا يقبلون بجرح الأقران فيما بينهم، ومن يختلفان فيما بينهما في العقيدة والمذهب. والكل يتّفق على لزوم التّأنّي والتدبّر فيما يقوله المتشدّد وعدم الأخذ بكُلّ ما يقوله؛ وذلك لتسرّع المتشددين في إطلاق الأحكام على الأشخاص بمجرّد التهمة، وقبل تمام التحقيق عنه، فتراهم ينسبون إلى الآخرين أشياء عظيمة وربّما أمروا بقتل بعض المؤمنين كما في محمد بن أورمة بمجرّد شيوع الخبر الذي مفاده أنّ عنده أوراقاً في الباطن، أو لمجرد روايته خبراً يخالف معتقد الآخرين.

وقد أضافت العامّة قانوناً في الجروح العامّة، وهو جرح بعض العلماء لأهل

____________________

(١) انظر تعليقة البهبهاني (منهج المقال) ١: ٣٥٠.

(٢) قاموس الرجال ٩: ٣٩٣.

٩١

بعض البلاد، أو بعض المذاهب، بأنْ لا يُؤخذ بتلك الجروح إلاّ بعد أن ينقّح الأمر في ذلك الجرح، كجرح الذّهبي وابن تيمية لكثير من الصوفية وأولياء الأمة(١) ، أو مبالغة الذهبي في نقد الأشاعرة، والدارقطني والخطيب البغدادي في جرحهما أبا حنيفة وأصحابه.

فالواجب على العالم أن لا يبادر إلى قبول أقوالهم بدون تنقيحها، ومن قلّدهم من دون الانتقاد، ضَلَّ وأوقع العوامَّ في الفساد(٢) .

ومن هنا نقف على قيمة الطعون العامة الصادرة من الأطراف المشددة، فلا يمكن الاعتماد عليها لأنّها نصوص متطرفة.

قال الشيخ الصدوق فياعتقاداته : وعلامة المفوِّضة والغلاة وأصنافهم نسبتهم مشايخ قمّ وعلمائهم إلى القول بالتقصير(٣) .

وقد علّق الشيخ المفيد البغدادي في شرح عقائد الصدوق بقوله: وأمّا نصّ أبي جعفررحمه‌الله بالغلوّ على مَن نَسَبَ مشايخ القميين وعُلماءهم إلى التقصير، فليس نسبةُ هؤلاء القوم إلى التقصير علامةً على غلوّ الناس، إذ في جملة المشار إليهم بالشيخوخة والعلم من كان مقصرّاً، وإنما يجب الحكم بالغلوّ على من نسب المحقِّقين إلى التقصير، سواء كانوا من أهل قمّ أو من غيرها من البلاد وسائر الناس.

وقد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمّد بن الحسن بن الوليدرحمه‌الله لم نجد لها دافعاً في التقصير، وهي ما حكي [عنه] أنّه قال: أوّل درجة في الغلوّ نفيُ السهوِ عن النبيّ والإمام.

____________________

(١) اليواقيت والجواهر ١: ٨.

(٢) انظر علم رجال الحديث للدكتور تقي الدين الندوي المظاهري: ١١٨، وانظر كذلك طبقات الشافعية الكبرى ١: ١٩٠.

(٣) اعتقادات الصدوق: ١٠١.

٩٢

فإن صحّت هذه الحكاية عنه فهو مقصّر مع أنّه من علماء القميين ومشيختهم.

وقد وجدنا جماعة وردوا إلينا من قمّ يقصّرون تقصيراً ظاهراً في الدِّين، و يُنزلون الأئمّةعليهم‌السلام عن مراتبهم، و يزعمون أنّهم كانوا لا يعرفون كثيراً من الأحكام الدينية حتى ينكت(١) في قلوبهم، ورأينا من يقول: إنّهم يلتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون، و يدّعون مع ذلك أنّهم من العلماء. وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه(٢) .

قال الوحيد البهبهاني: ثمّ اعلم أنّه [ أي أحمد بن محمد بن عيسى ] وابن الغضائري ربّما ينسبان الراوي إلى الكذب ووضع الحديث أيضاً بعدما نسباه إلى الغلوّ، وكأنّه لروايته ما يدل عليه، ولا يخفى ما فيه(٣) .

وقال أيضاً: وقد حققنا على رجال الميرزا ضعف تضعيفات القميّين، فإنّهم كانوا يعتقدون بسبب اجتهادهم اعتقادات من تعدّى عنها نسبوه إلى الغلوّ مثل: نفي السهو عن النبي أو التفويض، مثل تفويض بعض الإحكام إليه أو إلى عدم المبالاة في الرواية والوضع، وبأدنى شيء كانوا يتّهمون كما نرى الآن من كثير من الفضلاء والمتديّنين وربّما يخرجونه من قم و يؤذونه وغير ذلك(٤) .

وقال الشيخ محمد ابن صاحب المعالم: إنّ أهل قمّ كانوا يخرجون الراوي [ من البلدة ] بمجرّد توهّم الريب فيه(٥) .

فإذا كانت هذه حالتهم وذا ديدنهم، فكيف يعول على جروحهم وقدحهم بمجرده، بل لابد من التروي والبحث عن سببه والحمل على الصحة مهما أمكن.

____________________

(١) ينكت في قلوبهم: أي يلقي في روعهم ويلهمون من قبل الله تعالى إلهاماً، يقال: أتيته وهو ينكت، أي يفكر، كأنّما يحدِّث نفسه.

(٢) تصحيح الاعتقاد: ١٣٥.

(٣) الفوائد الرجالية: ٣٨ - ٣٩، المطبوع بآخر رجال الخاقاني.

(٤) حاشية مجمع الفائدة والبرهان للوحيد البهبهاني: ٧٠٠.

(٥) استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار ٤: ٧٧.

٩٣

قال العلاّمة بحر العلوم فيرجاله ، وعنه نقل المحدّث النوري فيخاتمة المستدرك : وفي الاعتماد على تضعيف القميّين وقدحهم في الأُصول والرجال كلام معروف، فإنّ طريقتهم في الانتقاد تخالف ما عليه جماهير النقّاد، وتسرّعهم إلى الطعن بلا سبب ظاهر، مما يريب اللبيب الماهر، ولا يلتفت أحد من أئمّة الحديث والرجال إلى ما قاله الشيخان المذكوران [ يعني ابن الوليد وابن بابويه ] في هذا المجال، بل المستفاد من تصريحاتهم وتلويحاتهم تخطئتهما في ذلك المقال [أي الطعن في أصل زيد النرسي](١) .

نماذج من تشدد القميين

* قال الكشي في الحسين بن عبيد الله [ المحرر ]: إنّه أُخرج من قم في وقت كانوا يخرجون منها من اتهموه بالغلو(٢) .

* وروى الكشي، عن جعفر بن معروف القمي، قال: صرت إلى محمد بن عيسى [ العبيدي ] لأكتب عنه، فرأيته يتقلنس بالسوداء، فخرجت من عنده ولم أعد إليه، ثمّ اشتدّت ندامتي لِما تركت من الاستكثار منه لمّا رجعت، وعلمت أنِّي قد غلطت.

وعن علي بن محمد القتيبي، قال: كان الفضل يحبُّ العبيدي و يثني عليه و يمدحه و يميل إليه ويقول: ليس في أقرانه مثله(٣) .

ولو راجعت ترجمة القاسم بن يقطين القمي(٤) والحسن بن محمد المعروف بابن بابا(٥) ترى في ترجمتهما ما يظهر اعتبار محمد بن عيسى العبيدي عند الإمام

____________________

(١) الفوائد الرجالية لبحر العلوم ٢: ٣٦٩، وعنه في خاتمة المستدرك ١: ٦٥.

(٢) رجال الكشي ٢: ٧٩٩ / رقم ٩٩٠.

(٣) رجال الكشي ٢: ٨١٧ / رقم ١٠٢٢، التحرير الطاووسي: ٥٢٧ / الرقم ٣٨٧.

(٤) رجال الكشي ٢: ٧٨٧ / رقم ٩٩٦.

(٥) رجال الكشي ٢: ٧٨٧ / رقم ٩٩٩ وفي ابن أبي الزرقاء ما يظهر منه اعتباره كذلك.

٩٤

الهادي والعسكريعليهما‌السلام ؛ لأن محمد بن عيسى العبيدي قال: كتَبَ إليَّ أبو الحسن العسكري [ وفي آخر العسكري ] ابتداء منه(١) .

قال أبو العباس بن نوح: وقد أصاب شيخنا أبو جعفر محمد بن الحسن بن الوليد في ذلك كله وتبعه أبو جعفر بن بابويه على ذلك إلاّ في محمد بن عيسى بن عبيد، فما أدري ما رأيه فيه !! لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة(١) .

وقال النجاشي: ورأيت أصحابنا ينكرون هذا القول ويقولون: مَن مِثل أبي جعفر محمد بن عيسى سكن بغداد؟!(٢) .

وشخص كهذا هو ممن اتّهم عند القميين بالغلوّ فلم يرووا عنه، لما قيل عنه: إنّه كان يذهب مذهب الغلاة(٣) .

* وقد تسرّعوا كذلك في محمد بن موسى بن عيسى السمّان والقول فيه إنّه وضع كتابي زيد النرسي وزيد الزّراد، ولو راجعت ترجمة زيد النرسي وزيد الزراد لوقفت على قول ابن الغضائري: قال أبو جعفر بن بابويه: إنّ كتابهما موضوع، وضعه محمد بن موسى السمان؛ وغلط أبو جعفر في هذا القول، فإنّي رأيت كتبهما مسموعة من محمد بن أبي عمير(٤) .

قال النجاشي: محمد بن موسى بن عيسى، أبو جعفر الهمداني السمان، ضعفه القميّون بالغلوّ، وكان ابن الوليد يقول: إنّه كان يضع الحديث، والله أعلم.

له كتاب ما روي في أيّام الأسبوع، وكتاب الردّ على الغلاة.

____________________

(١) رجال الكشي ٢: ٨٠٤ / الرقم ٩٩٦.

(٢) رجال النجاشي: ٣٤٨ / ت ٩٣٩، خلاصة الأقوال: ٤٣١ / الفائدة الرابعة.

(٣) رجال النجاشي: ٣٣٣ / ت ٨٩٦.

(٤) الفهرست: ٢١٦ / ت ٦١١.

(٥) رجال ابن الغضائري: ٦٢ / ت ٥٣، وعنه في خلاصة الأقوال: ٣٤٧ / الفصل ١٠ / الباب ١ / ت ٤.

٩٥

أخبرنا ابن شاذان عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عنه بكتبه(١) .

كيف يقول الصدوق ذلك تبعاً لابن الوليد، والنجاشي يقول في رجاله: حدّثنا علي بن إبراهيم بن هاشم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن زيد النرسي بكتابه(٢) .

ونص شيخ الطائفة فيالفهرست على رواية ابن أبي عمير لكتاب زيد النرسي كما ذكره النجاشي، ثم ذكر في ترجمة ابن أبي عمير طرقه المعتبرة الصحيحة التي تنتهي إليه(٣) .

وقال الشيخ فيالعدّة عن ابن أبي عمير: إنّه لا يروى ولا يرسل إلاّ عمّن يوثق به. وهذا توثيق عامّ لمن روى عنه(٤) [ وفيه روايته لكتاب زيد النرسي ] ولا معارض له ها هنا.

قال السيّد بحر العلوم: وفي كلام الشيخ تخطئة ظاهرة للصدوق وشيخه في حكمهما بأنّ أصل زيد النرسي من موضوعات محمد بن موسى الهمداني، فإنه متى صحّت رواية ابن أبي عمير إيّاه عن صاحبه، امتنع إسناد وضعه إلى الهمداني المتأخّر العصر عن زمن الراوي والمرويّ عنه.

وأمّا النجاشي فقد عرفت مما نقلناه عنه روايته لهذا الأصل في الحسن كالصحيح بل الصحيح على الأصح عن ابن أبي عمير عن صاحب الأصل، وقد روى أصل زيد الزراد عن المفيد، عن ابن قولويه، عن أبيه وعلي بن بابويه، عن علي

____________________

(١) رجال النجاشي: ٣٣٨ / ت ٩٠٤. وقد يكون فيما كتبه في الرد على الغلاة كان دفاعاً عن نفسه ضد التهمة الموجهة إليه.

(٢) رجال النجاشي: ١٧٦ / ت ٤٦٠: وانظر كلام الشهيد في الرعاية: ٩٠، والوافي ١: ٥ - ٦، والحدائق ١: ٩٠، ينظر إلى كلام الشيخ في عدة الأصول ١: ١٤٧ / الفصل الخامس / في ذكر القرائن التي تدل على صحة أخبار الآحاد أو على بطلانها وما ترجّح به الأخبار بعضها على بعض، وحكم المراسيل.

(٣) انظر الفهرست: ١٣٠ / ت ٣٠٠، ورجال النجاشي: ١٧٤ / ت ٤٦٠.

(٤) عدة الأُصول ١: ١٥٤.

٩٦

بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن ابن أبي عمير، عن زيد الزراد. ورجال هذا الطريق وجوه الأصحاب ومشايخهم(١) ، وليس فيهم من يتوقّف في شأنه سوى العبيدي، والصحيح توثيقه.

وقد اكتفى النجاشي بذكر هذين الطريقين ولم يتعرّض لحكاية الوضع في شيء من الأصلين، بل أعرض عنها صفحاً، وطوى عنها كشحاً، تنبيهاً على غاية فسادها مع دلالة الإسناد الصحيح المتّصل على بطلانها، إلى أن يقولرحمه‌الله :

و يشهد لذلك أيضاً أنّ محمد بن موسى الهمداني وهو الذي ادُّعي عليه وضع هذه الأصول لم يتّضح ضعفه بعد، فضلاً عن كونه وضّاعاً للحديث، فإنّه من رجال نوادر الحكمة، والرواية عنه في كتب الأحاديث متكرّرة، ومن جملة رواياته: حديثه الذي انفرد بنقله في صلاة عيد الغدير، وهو حديث مشهور، أشار إليه المفيدرحمه‌الله في« المقنعة »، وفي« مسار الشيعة » (٢) ، ورواه الشيخرحمه‌الله فيالتهذيب (٣) ، وأفتى به الأصحاب، وعوّلوا عليه، ولا رادّ له سوى الصدوق(٤) وابن الوليد، بناء على أصلهما فيه.

والنجاشي ذكر هذا الرجل في كتابه ولم يضعّفه، بل نسب إلى القميّين تضعيفه بالغلوّ، ثمّ ذكر له كتباً منهاكتاب الرّد على الغلاة، وذكر طريقه إلى تلك الكتب، قالرحمه‌الله : وكان ابن الوليدرحمه‌الله يقول: إنّه كان يضع الحديث، والله أعلم(٥) .

وابن الغضائري وإن ضعّفه، إلاّ أنّ كلامه فيه يقتضي أنّه لم يكن بتلك المثابة من الضعف، فإنّه قال فيه: إنّه ضعيف، يروي عن الضعفاء، و يجوز أن يخرج

____________________

(١) وغالب هؤلاء من القميين.

(٢) المقنعة: ٢٠٤، مسار الشيعة: ٣٩ ضمن المجلد السابع من مصنفات الشيخ المفيد.

(٣) التهذيب ٣: ١٤٣/ باب صلاة الغدير / ح ٣١٧.

(٤) الفقيه ٢: ٩٠ / ذيل الحديث ١٨١٧.

(٥) اختلاف في الهامش رجال النجاشي: ٣٤٨ / ت ٩٠٤، وانظر الفوائد الرجالية ٢: ٣٧٦ / ترجمة زيد النرسي.

٩٧

شاهداً، تكلّم فيه القمّيّون فأكثروا، واستثنوا من نوادر الحكمة ما رواه(١) ، وكلامه ظاهر في أنّه لم يذهب فيه مذهب القمّيّين، ولم يرتضِ ما قالوه، والخطب في تضعيفه هيّن، خصوصاً إذا استهانه.

وقد فصّل سيدنا بحر العلوم الكلام عن أصل زيد النرسي فيرجاله بحيث كفى الآخرين مئونة الكلام عنه(٢) .

ومن الطريف أنّ الشيخ الصدوق قد روى عن ابن أبي عمير في كتابثواب الأعمال (باب ثواب غسل الرأس بورق السدر) عن زيد النرسي بهذا الإسناد:

أبيرحمه‌الله ، قال: حدثني علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن بعض أصحابه، قال: سمعت أبا عبد الله يقول: كان...(٣) الخبر.

وفيمن لا يحضره الفقيه كتاب الوصية، باب ضمان الوصي لِما يغيره بما أوصى به الميّت:

وروى محمد بن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن علي بن مزيد(٤) صاحب السابري، قال:... الخبر(٥) .

____________________

(١) حكاها عنه العلاّمة في الخلاصة: ٤٠١/ ت ٤٤.

(٢) انظر ترجمته في الفوائد الرجالية ٢: ٣٦٠ - ٣٧٦، وكلام المحدث النوري في خاتمة مستدرك الوسائل ١: ٦٢.

(٣) ثواب الأعمال: ٢٠ والحديث موجود في أصل زيد النرسي كذلك.

(٤) في الكافي ٧: ٢١ ح ١ علي بن فرقد وكلاهما مجهول.

(٥) من لا يحضره الفقيه ٤: ٢٠٧ / ٥٤٨٢.

٩٨

نتيجة ما تقدم:

وبعد كلّ هذا فليس من البعيد أن يكون شيخنا الصدوقرحمه‌الله قد تأثّر بمشايخه وتسرّع في حكمه على الذين رووا الشهادة بالولاية لعلي في الأذان واتّهمهم بالوضع والغلوّ؛ لعدم وجود ما يروونه عند مشايخه، أو لعدم تطابقه مع عقائدهم، فالصدوق اتّبع شيخه ابن الوليد في نسبة الوضع لكتابي النرسي والزراد إلى أبي جعفر الهمداني السمّان، في حين أنك عرفت أنّ ابن الغضائري قال: إنّي رأيت كتبهما [أي كتب زيد النرسي وزيد الزرّاد] مسموعة من محمد بن عمير.

وعليه فلا يمكن الاعتماد على جروح القميّين بلا تمحيص، لأنّ المشهور عنهم أنّهم إذا وجدوا رواية على خلاف معتقدهم رَمَوها بالضعف ووصفوا راويها بالجعل والدسّ.

وبذلك فقد تبيّن لك على سبيل المثال أنّ القميّين جزموا بضرس قاطع بأنّ أصل الزرّاد موضوع، في حين أنّ الطرق الصحيحة إليه(١) أكّدت أنّه ليس بموضوع؛ إذ الطريق إليه صحيح معتبر لا شك في ذلك ولا ريب، وهذا يدعونا لأن نشكك فيما يقطع به شيخنا الصدوققدس‌سره خصوصاً إذا انفرد بالقول بالوضع كما في أخبار الشهادة الثالثة.

فقد يكون جَزْمُ الصدوققدس‌سره بضرس قاطع بأنّ أخبار الشهادة الثالثة من وضع المفوِّضة هو من قبيل جزمه بأنّ أصل الزرّاد موضوع، وما يدرينا فلعلّ شأن أخبار الشهادة الثالثة ستكون شأن أصل الزراد، بل يمكن القول إنّ حكم الشيخ الصدوقرحمه‌الله بالوضع عموماً وفي أخبار الشهادة الثالثة بنحو خاصّ لا يمكن الاعتماد عليه، خاصّة حينما نراه ينفرد في مثل هذا الحكم ولم يتابعه عليه أحد من قدماء الأصحاب بوضع الأخبار.

____________________

(١) كطريق المفيد والطوسي والنجاشيرحمهم‌الله .

٩٩

وبالجملة: يظهر أنّ مثل هذا الحكم وما يجري مجراه ليس عن حسّ وشهود، بل مستنده الحدس والاستنباط، وقراءة المتون والروايات، والسماع من المشايخ الثقات، مع لحاظ خلفيّتهم الفكرية وإسقاطاتهم العقائدية التي تميل إلى جانب التشديد غير العلمي على الرواية والرواة، ومثل هذه الشهادة لا تكون حجة لا في التضعيف ولا في التوثيق.

نعم، نحن في الوقت الذي نقول بهذا، لا نستبعد أن يكون الغلاة قد وضعوا أخباراً دالّة على جزئية الشهادة تلك في الأذان، وأنّ الشيخ الصدوقرحمه‌الله قد سمعها منهم، فيكون ما قالهرحمه‌الله قد صدر منه عن حسٍّ ويقين، فلو ثبت هذا الاحتمال فنحن نتبرأ ممن يضع الأخبار على لسان الأئمّة ويزيد في الأذان ما ليس فيه، وهذا ما سنوضّحه أكثر عند دراستنا لكلام شيخنا الصدوق لاحقاً إن شاء الله تعالى(١) .

٢ - الرواية عن الضعفاء وأصحاب المذاهب الأُخرى واعتماد المراسيل

قرّر المحدّثون من أهل قم إقصاء من يروي عن الضعفاء ومن يأتي بالمراسيل، مع أنّ الرواية عن الضعفاء لا تقتضي تضعيف الراوي ولا تضعيف الرواية بنحو مطلق عند جميع المحدّثين سنة وشيعة، وأنّ رواية الثقات عن كثير من الضعفاء وحتّى المنتحلين للمذاهب الباطلة ممّا لا يكاد يدفعه أحد، وكذا اعتماد المراسيل فإنّها مسألة اجتهادية قد بحثت في كتب علمي الدراية وأصول الفقه.

قال الشيخ الطوسي في أولالفهرست : إنّ كثيراً من مصنّفي أصحابنا، وأصحاب الأُصول، كانوا ينتحلون المذاهب الفاسدة، و إن كانت كتبهم

____________________

(١) انظر صفحة ٢٨٣ إلى ٣٢٦.

١٠٠