أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان0%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: الصفحات: 595
المشاهدات: 149965
تحميل: 11574

توضيحات:

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149965 / تحميل: 11574
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الموجود في اقتران الشهادات الثلاث معاً، ولمدخليّة موضوع الولاية في العبادات يمكن القول بحقيقة اقتران ذكر عليّ عند ذكر النبيّ في مواطن الذكر العامّة، وأنّ مثل هذا الاقتران محبوب بنحو مطلق في الشريعة، لكن ننبّه على أنّ مثل هذه المحبوبية عند مشهور فقهاء الإمامية لا تؤسّس حكماً شرعياً يجعل من ذكر علي في الأذان جزءاً واجباً، بل ولا مستحباً، كلّ ما يمكن استفادته بأنّ ذكره محبوب في الأذان وفي غيره للاقتران؛ لكن لا بعنوان الجزء الواجب أو المستحب في خصوص الأذان.

ومما تجب الإشارة إليه هنا هو استظهار بعض الأفاضل بأنّ ذكر عليّ في الأذان راجحٌ للاقتران في الواجبات، فالاقتران ملاحظ في التشهّد والخطبة في صلاة الجمعة وغيرها؛ وبما أنّ الموردين الأخيرين (أي التشهد والخطبة) عليهما روايات كثيرة في كتبنا، يبقى الأذان هو الذي يجب الانتصار له، وطبق قاعدة الاقتران العقليّ والشرعيّ قد يسوّغ القول برجحان الإتيان بالشهادة الثالثة فيه، وهذا ما أراد البعض الذهاب إليه في بحوثه، إذ من المناسب أن تكون النصوص الشرعية التي تجيز ذكر الإمام عليّ في التشهّد والخطبة تنطوي على ملاك ذكره في الأذان بحسب أصول تنقيح المناط العقلية، وهذا الكلام و إن كنّا قد لا نقبله على عمومه، لكنّه رأي كان علينا ذكره.

ومن الروايات التي تؤكّد على وحدة المناط بين الرسول والوصي، ما جاء فيأمالي الصدوق: حدّثنا علي بن أحمد بن عبدالله بن أحمد بن أبي عبدالله البرقيرضي‌الله‌عنه ، قال: حدثنا أبي، عن جدّه، عن أبي عبدالله البرقي، عن أبيه محمد بن خالد البرقي، قال: حدّثنا سهل بن المرزبان الفارسي، قال حدثنا محمد بن منصور، عن عبد الله بن جعفر، عن محمد بن فيض بن المختار، عن الفيض بن المختار، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، عن آبائه، عن جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله [في عليّعليه‌السلام ]:

٢٠١

وما أكرمني الله بكرامة إلاّ وقد أكرمك بمثلها(١) ، وفي آخر: ما ذكرتُ إلاّ ذكرتَ معي(٢) . وقد روت العامّة عن رسول الله قريباً من هذا، إذ قال الرسول لعلي: ما سألتُ ربّي شيئاً في صلاتي إلاّ أعطاني، وما سألتُ لنفسي شيئاً إلاّ سالتُ لك(٣) .

و يمكن تقريب الاستدلال بخبرالأمالي ، فنقول: إنّ النكرة في سياق النفي تفيد العموم، وكذا مقتضى مفهوم الحصر، يفيد بأنّ كلّ مكرمة لرسول الله هي ممنوحة لعلي كذلك، بعضها على نحو التشريع وبعضها على نحو التشريف، وبما أنّ الشهادة بالرسالة في الأذان والإقامة هي مكرمة لرسول الله، فيمكن أن نأتي بذكر عليّ مع الأذان لا على نحو الجزئية بل لمحبوبيتها النفسية؛ امتثالاً لما جاء في مرسلةالاحتجاج وقولهعليه‌السلام : (من قال محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين). تحصيلاً للمثليّة التشريفيّة لا التشريعيّة.

وقد جاء عنهمعليهم‌السلام : (ذكرنا عبادة) أو: (ذكر عليٍّ عبادة)(٤) ، وفي موثّقة أبي

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٥٨٢ /، المجلس الرابع والسبعون / ح ١٦.

(٢) جاء في الرسالة العملية للشيخ زين العابدين خان الكرماني (الموجز في أحكام الطهارة والصلاة والصوم...) صفحة ١٧٤ ط مطبعة السعادة، ببلدة كرمان في سنة ١٣٥٠ هـ، فصل كيفية الأذان: روى عن أبي سليمان، عن رسول الله، قال:سمعت رسول الله يقول ليلة أسرى بي إلى السماء قال لي الجليل جلَّ جلاله وساق الحديث إلى أن قال:ثم أطلقت الثانية فاخترت منها علياً وشققت له اسماً من أسمائي فلا أذكر في موضع إلاّ ذكر معي فانا الأعلى وهو علي.

(٣) المعجم الأوسط ٨: ٤٧ / ح ٧٩١٧، مجمع الزوائد ٩: ١١٠، أمالي المحاملي: ٢٠٤، ٣٦٨ / ح ١٨٥، ٤١٨، السنة لابن أبي عاصم ٢: ٥٩٦ / ح ١٣١٣، شرح مذاهب أهل السنة، لابن شاهين: ١٩١ / ح ١٣٥، سنن النسائي الكبرى ٥: ١٥١ / ح ٨٥٣٢، خصائص عليّ: ١٥٦ / ح ١٤٧، ١٤٨، سنن الترمذي ٢: ٧٢ / ح ٢٨٢، وفيه:أحب لك ما أحب لنفسي وأكره لك ما أكره لنفسي . وكذا في سنن البيهقي الكبرى ٣: ٢١٢ / ح ٥٥٨١، ومصنف عبد الرزاق ٢: ١٤٤ / ح ٢٨٣٦، ومسند أحمد ١: ١٤٦ / ح ١٢٤٣، وغيره.

(١) الفردوس بمأثور الخطاب ٣: ٢٤٤ / ح ٣١٥١، عن عائشة، وعنه في كنز العمال ١١: ٢٧٦ / ح ٣٢٨٩٤، تاريخ دمشق ٤٢: ٣٥٦، سمط النجوم العوالي ٣: ٦٤.

٢٠٢

 بصير عن أبي عبدالله، قال: (ما اجتمع قوم في مجلس لم يذكروا الله ولم يذكرونا إلاّ كان ذلك المجلس حسرة عليهم يوم القيامة) ثمّ، قال: قال أبو جعفر: (إنّ ذكرنا من ذكر الله، وذكر عدوّنا من ذكر الشيطان)(١) .

تلخّص من جميع ما قلناه لحدّ الآن: أنّ الدليل الكنائي الآنف لا يثبت سوى الاقتران وأنّ ذكر علي مقترن بذكر النبي بنحو عام؛ بالنظر للعمومات والإطلاقات الآنفة عن الروايات والأخبار الصحيحة والمعتبرة، ولازم ذلك أنّ ذكر علي محبوب في نفسه بنحو مطلق في الأذان وفي غيره، لكنّ هذا لا يثبت حكماً شرعياً عند مشهور فقهاء الإمامية لا جزءاً واجباً ولا جزءاً مستحبّاً. وبالجملة: فكلّ ما يثبته هذا الدليل هو أنّ ذكر عليّ محبوب بعد ذكر النبيّ في الأذان وفي غيره من دون اعتقاد الجزئية.

الشهادة بالولاية على عهد الرسول والأئمّة المعصومين

حكى الشيخ عبد النبي العراقي، عن المرحوم الميرزا هادي الخطيب الخراساني في النجف(٢) وغيره، عن الشيخ محمد طه نجف أنّه سمع مَن يثق بدينه أنّه قد وقف على كتاب(السلافة في أمر الخلافة) للشيخ عبدالله المراغي المصري من علماء القرن السابع الهجري في مكتبة المدرسة الظاهرية بدمشق(٣) ، وفيه: أن أبا ذرٍّ، وفي آخر: سلمان: قد شهدا بالولاية لعليٍّ في أذانهما بعد واقعة الغدير، وقد سمع ذلك بعض الصحابة ونقلوه إلى رسول الله، وهم على اعتقاد بأنّ النبيّ سيستنكر هذا الفعل و يوبّخهما، لكنّهم هم الذين لاقوا التأنيب والتوبيخ

____________________

(١) الكافي ٢: ٤٩٦ ح ٢، و ص ١٨٦ / ح ١، وسائل الشيعة ٧: ١٥٣ / ح ٨٩٨١.

(٢) الهداية في كون الشهادة بالولاية جزء كسائر الأجزاء: ٤٥.

(٣) أخبرني غير واحد بأنّهما سمعا من أشخاص كانوا قد شاهدوا الكتاب في المكتبة الظاهرية، لكنّي لم أقف على الكتاب رغم بحثي عنه أخيراً.

٢٠٣

من قبل رسول الله؛ إذ قال لهم بما مضمونه: أما وعيتم خطبتي يوم الغدير لعلي بالولاية؟ وما قلته قبل ذلك في أبي ذر وأنّه أصدق ذي لهجة؟ وإنّي قد عنيت بكلامي أمراً، وخصوصاً حينما جمعتكم في ذلك الحر الشديد والصحراء الملتهبة عند غدير خُمّ. و يكون معنى كلامهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّي أحبّ أن يُؤتى بهذا، ولكن لا ألزمكم به.

أنا لا أريد أن استدل بهذا الكلام في بحثي، لأنّه كلام عامي ومرسل لا يمكن الاعتماد عليه في الاستدلال، وذلك لوجود قرائن وأدلة قوية تعينني للوصول إلى ما أريد قوله مستغناً عن هذه الحكاية وأمثالها، لكني في الوقت نفسه لا استبعد صدور هذا النص عن سلمان وأبي ذر، لأنّه كان بمقدورهما التعرف على ملاكات الأحكام وروح التشريع، فهما كانا من خلص أصحاب الرسول وحواري الإمام علي.

وقد جاء في كتابالاحتجاج عن عبدالله بن الصامت، قال: رأيت أبا ذر الغفاري آخذاً بحلقة باب الكعبة مقبلاً على الناس بوجهه وهو يقول: أيّها الناس، من عرفني فقد عرفني، ومن لم يعرفني فسأنبئه باسمي، أنا جُندَب بن [جنادة بن] السكن بن عبد الله، أنا أبو ذر الغفاري، أنا رابع أربعة ممّن أسلم مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ... إلى أن قال: أَيَّتُها الأمّة المتحيّرة بعد نبيّها، لو قدّمتم من قدّمه الله، وأخّرتم من أخّره الله، وجعلتم الولاية حيث جعلها الله، لما عال وليّ الله، ولما ضاع فرض من فرائض الله، ولا اختلف اثنان في حكم من أحكام الله(١) .

وما جاء عنه أيضاً: أيّها الناس، إنّ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله هم الأسرةُ من نوح، والآلُ من إبراهيم، والصفوة والسلالة من إسماعيل، والعِترَةُ الطيبة الهادية من محمّد، فأَنْزِلوا آل محمد بمنزلة الرأس من الجسد، بل بمنزلة العينين من الرأس، فإنّهم

____________________

(١) الاحتجاج ١: ١٥٨. وانظر معاني الأخبار: ١٧٨ قريب منه.

٢٠٤

فيكم كالسَّماء المرفوعة، وكالجبال المنصوبة، وكالشمس الضاحية، وكالشجرة الزيتونة، أضاء زيتها، وبورك وقدها(١) .

وقد جاء عن سلمان في آل البيت أكثر مما قاله أبو ذر عنهم، وقد اعتبر سلمان من آل البيت لولائه وشدّة معرفته بمقامهم، وهو الذي قال عنه رسول الله: سلمان منّا أهل البيت(٢) ، ومن أحبّ الوقوف على مكانة سلمان فليراجع كتاب(نفس الرحمن في فضائل سلمان) .

وهذه النصوص تتلائم تماماً مع سيرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث كان يقف دوماً في وجه المعترضين على إمامة الإمام عليّ، و يُعلِمهم بأنّهعليه‌السلام منه، وهو منه، وأنّهما خلقا من نور واحد، و إليك حديثاً آخر في هذا السياق:

عن عمران بن الحصين في الصحيح، قال: بعث رسول الله سريّة وأمّر عليها علي بن أبي طالب، فأحدث شيئاً(٣) في سفره، فتعاقد أربعة من أصحاب محمّد أن يذكروا أمره إلى رسول الله.

قال عمران: وكنّا إذا قدمنا من سفر بدأنا برسول الله فسلمنا عليه، قال: فدخلوا عليه، فقام رجل منهم، فقال: يا رسول الله، إنّ عليّاً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه.

ثم قام الثاني، فقال: يا رسول الله، إن عليّاً فعل كذا وكذا، فأعرض عنه.

ثم قام الثالث، فقال: إن عليّاً فعل كذا وكذا.

ثم قام الرابع فقال: يا رسول الله إن عليّاً فعل كذا وكذا.

فأقبل رسول الله على الرابع وقد تغيّر وجهه، فقال: دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا

____________________

(١) البصائر والذخائر لابن حيان ٣: ٣٥، عن كتاب (الرتب).

(٢) المستدرك على الصحيحين ٣: ٦٩١ / ح ٦٥٣٩، المعجم الكبير ٦: ٢١ / ح ٦٠٤٠، تهذيب الكمال ١١: ٢٥١، طبقات ابن سعد ٤: ٨٣، و ٧: ٣١٨، وغيره.

(٣) وهو أنّهعليه‌السلام كان قد اصطفى جارية من خمس السبي.

٢٠٥

عليّاً، إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي(١) .

فتأمّل في جملة (دعوا عليّاً، دعوا عليّاً، دعوا عليّاً)، وهو معنى آخر لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما رواه مسلم في الصحيح: (أذكركم بأهل بيتي، أُذكركم بأهل بيتي، أُذكركم بأهل بيتي)، لأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم بأنّ القوم يبغضون عليّاً ويوشُونَ به في حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله فكيف بعد مماته، وأن جملته: (إنّه منّي وأنا منه وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي) تحمل معانيَ كثيرة وعالية.

وممّا يؤكّد تنصيص النبيّ على عليّ وأهل بيته ومحاولة بعض الصحابة بالنيل منهعليه‌السلام هو ما جاء عن الإمام الكاظم من قوله: إنّ عمر لا يريد الحث على الولاية والدعوة إليها، وقد اتّضح لك سابقاً بأنّ جملة (حيّ على خير العمل) ليس لها ظهور في الإمامة والولاية إلاّ إذا فتحت بعبارات أخرى، وقد كان هذا الأمر سيرة لبعض الصحابة والتابعين في عهدهصلى‌الله‌عليه‌وآله ثم من بعده. وهو يوضح إمكان الإتيان بالشهادة بالولاية لا على نحو الجزئية في الأذان، وقد كان بعض خلص الصحابة يأتون بها على عهد عمر ثم من بعده إلى عصر الإمام الكاظمعليه‌السلام ، وأن كلام الإمام ينبئ عن وجود هذه السيرة عند المؤمنين من عهد عمر إلى عصره الشريف.

نعم، لا يمكن البتّ تاريخياً في أنّ الصيغ المحكية في مرسلةالفقيه وشواذ الأخبار عند الطوسي كانت تأتي بعد الحيعلة الثالثة أو بعد الشهادة بالنبوة؟

وكذا العبارات التي كان يأتي بها الشيعة في عصر الصحابة والتابعين ما هي؟

لا نعلمها بتفاصيلها، بل الذي نعلمه ومن خلال كلام الإمام الكاظم هو أن الإمام كان لا يرتضي فعلة عمر ويراه مخالفاً للشريعة وأن مثل الأذان عنده مثل منع عمر للمتعتين وغيرها من إحداثاته، وبذلك يكون مفهوم كلام الإمام هو

____________________

(١) مسند أحمد ٤: ٤٣٧ / ح ١٩٩٤٢، فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢: ٦٠٥ / ح ١٠٣٥، تاريخ دمشق ٤٢: ١٩٧ والمتن منه، البداية والنّهاية ٧: ٣٤٥.

٢٠٦

التأكيد على محبوبية هذا الفعل عنده في الأذان، والحث عليها والدعوة إليها، أي أنَّا نفهم من ذلك شرعيتها ومحبوبيتها عند الأئمّة ومنذ عهد عمر بن الخطاب، أو قل منذ عهد رسول الله والصحابة، لوجود معنى الحيعلة الثالثة معها أينما كانت وفي أي زمان.

وبهذا، فقد عرفنا أن سيرة المتشرّعة كانت على القول بجزئية (حيّ على خير العمل) وأن بعض الصحابة والتابعين حتى عصر الإمام الكاظم المتوفى ١٨٣ هـ كانوا يفسرونها، والإمام حبّذ ذلك وتهجّم على من رفعها ودعا إلى عدم الدعوة إليها.

ومن الطريف أني وحين نقلي لأقوال أهل البيت في بدء الأذان(١) لم أتِ بكلام للإمام الكاظم في ذلك مع إني ذكرت أقوال جميع الأئمّة إلى الإمام الرضا، وأرى فيما أتيت به هنا هو ملئ لفراغ قد يشاهده الباحث في الكتاب الأول من هذه الدراسة(حي على خير العمل، الشرعية والشعارية).

وبهذا فقد أتضّح لك أن للسياسة دوراً في تحريف بعض الأحكام الشرعية واستبدالها بأخرى غيرها، فلا يستبعد أن يكون بعض الرواة تركوا ما جاء في البيان السياقي للحيعلة الثالثة من قبل الأئمة تقية لأنّها هي الأشد من ذكر الحيعلة الثالثة والتي تركها الراوي فيما رواه عن الإمام علي في تفسير ألفاظ الأذان حسبما رواه الصدوق فيالتوحيد ومعاني الأخبار (٢) .

فالرواة فيما يحتمل بقوة حذفوا الحيعلة الثالثة والتي جاءت بياناً سياقياً من بعض الروايات مع شدّة حرصهم وتمسكهم بها لهذا السبب.

وقد جاء في بعض روايات أهل البيت أنّهم قالوا ب (الصلاة خير من النوم)

____________________

(١) والذي مر في كتابنا(حي على خير العمل الشرعية والشعارية) .

(٢) التوحيد: ٢٣٨ / ح ١، باب تفسير حروف الأذان، معاني الأخبار: ٤٠ / ح ١، باب معنى حروف الأذان.

٢٠٧

وحملها الفقهاء والمحدّثون أغلبهم إن لم نقل كلهم على التقية، وبعد هذا فلا يستبعد أن يتركوا روايات الشهادة الثالثة التفسيرية تقية أيضاً.

وقد تمخّض البحث إلى الآن عن أنّ الحيعلة الثالثة ليس لها ظهور في الولاية إلاّ بضميمة نصوص أُخرى دالّة عليها وهي نصوص الاقتران المارة، والنصوص المفسِّرة لها على نحو التفسير السياقي، كلّ هذا يضاف إلى أنّ خُلّص الشيعة في حلب وحمص وبغداد والقاهرة وفي القرون الثلاثة الأُولى الثالث والرابع والخامس بالتحديد كانوا يأتون بالشهادة الثالثة، لأنّ الأئمة قد أجازوا لهم ذلك، مضافاً إلى محكيّة تأذين أبي ذرّ أو سلمان بها في زمان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وأنّ مثله في الأحكام مثل الآيات المقروءة مع شأن نزولها في مصاحف الصحابة، وأنّهم كانوا يقرءونها لا اعتقاداً منهم بأنّها من القرآن(١) ، بل لإثبات الحقائق، وكذلك حال الأذان، فالصحابة والتابعون وأمثالهم كانوا يأتون بها لا على نحو الشرّطيّة والجزئيّة، بل يأتون بها أوّلاً لأنّها جملةٌ تفسيريّة مباح الإتيان بها، بل محثوثٌ على الإتيان بها، وثانياً لمحبوبيّتها الذاتيّة ورجحانها النفسيّ، أو لإحقاق حقوق الأئمّة، والوقوف أمام مطامع الحكّام والسلاطين، شريطة أن يأمنوا من مكر السلطان وبطشه.

وقفة عند معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضاعليه‌السلام

أكّدت معتبرة الفضل بن شاذان المرويّة فيعيون أخبار الرضا عن الإمام الرضا بأنّ الأذان دعوة إلى الإيمان لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (... و يكون المؤذّن بذلك داعياً إلى عبادة الخالق، مرغّباً فيها، مقرّاً له بالتوحيد، مجاهراً بالإيمان، معلناً بالإسلام) إلى أن يقول: (لأنّ أوّل الإيمان إنّما هو التوحيد والإقرار لله عزّ وجلّ بالوحدانية، والثاني

____________________

(١) مر عليك بعض تلك القراءات انظر صفحة ١١، ٢٢٦ إلى ٢٢٩.

٢٠٨

الإقرار للرسول بالرسالة، وأنّ طاعتهما ومعرفتهما مقرونتان، ولأنّ أصل الإيمان إنّما هو الشهادة، فجعل الشهادتين في الأذان... فإذا أقرّ [العبد] لله بالوحدانية، وأقرّ للرسول بالرسالة، فقد أقرّ بجملة الإيمان، لأنّ أصل الإيمان إنّما هو الإقرار بالله وبرسوله...)(١) .

وهنا لابدّ من توضيح بسيط لهذه الرواية، فأقول:

من المحتمل قوياً عندي وجود تقديم وتأخير في كلمتي الإسلام والإيمان من قبل الراوي، فتكون العبارة هكذا: (مجاهراً بالإسلام ومعلناً بالإيمان) وهذا ما يؤكّده ذيل الخبر، لأنّ الإقرار بالشهادتين وحسب قول الإمام إقرار بجملة الإيمان لا كُلِّه وتفصيله، وإن كنت لا أنكر أن يراد من (بجملة للإيمان) كليّة الشيء وهو الشهادتان، لكنْ هناك احتمال آخر يجب أخذه بنظر الاعتبار، وهو أنّهعليه‌السلام أراد الإشارة إلى الولاية كذلك، لأنّ الإيمان حقيقته أكبر من الإسلام، فقد يكون الإنسان مسلماً لكنّه ليس بمؤمن، كما نراه في قوله تعالى: ( قَالَتِ الأعراب أمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمان فِي قُلُوبِكُمْ ) (٢) فقد يكون الإمام أراد الإشارة إلى هذه الحقيقة بالخصوص.

و يؤكّد قولنا ما قالهعليه‌السلام : (لأنّ أوّل الإيمان هو التوحيد، والإقرار لله بالوحدانية، والثاني الإقرار للرسول بالرسالة) ففي كلامه تلويح إلى وجود حقيقة ثالثة يكمل بها الإيمان، وهي الولاية.

وقد احتمل التقيّ المجلسي هذا الأمر قبلنا في شرحه على(من لا يحضره الفقيه)، إذ قال: و يمكن أن يكون الإيمان إشارة إلى الشهادة بالولاية المفهومة من

____________________

(١) عيون أخبار الرضا ٢: ١٠٣ / باب ٣٤ / ح ١، قال الصدوق في آخر باب ٣٥ (ج ٢: ١٢٦) بعد أن روى ثلاثة طرق لما كتبه الرضاعليه‌السلام للمأمون في محض الإسلام وشرائع الدين: وحديث عبد الواحد بن محمد بن عبدوسرضي‌الله‌عنه عندي أصح ولا قوة إلاّ بالله.

(٢) الحجرات: ١٤.

٢٠٩

شهادة الرسالة (مُؤذناً) أي معلناً (لمن ينساها) والمرجع [أي الضمير في ينساها يرجع إلى] المذكورات من قبل، من التوحيد والإيمان والإسلام(١) .

إذن، روح الإيمان هي ولاية الإمام عليّ وإنْ كان أصله ومنبته وأوله وأساسه الإقرار بالله وبرسوله، ولولاهما لما وصلنا إلى الكمال في الدين.

فعن حمران بن أعين أنّه سأل الإمام الباقرعليه‌السلام ، قال: قلت: أرايت من دخل في الإسلام أليس هو داخلاً في الإيمان؟

فقال: لا، ولكنّه قد أضيف إلى الإيمان وخرج من الكفر، وسأضرب لك مثلاً تعقل به فضل الإيمان على الإسلام، أرأيت لو بصرت رجلاً في المسجد أكنت تشهد أنّك رأيته في الكعبة؟

قلت: لا يجوز لي ذلك.

قال: فلو بصرت رجلاً في الكعبة أكنت شاهداً أنّه قد دخل المسجد الحرام؟

قلت: نعم.

قال: وكيف ذلك؟

قلت: إنّه لا يصل إلى دخول الكعبة حتى يدخل المسجد.

فقال: قد أصبت وأحسنت.

ثمّ قال: كذلك الإيمان والإسلام(٢) .

وعن فضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبدالله يقول: إنّ الإيمان يشارك الإسلام ولا يشاركه الإسلامُ، إنّ الإيمان ما وقر في القلوب، والإسلام ما عليه المناكح، والمواريث، وحقن الدماء. والإيمانُ يشركُ الإسلامَ والإسلامُ لا يشركُ الإيمانَ(٣) .

ولو تأمّلت فيما رواه الفضل بن شاذان عن محمد بن أبي عمير أنّه سأل أبا

____________________

(١) روضة المتقين ٢: ٢٦١.

(٢) الكافي ٢: ٢٧ / ح ٥، من الباب نفسه.

(٣) الكافي ٢: ٢٦ / ح ٣، من الباب نفسه.

٢١٠

الحسن الكاظم عن معنى (حيَّ على خير العمل) وقوله: (إنّها الولاية، وإنّ عمر أراد أن لا يكون حثٌّ عليها ودعاء إليها)، وجمعته مع ما جاء عن الإمام الرضا الآنفة، لعرفتَ وجود مفهوم الإمامة والولاية في الأذان في القرن الثاني الهجري.

ومن كلّ ما مرّ يتّضح لك أنّ معنى الولاية موجود في الأذان وهو المصرَّح به من قبل الأئمّة: الباقر، والصادق، والكاظمعليهم‌السلام ، وكذلك الإمام الرضا بقوله: (معلناً بالإيمان) كما قرّرناه آنفاً.

وعليه فالنداء بالحيعلة الثالثة هو نداء المؤمنين المعتقدين بولاية علي أمير المؤمنين، ومن خلاله يمكن أن نقول برجحان الشهادة بالولاية في الأذان بتقريب:

أنّ الإمام الرضاعليه‌السلام من جهة قال: إنّ المؤذن مجاهراً بالإيمان إذا ما دعا إلى الله، والإيمان هو الذي يدور مدار الولاية، بخلاف الإسلام الذي يدور مدار الشهادتين فقط. ومن جهة أخرى فإنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام في حسنة ابن أبي عمير حثّ على الولاية من خلال حيّ على خير العمل. ونتيجة ذلك محبوبية المجاهرة بالولاية في الأذان، لكن لا على أنّها جزء فيه وفصل من فصوله، بل لمجرّد الذكر المحبوب الذي يدور مدار الإيمان الذي لا يتحقّق إلاّ بالولاية علاوة على الشهادتين.

ونحن إن شاء الله سنُفصّل قولنا هذا أكثر فأكثر في الفصل الثالث(الشهادة الثالثة شعار وعبادة) والذي سنثبت فيه الترابط المعرفي بين الشهادات الثلاث، وأن في الأذان لفّاً ونشراً مرتَّباً بين الشهادات الثلاث، والحيعلات الثلاث، وهذا يؤكّد كونه تشريعاً سماوياً وليس بمناميّ.

الأذان في زمن الإمام الهاديعليه‌السلام

لقد مشت هذه السيرة السيرةُ الأذانية عند الشيعة حتّى عهد المتوكّل العباسي الذي أراد الازدراء بالإمام الهادي، لكنّه ازدرى بنفسه وبأسياده القرشيين والأمويين حينما ذكّره الإمامعليه‌السلام مفتخراً على الجميع بأنّ الجوامع والمساجد تأتي

٢١١

باسم جده أحمد وأبنائه المطهَّرين، وهو فضلٌ اختصّهم الله به، يشهد بذلك كلّ مسلم في أذانه، وإن كانوا أهل البيت سكوتاً مطاردين من قبل الحكّام.

فقد جاء فيأمالي الطوسي : أنّ الإمام علياً الهاديعليه‌السلام دخل يوماً على المتوكّل، فقال له المتوكل: يا أبا الحسن، مَن أشعر الناس؟ وكان قد سأل قبله عليّ بن الجهم، فذكر شعراء الجاهلية وشعراء الإسلام، فلمّا سأل الإمامَ أجابهعليه‌السلام : عليّ الحماني؛ حيث يقول:

لقد فاخَرَتْنا من قريش عصابةٌ

بمطّ خُدود وامتدادِ أصابعِ

فلمّا تَنازَعنا القضاءَ قضى لنا

عليهم بما نهوى نداءُ الصَّوامعِ

قال المتوكّل: وما نداء الصوامع يا أبا الحسن؟ [كي يقف على مقصود الشاعر من نداء الصوامع، هل هي الجمل التفسيرية في عليّ أم شي آخر، إذ لا يعقل أن لا يعرف المتوكّل معنى الصوامع حتى يسأل الإمام عنها]؟

قال: (أشهد أن لا إله إلاّ الله وأنّ محمّداً رسول الله) جدّي أم جدّك؟ فضحك المتوكّل ثمّ قال: هو جدّك لا ندفعك عنه(١) . وقد أفصح الحمّاني عن ذلك بتتمة البيتين فقال:

تَرانا سُكوتاً والشهيدُ بفضلِنا

تَراهُ جَهيرَ الصوتِ في كلِّ جامعِ

بأنّ رسولَ اللهِ أحمدَ جدُّنا

ونحن بَنُوهُ كالنجومِ الطَّوالعِ(٢)

قال ابن إسفنديار فيتاريخ طبرستان عن المتوكّل: وإنّه كان مولعاً بقتل آل الرسول، كما كان المترفون مولعين بالعبيد والملاهي.

وقد جاء فيتاريخ بغداد في ترجمة (الحسن بن عثمان الزيادي) أنّ المتوكّل وجّه من سامراء بسياط جدد، وأمر بضرب عيسى بن جعفر بن محمد بن عاصم

____________________

(١) أمالي الطوسي: ٢٨٧ / ح ٥٥٧.

(٢) اُنظر: ديوان عليّ الحمّاني ٨١، ومناقب ابن شهرآشوب ٣: ٥١٠ وفيه: (عليهم) بدل: (تراه).

٢١٢

 صاحب خان عاصم ألف سوط، لأنّه شهد عليه الشاهدون أنّه يشتم أبا بكر وعمر ويقذف عائشة، فضرب بالسياط وترك في الشمس حتى مات، ثم رُمي به في دجلة(١) .

وفيمعالم العلماء في ترجمة علي بن محمد بن عمار البرقي، وهو من شعراء أهل البيت المجاهرين، قال: حرقوا ديوانه وقطعوا لسانه(٢) .

فإذا كان المتوكّل يقطع لسان شاعر ينشد في فضل علي، أو يضرب ألف سوط لشتم أبي بكر وعمر، و يهدم قبر الحسين، فهل من المعقول أن يسمح في الإجهار بولاية علي من على المآذن؟ الجواب: لا وألف لا، فالكلّ تراهم سكوتاً، لكنّ الشهادة بفضلهم كناية أو تصريحاً من الأوّليات في كلّ جامع.

والمتأمل في تاريخ الشيعة يقف على شدّة الخوف الذي كان يحيط بهم، فكانوا يخافون حتّى من أصدقائهم، وقد نقل ياقوت الحموي في ترجمة عمر بن إبراهيم ( المتوفّى ٥٣٩ هـ ) وهو من أحفاد الإمام زيد الشهيد أنّه لم يُطْلِعِ السمعاني الحنفيّ المذهب على الجزء المصحّح بالأذان بحيّ على خير العمل، وأخذه منه وقال له: هذا لا يصلح لك، له طالب غيرك(٣) ، ثمّ عَلَّلَ سرّ وجود مثل هذه الكتب والأجزاء مصحّحة عنده بأنّه ينبغي للعالم أن يكون عنده، كلّ شيء، فإنّ لكلّ نوع طالباً.

كلّ ذلك لأنّ الفقه الحاكم آنذاك كان فقه أبي حنيفة وأن السمعاني كان منهم، وعمر بن إبراهيم وغيره من الطالبيين كانوا يخافون بطش السلطان.

ومثله كلام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن المار ذكره في الدراسة السابقة عن

____________________

(١) انظر تاريخ بغداد ٧: ٣٥٧، تاريخ دمشق ١٣: ١٣٥، المنتظم ١١: ٢٨٣.

(٢) معالم العلماء: ١٨٢، وأعيان الشيعة ٨: ٣٢٨.

(٣) معجم الأدباء ٤: ٤٢٨، تاريخ الإسلام للذهبي ٣٦: ٥١٦، ذيل تاريخ بغداد لابن النجار ٥: ١٠.

٢١٣

(حيَّ على خير العمل) وأنّه كان يأمر أصحابه إذا كانوا بالبادية أن يزيدوا في الأذان (حيَّ على خير العمل)(١) .

ولمّا سئل أحمد بن عيسى عن التأذين بحيّ على خير العمل، قال: نعم، ولكن أخفيها(٢) .

فلو كانت التقية تجري مع إظهار (حي على خير العمل) الحاملة لمعنى الولاية كناية، فكيف بإظهار الشهادة الثالثة علناً وجهاراً؟! بل كيف يعقل أن يأمر الله ورسوله بالشهادة الثالثة في الأذان، وهما يعلمان بانقلاب الأمّة بعد رسول الله؟!

إنّ الإمام عليّاً وشيعته قد اضطهدوا في جميع العصور، بدءاً بغصب الخلافة بعد رسول الله، ومروراً بسبّ الإمام علي من على المنابر في عهد معاوية، وسم الحسن، وأن لا صلاة إلاّ بلعن أبي تراب(٣) ، وانتهاءً بلا نهائية الظلم والجور.

وقد أمر معاوية بحرمان من عرف منه موالاة عليّ من العطاء وإسقاطه من الديوان والتنكيل به، وهدم داره، وأن لا يجيزوا لأحد من شيعة علي الشهادة(٤) ، والإمامُ الحسين في رسالته إلى معاوية ذكّره ببعض تعليماته لزياد وأنّه أمره بتسميل العيون، وقطع الأيدي والأرجل، وتعليق الناس على النخيل، وقتل من

____________________

(١) الأذان بحي على خير العمل للحافظ العلوي بتحقيق عزان: ١٤٧ ح ١٨٦.

(٢) الأذان بحي على خير العمل بتحقيق عزان: ١٥٠ ح ١٩٠، وأخرجه محمد بن منصور في الأمالي لابن عيسى ١: ١٩٤ رقم ٢٣٧.

(٣) شرح نهج البلاغة ٧: ١٢٢، وانظر تاريخ دمشق ١١: ٢٩١، وكتاب أخبار وحكايات للغساني: ٥٢، حيث ذكروا أن في عهد هشام بن عبد الملك كانت مجالس الذكر لبعض الشاميين تختم بلعن علي بن أبي طالبعليه‌السلام تقرباً إلى الله !

(١) انظر شرح نهج البلاغة ١١: ٤٤، والاحتجاج للطبرسي ٢: ١٧، عن كتاب سليم بن قيس: ٣١٨.

٢١٤

كان على دين علي...(١) .

وقد خاطب السائب بن مالك الأشعري من قادة جيش المختار أهل الكوفة بقوله: ويحكم يا شيعة آل رسول الله، إنّكم قد كنتم تُقْتَلُون قبل اليوم، وتقطع أيديكم وأرجلكم من خلاف، وتُسمل أعينكم، وتصلبون أحياءً على جذوع النخل، وأنتم إذ ذاك في منازلكم لا تقاتلون أحداً، فما ظنّكم اليوم بهؤلاء القوم إن ظهروا عليكم(٢) ...

وأبشع من كلّ ذلك قتل الحسين، وسبي النساء مع علي بن الحسين، وقد وضّح الإمام الباقر بعض ما جرى على الشيعة في كلام له لبعض أصحابه، حيث قالعليه‌السلام : ما لقينا من ظلم قريش إيّانا وتظاهرهم علينا، وما لقي شيعتنا ومحبّونا من الناس، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قبض وقد أخبر أنّا أولى الناس بالناس، فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر من معدنه... إلى أن قال: ثمّ لم نزل نُستَذَلُّ ونُستضامُ ونُقصى ونُمتهن ونُحرم ونُقتل ونخاف، ولا نأمن على دمائنا... إلخ(٣) .

قال دعبل الخزاعي:

إنّ اليهودَ بحبّها لنبيِّها

أمنت بوائِقَ دهرها الخوَّانِ

وكذا النصارى حُبَّهَم لنبيِّهم

يمشونَ زهواً في قرى نجرانِ

والمسلمونَ بِحُبِّ آلِ نبيِّهم

يُرْمَونَ في الآفاق بالنيرانِ(٤)

____________________

(١) انظر أنساب الأشراف ٥: ١٢٨، والإمامة والسياسة: ١٥٦.

(٢) الفتوح ٦: ٢٣٧.

(٣) شرح نهج البلاغة ١١: ٤٣ - ٤٤.

(٤) انظر ديوان دعبل الخزاعي: ١٧٣، وروضة الواعظين: ٢٥١.

٢١٥

هذا من جهة.

ومن جهة أخرى فإنّ بني أميّة وكما قلنا سعوا لتحريف أمور كثيرة في الأذان، وقد وقفت على بعضها، وكان الطالبيون لا يستطيعون الجهر بالحيعلة الثالثة من على المآذن في عهدهم، فكيف بالشهادة الثالثة؟!

لذلك اكتفوا عند عدم المانع أيضاً بالإجهار ب (حيّ على خير العمل) الحاملة لمعنى الولاية، وفي حالات خاصّة كانت تفتح بجمل دالّة عليها؛ إن أمنوا من مكر السلطان، أو إذا أرادوا إظهار فضل آل البيت، أو التصريح بموقفهم السياسي والعقائدي في الخلافة.

ف (حيّ على خير العمل) و (محمد وعليّ خير البشر) و (محمد وآل محمد خير البرية) وأمثالها كانت شعارات دالة على الاعتقاد بولاية عليّ وأهل البيت، يستعينون بها في الأذان وغيره لإظهار أحقيّة(٢) وفضل علي وأولاده المعصومين فإنّهم كانوا يقولون بها، لأنّهم قد وقفوا على شرعيّتها من قبل أئمتهم.

إنّ الحيعلة الثالثة كانت تقال على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد فُتح مدلولها بالفعل من قبل بعض الصحابة، لكنّ فتحها لم يكن حالة سائدة وشعاراً لكل الشيعة في جميع الأصقاع، بل كان يقولها بعض الخُلّص من الصحابة العارفين بمكانة أهل البيت التي أنزلهم الله فيها.

و إنّ الإمام الكاظم بقوله آنف الذكر أراد الإشارة إلى هذه الحقيقة الشرعية التأريخية، وأنّ هذا العمل هو ممّا كان يعمل عليه في العصر الأوّل، لكنّ عمر لم يرتضِ شيوع هذه الثقافة عند المسلمين، فجدّ لحذفها؛ بدعوى أنّ الناس سيتركون الجهاد تعويلاً على الصلاة.

إنّ قول (حيّ على خير العمل) وكما قلنا بظاهره لا يفهم منه الدعوة إلى

____________________

(١) كما في التأذين ب (حيّ على خير العمل) في ثورة صاحب فخ.

 

٢١٦

الولاية، إلاّ إذا فُسّر ووضّح من قبل الصحابة والتابعين بجمل ولائية، وقد أكّدنا مراراً على أنّ الإمام الكاظم فسّرها بالولاية ودعا إلى الحث عليها، وقد جيء بها وبتفسيرها معها في عصر الغيبة الصغرى وقبل ولادة الشيخ الصدوق في حلب. أمّا اعتقاد الصدوق بوضع المفوضة لها فلا يوافقه عليه السيّد المرتضى والشيخ الطوسي حسبما سنوضّحه لاحقاً، بل أفتيا بعدم الإثم في الإتيان بها، وقالا بورود أخبار شاذّة عليها، وهذا يؤكّد عدم قبولهما دعوى الوضع من قبل المفوّضة لتلك الأخبار، بل يرون لتلك الأخبار الحجيّة الاقتضائية لا الفعلية.

وعليه فالشيعة وعبر التاريخ وبحسب الأدلة الواصلة إليها كانوا يأتون بها لا على نحو الشطرية والجزئية، بل على نحو التفسيريّة والمحبوبية الذاتية، والذكر المطلق، ولأجل هذا لم يمنعهم أو ينهاهم النبي، والأئمة من ذريته، بل حبذّوا ذلك؛ إذ كان فيه بقاءُ الحقّ وشيوع مذهبهم، حتى صار اليوم شعاراً لهم.

وبهذا فقد اتّضح لنا أنّ للحيعلة معنى كنائياً، قد عرفه بعض الصحابة والتابعين، فمنهم من دعا إليها، والآخر عارضها، فترى أمثال: أبي ذر، وسلمان، كانا يدعوان إليها وإلى الشهادة الثالثة كما في المحكيّ عن كتابالسلافة أما عمر بن الخطاب وأتباعه، فكانوا ينهون عنها، ولا يريدون حثّاً عليها ودعوة إليها.

وكذا الحال في العصور التي تلت عهد عمر وعثمان، فالإمام علي كان يُشيد بهذا الموقف الصحيح من مؤذنه ابن النباح، و يقول: أهلاً بالقائل عدلاً(١) .

وقد مرَّ عليك موقف الإمامين الحسن والحسين، وأخيهما محمد بن الحنفية ومعارضتهم لفكرة الأمويين في بدء الأذان.

وكذا قول الإمام علي بن الحسين عن الحيعلة الثالثة أنّها كانت في الأذان الأول.

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١: ٢٨٨ / ح ٨٩٠، وسائل الشيعة ٥: ٤١٨ / ح ٦٩٧٣.

٢١٧

وفي شعر خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان إشارة إلى من كان يرفع الآل مع ذكر الرسول بعد واقعة الطف إذ قال:

نقمت عليّ بنو أمية أنّني

أبغي النجاة وللنّجاةِ أريدُ

أهوى عليّاً والحسينَ وصنوه

عهدي بذلك مبدئٌ ومعيدُ

لو أنّني يوم الحسين شهدته

لنصرته ربِّي بذاك شهيدُ

يا ليت لم يكُ لي معاويةٌ أباً

في العالمين ولا الشقيُّ يزيدُ

والله يُخرجُ من خبيث طَيِّباً

جاء القُران بذاك وهو وَكيدُ

يا هاشمُ، المبعوثُ فينا أحمدٌ

إنّ المطيفَ ببعضكم لسعيدُ

في كلّ يوم خمسة مفروضة

يعلو الأذان بذكركم و يشيدُ

ولكم مساكنه وأهل جواره

ومرافقوه وحوضه المورودُ

و إذا تشاء سقيتم من شئتُمُ

وعدوّكم عن ورده مردود(١)

إنّ حكاية الإمام الباقر للإسراء والمعراج وتشريع الأذان فيه بما فيه الحيعلة الثالثة(٢) وما قاله الإمام الصادق عن القوم وأنّهم غيروا اسم الإمام علي الموجود على ساق العرش إلى أبي بكر، إلى غيرها من الحقائق التي اتضحت لنا، وسنقف على المزيد منها لاحقاً، كُلّها حجج مؤيّدة لما قلناه.

وها هو الآن أمامك كلام الإمام الكاظم، وقد جاء ظاهراً صريحاً وامتداداً للسيرة والشرع، مذّكراًعليه‌السلام ومنوهاً إلى أنّ معنى الحيعلة الثالثة هو بيان ل (محمد وعلي خير البشر) و(أشهد أن علياً ولي الله) و(محمد وآل محمد خير البرية) لا غير، وأنّ القوم لا يريدون الإشادة بذكر علي وأولاده المعصومين.

ومفهوم كلامهعليه‌السلام : (أنّ عمر أراد أن لا يكون حثٌّ لها ودعاء إليها) أي إلى

____________________

(١) العقد النضيد والدر الفريد، لمحمد بن حسن القمي: ١٦٣ - ١٦٤.

(٢) وسائل الشيعة ٥: ٤١٤ / ح ٦٩٦٤.

٢١٨

 الولاية، يعني أنّ الإمامعليه‌السلام يجيز هذا الأمر ويدعو إليه، قال بهذا الكلام وهو قابع في سجون الرشيد، كلّ ذلك للإشادة بالحقّ والحقيقة الضائعة بين ثنايا الأمة. كان هذا عرضاً سريعاً لسيرة الشارع في الشهادة بالولاية، وكذا لموقف المتشرّعة فيها إلى عهد الكاظمعليه‌السلام ، وتراه واضحاً صريحاً ليس فيه غموض.

نعم كان هذا الأمر بين الشدّة والفتور في عهد الإمام الرضا وأبنائه المعصومين حتى غيبة الإمام المهدي (عجَّل الله تعالى فرجه الشريف) في سنة ٢٥٥ هـ، ومن الطريف أنّ البعض يطالبنا لإثبات الشهادة الثالثة بالأخبار المتواترة فيه، وهو الواقف على مجريات الأحداث بعد رسول الله وما لاقى الشيعة من الظلم والاضطهاد لحبهم الإمام عليعليه‌السلام ، فكيف يمكن الجهر بالولاية لعلي بن أبي طالب وبنو أمية راحت تلعنه على المنابر قُرابة قرن؟

بل كيف يمكن تناقل تلك الروايات الداعية إلى الشهادة الثالثة، وأنت ترى الرواة لا يمكنهم أن يحدّثوا عن علي إلاّ بالتكنية: قال الحسن البصري: لو أردنا أن نروي عن علي لقلنا: قال أبو زينب؟

بل هل فكّر أولئك بالتضحيات التي قدمها رجالنا حتى وصلت إلينا تلك الأخبار الشاذة على لسان الطوسي والحليّين؟

وعليه فالحيعلة الثالثة شرعت على عهد الرسول، وأذّن بها على عهد علي والصحابة، وأن الإمام علي كان يشجّع القائل بالحيعلة، وروى عن الإمام السجاد أنه قال: إنّها كانت في الأذان الأول، وأخبر الباقر والصادق أنّها كانت في الإسراء والمعراج وقالا بأن معناها هو الولاية، وجاء عن الإمام الكاظم جواز فتح معناها معها، والإمام الرضا أشار إلى وجود معنى الولاية في الأذان وأخيراً الكلام عن وجود معنى الولاية في أذان الشيعة على عهد الإمام الهادي.

وإليك الآن نصين يمكن الاستشهاد بهما في زمن الغيبة الصغرى:

____________________

(١) وسائل الشيعة ٥: ٤١٤ / ح ٦٩٦٤.

٢١٩

نصّان في الغيبة الصغرى

قال ابن إسفنديار الكاتب المتوفّى ٦١٣ هـ، في كتابه(تاريخ طبرستان): استقرّ الداعي الكبير [وهو الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل] بن زيد في آمل [سنة ٢٥٠ ه]، وأعلن في أطراف طبرستان وگيلان والديلم أنّه: قد رأينا العمل بكتاب الله وسنّة رسوله، وما صحَّ عن أمير المؤمنين، و إلحاق (حيّ على خير العمل)، والجهر بالبسملة، والتكبير خمساً على الميّت، ومن خالف فليس منّا(١) .

وجاء في كتاببغية الطلب في أخبار حلب لابن العديم المتوفّى ٦٦٠ هـ: (... عن أبي بكر الصولي أنّه لمّا جلس أحمد بن عبدالله(٢) على سدة الحكم سار إلى حمص ودُعِيَ له بها وبكورها، وأمرهم أن يصلّوا الجمعة أربع ركعات، وأن يخطبوا بعد الظهر ويكون في أذانهم: أشهد أن محمداً رسول الله، أشهد أنّ عليّاً وليّ المؤمنين، حيّ على خير العمل)(٣) .

وهذان النصان هما قبل ولادة الشيخ الصدوق يقيناً، وترى الشيعة يؤذّنون بهذا الأذان، لأنّ له مخرجاً شرعياً عندهم، لكن لم يصبح بعد شعاراً سائداً عندهم، وذلك لما كانوا يلاقونه من جور وتعسّف من قبل الحكّام العباسيّين وقبلهم الأمويين، فلا يمكنهم التصريح به إلاّ إذا سيطروا على مكان وأمنوا من مكر السلطان.

ومجمل القول: إنّ الشيعة فيما أعتقد كانت ترى، فيما ترى، رجحان الإتيان

____________________

(١) تاريخ طبرستان لابن إسفنديار الكاتب: ٢٣٩، وعنه في تاريخ طبرستان للمرعشي المتوفى ٨٨١ هـ.

(٢) وهو الخارج بالشام في أيّام المكتفي بالله، وكان ينتمي إلى الطالبيين، وهو المعروف بصاحب الخال، والذي قتل بالدكّة في سنة إحدى وتسعين ومئتين [٢٩١ ه].

(٣) بغية الطلب ٢: ٩٤٤.

٢٢٠