أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان0%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: الصفحات: 595
المشاهدات: 149966
تحميل: 11574

توضيحات:

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149966 / تحميل: 11574
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بالشهادة بالولاية لعلي في الأذان طبقاً لجزئية الحيعلة الثالثة فيها؛ فكانوا يفتحون دلالتها بصيغ متفاوتة، وقد تختلف تلك العبارات، فتارة: (محمد وعلي خير البرية)، وثانية: (محمد وعلي خير البشر)، وثالثة: (أشهد أنّ علياً ولي الله)، ورابعة: (أنّ علياً أمير المؤمنين حقاً) وخامسة وسادسة، وذلك لما في مفهوم كلام الإمام الكاظم وغيره من الأئمّة من دلالات، وأنّهعليه‌السلام بكلامه آنف الذكر أراد أن يعيّن المصداق والمناط في كل ذلك وهو الولاية لآل البيت (= علي وبنيه)، والسماح لهم بالبيان عن ذلك بأي شكل كان، وفي المقابل أراد بيان السبب الخفي لمنع عمر لها.

أي، أنّ المكلّف لمّا كان يعلم بأنّ الولاية هي مطلوب الشارع سواء من جملة (حي على خير العمل) أو من العمومات الكثيرة الأُخرى الدالة عليه، أو من غيرها، فإنّه يقف على رجحانها من باب تنقيح المناط ووحدة الملاك حسب تعبير الفقهاء، وهو: ضرورة الدعوة للولاية بعد الدعوة للرسالة في كلّ مورد، وهذا هو ما يستفاد من رواية الإمام الكاظمعليه‌السلام في سبب حذف عمر لها.

و يتأكد هذا ويستحكم خصوصاً حينما نقف على أقوال الأئمّة، وأنّ الأعمال لا تقبل إلاّ بولايتهم، وأنّهم هم مفتاح قبول الصلاة والزكاة والصيّام والحجّ، أي أنّ أيّ عمل وإن كان صحيحاً فإنه لا يقبل إلاّ بولايتهم، فهم شرط قبول الأعمال عندنا(١) .

وبهذا فقد انتهينا من بيان المرحلتين الأوليين من مراحل الشهادة بالولاية في الأذان وهي الشهادة لعلي كنائياً من خلال جملة "حي على خير العمل" لأن الظروف والاستعداد النفسي لقريش لم يسمح لتشريع الشهادة الثالثة في الأذان

____________________

(١) أفرد العلاّمة المجلسي في البحار باباً تحت عنوان (إنه لا تقبل الأعمال إلاّ بالولاية) جمع فيه الروايات والأقوال الواردة في هذا الباب، انظر بحار الأنوار ٢٧: ١٦٦ / الباب ٧، وغاية المرام / ب ٤٦ و ٤٧، وجامع الأحاديث ١: ١٩. وقد نفتح هذا الأمر في الفصل الثالث من هذه الدراسة.

٢٢١

صريحاً، وقد مر عليك بعض الظلم الذي أصاب أهل البيت وشيعتهم فقد بقت الشهادة بالولاية بمعناها الكنائي إلى أواخر العهد الأموي. أما أوائل العهد العباسي فكان الانفتاح شيئاً ما، فجاء عن القاسم بن معاوية أنه أخبر الصادق عما يرويه الناس في حديث معراجهم وتغييرهم وجود اسم الإمام علي على ساق العرش إلى اسم أبي بكر، وهذا مما دعى الإمام الصادق إلى بيان ما شاهده رسول الله في الإسراء والمعراج وأن اسم الإمام علي كان موجوداً لما خلق الله السماوات والأرض، وجبرئيل وإسرافيل إلى أخر الخبر.

وأن الإمام الصادق كما في خبر عمر بن أذينة ومحمد بن النعمان الأحول وسدير الصيرفي سأل عمر بن أذينة عما يقوله الناس في أذانهم وركوعهم وسجودهم فقال عمر بن أذينة إنهم يقولون: إن الأذان كان بمنام رأه أُبي بن كعب فانبرى الإمام معترضاً وأخذ يذكر ما شاهده رسول الله في الإسراء والمعراج، وفيه: أن جبرئيل لما قال أشهد أن محمداً رسول الله اجتمعت الملائكة وسلّمت على رسول الله رسالته عن أخيه، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : هل تعرفونه، قالوا: كيف وقد أخذ الله ميثاقه وميثاقك منا.

وهذين النصين يشيران إلى الانفتاح شيئاً ما في بيان خبر الأذان، ويؤكد ذلك ما رواه الفصل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن الكاظم وقوله: وإن الذي أمر بحذفها أراد أن لا يكون حثاً عليها ودعوة إليها. وما جاء في معتبرة الفضل بن شاذان عن الرضاعليه‌السلام وفيه ما يشير إلى وجود معنى الولاية في الآذان، وعليه فكل هذه النصوص تؤكد على محبوبية إتيان الشهادة بالولاية في الأذان لا على نحو الجزئية.

٢٢٢

سؤال وجواب

وهنا سؤال لابدّ من الإجابة عليه، وهو: إذا كان الأذان يحمل معنى الولاية كما قلت من خلال (حيّ على خير العمل)، فما الدّاعي للحثّ على الولاية والإتيان بجملة (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) في الأذان تارة أخرى؟! خصوصاً مع عدم ورود ذلك ضمن فصول الأذان المحكي عن الأئمةعليهم‌السلام ؟

الجواب:

نحن وضّحنا سابقاً أنّ الأحكام المباحة وحتّى الاستحبابية قد تصير واجبةً بعنوانها الثانوي، بمعنى أنّ شرب الماء المباح قد يصير واجباً لو توقّف إنقاذ النفس المحترمة عليه، ومن تلك الأمور التي قد تجب هو ما نحن فيه، لأنّ الإمام الكاظم وببيانه لعلّة حذف عمر بن الخطاب ل (حيّ على خير العمل) أكّد بأنّ عمر كان لا يريد الحثّ على الولاية والدعوة إليها، بمعنى أنّه حذف الحيعلة الثالثة خوفاً من تواليها ومستلزماتها، والإمام كان يريد الدعوة إليها، فلو لم يكن الإمامعليه‌السلام يريد الدعوة إليها لكان كلامه لغواً، لأنّهعليه‌السلام قالها بعد أن فسّر معنى الحيعلة الثالثة بالولاية.

نعم، إنّ عمر بن الخطاب بعمله هذا حذف فصلاً ثابتاً من فصول الأذان، ليُميت مفهومه، والإمامعليه‌السلام بدوره أراد إحيائها والدعوة إلى الولاية وبرّ فاطمة كما في حسنة ابن أبي عمير عن الكاظم، وعليه فإنّ فعل الإمام جاء في سياق الحفاظ على السنّة والقِيَم، وهو مما يجب أن يفعله كلّ مسلم، لأنّ الآخرين كانوا يريدون إماتة الفرائض والسنن، والإمام كان يريد أن يحييها بالإتيان بها، وهو يدلّ على شرعية ذلك الإتيان.

وعليه فإنّ الإتيان بجملة: (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) أو (محمد وآل محمد خير البرية) وأمثالهما قد تتأكد مطلوبيتها بالعنوان الثانوي، وذلك لسعي الحكّام لحذفها وإماتتها، وهذا ما وضّحناه في دراستنا عن (حيّ على خير العمل)؛ إذ إنّ

٢٢٣

الحكومات الخلفائية والأموية والعباسية والسلجوقية وأمثالها كانت تسعى لحذف الحيعلة الثالثة مع ما جاء في تفسيرها وذلك حينما يستقرّ الأمر لهم، بعكس الحكومات الفاطمية والحمدانية والطبرستانية وغيرها، فإنّهم كانوا يأتون بالحيعلة الثالثة مع تفسيرها، فيقولون (حيّ على خير العمل محمد وآل محمد خير البرية).

بلى، قد يتأكد الإتيان بالشهادة بالولاية والإصرار عليها في هذه الأزمنة بالعنوان الثانوي كذلك، لأنّ خصومنا يتّهموننا بأنّا نعتقد بأُلوهيّة الإمام علي، أو أنّا نقول بخيانة الأمين جبرئيل، فعلينا الجهر ب (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) دفعاً لاتّهامات المتَّهِمين وافتراءات المفترين، مؤكّدين في أذاننا وإعلامنا بأنّا نشهد أن (لا إله إلاّ الله)، نافين في شهادتنا وجود الشريك لله، ثم نشهد بنبوّة محمّد بن عبدالله معلِمِين الجميعَ بأنّا نتّبعه وهو رسول رب العالمين للناس أجمعين، وأخيراً نشهد بأنّ عليّاً وأولاده المعصومين ما هم عندنا إلاّ حجج رب العالمين، نافين بذلك كل ما اتهمنا به، ولنقول بأنّ الإمام علي بن أبي طالب ليس بإله ولا نبيّ، بل هو وليّ رب العالمين وحجّته على خلقه أجمعين.

وعليه، فإنّ الإتيان بالشهادة الثالثة لمحبوبيتها لا يتقاطع مع جملة (حيّ على خير العمل) لأنّه تفسير وتلميح وبيان لهذه الجملة، وقد حثّ عليها الإمام الكاظم ودعا إليها، وقد يتأكد هذا المحبوب بالعنوان الثانوي؛ لأنّ الآخرين كانوا يريدون حذفها، والإمام ببيانه لعلّة حذف عمر للحيعلة الثالثة أراد إيقافنا على ضرورة الإتيان بما يدلّ على الولاية في الأذان وعدم الاكتفاء بالحيعلة الثالثة، لأنّ هدف عمر يجب أن لا يتحقق، بل يجب أن يقابل بمشروع يضادّه، وهذا ما أراده الإمام الكاظمعليه‌السلام في حسنة ابن أبي عمير.

ومعنى كلامنا هو أنّ الإصرار العمريّ وبعده الأموي والعبّاسي على إماتة ذكر عليعليه‌السلام الذي هو عبادة في الأذان من خلال حذف الحيعلة الثالثة كان داعياً للقول بعدم كفاية الإتيان ب (حي على خير العمل) في الأذان في هذه الأزمنة

٢٢٤

المتأخّرة، بل يتأكّد الجهر بالشهادة بالولاية لعلي ولو بعنوانها الثانوي معها أو قبلها رعاية للترتيب بين الشهادات الثلاث المأتية في الأخبار، وقد يقال بجواز الإتيان بها بعنوانها الأوّلى لأنّها محبوبة عند الإمام كما في حسنة ابن أبي عمير، وكما دلّت عليه باقي الروايات وجودها في شواذّ الأخبار التي حكاها الطوسي.

وعليه فالمحبوبية كانت موجودة على عهد الباقر والصادقعليهم‌السلام وإن لم يصرّحا بها في كلامهما لظروف التقية، إذ إنّ المحبوبيّة التي كانت عند الإمام الكاظم هي استمرار لمحبوبيتها في زمن الإمام علي والحسن والحسين والسجاد، وأنّ الإمامين الصادقين كانا واقِفَين على دواعي حذفها من قبل الحكّام، لكنّ ظروف التقيّة لم تسمح لهما بنشرها، وهي التي سمحت للإمام الكاظم بنشرها.

وعليه فإنّا لا نأتي ب (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) على أنّها جزءً من الأذان، وبذلك فلا تخالف من الإتيان بها لمحبوبيّتها الذاتية أو للشعارية مع عدم وجودها في الروايات المحكيّة عن الأئمة في فصول الأذان، لأنّ تلك الروايات ظاهرة في جزئيّتها ونحن نأتي بها لمحبوبيتها.

سؤال آخر

وهنا سؤال آخر يطرح نفسه وهو: كيف تأتون بالمفسِّر قبل المفسَّر، أي تقولون ب (أشهد أن عليّاً ولي الله) قبل الإتيان بجملة (حي على خير العمل)، وهذا لا يصح في الأدب العربي؟

الجواب: كلامكم غير صحيح، إذ إن ذلك يصح في لغة العرب ولنا شواهد كثيرة عليه، نترك ذكرها خوفاً من الإطالة، ولعدم ضرورة الأخذ باللّغة في حكم شرعي يتوقف على أمر الشارع فيه هل أنّه جائز أم لا؟ لأن الحقيقة الشرعية غالبة على المعنى والأصل اللغوي في الأمور الشرعية، وبما أن غالب الروايات عندنا جاءت مراعية للترتيب بين الشهادات الثلاث الشهادة بالتوحيد، ثم الشهادة

٢٢٥

بالنبوة، ثم الشهادة بالولاية في جميع العوالم التي جاء فيها ذكر الإمامة، والتي ستأتي بعضها في الفصل الثالث من هذه الدراسة:"الشهادة الثالثة: الشعار والعبادة" .

إذن، الشيعة كانت تأتي بالشهادة بالولاية بعد الشهادة بالنبوة رعاية للترتيب الملحوظ بين الشهادات الثلاثة في روايات أهل البيت، والتي جاءت في عالم الذر والميثاق وغيرها، ولأن الإمام الكاظم لم يحدد مكان الإتيان بها هل هو بعد الحيعلة الثالثة أم قبلها، بل إنهعليه‌السلام حبَّذ الدعوة والحث عليها، وعليه فالشيعة تأتي بالشهادة الثالثة في مكانها الملحوظ اليوم نظراً لتلك الروايات، ولعدم تحديد الإمام الكاظم مكانها.

وبهذا، فقد انتهينا من بيان حكم الشارع في الشهادة بالولاية وسيرة المتشرّعة فيها إلى ما قبل ولادة الشيخ الصدوق؛ وكذا اتَّضح لنا أنّهم كانوا يعيشون في أعلى مراتب التقيّة، فاكتفوا بقول الحيعلة الثالثة وبيان دلالتها في حالات خاصّة، ثمّ استقرّ الأمر بهم بعد الأمن والاستقرار على شكلها الجديد المشهور الآن.

والآن مع القسمين الثاني والثالث كي نبين فيهما تقرير الإمام الحجة في عصر الغيبة، ولكي نواصل امتداد هذه السيرة من عصر الشيخ الصدوق إلى ما بعده، حتّى نقف على ما نحن بصدد إثباته، أي إلى أن صارت الشهادة الثالثة شعاراً يعرف به المسلم الشيعي من غيره. كل ذلك بعد تلخيص ما مر في هذا القسم في نقاط:

 

٢٢٦

تلخص مما سبق:

١ إنّ قريشاً سعت لتحريف الشريعة وطلبت من الرسول تحريف الذكر الحكيم، لكنّ الوحي نزل بقوله:( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ... ) (١) .

٢ - جدّت قريش لطمس ذكر الرسول محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ مر عليك مواقف أبي سفيان ومعاوية ويزيد من الرسول وآل بيته حين الدعوة ثم من بعده(٢) لم يذكر، وكذا عرفت أنّ أبا محذورة استحى من أهل مكّة أن يرفع ذكر النبيّ ففرك الرسول أذنه وقال: (ارفع صوتك)، وقد جاءت الروايات صريحة في لزوم رفع الصوت بالصلاة على محمد وآله ولأنّه يبعد النفاق، وقد وقفت كذلك على موقف عبدالله بن الزبير وتركه ذكر الصلاة على النبيّ لكي لا تشمخ أنُوف أبنائه.

كل هذه النصوص تؤكّد وجود مجموعتين إحداهما تجهر بذكر النبيّ وحتى الوصيّ والأُخرى لا ترضى ذلك، وهو ما شاهدناهُ كذلك في التحديث عن رسول الله فطائفة تحدّث وإن وضعت الصمصامة على أعناقها، والأخرى لا تحبّ التحديث والتدوين بل تسعى جادّة لطمس معالم دينه ودفنه، وقد مر عليك كلام معاوية (إلاّ دفناً دفناً).

وفي المقابل ترى الآلعليهم‌السلام كانوا يسعون لرفع ذكر الرسول استجابةً للذكر الحكيم، وقد كان الإمام عليّاًعليه‌السلام يقول حين يسمع الشهادتين في الأذان:

____________________

(١) الحاقة: ٤٤، ٤٥.

(٢) والشيعة تخاطب الإمام علي في زيارتهم له يوم الغدير: أوضحت السنن بعد الدروس والطمس.

٢٢٧

( أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أن محمداً رسول الله وأن الذين جحدوا محمداً هم الكافرون)، وكذلك كان يقول حينما يسمع (حيّ على خير العمل): (أهلاً بالقائل عدلاً وبالصلاة أهلاً وسهلاً)، وفي هذين النصيين تعريض بالمخالفين لمحمد وآله الطاهرين.

٣ - لمّا يَئِسَت قريش من تحريف الكتاب العزيز سعت لتحريف مفاهيم الإسلام، فقالت أنّ الإسراء والمعراج كانا مَنامِيَّيْنِ، وأنّ الأذان كان مناميّاً؛ كل ذلك لتقليل شأن الرؤيا التي رآها الرسول في بني أمية. في حين أنّ المتأمّل في قضية الإسراء والمعراج طبق رواياتنا يرى ذكر الإمام عليّ موجوداً على ساق العرش وجبهة إسرافيل وغيرها، والقوم أبدلوها إلى أبي بكر، وهذا ما ساء الإمام الصادقعليه‌السلام ودعاه أن يذكر كلّ ما جاء في ذلك من فضائل لعليعليه‌السلام .

٤ - استمرار التحريف والابتداع في الأذان بعد رسول الله، حيث أضاف عمر بن الخطاب (الصلاة خير من النوم) في أذان الفجر، وأضاف عثمان الأذان الثالث يوم الجمعة، وقيل بأنّ الشهادة بالنبوّة لم تكن على عهد رسول الله فأضافها عمر بن الخطاب، إلى غيرها من الأمور.

٥ - إنّ (حيّ على خير العمل) هو فصل ثابت موجود على عهد رسول الله والشيخين، وقد أذّن بها بعض الصحابة والتابعين، وادّعى القوم نسخها من طرف واحد، وهذا هو الذي دعا السيّد المرتضى أن يطالبهم أن يأتوا بالناسخ لها، وتحدّاهم بأنّهم ما يجدونه.

٦ - إنّ موضوع الحيعلة الثالثة ما هو إلاّ نافذة من النوافذ الكثيرة المختلف فيها في الشريعة، وشأنه شأن المتعتين والتكبير على الميت أربعاً أم خمساً، وصلاة التراويح، وغيرها.

٧ - ارتباط موضوع الحيعلة الثالثة بأمر الخلافة، فعمر بن الخطاب لا يرتضي ذكرها كما كان لا يرتضي أن يكتب الرسول كتاباً في شأن عليّ يوم رزيّة الخميس،

٢٢٨

فكيف يرضى هو وأتباعه الإتيان بذكر عليّ ولو كنائيّاً في الأذان؟!

٨ - إنّ معنى الحيعلة الثالثة تعني الولاية كما جاء صريحاً في كلام الأئمة الباقر والصادق والكاظمعليهم‌السلام .

٩ - إنّ فتح معنى (حيّ على خير العمل) محبوبٌ عند الأئمة كما جاء في كلام الإمام الكاظم لأنّ كلامهعليه‌السلام ناظر إلى رفعه من قبل عمر بن الخطاب.

١٠ - وجود الحيعلة الثالثة في الأذان الأوّل أي في الإسراء كما جاء في كلام الإمام السجادعليه‌السلام ، وقد عضّدنا ذلك بروايات الكليني فيالكافي والصدوق فيالعلل تدل على وجود اسم الإمام علي عندما خلق السماوات وهم أول أهل بيت نوه الله بأسمائهم.

كل هذه النقاط تعلن بوضوح عن سرّ جعل دليل الشهادة بالولاية لعلي كنائيّاً من قبل الشارع؛ لأنّ القوم كانوا يقابلون الأدلّة الكنائية المختصة بالإمامة بالحذف والتحريف، فكيف بالأدلّة الصريحة والواضحة؟! إنّهم كانوا لا يرتضونها من باب الأولى. وقد وقفت على كلام الإمام عليّ للزهراء: أتحبيّن أن تزول دعوة أبيك من الدنيا؟! فقالت: لا، فقالعليه‌السلام : هو ما أقول لكِ.

وعليه فإنّ في الأذان فصلاً ثابتاً دالاًّ على الولاية وهي الحيعلة الثالثة، لكنّ الظروف لم تسمح بتفسيره والحثّ عليه، وإن سمحت فمن الجائز الإتيان بتفسيرها معها لا على أنّها جزء من الأذان، وإنّ عدم ذكر الشهادة بالولاية صريحاً في الأذان هو مثل عدم ذكر الإمام علي صريحاً في القرآن، لأنّ القوم لا يطيقون أن يسمعوا الشهادة للرسول بالنبوة، فكيف يرضون سماع الشهادة لعلي بالولاية؟!

وقد أوضحت السيدة فاطمة الزهراء في خطبتها في المسجد هذه الحقيقة بأن القوم جدّوا لكتمان الحق بعد الصدع به، لقولها وهي تعرف القوم: (منكرة لله مع عرفانها) وأنّهم اسروا بمفاهيم الدعوة بعد إعلانها وكتموا الحق بعد معرفته لقولهاعليها‌السلام : (وأسررتم بعد الإعلان) وفي هذين النصين معنى ظريف وتنبيه عظيم

٢٢٩

على ما فعلته قريش مع الرسالة والرسول، فكيف مع الجهر بذكر أهل بيته المعصومين في الأذان.

ولا يخفى عليك بأنّ هناك روايات شاذّة دالّة على وجود ملاك التشريع في القول بالولاية، لكنّنا غير مأمورين بالأخذ بها، لعدم وجودها في الروايات البيانية عن المعصومين في الأذان ولمخالفتها للمعمول عليه عند الطائفة.

٢٣٠

القسم الثاني: تقرير الإمامعليه‌السلام

بعد أن انتهينا من ذكر أقوال الشارع المقدّس مدعومةً بسيرة المتشرّعة فيها، وقبل أن نواصل البحث عن بيان هذه السيرة في عهد الشيخ الصدوق (ت ٣٨١ هـ) إلى عهد العلاّمة الحلي (ت ٧٢٦ هـ)، علينا تسليط الضوء على موقف المعصوم في عصر الغيبة، لأنّه الدليل الأقوى في هكذا مسألة. وموقف المعصوم ينكشف من حديثه الذي هو قوله وفعله وتقريره كما لا يخفى.

والقول هو الدليل الشرعي اللفظي الذي يُستَنَدُ إليه في عملية الاستنباط، وما قيل بأن ليس لدينا دليل شرعي لفظيّ على الشهادة الثالثة، لخلوّ الروايات البيانيّة الصادرة عن المعصومين من ذلك، يردّه حكاية الشيخ الطوسي والعلاّمة و يحيى بن سعيد الحلي بورود شواذ الأخبار فيه، وهو كافٍ لإثبات الحجية الاقتضائية للشهادة الثالثة لا الفعلية على التفصيل الآتي في القسم الثالث.

وفعلُ المعصوم دلالتُهُ صامتةٌ، أي ليس للفعل لسانٌ ليُتَمَسَّكَ بظهوره كما هو الشأن في الدليل الشرعي اللفظي، فلابدّ من الاقتصار على القدر المتيقّن في أفعال الإمام والقول بالإباحة فيما يفعلهعليه‌السلام ، وقيل بالاستحباب إذا كان الفعل الصادر منهعليه‌السلام عبادة.

وما تركهعليه‌السلام أو سكت عنه فإنّ سكوته عنه يدل على عدم وجوب الفعل عنده، وعلى عدم الاستحباب على بعض المباني، وقيل: إنّ سكوتهعليه‌السلام هو إمضاء لفعل الآخرين، لأنّ المعصوم مكلّف كغيره من الناس، فلو كان السلوك الذي يراه عند

٢٣١

المؤمنين مخالِفاً للشرع كان عليه النهي عنه لأنّه نهي عن المنكر، فإذا لم ينه عنه علمنا أنّه ليس منهيّاً عنه وليس بمنكر، لأنّ المعصوم لا يترك المأمور به يقيناً ولا يرتكب المنهيّ عنه.

وللمعصوم خصوصية أُخرى غير التكليف، وهي ائتمانه على ودائع النبوة فلا يعقل أن يفوّت الحافظ للدين والأمين على الشريعة غرضه كما هو المشاهد في الشهادة الثالثة، فلو لم يكن سلوكهم مرضياً عندهعليه‌السلام لنهى عنه، لأنّه تهديد فعلي لأغراض الشريعة التي جاء من أجلها، كل ذلك بناءً على تمامية إجماع الطائفة على جواز الإتيان بالشهادة الثالثة في الأذان.

وأمّا ما قيل من عدم إمكان الاستفادة من هذا فيما نحن فيه: لأنّ سكوت المعصوم في غيبته لا يدلّ على إمضائه، لأنّه (غير مكلّف في حالة الغيبة بالنهي عن المنكر وتعليم الجاهل، وليس الغرض بدرجة من الفعليّة تستوجب الحفاظ عليه بغير الطريق الطبيعي الذي سبب الناس أنفسُهم إلى سَدِّهِ بالتسبيب إلى غيبته) فلا نقبله؛ لأنّ الإمام هو حجة الله في الأرض وبمقدوره إيصال ما يريده الله سبحانه عن طريق نوابه الفقهاء وأُمناء الله على حلاله وحرامه وعن طريق الصالحين وغيرها من الطرق الصحيحة، وخصوصاً أنّه ميزان الشرع الذي لولاه لضاع الدين، ولا يخفى عليك بأنّ الله قد أعدّ لهذا الدين من ينفي عنه تحريف الغالين، لقولهعليه‌السلام : إنّ فينا أهل البيت في كلّ خلف عُدُولاً ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأو يل الجاهلين(١) .

وعليه فإنّ المعصوم لا يسكت عن الزيادة والنقصان في الدين، فيما لو كان هناك إطباق على الزيادة أو النقيصة أو إجماع على الخطأ عند الطائفة، بل إنّ

____________________

(١) الكافي ١: ٣٢ ح ٢، وعنه في الوسائل ٢٧: ٧٨، وانظر بحار الأنوار ٢٧: ٢٢٢، و ٨٩: ٢٥٤، ومستدرك الوسائل ١٧: ٣١٣ / ح ٢١٤٤٤، وأنظر مسند الشامين: ٣٤٤، مشكاة المصابيح ١: ٨٢، الفوائد لتمام الرازي ١: ٣٥٠.

٢٣٢

وظيفته ردّ أهل الدين إلى الحقّ، ولولا ذلك لما عرف الحقّ من الباطل، ولالتبست على المؤمنين أمورهم، وخصوصاً لو كانت الأمور المأتية من قبل الناس تأخذ طابعاً جماعيّاً شعارياً وارتكازاً عرفيّاً كما هو المشاهد في الشهادة الثالثة..

إنّ الأقوال الشاذّة عند بعض الفقهاء في حرمتها أو القول بجزئيتها الواجبة لا ينقض الإجماع العملي عند الإمامية على الجواز بناء على تماميته من باب القربة المطلقة وحرمتها من باب الجزئية، و إليك الآن بعض الروايات في ذلك:

١ - روى الصدوق فيعلل الشرائع عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن محمد بن عيسى بن عبيد، عن محمد بن سنان وصفوان بن يحيى وعبد الله بن المغيرة وعلي بن النعمان؛ كلُّهم عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: إنّ الله لا يدع الأرض إِلاّ وفيها عالم يعلم الزيادة والنّقصان، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، و إذا نقصوا أكمله لهم، فقال: خذوه كاملاً، ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين أمرهم، ولم يُفرّق من الحقّ والباطل(١) .

وهذه الرواية صحيحة.

٢ - وفيالعلل كذلك: أبي، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد ابن عيسى ومحمد بن الحسين بن أبي الخطّاب ومحمد بن عيسى بن عبيد جميعاً، عن محمد بن سنان وعليّ بن النعمان، عن عبد الله بن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: إنّ الله عزّ وجلّ لم يدع الأرض إلاّ وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان في الأرض، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، و إذا نقصوا أكمله لهم، فقال: خذوه كاملاً، ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين أمورهم، ولم يفرّقوا بين الحق والباطل(٢) .

____________________

(١) علل الشرائع ١: ١٩٥ / الباب ١٥٣ / ح ٤. ورواه أيضاً الصفار عن محمد بن عيسى بن سنان كما في بصائر الدرجات: ٣٥١ / الباب ١٠ / ح ١.

(٢) علل الشرائع ١: ١٩٩ / الباب ١٥٣ / ح ٢٢.

٢٣٣

وهذه الرواية صحيحة.

٣ - وفيالعلل كذلك: أحمد بن محمد، عن أبيه، عن أحمد بن محمد ابن عيسى ومحمد بن عبد الجبار، عن عبد الله بن محمد الحجّال، عن ثعلبة بن ميمون، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: إنّ الأرض لا تخلو من أن يكون فيها من يعلم الزيادة والنقصان، فإذا جاء المسلمون بزيادة طرحها، و إذا جاءوا بالنقصان أكمله لهم، فلولا ذلك اختلط على المسلمين أُمورهم(١) .

وفيبصائر الدرجات : محمد بن عبد الجبار، عن الحجّال، مثله(٢) .

وفيه أيضاً: حدثنا محمد بن عيسى، عن ابن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبدالله، مثله(٣) .

وهذه الطرق صحيحة عند المشهور على كلام في أُستاذ الصدوق: أحمد بن محمد بن يحيى القمي.

٤ - وفيالعلل كذلك: حدثنا محمد بن الحسن، قال: حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن شعيب الحداد، عن أبي حمزة الثمالي، عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: إنّ الأرض لا تبقى إلاّ ومنّا فيها من يعرف الحق، فإذا زاد الناس، قال: زادوا، و إذا نقصوا منه قال: قد نقصوا، ولولا أنّ ذلك كذلك لم يُعْرَف الحقّ من الباطل(٤) .

ومثله فيبصائر الدرجات عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن

____________________

(١) علل الشرائع ١: ١٩٩ / الباب ١٥٣ / ح ٢٤.

(٢) بصائر الدرجات: ٣٥١ / الباب ١٠ / ح ٣.

(٣) بصائر الدرجات: ٣٥١ / ح ١٠ / ح ٢.

(٤) علل الشرائع ١: ١٩٥ / الباب ١٥٣ / ح ٢٦.

٢٣٤

النضر بن سويد، عن محمد بن عبدالرحمن(١) .

وروايةالعلل صحيحة بناءً على وثاقة أو قبول روايات ابن أبان، وأمّا روايةبصائر الدرجات فهي معتبرة كذلك.

٥ - وفيالعلل كذلك: أبي، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن يحيى ابن أبي عمران الهمداني، عن يونس، عن إسحاق بن عمار، عن محمد بن مسلم، عن أبى مسلم، عن أبي جعفر، قال: إنّ الله لم يدع الأرض إلاّ وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان من دين الله عزّ وجلّ، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، و إذا نقصوا أكمله لهم، ولولا ذلك لالتبس على المسلمين أمرهم(٢) .

ومثله فيبصائر الدرجات عن إبراهيم بن هاشم(٣) .

فالرواية صحيحة بناءً على وثاقة يحيى بن أبي عمران الهمداني، وهو الأظهر.

٦ - وفيالعلل كذلك: أبي، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد ومحمد بن عبد الجبار، عن محمد بن خالد البرقي، عن فضالة بن أيوب، عن شعيب، عن أبي حمزة، قال، قال أبو عبداللهعليه‌السلام : لن تبقى الأرض إلاّ وفيها من يعرف الحق، فإذا زاد الناس فيه قال: قد زادوا، و إذا نقصوا منه قال: قد نقصوا، و إذا جاؤوا به صدقهم، ولو لم يكن كذلك لم يُعرَف الحقّ من الباطل(٤) .

ومثله في بصائر الدرجات عن محمد بن عبد الجبار(٥) .

والرواية معتبرة.

٧ - وفيإكمال الدين للصدوق: حدّثنا أبي، ومحمد بن الحسن، قالا: حدثنا

____________________

(١) بصائر الدرجات: ٣٥٢ / الباب العاشر من الجزء السابع / ح ٥.

(٢) علل الشرائع ١: ٢٠٠ / الباب ١٥٣ / ح ٢٧.

(٣) بصائر الدرجات: ٣٥٢ / الباب ١٠ / ح ٦.

(٤) علل الشرائع ١: ١٩٩ / الباب ١٥٣ / ح ٢٥.

(٥) بصائر الدرجات: ٣٥١ / الباب ١٠ / ح ٤.

٢٣٥

سعد بن عبدالله وعبد الله بن جعفر، قالا: حدثنا محمد بن عيسى، عن يونس بن عبد الرحمن، عن أبي الصباح، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: إنّ الله تبارك وتعالى لم يدع الأرض إلاّ وفيها عالم يعلم الزيادة والنقصان، فإذا زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، و إذا نقصوا شيئاً أكمله لهم، ولولا ذلك لالتبست على المؤمنين أمورهم(١) .

وهذا الخبر صحيح بناءً على وثاقة محمد بن عيسى اليقطيني، وهو الصحيح.

٨ - وفيالعلل كذلك: أبي، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، عن يعقوب ابن يزيد، عن محمد بن أبي عمير، عن منصور بن يونس، عن إسحاق بن عمار، عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: إنّ الأرض لا تخلو إلاّ وفيها عالم كلّما زاد المؤمنون شيئاً ردّهم و إن نقصوا شيئاً تمَّمه لهم(٢) .

وفيإكمال الدين : حدّثنا أبي ومحمد بن الحسن، قالا: حدثنا عبدالله ابن جعفر الحميري، عن محمد بن الحسين، عن علي بن اسباط، عن سليم مولى طربال، عن إسحاق بن عمار، مثله(٣) .

وفيبصائر الدرجات : أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن ابن أسباط، مثله(٤) . وهذه الطرق معتبرة وموثّقة بمنصور بن يونس.

٩ - وفيالكافي للكليني: علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن محمد بن أبي عمير، عن منصور بن يونس وسعدان بن مسلم، عن إسحاق بن عمار عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سمعته يقول: إنّ الأرض لا تخلو إلاّ وفيها إمام، كيما إن زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، وإن نقصوا شيئاً أتمّه لهم(٥) .

____________________

(١) إكمال الدين وإتمام النعمة: ٢٠٣ / الباب ٢١، ح ١٢.

(٢) علل الشرائع ١: ١٩٩ / الباب ١٥٣، ح ٢٣.

(٣) إكمال الدين وإتمام النعمة: ٢٢١ / الباب ٢٢، ح ٦.

(٤) بصائر الدرجات: ٣٥٢ / الباب ١٠، ح ٧.

(٥) الكافي ١: ١٧٨ / باب أن الأرض لا تخلو من حجة، ح ٢.

٢٣٦

وهذه الرواية معتبرة.

١٠ - وفيالعلل كذلك: أبي، قال: حدثنا سعد بن عبدالله، قال: حدثنا محمد بن عيسى بن عبيد، عن علي بن إسماعيل الميثمي، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبد الأعلى مولى آل سام عن أبي جعفرعليه‌السلام قال سمعته يقول: ما ترك الله الأرض بغير عالم ينقص ما زاد الناس، ويزيد ما نقصوا، ولولا ذلك لاختلط على الناس أُمورهم(١) .

وفيإكمال الدين : حدثنا محمد بن الحسن، قال حدثنا سعد بن عبدالله، وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً، عن محمد بن عيسى... مثله(٢) .

وفيبصائر الدرجات : حدثنا عبدالله بن جعفر، عن محمد بن عيسى، مثله(٣) .

وهذه الرواية صحيحة إلى عبد الأعلى مولى آل سام.

١١ - وفيالعلل كذلك: حدثنا محمد بن الحسن، قال: حدثنا الحسين ابن الحسن بن أبان، عن الحسين بن سعيد، عن على بن أسباط، عن سليم مولى طربال، عن إسحاق بن عمار، قال: سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: إنّ الأرض لن تخلو إلاّ وفيها عالم كلّما زاد المؤمنون شيئاً ردّهم، و إذا نقصوا أكمله لهم، فقال: خذوه كاملاً، ولولا ذلك لالتبس على المؤمنين أُمورهم، ولم يفرّقوا بين الحقّ والباطل(٤) .

فالرواية صحيحة بناءً على وثاقة أو قبول روايات ابن أبان، والقول بوثاقة رواة كامل الزيارات، لأنّ سليماً أو سليمان مولى طربال هو ممن روى عنه ابن قولويه.

____________________

(١) علل الشرائع ١: ٢٥١ / الباب ١٥٣، ح ٣٢.

(٢) إكمال الدين وإتمام النعمة: ٢٠٥ / الباب ٢١، ح ١٦.

(٣) بصائر الدرجات: ٣٥٢ / الباب ١٠، ح ٨.

(٤) علل الشرائع ١: ٢٠٠ / الباب ١٥٣ / ح ٢٨.

٢٣٧

١٢ - وفيإكمال الدين : حدّثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد، قال: حدثنا محمد بن الحسن الصفار وسعد بن عبدالله وعبد الله بن جعفر الحميري جميعاً، عن إبراهيم بن مهزيار، عن علي بن حديد، عن علي بن النعمان و [الحسن بن علي] الوشّاء، عن الحسن بن أبي حمزة الثمالي، عن أبيه، قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: لن تخلو الأرض إلاّ وفيها رجل منّا يعرف الحقّ، فإذا زاد الناس فيه قال زادوا، و إذا نقصوا منه قال: قد نقصوا، و إذا جاؤوا به صدّقهم، ولو لم يكن كذلك لم يعرف الحقّ من الباطل.

قال عبد الحميد بن عوّاض الطائي: بالذي لا إله إلاّ هو لسمعت هذا الحديث من أبي جعفرعليه‌السلام ، بالله الذي لا إله إلاّ هو لسمعته منه(١) .

والسند معتبر على كلام في علي بن حديد.

وعليه فلو كان ما تفعله الشيعة عبر القرون الماضية غلوّاً وانتحالاً وتأويلاً، لكان على الإمام أن ينفي ذلك عن الدين، بل إنّ في سكوت الإمام وخصوصاً في أمر مقدّميٍّ عباديّ كالأذان مما يشير إلى جواز الإتيان بهذا الفعل عنده، لأنّه ذكر وعبادة فلو كان في الواقع حراماً وممّا يوجب الخلل في الدين والتعدّي على قِيَمِهِ لكان عليهعليه‌السلام نهي الناس عنه وردعهم بطريقة من الطرق خلال أُمناء الشريعة من الفقهاء الصائنين لأنفسهم، المطيعين لأمر مولاهم، وخصوصاً مع معرفتنا باستمرار هذه السيرة عند المتشرّعة إلى عصر الأئمةعليهم‌السلام لأن عمر بن الخطاب حينما حذف الحيعلة الثالثة (= الولاية) كان لا يريد حثاً عليها ودعوة إليها، ومعناه أن الأئمة المعاصرين للخلفاء بدءاً من الإمام علي حتى الإمام الكاظم الذي ذكرنا بهذا الأمر كانوا يحبّذون الإتيان بها لا على نحو الجزئية، وهو الآخر يشير إلى أن الأمة كانت تأتي به على عهد الصحابة حسبما جاء في محكي السلافة عن أبي ذر

____________________

(١) إكمال الدين وإتمام النعمة: ٢٢٣ / الباب ٢٢ / ح ١٢.

٢٣٨

وسلمان.

وعليه فالشيعة في غالب الأزمان وفي كثير من البلدان كانوا يأتون بما يدل على الولاية، ولم نقف على مدركه عندهم، وهذا يكشف عن رضا المعصوم في حدود الجواز.

وهنا كلام للمرحوم الشيخ عبد النبي العراقي يَجدر بنا نقله، فإنّهرحمه‌الله قال: فلو كان حراماً وبدعة، بل لم يكن مشروعاً وراجحاً فيهما، أَفَتَرَى أنّ أمثال الشيخ محمد بن الحسن العاملي، والمجلسيّ، والبهبهانيّ، والأسترآباديّ، والمقدّس الأردبيليّ، والسيّد بحر العلوم، والشيخ الأنصاريّ، وأمثالهم المشرَّفين بلقاء الحجّة روحي له الفداء وغيرهم من الأساطين والأكابر في كلّ دورة وكورة... يرون أنّها بدعة وحرام ومع ذلك كلّه كانوا ساكتين عنها وعن ردعها؟! وتركوا الجهال على حالهم بلا رادع ولا مانع؟! فكيف؟! ولم؟! ومتى؟! فعلى الإسلام السلام، فأين تبقى حجيّة للسيرة العقلائية التي لا زال في الفقه يتمسكون بها...(١) إلى آخر كلامهرحمه‌الله .

وعليه فيمكننا أن نستفيد من سكوت الإمام الحجّة تقريره لفعل أُولئك الشيعة ورضاه بما يأتون به، لأن ما يأتون به هو راجح في نفسه وغير مخلٍّ بالأذان.

ولا يخفى عليك بأن شأن الشهادة الثالثة لم تكن ك (حي على خير العمل)، لأن حكم الأول هو الجواز والثاني اللزوم، أي أن الأول ليس من فصول الأذان. أما الثاني، فهو من ماهية الأذان وأصوله المقومة لها. فيجوز ترك ما هو جائز ولا ضرورة لإطباق الأمة عليه، بعكس الأمر اللازم فيجب إطباق الأمة عليه في جميع العصور وشيوعه بين الأمة.

وعليه فإن سكوت الإمام وعدم ورود نهي عنه دليل على جوازه، فلو كان بدعة

____________________

(١) الهداية في كون الشهادة بالولاية جزء كسائر الأجزاء: ٣٤ - ٣٥ بتصرف.

٢٣٩

وحراما لوجَبَ التنبيه عليه من خلال وكلائه والصالحين من فقهاء العباد، وخصوصاً حينما نرى عدم وجود ضيق في بيان هذا الأمر لهم، لأنّه قد استمرّ القول بالجواز عند الشيعة لعدة قرون بدءاً من عهد عمر بن الخطاب الذي حذف الحيعلة الثالثة إلى يومنا هذا، فلو كان ما تأتي به الشيعة منكراً لوصلنا نهيه عن ذلك وحيث لا، فلا.

كان هذا مختصر الكلام عن تقرير الإمام المعصوم وسأعود إليه في ثنايا البحث إن اقتضى الأمر.

٢٤٠