أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان0%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: الصفحات: 595
المشاهدات: 149984
تحميل: 11574

توضيحات:

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149984 / تحميل: 11574
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

القسم الثالث: النّصوص الدالّة على الشّهادة الثّالثة.

عَرِفنا ممّا سبق أنّ الظروف لم تكن مؤاتية للشيعة للإجهار بالشهادة بالولاية إلاّ بمعناها الكنائي الكامن في صيغة (حيّ على خير العمل)، فهم كانوا يقولونها في عهد الرسول وفي عهد الشيخين وفي العهد الأموي وفي العهد العباسي الأوّل خفيّةً، بعيداً عن أنظار الحكّام، لا على نحو الجزئية، لأنّها لو كانت جزءاً عندهم لما جاز لهم تركها، ولما اختلفوا في صيغها، وقد رأيت أنّهم يذكرونها إمّا على أنّها جملة تفسيرية، وإمّا لمحبوبيتها المطلقة المستفادة من عمومات اقتران الرسالة والولاية بالذكر، كما هو مفاد كثير من النصوص النبوية والولوية.

وقد حكي عن مجموعة من المفوِّضة، أو المتَّهمة بالتفويض والتي قد ظهرت في أيّام الغيبة أنّها تدّعي لزوم الإتيان بها على نحو الشطرية والجزئية وكونها من فصول الأذان وداخلة في ماهيته، ورووا في ذلك أخباراً، وهذا هو الذي ألزم بعض الفقهاء والمحدّثين كالشيخ الصدوقرحمه‌الله للوقوف أمامهم، لأنّه ليس بين ثنايا الأخبار الواصلة إلينا ما يدعو إلى وجوب ذكر الشهادة بالولاية في الأذان على نحو الجزئية، وبذلك فنحن لا نُخْرِجُ كلام شيخنا الصدوقرحمه‌الله من أحد ثلاث احتمالات: أن يكون هجومه على المفوّضة جاء لاعتقادهم بالجزئية، أو أنّهرحمه‌الله قالها تبعاً لمشايخه القميين، وقد يكون نصالفقيه قد صدر عنه تقيةً، وهذا الاحتمال الأخير تؤكّده بعض فقرات النص الآتي.

نحن لا نتردّد في أنّ الصدوقرحمه‌الله هو الفقيه الورع، ولا يمكنه بحسب قواعد الاستنباط المتّفق عليها بين الأمّة أن يفتي بعدم جواز الإتيان بالشهادة بالولاية،

٢٤١

بقصد القربة المطلقة، أو لمحبوبيتها الذاتية، أو التفسيرية.

نعم، نحن مع شيخنا الصدوق في عدم جواز الإتيان بها على نحو الجزئية الواجبة، وقد عرفت بأن أغلب الشيعة الزيدية والإسماعيلية والإمامية الاثني عشرية لا يأتون بها على نحو الجزئية.

ولعلّ ترك الزيدية والإسماعيلية في العصور اللاّحقة قول (محمد وعليّ خير البشر) أو (محمد وآل محمد خير البرية) بعد (حيّ على خير العمل) يؤكد على أنّهم لا يقصدون جزئيتها مع الحيعلة الثالثة، فهم يأتون بها في بعض الأحيان ويتركونها في أحيان أخرى، وهو المقصود بنحو عام من التفسيرية والمحبوبية الذاتية والقربة المطلقة، والأمور الثلاثة الأخيرة لا تعترضها شبهة التشريع المحرّم والبدعة، وعلى هذا الأساس نحن لا نشك ولا نتردد في أنّ الشيخ الصدوققدس‌سره لم يقصد هذه المعاني؛ إذ يبعد ذلك منه جدّاً بعد وقوفه على أدلّة الجواز، لذلك نراه يشدّد النكير فقط على من شرّعها طبقاً لروايات اعتقدها موضوعة.

وعليه: فكلامهرحمه‌الله لا يعني كلّ زيادة بما أنّها زيادة على الموجود لأنّه قد وقف على روايات فيها زيادات على ما رواه الحضرمي وكليب الأسدي، وبذلك فإنّهرحمه‌الله يعني بكلامه الزيادات الجديدة الموضوعة التي لم ترد في الأخبار الأذانية من قِبَلِ المعصومين.

أمّا لو كانت هناك روايات أو عمومات يُرادُ الأخذ بها لا على نحو الجزئية فلا يمانعه الشيخ الصدوق.

إذن، فالشيخ الصدوقرحمه‌الله لا يعني هؤلاء يقيناً، بل اعترضرحمه‌الله على الأخبار الموضوعة من قبل المفوّضة المفيدة للجزئية؛ إذ لا يعقل أن يلعن الشيخقدس‌سره من اجتهد من الشيعة وأفتى بمحبوبيتها العامة وأنّها ليست بجزء، من خلال العمومات وشواذ الأخبار والأدلّة الأخرى الدالّة على ذلك.

وممّا يؤكد ذلك أنّ الشيخ الصدوق لا يعترض على مضمون ما يقوله

٢٤٢

المفوضة، وفي الوقت نفسه لا يرضى قولها على نحو الجزئية وأنّها من أصل الأذان لقوله في آخر كلامه: (لا شكّ أنّ عليّاً ولي الله، وأنّه أمير المؤمنين حقّاً، وأنّ محمّداً وآله خير البرية، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان).

نعم، المطالع في كلمات اللاّحقين يقف على ما هو دالّ على الشهادة الثالثة على نحو القربة المطلقة، ولمحبوبيّتها الذاتية، ولرجاء المطلوبيّة من قبل الشيعة، وهي موجودة في أصول أصحابنا، بحيث يمكن الاستدلال بها تارة بالدلالة التطابقية وهذا ما فعله الشيخ الطوسي وابن البرّاج (رحمهما الله تعالى) ومن تبعهما كالمجلسي وأُخرى بالدلالة الالتزامية، كمرسلة الصدوق في(من لا يحضره الفقيه)، وفتاوى السيّد المرتضى، والشيخ الطوسي، وابن البراج، ويحيى بن سعيد الحلي، والعلاّمة الحلي، ونحن خصصنا هذا القسم لتفسير كلامهمرحمهم‌الله وبيان الملابسات التي لازمتها؛ لأنّ اللاحقين كثيراً ما يكتفون بفتاوى هؤلاء الأعلام دون التعريف بملابساتها وظروفها الحقيقية والموضوعية، وعلى كلّ تقدير فكلمات هؤلاء الأعلام نابعة من روح العقيدة وعليها تدور رحى الاجتهاد.

٢٤٣

٢٤٤

١ - مرسلات الصدوق (١) (٣٠٦ هـ - ٣٨١ هـ)

 روى الشيخ الصدوق بسنده عن أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي عن الإمام الصادق فصول الأذان فقال: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

 أشهد أن لا إله إلاّ الله، أشهد أن لا إله إلاّ الله.

 أشهد أنّ محمّداً رسول الله، أشهد أنّ محمّداً رسول الله.

 حيّ على الصلاة، حيّ على الصلاة.

 حيّ على الفلاح، حيّ على الفلاح.

 حيّ على خير العمل، حيّ على خير العمل.

 الله أكبر، الله أكبر.

 لا إله إلاّ الله، لا إله إلاّ الله.

 والإقامة كذلك، ولا بأس أن يقال في صلاة الغداة على إثر (حيّ على خير العمل)، (الصلاة خير من النوم). مرّتين للتقيّة.

 وقال مصنف هذا الكتاب [أي الصدوق]: هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه، والمفوِّضة (لعنهم الله) قد وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان (محمّد وال محمّد خير

____________________

(١) أخبار الصدوق في الفقيه مسندة، وإنما عنوناها بالمرسلات لأنّهرحمه‌الله ذكر متوناً روائية عن المفوضة ولم يأت بأسانيدها. وقد عبر الفقهاء عن تلك المتون بالمراسيل، قال صاحب الجواهر ٩: ٨٦، عن المجلسي: أنّه لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة في الأذان استناداً إلى هذه المراسيل التي رميت بالشذوذ، انظر بحار الأنوار ٨١: ١١١ / باب (الأقوال في أشهد أنّ علياً ولي الله) كذلك.

٢٤٥

البرية) مرتين، وفي بعض رواياتهم بعد (أشهد أن محمداً رسول الله) (أشهد أن علياً وليّ الله) مرتين، ومنهم من روى بدل ذلك: (أشهد أنّ عليّاً أمير المومنين حقّاً) مرتين. ولا شكّ في أنّ علياً وليّ الله، وأنّه أمير المؤمنين حقاً، وأنّ محمّداً وآله (صلوات الله عليهم) خير البرية، ولكن ليس ذلك في أصل الأذان، وإنّما ذكرت ذلك ليُعرَفَ بهذه الزيادة المتَّهمون بالتفويض المدلِّسون أنفسَهم في جملتنا(١) .

ولنا مع شيخنا الصدوقرحمه‌الله عدة وقفات لشرح ما تضمن كلامه:

الأولى: إنّ الخبر السابق والذي حكم الصدوق بصحته بقوله: (هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه) هو خبر شاذّ لا يعمل به أصحابنا اليوم، لأنّ فيه اتّحاد عدد فصول الأذان والإقامة، لقولهرحمه‌الله : (والإقامة كذلك) وهو قول شاذّ لا يوافقه عليه أحد.

وكذا لم يُذكر فيه جملة: (قد قامت الصلاة) مرّتين في الإقامة، ومعنى كلامه هو أنّ الإقامة مثل الأذان في فصوله حتى (لا إله إلاّ الله) في آخر الأذان، إلاّ أنّه يؤتى بها قبل إقامة الصلاة.

ولو كان يريد وجود: (قد قامت الصلاة) مرّتين في الإقامة لكان عليه أن يقول(٢) كما قال الطوسي في النهاية: والإقامة مثل ذلك، إلاّ أنّه يقول في أول الإقامة مرتين: (الله أكبر، الله أكبر)، يقتصر على مرّة واحدة: (لا إله إلاّ الله) في آخره، و يقول بدلاً من التكبيرتين في أوّل الأذان: (قد قامت الصلاة، قد قامت

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه ١: ٢٨٩ - ٢٩١ / باب الأذان والإقامة وثواب المؤذنين / ح ٨٩٧.

(٢) روى الشيخ في التهذيب ٢: ٦٠ باب عدد فصول الأذان ح ٢١٠. بسنده عن عمر بن أذينة عن زرارة والفضيل بن يسار عن أبي جعفر وفيه: والإقامة مثلها إلاّ أنّ فيها قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة، بعد حي على خير العمل حي على خير العمل.

٢٤٦

الصلاة) بعد الفراغ من قوله: (حيّ على خير العمل، حي على خير العمل)(١) في حين أن الشيخ الصدوق لم يقل بهذا.

وكذا قولهرحمه‌الله : (ولا بأس أن يُقال في صلاة الغداة على إثر حيّ على خير العمل: الصلاة خير من النوم، مرتين للتقية) لا يمكن تصوّره والقول به، لأنّ المؤذّن لو كان في حال التقية فلا يمكنه أن يجهر ب (حي على خير العمل)، و إن لم يكن في حال التقيّة فلا يجوز له أن يقول: (الصلاة خير من النوم)، إلاّ أن نقول إنّه كان يعيش في تقيّه عالية فأفتى بالقول بالحيعلة سرّاً وبالتثويب علناً، جمعاً بين الأمرين، أو لعلّ هناك ملابسات أخرى سنوضّحها لاحقاً.

الوحيد البهبهاني ومقصود الصدوق من مثلية الأذان والإقامة

قال الوحيد البهبهاني وبعد أن ذكر رواية الحضرمي والأسدي: فلعل المراد أنّ الإقامة كذلك غالباً، إلاّ فيما ندر، وهو تثنية التكبير في الأوّل، ووحدة التهليل في الآخر... فيحتمل أن يكون المراد من كون الإقامة مثل الأذان، أنّها مثله في كونها مثنى مثنى، ردّاً على العامة القائلين بكونها مرّة مرّة مطلقاً... والصدوق في(الفقيه) لم يذكر إلاّ هذه الرواية، ثمّ قال: هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص... فلو لم يكن ما ذكرناه هو المراد من هذه الرواية، ولم يكن ذلك ظاهراً عليهم، لم يكن لما ذكره الشيخ وما ذكره الصدوق وجه، لأنّ ظاهر هذه الرواية مخالف للمُجمع عليه، إذ لم يرضَ أحد أن تكون الإقامة مثل الأذان، لأنّ فيها (قد قامت الصلاة) يقيناً دون الأذان... وأمّا أن يكون المراد غيره ولا قرينة أصلاً على تعيين

____________________

(١) النهاية: ٦٨.

٢٤٧

ذلك... فكيف لم يجعلها الشيخ معارَضَةً، ولا توجّه إلى وجه الحمل ورفع التعارض بإبداء المراد؟ والصدوق كيف ردّ بها المذاهب النادرة الّتي هي خارجة عن مذهب الشيعة، ولم يتعرّض لردّ ما هو المذهب المشهور في الشيعة، لو لم يكن متّفقاً عليه؟! ولو لم يكن هو المشهور، فلا أقل من كونه مذهباً مشهوراً منهم، ولو لم يكن كذلك فلا أقلّ من كونه مذهب بعض منهم، وأين هذا من مذهب من هو خارج من الشيعة؟

هذا، مع أنّه لم يبيّن: أيُّ شيء أريد من هذه الرواية؟ فظاهرها بديهيّ الفساد لا يرتكبه أحد، فضلاً أن يكون مثل الصدوق.

وخلاف الظاهر تتوقّف معرفته على سبيل التعيين، فإنّ تأليفه(الفقيه) لمن لا يحضره الفقيه، فمن لا يحضره الفقيه كيف يعرف الاحتمال المخالف للظاهر على سبيل التعيين من غير معيِّن؟! بل من يحضره الفقيه لا يمكنه ذلك فضلاً عمّن لا يحضره.

وخلاف الظاهر، إمّا أن يكون المراد أنّها مثل الأذان، إلاّ زيادة (قد قامت الصلاة) مرتين، أو تكون هذه الزيادة مكان التكبير مرّتين في أوّل الأذان، فيصير عددها وفصولها سواء، وهو أقرب إلى قوله: والإقامة مثل ذلك(١) . انتهى كلام الوحيد البهبهاني.

فكيف يمكن علمياً أن يعارِضَ خبرٌ شاذّ غير معمول به، الأخبارَ الصحيحة الأخرى في الأذان والإقامة والتي عمل بها الشيعة حتى صارت سيرة لهم؟!

____________________

(١) مصابيح الظلام ٦: ٥٠٩ - ٥١٢. وانظر كلامه في الحاشية على مدارك الأحكام ٣: ٢٨٠ كذلك.

٢٤٨

أضف إلى ذلك أنّ الأصحاب الّذين أجازوا العمل بالروايات المختلفة في الأذان والإقامة، سواء كانت ٣٥ فصلاً، أو ٣٧، أو ٣٨، أو ٤٢ أو غيرها، قالوا بذلك لصحّة تلك الروايات عندهم، فكيف يصحّ أن يقول الشيخ الصدوق: (هذا هو الأذان الصحيح لا يزاد فيه ولا ينقص منه)، مُغفِلاً الروايات الأخرى المعمول بها عند الآخرين؟!

إذن لا سبيل لحلّ هذا الإشكال إلاّ بأن نقول كما قال الوحيدقدس‌سره ، أو نقول: إنّها محمولة على التقية، وهذا ما استظهره الشيخ يوسف البحراني في قوله: والأظهر عندي أنّ منشأ هذا الاختلاف إنّما هو التقية، لا بمعنى قول العامة بذلك، بل التقيّة بالمعنى الذي قدّمناه في المقدمة الأولى من مقدمات الكتاب(١) .

والمقصود هو أنّ المعصوم كان يتعمّد إلقاء الخلاف بين شيعته حتى لا يكون هو والدين غرضين للأعداء؛ إذ لو عرف الأمويون والعباسيون منهج آل البيت وشيعتهم بوضوح لسهل عليهم الفتك بهم والقضاء عليهم نهائياً.

وبنحو عام وبغضّ النظر عن كيفية تفسير التقية؛ فإنّ الملاحظ أنّ الصدوقرحمه‌الله وإن كان معاصراً للدولة البويهية الشيعية إلاّ أنّه مع ذلك يعتقد جازماً بلزوم التقيّة حتى خروج القائم فلا يخلو منها عصر من العصور؛ وذلك جليٌّ في قولهرحمه‌الله : والتقية واجبة لا يجوز تركها إلى أن يخرج القائم سلام الله عليه، فمن تركها فقد دخل في نهي الله ونهي رسوله والأئمّة صلوات الله عليهم(٢) .

الثانية: نظراً لقرينة أخرى يمكن حمل ما رواه الشيخ الصدوق عن أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي على التقيّة؛ لقوله بعدم البأس بالإتيان ب (الصلاة خير

____________________

(١) انظر الحدائق الناضرة ٧: ٤٠٢. وسنأتي بكلامهرحمه‌الله عند بياننا لكلام الشيخ الطوسي بعد قليل في صفحة ٣١٣ وما بعدها فانتظر.

(٢) الهداية للصدوق: ٥٣.

٢٤٩

من النوم) مرّتين تقيةً.

و يؤكّد احتمال التقية ما رواه الشيخ في التهذيب(١) والاستبصار(٢) والذي ليس فيه هذه الزيادة، ممّا يؤكّد بأن ما قاله الشيخ الصدوق كان للتقية.

ولا يخفى أنّ ما جاء في بعض الأخبار عن الإمام الباقر أو الصادقعليهما‌السلام من أنّهما كانا يؤذّنان بالصلاة خير من النوم لا يمكن جعله دليلاً على الكلام الآنف؛ لأنّهما كانا يأتيان بذلك للإشعار والإعلام حسب ما صُرِّح في بعض الأخبار(٣) لا على أنّه من فصول الأذان، وهي محمولة على التقية(٤) ، وهذا يختلف عن قول الشيخ بعدم البأس وخصوصاً بعد (حي على خير العمل)، فإن قوله هذا يخضع لملابسات نذكرها في الوقفة الثالثة عشر إن شاء الله تعالى.

الثالثة: إنّ الجروح التي تصدر عن القميّين لا يمكن الوثوق بها والاعتماد عليها إذا ما انفردوا بها لأنّها قد تكون لمجرّد التشدّد، أو لتصوّرهم فساد عقيدة الراوي حيث يروي حديثاً لا يعتقدون به، وكلاهما ليس بشيء.

قال الوحيد البهبهاني: ثمّ اعلم أنّه [أحمد بن محمد بن عيسى] وابن الغضائري ربّما ينسبان الراوي إلى الكذب ووضع الحديث أيضاً بعد ما نسباه إلى الغلو وكأنّه لروايته ما يدلّ عليه، ولا يخفى ما فيه(٥) .

وقال الوحيد في حاشيته علىمجمع الفائدة والبرهان : وقد حقّقنا على رجال الميرزا ضعف تضعيفات القميّين، فإنّهم كانوا يعتقدون بسبب اجتهادهم اعتقادات من تعدّى عنها نسبوه إلى الغلوّ، مثل نفي السهو عن

____________________

(١) التهذيب ٢: ٦٠/ ح ٢١١، وسائل الشيعة ٥: ٤١٦ / ح ٦٩٧٠.

(٢) الاستبصار ١: ٣٠٦/ ح ١١٣٥.

(٣) التهذيب ٢: ٦٣ / ح ٢٢٢، الاستبصار ١:٣٠٨ / ح ١١٤٦، وسائل الشيعة ٥: ٤٢٧.

(٤) انظر كشف اللثام ٣: ٣٨٦ والحدائق الناضرة ٧: ٤٢٠.

(٥) الفوائد الرجالية: ٣٩.

٢٥٠

النبي، أو إلى التفويض، مثل تفويض بعض الأحكام إليه، أو إلى عدم المبالاة في الرواية والوضع، وبأدنى شيء كانوا يتهّمون كما نرى الآن من كثير من الفضلاء والمتديّنين وربّما يخرجونه من قمّ و يؤذونه وغير ذلك(١) .

وقال الشيخ محمد ابن صاحب المعالم: إنّ أهل قمّ كانوا يخرجون الراوي بمجرّد توهّم الريب فيه(٢) .

فإذا كانت هذه حالتهم وذا ديدنهم، فكيف يعوّل على جروحهم وقدحهم بمجرده، بل لابدّ من التروّي والبحث عن سببه والحمل على الصحّة مهما أمكن(٣) .

والمطالع في رجال قمّ وتاريخها يقف على أسماء بعض المحدّثين الذين نقم عليهم أهل قمّ لاتّهامهم بالغلّو، والّذي مرّ عليك سابقاً سقم كلامهم، كما فعلوه مع محمد بن أرومة الذي أشاعوا عنه بأنّ عنده أوراقاً في تفسير الباطن، والذي قال عنها ابن الغضائري: أظنّها موضوعة عليه(٤) ، وقد بَرَّأَ الإمام أبو الحسنعليه‌السلام ابنَ أورمة من هذا الاتّهام وكتب إلى القميّين ببراءته.

بناءً على ذلك فليس من البعيد أن يكون شيخنا الصدوققدس‌سره قد اتّهم القائلين بالشهادة بالولاية في الأذان بالوضع، وذلك لنقلهم ما لا يتّفق مع عقيدته وعقيدة مشايخه المحدّثين، فهم كانوا إذا وجدوا رواية على خلاف معتقدهم وصفوها بالضعف، وراويها بالجعل والدس، وهذا الاعتقاد يوجب إخراج كثير من الروايات واتّهام كثير من المشايخ بالكذب، قال الشيخ الصدوق في(الاعتقادات في دين الإمامية) : وعلامة المفوّضة والغلاة وأصنافهم [اليوم] نسبتهم مشايخ قمّ

____________________

(١) حاشية مجمع الفائدة والبرهان: ٧٠٠.

(٢) استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار ٤: ٧٧.

(٣) مقباس الهداية: ٤٩.

(١) رجال ابن الغضائري: ٩٣ / ت ١٣٣.

٢٥١

 وعلماءهم إلى القول بالتقصير(٢) ، هذا مع ملاحظة تفرّد الشيخ الصدوققدس‌سره بأنّ الأخبار موضوعة إذ لم يقل أحد بذلك قبله.

الرابعة: لعلّ الشيخ الصدوق اتّهم المفوّضة بوضع أخبار؛ لأنّهم تجاوزوا حد ما كانت تعمل به بعض الشيعة آنذاك من قبيل: (محمد وآل محمد خير البرية)، و (عليّ خير البشر) قاصدين بها الجزئية، ثم أتى بنصوص دالّة على الشهادة الثالثة بإرسال، دون ذكر أسانيدها، مؤكّداً بكلامه على تعدّد طرقها ومتونها، وهي صريحة بأنّ ما وقف عليه الشيخ الصدوقرحمه‌الله عند من سمّاهم المفوّضة ليس خبراً واحداً، بل هي أخبار كثيرة، لذلك قال: (وفي بعض رواياتهم) ثم أردف ذلك قائلاً: (ومنهم من روى بدل ذلك)، وهاتان العبارتان تؤكدان بوضوح تعدّد تلك الروايات، وتكثّر طرقها، واختلاف صيغها على غرار المعمول عليه عند بعض الشيعة من الزيدية والإسماعيلية الذين كانوا يأتون بها على نحو التفسيرية أو القربة المطلقة؛ لأنّ تعدّد الصيغ ينبئ عن عدم الجزئية عندهم.

فكأنّ المفوّضة حسب اعتقاد الصدوقرحمه‌الله وضعوا أخباراً مسندةً بتلك الصيغ المعمول بها عند بعض الشيعة ليلزموا الآخرين بالإجهار بها، وهذه الزيادة وعلى نحو الجزئية لا يرتضيها الشارع المقدّس ولا يقبلها الشيخ الصدوق ولا غيره من علماء الإمامية إذا كان مستندها تلك الأخبار الموضوعة فيما لو ثبت وضعها، فهذا العمل من أبطل الباطل لكنّ الكلام ليس في الكبرى بل في الصغرى، وهي أنّ الأخبار هل كانت موضوعة فعلاً؟ وهل أنّ رواتها هُمُ المفوّضة أم المتّهمون بالتفويض؟ إلى غير ذلك من الاحتمالات.

وهو الآخر لا يعني مخالفتهرحمه‌الله للذين يأتون بها لمحبوبيّتها الذاتيّة للقربة المطلقة، بل في كلامهرحمه‌الله وكذا في كلام الإمام الكاظمعليه‌السلام من قبله ما يشير إلى

____________________

(١) الاعتقادات: ١٠١.

٢٥٢

 إمكان تعدّد الصيغ الدالّة على الشهادة بالولاية إلى أكثر من صيغة وأنّها مجازة شرعاً إن لم يأت بها الإنسان على نحو الجزئية، ولذلك ذكر الشيخ الصدوق ثلاث صيغ منها، كدلالة على تكثّرها، تلك الدلالة التي تعني أنّ مستند الإتيان بالشهادة الثالثة ليس الأخبار الموضوعة، ولا أنّها جزء توقيفيّ فيها، بل تعني المحبوبيّة العامّة لا غير.

وعلى أيّ حال، فإن ما أشار إليه الصدوقرحمه‌الله من روايات الشهادة الثالثة يدلّ من ناحية أخرى على تناقلها في عصره، وستقف لاحقاً على أنّ بعض الشيعة في حلب وبغداد كانوا يؤذّنون بها في عصر الصدوق ومن قبله، وهذا يوقفنا أيضاً على أنّ مخالفته كانت مع الذين يضعون الأخبار و يزيدون فيها على نحو الجزئية لا غير ذلك، وإلاّ فمن الصعب على العقل احتمال أن يتّهم الشيخ الصدوق بالتفويض كلَّ من قال بالشهادة الثالثة في الأذان حتّى من باب القربة المطلقة، فعبارته كالنصّ في أنّه يقصد مَنْ وَضَعَ الأخبار ومن استند إليها على نحو الجزئية لا غير، لقوله: (وضعوا أخباراً وزادوا في الأذان)، وقوله: (ولكن ذلك ليس من أصل الأذان).

الخامسة: إنّ اختلاف الصيغ وتعدّدها لا معنى له سوى تأكيد أنّهم كانوا لا يأتون بها على أنّها جزء من الأذان، بل قد تكون تفسيرية لجملة (حي على خير العمل)، وقد تكون لمحبوبيّتها الذاتية ورجحانها النفسي وما ذكرناه من تنقيح المناط ووحدة الملاك في الشهادات الثلاث.

فإنَّ الإتيان بها تارة بعد الحيعلة الثالثة، وأخرى بعد الشهادة بالنبوة لَيُؤَكِّد بأنّ القائلين بها لا يأتون بها على نحو الجزئية والشطرية حتى يَتَّهِمَ الشيخ الصدوق القائلين بها بالتدليس والابتداع وأنّهم ادخلوا ما ليس من الدين في الدين. إلاّ أن نقول إنّه عنى المفوضة القائلين بها على وجه الخصوص، أو إنّ قوله السابق قد صدر عنه تقيّةً.

٢٥٣

السادسة: إنّ الشيخ الصدوق قد ذكر متن بعض تلك الروايات دون ذكر سندها وهو ديدنه في كثير من الأبواب الفقهية لكنّ الفقيه والمحدِّث قد يرى سند تلك الروايات في المجاميع الحديثية الأخرى كالتهذيب والكافي وغيرهما. فلماذا لا نقف على إسناد تلك الروايات إذن؟

من المعلوم أنّ وثاقة الراوي لا تكفي لحجيّة الرواية ما لم تسلم من الشذوذ والعلّة، ولأجل ذلك نرى الأئمّة يؤكّدون على شيعتهم لزوم عرض أقوالهم على الكتاب المجيد، للأخذ بالصحيح وترك الزخرف منه.

لكنّ الصدوقرحمه‌الله وغيره من القميّين كانوا يعتمدون وثاقة الراوي أكثر من راجحية الرواية، فقد نقل الشيخ الطوسي في ترجمة سعد بن عبدالله الأشعري عن الصدوق قوله: وقد رويت عنه كلّ ما في المنتخبات مما أعرف طريقه من الرجال الثقات(١) .

وقال فيالفقيه : وأمّا خبر صلاة يوم غدير خمّ، والثواب المذكور فيه لمن صامه، فإنّ شيخنا محمد بن الحسن كان لا يصحّحه... إلى أن قال: فهو عندنا متروك غير صحيح(٢) .

وقد مرّ عليك اعتراض أبي العباس بن نوح على الصدوق وشيخه في استثنائهما محمد بن عيسى بن عبيد من نوادر الحكمة بقوله: (فلا أدري ما رأيه فيه، لأنّه كان على ظاهر العدالة والثقة). و يفهم من كلامه أنّ أبا العباس بن نوح وابن الوليد والصدوقرحمهم‌الله يعتبرون الوثاقة في الراوي دون أرجحية الرواية.

نعم، قد يأتي الصدوق بكلام الواقفيّ وغيره، وخصوصاً لو جاء في كتب أحد

____________________

(١) الفهرست: ١٣٦ ت ٣١٦.

(٢) من لا يحضره الفقيه ٢: ٩٠ ذيل الحديث ١٨١٧، والسبب في ذلك وجود محمد بن موسى الهمداني في السند، وهو غير ثقة عنده.

٢٥٤

مشايخه، لكونها موجودة في أُصول الرجال الثقات.

والشيخ هنا ترك ذكر أسانيد تلك الروايات لأنّها موضوعة بنظره تبعاً لمشايخه، علماً أن مشايخه الكرام أخبروا بحذف (حي على خير العمل) من الروايات تقية. فكيف لا يُحذف أو يُترك ما فيه دلالة على رجحان الشهادة بالولاية في الأذان؟

وكلامنا هذا لا يوحي بأنا نذهب إلى الجزئية، لأن الترك المقصود من قبل الأئمّة يحمل بين طياته معانٍ كثيرة، وعليه فشيخنا الصدوقرحمه‌الله كان يروي عن من يخالفه في المعتقد، وفاسدي العقيدة كالواقفية، لأنّها جاءت في أصول أصحابنا الثقات، وأمّا فيما نحن فيه فلا نراه يهتمّ بوجهة نظر الآخرين، ولم يروِ ما روته المفوضة لأنهم بمنزلة الكفار والمشركين عنده، وعندنا كذلك، وربّما لثقته العالية بأن الشهادة الثالثة بعنوان الجزئية هي من موضوعاتهم، لقوله (ليعرف المدلسون أنفسهم في جملتنا) وبذلك يختلف الفعل عنده، فتارة يتكلم عن الضعيف وآخر عن الوضاع، فيأتي بما رواه الأوّل ولا يذكر ما رواه الثاني، و يؤكّد مقولتنا هذه ما قالهرحمه‌الله في (باب الصلاة في شهر رمضان) تعقيباً على من روى الزيادة في التطوّع في شهر رمضان زرعة عن سماعة وهما واقفيان قال:

 قال مصنف هذا الكتاب: إنّما أوردت هذا الخبر في هذا الباب مع عدولي عنه وتركي لاستعماله ليعلم الناظر في كتابي هذا كيف يُروَى ومن رواه، وليعلم من اعتقادي فيه أنّي لا أرى بأساً باستعماله(١) .

وعليه فالشيخرحمه‌الله يأخذ بالخبر الضعيف لا الموضوع، لأن الأخير ساقط بنظره ومتروك لسقوط راويه، وإن كان منهج القدماء يدعوه للأخذ به، لأن الأصل في

____________________

(١) من لا يحضره الفقيه ٢: ١٣٩، ذيل الحديث ١٩٦٧.

٢٥٥

الأخبار عندهم صحة المضمون لا السند، وما أتى به صحيح المضمون بلا خلاف، لكنه ترك ذلك لاعتقاده بوضع المفوضة لها.

وكون روايات المفوضة موضوعة حسب اعتقاده لا يلزم منه عدم تجويز الإتيان بها لا على نحو الجزئية.

السابعة: ممّا لا شكّ فيه أنّ المفوّضة والغلاة من شرّ خلق الله، لكنّ مجرّد عمل المفوّضة بشيء لا يمكن اعتباره معياراً للترك وأنّه من الباطل؛ فقد يكون لدى المفوّضة أدلّة على شرعية ما يفعلونه غير تلك الأخبار الموضوعة التي قصدها الشيخرحمه‌الله ؛ لاحتمال أنّه وقف عليها فقط ولم يقف على غيرها مما هو غير موضوع، و يكون مثالهم في الشهادة الثالثة نظير العامّة القائلين بالحيعلتين الأوليين، المتطابقتين مع المرويّ عندنا في الأذان الصحيح وإن كان رواتهما بنظرنا غير ثقات، فهل يمكننا أن نقول بتركهما لموافقتها للعامة؟ إنّ هذا قول عجيب، ولا يقول به أحد منّا.

لكنّ الأمر لم يكن كذلك، وذلك فيما نعتقد لعدم وجود روايات دالّة على الجزئية في الأذان، نعم هناك شواذ أخبار وعمومات يمكن القول من خلالها برجحان الشهادة بالولاية كما جاء في حسنة ابن أبي عمير ومرسلةالاحتجاج : (من قال محمد رسول الله فليقل علي أمير المؤمنين) وخصوصاً لو دمج ذلك مع سيرة المتشرّعة قبل ولادة الشيخ الصدوق، وأنّهم كانوا يأتون بصيغ مختلفة دالّة على الولاية في أذانهم تصريحاً أو تلميحاً، وإقرار الإمام الحجة لفعلهم وعدم ورود نهي عنه في ذلك، فكلّ هذا يدعونا للقول بعدم الضير بالإتيان بها في الأذان، بشرط أن لا تكون على نحو الجزئية، كما كان معمولاً عليه في عهد الأئمة(١) وهذا ما كان يلحظ في عمل أصحابنا، والذي يدلّ عليه و يؤكّده كلام

____________________

(١) إذ مر عليك في كلام الإمام الكاظمعليه‌السلام على وجود السيرة في ذلك، لقولهعليه‌السلام : (وإن الذي

٢٥٦

كُلٍّ من الأئمّة: الكاظم، والرضا، والهاديعليهم‌السلام .

وهنا يمكن القول بأنّ ذهابنا إلى رجحان الشهادة بالولاية في الأذان ومن دون اعتقاد الجزئية إنّما هو لتلك العمومات وما جاء تلميحاً وإشارة لا لما رواه المفوّضة، فلا تأتي شبهة العمل بأخبارهم الباطلة لعنهم الله.

الثامنة: إنّ إتيان الشيخ الصدوق بصيغ الزيدية والإسماعيلية وبعض الإماميّة ضمن هجومه على المفوّضة (المدلسون أنفسهم في جملتنا) لا يعني أنّهرحمه‌الله كان يعتقد بأنّ هؤلاء كانوا يأتون بها استناداً لأخبار المفوّضة الموضوعة، بل كانوا يتداولونها لما عندهم من العمومات، يوضّح ذلك أنّه لم يلعن غير المفوّضة.

فالزيدية كانوا يقولون بها بعد الحيعلة الثالثة قبل ولادة الصدوق بصيغة (محمد وعلي خير البشر)(١) ، ولم نجد في كلّ كلمات الصدوق أنّه لعنهم لذلك.

والإسماعيلية كانوا يأتون بها بصيغة: (محمد وآل محمد خير البرية)(٢) ، ولم يلعنهم لذلك أو يذمّهم.

والإمامية رعاية للترتيب الملحوظ في جميع الروايات الصادرة عن أهل البيت قالوها بعد الشهادة بالنبوة لرسول الله.

لكن الشيخ الصدوقرحمه‌الله تسامح في عبارته، فتصوّر الكثيرون بأنّ جميع هذه الصيغ تقال بعد الشهادة بالنبوة فقط، وهي للمفوضة الملعونة !، ولا يقول بها غيرهم، وأنّ مستندها فقط الأخبار الموضوعة، في حين أن صيغتين منها تقال بعد

____________________

أمر بحذفها أراد أن لا يكون حث عليها ودعاء إليه) وهذا الكلام واضح بأن هناك نهج لا يرتضي ذكر ما يأتي في تفسير الحيعلة بخلاف الإمام الكاظم الذي حبّذ الحث عليها والدعوة إليها، وعليه فالسيرة قائمة على الشهادة بالولاية بالجواز لا اللزوم حتى يقال لماذا تركها الإمام المعصوم واتباعهم كالشيخ المفيد والعماني وابن الجنيد وأمثالهم.

(١) سفر نامه ناصر خسرو: ١٤١، ١٤٢، صبح الأعشى في صناعة الإنشا ١٣: ٢٣٠.

(٢) انظر الإسماعيلية، لأحمد إسماعيل: ٥٥.

٢٥٧

الحيعلة الثالثة وهي للزيدية والإسماعيلية. أما الصيغة الثالثة فتقال بعد الشهادة الثانية، وهي للإمامية الاثني عشرية، فعدم تحديد الشيخ الصدوق لأماكن ورودها ومن يقولها، هو تسامح منهرحمه‌الله .

التاسعة: احتمل بعض الأفاضل أنّ عدم ارتضاء الصدوقرحمه‌الله للشهادة الثالثة يرجع إلى معارضتها لرواية أبي بكر الحضرمي وكليب الأسدي، والتي ليس فيها الشهادة بالولاية.

لكنّ هذا الاحتمال مردودٌ بأنّ رواية الحضرمي والأسدي لا تقوى على المعارضة؛ لأنّ فيها تربيع التكبير في الإقامة، ووجود (لا إله إلاّ الله) مرتين في آخرها، وهو مما لا تعمل به الإمامية باتّفاق، فكيف يريد الشيخ الصدوققدس‌سره أن يعتمدها مع أنّها رواية شاذة تخالف المعمول به عند الإمامية قاطبة؟! و يعتبرها معارضة للأخبار الشاذّة الأخرى التي حكاها الشيخ الطوسي والتي فيها الشهادة بالولاية لعلي.

فلو كانت تلك الأخبار في الشهادة الثالثة شاذّة، فهذه هي الأخرى شاذة بل متروكة، فكيف يعتمد الشيخ هذه و يترك تلك؟! إِلاّ أن نقول بما قاله هو عن تلك الأخبار من أنّها من وضع المفوّضة، وفيه جواب ما احتمله البعض، من وجود التعارض بل الأمر عند الصدوق هو وجود أخبار لها قابلية التصحيح وأخبار موضوعة في ماهية الأذان، مع الإشارة إلى أنّهرحمه‌الله كان يعمل بالأخبار الشاذّة، وأنّ طعنه في تلك الروايات لا لشذوذها، بل لوضع المفوّضة لها ودعواهم بجزئيتها، لقولهرحمه‌الله : (والمفوّضة لعنهم الله قد وضعوا أخباراً)، وهو مثل قول الإمام الصادق: (المغيرة بن سعيد لعنه الله دسّ في كتب أصحاب أبي أحاديث لم يحدّث بها أبي)(١) أو (كان المغيرة بن سعيد يتعمّد

____________________

(١) رجال الكشي ٢: ٤٨٩ / الرقم ٤٠١، وعنه في بحار الأنوار ٢: ٢٥٠ / ح ٦٢، رجال ابن

٢٥٨

الكذب على أبي)(١) ، فسبب لعن الإمام ولعن الصدوق هما لأمر واحد، وهو وضع الأحاديث على لسان الأئمّة لا لشيء آخر. وعليه فإن الأخبار التي ليس فيها الشهادة بالولاية لا تعني حرمة الإتيان بها، بل تنفي جزئيتها ليس إلاّ.

هذا وباعتقادي أنّ تفريق الشيخ التستري في(النجعة في شرح اللمعة) (٢) بين الأذان والإقامة غير صحيح لإمكان إطلاقها على الإقامة كذلك في لسان الأئمة والفقهاء. هذاأوّلاً .

وثانياً: إنّ رواية الحضرمي كما بيّنّا سابقاً قد احتملنا صدورها عنه تقيّةً، فلا وجه لهذا الاحتمال.

وثالثاً: إنّ الشهادة بالولاية لا على نحو الجزئية كانت سيرة لمجموعة كبيرة من المتشرعة ولم تكن لمجموعة صغيرة من هذا المذهب أو ذاك، بل هي عمل لسيرة متشرّعة، على اختلاف اعتقاداتهم وأماكن تواجدهم إن أمنوا مكر السلطان: زيدية، إسماعيلية، إمامية اثني عشرية، فمنهم في بغداد، وآخر في القاهرة، وثالث في حمص، ورابع في الريّ، وخامس في شمال العراق، فإنّ دعوى الوضع لعمل قطاعات كثيرة من الشيعة، وفي بلدان مختلفة بعيدةٌ جدّاً.

فالشيخ لا يريد اتّهام الجميع بالتفويض أو الغلوّ، بل كان يتهم فقط الذين

____________________

داود: ٢٧٩ / الترجمة ٥١٠.

(١) رجال الكشي ٢: ٤٩١ / الرقم ٤٠٢، وعنه في بحار الأنوار ٢: ٢٥٠. وقد روى عن الإمام الصادقعليه‌السلام كذلك قوله:(إن المغيرة بن سعيد كذب على أبي فسلبه الله الإيمان) رجال الكشي ٢: ٤٩١، و:(المغيرة بن سعيد كذب على أبي وأذاع سره فأذاقه الله حديد النار) تحف العقول: ٣١١، وغيرها من الأخبار الصادرة عنهمعليهم‌السلام .

(٢) قال الشيخ محمد تقي التستري في (النجعة ٢: ٢٠٥، الجزء الأول من قسم الصلاة) بعد أن أتى بما قاله الصدوق قال: قلت: والمفهوم منه أن الازدياد من المفوضة إنما كان في الأذان دون الإقامة وازدياد المصنف للإقامة إنما حصل في الأعصار الأخيرة بعد الصدوق.

٢٥٩

يوجبون الإتيان بها على نحو الشطرية؛ راوين في ذلك روايات مكذوبة عن المعصومين.

العاشرة: ذكرنا سابقاً بعض موارد الاختلاف بين القميّين والبغداديّين في الأُصول الرجالية والعقائدية، وكذا تخالف منهج المحدّثين مع منهج المتكلّمين والفقهاء، فلا نرى شيخنا الصدوق في مجاميعه الحديثية يتهجّم على أحد أو مجموعة كما تهجّم في مبحث الشهادة الثالثة، فهورحمه‌الله مُتَّزِنُ القلم، ورقيق التعبير، متين رصين في كلامه، فلم أقف على كلمة (لعنهم الله) أو (أخزاهم الله) أو (خذلهم الله) وأمثالها عند بياناته الأخرى، بل وقفت على ترحّمه على من لم يلتقِ معهم في المذهب، وذلك دليل على رزانته ومتانته ومرونته وتسامحه وبعده عن العصبية.

وبعد هذا فليس لي أن أخرج عبارته هنا إلاّ من خلال محمل التقية، أو أنّه عنى الّذين يأتون بالشهادة الثالثة على نحو الجزئية اعتماداً على الأحاديث الموضوعة، ولا ثالث في البين غير هذين الاحتمالين؛ لأنّ وصف جميع الشيعة القائلين بالشهادة الثالثة باللعنة مستحيل، خصوصاً ونحن نراه يروي روايات يمكن الاستدلال بها على محبوبية الشهادة الثالثة في أماكن أخرى من مجاميعه الحديثية؛ ولسنا بعيدين عمّا رواهرحمه‌الله بسند معتبر فيالأمالي عن الإمام الصادق بأنّ الله نوّه باسم عليّ في سماواته(١) .

ومن المعلوم عند الجميع أنّ كلام المعصوم [الصادق] يقدّم على غيره، وأنّ نقله عن الإمام مقدّم على اجتهاده، وبذلك يكون مقتضى القاعدة في تفسير خبرالأمالي استمرارية الشهادة بالولاية في الأرض كذلك، ويؤيد ذلك ما رواه الكلينيقدس‌سره في الموثّق أنّ الله أمر منادياً ينادي بالشهادات الثلاث لمّا خلق

____________________

(١) انظر الأمالي: ٧٠١ / ح ٩٥٦.

٢٦٠