أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان0%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: الصفحات: 595
المشاهدات: 150007
تحميل: 11574

توضيحات:

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 150007 / تحميل: 11574
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢ - أشهد أن علياً ولي الله.

٣ - أشهد أن علياً أمير المؤمنين حقّاً.

فهذه الجمل الثلاث التي وردت في(النّهاية) و(المبسوط) هي نفس ما حكاه الصدوق في(الفقيه)، لكن بفارق جوهريّ هو أنّ الشيخ الصدوق ادّعى وضعها من قبل المفوّضة، والشيخ الطوسيرحمه‌الله كان يراها روايات شاذّة غير معمول بها لظروف التقية، وكان كلاهما متّفقين على عدم لزوم الأخذ بها، لكنّ الشيخ الطوسي أفتى بجواز فعلها لا على نحو الجزئية لقوله: (ولو فعله الإنسان لم يأثم به).

فلو كان الشيخ الطوسي لا يعني الصدوق لأتى بالجملة التي كانت تقال في الموصل على عهد أُستاذه السيّد المرتضى: (محمد وعلي خير البشر) مع الجمل الثلاث الأخرى، دون اختصاصه بالجمل الثلاث التي أتى بها الصدوق.

إنّ الشيخ الطوسيّ بعد أن عدّ الأقوال في صيغ الأذان والإقامة وأنّها: خمسة وثلاثون فصلاً، وروي سبعة وثلاثون فصلاً في بعض الروايات، وفي بعضها ثمانية وثلاثون فصلاً، وفي بعضها اثنان وأربعون، قال: فإن عمل عامل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوماً، وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار منها قول: (أشهد أن علياً ولي الله) و(آل محمد خير البرية) فممّا لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل بها كان مخطئاً.

وقال فيالمبسوط : وفي أصحابنا من جعل فصول الإقامة مثل فصول الأذان وزاد فيها: (قد قامت الصلاة) مرتين، ومنهم من جعل في آخرها التكبير أربع مرّات، فأما قول: (أشهد أن علياً أمير المؤمنين) و(آل محمد خير البرية) على ما ورد في شواذّ الأخبار فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولإكمال فصوله.

وهذان النصان يوقفاننا على أنّ أخبار الشهادة بالولاية معتبرة عند الشيخ

٣٢١

الطوسي إلى حدٍّ ما وهو حد الاقتضاء دون الفعلية، وهو ما سوّغ له فيما احتملنا قويّاً إفتاءه بالجواز وعدم الإثم بموجب اقتضائيّتها، وهذا يقارب قوله: (لم يكن مأثوماً) في العمل طبق أخبار اختلاف عدد فصول الأذان.

هذا التقارب يجعلنا نحتمل قويّاً أنّ الشيخ جوّز ذكر الشهادة الثالثة في الأذان اعتماداً على الأخبار الشاذّة، لكن في مرحلتها الاقتضائية دون الفعلية، وقد يمكن أن يقال إن الشيخ كان يرى الحجية الكاملة لشواذّ الأخبار لقوله: (فإن عمل عامل على إحدى هذه الروايات لم يكن مأثوماً)؛ لأنّهرحمه‌الله لم يقل: (كان مصيباً)، بل قال: (لم يكن مأثوماً) فمعناه أن العامل بتلك الأخبار لم يكن مأثوماً وإن كان مخطئاً بنظر الشيخ الطوسي؛ لأنّه عمل بأخبار شاذة مع وجود الأذان المحفوظ عندهم وعملهم به فتأمل !!!

وقد يكون الشيخ اعتبر تلك الأخبار شاذة لتصوره أنّها قد وردت عن الأئمة على نحو الجزئية، وأن عدم عمل الطائفة بتلك الأخبار جعلتها شاذة، أما لو اعتبرنا ورود تلك الأخبار على نحو التفسيرية والبيانية من قبل المعصومين فلا معنى لاعتبارها أخباراً شاذة وذلك لعدم معارضتها مع الروايات البيانية الصادرة عن المعصومين في صيغ الأذان.

وبهذا فلا يجوز الأخذ بالأخبار الشاذة أن أخذت على نحو الجزئية أما إذا اعتبرت من قبيل التفسير والإتيان بالمستحب ضمن المستحب كما هو الحال في استحباب الصلاة على الرسول كلما ذكر اسمه في الأذان أو في غيره لا يجعلها جزءاً من الأذان والإقامة ولا يبقى مانع من الأخذ بتلك الأخبار والعمل بها.

وعليه فالشيخ الطوسي فيما يحتمل كان قد عنى بكلاميه الآنفين الشيخ الصدوقَ، وذلك لاتّحاد النصّ الموجود في(الفقيه) مع ما قاله الشيخ في(النهاية) و(المبسوط) .

الأمر السابع: من المعلوم أن الشيخ الطوسي قد استفاد من مصادر غنية، منها

٣٢٢

مكتبتين عظيمتين:

أولاهما: مكتبة أبي نصر سابور وزير بهاء الدولة البويهي(١) ، والذي قال عنها ياقوت الحموي: (ولم يكن في الدنيا أحسن كتباً منها، كانت كلّها بخطوط الأئمة المعتبرة وأصولهم المحرّرة...)(٢) .

وثانيتهما: مكتبة أستاذه السيّد المرتضى الثمانيني والذي لقّب بهذا اللقب لأنّ مكتبته كانت تحتوي أكثر من ثمانين ألف كتاباً سوى التي أهديت إليه من الرؤساء والأشراف والتّجّار، وله ثمانون قرية، وتوفّي وعمره ثمانون عاماً وقد كان السيّد المرتضى شيخ الشيعة في وقته وموضع اهتمام الجميع.

وقد استفاد الشيخ الطوسي من هاتين المكتبتين كثيراً قبل دخول السلاجقة بغداد عام ٤٤٧ هـ وإسقاط الدولة البويهية وحرقهم لمكتبة أبي نصر سابور وغيرها من الدور الشيعية في الكرخ.

قال ابن الجوزي في حوادث سنة ٤٤٨ هـ: وهرب أبو جعفر الطوسي ونهبت داره(٣) . ثم قال في حوادث سنة ٤٤٩ هـ: وفي صفر من هذه السنة كبست دار أبي جعفر الطوسي متكلم الشيعة بالكرخ، وأُخِذَ ما وجد من دفاتره، وكرسيٌّ كان يجلس عليه للكلام، وأُحرِقت مكتبته(٤) .

فيحتمل قويّاً أن يكون الشيخ الطوسيّرحمه‌الله قبل هجوم السلاجقة على بغداد قد وقف على أخبار دالّة على الشهادة الثالثة في أُصول أصحابنا، لكنّها كانت أخباراً آحاداً لا تقوى على معارضة غيرها، ونظراً لاعتقاده بحجيّتها الاقتضائيّة دون الفعلية على ما فصّلنا سابقاً، وأنّها حجّة عنده، لفتواه بالجواز وعدم الإثم خلافاً لأُستاذه المرتضى وتلميذه ابن إدريس في خبر الآحاد كان عليه أن يأخذ

____________________

(١) الذي ولد في شيراز ٣٣٦ هـ وتوفي سنة ٤١٦ هـ.

(٢) معجم البلدان ١: ٥٣٤، خطط الشام ٦: ١٨٥.

(٣) المنتظم ٨: ١٧٣.

(٤) أنظر المنتظم ٨: ١٧٩.

٣٢٣

 بها، ولمّا لم نره يأتِ بأسانيدها في كتبه فليس لنا إلاّ أن نقول إنّه تركها لمخالفتها لما اشتهر عند الأصحاب من أنّ الشهادة بالولاية ليست جزءً في الأذان، أو للتقيّة لأنّ الشيخ لم يأتِ بتلك الأخبار وأسانيدها للظروف التي كان يعيشها؛ لأنّهرحمه‌الله مرّ بظروف قاسية جدّاً.

وممّا حُكي بهذا الصدد أنّه وُشي بالشيخ الطوسي إلى الخليفة العباسي بأنّه وأصحابه يسبّون الصحابة، وكتابَهُالمصباح يشهد بذلك؛ لما في دعاء زيارة عاشوراء: (اللّهمّ خصَّ أنتَ أوَّل ظالم باللعن مني...).

فأجاب الشيخُ الخليفَة بأنّ المراد بالأول قابيل قاتل هابيل، وهو أوّل من سنّ القتل والظلم. وبالثاني عاقر ناقة صالح. وبالثالث قاتل يحيى. وبالرابع عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب.

فرفع الخليفة عنه العقوبة(١) .

فتلّخص ممّا سبق أنّه ليس هناك تعارضٌ بين قولي الشيخ فيالنهاية والمبسوط ، لأنّهرحمه‌الله عنى بقوله الأوّل الذين يأتون بها على نحو الجزئية وهؤلاء مخطئون حسب قواعد الاستنباط، وأمّا الذين يأتون بها لجوازها في نفسها فلا إثم عليهم.

ولا يخفى عليك أنّ الشيخ قال فيالنهاية : (كان مخطئاً) ولم يقل: (كان مبدعاً) كما قاله في الذين يأتون بجملة (الصلاة خير من النوم)، والفرق بين الأمرين واضح.

وممّا يجب التنبيه عليه هنا هو أنّ الشيخ ألّف كتابه(النهاية) قبل(المبسوط) ، لأنّهرحمه‌الله ذكرالنهاية والتهذيب في مقدّمةالاستبصار وفي مشيخته ولم يذكر غيرهما

____________________

(١) قاموس الرجال ٩: ٢٠٨، عن مجالس المؤمنين ١: ٤٨١. ومن أراد المزيد مما كان يمرّ به الشيخ الطوسيّ من ظروف عصيبة فليطالع حياته السياسية والعلمية في مظانّها.

٣٢٤

من كتبه، وهو يؤكّد بأنّ النهاية والتهذيب قد أُلِّفا قبل الاستبصار.

وبمراجعة لكتابالخلاف والمبسوط والعدّة وغيرها من كتبه نرى الشيخ ذكر(الاستبصار) فيهما، وهذا يعلمنا بأنّالمبسوط قد أُلِّف بعدالاستبصار ، ومنه نفهم بأنّ نصالنّهاية هو الأوّل ثم يتلوه نصّالمبسوط الذي نفى فيه الإثم.

وهو الآخر يرشدنا إلى أنّ القول الأوّل للشيخ في(النّهاية) كان قريباً إلى الصدوق حيث إنّهما كانا يعنيان بكلامهما الآتِينَ بالشهادة الثالثة بقصد الجزئية المسمَّين بالمفوَّضة، ولكنّ الشيخ في(المبسوط) عنى الذين يأتون بها لمحبوبيّتها الذاتية، ولذلك ليسوا هم بآثمين.

وفي هذين النصَّين إشارة إلى حدوث نقلة نوعية في كلامهرحمه‌الله ؛ لأنّه في نصّ(النهاية) كان يتصوّر كالشيخ الصدوق أنّ القائلين بالشهادة بالولاية غالبهم ممن يقولون بها على نحو الجزئية، وأنّ تهمة التفويض المحرّم تدور مدارهم، ولأجله خَطَّأَهُم ولم يشر إلى الرأي الآخر، لكنّه في(المبسوط) تحقق له أنّ عمل غالب الشيعة الذين يأتون بها آنذاك لم يكن على نحو الجزئيّة، بل إنّهم كانوا يأتون بها لمبحوبيّتها الذاتيّة ولرجاء المطلوبية، فأشار إلى الحكم الآخر في المسألة وقال بعدم الإثم في العمل بها.

ويؤيّد ذلك ما ورد عن السيّد المرتضى بعد أن سُئل عن قول القائل: (محمد وعلي خير البشر)، بعد: (حي على خير العمل)، فقال: إن قال: (محمد وعلي خير البشر) على أن ذلك من قوله خارج من لفظ الأذان جاز، وإن لم يكن فلا شيء عليه.

إذن، فالسيّد المرتضى والشيخ الطوسي (رحمهما الله تعالى) هما أوّل من فكّكا بين الأمرين: الجزئية والمحبوبيّة الذاتية، والشيخ لا يقول باستحباب الشهادة بالولاية في الأذان، علاوة على عدم القول بجزئيّتها تبعاً لما ورد في شواذّ الأخبار، لأنّه لا يأخذ بالخبر الشاذّ إلاّ إذا سلم من المعارِض، كالعمومات، والإجماع،

٣٢٥

والأخبار المتواترة، لأنّ أمثال هذه الأمور لا يجوز تخصيصها بمثل الشاذّ النادر.

وعليه: فالشيخ يرى في شواذّ الأخبار الحجيّة الاقتضائية لا الفعلية، وهذا هو الذي دعاه أن لا يقول باستحبابها، لقوله: (غير إنه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله) لعدم عمل الطائفة بها، لكنّه في الوقت نفسه حسب ما احتملناه سابقاً يرى حجيّتها الفعلية في مرحلة الجواز، ولذلك أفتى بعدم الإثم بفعلها لو قيلت على غير الجزئية كالمحبوبية الذاتية أو بقصد القربة المطلقة، وهو يؤكّد وجود عمومات أخرى يمكن الاستدلال بها على الجواز.

٣٢٦

٥ - ابن البراج الطرابلسي (٤٠٠ هـ - ٤٨١ هـ)

القاضي عبد العزيز بن البراج الطرابلسي، هو من كبار تلامذة الشيخ المفيد والسيّد المرتضى (رحمهما الله تعالى)، ويعدّ في مرتبة الشيخ الطوسي، وعلى أثر تتبّعي لكتابات أعلامنا حول الشهادة الثالثة لم أقف في كتب ابن البراج المطبوعة بصرف النظر عن المفقودة على شيء يدل على الشهادة بالولاية لآل البيت في الأذان غير ما جاء في كتابه(المهذب) .

فإنهرحمه‌الله لم يُسأل في(جواهر الفقه) عن فصول الأذان والإقامة حتى يجيب، لكنّه في(شرح جمل العلم والعمل) (١) شرَحَ كلام أستاذه المرتضى في فصل الأذان، ولم يتعرّض إلى موضوع الشهادة الثالثة لا من قريب ولا من بعيد.

وهكذا كان حال معاصريه: أبي الصلاح الحلبي(٢) (٣٧٤ هـ - ٤٤٧ هـ)، وأبي يعلى حمزة بن عبد العزيز الديلمي(٣) المتوفى ٤٤٨ هـ، وسلمان بن الحسن بن سليمان الصهرشتي (من أعلام القرن السادس)(٤) ، فهم وإن تعرّضوا إلى الأذان والإقامة وأنّهما خمسة وثلاثون فصلاً، لكنّهم لم يتعرّضوا إلى الشهادة الثالثة لا من باب التفسيرية ولا من باب المحبوبية الذاتية، مع أنّ أبا الصلاح قد أشار في(الكافي) إلى ما يفتتح به الصلاة من التكبير والدعاء وذكر فيه أسماء الأئمّة الاثني عشر واحداً بعد واحد.

____________________

(١) شرح جمل العلم والعمل، لابن البراج: ٧٨.

(٢) الكافي، لأبي الصلاح الحلبي: ١٢٠ - ١٢١.

(٣) المراسم العلوية في الأحكام النبوية: ٦٧.

(٤) إصباح الشيعة بمصباح الشريعة، المطبوع ضمن سلسلة الينابيع الفقهية ج ٤: ٦١٦.

٣٢٧

والآن مع ما قاله ابن البراج فيالمهذب :

 ويستحبّ لمن أذّن أو أقام أن يقول في نفسه عند (حي على خير العمل): (آل محمّد خير البرية)، مرّتين، ويقول في نفسه إذا فرغ من قوله (حيَّ على الصلاة): (لا حول ولا قوّة إلاّ بالله)، وكذلك يقول عند قوله (حيَّ على الفلاح)، وإذا قال: (قد قامت الصلاة) قال: (اللّهّم أقمها وأدمها واجعلني من خير صالحي أهلها عملاً)، وإذا فرغ من قوله (قد قامت الصلاة) قال: (اللهم ربَّ هذه الدعوة التامّة، والصلاة الدائمة، أَعْطِ محمّداً سؤله يوم القيامة، وبلّغه الدرجة والوسيلة من الجنّة وتقبّل شفاعته في أُمّته)(١) .

إنّ هذا النصّ يوقفنا على أمرين:

أحدهما: صحّة ما قاله الشيخ الطوسي في مقدّمةالمبسوط من أنَّ الأصحاب كانوا يستوحشون من الفتوى بغير ألفاظ الروايات، وأنّ غالب كتب القدماء هي متون روايات وبمنزلة الأُصول المتلقّاة عن المعصومين، لأنّ الفتوى بالاستحباب من قبل ابن البرّاج متفرِّع على وجود رواية في الباب وخصوصاً حينما يقيّدها بعدد كمرتين.

ويؤيد ذلك أن الأذكار الموجود في كلام ابن البراج إنما هي مروية في روايات أهل البيت وجاءت في كلمات الفقهاء، ولعل ترتيب ذكر الأذكار من تقديم الحيعلة الثالثة على الحيعلتين (حيَّ على خير الصلاة) و(حيَّ على الفلاح) كان كذلك في أصل الرواية ولذلك قدمها بالذكر.

الثانية: وقوف ابن البرّاج على تلك الروايات ووصولها لديه؛ فقد يقال بأن قولهرحمه‌الله باستحباب قول (محمد وآل محمد خير البرية) في النفس هو لفك

____________________

(١) المهذب لابن البراج ١: ٩٠.

٣٢٨

الحيعلة الثالثة، وذلك كاستحباب حكاية ما يقول المؤذن عند سماع الأذان.

فقد روى الشيخ في (المبسوط) والعلاّمة في (التذكرة) مرسلاً بقولهما: وروى أنّه إذا سمع المؤذن يقول (أشهد أن لا إله إلاّ الله) أن يقول: وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله ربّاً وبالإسلام ديناً، وبمحمد رسولاً وبالأئمة الطاهرين أئمة، ويصلّي على النبي وآله(١) .

فقد يكون ابن البراج من جهة كان يرى شرعيّة القول ب (آل محمد خير البرية) مرتين، لتلك الروايات الدالة على فك معنى الحيعلة، فيكون كلامهرحمه‌الله معنى آخر لحسنة ابن أبي عمير عن الإمام الكاظمعليه‌السلام الصريحة في الولاية.

ومن جهة أخرى كان يخاف من الجهر بها لظروف التقيّة التي كان يعيش فيها ولذلك ذهب إلى قولها سراً، ومعناه: أنّ المقتضي موجودٌ للقول بها، وكذا المانع وهو الخوف على النفس، فسعى للجمع بين الأمرين فأفتى باستحباب أن يقولها المؤذّن سرّاً في نفسه عند (حيَّ على خير العمل)، خلافاً للصدوق الذي نفاها تقيّةً، أو لاعتقاده أنّها من وضع المفوّضة يقيناً، أو لعدم ارتضاء مشايخه لها، وكذا خلافاً للشيخ الطوسي الذي لم يذهب إلى استحباب القول بها، لكونها وردت في شواذّ الأخبار، المخالفة للمعمول عليه عند الطائفة، فالشيخ أفتى بجواز العمل بها لكنّه لم يقل باستحبابها لعدم اعتبار الأخبار الشاذّة عنده إن عارضت ما هو أقوى منها.

وأمّا ابن البرّاج فقد قال باستحباب قولها سرّاً للروايات التي وقف عليها، وبهذا ترى في فتوى ابن البراج نقلة نوعيّة وفقهيّة أُخرى في تطوّر سير هذه المسألة الفقهية بعد السيّد المرتضى والشيخ الطوسي (رحمهما الله تعالى).

وإنّ تقييد ابن البرّاج الحكم بمرّتين صريح في أنّه أخذه من روايات كانت

____________________

(١) المبسوط ١: ٩٧، تذكرة الفقهاء ٣: ٨٤.

٣٢٩

موجودة عنده تجزم بالمرتين، وإلاّ لما ساغ له أن يجزم في فتواه بهذا القيد الشرعي الذي لا يمكن التفوّه به لفقيه من دون أصل من الأخبار.

وقد يظهر جلياً في أن ابن البرّاج قد وقف على خبر أو أخبار غير التي وقف عليها الشيخ الصدوق، وذلك لتقييد الذكر هنا بالإخفات في النفس، وهذا ما لم نجده عند الصدوق، مع أن محكي الشيخ الصدوق تدل على الجزئية، وهذه الرواية ظاهرة في أنّها مجرد ذِكْر وليست جزءاً، وعليه تكون هذه الرواية غير مراسيل الصدوقرحمه‌الله المحكية في(الفقيه) .

قال الشهيد فيالذكرى المسألة الرابعة عشر من باب فيما يؤذّن له وأحكام الأذان: قال ابن البرّاجرحمه‌الله : يستحبّ لمن أذّن أو أقام أن يقول في نفسه عند (حي على خير العمل): (آل محمد خير البرية) مرتين.

وهذا النص من الشهيد الأوّل يفهم بأنّه يقرّ بما أفتى به ابن البرّاجرحمه‌الله ، وقد يكون فهم من فتوى ابن البرّاج أنّ الشهادة بالولاية لآل محمّد هي من أذكار الأذان المندوبة بالندب الخاصّ لا جزء فصوله كما قدمنا لأنّهرحمه‌الله قال بعدها: ويقول أيضاً في نفسه إذا فرغ من قوله (حي على الصلاة): لا حول ولا قوة إلاّ بالله، وكذلك يقول عند قوله: (حي على الفلاح)، وإذ قال: (قد قامت الصلاة) قال: (اللهم أَقِمْها وأَدِمْها، واجعلني من صالحي أهلها عملاً)، وإذا فرغ من قوله: (قد قامت الصلاة) قال في نفسه: (اللّهّم ربّ الدعوة التامّة والصلاة القائمة، أَعط محمداً (صلواتك عليه وآله) سؤله يوم القيامة، وبلّغه الدرجة والوسيلة من الجنة، وتقبّل شفاعته في أمّته)(١) . وهذه هي نفس العبائر التي جاءت فيالمهذب (٢) لابن البراج. وكلها تشير إلى أنّها ذِكْر وليست جزءاً.

وعلاوةً على ما تقدّم يمكننا القول بأنّ ابن البرّاج قال بذلك لعلمه بأن (حي

____________________

(١) ذكرى الشيعة ٣: ٢٤١.

(٢) المهذب لابن البراج ١: ٩٠ / من باب الأذان والإقامة وأحكامها.

٣٣٠

على خير العمل) معناها الولاية، ويجوز تفسيرها بجمل دالّة عليها تدعو لها وتحث عليها حسبما اتّضح في الدليل الكنائي، كمحمد وآل محمد خير البرية، لأنّه قيّد الاستحباب للمؤذّن والمقيم لا للسامع، لأنّ النداء وظيفة المؤذّن ويتلوه المقيم.

إنّ الصيغة التي أفتى بها ابن البرّاج: (آل محمد خير البرية) هي إحدى الصيغ الثلاث التي قالها الشيخ الطوسي وغيره من الأعلام بعد الصدوق. فابن البراج قال بشرعية (آل محمد خير البرية) (مرتين) حين الحيعلة وفي نفسه ومن باب الذكر.

والسيّد المرتضى ذهب إلى شرعية (محمد وعلي خير البشر).

والشيخ الطوسي أشار إلى الصيغ الثلاث التي جاء بها الصدوق فيالفقيه .

ففي(النهاية) أشار إلى صيغتين منها: ١ أشهد أنّ علياً وليّ الله، ٢ آل محمد خير البرية.

وفي(المبسوط) أكّد على وجود (أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين) و(آل محمد خير البرية) في شواذّ الأخبار.

فالسيّد المرتضى وضّح جواز الشهادة بالولاية لأهل الموصل في العراق، وقد يكون الشيخ الطوسي أشار في كلامه إلى تأذين أهل بغداد وحواليها بالشهادات الثلاث، وفي كلام ابن البرّاج إشارة إلى تأذين أهل حلب وضواحيها بصيغة (محمد وآل محمد خير البرية) وقد يمكن أن نقول إن شيعة حلب أذَّنوا بذلك تبعاً لمن يقلدونهم من الفقهاء كابن البرّاج والسيّد المرتضى والشيخ الطوسيّ (رحمهم الله تعالى)، وهو الصحيح الذي لا خلاف فيه.

إذن فصيغة (محمد وعلي خير البشر) و(أشهد أنّ علياً ولي الله) أو(أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين) أو(آل محمد خير البرية) كانت صيغاً تقال في الموصل وبغداد وحلب وحمص، وجميعها تدلّ على أنّها كانت تقال بعد الحيعلة الثالثة،

٣٣١

أو قبلها، وهذا هو الذي كان عمر بن الخطاب لا يريد فتحها والإتيان بتفسيرها معها، وحسب تعبير الإمام الكاظم (أراد أن لا يكون حثٌّ عليها ودعاءٌ إليها).

ولقد أكثرنا القول بأنّ سبب حذف عمر بن الخطاب ل (حيّ على خير العمل) كان بسبب تفسيرها، وأنّ الحكومات الموالية لعمر والتي جاءت بعده كانت حساسة تسعى لرفع هذا الشعار الشرعي النبوي ومحوه من المآذن، وتسعى جاهدة لإخماده خوفاً من إعلاءِ ذكر عليّعليه‌السلام من بعده؛ ولأنّه يدل على بطلان حكومة من يخالف الإمام علي، لأن المؤذن حينما يقول (حي على خير العمل) يعني بكلامه تبعاً لتفسير الأئمة أن الإمام علي هو خير البرية، وخير البشر، وبما أن أنصار النهج الحاكم كانوا يعتقدون بأن هذا الفصل فيه تعريض بخلفائهم وتخطئة لمنهجهم، فجدّوا لحذف الحيعلة خوفاً من تواليه؛ ولذلك ترى الصراع قائم ودائم بين العلويين وبين الأمويين والعباسيين في شعارية هذه المفردة الفقهية العقائدية السياسية، كما هو ظاهر في تخالف النهجين في مفردات فقهية أخرى، وهذا ما أكّدناه بالأرقام في الباب الأول من هذه الدراسة:(حي على خير العمل والشعارية) (١) .

____________________

(١) طبع هذا الكتاب قبل أعوام، وجدد طبعه لمرات عديدة في لبنان، واليمن، والعراق، ومصر، وترجم إلى اللغات الإنكليزية، والأردو، والفارسية.

 

٣٣٢

٦ - يحيى بن سعيد الحلي (ت ٦٨٠ هـ)

٧ - العلاّمة الحلي (ت ٧٢٦ هـ)

اتّضح ممّا سبق أنّ قوّة الظنّ حاصلة برجحان القول بالشهادة بالولاية في كل شيء ومنها الأذان بغير قصد الجزئية، إن لم نقل الشهرة متحقّقة في ذلك قبل الشيخ الطوسيرحمه‌الله ، لأنّك قد وقفت في القسم الأوّل من هذا الفصل على محبوبيّة ذكر الولاية في الأذان من خلال تفسير الإمام الكاظمعليه‌السلام ل (حيَّ على خير العمل)، ولِما روي عن الإمامين الباقر والصادقعليهما‌السلام بأنّ الحيعلة الثالثة هي معنى كنائي للشهادة الثالثة، ولِما روى الفضل بن شاذان عن الإمام الرضا أنّه أشار إلى وجود معنى الولاية في الأذان. وهذه الروايات عن الأئمة لتؤكّد على وجود معنى الولاية في الأذان وجواز التعبير عنها بأي لفظ شاء وكما جاء في حسنة ابن أبي عمير من قولهعليه‌السلام : (وإنّ الّذي أمر بحذفها أراد أن لا يكون حثٌّ عليها ودعاءٌ إليها) المفهمة بمحبوبيّة ذكر معناها معها.

وكذا وقفت على تأذين الشيعة بها في بلدان مختلفة قبل ولادة الشيخ الصدوق، وفي عصره، ثم من بعده، وهو مؤشّر آخر على محبوبية الإتيان بهذا الأمر عند الشيعة آنذاك.

وإن ما حكاه الشيخ الطوسي من وجود روايات شاذّة، وإفتاء ابن البرّاج باستحباب قولها سرّاً بقيد المرّتين الدالّ على وجود رواية بذلك، كلّها تؤكّد ما نريد قوله من أنّ هناك مستنداً روائيّاً في أصول أصحابنا سوّغ للشيخ الطوسي والسيّد المرتضى الإفتاء بالجواز وعدم الإثم، كما سوّغ لابن البرّاج الإفتاء باستحباب محمد وآل (محمد خير البرية) مرتين.

ولمّا كان غالب فقهائنا اللاّحقين يستندون في أقوالهم على فتاوى الشيخ الطوسي ومنها هذه المسألة، رأينا من الضروريّ أن نقدّم مقطعاً من كلام الشيخ

٣٣٣

حسن بن زيد الدين العاملي في(معالم الأصول)؛ إذ قال:

... وبأنّ الشّهرة الّتي تحصل معها قوّة الظّنّ، هي الحاصلة قبل زمن الشّيخ رحمه‌الله لا الواقعة بعده، وأكثر ما يوجد مشهوراً في كلامهم حدَثَ بعد زمان الشيخ، كما نبّه عليه والدي رحمه‌الله في كتاب (الرّعاية) (١) الّذي ألّفه في رواية الحديث، مُبيِّناً لوجهه، وهو أنّ أكثر الفقهاءِ الّذين نشئوا بعد الشيخ، كانوا يتّبعونه في الفتوى تقليداً له، لكثرة اعتقادهم فيه وحسن ظنّهم به. فلمّا جاء المتأخّرون، ووجدوا أحكاماً مشهورة، قد عمل بها الشّيخ ومتابعوه، فحسبوها شهرة بين العلماءِ، وما دروا أنّ مرجعها إلى الشّيخ، وأن الشّهرة إنّما حصلت بمتابعته.

 قال الوالدرحمه‌الله :وممّن اطّلع على هذا الّذي تبيّنته وتحققّته، من غير تقليد: الشيخ الفاضل المحقّق سديد الدّين محمود الحمصي، والسيّد رضي الدّين بن طاوس وجماعة. وقال السيّد في كتابه المسمّى ب (البهجة لثمرة المهجة): أخبرني جدّي الصّالح ورّام بن أبي فراس، أنّ الحمصي حدّثه أنّه لم يبق للإِماميّة مفت على التّحقيق، بل كلّهم حاك، وقال السيّد عقيب ذلك: والآن فقد ظهر أنّ الّذي يُفتَى به ويُجاب، على سبيل ما حُفِظ من كلام العلماءِ المتقدّمين (٢) .

____________________

(١) انظر الرعاية في علم الدراية، للشهيد الثاني: ٩٢، الحقل الرابع في العمل بالخبر الضعيف.

(٢) معالم الأصول: ٢٠٤، تحقيق الدكتور مهدي محقق.

٣٣٤

وما قلناه سابقاً يؤكّد لك بأنّ السيرة في الشهادة بالولاية لم تكن قد نشأت في عهد الشيخ الطوسيرحمه‌الله ، أو من بعده، بل هي كانت سيرة عند أغلب الطوائف الشيعية: زيدية، وإسماعيلية، واثني عشرية، مختلفة في صيغ الأداء فيها، فبعضهم يقول: (محمد وعلي خير البشر)، والآخر (محمد وآل محمد خير البرية)، وثالث (إنّ علياً ولي الله) أو أن (علياً أمير المؤمنين) وأن هذه الصيغ هي التي حكاها الشيخ الصدوق في الفقيه والطوسي في المبسوط والنَّهاية، وهو مما ينبأ بأن السيرة كانت قائمة على التأذين بها قبل عهد الصدوق عملاً ورواية.

لكن لم تكن هذه السيرة إلزاميّة على جميع المؤمنين، ولم يؤت بها على نحو الجزئية حتّى نقول بتحقيق الشهرة فيها، بل هي كانت تؤتى في بعض البقاع دون أُخرى، وقد تكون في البقعة الواحدة يأتي بها البعض ويتركها الآخر لعدم كونها جزءاً من الأذان وهو ما نعنيه بكلمة الجواز.

فالذي نريد أن نؤكّد عليه هنا هو أنّ هذه السيرة لم يكن مرجعها الشيخ الطوسي حتى يقال فيها ما يقال، وأنّ الفقهاء من بعده لم يكونوا يتّبعونه في الفتوى بجواز الإتيان بالشهادة بالولاية في الأذان تقليداً، وإن كانوا يعيرون إليه كمال الاهتمام، ويأخذون بقوله ويستندون على فتاواه، مع ما لهم من أدلّة أُخرى كالعمومات ونحوها.

إذن، ما ينبغي أن يقال: هو أنّ السيرة في رجحان الشهادة بالولاية مقرونة بتسالم الفقهاء بعدم الإثم في الإتيان بها، شريطةَ أن لا تكون على نحو الجزئية والشطرية، وقد أفتى بذلك السيّد المرتضى والشيخ الطوسي وابن البراج (رحمهم الله تعالى) وغيرهم. وإنّ ترك الفقهاء من بعد الشيخ الطوسي التعرض لموضوع الشهادة بالولاية في كتبهم، لا يعني عدم قولهم بمحبوبيتها، بل لتسالمهم على عدم جزئيتها.

وعلى سبيل المثال، نرى الشهيد الثانيقدس‌سره جمع بين المطلبين فيالروضة

٣٣٥

بقوله:(ولا يجوز اعتقاد شرعيّة غير هذه الفصول في الأذان والإقامة، كالتشهّد بالولاية لعليّ وأنّ محمّداً وآله خير البرية أو خير البشر وإن كان الواقع كذلك، فما كلُّ واقعٍ حقّاً يجوز إدخاله في العبارات الموظّفة شرعاً المحدودة من الله تعالى، فيكون إدخال ذلك فيها بدعةً وتشريعاً..، ولو فعل هذه الزيادة أو إحداها بنيّة أنّها منه أَثِمَ في اعتقاده، ولا يبطل الأذان بفعله، وبدون اعتقاد ذلك لا حرج) (١) .

أمّا عدم إشارة البعض إلى حكم من يقول: (محمد وآل محمد خير البرية) و(علياً ولي الله) وأمثالها في أذانه، فقد يعود لعدم شيوع هذا الأمر في ذلك الزمان الذي كانوا يعيشون فيه، وقد يكون تركهم جاء خوفاً من السلطان الجائر. وقد يكون لجوازه وأنه لا يلزم الفقيه الإشارة إليه.

وكذا الحال بالنسبة إلى الذي قد أفتى بالحرمة كالشيخ عبد الجليل القزويني صاحب كتاب(النقض) باللّغة الفارسية والذي كتبه في سنة ٥٦٠ هـ، فقد أفتى بالحرمة لأنّه رأى بعض الناس في عهده يقولون بالشهادة بالولاية على أنّها جزء الأذان، ولأجل ذلك تهجّم عليهم ولعنهم وقال بلزوم إعادة الأذان(٢) .

وعليه، فالإشارة من الفقهاء تأتي لتعديل حالة الإفراط والتفريط في الأمة ولبيان الأحكام الواجبة والمحرمة، وقد يشار إلى الأمور المكروهة والمستحبة. أمّا الأمور المباحة، فليست من وظائف الفقيه.

وأمّا ابن زهرة الحلبي(٣) (٥١١ - ٥٨٥ هـ)، والفضل بن الحسن الطبرسي(٤) (ت ٥٤٨ هـ)، وابن إدريس الحلي(٥) (ت ٥٩٨ هـ)، وابن حمزة (محمد بن علي

____________________

(١) شرح اللمعة ١: ٥٧١.

(٢) النقض: ٩٧.

(٣) غنية النزوع: ٧٢.

(٤) المؤتلف من المختلف بين أئمة السلف ١: ٨٨.

(٥) السرائر ١: ٢١٣.

٣٣٦

 الطوسي) (ت حدود ٥٨٥ هـ)(١) ، وابن أبي المجد الحلبي (من فقهاء القرن السادس)(٢) . والمحقّق الحلي(٣) (٦٠٢ هـ - ٦٧٦ هـ)، والمحقق الآبي، المعروف بالفاضل (من أعلام القرن السابع)(٤) ، وفخر المحقّقين محمد بن الحسن بن يوسف (ابن العلاّمة الحلي) (٦٨٢ - ٧٧١ هـ)(٥) ، فإنّهم لم يتعرّضوا إلى موضوع الشهادة بالولاية في الأذان، مع أنّهم قد أشاروا إلى الأذان والإقامة وأنّ فصولهما خمسة وثلاثون فصلاً.

نعم، قال يحيى بن سعيد الحلي (٦٠١ هـ - ٦٩٠ هـ) في(الجامع للشرائع) : والمرويّ في شاذّ الأخبار من قول (أنّ عليّاً ولي الله)، و(آل محمّد خير البريّة) فليس بمعمول عليه(٦) .

وهذا النص من يحيى بن سعيد الحلّيّ يشير إلى وقوفه على ذلك الخبر؛ لأنّه لم يحكه عن الشيخ، وهو يؤكّد بأنّهرحمه‌الله لم يقل ذلك تقليداً واتّباعاً للشيخرحمه‌الله ، وإن كان نظره يتّفق مع الشيخ في لزوم ترك الخبر الشاذّ إذا خالف المعمول عليه.

وكذا قال العلاّمة الحلّيّ (ت ٧٢٦ هـ) في(منتهى المطلب): وأمّا ما روي في الشاذ من قول (أنّ عليّاً وليّ الله)، و(آل محمّد خير البريّة) فممّا لا يعوّل عليه، قال الشيخ في المبسوط: فإن فعله لم يكن آثماً، وقال في النهاية: كان مخطئاً(٧) .

وهذا النصّ من العلاّمة قد يفهم بأنّه قد وقف على تلك الأخبار لأنّه لم يحكها

____________________

(١) الوسيلة إلى نيل الفضيلة: ٩١.

(٢) إشارة السبق: ٩٠.

(٣) شرائع الإسلام ١: ٥٩، المختصر النافع: ٢٨، المعتبر ٢: ١٣٩ - ١٤١.

(٤) كشف الرموز في شرح المختصر النافع ١: ١٤٥، انتهى من تأليفه ٦٧١ هـ.

(٥) إيضاح الفوائد ١: ٩٤.

(٦) الجامع للشرائع: ٧٣.

(٧) منتهى المطلب ٤: ٣٨١.

٣٣٧

 اتّباعاً وتقليداً للشيخرحمه‌الله .

بخلاف ما جاء عنه في(تذكرة الفقهاء) ، حيث قال: قال الشيخ: ولو عمل عامل بذلك لم يكن مأثوماً، فأمّا ما رُوي في شواذّ الأخبار من قول: (أنّ عليّاً ولي الله)، و(آل محمد خير البرية) فممّا لا يعمل عليه في الأذان، فمن عمل به كان مخطئاً(١) .

كانت هذه هي النصوص التي وصلتنا من أواخر القرن السابع الهجري وحتى أوائل القرن الثامن الهجري، مع الأخذ بنظر الاعتبار أنّ العلاّمة لم يشر إلى هذه الحقيقة إلاّ في كتابيه المعنيَّين بأمور الخلاف مثل:(منتهى المطلب) و(تذكرة الفقهاء) . وأمّا في كتبه الأخرى كالتحرير (٢) والمختلف (٣) والتبصرة (٤) وإرشاد الأذهان (٥) والقواعد (٦) وتلخيص المرام (٧) فلم يشر إلى ما جاء في شواذّ الأخبار، وإن ذكر الأذان والإقامة وأنّ فصولهما خمسة وثلاثون فصلاً على الأشهر، فعدم تعرّضه إلى موضوع الشهادة بالولاية في الأذان، في الكتب المعنيّة بالاستدلال والإفتاء داخل دائرة المذهب الواحد ليشير إلى عدم صيرورة الشهادة بالولاية شعاراً عامّاً لكلّ الشيعة في ذلك الزمان، وذلك لعدم جزئيته لا لعدم مشروعيته، إذ الشيعة لم يكن بمقدورهم أن يأتون بها جهاراً من على المآذن، وإن كان البعض من خلّص الشيعة يأتي بها سرّاً.

فالقول بالجواز شيء، والقول بالاستحباب أو كونه جزءاً شيء آخر.

____________________

(١) تذكرة الفقهاء ٣: ٤٥.

(٢) تحرير الأحكام الشرعية ١: ٢٢٣ ط مؤسسة الإمام الصادق.

(٣) مختلف الشيعة ٢: ١٥٠ ط مكتب الإعلام الإسلامي.

(٤) تبصرة المتعلمين: ٢٥.

(٥) إرشاد الأذهان ١: ٢٥٠.

(٦) قواعد الأحكام ١: ٢٦٥ ط مؤسسة النشر الإسلامي.

(٧) تلخيص المرام: ٢٥.

٣٣٨

فالشيخ الطوسي وابن البرّاج والعلاّمة (رحمهم الله تعالى)، وغيرهم كانوا يخالفون من يأتي بها كجزء في الأذان؛ لعدم الدليل عندهم عليها، في حين أنّهم يجيزون الإتيان بها لمطلق القربة لأدلّة أخرى عندهم، وقد وضّح العلاّمة الحلي الشق الأول [وهو نفي الجزئية] في(نهاية الأحكام) تاركاً الشق الأخر إذ قال: ولا يجوز قول (أنّ عليّاً وليّ الله) و(آل محمّد خير البرية) في فصول الأذان، لعدم مشروعيته(١) .

وعليه فيحيى بن سعيد الحلي والعلاّمة الحلي (رحمهما الله تعالى) لم يكونا مقلِّدَين للشيخ الطوسي فيما حكاه من الأخبار الشاذّة، بل يفهم من كلام التقي المجلسي (ت ١٠٧٠ هـ) أنّهما وقفا على تلك الأخبار، لعدّ المجلسي: الشيخ والعلاّمة والشهيد في مرتبة واحدة، إذ قال: والظاهر أنّ الأخبار بزيادة هذه الكلمات أيضاً كانت في الأصول، وكانت صحيحة أيضاً، كما يظهر من الشيخ والعلاّمة والشهيدرحمهم‌الله فإنّهم نسبوها إلى الشذوذ، والشاذّ ما يكون صحيحاً غير مشهور(٢) .

ولو ألقيت نظرةً سريعةً على تاريخ تلك الفترة وما فيها من صراعات دامية في الموصل والشام ومصر، وما قام به صلاح الدين الأيّوبي مع الفاطميين والعلويين لوقفت على سرّ عدم تعرّض الأعلام ما بين ابن البراج (ت ٤٨١ هـ) ويحيى بن سعيد الحلي (ت ٦٧٩ هـ) أي بمدة قرنين إلى ما يدلّ على رجحان الشهادة بالولاية في الكتب الموجودة بين أيدينا.

وبذلك فقد أمكننا وبهذا العرض السريع إعطاء فكرة بسيطة عن سير هذه

____________________

(١) نهاية الإحكام ١: ٤١٢.

(٢) روضة المتقين ٢: ٢٤٥. في المصدر المحقق بدل (الشيخ).

٣٣٩

المسألة الفقهية الكلامية، وما يمكن أن يستند عليه في الأحكام الشرعيّة عند القدماء والمتأخّرين.

وكذا اتّضح للقارئ أنّ الشهادة بالولاية لم تكن سيرة شائعة عند جميع الشيعة وفي جميع فتراتها، وأن عدم شيوعها لا ينفي محبوبيّتها وجوازها من دون قصد الجزئية، بل إنّ في ترك بعض الشيعة لها في بعض الأحيان دلالة قويّة على عدم قولهم بجزئيتها، وكذا في عمل البعض الآخر منهم دلالة على محبوبيّتها، إذ من غير المعقول أن تُطبِق أغلبُ الدول الشيعية على الإتيان بها خصوصاً في ظروف خاصة لا تسمح لهم بالإجهار بها، فما من حاكم شيعي مبسوط اليد إلاّ أتى ب (حي على خير العمل) مع ما لها من تفسير عن الأئمّة.

ونحن إن شاء الله في الفصل القادم سنواصل هذه السيرة مقرونة مع بيان تسالم الفقهاء على جواز الإتيان بها بقصد القربة المطلقة أو لمحبوبيّتها الذاتية بحسب أخبار اقتران الشهادات الثلاث المارة المعتبرة سنداً. وهو ما يؤكّد جواز الإتيان بهذا العمل المحبوب إن لم تعقبه مخاطر تودّي إلى إراقة الدماء.

وقد يصير الإتيان بهذا العمل مطلوباً بنحو أكيد بالعنوان الثانوي خصوصاً مع دفع اتّهامات المتَّهمين وافتراءات المفترِين الذين يريدون أن ينسبوا الغلوّ إلى شيعة أمير المؤمنين، فيجب على الشيعة أن يجهروا بالتّوحيد والنبوة مقرونة بالولاية حتى يدفعوا ومن على المآذن تلك الافتراءات، وهم يعلمون ويؤكّدون في رسائلهم العملية بأنّها ليست من أصل الأذان أو جزءً داخلاً في ماهيته.

٣٤٠