أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان0%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: الصفحات: 595
المشاهدات: 149989
تحميل: 11574

توضيحات:

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 149989 / تحميل: 11574
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الخلاصة:

سبق أن وضحنا فيالقسم الأوّل وجود فصل في الأذان دالّ على الولاية لأمير المؤمنين عليّعليه‌السلام كنائياً، وكذا فهمنا من فحوى كلام الإمام الكاظمعليه‌السلام أنه يحبّ الحثّ عليها والدعوة إليها، أي يريد تفسيرها معها.

وفيالقسم الثاني بيّنّا موضوع سكوت وتقرير الإمام الحجّة في عصر الغيبة، وأنّه قد يمكن التمسّك به عند البعضِ كدليل لإثبات القول بجواز الشهادة الثالثة إن ثبت إجماع الطائفة على الجواز.

أمّاالقسم الثالث فكان الكلام فيه عن بيان مغزى كلام فقهائنا الأقدمين من الشيخ الصدوق (ت ٣٨١ هـ) إلى العلاّمة الحلي( ت ٧٢٦ هـ).

* فقد ورد عن الشيخ الصدوقرحمه‌الله لعنه المفوّضة، لوضعهم أخباراً في زيادة الشهادة الثالثة في الأذان، لكنّه ترك لعن المتّهمين بالتفويض، وهذا يشير إلى احتمال تفريقه بين الأمرين، فهورحمه‌الله قد ترحّم على من لم يلتق معهم في المذهب وروى عنهم ولم يلعنهم، وهذا ليؤكّد أنّه عنى بمن لعنهم القائلين بالجزئية على نحو الخصوص، وقد احتملنا في صدور موقف الصدوقرحمه‌الله ثلاثة احتمالات:

الأوّل: أنّه عنى القائلين بالجزئية الواضعين الأخبار فيها، أمّا القائلون بمحبوبيّتها النفسيّة فلا يعنيهم في كلامه، لأنّ من الصعب أن يلعنرحمه‌الله من اجتهد من الشيعة وأفتى بمحبوبيّتها، لأنّ رجحان ذلك لا غبار عليه، خصوصاً وهم يؤكدون أنّهم يأتون بها لا على نحو الجزئية الواجبة لأنّها لو كانت جزءاً لاتّحدت الصيغ عندهم، ولما اختلفت، فتارة يروون (محمد وآل محمد خير البرية)،

 

٣٤١

وأخرى (أشهد أن عليّاً ولي الله).. وثالثة... ورابعة، وتارة يأتون بها بعد الحيعلة الثالثة، وأُخرى بعد الشهادة الثالثة.

وقد يكون الذين سُمُّوا بالمفوِّضة عند الصدوق لم يأتوا بها للأخبار الموضوعة من قبل المفوِّضة، بل لما وجودوها في العمومات الواردة في رجحان الشهادة الثالثة في كلّ شيء، وبذلك يكون مثلهم مثل العامّة الآتين بأشياء موجودة في أخبارنا، فنحن نأخذ بها لورودها في أخبارنا لا لعمل العامّة بها.

الثاني: أنّه قالها تقيةً، لإقرارهرحمه‌الله بأنّ التقية واجبة إلى قيام يوم الدين، ولكون بعض مشايخه من العامّة. وقيل بأن بعضهم كان من النواصب، فقد روى الصدوق عن أحمد بن الحسين الضبّي الذي بلغ من نصبه أنه كان يقول: اللهم صل على محمد فرداً، ويمتنع من الصلاة على آله.

وكذلك قولهرحمه‌الله (ولا بأس أن يقال في صلاة الغداة على إثر (حي على خير العمل): الصلاة خير من النوم مرتين للتقية) فإنّه يشير بوضوح إلى صدور النص عنه تقيةً، لأنّ المؤذّن لو كان في حال التقية فلا يمكنه أن يجهر ب (حيّ على خير العمل)، وإن لم يكن في حال التقية فلا يجوز له أن يقول (الصلاة خير من النوم)، وقد يكون تشدّد في الشهادة الثالثة للحفاظ على أرواح البقية الباقية من الشيعة، والبراءة الشكليّة ممن يقولونها، لأنّ الشهادة بالولاية لم تكن واجبة حتى يصرَّ عليها، مع أنّ كثيراً من الأحكام تقية، فكيف لا يجوز ترك ما هو جائز الإتيان به؟

الثالث: أنّه اتّبع مشايخه الثقات الذين تسرّعوا في الحكم بالوضع على بعض الأخبار والأصول، كما شاهدناه في اتّباعه لشيخه ابن الوليد بالحكم بوضع موسى الهمداني لأَصْلَي زيد الزراد والنرسي، في حين اجمع الأصحاب على خطأ هذا الحكم من قبل ابن الوليد ومن تبعه كالشيخ الصدوقرحمه‌الله ، ومثل هذا يشكّكنا فيما يجتهد فيه ودعانا التأمّل بحكمه بوضع أخبار الشهادة الثالثة وأنّها من وضع

٣٤٢

المفوّضة.

* وفي عصر الشيخ المفيد (ت ٤١٣ هـ) تساءلنا عن سبب تركهرحمه‌الله الاعتراض على الصدوق في هذه المفردة، مع أنّه صحّح اعتقاداته في كتاب آخر، وهل يعني ذلك تأييده له أم لا؟ فقلنا: إنّ الشيخ لم يقبل ما رواه الصدوق في فصول الأذان، ولكنّ الشهادة الثالثة لم تكن عنده بتلك الأهمية؛ لاعتقاده بعدم كونها من أصل الأذان، وجواز فعلها أو تركها، وأنهرحمه‌الله كان لا يريد الدخول في أُمور جزئية اجتهادية مع الآخرين، لأنّ الإفتاء بشيء حسّاس كالشهادة الثالثة قد يسبّب مشكلة بين الشيعة أنفسهم، في حين هُم بأمس الحاجة إلى وحدة الكلمة، لأنّ الحكومات الشيعية كانت في تصاعُد وتَنَام في عهده، وكانوا يؤذّنون ب (محمد وعلي خير البشر) في مصر وحلب وبغداد واليمامة، وكان الشيخ المفيد لا يريد أن يبيّن أنّه يتّفق مع هذه الحكومات أو يختلف معهم، المُهِمُّ أنّه رأى الكفاية فيما تأتي به الشيعة للدلالة على الجواز ولا داعي للإفتاء صريحاً بذلك، وخصوصاً أنّهرحمه‌الله لم يُسْئَل كتلميذه المرتضى حتى يجيب.

والخلاصة: أنّ الشيخ اكتفى ببيان الضروري في الأذان وهو جزئيّة الحيعلة الثالثة، وفي مطاوي كلامه ما يدلّ على قوله بالجواز، لأنّه لا يرى بأساً بالكلام في الأذانِ، والشهادةُ بالولاية من الكلام فلا يخلّ بالأذان حسب قوله ومبناه، بل إنّ سكوته هو إمضاء لفعل الشيعة في حدود قولهم بالجواز، أمّا لو اعتقدوا بالجزئية وأتوا بها على هذا الاعتقاد فمن البعيد أن يسكت الشيخ المفيد على خطائهم.

ومن هنا نفهم بأنّ الشيخ المفيد لا يتّفق مع الشيخ الصدوق في اتهام القائلين بالشهادة الثالثة بالوضع والزيادة، لأنّ الشيخ المفيد كان يرى جواز فعلها لأنّها من الكلام الراجح والمحبوب، وكان يعلم بأنّ الناس لا يأتون بها على أنّها جزء، لاختلاف الصيغ المُؤَدّاة من قبلهم، فالبعض يأتي بها بعد الحيعلة الثالثة والآخر بعد الشهادة الثانية.

٣٤٣

وكان الشيخ الصدوق يعتقد أنّهم يأتون بها على نحو الجزئية واضعين في ذلك الأخبار ولأجل ذلك تهجم عليهم.

* وأمّا السيّد المرتضى (ت ٤٣٦ هـ)، فهو أوّل من أعلن فتوائيّاً الجواز بالشهادة بالولاية في الأذان ب جملة (محمد وعلي خير البشر)، وذلك بعدما سئل من قبل أهل الموصل فقالرحمه‌الله : (إن قال: محمد وعلي خير البشر، على أنّ ذلك من قوله خارجٌ من لفظ الأذان جاز، فإنّ الشهادة بذلك صحيحة، وإن لم يكن فلا شيء عليه).

فالفقرة الأولى من كلامهرحمه‌الله واضحة لا تحتاج إلى تعليق، والفقرة الأخيرة (وان لم يكن فلا شيء عليه)، فالظاهر في (يكن) هنا التامة لا الناقصة، أي أنّ المؤذن إذا لم يقلها فلا شي عليه، ويحتمل أن يكون معناها أنّ المؤذّن لو قالها على أنّها جزء فلا شيء عليه، وهو احتمال مرجوح بنظرنا، والسياق يأباه تماماً.

إنّ فتوى السيّد المرتضى بجواز القول ب (محمد وعلي خير البشر) دعم حقيقي لسيرة الشيعة في بغداد، وشمال العراق، ومصر، والشام، وإيران. والسيّد المرتضى أيضاً نفى الجزئية والوجوب على منوال الصدوق. وأمّا الجواز فالمرتضى قائل به، وكذلك الصدوق حسبما استظهرناه.

ومن هنا نعلم بأنّ هذه الصيغ موجودة في شواذّ الأخبار وربما في أخبار أخرى وفي العمومات لا في روايات المفوّضة، وهذا يؤكّد استمرار الشيعة من بداية الغيبة الكبرى إلى عهد السيّد المرتضى في التأذين بها استناداً لما رواه الفضل بن شاذان عن ابن أبي عمير عن أبي الحسن الكاظم المار سابقاً، ولغير ذلك من الأدلّة، وأنّهرحمه‌الله لم يتعامل مع الشهادة الثالثة كما تعامل مع (الصلاة خير من النوم) حيث اعتبر الأولى جائزة والثانية بدعة وحراماً.

* أفتى الشيخ الطوسي (ت ٤٦٠ هـ) بعدم إثم من قال بالشهادة الثالثة، لأن الشهادة بالولاية عنده جائز الفعل والترك، وهو ليس بمستحبّ (ولا من كمال

٣٤٤

فصوله) كالقنوت. الشيخرحمه‌الله لا يمنع العمل بالأخبار الشاذّة إلاّ إذا امتنع الجمع، وهو يفهم بأنّ الشاذّ عنده له حجيّة بنحو الاقتضاء لا الفعلية، لأنّ الترجيح فرع الحجية الاقتضائية.

واللاّفت للنظر هو أنّ الشيخ أول من صَرَّح بوجود أخبار شاذّة في الشهادة بالولاية، دون أن يرميها بالوضع كما فعل الصدوقرحمه‌الله ، وهو يتضمّن إمكانية اعتبارها في مرتبة ما من مراتب الاعتبار الشرعي، والمراجع لكتابالاستبصار يرى أنّ الشيخ لا يترك الأخبار الشاذّة بالمّرة، وإن أمكنه الحمل على الجواز أو الاستحباب حَمَلها على ذلك، وقد مر عليك بأنّهرحمه‌الله قد حكم بالشذوذ على الرواية التي أوجبت الوضوء من قص الأظافر بالحديد وترك العمل بها، لكنّه لم يترك القول باستحباب الوضوء جمعاً بين الأدلة.

فالّذي نحتمله هنا أنّ الشيخ تعامل مع روايات الشهادة الشاذّة على منوال رواية الوضوء من الحديد، فأفتى بالجواز استناداً لذلك.

هذا، وإنّ فتواهرحمه‌الله تكشف عن سيرة بعض المتشرّعة في عصره في حدود من يرجع له بالفتوى وأنّها امتداد للسيرة التي كانت في عصر المرتضىرحمه‌الله ، وهذا يعني بأنّ لهذه السيرة وجوداً في العصور المتأخرة تدور مدار المرتضى والطوسي وغيرهما ممن أفتى بالجواز، وهم مشهور الطائفة.

وعليه فغالب العلماء بدءً من السيّد المرتضى والشيخ وحتّى الصدوق لا يرتضون جزئيّتها، وفي الوقت نفسه يذهبون إلى جوازها.

وإنّ مطالبة البعض بنقل التواتر في هكذا أمور ممّا يأباه العقل، لأنّ وصول أمثال هذه الروايات الشاذّة قد كلَّفنا الكثير، فكيف يريد هذا البعض نقل التواتر على ما ندّعيه وخصوصاً نحن لا نريد إثبات الجزئية؟!

* أمّا ابن البرّاج (ت ٤٨١ هـ) فهو أوّل من أفتى باستحباب الشهادة بالولاية ولكن على نحو قَوْلها في النفس، وفي مثل هذه الفتوى نقلةٌ نوعيّة من فتوى

٣٤٥

الجواز عند السيّد المرتضى والشيخ الطوسي إلى القول بالاستحباب بها في النفس، والمناطُ واحد في الجميع وهو التبرّك والتيمّن.

والمثير للانتباه أنّ ابن البرّاج قيّد الشهادة الشهادة بالعدد، أعني ال: "مرَّتين"، ومعلوم بأنّ مثل هذا القيد يستبعد أن يكون عن حدس واجتهاد، بل هو مبتَن على وجود رواية قد شاهدها ابن البراج عن حِسٍّ، إذ يلوح من التقييد بعدد مخصوص التوقيفيَّةُ، والتوقيفيّةُ لا يناسبها إلاّ الأخبار والروايات، يشهد لذلك أنّ جملة (محمد وآل محمد حير البرية) هي عينها التي جزم الشيخ الطوسي بورود الأخبار الشاذّة بها، وشهادة الصدوق بأنّها موضوعة، ومعنى هذا أنّ هذه الأخبار ليست بشاذّة عند ابن البراج ولا موضوعة.

وممّا يجب التنبيه عليه أنّ الاستحباب عند ابن البراج لا علاقة له بماهية الأذان إلاّ للتبرّك والتيمّن، بقرينة الشهادة بها في النفس، بل نحتمل قويّاً أنّ كلامهقدس‌سره كان ناظراً إلى أمثال حسنة ابن أبي عمير، فأراد تفسير الحيعلة الثالثة بما أفتى به.

* أمّا حكاية يحيى بن سعيد الحلي (ت ٦٨٠ هـ) والعلاّمة الحلي (ت ٧٢٦ هـ) لشواذّ الأخبار، فهي لتشير إلى وقوف الحليين على تلك الأخبار بعد الشيخ الطوسي، وذلك لعدم حكايتهما ذلك عن الشيخ الطوسي، وهو الأخر يؤكّد بأنّ هذه السيرة عند الشيعة لم يكن مرجعها الشيخ الطوسي، بل كانت قبله واستمرت من بعده، وأنّ الفقهاء من بعد الشيخ لم يتّبعوه في الفتوى بالجواز تقليداً، بل لوقوفهم على تلك الأخبار، والتي كانت موجودة إلى عهد العلاّمة الحلي.

٣٤٦

الفصل الثاني: بيان أقوال الفقهاء المتأخّرين، ومتأخّري المتأخّرين، وبعض المعاصرين

٣٤٧

٣٤٨

بعد أن انتهينا من بيان أقوال الشارع المقدّس، وسيرة المتشرّعة في عصر القدماء إلى أول المتأخرين أعني العلاّمة الحليرحمه‌الله نريد الآن أن نقف على أقوال وآراء متأخّري الأصحاب الناطقة بمحبوبيّة الإتيان بالشهادة بالولاية في الأذان من باب القربة المطلقة مع إصرارهم وتأكيدهم على عدم جزئيتها، ومخالفتهم لمن أتى بها على نحو الجزئية، وإنّك من خلال عرضنا لأقوال هؤلاء الفقهاء سترى بأنّا لا نخرج عن إجماعهم أو مشهورهم الأعظم في ما قالوه عن الشهادة الثالثة؛ لأنّهم يتّفقون على حقيقة واحدة هي رجحانها الذاتيّ، وأنّ ما نسب إلى البعض من أنّه يذهب إلى تحريم كلّ زيادة في الأذان وإن كانت لرجاء المطلوبيّة، فهو في أحسن تقاديره رأي شاذّ لا يقاومُ الإجماعَ أو الشهرة العظيمة التي كادت أن تكون إجماعاً؛ لأنّنا وبوقوفنا على كلام متأخّري الأصحاب سنوضح مواضع الالتباس الذي وقع للبعض وسوء فهمه لكلماتهم، إذ غالب هؤلاء الفقهاء إن لم نقل كلّهم لا يريدون نفي المشروعيّة والمحبوبيّة، بل يريدون نفي الجزئيّة، وهذا هو منهجهم في التعامل مع هذه المسألة من عصر القدماء إلى يومنا هذا.

وإليك الآن سير هذه المسألة في القرن الثامن الهجري، ثمّ القرون التي تلته إلى يومنا هذا.

٣٤٩

القرن الثامن الهجري

٨ - الشهيد الأوّل (٧٣٤ هـ - ٧٨٦ هـ)

قال الشهيد الأوّل محمّد بن مكي العاملي الجزيني في(ذكرى الشيعة): الرابعة: قال الشيخ: وأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول: (أنّ عليّاً ولي الله) و(آل محمد خير البرية) مما لا يعمل عليه في الأذان، ومن عمل به كان مخطئاً. وقال في المبسوط: لو فعل لم يأثم به. وقال ابن بابويه: والمفوّضة رووا أخباراً وضعوها في الأذان: (محمد وآل محمد خير البرية)، و(أشهد أنّ عليّاً ولي الله)، وأنّه أمير المؤمنين حقّاً حقّاً، ولا شكّ أنّ عليّاً وليّ الله، وأنّ آل محمد خير البريّة، وليس ذلك من أصل الأذان (١) .

وقال فيالبيان :قال الشيخ: فأمّا قول: (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) وأنّ (محمّداً خير البرية) على ما ورد في شواذّ الأخبار، فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله (٢) .

وقال في(الدروس الشرعية) :

____________________

(١) ذكرى الشيعة ٣: ٢٠٢ - ٢٠٣ / باب ما روي في شواذّ الأخبار من قول: (أنّ علياً وليّ الله وأن محمّداً خير البرية) في الأذان.

(٢) البيان: ٧٣، ط حجري. وفي تحقيق الشيخ محمد الحسون للكتاب: ١٤٤: أشهد أن علياً أمير المؤمنين وآل محمد خير البرية.

٣٥٠

 قال الشيخ: أمّا الشهادة لعليعليه‌السلام بالولاية وأنّ (محمداً وآله خير البرية) فهما من أحكام الإيمان لا من ألفاظ الأذان، وقطع فيالنّهاية بتخطئة قائله، ونسبه ابن بابويه إلى وضع المفوّضة، وفيالمبسوط : لا يأثم به(١) .

فالشهيد الأوّل في هذه النصوص حكى كلام الشيخ الطوسي، وليس في كلامهرحمه‌الله ما يشير إلى أنّه قد وقف على تلك الأخبار بنفسه كما استظهرنا ذلك من كلام يحيى بن سعيد الحلي، والعلاّمة الحلي واحتملناه بقوّة، مؤكّدين أنّهما وقفا على أخبار الشهادة الثالثة كالشيخرحمه‌الله لكنّ الشيخ التقيّ المجلسي(٢) عدّه مع الشيخ الطوسي والعلاّمة ضمن من وقفوا على تلك الأخبار، وهذا لا يمكن استفادته من(الذكرى) و(البيان) بوضوح، فقد يكون الشهيد صرّح بما يشير إلى وقوفه عليها ضمن كتبه المفقودة، أو أنّ المجلسيّ عدّه مع الشيخ الطوسي لتبنّيه قول الشيخ وأخذه به في كتابَيْه(ذكرى الشيعة) و(البيان) .

وأمّا ما قالهرحمه‌الله : (فهما من أحكام الإيمان لا من ألفاظ الأذان)، فهذا ما لا نخالفه، بل إنّا نقول بما قاله الشيخ الطوسي من عدم الإثم في الإتيان بها، وأمّا كونها من ألفاظ الأذان فلا نقول به.

والحاصل: أنّ الذي يظهر من الشهيد الأوّل هو أنّه يفتي بعدم إثم قائل الشهادة الثالثة في الأذان بشرط عدم اعتقاد الجزئية فيها، على غرار فتوى الشيخ الطوسي، ويشير إلى ذلك نقله لقول الشيخ الطوسي وعدم تعليقه عليه بشيء، وهذا يعني التزامه به، وإلاّ فمن غير المعقول أن تكون كتبهالذكرى والدروس والبيان ، وهي تجمع فتاويه ساكتة عن الشهادة الثالثة مع أنّها مسألة فقهية لها علاقة وثيقة

____________________

(١) الدروس الشرعية في فقه الإمامية: ١٦٢، تحقيق مؤسسة النشر الإسلامي.

(٢) روضة المتقين ٢: ٢٤٥، والذي مر عليك قبل قليل.

٣٥١

 بالعقيدة وقد تكون التقيّة العامل الأقوى في ذلك، لأنّ الشهيد قتل بأيدي العامة.

وفي الجملة: فنقل العالِمِ لقول في كتبه الفتوائية وسكوته عن التعليق عليه يدلّ على التزامه به، خاصّة إذا أخذنا بنظر الاعتبار إن كتبه قد صُنّفت على أساس البحث والتمحيص والنقض والإبرام.

القرنان التاسع والعاشر الهجريَّان

يوجدُ في هذين القرنين علماء وفقهاء ومحدّثون ومتكلّمون عظام، لكنّ غالب كتب هؤلاء العلماء مفقودة، والموجود منها لم يصرّح بما يرتبط ببحثنا، فاقتصرنا على ذكر من وقفنا على كتبهم، وخصوصاً البارزين منهم:

فقد ذكر ابن فهد الحلي(١) (ت ٧٥٧ - ٨٤١ هـ)، والمقداد السيوري الحلي(٢) (ت ٨٢٦ هـ)، وشمس الدين محمد بن شجاع القطان الحلي(٣) (كان حيّاً عام ٨٣٢ هـ) الأذانَ والإقامةَ في كتبهم، ولم يتعرضوا لموضوع الشهادة بالولاية أصلاً.

٩ - الشهيد الثاني (٩١١ - ٩٦٥ هـ)

وأما الشيخ الجليل زين الدين بن علي العاملي الشهير ب (الشهيد الثاني) فلم يتعرّض إلى الأذان في كتابه(المقاصد العليّة في شرح الألفية) ، لكنّه أشار إلى الاختلاف الواقع في فصوله في(حاشية المختصر النافع) (٤) و(فوائد القواعد) (٥) و(حاشية شرائع الإسلام) (٦) دون الإشارة إلى الشهادة بالولاية لعلي.

____________________

(١) المهذب البارع ١: ٣٤٩، المقتصر في شرح المختصر: ٧٣. الموجز: ٧١، المحرر: ١٥٣، مصباح المبتدئ: ٢٩١، والثلاث الأخيرة مطبوعة ضمن الرسائل العشر لابن فهد الحلي.

(٢) التنقيح الرائع لمختصر الشرائع: ١٨٩ - ١٩٠.

(٣) معالم الدين في فقه آل ياسين ١: ١٠٣.

(٤) حاشية المختصر النافع: ٣٢.

(٥) فوائد القواعد: ١٦٧.

٣٥٢

وقال في(الفوائد الملية لشرح الرسالة الألفية) : (والدُّعاء عند الشهادة الأولى). بقوله: (أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأنّ محمّداً رسول الله، أُكفى بها عن كُلِّ من أبى وجحد، وأُعِينُ بها من أَقَرَّ وشهد)، ليكون له من الأجر عدد الفريقين؛ روي ذلك عن الصادقعليه‌السلام . وليقل عند سماع الشهادتين: وأنا أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأنّ محمداً عبده ورسوله، رضيت بالله ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمّد رسولاً، وبالأئمّة الطاهرين أئمّةً، اللّهّم صل على محمد وآل محمد، اللّهّم ربّ هذه الدعوة التامّة والصلاة القائمة، آتِ محمّداً الوسيلةَ والفضيلةَ، وابعثه المقامَ المحمود الذي وعدته، وارزقني شفاعته يوم القيامة. وإسرارُ المتّقي بالمتروك. لا تركُهُ، إذ لا تقية في الإِسرار، نعم، لو خافَ من التلفّظ به وإن كان سراً بسبب ظهور حركة شفتيه أو طول زمانه أجراه على قلبه(١) .

وكان قد قال قبله: (وروي التعميل). وهو (حيّ على خير العمل) مرّتين قبلها، أي قبل (قَد قامت)، لأنّ مؤذّنهم لم يقل ذلك(٢) .

وقال بعدها: وترك (الحيعلتين بين الأذان والإقامة) لأنّه بدعة أحدثها بعض العامّة، وهذا إذا لم يعتقد توظيفها وإلاّ حرم (والكلامُ فيهما مطلقاً) أي بعد قوله: (قد قامت الصلاة) وقبلها(٣) .

وهذه النصوص الثّلاثة توحي لنا ما كان يعيشه هو والشيعة آنذاك من ظروف قاسية ونزاعات تؤدّي إلى التقية، فهورحمه‌الله لم يتعرّض إلى الشهادة الثالثة إلاّ في

____________________

(٦) حاشية شرائع الإسلام: ٨٧.

(٧) الفوائد الملية: ١٥٢.

(٨) الفوائد الملية: ١٤٢.

(٩) الفوائد الملية: ١٥٥.

٣٥٣

كتابيه(شرح اللمعة الدمشقية) و(روض الجنان) ، وبلحن اعتراضي شديد؛ إذ قال في(اللمعة) ما نصه:

(ولا يجوز اعتقاد شرعيّة غير هذه) الفصول (في الأذان والإقامة كالتشهّد بالولاية) لعلي عليه‌السلام (وأنّ محمّداً وآله خير البرية) أو خير البشر (وإن كان الواقع كذلك) فما كلّ واقع حقّاً يجوز إدخاله في العبادات الموظفة شرعاً، المحدودة من الله تعالى، فيكون إدخال ذلك فيها بدعةً وتشريعاً، كما لو زاد في الصلاة ركعة أو تشهّداً، أو نحو ذلك من العبادات. وبالجملة فذلك من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان. قال الصدوق: إنّ إدخال ذلك فيه من وضع المفوّضة، وهم طائفة من الغلاة. ولو فعل هذه الزيادة، أو إحداها بنّية أنّها منه أثم في اعتقاده، ولا يبطل الأذان بفعله، وبدون اعتقادِ ذلك لا حرج (١) .

وقالرحمه‌الله في(روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان) :

وأمّا إضافة (أنّ علياً وليّ الله) و(آل محمد خير البرية) ونحو ذلك فبدعة، وأخبارُها موضوعة وإن كانوا خيرَ البرية؛ إذ ليس الكلام فيه، بل في إدخاله في فصول الأذان المتلقَّى من الوحي الإلهي، وليس كلُّ كلمةِ حقٍّ يسوغ إدخالها في العبادات الموظّفة شرعاً (٢) .

وقال في(مسالك الإفهام) معلّقاً على كلام صاحب(شرائع الإسلام) (وكذا يكره

____________________

(١) شرح اللمعة الدمشقية ١: ٥٧١ تحقيق السيّد الكلانتر.

(٢) روض الجنان ٢: ٦٤٦ تحقيق مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية التابعة لمنظمة الإعلام الإسلامي / قم.

٣٥٤

قول الصلاة خير من النوم) :

بل الأصحّ التحريم، لأنّ الأذان والإقامة سنّتان متلقَّيتان من الشرع كسائر العبادات، فالزيادة فيهما تشريع محرّم، كما يحرم زيادة (محمد وآله خير البرية) وإن كانوا عليهم‌السلام خير البرية، وما ورد في شذوذ أخبارنا من استحباب (الصلاة خير من النوم) محمولٌ على التقية (٢) .

فنحن نوافق الشهيد الثاني فيما قاله معترضاً على الذين يأتون بها على أنّها جزءٌ، لأنّه (ليس كلّ كلمة حقّ يسوغ إدخالها في العبادات الموظّفة شرعاً)، لكن لو قالها من دون اعتقاد الجزئية ولمطلق القربة لكونها كلمة حق في نفسها فلا حرج في ذلك عند الشهيد الثاني؛ لقوله: (وبدون اعتقادِ ذلك لا حرج)، وهذا ما نريد التأكيد عليه، لأنّ الأذان أمرٌ توقيفيّ وشرعيّ فلا يجوز إدخال شيء فيه بقصد التشريع.

لكن يبقى قولهرحمه‌الله (وأخبارها موضوعة) أو (فذاك من أحكام الإيمان لا من فصول الأذان)، وهذا القول لا نرتضيه على عمومه، وذلك لاعتبار الشيخ الطوسي تلك الأخبار شواذَّ لا موضوعة، أي عدم استبعاد العمل به وعدم إثم فاعلها.

إذن، دعوى الشهيد الثاني الوضعَ وجزمه بها في غاية الإشكال، إلاّ أن نقول إنّه جزم بذلك تبعاً للشيخ الصدوق والذي وضّحنا كلامه وما يمكن أن يرد عليه.

وعلى هذا، فما يجب أخذه بنظر الاعتبار هو ورود أخبار كثيرة دالّة على محبوبية الشهادة بالولاية تلويحاً وإيماء وإشارة، كما جاء عن الأئمة في معنى (حي على خير العمل) وفي علل الأذان، وما قلناه من اقتران الشهادات الثلاث في الأدعية والأذكار وسائر الأحكام، ولحاظ وحدة الملاك بين الشهادة بالنبوّة

____________________

(١) مسالك الإفهام ١: ١٩٠.

٣٥٥

والشهادة بالولاية، إلى غيرها من العمومات التي ذكرناها، والتي فيها جملة: (أشهد أن علياً ولي الله) (ومحمد وآل محمد خير البرية) ونحوها.

فإن أتى شخص بجملة: (علي ولي الله) أو (آل محمّد خير البرية) طبقاً لأمثال هذه الروايات التي حكاها الشيخ الطوسي في باب فصول الأذان، أو طبقاً لما جاء في تفسير معنى الحيعلة الثالثة عن المعصومين، فلا يجوز القول عنها بأنّه عمل بروايات موضوعة، إذ الروايات في هذا المجال عامة وقد تكون خاصة وردت عن الأئمّة في جواز القول بها مقرونة مع النبوة، ولا يمكن انتسابها إلى الوضع.

ثمّ إنّ ما قالهرحمه‌الله عن الشهادة بالولاية وأنّها من (أحكام الإيمان لا من فصول الأذان) فهو كلام سديد، لكنّه في الوقت نفسه لم يمنع الشهيد الثاني أن يفتي بجواز أن يأتي المكلّف بأمر إيمانيّ في الأذان لا بقصد الجزئية، فالاستغفار أو القنوت مثلاً هما أمران مستحبّان، ويا حبّذا أن يُؤتى بهما في الصلاة كذلك، لا باعتبارهما جزءاً من الصلاة، بل لمحبوبيّتهما النفسية، وهذا ما التزم بهرحمه‌الله في قوله فيالروضة : (ولو فعل هذه الزيادة، أو إحداها بنيّة أنّها منه أثم في اعتقاده، ولا يبطل الأذان بفعله، وبدون اعتقاده لا حرج).

على أننا لا يمكن أن نغفل احتمال كون الشهيد الثاني قد قالها انسياقاً مع مجريات الأحداث الّتي أدّت إلى شهادته، أو أنّه قالها لوحدة الكلمة بين المسلمين، أو أنّه عنى الذين قالوها على نحو الجزئية، لكنّ المتيقّن حسبما جزم به نفسه هو أنّه لا حرج من قولها بدون اعتقاد.

١٠ - المولى أحمد الأردبيلي (ت ٩٩٣ هـ)

وهكذا هو الحال بالنسبة إلى نصّ المقدّس الأردبيلي الآتي، فإنّ الأردبيلي لم يحكم بحرمة الإتيان بها إذا جيء بها من باب المحبوبيّة الذاتية، بل أشاررحمه‌الله إلى

٣٥٦

قضية موضوعية يجب أخذها بنظر الاعتبار مع الموافق والمخالف، فإنهرحمه‌الله وبعد أن نقل كلام الصدوق فيالفقيه قال:

 فينبغي اتّباعه لأنّه الحقّ [أي كلام الصدوق حقّ]، ولهذا يُشَنَّع على الثاني بالتغيير في الأذان الذي كان في زمانهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلا ينبغي ارتكاب مثله مع التشنيع عليه. ولا يتوهّم عن المنع الصلاة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه، لظهور خروجه منه وعموم الأخبار الدالّة بالصلاة عليه مع سماع ذكره، ولخصوص الخبر الصحيح المنقول في هذا الكتاب عن زرارة الثقة: وصَلِّ على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كلّما ذكرته، أو ذكره ذاكر عنده في أذان أو غيره، ومثله فيالكافي في الحسن (لإبراهيم) كما مر(١) .

فالمقدّس الأردبيلي لا يتعامل مع الشهادة الثالثة كما تعامل مع مسالة (الصلاة خير من النوم)، حيث قال في الأخيرة:والعمدة أنّه تشريع، وتغيير للأذان المنقول، وزيادة بدل ما هو ثابت شرعاً، فيكون حراماً، ولو قيل من غير اعتقاد ذلك، بل مجرّد الكلام، فلا يبعد كونه غير حرام (٢) .

ولا ريب في أنّ كلمة المقدّس الأردبيلي تصبّ في مجرى ما استظهرناه عن الشهيدين الأوّل والثاني (رحمهما الله تعالى) علاوة على الشيخ الطوسي، فالتشنيع منه يدور مدار القول بالجزئية، وفيما عدا ذلك لا تشنيع، فالمقدّس الأردبيلي صرّح في خصوص التثويب بقوله:(ولو قيل من غير اعتقاد الجزئية، بل بمجرد

____________________

(١) مجمع الفائدة ٢: ١٨١ - ١٨٢.

(٢) مجمع الفائدة ٢: ١٧٨.

٣٥٧

الكلام، فلا يبعد كونه غير حرام) وهو المقصود والمفتى به عند علمائنا قديماً وحديثاً.

فلو كان هذا هو كلامهرحمه‌الله في التثويب فمن الطبيعي أن يجيز الإتيان بالشهادة الثالثة أو ما يقال في تفسير معنى الحيعلة الثالثة من باب أولى، لأن غالب الفقهاء يأتون بها من غير اعتقاد الجزئية، بل لمجرد أنّه كلام حق (فلا يبعد أن يكون غير حرام) حسب تعبير المقدس الأردبيلي.

القرن الحادي عشر الهجري

وفق تتبّعي ورصدي لأقوال الفقهاء في هذه المسألة لم أقف فيما بين يدي من التراث الفقهي لفقهائنا العظام في القرن العاشر الهجري على ما يدل على الشهادة بالولاية لعليّ في الأذان، وقد يعود ذلك إلى أنّ غالب الكتب المصنّفة في هذا القرن هي شروح على كتب لم يتطرّق أصحابها إلى هذه المسألة. وقد يعود إهمالهم لذكرها هو تجنب إثارة الحكومة العثمانية والتي كانت تسعى للحصول على أحجية لإثارة العامة ضد الشيعة.

فمثلاً الشيخ مفلح الصيمري البحراني هو من أعلام القرن التاسع والعاشر الهجريين لا نراه يشير إلى موضوع الشهادة بالولاية في كتابه(غاية المرام في شرح شرائع الإسلام) (١) . وكذلك في كتابه الآخر(تلخيص الخلاف) (٢) مع أنّه قد ذكر مضمون الأذان وما فيه من مسائل فقهية وخلافية.

ومثله المحقّق الكركي (ت ٩٤٠ هـ)، الذي لم يتعرّض لهذه المسألة في كتابه

____________________

(١) انظر غاية المرام في شرح الشرائع الإسلام ١: ١٣٩.

(٢) انظر تلخيص الخلاف ١: ٩٥.

 

٣٥٨

( جامع المقاصد في شرح القواعد) (١) ، و(حاشية المختصر النافع) (٢) ، و(حاشية شرائع الإسلام) (٣) ، و(حاشية إرشاد الأذهان) (٤) .

ونحو ذلك السيّد محمد بن علي الموسوي العاملي (ت ١٠٠٩ هـ) في(مدارك الأحكام في شرح شرائع الإسلام) (٥) وغيرهم من فقهاء القرن العاشر الهجري.

لكنّ هذا لا يشير إلى أنّ موضوع الشهادة بالولاية في الأذان لم يكن منتشراً ورائجاً عند الشيعة آنذاك. إذ فيما حكاه المجلسيّ الأوّل ممّا دار بينه وبين أستاذه الملاّ عبدالله ما يؤكّد بأن هذه السيرة كانت منتشرة بأعلى صورها في ذلك العصر لأن شيوع أمر الشهادة أو أي أمر آخر لا يمكن أن يكون وليد ساعته، بل لابدّ أن تكون له جذور سابقة من القرون الماضية وهذا ما أكدنا ونؤكد عليه.

قال المجلسيّ الأوّل ما ترجمته:

 وبناءً على هذا، فالقولُ بأنّ هذه الأخبار موضوعة أمرٌ مشكل، إلاّ أن يَرِدَ ذلك عن أحد المعصومين عليهم‌السلام ، وإذا قال بها بعنوان التيمّن والتبرّك فلا بأس به، وإن لم يقلها كان أَفْضَلَ [حتى لا يتوهّم فيها الجزئية] إلاّ أن يخاف من عدم ذكرها، لأنّ الشائع في أكثر البلدان [ذكرها]، وقد سمعتُ كثيراً أنّ من تركها قد اتُّهِمَ بأنّه من العامّة (٦) .

وأمّا القرن الحادي عشر الهجري، فقد عاش فيه فقهاء وحكماء ومتكلّمون كُثُرٌ، فمن كبار الفقهاء والمحدّثين الذين عاشوا في هذا العصر

____________________

(١) جامع المقاصد ٢: ١٨١.

(٢) حاشية المختصر النافع: ١٤٥، المطبوع ضمن (حياة المحقق الكركي وأثاره ج ٧).

(٣) حاشية شرائع الإسلام: ١٤٣، المطبوع ضمن (حياة المحقق الكركي وأثاره ج ١٠).

(٤) حاشية إرشاد الأذهان: ٧٩، المطبوع ضمن (حياة المحقق الكركي وأثاره ج ٩).

(٥) مدارك الأحكام ٣: ٢٥٤ - ٣٠٤.

(٦) لوامع صاحبقراني: ٥٦٦.

 

٣٥٩

الشيخ حسن بن زين الدين العاملي (ابن الشهيد الثاني) (ت ١٠١١ هـ) صاحب(منتقى الجمان) (١) ، وابنه الشيخ محمد بن الحسن (ت ١٠٣٠ هـ) صاحب(استقصاء الاعتبار في شرح الاستبصار) (٢) ، والشيخ البهائي (ت ١٠٣١ هـ) صاحب المصنفات المتعدّدة والكثيرة، منها:(الحبل المتين) (٣) ، و(الإثنا عشرية) (٤) ، و(الجامع العباسي) (٥) ، و(مفتاح الفلاح) (٦) وغيرها، فإنّ هؤلاء الأعاظم لم يتعرّضوا إلى الشهادة بالولاية في كتبهم السابقة رغم أنّهم تعرّضوا إلى الأذان والإقامة وفصولهما وأحكامهما.

لكنّ هناك فقهاء آخرين، كالشيخ محمد تقي المجلسيّ (ت ١٠٧٠ه)، والمحقّق السبزواري (ت ١٠٩٠ هـ)، والفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ هـ)، قد أشاروا إلى موضوع الشهادة بالولاية في الأذان ضمن ما كتبوه، بفارق أنّ التقيّ المجلسي قال بعدم إثم فاعلها من دون قصد الجزئية، وقد يكون بنظره أنّها شرعت واقعاً وتركت تقية، والمحقق السبزواري والفيض الكاشاني كانا مخالِفَين في الإتيان بها، وإليك الآن قول المولى محمد تقي المجلسي.

١١ - الشيخ محمد تقي المجلسي (ت ١٠٧٠ هـ)

قال المولى محمد تقي المجلسي في(روضة المتّقين في شرح من لا يحضره الفقيه) معلّقاً على كلام الصدوق:

____________________

(١) منتقى الجمان ١: ٥٠٢.

(٢) استقصاء الاعتبار ٥: ٣٦ - ٨٤.

(٣) انظر الحبل المتين ٢: ٢٦٣ - ٣٠٢.

(٤) انظر الاثنا عشرية: ٣٨ / الفصل الرابع الأفعال اللسانية المستحبة.

(٥) الجامع العباسي: ٣٥.

(٦) انظر مفتاح الفلاح: ١١٢، صورة الأذان.

٣٦٠