أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان0%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: الصفحات: 595
المشاهدات: 150029
تحميل: 11574

توضيحات:

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 150029 / تحميل: 11574
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الجزم بأنّ هذه الأخبار من موضوعاتهم مشكلٌ، مع أن الأخبار الّتي ذكرنا في الزيادة والنقصان، وما لم نذكره كثيرةٌ، والظاهر أنّ الأخبار بزيادة هذه الكلمات أيضاً كانت في الأُصول، وكانت صحيحةً أيضاً، كما يظهر من المحقّق (١) والعلاّمة والشهيدرحمهم‌الله ، فإنّهم نسبوها إلى الشذوذ، والشاذُّ: ما يكون صحيحاً غير مشهور، مع أنّ الذي حكم بصحّته أيضاً شاذٌّ كما عرفت، فبمجرّد عمل المفوّضة أو العامّة على شيء لا يمكن الجزم بعدم ذلك، أو الوضع إلاّ أن يرد عنهم (صلوات الله عليهم) ما يدلّ عليه، ولم يَرِدْ، مع أنّ عمل الشيعة كان عليه في قديم الزمان وحديثه.

 والظاهر أنّه لو عمل عليه أحدٌ لم يكن مأثوماً إلاّ مع الجزم بشرعيّته فإنّه يكون مخطئاً، والأَولى أن يقوله على أنه جزء الإيمان لا جزء الأذان، ويمكن أن يكون واقعاً، ويكون سبب تركه التقيّة، كما وقع في كثير من الأخبار ترك (حيّ على خير العمل) تقية.

 على أنّه غير معلوم أنّ الصدوق، أيَّ جماعة يريد من المفوِّضة، والذي يظهر منه كما سيجيء أنّه يقول: كلُّ من لم يقل بسهو النبي فإنّه [من]المفوّضة، وكلّ من يقول بزيادة العبادات من النبيّ فإنّه من المفوّضة، فإن كان هؤلاء، فهم كلُّ الشيعة غيرَ الصدوق وشيخه، وإن كانوا غير هؤلاء فلا نعلم مذهبهم حتى

____________________

(١) قال بهذا هنا، وفي شرحه على الفقيه بالفارسية (لوامع صاحبقراني): ٥٦٦ مصرحاً بأنّ المحقّق قالها في المعتبر، لكنّا لم نر ما يدل على ذلك في كتب المحقّق إلاّ ما نقله في (نكت النهاية) عن الشيخ، فلعلّ المجلسي الأوّل أراد الشيخ الطوسيّ فوقع سهو من قلمه الشريف فقال (المحقق)، ويؤيّد مدعانا ما حكاه المجلسيّ الثاني عن الشيخ والعلاّمة والشهيد، ولم يحكه عن المحقّق، فتأمل.

٣٦١

ننسب إليهم الوضع واللعن، نعم كلّ من يقول بأُلوهية الأئمة أو نبوّتهم فإنّهم ملعونون (١) .

وقال في كتابه الآخر(حديقة المتقين) باللغة الفارسية ما ترجمته:

 يكره تكرار الفصول زيادة على القدر الوارد من الشارع المقدّس فيه، وهكذا قول (الصلاة خير من النوم)، وقال البعض: إنّه حرام؛ لأنّه غير متلقّى من الشارع المقدّس، وهكذا قول (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله، ومحمد وعليّ خير البشر) وأمثالها؛ لأنّها ليست من أصل الأذان وإن كان عليّاً ولي الله، ومحمّدٌ وعليٌّ خيرَ الخلائق، لكن لا كلّ حق يجوز إدخاله في الأذان.

 ولو أتى بها شخص اتّقاءً من الجَهَلَة أو تيمّناً وتبرّكاً وهو يعلم أنّه ليس من فصول الأذان فذاك جائز، ونقل بعض الأصحاب ورودها في بعض الأخبار الشاذّة على أنّها جزء الأذان، فلو ثبت ذلك عند الشارع وعمل بها أحدٌ فلا بأس وإلاّ فالإتيان بها من باب التيمّن والتبرّك أفضل (٢) .

نلخص كلام التقي المجلسيرحمه‌الله في نقاط، نظراً لأهميته ولاشتماله على فوائد متعددة:

١ - عدم قبوله بجزم الصدوق ومن تبعه بكون الأخبار موضوعة.

٢ - وجود أخبار كثيرة في الزيادة والنقصان في فصول الأذان والإقامة، وفي

____________________

(١) روضة المتقين ٢: ٢٤٥ - ٢٤٦. وقريب منه في شرحه على (من لا يحضره الفقيه) والمسمى ب (لوامع صاحبقرانى) ٣: ٥٦٦ بالفارسية فراجع.

(٢) حديقة المتقين مخطوط، الرقم ٧٩١، الصفحة ١٨١، مؤسسة كاشف الغطاء، قال الملا محمد باقر المجلسي في تعليقته على (حديقة المتقين)، بالفارسية مخطوط يحمل الرقم ٧٨٦، صفحة ٩٨، مكتبة كاشف الغطاء قال: عدل المصنف عن هذا الرأي في أواخر عمره، وصار يعتبرها من الفصول المستحبّة في الأذان.

٣٦٢

غيرها.

٣ - وجود هذه الزيادات في أصول أصحابنا.

٤ - كون هذه الزيادات صحيحة، لأن الشاذّ بتعريف الشيخ المجلسي هو ما يكون صحيحاً غير مشهور، وما حكم به الصدوق بالصحة هو خبر شاذّ كذلك.

٥ - عمل المفوّضة أو العامّة لا يعني عدم الورود أو الوضع إلاّ أن يرد عن الأئمّة ما يدل على ذلك، ولم يرد.

٦ - إن سيرة الشيعة كانت قائمة على الأذان بالولاية من قديم الزمان إلى عهد الشيخ المجلسي الأوّلرحمه‌الله لا على نحو الجزئية، ولا يمكن نقص دعواه بكلام الصدوق والشهيد الثاني والمولى الأردبيلي وغيرهم لأنّهم ينكرون قولها على نحو الجزئية لا بقصد القربة.

٧ - إن الآتي بالشهادة الثالثة في الأذان لم يكن مأثوماً وإن كان مخطئاً بصناعة الاستنباط، لأنّه بذل وسعه وعمل بأخبار شاذة تاركاً المحفوظ والمعمول عليه عند الأصحاب.

٨ - الأولى باعتقاد الشيخ المجلسي أن يأتي بالشهادة بالولاية على أنّها جزء الإيمان لا جزء الأذان، وإن أمكن القول بوجودها واقعاً وتركها للتقيّة كما وقع في كثير من الأخبار ترك (حيّ على خير العمل) تقيّة.

٩ - ثبت أن للتفويض معاني عديدة فلذلك تساءل المجلسيرحمه‌الله : أي جماعة يريده الصدوق من المفوّضة، فلو أراد القائلين بعدم سهو النبيّ أو أن للنبيّ الزيادة في العبادات وأمثالها فهو ما يقول به (كل الشيعة غير الصدوق [وشيخه ابن الوليد]، وإن كانوا غير هؤلاء فلا نعلم مذهبهم حتى ننسب إليهم الوضع واللعن. نعم، كل من يقول بألوهية الأئمّة أو نبوتهم فإنهم ملعونون).

١٠ - إن تكرار فصول الأذان مكروه، وقيل يحرم في (الصلاة خير من النوم) لأنّه غير متلقى من الشارع المقدّس، ولا يجوز إدخال الشهادة بالولاية في الأذان

 

٣٦٣

 لأنّها ليست من أصل الأذان. نعم، لو أتى بها شخص بدون اعتقاد الجزئية اتقاءً من جهلة الشيعة الذين يرمونه بالنصب أو تيمناً وتبركاً فذاك جائز وخصوصاً مع ورودها في شواذ الأخبار، ثم لخص كلامه بالقول: (فلو ثبت ذلك عند الشارع وعمل بها أحد فلا بأس، وإلاّ فالإتيان بها من باب التيمن والتبرك أفضل) مع التأكيد على أنّها ليست من أصل الأذان.

١٢ - الملا محمد باقر السبزواري (ت ١٠٩٠ هـ)

قال المحقق السبزواري في(ذخيرة المعاد في شرح الإرشاد):

 وأما إضافة أن (علياً ولي الله) و(آل محمد خير البرية) وأمثال ذلك، فقد صرح الأصحاب بكونها بدعة وإن كان حقاً صحيحاً، إذ الكلام في دخولها في الأذان، وهو موقوف على التوقيف الشرعي، ولم يثبت(١) .

ولا يخفى أنّ حاصل عبارتهرحمه‌الله أنّ الشهادة الثالثة لا يمكن أن تدخل في ماهية الأذان حتى تصير جزءاً منه؛ لأنّ مثل هذا يحتاج إلى دليل شرعيّ معتبر، ولم يثبت، فالمحقّق السبزواري تحدّث عن جهة، وسكت عن الجهة الثانية؛ وهي جواز الشهادة الثالثة من باب التيمّن والتبرّك وبقصد القربة المطلقة، فبعض الفقهاء كانوا يشيرون إلى الجهة المانعة للشهادة بالولاية فقط خوفاً من وقوع الناس في ذلك دون الإشارة إلى الجهة الأُخرى، لكن منهج غالب الفقهاء كان الإشارة إلى الأمرين معاً ابتداءً من الشيخ الطوسي حتّى يومنا هذا، فهم يجمعون بين الجهتين في كلامهم.

____________________

(١) ذخيرة المعاد ٢: ٢٥٤ وصفحة ٢٥٤ من الطبعة الحجرية، لكنه لم يشر في (كفاية الفقه) المشتهر ب (كفاية الأحكام) إلى موضوع الشهادة بالولاية، راجع صفحة ٨٧ - ٨٨، من المجلد الأول، ط جامعة المدرسين / قم.

٣٦٤

١٣ - الفيض الكاشاني (ت ١٠٩١ هـ)

قال الفيض الكاشاني في المفتاح ١٣٥ من(مفاتيح الشرائع): (ما يكره في الأذان والإقامة): وكذا التثويب سواء فُسِّر بقول (الصلاة خير من النوم) أو بتكرير الشهادتين دفعتين، أو الإتيان بالحيعلتين مثنى بين الأذان والإقامة، وكذا غير ذلك من الكلام وإن كان حقّاً، بل كان من أحكام الإيمان، لأنّ ذلك كلّه مخالف للسنة، فإن اعتقده شرعاً فهو حرام(١) .

فالفيض الكاشاني قال بهذا في(مفاتيح الشرائع) ولم يقله في كتابه(النخبة في الحكمة العملية والأحكام الشرعية) (٢) ، مع أنّه كان قد أشار في(النخبة) إلى الأذان والإقامة واستحباب حكايتهما وعدد فصولهما.

بلى، علّق الفيض في(الوافي) على ما جاء في(التهذيب) عن أبي عبدالله: سئل عن الأذان هل يجوز أن يكون من غير عارف؟

 قالعليه‌السلام : لا يستقم الأذان ولا يجوز أن يؤذّن به إلاّ رجل مسلم عارف، فإن عَلِمَ الأذان فأذّن به ولم يكن عارفاً لم يجزئ أذانه ولا إقامته ولا يقتدى به.

 قالرحمه‌الله : المراد بالعارف، العارف بإمامة الأئمّة كما مرّ مراراً فإنّه بهذا المعنى في عرفهمعليهم‌السلام . ولعمري إنّ من لم يعرف هذا الأمر لم يعرف شيئاً كما في الحديث النبوي: (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية). ومن عرفه كفاه به معرفةً إذا عرفه حقّ معرفته...(٣)

____________________

(١) مفاتيح الشرائع ١: ١١٨.

(٢) النخبة: ١٠٨. وانظر مفاتيح الشرائع ١: ١١٦ / المفتاح ١٣٢.

(٣) الوافي ٧: ٥٩١.

٣٦٥

فكلامه في(الوافي) كان عن شرائط المؤذّن، وأمّا وجود معنى الولاية في الأذان وعدمه فهو مما لم يتطرّق إليه فيه.

ولا يفوتنك أنّ عبارات المجلسي والسبزواري والفيض الكاشاني وإن اختلفت في الظاهر لكنّها جاءت في إطار واحد وهو حرمة الإتيان بالشهادة بالولاية على نحو الجزئية والشطرية، لأن الأذان أمرٌ توقيفيٌّ.

أمّا لو أتى بها تيمّناً وتبرّكاً فالظاهر أنّ هذا ما يقبله المحقّق السبزواري والفيض الكاشاني، لأنّك لو تأمّلت في عباراتهم لرأيتهم يؤكّدون على بدعية وحرمة الإتيان بها جزءاً، لقول السبزواري (إضافة) (بدعة)(إذ الكلام في دخولها في الأذان وهو موقوف على التوقيف الشرعيّ ولم يثبت)، وقول الفيض الكاشاني:(فإن اعتقده شرعاً فهو حرام) وكلّ هذه التعابير تشبه ما جزم به الشهيد الثاني والمقدّس الأردبيلي وغيرهما حيث ذكروا جواز الإتيان بها بشرط أن لا تكون على نحو الجزئيّة، فالعبارات واحدة المؤدّى عند كلّ العلماء ابتداءً من الشيخ الطوسي حتّى الفيض الكاشاني.

نعم، في كلام السيّد عبدالله بن نور الدين الجزائري (ت ١١١٤ هـ) عند شرحه لكلام الفيض في كتابه(التحفة السنية في شرح النخبة المحسنية) ما يفهم منه بأنّ بعض فقهاء الشيعة كانوا يأتون بها على أنّها جزءٌ، ولأجله قالرحمه‌الله : زلّة العالِم زلّةُ العالَم(١) .

في حين لو تأمّلت فيما قلناه سابقاً، لعرفت بأنّ غالب الشيعة لم يأتوا بهذه الصيغ على أنّها جزءٌ وشطرٌ في الأذان، بل كانوا يأتون بها على نحو الذكر المحبوب تيمّناً وتبرّكاً، وأنّ اختلاف الصيغ الرائجة عند الشيعة آنذاك، ومنذ عهد الصدوق إلى يومنا هذا، يؤكّد بأنّهم لا يأتون بها إلاّ على هذا النحو، وقد صرّح

____________________

(١) التحفة السنية في شرح النخبة المحسنية: ١٢٩، (مخطوط)، مكتبة الحضرة الرضوية.

٣٦٦

الفقهاء بذلك من قديم الزمان إلى يومنا هذا في رسائلهم العملية.

فلا تخالف إذن بين من يقول بجوازها وبين من يقول بحرمتها وبدعيتها حسب التوضيح الّذي قلناه.

القرن الثاني عشر الهجري

وهو قرن حافل بالأعلام والفقهاء العظام، ولو راجعت كتاب(طبقات أعلام الشيعة) لوقفت على أسمائهم، وفي هذا القرن لم يتعرّض الفاضل الهندي (ت ١١٣٧ هـ) في(كشف اللثام) (١) ، ولا جدّي السيّد محمد إسماعيل المرعشي الشهرستاني في(المقتضب) (٢) ، ولا الحرّ العاملي (ت ١١٠٤ هـ) في(هداية الأمة) (٣) إلى موضوع الشهادة بالولاية في الأذان، وإن كان المحدّث الحرّ العاملي قد أشار إلى هذا الموضوع تلويحاً بعد أن ذكر الروايات المختلفة في عدد فصول الأذان والإقامة، وأنه: ٣٧ أو ٣٨ أو ٤٢، فقال: وهنا اختلافٌ غير ذلك، وهو من أمارات الاستحباب(٤) .

لكنّ بعض الأعلام في هذا القرن تطرّقوا إلى موضوع الشهادة الثالثة في كتبهم ورسائلهم العملية بشيء من التفصيل، وهو يشير إلى جواز هذا العمل عندهم وعدم لزومه، وأن إشارة هؤلاء إلى هذه المسألة كاف للدلالة على امتداد السيرة بالشهادة بالولاية في هذا القرن، وهم:

____________________

(١) كشف اللثام ٣: ٣٧٥.

(٢) وهو أول عَلَم من أعلام أُسرتنا جاور الحائر الحسيني، وكتابه مخطوط ومحفوظ في خزانة العائلة في كربلاء المقدّسة.

(٣) هداية الأمّة إلى أحكام الأئمّة ٢: ٢٥٨.

(٤) هداية الأمّة ٢: ٢٥٩.

٣٦٧

١٤ - علي بن محمّد العاملي (ت ١١٠٣ هـ) سبط الشهيد الثاني

أتى الشيخ علي بن محمد بن الحسن العاملي (سبط الشهيد الثاني) في حاشيته علىشرح اللمعة الدمشقية لجدّه الشهيد الثاني، المسمى: ب (الزاهرات الرويّة في الروضة البهية) بكلام الشيخ فيالمبسوط ، ثمّ قال:

 وأطلق عدم الإثم به، أي لم يقيّده بعدم الاعتقاد، أو بعدم نيّة أنّه منه، وفيالبيان : قال الشيخ: فأمّا قول أشهد أنّ عليّاً ولي الله... وفيالذكرى نقل عدم الإثم عنالمبسوط بعد قول الشيخ: ومن عمل به كان مخطئاً(١) .

فالشيخ العاملي أراد من مجموع كلامه السابق الإشارة إلى جواز الإتيان بها، لكن ربّما يظهر من عبارته أنّه فهم من كلام الشيخ الطوسي أنّ القائل بالشهادة الثالثة بنيّة أنّها جزء الأذان جائز لقولهرحمه‌الله : (وأطلق عدم الإثم به، أي لم يقيده بعدم الاعتقاد، أو بعدم نية أنّه منه).

لكن يردّه أن الشيخ حكم بخطأ ذلك في النّهاية، بحسب الجمع بين قوليه والذي تقدّم التفصيل فيه.

والحاصل: أنّ سبط الشهيد الثاني قائل بأنّ الشهادة الثالثة من الأذان، وأنّ من عمل بشواذ الأخبار هنا ليس مأثوماً وإن كان مخطئاً لأخذه بالمرجوح وترك الراجح.

١٥ - الشيخ محمد باقر المجلسي (ت ١١١١ هـ)

قال الشيخ محمد باقر المجلسي في(بحار الأنوار):

____________________

(١) الزهرات الروية في الروضة البهية، نسخة خطية برقم ٨٠١. مؤسسة كاشف الغطاء العامة النجف الأشرف.

٣٦٨

 لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبّة للأذان، لشهادة الشيخ والعلاّمة والشهيد وغيرهم بورود الأخبار بها.

 قال الشيخ في المبسوط: فأمّا قول (أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين الله)، و(آل محمد خير البرية) على ما ورد في شواذّ الأخبار، فليس بمعمول عليه في الأذان، ولو فعله الإنسان لم يأثم به، غير أنّه ليس من فضيلة الأذان ولا كمال فصوله.

 وقال في النّهاية: فأمّا ما روي في شواذّ الأخبار من قول: (أنّ علياً ولي الله) و(أنّ محمداً وآله خير البشر)، فمما لا يعمل عليه في الأذان والإقامة، فمن عمل به كان مخطئاً.

 وقال في المنتهى: وأمّا ما روي في الشاذّ من قول: ([أشهد] أنّ علياً ولي الله)، و(آل محمد خير البرية)، فمما لا يعوّل عليه.

 ويؤيّده ما رواه الشيخ أحمد بن أبي طالب الطبرسيرحمه‌الله في كتاب الاحتجاج عن القاسم بن معاوية، قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : هؤلاء يروون حديثاً في معراجهم أنّه لمّا أسري برسول الله رأى على العرش: (لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، أبو بكر الصدّيق).

 فقال: سبحان الله !! غيرّوا كلّ شيء حتّى هذا؟!

 قلت: نعم.

 قال: إنّ الله عزّوجلّ لمّا خلق العرش كتب عليه: (لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين)، ثمّ ذكر كتابة ذلك على الماء، والكرسي، واللوح، وجبهة إسرافيل، وجناحي جبرئيل، وأكناف السماوات والأرضين، ورؤوس الجبال والشمس والقمر، ثم قالعليه‌السلام : (فإذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله،

٣٦٩

فليقل: علي أمير المؤمنين)، فيدلّ على استحباب ذلك عموماً؛ والأذان من تلك المواضع، وقد مرّ أمثال ذلك في أبواب مناقبه عليه‌السلام . ولو قاله المؤذّن أو المقيم لا بقصد الجزئيّة، بل بقصد البركة، لم يكن آثِماً، فإنّ القوم جوّزوا الكلام في أثنائهما مطلقاً، وهذا من أشرف الأدعية والأذكار (١) .

ولا يخفى أن الشيخ المجلسي كان لا يستبعد القول بأنّها من الأجزاء المستحبة لورود الأخبار الشاذة بها، لقوله في بداية كلامه:(لا يبعد كون الشهادة بالولاية من الأجزاء المستحبة للأذان لشهادة الشيخ والعلاّمة وغيرهم بورود الأخبار بها) ، وأنّ فتواه في قوله: (فيدل على استحباب ذلك عموماً) مبنيّ على أساس قاعدةالتسامح في أدلّة السنن الّتي تسوّغ لبعض الفقهاء أن يحتجوا بالأخبار المرسلة، كمرسلة القاسم بن معاوية الآنفة.

١٦ - السيّد نعمة الله الجزائري (ت ١١١٢ هـ)

قال السيّد نعمة الله الجزائري في(الأنوار النعمانية) معلّقاً على خبر القاسم بن معاوية:

 ويستفادُ من قولهعليه‌السلام : (إذا قال أحدكم: لا إله إلاّ الله، محمّد رسول الله، فليقل علي أمير المؤمنين) عمومُ استحباب المقارنة بين اسميهماعليهما‌السلام إلاّ ما أخرجه الدليل كالتشهّدات الواجبة في الصّلوات، لأنّها وظائف شرعية. وأمّا الأذان، فهو وإن كان من مقدّمات الصلاة إلاّ أنّه مخالف لها في أكثر الأحكام، فلا يبعد القول من هذا الحديث باستحباب لفظ (علي ولي الله) أو (أمير

____________________

(١) بحار الأنوار ٨١: ١١١ - ١١٢ وانظر تمام الخبر في الاحتجاج ١: ٢٣٠.

٣٧٠

المؤمنين) أو نحو ذلك في الأذان، لأنّ الغرض الإتيان باسمه كما لا يخفى.

ثم ذكر السيّد الجزائري مناماً بهذا الصدد فقال:

 فلمّا تيقّظت رأيت ذلك الدعاء في بعض الكتب وفيه اسم عليعليه‌السلام ، والّذي يأتي على هذا أن يذكر اسم عليعليه‌السلام في الأذان وما شابهه، نظراً إلى استحبابه العامّ، ولا يقصد أنّه وظيفة شرعية في خصوص هذا الموضع، وهكذا الحال في أكثر الأذكار، مثلاً (قول لا إله إلاّ الله) مندوب إليه في كلّ الأوقات، فلو خُصّ منه عدد في يوم معيّن لكان قد ابتدع في الذكر(١) ، وكذا سائر العبادات المستحبّة، فتأمّل(٢) .

فالملاحظ أنّ الجزائريقدس‌سره قد أفتى باستحباب الشهادة الثالثة في الأذان لا بعنوان أنّها وظيفة شرعية فيه، ولا أنّها من فصوله أو جزءٌ منه، غاية ما في الأمر هو استحباب الاقتران العامّ في ذكر عليٍّ بعد ذكر النبيّ استناداً لخبر القاسم بن معاوية، وهذا يعني أنّ الاستحباب على قسمين:

الأول: أن يبتني على نصّ خاصّ في خصوص الأذان، وهو مفقود في المقام إلاّ ما ذكره الشيخ الصدوق والشيخ الطوسي، وقد تقدّم البحث في ذلك.

والثاني: ينطلق من منطلق الاستحباب النفسي للشهادة بالولاية، وهذا ثابت لا كلام فيه.

وقيل: إنّ هذا الاستحباب يمكن تعميمه لكن بشرط أن لا يدخل في ماهيّة العبادات الأخرى؛ وعلى هذا الأساس فالشهادة بالولاية مستحبّة في كلّ حال،

____________________

(١) نعم، هذا الابتداع لو كان بقصد الورود لكان حراماً ممنوعاً، لكن تحديده ورداً لنفسه غير مدعي صدوره عن الشارع فلا مانع.

(٢) الأنوار النعمانية ١: ١٦٩.

 

٣٧١

لكنّها ليست جزءاً من الأذان؛ أي ليست داخلة في ماهيّته، وعلى هذا الأساس يتفرّع التفصيل: فإن كانت الشهادة الثالثة تدور مدار الأول فهي بدعة عند السيّد الجزائري، وإذا دارت مدار الثاني فهي مستحبة لعموم الاقتران لا غير، ولا دخل لها في الأذان، ألا كونها مما ينطبق عليها ذلك العموم لا غير.

١٧ - محمد بن حسين الخونساري (ت ١١١٢ هـ)

قال آقا جمال الدين محمد بن حسين الخونساري في(آداب الصلاة) : ويكره الكلام في أثنائهما، وخصوصاً في الإقامة بعد الإتيان ب (قد قامت الصلاة)، وإذا أتى شخص بعد الشهادتين بقصد التيمّن والتبرّك، ولتجديد الإيمان لا اعتقاداً منه أنّها جزء الأذان، مرة أو مرتين ب (أشهد أنّ عليّاً ولي الله)، فلا إشكال فيه(١) .

ولا ريب في أنّ زبدة فتواه هي الجواز، لكن لا بعنوان الجزئية، بل بعنوان التيمّن والتبرّك وتجديد الإيمان، وقد مرّ عليك كلام المجلسي الثاني الذي أكّد بأنّ ذكر علي مقترناً بذكر النبيّ من أشرف الأذكار، لِما في ذلك من التيمّن والتبرّك والثبات على الإيمان.

١٨ - الشيخ يوسف البحراني (ت ١١٨٦ هـ)

قال الشيخ يوسف البحراني بعد أن نقل بعض الروايات في الباب وبياناته عليها، وما ذكره الصدوققدس‌سره من قوله: (والمفوضة لعنهم الله)، وتعليقة شيخنا المجلسي في البحار عليه، قال:

 انتهى [كلام المجلسي]، وهو جيّد، أقول: أراد بالمفوّضة هنا

____________________

(١) آداب الصلاة باللغة الفارسية، المطبوع ضمن (رسائل / ست عشرة رسالة): ٤٢١.

 

٣٧٢

 القائلين بأنّ الله عزّ وجلّ فوّض خلق الدُّنيا إلى محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله وعليّعليه‌السلام ، والمشهور بهذا الاسم إنّما هم المعتزلة القائلون بأنّ الله عزّ وجلّ فوّض إلى العباد ما يأتون به من خير وشر(١) .

وأشار في آخر كلامه إلى بعض الأمور المهمّة التي تتعلّق بأصل الأذان وأنّه وحيٌّ لا منام عند أهل البيت، نزل به جبرئيل على رسول الله، وأنّ جبرئيل أذّن له به في صلاته بالنبيّين والملائكة في حديث المعراج، ثمّ ناقش الشيخ البحراني ما قالته العامّة من أنّ الأذان كان برؤيا، وأخيراً نقل ما رواه الصدوق في كتابيالعلل والعيون عن الفضل بن شاذان في العلل في معنى الحيعلة، وجاء بما روي عن الإمام الكاظم عن معناها وأنّها الولاية، وفي كلّ هذه الأمور التي ذكرها إشارات إلى محبوبيّة ذكر الولاية في الأذان عنده.

والحاصل هو أنّ المحقق البحراني يذهب إلى ما ذهب إليه المجلسيقدس‌سره ، حيث علّق على كلامه بقوله: (وهو جيّد)، أي أنّ البحراني قائل على غرار ما قاله المجلسي.

القرن الثالث عشر الهجري

وإليك الآن كلمات علماء هذا القرن حول الشهادة بالولاية مع بعض تعليقاتنا عليها:

١٩ - الوحيد البهبهاني (١١١٧ - ١٢٠٥ هـ)

قال جدّي لأمي(٢) المولى محمد باقر الوحيد البهبهاني معلّقاً على قول

____________________

(١) الحدائق الناضرة ٧: ٤٠٤.

(٢) أنا علي بن عبد الرضا بن زين العابدين بن محمد حسين بن محمد علي الحسيني المرعشي

٣٧٣

صاحب المدارك (فتكون الزيادة فيه تشريعاً محرماً):

التشريع إنَّما يكون إذا اعتقد كونه عبادة مطلوبة من الشرع من غير جهة ودليل شرعيِّ، والترجيعُ على ما حقّقه ليس إلاّ مجرّد فعل وتكرار. أمّا كونه داخلاً في العبادة ومطلوباً من الشارع فلا، فيمكن الجمع بين القولين بأنّ القائل بالتحريم بناؤه على ذلك، والقائل بالكراهة بناؤه على الأوّل، وكونُهُ مكروهاً لأنّه لغوٌ في أثناء الأذان وكلامٌ، أو للتشبّه بالعامّة أو بعضهم، فتأمّل.

 وممّا ذكرنا ظهر حال (محمّد وآله خير البريّة) و(أشهد أنّ علياً ولي الله) بأنّهما حرامان بقصد الدخول والجزئية للأذان لا بمجرّد الفعل.

 نعم، توظيف الفعل في أثناء الأذان، ربّما يكون مكروهاً (بكونه مغيِّراً لهيئة الأذان)(١) بحسب ظاهر اللفظ، أو كونه كلاماً فيه، أو للتشبّه بالمفوّضة، إلاّ أنّهُ ورد في العمومات: أنّه متى ذكرتم محمّداً فاذكروا آله، أو متى قلتم: محمد رسول الله، فقولوا: علي ولي الله، كما رواه فيالاحتجاج (٢) ، فيكون حاله حال الصلاة على محمد وآله بعد قوله: (أشهد أنّ محمّداً رسول الله) في كونه

____________________

الشهرستاني، وقد تزوج جدّي السيّد محمد علي فاطمة ابنة الشيخ أحمد بن محمد علي بن محمد باقر البهبهاني، فأنا سبط الوحيد وهو جدّي من جهة الأمّ، وعن طريقه نرتبط بشيخنا المفيد، لأنّ الوحيد من أحفاده حسبما ذكرته كتب التراجم، وبالتقي المجلسي، لأن أم الوحيد هي بنت آمنة بنت المجلسي الأول والتي تزوجها ملا صالح المازندراني شارح الكافي.

(١) قال محقق الكتاب: بدل ما بين القوسين في (ب) و(ج) و(د): من كونه بغير هيئة الأذان.

(٢) انظر الاحتجاج ١: ٢٣١، البحار ٨١: ١١٢.

٣٧٤

 خارجاً عن الفصول ومندوباً إليه عند ذكر محمّد، فتأمّل جدّاً(١) .

وقال في(مصابيح الظلام في شرح مفاتيح الشرائع):

السابع: قد عرفت كيفيّة الأذان والإقامة وهيئتهما، وأنّه ليس فيهما (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) ولا (محمّد وآله خير البريّة) وغير ذلك، فمن ذكر شيئاً من ذلك، بقصد كونه جزء الأذان، فلا شكّ في حرمته، لكونه بدعة.

 وأمّا من ذكر لا بقصد المذكور، بل بقصد التيمّن والتبرّك، كما أنّ المؤذّنين يقولون بعد (الله أكبر)، أو بعد (أشهد أن لا إله إلاّ الله): جلَّ جلاله، وعَمَّ نواله، وعظم شأنه، وأمثال ذلك تجليلاً له تعالى، وكما يقولون:صلى‌الله‌عليه‌وآله بعد (محمّد رسول الله)، لِما ورد من قولهعليه‌السلام : (من ذكرني فليصلّ عليّ)(٢) ، وغير ذلك ممّا مرّ في شرح قول المصنّف: (والصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إذ لا شكّ في أنّ شيئاً من ذلك ليس جزءً من الأذان).

 فإن قلت: الصلاة على النبي وآلهعليهم‌السلام ورد في الأخبار(٣) ، بل احتُمِل وجوبهما، لما مرّ، بخلاف غيره.

 قلت: ورد في الأخبار مطلوبيّتهما عند ذكر اسمهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لا أنّهما جزء الأذان، فلو قال أحد بأنّه جزء الأذان، فلا شكّ في حرمته، وكونه بدعة، وإن قال بأنّه لذكر اسمهصلى‌الله‌عليه‌وآله فهو مطلوب.

____________________

(١) حاشية المدارك ٢: ٤١٠.

(٢) لاحظ وسائل الشيعة ٥: ٤٥١ / الباب ٤٢ / في وجوب الصلاة على النبي كلّما ذكر في أذان أو غيره.

(٣) لاحظ وسائل الشيعة ٥: ٤٥١ / الباب ٤٢ / في وجوب الصلاة على النبي كلّما ذكر في أذان أو غيره.

٣٧٥

 وورد في(الاحتجاج) خبر متضمّن لمطلوبيّة ذكر (عليّ وليّ الله)، في كلّ وقت يذكر محمّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، مضافاً إلى العمومات الظاهرة في ذلك. مع أنّ الشيخ صرّح في(النّهاية) بورود أخبار تتضمّن ذكر مثل (أشهد أنّ عليّاً وليّ الله) في الأذان(٢) . والصدوق أيضاً صرّح به، إلاّ أنّه قال ما قال(٣) . ومرّ في بحث كيفيّة الأذان، فأيّ مانع من الحمل على الاستحباب؟ موافقاً لما في(الاحتجاج) ، و[ما] ظهر من العمومات، لا أنّه جزء الأذان، وإن ذكر فيه. ألا ترى إلى ما ورد من زيادة الفصول، وحملوه على الاستحباب والمطلوبيّة في مقام الإشعار وتنبيه الغير(٤) على ما مرّ، مضافاً إلى التسامح في أدلّة السنن. إن تمت فإنما تتم فيما لم تعارضه مثل محدودية الفصول ولا شبهة الجزئية. وغاية طعن الشيخ على الأخبار المتضمّنة لما نحن فيه أنّها شاذّة(٥) ، والشذوذ لا ينافي البناء على الاستحباب، ولذا دائماً شغل الشيخ بحمل الشواذّ على الاستحباب:

 منها صحيحة ابن يقطين الدالّة على استحباب إعادة

____________________

(١) الاحتجاج ١: ٢٣٠.

(٢) النّهاية للشيخ الطوسي: ٦٩.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١: ٢٩٠ / ذيل الحديث ٨٩٧.

(٤) تهذيب الأحكام ٢: ٦٣ / ذيل الحديث ٢٢٥، الاستبصار ١: ٣٠٩ / ذيل الحديث ١١٤٨.

(٥) النّهاية للشيخ الطوسي: ٦٩، المبسوط ١: ٩٩.

٣٧٦

الصلاة مطلقاً عند نسيان الأذان والإقامة(١) ، ورواية زكريّا بن آدم السابقة(٢) ، مع تضمّنها ما لم يقل به أحد، بل وحرام، من قوله: (قد قامت الصلاة) في أثناء الصلاة، وغير ذلك من الحزازات التي فيها وعرفتها.

 وبالجملة: كم من حديث شاذّ، أو طعن عليه بالشذوذ، أو غيره، ومع ذلك عمل به في مقام السنن والآداب، بل ربّما يكون حديث مطعون عليه عند بعض الفقهاء والمحدّثين غير مطعون عليه عند آخرين، فضلاً عن الآخر، سيّما في المقام المذكور.

 والصدوق وإن طعن عليها بالوضع من المفوّضة(٣) ، لكن لم يُجْعَلْ كلّ طعن منه حجّة، بحيث يرفع اليد من جهته عن الحديث، وإن كان في مقام المذكور. ومن هنا ترى الشيخ لم يطعن عليها بذلك أصلاً.

 على أنّا نقول: الذكر من جهة التيمّن والتبرّك، لا مانع منه أصلاً، ولا يتوقّف على صدور حديث، لأنّ التكلّم في خلالهما جائز، كما عرفت، فإذا كان الكلام اللغوُ الباطلُ غيرَ مضرٍّ، فما ظنّك ربمّا يفيد التبرّك والتيمّن؟

 لا يقال: ربّما يتوهّم الجاهل كونه جزءَ الأذان، إذا سمع الأذان كذلك، فيفسّر فيقول على سبيل الجزئيّة.

 لأنّا نقول: ذكرصلى‌الله‌عليه‌وآله في الأذان والإقامة،

____________________

(١) تهذيب الأحكام ٢: ٢٧٩ / الحديث ١١١٠، الاستبصار ١: ٣٠٣ / الحديث ١١٢٥، وسائل الشيعة ٥: ٤٣٣ / الحديث ٧٠١٢.

(٢) تهذيب الأحكام ٢: ٢٧٨ / الحديث ١١٠٤، وسائل الشيعة ٥: ٤٣٥ / الحديث ٧٠١٨.

(٣) من لا يحضره الفقيه ١: ٢٩٠ / ذيل الحديث ٨٩٧.

٣٧٧

 والالتزام به أيضاً، ربّما يصير منشأً لتوهّم الجاهل الجزئيّة، بل كثير من المستحبّات والآداب في الصلاة وغيرها من العبادات يتوهّم الجاهل كونها جزء. وكان المتعارف من زمان الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى الآن يرتكب في الأعصار والأمصار من دون مبالاة من توهّم الجاهل، فإنّ التقصير إنّما هو من الجاهل، حيث لم يتعلّم فتخرب عباداته، ويترتّب على جهله مفاسد لا تحصى، منها استحلاله كثيراً من المحرّمات من جهة عدم فرقه بين الحرام من شيء والمباح منه. وربّما يعكس الأمر.. إلى غير ذلك من الأحكام.

 هذا؛ مع أنّه يمكن تعبيره بنحو يرتفع توهّم المتوهّم، بأن يذكر مرّة، أو ثلاث مرّات، أو يجعل من تتمّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وغير ذلك(١) .

وشيخنا الوحيد البهبهانيقدس‌سره أراد بكلامه في(حاشية المدارك) و(مصابيح الظلام) نفي الجزئية عن الشهادة الثالثة، لأنّ الإتيان بها بهذا القصد بدعة محرمة، لكنّه فرّق بين الإتيان بالترجيع وبين الإتيان بالشهادة بالولاية، فقال بكراهة الأوّل، لأنّه لغو في أثناء الأذان، وأنّه كلام آدمي، أو للتشبّه بالعامة أو ببعضهم، بعكس الشهادة بالولاية لعلي فهي مستحبّة ومندوبة لما دلّت عليه أدلّة الاقتران، لقولهرحمه‌الله فيحاشية المدارك : (إلاَّ أنَّه ورد في العمومات: (أنّه متى ذكرتم محمداً فاذكروا آله)، أو (متى قلتم: محمد رسول الله، فقولوا: علي ولي الله) كما رواه فيالاحتجاج فيكون حاله حال (الصلاة على محمد وآله) بعد قوله: (أشهد أن محمداً رسول الله) في كونه خارجاً عن الفصول ومندوباً إليه عند ذكر محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ).

ثمّ ذكر الوحيد البهبهاني هذا الأمر بتفصيل أكثر في(مصابيح الظلام) متعرّضاً

____________________

(١) مصابيح الظلام ٧: ٣١ - ٣٤.

٣٧٨

للشبهات التي قيلت أو يمكن أن تقال في الشهادة بالولاية، كشبهة توهّم الجزئية للمكلّفين، وَرَدَّ جميعَ تلك الشبهات، وهو يؤكّد بنحو الجزم ذهابه إلى رجحان الإتيان بها لا بقصد الجزئية؛ لأنّه ذكر مستحب في نفسه للاقتران المذكور.

٢٠ - السيّد مهدي بحر العلوم (١١٥٥ - ١٢١٢ هـ)

قال السيّد بحر العلوم في منظومته المسمّاة(الدرة النجفية) في الفصل المتعلّق بالأذان والإقامة (السنن والآداب):

صلِّ إذا ما اسمُ محمَّد بدا

عليه والآلَ فَصِلْ لِتُحْمَدا

وأكمِلِ الشَّهادتين بالَّتي

قد أُكمِل الدّينُ بها في الملَّةِ

وإنّها مثل الصلاة خارِجَه

عن الخصوصِ بالعمومِ والِجَه(١)

فالسيّد بكلامه هنا اعتبر الشهادة بالولاية مكمّلة للشهادتين في الأذان؛ استناداً لقوله تعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) وجرياً مع الصلوات على محمد وآل محمد، والذي فيه التوحيد والنبوة والإمامة، لأنّ جملة (اللهم صَلِّ على محمد وآل محمد) فيه طلب ودعاء من الله لنزول الرحمة على النبي محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

فقوله:

صَلِّ إذا ما اسمُ محمّد بدا

عليه والآلَ فَصِلْ لِتُحْمَدا

هو إشارة إلى هذه المقارنة بين الشهادة بالولاية في الأذان مع الصلاة على محمد وآله عند ذكر اسمه. فكما يستحبّ للمؤذن عند قوله: (أشهد أنّ محمداً رسول الله) أن يقول: (اللهم صلِّ على محمد وآله)، فكذلك يُستحبّ أن يقول: (أشهد أنّ عليّاً ولي

____________________

(١) الدرة النجفية: ١١٢، منشورات مكتبة المفيد.

 

٣٧٩

الله)، وكما أنّ الصلاة على محمّد وآله عند شهادة المؤذّن بالرسالة لا تخلّ بالأذان، فكذلك الشهادة لعليّ لا تخلّ فيه لأنّه ذكر محبوبٌ دعا إليه الشارع من خلال العمومات الواردة في الذكر الحكيم والحديث النبويّ الشريف.

وعليه فالسيّد بحر العلومرحمه‌الله عدّ الشهادة الثالثة من كمال فصول الأذان خلافاً للشيخ الطوسي، وكان القائل بكونها مكملة للشهادتين يلزم من كلامه كونها جزءاً مستحباً، فلو ثبتت هذه الملازمة فسيكثر القائلون بالجزئية المستحبة.

هذا وإني راجعت كتاب السيّد بحر العلوم(مصابيح الأحكام) المخطوط للوقوف على رأيه في الشهادة الثالثة، فلم أره قد وصل

إلى فصول الأذان لأنّه مات تاركاً الكتاب ناقصاً فرحمه الله تعالى.

٢١ - الشيخ محمد علي الكرمانشاهي (ت ١٢١٦ هـ)

قال جدّي لأمّيّ الشيخ محمد علي الكرمانشاهي بن محمد باقر البهبهاني المعروف ب (الوحيد البهبهاني) في(مقامع الفضل) ما ترجمته:

 لا مانع أن يقول القائل بعد (أشهد أنّ محمداً رسول الله): (أشهد أنّ عليّاً ولي الله) مرتين، والأَولى أن يقولها بقصد التبرّك لا بقصدِ الأذان.... والإقامة مثل الأذان(١) .

وقد يستفاد من كلمة (والأولى) إمكان الإتيان بها بقصد الجزئية المستحبة، وإن كان الأولى قولها بقصد التبرك، وعليه فهو من المجيزين للإتيان بها في الأذان والإقامة.

____________________

(١) مقامع الفضل ٢: ٢٠٣.

٣٨٠