أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان0%

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 595

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: السيد علي الشهرستاني
الناشر: الاجتهاد
تصنيف: الصفحات: 595
المشاهدات: 150049
تحميل: 11574

توضيحات:

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 595 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 150049 / تحميل: 11574
الحجم الحجم الحجم
أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

أشهد أن عليا ولي الله في الأذان

مؤلف:
الناشر: الاجتهاد
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وقال الشربيني: لبس الخاتم سنة سواء أكان في اليمين أم في اليسار، لكن اليمين أفضل على الصحيح، وقيل اليسار أفضل لأن اليمين صار شعاراً للروافض(١) .

هذه بعض النماذج المميزة لنهج التعبد المحض عن نهج الاجتهاد والرأي(٢) ذكرناها كي يعرف القارئ أن ما نقوله ليس إدعاءً طائفياً، بل بياناً لحقيقة تاريخية ثابتة، وهو الأخر توضيح لما قاله الأئمة من أهل البيت في لزوم ترك مرويات العامة، لأن (الرشد في خلافهم)(٣) .

وعليه فشعائر الإيمان هو ما يعتبر شاخصاً ومميزاً للمؤمن عن غيره، وهذا ما يطلبه كل مسلم خصوصاً في المسائل الخلافية والحاكية عن العقائد الحقة.

أمّا شعائر الإسلام فهي متعبدات الله، وهي كل ما نصبه الله للعبادة كالصفا والمروة.

إذن، بيان شعائر الإيمان يرتبط بنحو وآخر بعلم الكلام والعقائد، وهو يبحث في الفقه الكلامي. أمّا شعائر الإسلام فهو ما يبحث في الفقه الخاص بكل مذهب وتدور مدار الفروع وما يترتّب عليها من أحكام عبادية.

وقد خلط بعض الكتاب بين الأمرين، فبحثوا ما هو أمر اعتقادي إيماني في أمر أذانيّ شرعيّ، واتخذوه كدليل مستقل لإثبات جزئية الشهادة الثالثة في الأذان مثلاً، وهذا غير صحيح. نعم، إن تلك النصوص لها دلالة على المحبوبية والشعارية.

ومثال شعائر الإسلام: الفرائض والسنن الشرعيّة، كالصّلاة، والصّوم، ودفع

____________________

(١) مغني المحتاج ١: ٣٩٢.

(٢) وضحنا آفاق هذين النهجين في كتابنا (منع تدوين الحديث) فراجع.

(٣) انظر أحاديث الباب ٩ من كتاب الضعفاء في وسائل الشيعة ٢٧: ١١٨.

 

٤٦١

الزّكاة، وأداء الحج، وأمثال ذلك.

ومثال شعائر الإيمان: كأصول العقائد الأساس من قبيل ما يتعلّق بالاعتقاد بالإمامة عندنا وما يستتبعها من الطّاعة للمعصوم، بل كلّ أمر حَبَّذَهُ الشارع ودعا إليه، مثل: الجهر بالبسملة في الفرائض، والصلاة إحدى وخمسين، والتختّم باليمين، وتعفير الجبين، وزيارة الأربعين، وهي الخمس اللاتي عُدَّت من علامات المؤمن(١) ، وكذا المسح على القدمين وعدم جواز غسلهما، وعدم الاتّقاء في المسح على الخفين(٢) ، والقول بجواز المتعتين(٣) والقول بحرمة الفقّاع(٤) ، وجعل يوم الغدير وهو الثامن عشر من ذي الحجة عيداً(٥) ، وجعل يوم عاشوراء يوم حزن(٦) ، إلى غيرها من الأمور التي تختص بها الشيعة الإمامية.

وقد اعتبرت العامة صلاة التراويح جماعة(٧) ، وتسنيم القبور(٨) ، والتختم باليسار(٩) ، من شعائر الإيمان والإسلام.

ولا يخفى عليك بأنّ الشعائر ممّا يجب الحفاظ عليها و إقامتها، لقوله تعالى:( لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ ) ، ومثله الحج؛ لقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ ) ،

____________________

(١) انظر: تهذيب الطوسي ٦: ٥٢ / ح ١٢٢.

(٢) الكافي ٣: ٣٢ / باب مسح الخفّ / ح ٢.

(٣) من لا يحضره الفقيه ٣: ٤٥٩ / باب المتعة / ح ٤٥٨٣، وسائل الشيعة ١٦: ٢١٦ / ح ٢١٣٩٦.

(٤) الكافي: ٤١٥ / باب من اضطر إلى الخمر للدواء أو للعطش أو للتقية / ح ١٢.

(٥) إقبال الأعمال ٢: ٢٧٩، مستدرك الوسائل ٦: ٢٧٦ / ح ٦٨٤١.

(٦) مسار الشيعة: ٤٣، الحدائق الناظرة ٧: ١١٨ وإرشاد العباد إلى استحباب لبس السواد: ٢٩.

(٧) انظر نيل الأوطار ٣: ٦٠ / باب صلاة التراويح، وانظر أيضاً شرح النووي على مسلم ٦: ٣٩ / ٧٥٠.

(٨) اقتضاء الصراط، لابن تيمية: ١٣٦، ١٣٨، منهاج السنة النبوية ٤: ١٣٦.

(٩) منهاج السنة النبوية ٤: ١٣٧، الشمائل الشريفة: ٢٧٨.

٤٦٢

ولقوله تعالى:( وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ) إلى قوله ( ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رّبِّهِ ) لأنّ الدين لا يزال قائماً ما قامت الكعبة(١) .

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام قوله: أَما إنَّ الناس لو تركوا حجّ هذا البيت لنزل بهم العذاب وما نوظِرُوا(٢) .

وقد أفرد الحرُّ العامليُّ فيوسائل الشيعة باباً تحت عنوان(وجوب إجبار الوالي الناس على الحجّ وزيارة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله والإقامة بالحرمين كفايةً، ووجوب الإنفاق عليهم من بيت المال إن لم يكن لهم مال) (٣) .

وقد قال الشيخ البهائي(٤) من الشيعة، والعيني(٥) من العامة، وغيرهما(٦) : إنّ أهل بلدة إذا اجتمعوا على ترك الأذان فإنّ الإمام يقاتلهم، وكذلك كلّ شيء من شعائر الإسلام، كلُّ ذلك لأنّها شعائر يجب الحفاظ عليها.

والأذان والإقامة حسب النصّ السابق هما من شعائر الله، وممّا يجب

____________________

(١) الكافي ٤: ٢٧١ / باب انه لو ترك الناس الحجّ لجاءهم العذاب / ح ٤، الفقيه ٢: ٢٤٣ / ح ٢٣٠٧.

(٢) علل الشرائع ٢: ٥٢٢ / الباب ٢٩٨ / ح ٤.

(٣) وسائل الشيعة ١١: ٢٣ / الباب الخامس.

(٤) انظر الحبل المتين: ١٣٣.

(٥) عمدة القارئ ١: ١٨٢.

(٦) الاستذكار ٣٧١:١، ٢٧:٥. التمهيد ٢٧٧:١٣، ٢٧٩، ٢٨٠.

٤٦٣

الحفاظ عليهما بأيّ شكل من الأشكال، لكنّ الكلام في مطلوبية الإتيان بالشهادة الثالثة أو جوازه فيها من باب الشعارية في هذه الأعصار، هل يجوز ذلك أم لا؟

قبل الإجابة عن هذا السؤال لابدّ من توضيح المرحلة الثالثة من مراحل البحث، وهو كون ولاية الإمام علي من أهمّ الشعائر الدينية، وأنّ القوم سعوا لطمس ذكره وذكر آله حقداً وحسداً وحاولوا محوه، ولأجل ذلك ترحّم الإمامعليه‌السلام على من أَحْيا أمرهم، وأنّ الحوراء زينب خاطبت يزيد بقولها(فوالله لا تمحو ذكرنا) موضحة أهداف القوم وأنّهم يريدون طمس ذكر محمد وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وعليه فإنّ كلّ ما يؤدِّي لطاعة الله ويكون إعلاماً لدينه فهو من شعائر الله، وإنّ الشهادة بالتوحيد لله وبالنبوة لرسوله في الأذان من أسمى أنواع الإظهار والإقرار بالعبودية لله والإقرار برسالة رسوله محمد، فسؤالنا هو: هل يمكن ذكر ما هو أمرٌ إيمانيّ كالشهادة بالولاية لعلي في أمر عباديّ كالأذان جنباً إلى جنبِ ذكرِ التوحيد والشهادة بالرسالة أم لا؟

نحن لا ننكر أنّ ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام وأولاده المعصومين أولى الشعائر الإيمانية لمذهب الحقّ وعصابة الصدق؛ الإمامية الاثني عشرية، وأنّ هذه الولاية الشريفة هي عنوان كامل لحقيقة مذهب الحق؛ وشعار عظيم له؛ وأنّ المذهب متوقّف عليها كتوقف الأربعة على الزوجية بنص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله المتواتر في حيث الثقلين وغيره.

ولا كلام في ذلك؛ إذ الكلام في كيفية جعله شعاراً عبادياً للمذهب بعد الاعتقاد بكونه أمراً إيمانيّاً له؛ وهو ما نريد أن نبيّن وجه مشروعيته، والمسوّغ الشرعيّ لذكره في الأذان.

٤٦٤

فهل تكفي الشّعارية الإيمانيّة للولاية للقول بأنّها شعار عباديّ يسوغ ذكره في الأذان شرعاً؟ أم أننّا بحاجة لدليل شرعيّ يثبت هذه الشّعارية في الأذان على وجه الخصوص؟

بالطبع لا تكفي الأدلّة الإيمانية وحدها لإثبات الأحكام الشرعية العبادية، لأنّ الشهادة الثالثة هي من لوازم الإيمان لا من أحكام الإسلام الظاهرية، كما قال بعض الأعاظم.

نعم، دلّت الأدلّة على رجحان الشهادة بالولاية رجحاناً ذاتياً في نفسه وكذا محبوبية التعبّد بها مطلقاً سواء في الأذان أو في غيره من دون اعتقاد الجزئية، نظراً للأدلّة التي تقدمت.

وبعض الفقهاء لم يكتفوا في إثبات جواز الشهادة بالولاية في الأذان من خلال المحبوبيّة والعمومات، بل أضافوا إليها دليلاً آخر أطلقوا عليه اسم (الشعارية)، وهو ما تمسك به السيّد الحكيم فيالمستمسك والسيّد الخوئي (قدس الله سِرَّيْهما) فيمستند العروة، إذ قال السيّد الحكيم:

... بل ذلك في هذه الأعصار معدود من شعائر الإيمان، ورمزٌ إلى التشيع، فيكون من هذه الجهة راجحاً، بل قد يكون واجباً، لكن لا بعنوان الجزئية من الأذان(١) .

 وقال السيّد الخوئيقدس‌سره : وممّا يهوّن الخطب أنّنا في غنىً عن ورود النص؛ إذ لا شبهة في رجحان الشهادة الثالثة بعد أن كانت الولاية من متمِّمات الرسالة ومقوِّمات الإيمان ومن كمال الدين بمقتضى قوله تعالى:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ

____________________

(١) مستمسك العروة الوثقى ٥: ٥٤٥.

٤٦٥

عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي... ) (١) ، بل من الخَمْس التي بني عليها الإسلام لا سيّما وقد أصبحت في هذه الأعصار من أجلى أنحاء الشعائر، وأبرز رُموز التشيع، وشعار مذهب الفرقة الناجية؛ فهي إذن أمرٌ مرغوب فيه شرعاً وراجح قطعاً في الأذان وفي غيره(٢) .

لكن قد يقال على سبيل التوهّم بأنّ هذا الاستدلال من قبل فقهاء كبار كالسيّد الحكيم والسيّد الخوئي (قدس الله سِرَّيْهما) غريب؛ إذ ما هو الدليل الشرعيّ الذي يسوّغ أن يقال إَنَّ الشهادةَ الثالثة أمرٌ مرغوبٌ فيه شرعاً وراجحاً قطعاً، في الأذان وفي غيره كما جزم به السيّد الخوئيرحمه‌الله ، أو: (قد يكون واجباً) كما احتمله السيّد الحكيمرحمه‌الله ، انطلاقاً من الشعارية؟

والأغرب من ذلك أنّ السيّد الخوئيقدس‌سره يقول: (نحن في غنىً عن ورود النص)؛ إذ ما الذي سوّغ له الإفتاء بجواز الشهادة الثالثة في الأذان بلا نصّ؛ انطلاقاً من الشعارية فقط؟ بل ماذا تعني الشعارية عندهم بحيث تأخذ هذه القيمة الشرعية في هذه الأزمان؟

يبدو أنّ الإمامين الحكيم والخوئي، ومن قبلهما ومن بعدهما من فقهاء الطائفة (قدّس الله أسرارهم) قد جعلوا من الشعارية دليلاً أقوى للفتوى بالجواز بل الاستحباب.

لكن من أين تأَتَّت شرعية الشعارية عندهم حتى يجعل منها دليلاً أقوى من مرسلة الاحتجاج، وحسنة ابن أبي عمير المتقدّمتين، وسيرة المتشرعة؟

الحقيقة هي أنّ السيّد الخوئيقدس‌سره أجاب عن كلّ ذلك إجابة مجملة بما يلائم مقام بحثه، في قوله: (لا شبهة في رجحان الشهادة الثالثة باعتبارها من متمِّمات

____________________

(١) المائدة: ٣.

(٢) مستند العروة الوثقى ١٣: ٢٥٩.

٤٦٦

الرسالة...)، وهذا هو ما نريد توضيحه، لأنّ الإجابة الإجمالية لا تغني غير العلماء ولا تُشبِع إلاّ الفقهاء، وهو الذي دعانا لتفصيل الكلام في هذا الإجمال، لتعمّ الفائدة لكل القرّاء.

وكذا لوجود شبهة مفادها: أن الاستدلال بالشعارية لإثبات الشهادة الثالثة في الأذان هو مصداق من مصاديق الرأي المذموم والظنّ الذي لا يغني من الحق شيئاً، وهو كإثبات عمر بن الخطاب لجملة (الصلاة خير من النوم) في الأذان؛ إذ ما الفرق بين الإثباتين، ولماذا تنكرون على عمر فعله وتعملون بعمله؟!

لكن يجاب عن هذا الإشكال والتوهّم بافتراق الأمر كلياً بين الأمرين، لأنّ عمر بن الخطاب حينما أمر المؤذّن أن يضعها في الأذان(١) كان يعني بعمله التشريع في الدين وإدخاله كجزء لقوله: (اجعلها في الأذان)، وهو الذي دعا ابن رشد أن يشكّ في كون (الصلاة خير من النوم) سنة رسول الله، لقوله فيبداية المجتهد : وسبب اختلافهم: هل ذلك قيل في زمان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو إنّما قيل في زمان عمر(٢) ؟

وهذا يختلف عما تأتي به الإمامية، فإنّهم حينما يأتون بالشهادة الثالثة يؤكّدون على عدم جواز الإتيان بها على نحو الجزئيّة، والفرق واضح بين الأمرين، فذاك إدخال في الدين ما ليس فيه بلا دليل شرعي اتباعاً للرأي(٣) ، وهذا بيان لوجه مشروعيّة جواز الإتيان بالشهادة الثالثة من منطلق القربة المطلقة والمحبوبية الذاتية وأدلّة الاقتران، والعمومات، والأخبار الشاذّة، وأخيراً الشعارية مع التأكيد على عدم جزئيّتها وعدم كونها من أصل الأذان.

____________________

(١) موطأ مالك: ٧٢ / ح ١٥٤.

(٢) بداية المجتهد ١: ٧٧ وانظر كلام الألباني في تمام المنة: ١٤٦ - ١٤٩ كذلك.

(٣) انظر ما كتبناه في الباب الثاني من هذه الدراسة (الصلاة خير من النوم شرعة أم بدعة) والذي أثبتنا فيه أنّها ليست بسنة رسول الله، بل إنّها بدعة محدثة حسب تصريح الأعلام وخصوصاً الحنفية.

٤٦٧

وبما أنّا قد تكلّمنا بعض الشيء عما يدل على محبوبيّتها، فالآن نريد أن نوضّحها من خلال كونها شعاراً للإيمان، وأنّ الشهادة بالولاية لعلي هي علامة للخطّ الصحيح، والمنهج القويم، وصراط الله المستقيم، بل لا توجد حقيقة في دين الإسلام من بعد الشهادتين ناهضة لتكون علامة للمنهج الصحيح أجلى من الشهادة الثالثة، وهذا ما يجب أن يعتقد به المؤمن قلباً، وأمّا الإتيان بها لساناً في الأذان فهو ما يجب أن يبحث عن دليله.

أمّا كونها من أصل الأذان وأنّها جزء منه، فلا دليل عليه إلاّ الأخبار الشاذّة التي حكاها الشيخ الطوسي والعلاّمة و يحيى بن سعيد الحلي، والتي لم يعمل بها الأصحاب، ورمي الصدوق لها بأنّها من وضع المفوّضة.

وإمّا الإتيان بها من باب القربة المطلقة والمحبوبية الذاتية وأدلّة الاقتران، فقد مرّ البحث فيها سابقاً. والآن مع أدلّة جواز الإتيان بها من باب الشعارية، والبحث فيه يقع في مقامين:

الأول: إثبات كونها شعاراً من شعائر المذهب والدين الحنيف.

والثاني: التخريج الفقهي لجواز الإتيان بها في الأذان لا بقصد الجزئية.

وإليك أُمّهات الأدلّة على كون الشهادة بالولاية لعلي هي من أسمى الشعائر الإسلامية الإيمانية:

* ما أخرجه الكلينيقدس‌سره عن علي بن إبراهيم، عن يعقوب بن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن أبي الربيع القزاز، عن جابر، عن أبي جعفر، قال: (الله سمّاه وهكذا أنزل في كتابه ( وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ) وأنّ محمداً رسولي وأنّ علياً أمير المؤمنين)(١) .

____________________

(١) الكافي ١: ٤١٢ / باب نادر / ح ٤.

٤٦٨

والرواة ثقات إلاّ أبا ربيع القزاز فهو مجهول الحال، لكنّ الرواية مع ذلك صحيحة عندنا من وجهين؛ فهي أوّلاً من رواية ابن أبي عمير الذي لا يحكي إلاّ عن ثقة بالاتّفاق، وثانياً أنّ ابن أبي عمير ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه، والحاصل: لا ريب في صحّة هذه الرواية. ثمّ إنّ دلالتها واضحة على أنّ هناك غرضاً عظيماً لأَِنْ يُشهِدَ اللهُ سبحانه وتعالى عمومَ بني آدم، ومنهم الأنبياء والمرسلين والأولياء والصدّيقين والملائكة أجمعين بأنّه (جلّت قدرته) لا إله إلاّ هو ربّ العالمين، وأنّ محمداً رسول الله، وأنّ علياً وليّ الله.

وقد كان هذا الإشهاد في عالم الذرّ، وهو العالم الذي كان بعد عالم الأنوار الذي خلق فيه نور محمد وعلي من نوره لمّا كان آدم بين الروح والجسد. وقد جاء هذا صريحاً في قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله : (خُلِقتُ أنا وعلي بن أبي طالب من نور واحد قبل أن يخلق الله آدم، فلما خلق الله آدم أَسْكَنَ ذلك النور في صلبه إلى أن افترقنا في صلب عبد المطلب، فجزء في صلب عبد الله وجزء في صلب أبي طالب)(١) .

وعليه فنور رسول الله خُلِقَ قبل خَلْق آدم، ولم يولدعليه‌السلام بشراً إلاّ بعد انقضاء ١٢٤ ألف نبي، فإنّ مجيء رسول الله خاتماً للأنبياء وعلي خاتماً للأوصياء وهما الأوّلان في عالم الأنوار يرشدنا إلى عظيم مكانتهما في المنظومة الإلهيّة والسنّة الربانية.

ولا ريب في أنّ الإشهاد لا معنى له إلاّ الجزم بأنّ جملة (أشهد أنّ علياً ولي الله) هي الشعار للصراط الصحيح المطوي في جملة (أشهد أن لا إله إلاّ الله)، والتي لا يمكن الاهتداء إليها إلاّ بواسطة (أشهد أنّ محمداً رسول الله) والشهادة الثانية ترشدنا إلى عظم مرتبة الإشهاد بالشهادة الثالثة.

____________________

(١) انظر فضائل الصحابة لأحمد بن حنبل ٢: ٦٦٢ / ح ١١٣٠، الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي ٢: ١٩١ / ح ٢٩٥٢، ٣: ٢٨٣ / ح ٤٨٥١.

 

٤٦٩

وهذا الترتيب بين الشهادات الثلاث في ذلك اليوم؛ يوم الميثاق العظيم، بمحضر الأنبياء والمرسلين والأولياء والصدّيقين والملائكة والناس أجمعين، يدلّ دلالة واضحة على أنّ الله سبحانه وتعالى جعل من الشهادة الثالثة شعاراً ومفتاحاً وعلامة لأخذ الميثاق من المخلوقات المكلّفة.

وأن ما قاله الإمام الباقر في الحديث الآنف هو نحو من أنحاء التفسير السياقي الذي جوّز العمل به عند الصحابة والتابعين، والذي ذكرنا نماذج عليه فيما سبق(١) .

و إذا ثبت هذا فلا يمكن الارتياب في إمكانية اتّخاذه شعاراً وعلامة في الأمور الدينية الأُخرى على مستوى العقيدة وعلى مستوى التشريع بسواء بل من باب أولى.

وعدم الارتياب هذا هو الذي دعا السيّد الخوئيقدس‌سره للجزم بأنّ شعار الشهادة بالولاية: (راجح قطعاً في الأذان وفي غيره)، لأن الشهادة بالولاية اعتقاداً من الضروريّات عندنا، وأنّها كالصلاة والحج أو قل إنّها أُهم من تلك لتوقف قبول الأعمال عليها، وهذا المعنى يغنينا عن ورود نص جديد في ذلك.

وبعبارة أُخرى: إنّ القطع الذي جزم السيّد الخوئيقدس‌سره من خلاله برجحان الشهادة الثالثة في الأذان وفي غيره إنّما حصل عليه من مجموعة الأخبار المعبترة، بل المتواترة، التي ولّدت عنده وعند باقي الأصحاب القطع بالرجحان.

* ومن تلك الأدلة المعتبرة موثّقة سنان بن طريف التي تقدم الحديث عنها في الدليل الكنائي، فقد ورد فيها..

أنّ الإمام الصادقعليه‌السلام قال: (إنّا أوّل أهل بيت نَوِّه الله بأسمائنا، إنّه لما خلق السماوات والأرض أمر منادياً فنادى:

____________________

(١) انظر صفحة ١١ - ١٢ و ٢٢٦ - ٢٢٩.

٤٧٠

أشهد أنّ لا إله إلاّ الله، ثلاثاً.

أشهد أنّ محمداً رسول الله، ثلاثاً.

أشهد أنّ علياً أمير المؤمنين حقّاً، ثلاثاً(١) .

وتقريب الاستدلال من هذه الموثّقة يكون على نحو ما تقدّم في صحيحة أو مصححة ابن أبي عمير السابقة، لأنّ الله سبحانه وتعالى بعد أن فرغ من خلق السماوات والأرض أمر منادياً ينادي بالشهادات الثلاث بمحضر كلّ من الملائكة، ومَنْ خلق مِنْ خلقه، وهذا النداء لا معنى له إلاّ أن يفترض منطقياً بأنّ الشهادة الثالثة تنطوي على ما يريده الله، وأنّها شعار وعلامة لدينه القويم ومنهجه الصحيح المنطوية في: (أشهد أن محمداً رسول الله)، وأنّ الشهادة الثانية لا تتحقق إلاّ من خلال الإتيان بالشهادة الثالثة، كما أنّ الأُولى متوقّفة على الثانية، وبعبارة أخرى: إنّ غرض الله سبحانه وتعالى من خلق السماوات والأرض لا يتحقّق إلاّ بمثل هذا النداء الثلاثيّ، كما في قوله تعالى( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ، وقوله( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا ) (٣) .

وإذا ثبت هذا فلا يمكن الشك في ضرورة اتّخاذه شعاراً لما يريده الله سبحانه وتعالى فيما دون خلق السماوات والأرض وبدون افتراض ذلك نقع في محذور اللَّغْوِيّة من قبل رب العالمين (والعياذ بالله) وصدور الكلام الخالي من المعنى عنه جلّ شأنه؛ أي نقع في محذور لغوية النداء بالشهادات الثلاث، لأنّه لا فائدة من هذا الإشهاد، إذا لم يترتب عليه شيء في عالم الدُّنيا.

لا يقال: بأنّه يكفي أن تترتّب عليه فائدة توكيد الولاية،لأنّ ذلك يردّه: أنّه ما فائدة ذكر الشهادتين بالتوحيد وبالرسالة إذا كان المقصود توكيد الولاية فقط؟

____________________

(١) أمالي الصدوق: ٧٠١ / ح ٩٥٦، الكافي ١: ٤٤١ / باب مولد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله / ح ٨.

(٢) النساء: ٥٩.

(٣) المائدة: ٥٥.

٤٧١

ولماذا لم ينتظر الله سبحانه وتعالى عالم الدنيا فيؤكّده؟ ولماذا الإمام عليٌّ دون بقيّة البشر؟!!

ولا يتوهّم متوهِّمُ بأننا نريد إثبات جزئية الشهادة الثالثة في الأذان من خلال هذا الاستدلال !! لوضوح أنّ ما نقدّمه لا يثبت أكثر من كونها شعاراً شرعيّاً عند المولى، وهو لا ينهض لإثبات الجزئية.

بلى، إنّ رجحان الإتيان بها في الأذان وفي غيره يمكن اعتباره من منطلق: (الندائية) أو قل (الإشهادية) وذلك لمّا أمر الله سبحانه المنادي أن يشهد بالولاية لعلي؛ استناداً للموثّقة الآنفة ولغيرها من الأدلّة الصحيحة والمعتبرة، وهذا ما ذهب إليه الأصحاب الذين جعلوا من الشعارية أو الندائية أو الاشهادية دليلاً لجواز الإتيان بها في الأذان ومنهم السيّد الخوئيقدس‌سره .

ومنه يمكننا الجواب عن شبهة قد ترد على بعض الأذهان مفادها: إذا ثبت أنّ الشهادة بالولاية عندكم غير واجبة، فلماذا لا تخفتون التلفظ بها، كي تُمَيَّزَ عن غيرها.

قلنا: إنّ أدلّة الشعارية ومنها موثّقة سنان بن طريف الآنفة قد ساوت بالجهر في كلّ من الشهادات الثلاث بسواء؛ لقوله: (أمر منادياً أن ينادي)، والنداء معناه الجهر بلا خلاف، على أنّ إطلاقات أدلّة الاقتران بين الشهادات الثلاث آبية عن التقييد بإخفات خصوص الشهادة الثالثة. إذن، نحن نجهر في أذاننا بالولاية لعليّ كما نجهر بالشهادة لله ولرسوله انطلاقاً من موثقة سنان بن طريف، لكن بفارق أنّ فقهاءنا يؤكّدون على جزئية الشهادتين وعدم جزئية الشهادة بالولاية في رسائلهم العملية، وهو كاف لرفع تَوَهُّم من يتوهّم جزئيّتها.

ومن الجدير بالذكر هنا الإجابة عن إشكالين طرحهما البعض على ما تقوله الشيعة.

 

٤٧٢

إشكالان:

أورد بعض الكتّاب إشكالين على خبرالاحتجاج :

أحدهما: إذا صحّ الالتزام بخبرالاحتجاج فعليكم التقيد بالنص الوارد فيه: (من قال: محمد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين)، فلماذا تقولون: (أشهد أن عليّاً ولي الله) وتضيفون إليه: (وأولاده المعصومين حجج الله)، أليست هذه الإضافة وهذا التغيير عدم تَعَبُّد بالنص؟!

ثانيهما: إذا أخذتم بخبرالاحتجاج فعليكم أن تقولوها مرّة واحدة، لأنّ التكليف يسقط به، فما السرّ في الإتيان بها مرّتين في الأذان.

أما الجواب عن الإشكال الأول، فيكون من عدة وُجُوه:

الأوّل: قد يصحّ ما قلتموه إذا اعتبرنا ذلك من أجزاء الأذان، لكنّنا أثبتنا في الصفحات السابقة أنّا لا نأتي بها على نحو الجزئية والأخذ بها من باب التوقيفيّة، بل كُلّ ما في الأمر هو الإشارة إلى محبوبيّتها عند الشارع ورجحانها عنده.

الثاني: أنّ الصفة الغالبة في الروايات التي جاءت في عليّ تحمل كلمة (ولي الله)، فنحن نأتي بهذا القيد تعبداً بتلك النصوص.

الثالث: أنّ حسنة ابن أبي عمير، عن الكاظمعليه‌السلام ، سمحت لنا بفتح جملة (حيّ علي خير العمل) بأيّ شكل كان مع حفظ المضمون، وقد فتحت بصيغ مختلفة، فأهل الموصل كانوا يقولون (محمد وعلي خير البشر)(١) ، وهو عمل الشيعة في مصر أيّام الدولة الفاطمية(٢) ، وأهل حلب أيّام الدولة الحمدانية(٣) ، أما أهل القطيعة في بغداد كما حكاه التنوخي عن أبي الفرج الأصفهاني فكانوا يقولون

____________________

(١) المسائل الميافارقيات للسيّد المرتضى المطبوع مع كتاب جواهر الفقه لابن البراج: ٢٥٧ المسألة ١٥.

(٢) أخبار بني عبيد: ٥٠.

(٣) زبدة الحلب في تاريخ حلب ١: ١٥٩ - ٦٠.

٤٧٣

(أشهد أن عليّاً ولي الله)، و(محمد وعلي خير البشر)(١) وقد أفتى ابن البراج لمن يقلده من أهل حلب باستحباب القول مرتين (آل محمد خير البرية)(٢) .

الرابع: أنّ النصوص الصادرة عن المعصومين في معنى الحيعلة الثالثة وفي غيرها لم تختص ب (أشهد أنّ عليّاً أمير المؤمنين) حتى يلزمنا التعبّد بها، بل جاءت الصيغ الثلاث الآنفة في شواذّ الأخبار التي حكاها الشيخ الطوسي ويحيى بن سعيد، وهي الموجودة في مرسلة الصدوق كذلك.

وأمّا الجواب عن الإشكال الثاني: فإنّ العدد مرتبط بالإشهاد، فإن شهد للرسول بالرسالة مرّة فعليه أن يشهد لعلي بالولاية مرة، ومن شهد لله وللرسول مرتين فله أن يشهد لعلي بالولاية مرتين، لقولهعليه‌السلام : (من قال: محمد رسول الله، فليقل: علي أمير المؤمنين)، أي أنّ المثلية في العدد ملحوظة في النصّ، ومن هذا الباب ترى الإشهاد لله ولرسوله ولعلي ثلاثاً في موثقة سنان بن طريف الآنفة.

إذن، المثليّة ملحوظة بين فعل الشرط وجزائه، كما هو ملحوظ في الترتيب بين الشهادات الثلاث، فتكون الشهادة لله بالوحدانية أوّلاً، ثم الشهادة للرسول بالنبوة ثم الشهادة لعلي بالولاية، ومن هنا تعرف معنى ما جاء في تفسير القمي (إلى ها هنا التوحيد).

وبهذا البيان ارتفع ما أشكله البعض بهذا الصدد.

ولنرجع إلى أصل الموضوع.

* ومما يدلّ على الشعارية كذلك مرسلة الحسين بن سعيد، عن حنان بن سدير، عن سالم الحنّاط، قال: قلت لأبي جعفر الباقرعليه‌السلام : أخبرني عن قول الله سبحانه وتعالى:( نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَان

____________________

(١) نشوار المحاضرة، للتنوخي ٢: ١٣٢.

(٢) المهذب لابن البراج ١: ٩٠.

 

٤٧٤

عَرَبِيٍّ مُبِين ) فقالعليه‌السلام : هي الولاية(١) .

إذ من المعلوم أنّ ما نزل على قلب النبي هو القرآن وشريعة الإسلام، فلا معنى للتفسير بالولاية إلاّ إذا اعتقدنا بأنّ الولاية هي إكمال للدين، والعلامَةُ للتعريف بذلك المُنْزَل، وهذا ما نعني به من الشعارية، وهي تدعونا إلى النداء بها، والدعوة إليها، والإجهار بألفاظها، حسبما يستفاد من موثقة سنان بن طريف، وحسنة ابن أبي عمير، وصحيحة أبي الربيع الخزاز..

لقد تقدّم الكلام فيما يخصّ حسنة ابن أبي عمير عن الكاظمعليه‌السلام في الدليل الكنائي(٢) ، وأنّ: (حيّ على خير العمل) تعني الولاية، وأنّ عمر بن الخطاب حذفها من الأذان كي لا يكون حثٌّ عليها ودعاءٌ إليها، وأنّ الإمام الكاظمعليه‌السلام لم يكن بصدد بيان الأمر المولوي بها في الأذان على نحو الوجوب والجزم، بل أراد الإشارة إلى جذورها ومعناها الكامن فيها، وأنّ هناك دوراً تخريبياً من النهج الحاكم لها، وهذا الكلام بلا شكّ ينطوي على رجحان الدعوة لشعاريّتها، والدعاء إليها، والحثّ عليها في الأذان خاصّة، وفي غيره عامّة، لكن لمّا لم يصلح هذا لإثبات الجزئية لعدم صدور النص عنهعليه‌السلام يوضح ذلك مولوياً، بل كان إخباريّاً وإرشادياً لم يبق إلاّ الاعتقاد بأنّ الإمام يريد اتّخاذها شعاراً على المستويَيْن العقائدي والفقهي العبادي. أي يريد إعلامنا بإمكان ذكرها في الأذان بحكمها الثانوي، وخصوصاً في هذه الأزمان التي كثرت فيها الشبهات على الشيعة، ووقوفنا على هم الأعداء في إماتة الحق لكن( اللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) (٣) .

____________________

(١) الكافي ١: ٤١٢ / باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح ١. وقد رويت بعدة طرق.

(٢) في صفحة ١٨٣.

(٣) الصف: ٨.

٤٧٥

* ويؤيد ذلك ما أخرجه الكليني بسنده عن أبي بصير، عن أبي جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى: ( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً ) ، قال: هي الولاية(١) .

إذ لا معنى لأن يفسّر إقامة الوجه للدين الحنيف بالولاية؛ إذ القيام قيامٌ لله، والولاية ولاية وإقرار لولي الله، ولا يصلح أحدهما أن يحلّ محل الآخر، إلاّ بأن يقال: بأنّ الولاية امتداد للتوحيد والنبوّة، وهو معنى آخر لحديث الثقلين، وحبل الله الذي أمرنا بالاعتصام به، وهو الذي جاء عن المعصوم في تفسير قوله تعالى( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ ) : التوحيد والولاية(٢) .

وفي تفسير العياشي عن الباقرعليه‌السلام : آل محمد حبل الله المتين(٣) .

وعن الصادقعليه‌السلام : نحن الحبل(٤) ، وفي رواية أخرى في الكافي عنهعليه‌السلام : أثافي الإسلام ثلاثة: الصلاة والزكاة والولاية، ولا تصحّ واحدة منهنّ إلاّ بصاحبتيها(٥) .

وعن الكاظمعليه‌السلام : علي بن أبي طالب حبل الله المتين(٦) .

نعم، إنّ انحصار السبيلية في الولاية لعلي وأهل بيته، يعني كونها شعاراً راجحاً تعاطيه في كلّ مفردات الشريعة، وهو الملاحظ في الإشهادات الثلاث في كتب الأدعية، وأنّ ذكر الشهادة الثالثة في الأذان من باب الشعارية لا يستلزم تشريعها فيه وأنّها جزء داخل في ماهيته كما نبّهنا عليه كثيراً.

كما ننبّه على أنّ الاستدلال بالشعارية لا يقتصر على الشهادة الثالثة في الأذان، فقد استفاد منها الفقهاء لبيان أحكام أُخرى تتوقّف عليها العقيدة وأصل الدين،

____________________

(١) الكافي ١: ٤١٩ / باب فيه نكت ونتف.. / ح ٣٥، وفي هذا المعنى أخرج الكليني وغيره روايات جمّة بطرق كثيرة كلها معتبرة، وقد أغنانا هذا عن البحث في السند.

(٢) تفسير القمي ١: ١٠٨.

(٣) تفسير العياشي ١: ١٩٤ / ح ١٢٣.

(٤) الأمالي للشيخ: ٢٧٢ / المجلس ١٠ / ح ٥١٠.

(٥) الكافي ٢: ١٨ / باب دعائم الإسلام / ح ٤.

(٦) تفسير العياشي ١: ١٩٤ / ح ١٢٢.

٤٧٦

وذلك لورود الأخبار الصحيحة والمعتبرة فيها، إذ لا معنى لهذه الأخبار ولا لصدورها غير ذلك.

* وإليك خبر آخر في هذا السياق: أخرج علي بن إبراهيم القميرضي‌الله‌عنه في تفسيره بسنده عن الرضا، عن جده الباقرعليه‌السلام في قوله: ( فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ) فقال: هو لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، علي أمير المؤمنين، إلى ها هنا التوحيد(١) .

هذه الرواية لها دلالة واضحة على أنّ إقامة الدين لا تتم إلاّ بهذه الأصول الثلاثة، كما أنّ التوحيد لا يمكن تحقّقه أفعالياً في الخارج كما أراده الله إلاّ من خلال هذه الشهادات الثلاث التي نصّت عليها الرواية.

لكن نتساءل: ما علاقة التوحيد بولاية علي؟ وكيف تكون ولاية عليّ هي نهاية التوحيد والمعنى المتمّم له، مع أنّهما حقيقتان متغايرتان؟!

الجواب على ذلك: أنّهما حقيقتان دالّتان على أمر واحد، لأنّ ولاية الإمام علي والإقرار له بالولاية هو إقرار لله بالتوحيد وللرسول بالرسالة، إذ إنّ طاعة علي من طاعة الله، ولا يوجد من تفسير وتوجيه للخبر الآنف إلاّ التزام الشعارية، إذ المعني من الشعارية هنا هو الإقرار بعد الاعتقاد، لأنّ المسلم وبعد أن اعتقد بوحدانية الله ورسالة النبي محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله وولاية علي ابن أبي طالبعليه‌السلام عليه أن يحمد الله وأن يسبحه وأن يصلي على النبي وآله، أي عليه أن يذكر الله ذكر قلب واعتقاد لا لقلقة لسان، فالأذكار والتسبيحات هي أقرار بالمعتقد الذي آمن به.

والرواية السابقة من هذا القبيل وهي تشير إلى ان فطرة الله التي فطر الناس عليها ما هي إلاّ الشهادات الثلاث، وما على المؤمن إلاّ أن يتوجه إليها من خلال الذكر والصلاة والتسبيح، لأنّ الإقرار اليومي بتلك الأصول هي بمثابة تثبيت

____________________

(١) تفسير القمي ٢: ١٥٥.

٤٧٧

العقيدة والهوية في النفس.

ولو تأملت في الأحاديث الواردة عن المعصومين لرايتها مفعمة بهذه الشهادات الثلاث وكذا الشهادة بغيرها من المعتقدات، إذن الإقرار هو (الإشهاد) و(النداء) و(الشعار)، وإليك فقرة من (دعاء العشرات)، والذي يستحب أن يقرأه المؤمن في كل صباح ومساء نأتي به توضيحاً لما نقوله، وفيه:

اللّهُمَّ إنّي أُشهِدُكَ وَكَفَى بِكَ شَهيداً، وَأشهِدُ مَلآئكَتَكَ وَأنْبِيائَكَ وَرُسُلَكَ وَحَمَلَةَ عَرْشِكَ وَسُكّانَ سَماواتك وَأرْضك وَجَميَع خَلْقِكَ، بأنَّكَ أنْتَ اللهُ لا اِلهَ إلاّ أنت وَحْدَكَ لا شَرَيكَ لَكَ، وأنَّ مُحمداًصلى‌الله‌عليه‌وآله عَبُدُكَ وَرَسُولُكَ، وَأنَّكَ عَلى كُلِّ شَيء قَديرٌ، تُحيْي وَتُميِتُ وَتُمِيتُ وَتُحيْي، وَأشْهَدُ أنَّ الجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النّارَ حَقٌّ، وَالنُّشُورَ حَقٌّ، وَالسّاعَةَ آتيةٌ لا رَيْبَ فِيها، وأنَّ الله يَبْعَثَ مَنْ في القُبُورِ، وَأشْهَدُ أنَّ عَلِيَّ بْنَ أبي طالب أمير المُؤْمِنينَ حَقّاً حَقّاً وأنَّ الأَئِمَةَ مِنْ وُلْدِهِ هُمُ الأَئِمَّةُ الهُداةُ الْمَهْدِيّونَ غَيْرُ الضَّالينَ وَلاّ الْمُضْلِّيَنَ، وأَنَّهُمْ أولياؤك المُصْطفَوْنَ وَحِزْبُكَ الغالِبُونَ وَصِفْوَتُكَ وَخِيَرتُكَ مِنْ خَلْقِكَ وَنُجَبآئُكَ الّذَينَ اَنتَجَبْتَهُمْ لِدينِكَ وَاخْتَصَصْتَهُمْ مِنْ خَلْقِكَ واصْطَفَيْتَهُمْ عَلى عِبادِكَ وَجَعَلْتَهمْ حُجَّةً عَلَى العالَمينَ (صَلَواتُكَ عَلَيَّهِمْ والسَّلامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ). اَللّهُمَّ اكْتُب لي هذِهِ الشَّهادَةَ عِنْدَكَ حَتّى تُلَقِّنيها يَوْمَ القيامَةِ وأنت عَنّي راض، إنَّكَ عَلى ما تشاء قَديرٌ.

هذا هو الإقرار بالمعتقد والذي يسمى بالإشهاد كذلك وهو الذي يجدر بالمؤمن تكراره كل يوم لأن فيه ترجمان عقائدنا وهويتنا، وأن التأكيد على الصلاة على آل محمد، وعدم ارتضاء الرسول الصلاة البتراء عليهم هو معنى آخر للشعارية كل ذلك للحفاظ على الهوية في مسائل الفقه والعقيدة، وبه تكون ولاية عليّ الشعار الذي يعرّفنا بالتوحيد الصحيح النقيّ من الشوائب؛ ذلك التوحيد الذي عرَّفنا به سيد الأنبياء محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كما أنّ التوحيد الخالص يظهر جلياً من خطب الإمام ورسائله وكلماتهعليه‌السلام ، لأنّه الوحيد من أصحاب رسول الله الذي لم

٤٧٨

يسجد لصنم قط. وهو الذي ولد في الكعبة، واستشهد في المحراب، وفي هاتين النكتتين الولادة والشهادة معنى لطيف وظريف، ويترتب عليه محبوبية تعاطي الشهادة بالولاية شعارياً في غالب الأمور المعرفية باعتبارها مفتاح رسالة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ومفتاح معرفة التوحيد الصحيح، فمع ثبوت هذه الحقيقة لا مناص من القول برجحانها في كلّ عبادة لدليل الإباحة وخلّو المعارض.

* وممّا يدلّ على ذلك أيضاً ما أخرجه الكليني بسند صحيح عن زرارة، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: بُني الإسلام على خمسة أشياء: على الصلاة والزكاة والحجّ والصوم والولاية، فقلت: أيّ شيء من ذلك أفضل؟ قالعليه‌السلام : (الولاية أفضل لأنّها مفتاحهنّ؛ والوالي هو الدليل عليهنَّ...)(١) .

فقولهعليه‌السلام : (الولاية مفتاح الصلاة والصوم...)، وقولهعليه‌السلام الآخر: (الوالي هو الدليل عليهنّ) ظاهر في الشعارية بلا أدنى كلام؛ لأنّ الإمام الباقرعليه‌السلام جعل الولاية مفتاحاً لغالب الأمور العبادية وعلى رأسها الصلاة والصوم والزكاة والحج، ومعنى كلامهعليه‌السلام أنّ الولاية تنطوي على ملاك عباديّ وتشريعي؛ إذ لا معنى لكون الولاية دليلاً ومفتاحاً للعبادات إلاّ أن يكون معنى من معانيها عبادة.

وقد جاء في تفسير القمّي في قوله تعالى: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)، قال: كلمة الإخلاص والإقرار بما جاء من عند الله من الفرائض، والولايةُ ترفع العمل الصالح إلى الله.

وعن الصادقعليه‌السلام أنّه قال: الكلم الطيب قول المؤمن (لا إله إلاّ الله، محمد رسول الله، علي ولي الله وخليفة رسول الله) وقال: والعمل الصالح الاعتقاد بالقلب أنّ هذا هو الحقّ من عند الله لا شك فيه من رب العالمين(٢) .

____________________

(١) الكافي ٢: ١٨ / باب دعائم الإسلام / ح ٥.

(٢) تفسير القمّي ٢: ٢٠٨.

٤٧٩

فلو كان مصداق الكلم الطيب هو كلمة التوحيد، والإيمان بما جاء به رسوله، ومنها لزوم الولاية لعليعليه‌السلام ، ألا يحق أن تصعد هذه الولاية إلى السماء كما نزلت إلينا عن طريق الروايات الكثيرة المتواترة؟

* روى الحاكم النيسابوري والسيوطي عن ابن مردويه، عن أنس بن مالك وبريدة، قالا: قرأ رسول الله هذه الآية:( فِي بُيُوت أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ ) ، فقام إليه رجل فقال: يا رسول الله، أي بيوت هذه؟ فقال: بيوت الأنبياء، فقام إليه أبو بكر فقال: يا رسول الله، هذا البيت منها لبيت علي وفاطمة قال: نعم، من أفاضلها(١) .

وعن أبي جعفر الباقر أنّه قال: هي بيوت الأنبياء، وبيت علي منها(٢) .

وذكر ابن البطريق في(خصائص الوحي المبين) ما جرى بين قتادة والإمام الباقرعليه‌السلام ، وفيه: فقال قتادة لمّا جلس بين يدي الإمام الباقر: لقد جلست بين يدي الفقهاء وقدّامَ ابن عباس فما اضطرب قلبي قُدّامَ واحد منهم ما اضطرب قُدَّامَكَ.

قال له أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : ويحك أتدري أين أنت؟ أنت بين يدي( بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآَصَالِ * رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ) فأنتَ ثَمَّ، ونحن أُولئك(٣) .

وهذه الأحاديث تؤكّد بوضوح على أن بيت علي وفاطمة هو من بيوت الأنبياء، إذ لا معنى لأن يسال أبو بكر عن موقع بيت علي وفاطمة بين تلك البيوت إلاّ أن يكون ذلك معلوماً عنده أو مشكوكاً، لأنّ سؤاله يدعونا للقول بهذا، وعليه

____________________

(١) شواهد التنزيل ١: ٣٣ - ٥٣٥ / ح ٥٦٦، ٥٦٧، و٥٦٨، الدر المنثور ٦: ٢٠٣، تفسير الثعلبي ٧: ١٠٧. وانظر تفسير فرات الكوفي ٢٨٦ / ح ٣٨٦، وبحار الأنوار ٢٣: ٣٢٥ - ٣٢٨، وشرح إحقاق الحق ٣: ٥٥٨، ٩: ١٣٧، ١٤: ٤٢٢، ١٨: ٥١٥، ٢٠: ٧٣ والعمدة لابن البطريق: ٢٩١. والحديث في الروضة في فضائل أمير المؤمنين لشاذان بن جبرئيل: ٤٢ عن ابن عباس.

(٢) تفسير القمي ٢:١٠٤، بحار الأنوار ٢٣: ٣٢٧ / باب رفعة بيوتهم المقدسة... / ح ٦.

(٣) خصائص الوحي المبين: ١٨ - ١٩.

٤٨٠