الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية10%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 213930 / تحميل: 8499
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

المجلّد الأول

تأليف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية

١

لجنة التحقيق: الشيخ قيصر التميمي، الشيخ علي حمود العبادي، الشيخ شاكر عطية الساعدي

تصحيح: الشيخ عبد السادة الساعدي والشيخ أمير كاظم حسون

مراجعة وتقويم: السيد حاتم البخاتي والسيد ميثم الخطيب

الناشر: دهكده جهاني آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

الطبعة الأولى: / ١٤٢٨ هجري قمري

التنضيد والإخراج الفني : مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية / محسن الجابري

الطبع: أميران ـ قم المقدسة

سعر الدوره : ٩٠٠٠ تومان

العدد: ٢٠٠٠

شابك: ٤ ـ ٧ ـ ٩٤٣٨٨ ـ ٩٦٤ ـ ٩٧٨

جميع حقوق الطبع والترجمة محفوظة للمؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية

هاتف: ٧٧٣٠٩٤٤ ـ ٢٥١ ـ ٠٠٩٨

سايت: www.Annalat.org

العنوان : قم / الشارع سمية / زقاق ١٨ / رقم الدار ١٥

٢

مقدّمة الكتاب

الحوار والمناظرة من الفنون العريقة وذات الجذور المتأصّلة في التاريخ ، وقد يصعب على الباحث ـ بحسب ما بحوزته من التراث ـ أن يعطي صورة واضحة عن انطلاقة هذا الفن وبداياته .

ولكن القرآن الكريم أطلعنا على حوار جرى بين الله تعالى وبين ملائكته ، حينما أراد أن يخلق الإنسان ويجعله خليفة في الأرض ، وذلك في قوله تعالى :( وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) (١) ، فالله تعالى قد فسح المجال أمام الملائكة للإدلاء برأيهم في خلافة الإنسان ، وقد افترضوا أنّ خليفة الله عزّ وجلّ لا يمكن أن يكون مفسداً ولا سفّاكاً للدماء ، فأقرّهم الله تعالى على ذلك ولم يبطل حجّتهم ، إلاّ أنّه أجابهم من جهة أخرى ، وهي أنّهم لم يطّلعوا على الحقيقة كاملة ، وأنّ هناك أهدافاً وغايات سامية تترتب على خلافة الإنسان في الأرض قد خفيت عليهم ، ولا يحقّ لهم أن يدخلوا الحوار والمناظرة إلاّ عن علم واطلاع ، وقد أذعنوا بذلك عندما قالوا :( سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاّ مَا عَلّمْتَنَا إِنّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (٢) .

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ٣٠ .

(٢) البقرة : ٣١ .

٣

ونفهم من ذلك أنّ الحوار من الأبواب التي فتحها الله تعالى أمام كل مفكّر عاقل قادر على إدراك الحقائق والاطلاع على مجريات الأحداث ؛ ومن هذا المنطلق أيضاً نجد أنّ الله تعالى قد أعطى إبليس حرية الرأي وإبداء الملاحظات في المسألة ذاتها ، مع سابق علمه تعالى ببطلان حجته ، وقد حكى لنا القرآن الكريم حواراً ومناظرة استدلالية قد دارت ـ في ذلك الحين ـ بين الله تعالى وبين إبليس عندما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدمعليه‌السلام :( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى‏ أَن يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَالَكَ أَلاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنّكَ رَجِيمٌ ) (١) .

هذه الحرية في الحوار وإبداء الرأي تعطينا صورة واضحة عن أهمية هذا المبدأ الذي تقوم عليه ركائز العلاقة بين الله تعالى وبين مخلوقاته .

ثم إنّنا عندما نتابع سيرة الأنبياء الذين بعثهم الله تعالى لهداية الخلق ، نجدها قائمة على التمسّك بمبدأ الحوار والحرص على إيصال الرأي الآخر إلى الطرف المخالف ، من قبيل ما جرى بين إبراهيمعليه‌السلام وبين النمرود ، قال تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِي حَاجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّيَ الّذِى يُحْيِيْ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنّ اللهَ يَأْتِي بِالشّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الّذِي كَفَرَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ ) (٢) .

وهذا ما أمر الله تعالى به نبيّه الأكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في قوله تعالى :( ادْعُ إِلَى‏ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّكَ هُوَ

ـــــــــــــ

(١) الحجر : ٣٠ ـ ٣٤ .

(٢) البقرة : ٢٥٨ .

٤

أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (١)

إذن فالنتيجة التي نخلص إليها : أنّ الحوار ومبدأ المناظرة مقدّس ديني وإلهي قبل أن يكون من مقدّسات البشر .

ولكن المؤسف هو أنّ بعض القنوات الفضائية قد أساءت إلى هذا المقدّس الديني والبشري ، عندما استضافت للحوار أشخاصاً لا يؤمنون به ، بل يرفعون شعار التكفير والقتل والإرهاب بوجه كل مَن يخالفهم الرأي .

وقناة المستقلّة الفضائية ـ سيّئة الصيت ـ من تلك القنوات التي كانت ولا زالت تستدعي للحوار المتعجرفين من أتباع الفرقة الوهابيّة الضالّة ، من أمثال عثمان الخميس والدمشقية والبلوشي ، وغيرهم من التكفيريين ، الذين ما فتئوا يكفّرون المسلمين بكافة طوائفهم ، مستندين في ذلك إلى حجج واهية أملتها عليهم نفوسهم الضعيفة .

وبهذا أصبحت قناة المستقلّة الفضائية من القنوات المشبوهة ؛ إذ ابتعدت عن عنوانها الذي تسمّت به ، محاولة ـ بواسطة أولئك الضالّين ـ أن تزرع الحقد والكراهية في نفوس المسلمين ، وهدفها من وراء ذلك إثارة النعرات الطائفية ، وإحداث الفرقة بين أبناء أمتنا الإسلاميّة الواحدة ، مع أنّ المسلمين في وقتنا الحاضر بأمس الحاجة إلى التماسك والوحدّة ، ورصّ الصفوف ؛ للوقوف أمام التحدّيات التي يواجهونها .

ـــــــــــــ

(١) النحل : ١٢٥ .

٥

ومن منطلق الشعور بالمسؤولية كانت مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلامية تتابع ما يجري على تلك القناة عن كثب وحرص شديدين ، وكانت تسعى جادّة أيضاً لدراسة هذه الظاهرة الخطيرة والهدّامة ، وقد ساهمت في ذلك الحين للعمل على إزاحة الشبهات التي قد تستحدثها أبواق الضلال في نفوس المسلمين .

ولكي تكون هذه المؤسسة المباركة فاعلة في هذا الميدان ، ومؤثّرة في أداء ما تشعر به من المسؤولية تجاه ما يجري في العالم الإسلامي ؛ بادرت ـ من خلال قسم البحوث والدراسات ـ إلى دراسة أهم الشبهات العقائدية التي أثارها التكفيريون من الفرقة الضالة ، ثم تصدّت وبكل جدارة للإجابة عن هذه الشبهات بأجوبة محكمة ورصينة ، كشفت القناع عن زيف ما يزعمه المبطلون .

وقد استجاب لإنجاز هذه المبادرة الطيبة كل من : فضيلة الشيخ علي حمود الشطري العبادي ، وفضيلة الشيخ قيصر التميمي ، وفضيلة الشيخ شاكر عطية الساعدي ، فجزاهم الله عن الإسلام خيراً ، وجعل عملهم هذا خالصاً لوجهه الكريم ، ونافعاً في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلاّ مَن أتى الله بقلب سليم .

وحاولوا في أجوبتهم هذه جاهدين أن يبتعدوا عن لغة السب والتكفير والتجاوز على آراء وعقيدة المذاهب الإسلامية الأخرى ، ومعتمدين في كل ذلك على الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة ، مستنيرين بهدي الكتاب الكريم والسنّة النبوية المباركة ، التي وردت في الكتب المعتمدة عند أبناء الطائفة السنّيّة .

٦

منهج البحث

لقد التزمنا في الإجابة عن الشبهات في فصول هذا الكتاب منهجاً واضحاً يستند إلى الأساليب العلمية والمعتمدة في مجال البحث والتحقيق ، ويمكن تلخيص تلك الأساليب بالنقاط التالية :

١ ـ اعتماد التحليل والوصف في عرض الأجوبة ، ثم الحكم عليها من خلال نصوص القرآن الكريم والسنّة النبوية المباركة .

٢ ـ اعتماد المصادر الحديثية والروائية المعتمدة والمعتبرة عند علماء الطائفة السنّية .

٣ ـ اعتماد الكتب الرجالية والدرائية في تصحيح طرق الروايات والأحاديث الواردة عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والاستناد في توثيق أو تضعيف الرواة على أصحّ المباني المعتمدة لدى كبار علماء الطائفة السنّية .

٤ ـ اعتماد أقوال علماء الطائفة السنية من خلال الرجوع إلى أهم المصادر والكتب المعتبرة .

٥ ـ الابتعاد عن لغة السب والتكفير والتجاوز على آراء وعقيدة المذاهب الإسلامية الأخرى ، معتمدين في ذلك كلّه على الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة في سبيل الوصول إلى الحقيقة ، بعيداً عن التعصّب المذهبي والجدال بالباطل .

خطّة البحث

جاء البحث على النحو التالي :

تقسيم البحث إلى جزئيين ، وكل جزء يتضمّن على عدّة فصول .

وقد تضمّن الجزء الأول الفصول التالية :

الفصل الأول : وقد تناول الإجابة عن شبهة عدم الجعل الإلهي للإمامة .

أمّا الفصل الثاني : فقد اختصت الإجابة فيه عن الشبهة القائلة بأن حديث الأثني عشر فكرة يهودية .

٧

وأمّا الفصل الثالث : فقد تضمّن الإجابة عن الشبهات الواردة حول الإمام المهديعليه‌السلام ، والفائدة من وجوده وغيبتهعليه‌السلام .

وأمّا الفصل الرابع : فأجبنا فيه عن شبهة استبعاد عصيان الصحابة لما أوصى به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أمّا الفصل الخامس : فقد اعتني بالإجابة عن الشبهة القائلة بوجود النص على خلافة أبي بكر .

وأمّا الفصل السادس : فقد خصّصناه للإجابة عن شبهة الغلو في مسألة إمامة أهل البيتعليهم‌السلام .

أمّا الجزء الثاني فتضمّن الفصول التالية :

الفصل الأول : وقد كُرّس للإجابة عن الشبهة القائلة بأنّ الشعائر الحسينية بدعة .

أمّا الفصل الثاني : فتضمّن الإجابة عن الشبهة القائلة بأنّ التوسّل بأهل البيتعليهم‌السلام شرك .

وأمّا الفصل الثالث : فهو يجيب عن شبهة عدم مشروعية اللعن في القرآن الكريم والسنّة الشريفة .

٨

أمّا الفصل الرابع : فقد تصدّى للإجابة عن شبهة تحريف القرآن المنسوبة إلى الشيعة .

وأمّا الفصل الخامس : فقد أجاب عن شبهة عدم مشروعيّة التقيّة .

وأمّا الفصل السادس : فقد اعتني بالإجابة عن شبهة عدم مشروعية الزواج المؤقّت ( المتعة ) .

ولا يفوتنا أن نتقدّم بالشكر الجزيل لكل مَن ساهم في إنجاز هذا الكتاب ، لا سيّما الأخ السيد حاتم الموسوي ، والشيخ فلاح عبد الحسن الدوخي ، لما بذلاه من جهد ومتابعة .

وأخيراً نرجوا الله تعالى أن نكون قد وفقنا فيما قصدناه من الدفاع عن العقيدة والحرص على وحدة الأمة الإسلامية ، والله من وراء القصد .

لجنة التأليف في قسم الدراسات والبحوث

مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية

٢٥ / ذي القعدة / ١٤٢٨ هـ

٩

الفصل الأوّل: هل الإمامة جعل إلهي؟

١ ـ شبهات حول الإمامة

هل الإمامة جعل إلهي ؟

الإمامة في القرآن

٢ ـ شبهات حوله آية الولاية

١ ـ آية الولاية لا تختصّ بعليعليه‌السلام .

٢ ـ آية الولاية لا تعني الأولى بالتصرّف

٣ ـ آية الولاية لا تشمل بقيّة الأئمّة

٤ ـ كيف يستدل الشيعة بشأن النزول ؟

٥ ـ المعروف أنّ عليّاً فقير فكيف يتصدّق ؟

٣ ـ آية البلاغة تدل على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً

٤ ـ لا وجود لاسم علي في القرآن

٥ ـ آية التطهير لا تختصّ بأئمّة الشيعة

١٠

الفصل الأوّل: هل الإمامة جعل إلهي ؟

الشبهة :

إنّ الإمامة غير مجعولة من الله تعالى ؛ لأنّها لو كانت كذلك فإمّا أن يكون المراد منها الحكومة أو الهداية ، مع أنّنا نعلم أنّ الأئمّة لم يحكموا ، إلاّ الإمام علي والحسن ، وإن كانت الإمامة هي إمامة هداية فأين آثارهم وأقوالهم ؟

الجواب :

ينبغي لكل إنسان أن يؤسّس عقيدته على قواعد معرفية صحيحة ؛ لأنّ العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق ، لا يزيده سرعة السير إلاّ بعداً(١) .

وكما قال الله عزّ وجلّ :( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطّيّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (٢) .

وعلى ضوء ذلك يجب علينا أن نعي ونتفهّم بيانات القرآن الكريم جيداً ، الذي هو تبيان لكل شيء ، قال تعالى:( وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى‏ لِلْمُسْلِمِينَ ) (٣) .

ومن أبرز المفاهيم التي أولاها القرآن الكريم عناية خاصة ، هي مسألة الإمامة ، وقد طفحت النصوص القرآنية بذكرها والتأكيد عليها ، والمهمّة ذاتها تنهض بها النصوص النبوية الشريفة .

فالقول بأنّ الإمامة لا ذكر لها في القرآن ، أو أنّها لا فائدة منها ، أو لا

ـــــــــــــ

(١) انظر : أصول الكافي ، محمد بن يعقوب الكليني : ج ١ ص ٤٣ .

(٢) فاطر : ١٠ .

(٣) النحل : ٨٩ .

١١

معنى لها ، أو غير ذلك ، لا يستبطن إلاّ الجهل بالقرآن الكريم .

وقبل الدخول في البحث ـ الذي نستهدف فيه إعطاء لمحة تصوّرية عامة عن الإمامة في القرآن الكريم ـ نبدأ بتقديم نقطة منهجية تساهم في إيضاح المطلوب ، ضمن العناوين التالية :

الإمامة جعل وعهد إلهي :

عندما نقف على نصّ قرآني واحد يلتقي في الدلالة على المطلوب مع عدّة نصوص قرآنية أخرى ، وهو قاله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (١) ، نجد أنّه يكشف وبكل وضوح عن كون الإمامة عهداً وجعلاً واصطفاءً واختياراً من الله تعالى لذلك الإنسان الذي يرى الله عزّ وجلّ فيه القابلية والاستعداد لتسنّمه هذا المنصب الإلهي .

من ذلك يتضح أنّ الرؤية القرآنية للإمام الهادي أن يكون بجعل وعهد من الله تعالى :( إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٢) ، وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (٣) ، وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتّقِينَ إِمَاماً ) (٥) ، وقوله تعالى :

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ١٢٤ .

(٢) البقرة : ١٢٤ .

(٣) السجدة : ٢٤ .

(٤) الأنبياء : ٧٣ .

(٥) الفرقان : ٧٤ .

١٢

( وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (١) .

الإمامة غير النبوّة :

وكذلك تكشف الآية المباركة( إِنّي جَاعِلُكَ ) عن أنّ الإمامة غير النبوّة ، وممّا يؤكّد هذا المعنى :

أوّلاً : أنّ نبي الله إبراهيمعليه‌السلام مُنِحَ هذا المقام بعد تعرّضه لسلسلة من الابتلاءات والاختبارات ، وكان ذلك في أواخر عمره الشريف ؛ لأنّه طلبها لذرّيته ، وهو لا يتناسب إلاّ مع حصول الذرّية له ، وتجاوزه مرحلة الشباب والفتوّة ، خصوصاً وأنّهعليه‌السلام لم يُرزق الذريّة إلاّ بعد فترة مديدة من الزمن تجاوز فيها تلك المرحلة ، في حين أنّهعليه‌السلام عندما أعلن دعوته كان شاباً يافعاً ، كما هو مفاد قوله تعالى :( قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ) (٢) .

ثانياً : إنّ اسم الفاعل في ـ الآية المباركة ـ ( جاعل ) لا يعمل في المفعول ( إماماً ) إلاّ إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال ، ولا يعمل في الماضي ، وحيث إنّ النبوّة كانت ثابتة مسبقاً لإبراهيمعليه‌السلام ، فلابد أن يكون إعطاء الإمامة لإبراهيمعليه‌السلام في الحال أو الاستقبال ، أي بعد نبوّته(٣) .

وبالتأمّل في حصيلة ما ذكرناه يحصل الاطمئنان بأنّ منصب الإمامة أُعطي لإبراهيم بعد أن كان رسولاً نبيّاً ، ولم يكن إماماً .

ـــــــــــــ

(١) القصص : ٥ .

(٢) الأنبياء : ٦٠ .

(٣) شرح الرضي على الكافية ، رضي الدين الأسترابادي : ج ٣ ص ٤١٥ .

١٣

أهمّيّة الإمامة واستمرارها :

إنّ الإمامة والهداية الإلهية استمرار وامتداد لمهام الرسالات السماوية ، المتمثّلة بذكر تفاصيلها وبيان مبهماتها ومحكمها ومتشابهها وتفعيلها في الأمة وغير ذلك ؛ وذلك لأنّ عمر الرسول عادة يكون أقصر من عمر الرسالة ، ومن هنا فقد تستمر الرسالة من خلال الأنبياء التابعين للرسل من أُولي العزم ، أو من خلال الأئمّة والأوصياء عندما تنقطع النبوّة ويرتفع الوحي ، كما في الرسالة الخاتمة ، فلابد من بقاء الهداية واستمرارها ، قال تعالى :( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (١) ؛ وذلك هو مفاد آيات البلاغ والولاية وحديث الثقلين وحديث الاثني عشر وحديث لا تخلو الأرض من حجّة وغيرها ، فيكون الإمام هو الهادي للأمة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا تقتصر إمامته على عصر دون آخر ، وإنّما هي دائمة مستمرّة ، وهذا ما يمليه عليه موقعه من الدين الإسلامي ، وكونه هادياً للأمة بجعل ربّاني دائم ، لا أنّه أمر مؤقّت يتعلّق بمقطع خاص من الزمان والمكان ، وإنّما هو سنّة إلهية ثابتة ، وحجّة لله في الأرض ، قال تعالى :( وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٢) .

قال الآلوسي في تفسيره : ( ولم تزل تلك الخلافة في الإنسان الكامل إلى قيام الساعة وساعة القيام ، بل متى فارق هذا الإنسان العالِم مات العالَم ؛ لأنّه الروح الذي به قوامه ، فهو العماد المعنوي للسماء ، والدار الدنيا جارحة من جوارح جسد العالم الذي الإنسان روحه ، ولمّا كان هذا الاسم الجامع قابل الحضرتين بذاته ؛ صحّت له الخلافة وتدبير العالم ، والله

ـــــــــــــ

(١) الزخرف : ٢٨ .

(٢) الرعد : ٧ .

١٤

سبحانه الفعّال لما يريد ولا فاعل على الحقيقة سواه )(١) ، ويلتقي هذا المعنى مع قوله تعالى :( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (٢) ، وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) (٣) ، ويؤكّد ذلك أيضاً ما ذكره السيوطي في تفسيره ، قال : ( أخرج ابن مردويه عن برزة الأسلمي ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( إِنّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ) ، ووضع يده على صدر نفسه ، ثم وضعها على صدر عليعليه‌السلام ويقول :( وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٤) ، وفي موضع آخر عن ابن جرير وابن مردويه و... أنّه قال : ( وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على صدره ، فقال :أنا المنذر ، وأومأ بيده إلى منكب عليرضي‌الله‌عنه فقال :أنت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي )(٥) ، وأخرج الحاكم في المستدرك : ( عن علي :( إِنّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، قال علي :رسول الله المنذر ، وأنا الهادي ، ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )(٦)

إذن تبيّن من جميع ما تقدّم ضرورة وجود الإمام الهادي في كل زمان ، وهذا ما أجمع عليه المسلمون كافة إلاّ أنّهم اختلفوا في أنّ الإمام

ـــــــــــــ

(١) روح المعاني ، الآلوسي : ج ١ ص ٢٢٠ ـ ٢٢١.

(٢) السجدة : ٢٤ .

(٣) الأنبياء : ٧٣ .

(٤) الدر المنثور ، جلال الدين السيوطي : ج ٤ ص ٦٠٨ ؛ وكذا ما في شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٣٨٦ ؛ وجامع البيان ، محمد بن جرير الطبري : ج ١٣ ص ١٤٢ ؛ وقال الشوكاني في فتح القدير : ج ٣ ص ٧٠ ، ( وصحّحه ابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب ) .

(٥) الدر المنثور ، جلال الدين السيوطي : ج ٤ ص ٦٠٨ .

(٦) لاحظ : جامع البيان ، محمد بن جرير الطبري : ج ١٣ ص ١٤٢ ؛ الدر المنثور ، جلال الدين السيوطي : ج ٤ ص ٦٠٨ ؛ المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٣٠ .

١٥

الذي يخلف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هل هو بجعل ونص إلهي أم لا ؟ وقد صرّح بذلك ابن حجر المكّي في ( صواعقه ) ، حيث قال : ( اعلم أيضاً أنّ الصحابة (رضوان الله عليهم) اجمعوا على أنّ نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوّة واجب واختلافهم في التعيين لا يقدح في الإجماع المذكور )(١) .

عصمة الإمام

كذلك كشفت الآية المباركة :( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٢) النقاب عن قاعدة أساسية وسنّة إلهية مُحكمة ، وهي أنّ العهد والجعل لا ينال الظالمين ، ومن الواضح أنّ إطلاق ( الظالمين ) شامل لكل ظلم ، سواء كان على الغير أم على النفس ، وشامل أيضاً لكل معصية صغيرة أو كبيرة ارتكبها الإنسان في بعض مراحل حياته ، ومن أظهر مصاديق الظلم هو الشرك بالله تعالى وعبادة غيره ، قال عزّ وجلّ :( إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (٣) ، فإذا انطبق عليه عنوان الظلم يكون غير صالح لهذا المقام الإلهي ؛ وبذلك اتضح أن الإمام ـ بعد كون إمامته مجعولة من الله عزّ وجلّ ـ لابد أنّ يكون معصوماً ، وهذا الشرط ـ وهو العصمة ـ قد أكّدته آية التطهير ، وحديث الثقلين وغيرهما ، حيث دلّت على عصمة الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام بعد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ١٥ .

(٢) البقرة : ١٢٤ .

(٣) لقمان : ١٣ .

١٦

دور الإمام في الأمة :

وانطلاقاً من تسالم المسلمين على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يشغل جميع مناصب القيادة والإمامة من الحكومة السياسية ، والمرجعية الدينية والفكرية والقضائية والإجرائية وغيرها ، فالولاية الثابتة لرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاملة لجميع تلك المناصب ، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، والذي ينهض بأعباء هذه المهمّة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هم أهل بيتهعليهم‌السلام ، الذين نصّبهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجعلهم هداة من بعده ، وأمر المسلمين بالتمسّك بهديهم ، كما نصّ على ذلك حديث الغدير ، الذي جاء فيه قول الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) (١) ، وكذا ما جاء في حديث الثقلين ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أنا تارك فيكم الثقلين : أولاهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فاخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ) (٢) ، ليكملوا مسيرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترشيد

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد بن حنبل : ج ١ ص ٨٤ ، ص ١١٨ ، ص ١١٩ ، ص ١٥٢ ، ج ٤ ص ٢٨١ ، ص ٣٧٠ ، ص ٣٧٢ ، ج ٥ ص ٣٤٧ ، ص ٣٦٦ ، ص ٣٧٠ ؛ سنن ابن ماجه : ج ١ ص ٤٣ ؛ سنن الترمذي : ج ٥ ص ٢٩٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٠٩ ـ ١١٦ ، ص ١٣٤ ، ص ٣٧١ ، ص ٥٣٣ ؛ مجمع الزوائد ، نور الدين الهيثمي : ج ٧ ص ١٧ ، ج ٩ ص ١٠٤ ؛ وقال فيه : (عن سعيد بن وهب راوه أحمد ورجاله رجال الصحيح) ؛ فتح الباري : ج ٧ ص ٦١ ؛ وقال فيه : ( فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ) ؛ صحيح ابن حبان: ج ١٥ ص ٣٧٦ وما بعد ، وغيرها من المصادر الكثيرة جداً ، فراجع .

(٢) صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٨٧٣ ح ٢٤٠٨ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ١ ص ١٧٠ ، قال الهيثمي : رواه الطبري في الكبير ورجاله ثقات ؛ ج ٩ ص ١٦٢ ـ ١٦٣ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، وقال : ( وفي رواية صحيحة : كأنّي قد دعيت ) ، تفسير ابن كثير : ج ٤ ص ١٢٢ ، قال فيه : ( وقد ثبت في الصحيح أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في خطبته بغدير خم ( الحديث ) ؛ صحيح الترمذي ، الألباني : ج ٣ ص ٥٤٣ ح ٣٧٨٨ ، قال : ( صحيح ) ؛ وصحّحه أيضاً في صحيح الجامع الصغير : ج ١ ص ٨٤٢ ، ح ٢٤٥٧ ؛ والمصادر في ذلك كثيرة جداً ، وبطرق تبلغ حد التواتر ؛ فراجع .

١٧

الأمة الإسلامية من بعده ، وهدايتها وقيادتها في جميع المجالات ، كما كان ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّ هذا هو ما تقتضيه عصمتهمعليهم‌السلام ، ومع وجود المعصوم لا يحق لغيره التقدم ؛ فإنّ العقل والفطرة السليمة تأبى تقديم من يجوز فيه الخطأ على مَن لا يخطأ أبداً وهو المعصوم .

وكيف يجوز أن يقدّم أحد على إنسان طاعته طاعة الله ، ومعصيته معصية الله ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن أطاعني فقد أطاع الله ومَن عصاني فقد عصى الله ، ومَن أطاع عليّاً فقد أطاعني ومَن عصى عليّاً فقد عصاني ) ، قال الحاكم النيسابوري في المستدرك : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(١) .

وعلى هذا الأساس تكون هداية الإمام المعصومعليه‌السلام شاملة لكل المناصب القيادية التي ترتبط بهداية الناس ، من المرجعية الدينية والفكرية والاجتماعية والسياسية والقضائية ، ولا ينحصر دور الإمام في الحكومة السياسية فقط ، وهذه نقطة مهمّة كانت وما زالت محل التباس في الوعي الإسلامي عند أهل السنّة ؛ ظنّاً منهم أنّ الشيعة تقول بانحصار دور الإمام في الحكم السياسي فحسب ، فإذا لم يكن حاكماً لم يكن إماماً ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، بل الإمامة قيادة وهداية للأمة في كل مجالات الحياة وعلى جميع الأصعدة ، فأهل البيتعليهم‌السلام الذين ثبتت عصمتهم وشرافة علمهم هم الأجدر والأحق في تسنّم تلك المناصب ؛ ولذلك نصّب الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام من بعده للإمامة بكافّة أبعادها ومن ذلك كلّه يتضح أنّ إقصاء أهل البيتعليهم‌السلام عن موقعهم ، وهو القيادة والحكومة السياسية ـ التي تعتبر أحد أبعاد الإمامة ـ لا يعني زوال إمامتهم التي ثبتت بجعل إلهي وتنصيب نبوي ، بل على الأمة تقديمهم واتباعهم والإقتداء بهم .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢١ ، ص ١٢٨ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٢ ص ٣٠٧ .

١٨

ومن هنا نعلم أنّ الإمامة من المسائل الأساسية في الإسلام وذات مناصب متعددة ، ولكن مع ذلك قد يعتدى على بعض تلك المناصب فيقع التجاوز على حق الإمام المعصوم ، كما في الجانب الحكومي والجانب العلمي والقضائي في الأمة ، وذلك باستحداث مرجعيات حكومية مزيّفة في قبال مرجعية المعصوم الإلهية الحقّة ، وقد تحوّل بسبب ذلك نظام القيادة والخلافة في الإسلام إلى قشور لا لباب فيها ، لا سيّما في العصر الأموي ، الذي أصبح الحكم الإسلامي فيه ملكاً عضوضاً لا يحمل من الإسلام إلا اسمه ، ولكن هذا لا يعني سقوط ذلك الحق وإيقاف مسيرة الهداية ، التي تسير بقيادة أهل البيتعليهم‌السلام ، كما هو الحال في الأنبياءعليهم‌السلام ، فهم هداة للبشرية جمعاء ، وإعراض أكثر الناس عنهم لا يسقطهم عن كونهم هداة للبشرية ، فالإمامة هداية في كل تلك الجوانب ، والإمام يهدي مَن أراد الهداية والرشاد ، وأمّا الإعراض عن الاستهداء بالإمام المعصومعليه‌السلام فلا يعني ذلك إسقاط الإمام عن إمامته وهدايته ، ولا يخفى دور أهل البيتعليهم‌السلام في هداية الأمة والمحافظة على رسالة الإسلام ، فضلاً عمّا خلّفوه من تراث ثر في مختلف العلوم رغم قساوة الظروف وشدّتها عليهمعليهم‌السلام

وهذا التراث الشيعي زاخر بأحاديثهم وأقوالهم الشاملة لجميع مجالات الحياة المختلفة ، وهذا ما لا يكاد يخفى أيضاً على كبار أعلام أهل السنّة ، الذين استفادوا من هذا التراث ، وقد ورد في حق أئمّة أهل البيت شهادات كثيرة من قبل أهل السنّة تكشف وتبيّن فضلهم وعلو منزلتهم وصلاحيّتهم للخلافة والإمامة ، وكذا تبيّن دورهم المحوري والفاعل في الأمة ، نكتفي بذكر بعضها :

١٩

أقوال علماء السنّة في حق أهل البيتعليهم‌السلام

الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام

إنّ الروايات في فضل الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام وفضائله في الإسلام كثيرة جداً ، تجاوزت حدّ الإحصاء ، وقد أُلّفت الكتب وسطّرت الروايات في ذلك ، وقد قال أحمد بن حنبل : ( ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما جاء لعليعليه‌السلام )(١) ، وقال ابن حجر في صواعقه : ( وهي كثيرة عظيمة شهيرة حتى قال أحمد ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي ، وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري لم يرد في حق أحد من الصحابة في الأسانيد الحسان أكثر ما جاء في علي )(٢) ، ولا يخفى دور الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام في الإسلام في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده .

الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام

لا يخفى فضل الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام ودورهما في

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج٣ ص ١٠٧ .

(٢) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ١٨٦ .

٢٠

الإسلام ، ودفاعهما عن شريعة جدّهماصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما قاما به من إصلاح في الأمة الإسلامية ، ووقوفهما سداً منيعاً أمام كل المحاولات التي تستهدف النيل من الرسالة الإسلامية ؛ لما يحملانه من خصائص ، ومميّزات ، وقد تواترت الروايات في علو شأنهما وسمو مقامهما ، كل ذلك جعل لهما الدور الفاعل في التأثير البالغ في المسلمين ، سواء على الصعيد الفكري أم الاجتماعي أم غيرهما ، كل ذلك في زمن أصبحت الحياة الإسلامية فيه مسرحاً للخلافات ، والجرائم والآثام ، وأصبحت فيه الحكومة ملكاً عضوضاً يتوارثه بنو أمية فيما بينهم بالقهر والغلبة ، وقد انبرى الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام في ذلك الحين لمعالجة الواقع المرير ، وقد جاء في مجامع أحاديث السنّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في حق ابنه الحسنعليه‌السلام : ( إنّ ابني هذا سيّد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )(١) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق ابنه الحسينعليه‌السلام :( حسين منّي وأنا منه أحبّ الله مَن أحبّه ، الحسن والحسين سبطان من الأسباط ) (٢)

ولذا قام الإمام الحسينعليه‌السلام ثائراً على الظلم آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، مضحّياً بنفسه وأهل بيته في سبيل إعلاء كلمة الحق ، طالباً

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري : ج ٢ ص ١٧٩ ح ٢٧٠٤ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٢٩١ ، وغيرها من المصادر الكثيرة جداً من الفريقين .

(٢) التاريخ الكبير ، البخاري : ج ٨ ص ٤١٥ ح ٣٥٣٦ ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٨ ص ٢٢٤ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٣ ص ٣٢ ح ٢٥٨٦ ، ج ٢٢ ص ٢٧٤ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٥٧٥ ح ٣٧٢٧ ؛ فيض القدير في شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج ٣ ص ٥١٣ ؛ وفي صحيح الجامع الصغير ، الألباني : ج ١ ص ٦٠١ ـ ٦٠٢ ح ٣١٤٦ ، قال عن الحديث بأنّه ، (حسن) ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

٢١

الإصلاح في أمة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما لاحظ الممارسات البعيدة عن روح الدين والأخلاق من قِبَل الحكومة آنذاك ، حينما اتخذت الإسلام ستاراً لتغطية جرائمها وممارساتها المتهتّكة ؛ ولذا قالعليه‌السلام عندما خرج متوجّهاً إلى الكوفة :( إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت أطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) (١) .

وقد قال الذهبي في مدحهما وبيان موقعهما القيادي في الأمةعليهما‌السلام : ( فمولانا الإمام علي من الخلفاء الراشدين ، وابناه الحسن والحسين : فسبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك )(٢)

ولا نطيل الحديث في ذلك بعد أن ثبت أنّهماعليهما‌السلام إمامان قاماً أو قعداً(٣) .

الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن إدريس الشافعي : ( هو أفقه أهل المدينة )(٤) .

وقال محمد بن أحمد الذهبي ( ت ٧٤٨ ) : ( كان له جلالة عجيبة ، وحق له والله ذلك ، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى لشرفه ، وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمال عقله )(٥) . وقال أيضاً : ( وزين العابدين : كبير القدر ، من سادة

ـــــــــــــ

(١) مقتل الحسين : الخوارزمي : ص ٢٧٣ ؛ الفتوح ، ابن أعثم الكوفي : ج ٥ ص ٣٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٣) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي : ج ١٩ ص ٢١٦ ؛ نقلاً عن أهل البيت ، الأستاذ توفيق أبو علم : ص ١٩٥ ، طبعة مطبعة السعادة ـ القاهرة .

(٤) نقله الجاحظ في رسائله : ص ١٠٦ .

(٥) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ٤ ص ٣٩٨ .

٢٢

العلماء العاملين يصلح للإمامة )(١) .

وقال ابن حجر العسقلاني : ( علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام الهاشمي زين العابدين ، ثقة ، ثبت ، عابد ، فقيه ، فاضل ، مشهور ، قال ابن عيينة عن الزهري : ما رأيت قرشياً أفضل منه )(٢) .

وقال ابن حجر في الصواعق : ( وأخرج أبو نعيم والسلفي لمّا حجّ هشام بن عبد الملك في حياة أبيه أو الوليد لم يمكنه أن يصل للحجر من الزحام ، فنُصب له منبر إلى جانب زمزم ، وجلس ينظر إلى الناس ، وحوله جماعة من أعيان أهل الشام ، فبينا هو كذلك إذ أقبل زين العابدين ، فلمّا انتهى إلى الحجر تنحّى له الناس حتى استلم ، فقال أهل الشام لهشام ، مَن هذا ؟ قال : لا أعرفه ؛ مخافة أن يرغب أهل الشام في زين العابدين ، فقال الفرزدق : أنا أعرفه ، ثم أنشد :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرمُ

هذا ابن خير عباد الله كلّهمُ

هذا التقي النقي الطاهر العلمُ

إذا رأته قريشٌ قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرمُ

ينمي إلى ذروة العِزّ التي قصرت

عن نيلها عرب الإسلام والعجمُ

ـــــــــــــ

(١) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٢) تقريب التهذيب ، ابن حجر : ج ١ ص ٦٩٢ .

٢٣

وكذا من أبيات تلك القصيدة :

هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهله

بجدّه أنبياءُ الله قد خُتموا

فليس قولك من هذا بضائره

العرب تعرف مَن أنكرت والعجمُ

ثم قال :

من معشرٍ حبّهم دين وبغضهم

كفرٌ وقربهم منجى ومعتصمُ

لا يستطيع جواد بعد غايتهم

ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا

فلمّا سمع هشام غضب ، وحبس الفرزدق بعسفان )(١) .

الإمام الباقرعليه‌السلام :

قال في حقّه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : ( وهو سيّد فقهاء الحجاز ، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه ، وهو الملقّب بالباقر ، باقر العلم ، لقبّه به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يخلق بعد ، وبشّر به ووعد جابر بن عبد

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٣ ـ ٣٠٤ .

٢٤

الله برؤيته ، وقال : ستراه طفلاً ، فإذا رأيته فبلّغه عنّي السلام ، فعاش جابر حتى رآه ، وقال له ما وصّى )(١) .

وقال الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : ( ومنهم الحاضر الذاكر الخاشع الصابر أبو جعفر محمد بن علي الباقر ، كان من سلالة النبوّة ، وممّن جمع حسب الدين والأبوّة ، تكلّم في العوارض والخطرات ، وسفح الدموع والعبرات ، ونهى عن المراء والخصومات )(٢) .

وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ( قال عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر ، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه مغلوب ، يعني بالحكم الحكم بن عيينة ، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه )(٣) .

وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : ( سمّي بذلك ؛ لأنّه بقر العلم أي شقّه وعرف أصله وعرف خفيّه وهو تابعي جليل ، إمام بارع ، مجمع على جلالته ، معدود في فقهاء المدينة وأئمّتهم )(٤) .

وقال ابن خلكان : ( كان الباقر علماً ، سيّداً ، كبيراً ، وإنّما قيل له الباقر

ـــــــــــــ

(١) رسائل الجاحظ : ص ١٠٨ ؛ جمعها ونشرها حسن السندوبي .

(٢) حلية الأولياء ، أبو فرج الأصفهاني : ج ٣ ص ١٨٠ ، وكذا بألفاظ مختلفة في البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٩ ص ٣٣٩ .

(٣) تذكرة الخواص ، الذهبي : ص ٣٠٢ .

(٤) تهذيب الأسماء واللغات : ج ١ ص ١٠٣ .

٢٥

لأنّه تبقر في العلم )(١) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : ( أبو جعفر الباقر : سيّد ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة )(٢) ، وفي هذا المضمون ما قاله صلاح الدين الصفدي(٣) .

وقال محمد بن المنكدر : ( ما رأيت أحداً يفضّل على علي بن الحسين ، حتى رأيت ابنه محمداً ، أردت يوماً أن أعظه فوعظني )(٤) .

وقال ابن كثير في البداية والنهاية : ( وهو تابعي جليل ، كبير القدر كثيراً ، أحد أعلام هذه الأُمّة ، علماً وعملاً ، وسيادة وشرفاً )(٥) .

وقال الهيتمي في صواعقه بعد أن ذكر علي بن الحسينعليهما‌السلام ما نصّه : ( وارثه منهم ، عبادة وعلماً وزهادة ، أبو جعفر محمد الباقر سمّي بذلك : من بقر الأرض ، أي شقّها فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف ، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ، ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة ، أو فاسد الطويّة والسريرة ، ومن ثَمّ قيل فيه : هو باقر العلم ، وجامعه ، وشاهر علمه ، ورافعه صفا قلبه وزكى علمه وعمله ، وطهرت نفسه ، وشرف خلقه وعمرت أوقاته بطاعة الله ، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين ، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحملها هذه العجالة ، وكفاه شرفاً أنّ ابن المديني روى عن جابر أنّه قال له وهو صغير : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلّم عليك ، فقيل له وكيف

ـــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ، ابن خلكان : ج ٤ ص ٣٠ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٣) الوافي بالوفيات ، صلاح الدين الصفدي : ج ٤ ص ١٠٤ .

(٤) نقلاً عن تهذيب التهذيب : ج ٩ ص ٣١٣ .

(٥) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٩ ص ٣٣٨ .

٢٦

ذاك ؟ قال : كنت جالساً عنده والحسين في حجره وهو يداعبه ، فقال :يا جابر ، يولد له مولود اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد ، فإن أدركته يا جابر فأقرئه منّي السلام ) (١) .

وقال أبو الحنبلي : ( قال عبد الله بن عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علماً عنده ، وله كلام نافع في الحكم والمواعظ )(٢) .

وقال محمد بن علي الصبان في إسعاف الراغبين : ( وأما محمد الباقررضي‌الله‌عنه فهو صاحب المعارف وأخو الدقائق واللطائف ، ظهرت كراماته وكثرت في السلوك إشاراته ، لقب بالباقر لأنّه بقر العلم ، أي شقّه وعرف أصله وخفيّه )(٣) .

الإمام الصادقعليه‌السلام :

نقل عن أبي حنيفة أنّه قال : ( ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد لمّا أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ ، فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من مسائلك الصعاب ، قال : فهيّأت له أربعين مسألة ، ثم بعث إليّ أبو جعفر فأتيته بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخل لأبي جعفر ، فسلّمت وأذن لي ، فجلست ، ثم ألتفت إلى جعفر ، فقال : يا أبا عبد

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥ .

(٢) شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب : ج ١ ص ٢٦٠ .

(٣) إسعاف الراغبين : ص ٢٥٠ .

٢٧

الله ، تعرف هذا ؟ قال : نعم ، هذا أبو حنيفة ، ثم أتبعها : قد أتانا ، ثم قال : يا أبا حنيفة ، هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله ، وابتدأت أسأله ، وكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها : كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون : كذا وكذا ، ونحن نقول : كذا وكذا ، فربّما تابعنا ، وربّما تابع أهل المدينة ، وربّما خالفنا جميعاً ، حتى أتيت على أربعين مسألة ثم قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس )(١) .

وقال في مختصر التحفة الاثني عشرية : ( لو لا السنتان لهلك النعمان )(٢) ، يعني السنتين اللتين نهل فيهما أبو حنيفة من بحر علم الإمام الصادقعليه‌السلام .

وقال الحافظ شمس الدين الجزري : ( وثبت عندنا أنّ كلاً من الإمام مالك ، وأبي حنيفة (رحمهما الله تعالى) صحب الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام حتى قال أبو حنيفة : ما رأيت أفقه منه ، وقد دخلني منه من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور )(٣) .

وقال الجاحظ بعد مدح عشرة من أهل البيتعليهم‌السلام ، ومن ضمنهم الإمام الصادقعليه‌السلام فقال : ( ومن الذي يُعد من قريش ، أو من غيرهم ما يعدّه الطالبيون عشرة في نسق ، كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاك فمنهم خلفاء وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا بيوت العجم )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) تهذيب الكمال ، المزي : ج ٥ ص ٧٩ ؛ نشر مؤسسة الرسالة .

(٢) نقلاً عن أسنى المطالب عمّا في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب : ص ٥٥ .

(٣) المصدر نفسه : ص ٥٥ .

(٤) رسائل الجاحظ : ص ١٠٦ .

٢٨

وقال الذهبي في ترجمة مطوّلة للإمام الصادقعليه‌السلام في كتابه تاريخ الإسلام ، قال في آخرها : ( مناقب جعفر كثيرة ، وكان يصلح للخلافة ، لسؤدده وفضله وعمله وشرفه (رضوان الله عليه) )(١) .

وقال أبو عبد الله سلمان اليافعي في كتابه مرآة الجنان ، في أحداث سنة (٤٨ هـ) : ( الإمام السيد الجليل سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة أبو عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام ، ودُفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمد الباقر وجدّه زين العابدين وعمّ جده الحسن بن علي (رضوان الله عليهم أجمعين) ، وأكرم بذلك القبر وما جمع من الأشراف الكرام أُولي المناقب ، وإنّما لقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها ، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله ، وهي خمس مائة رسالة )(٢) .

وقال ابن حجر العسقلاني : ( جعفر بن محمد المعروف بالصادق ، صدوق ، فقيه ، إمام )(٣) .

قال الملا أبو علي القاري في شرح الشفا : ( جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني المعروف بالصادق متفق على إمامته وجلالته وسيادته )(٤) .

وقال محمد بن عبد الرؤوف المناوي القاهري في الكواكب الدريّة :

ـــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات سنة ١٤١ ـ ١٦٠) ، الذهبي : ص ٩٣ .

(٢) مرآة الجنان وعبرة اليقظان : ج ١ ص ٢٣٨ .

(٣) تقريب التهذيب ، ابن حجر : ج ١ ص ١٦٣ .

(٤) شرح الشفا ، أبو علي القاري : ج ١ ص ٤٣ ـ ٤٤ .

٢٩

 ( جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إماماً وله كرامات كبيرة ومكاشفات شهيرة منها أنّه سُعي به عند المنصور ، فلمّا حجّ أحضر الساعي ، وقال للساعي أتحلف ؟ قال : نعم ، فحلف ، فقال : جعفر المنصور حلّفه بما رآه ، فقال : قل برئت من حول الله وقوّته ، والتجأ إلى حولي وقوّتي ، لقد فعل جعفر كذا وكذا ، فامتنع الرجل ، ثم حلف فمات مكانه ، ومنها أنّ بعض الطغاة قتل مولاه فلم يزل يصلّي ، ثم دعا عليه عند السحر فسمعت الضجّة بموته ، ومنها أنّه لمّا بلغه قول الحكم بن عباس الكلبي في عمّه زيد :

صَلَبْنا لكم زيْداً على جِذْعِ نَخْلَةٍ

ولم نرَ مَهْديّاً على الجذْعِ يُصْلَبُ

قال اللّهمّ سلّط عليه كلباً من كلابك ، فافترسه الأسد )(١) .

وقال ابن حجر الهيتمي في صواعقه : ( ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان )(٢) .

الإمام الكاظمعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن إدريس المنذر ، أبو حاتم (ت ٢٧٧ هـ) : ( ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين )(٣) .

وقال الفخر الرازي في بيان معنى الكوثر : ( والقول الثالث : الكوثر

ـــــــــــــ

(١) الكواكب الدريّة : ص ٩٤ .

(٢) الصواعق ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٥ .

(٣) ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء : ج ٦ ص ٢٧٠ .

٣٠

أولاده الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضاعليهم‌السلام )(١) .

وقال ابن حجر الهيتمي قال : ( موسى الكاظم : وهو وارثه [ أي جعفر الصادق ] علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً ، سُمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه ، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله ، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم .

وسأله الرشيد كيف قلتم : إنّا ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنتم أبناء علي ؟ فتلى :( ومِن ذُرّيّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى‏ وَهَارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيّا وَيَحْيَى‏ وَعِيسَى‏ وَإِلْيَاسَ كُلّ مِنَ الصّالِحِينَ ) (٢) ، [وعيسى] ليس له أب ، وأيضاً قال تعالى :( فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٣) ، ولم يدعُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مباهلته النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين (رضي الله عنهم) ، فكان الحسن والحسين هما الأبناء )(٤) .

وقال خير الدين الزركلي (ت ١٣٩٦) : ( كان من سادات بني هاشم ، ومن أعبد أهل زمانه ، وأحد كبار العلماء الأجواد )(٥) .

ـــــــــــــ

(١) التفسير الكبير ، الفخر الرازي : ج ١٦ ص ١٢٥ .

(٢) الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥ .

(٣) آل عمران : ٦١ .

(٤) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨ .

(٥) الأعلام ، خير الدين الزركلي : ج ٧ ص ٣٢١ .

٣١

الإمام الرضاعليه‌السلام :

قال في حقّه ابن حبان (ت ٣٥٤ هـ) : ( وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن ، من سادات أهل البيت وعقلائهم وجلة الهاشميين ونبلائهم وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد ، قد زرته مراراً كثيرة ، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا (صلوات الله على جدّه وعليه) ودعوت الله إزالتها عنّي إلا أستجيب لي وزالت عنّي تلك الشدّة ، وهذا شيء جرّبته (صلّى الله عليه وسلام الله عليه وعليهم أجمعين) )(١) .

وقال الذهبي (ت ٧٤٨ هـ) في سير أعلام النبلاء : (علي الرضا الإمام السيد ، أبو الحسن ، علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين ، الهاشمي العلوي المدني وكان من العلم والدين والسؤدد بمكان ، يقال : أفتى وهو شاب في أيام مالك وقد كان علي الرضا كبير الشأن أهلاً للخلافة )(٢) .

وقال أيضاً : ( علي بن موسى الرضا كبير الشأن ، له علم وبيان ، ووقع في النفوس ، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته )(٣) .

وقال الحاكم النيسابوري في تاريخه : ( كان يفتي في مسجد رسول

ـــــــــــــ

(١) الثقات ، الألباني : ج ٨ ص ٤٥٦ ـ ٤٥٧ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ٩ ص ٣٨٧ ـ ٣٩٢ .

(٣) المصدر نفسه : ج ١٣ ص ١٢١ .

٣٢

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ابن نيّف وعشرين سنة )(١) .

الإمام الجوادعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن طلحة الشافعي : ( عُرف بأبي جعفر الثاني ، وهو وإن كان صغير السن ، فهو كبير القدر رفيع الذكر )(٢) .

وقال ابن الجوزي : ( كان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود )(٣) .

وقال ابن تيمية : ( كان من أعيان بني هاشم معروف بالسخاء والسؤدد ، ولهذا سُمّي الجواد)(٤) .

وقال الذهبي : ( كان من سروات آل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٥) ، وقد أشار إلى فضله وشرفه صلاح الدين الصفدي في مرآة الجنان(٦) .

وقال الذهبي أيضاً : ( محمد الجواد من سادة قومه )(٧) .

وقال ابن الصباغ المالكي : ( وإن كان صغير السن ، فهو كبير القدر رفيع الذكر ، القائم بالإمامة بعد علي بن موسى الرضا )(٨) .

ـــــــــــــ

(١) نقل قوله ابن حجر في تهذيب التهذيب : ج ٧ ص ٣٣٩ .

(٢) مطالب السؤول في مناقب الرسول ، كمال الدين الشافعي : ج ٢ ص ١٤٠ .

(٣) تذكرة الخواص ، السبط ابن الجوزي : ص ٣٢١ .

(٤) منهاج السنّة ، ابن تيمية : ج ٤ ص ٦٨ .

(٥) تاريخ الإسلام: (حوادث ووفيات سنة ٢١١ ـ ٢٢٠) ، الذهبي : ص ٣٥٨ .

(٦) مرآة الجنان ، عبد الله بن أسعد المكي: ج ٢ ص ٦٠ ـ ٦١ .

(٧) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢١ .

(٨) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة ، ابن الصباغ المالكي : ص ٢٥٣ .

٣٣

وقال يوسف بن إسماعيل النبهاني (ت ١٣٥٠ هـ) : ( محمد الجواد بن علي الرضا أحد أكابر الأئمّة ومصابيح الأُمّة من سادات أهل البيت توفّى وله من العمر (٢٥) سنة وشهر رضي الله عليه وعن آبائه الطيبين الطاهرين وأعقابهم أجمعين ونفعنا ببركتهم آمين )(١) .

وقال محمود بن وهيب : ( وهو الوارث لأبيه علماً وفضلاً ، وأجلّ أخوته قدراً وكمالاً )(٢) .

وقال السيد محمد عبد الغفار الهاشمي الأفغاني : ( خاف الملك المعتصم على ذهاب ملكه إلى الإمام محمد الجوادعليه‌السلام إذ كان له قدر عظيم علماً وعملاً )(٣) .

الإمام الهاديعليه‌السلام :

قال في حقّه شمس الدين الذهبي في ( العبر ) : ( وفيها ـ أي سنة ٢٥٤ هجرية ـ توفّي أبو الحسن علي بن الجواد محمد ابن الرضا علي بن الكاظم موسى العلوي الحسيني المعروف بالهادي ، توفّي بسامراء وله أربعون سنة ، وكان فقيهاً إماماً متعبّداً )(٤) . وفي مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجدهعليه‌السلام يستثمر الفرص لإبداء النصح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قال

ـــــــــــــ

(١) جامع كرامات الأولياء : ج١ : ص ١٦٨ ـ ١٦٩ .

(٢) أئمّتنا : محمد علي دخيل : ج ٢ ص ٢٠٦ .

(٣) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ١٢ ص ٤١٧ ، نقلاً عن كتاب أئمّة الهدى : ص ١٣٥ ـ ط ١ القاهرة .

(٤) العبر في أخبار مَن غبر : ج ١ ص ٢٢٨ ؛ وكذا مرآة الجنان وعبرة اليقظان : ج ٢ ص ١١٩ .

٣٤

ابن خلكان في وفيات الأعيان : ( وهو أحد الأئمّة الاثني عشر عند الإمامية ، كان قد سُعي به إلى المتوكل ، وقيل : إنّ في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته ، وأوهموه أنّه يطلب الأمر لنفسه ، فوجّه إليه بعدّة من الأتراك ليلاً ، فهجموا عليه في منزله على غفلة ، فوجدوه وحده في بيت مغلق ، وعليه مدرعة من شعر يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، ليس بينه وبين الأرض بساط إلاّ الرمل والحصى ، فأخذ على الصورة التي وجد عليها ، وحُمل إلى المتوكل في جوف الليل ، فمثُل بين يديه ، والمتوكل يستعمل الشراب وفي يده كأس ، فلمّا رآه أعضمه وأجلسه إلى جنبه ، ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل عنه فناوله المتوكل الكأس الذي كان بيده ، فقال : اعفني ، ما خامر لحمي ودمي قط ، فاعفني منه ، فأعفاه وقال : أنشدني شعراً استحسنه ، فقال : إنّي لقليل الرواية للشعر ، قال : لابد أن تنشدني ، فأنشده :

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم

غلبُ الرجال فما أغنتهم القللُ

واستُنزلوا بعد عز من معاقلهم

فأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخٌ من بعد ما قُبروا

أين الأسرة والتيجان والحللُ

أين الوجوه التي كانت منعمةً

من دونها تُضرب الأستار والكللُ

٣٥

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتلُ

قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا(١)

وبنفس هذا المضمون قال ابن الوردي في كتابه أخبار مَن غبر(٢) ، وكذا أبو صلاح الصفدي(٣) .

وقال ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة : ( قال بعض أهل العلم : فضل أبي الحسن علي بن محمد الهادي قد ضرب على الحرة بابه ، ومدّ على نجوم السماء أطنابه فما تعدّ منقبة إلاّ وإليه نحلتها ، ولا تذكر كريمة إلاّ وله فضيلتها ، ولا تورد محمدة إلاّ وله تفضلها وجملتها فكانت نفسه مهذّبة وأخلاقه مستعذبة وسيرته عادلة وخلاله فاضلة جرى على الوقار والسكون والطمأنينة والعفّة والنزاهة ، والخمول في النباهة على وتيرة نبوية وشنشنة علوية ونفس زكية وهمّة عليّة )(٤) .

وقال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة : ( توفّى [ الجواد ] وعمره خمس وعشرون سنة عن ذكرين وبنتين أجلّهم علي العسكري وكان وارث أبيه علماً وسخاءً )(٥) .

ـــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ، ابن خلكان : ج ٣ ص ٢٣٨ ؛ دار الكتب العلمية .

(٢) العبر في أخبار من غبر: ج ١ ص ٣٦٤ .

(٣) الوافي بالوفيات ، الصفدي : ج ٢٢ ص ٧٢ ـ ٧٣ .

(٤) الفصول المهمّة : ص ٢٧٠ .

(٥) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣١٢ .

٣٦

وقال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب : ( أبو الحسن المعروف بالهادي كان فقيهاً إماماً متعبّداً )(١) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : ( وكذا ولده الملقّب بالهادي شريف جليل )(٢) .

الإمام العسكريعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن طلحة الشافعي : ( اعلم أنّ المنقبة العليا والمزية الكبرى التي خصّه الله عزّ وجلّ بها ، وقلّده فريدها ، ومنحه تقليدها ، وجعلها صفة دائمة لا يبلي الدهر جديدها ، ولا تنسى الألسن تلاوتها وترديدها ، أنّ المهدي محمد من نسله المخلوق منه وولده المنتسب إليه ، وبضعته المنفصلة عنه )(٣) .

وقال ابن الجوزي : (... كان عالماً ثقة )(٤) وقال ابن الصباغ المالكي : ( مناقب سيّدنا أبي محمد العسكري دالة على أنّه السري ابن السري ، فلا يشك في إمامته أحد ولا يمتري واحد زمانه من غير مدافع ، ويسبح وحده من غير منازع ، وسيد أهل عصره ، وإمام أهل دهره ، أقواله سديدة وأفعاله حميدة كاشف الحقائق بنظره الصائب ، ومظهر الدقائق بفكره الثاقب ، المحدّث في سرّه بالأمور الخفيات ، الكريم

ـــــــــــــ

(١) شذرات الذهب ، عماد الحنبلي : ج ٢ ص ٢٧٢ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢١ .

(٣) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ج ٢ ص ١٤٨ .

(٤) تذكرة الخواص : ص ٣٢٤ .

٣٧

الأصل والنفس والذات ، تغمّده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آمين )(١) .

وقال العباس بن نور الدين المكي (ت ١١٨٠ هـ) : ( أبو محمد الإمام الحسن العسكري : نسبه أشهر من القمر ليلة أربعة عشر يعرف هو وأبوه بالعسكري ، وأمّا فضائله فلا يحصرها السن )(٢) .

وعن الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري : ( قال نسبه ولمّا ذاع خبر وفاته ارتجّت سُرّ مَن رأى وقامت صيحة واحدة ، وعطلت الأسواق ، وأغلقت الدكاكين ، وركب بنو هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة وسائر الناس إلى جنازته ، وكانت سرّ مَن رأى يومئذ شبيه بالقيامة )(٣) .

وقال الحضرمي الشافعي : ( أبو محمد الحسن الخالص بن علي العسكري ، كان عظيم الشأن جليل المقدار ووقع له مع المعتمد لما حبسه كرامة ظاهرة مشهورة )(٤)

وقد جمع مدحهمعليهم‌السلام الذهبي في عبارة جامعة حيث قال : ( إنّ بني هاشم أفضل القريش ، وقريشاً أفضل العرب ، والعرب أفضل بني آدم ، كما صحّ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله في الحديث الصحيح :إنّ الله اصطفى بني

ـــــــــــــ

(١) الفصول المهمة : ص ٢٧٩ ؛ وقال بمضمونه نور الدين السمهودي في كتابه الإتحاف بحب الأشراف .

(٢) حياة الإمام العسكري ، القرشي : ص ٦٩ .

(٣) شرح إحقاق الحق : ج ٢٩ ص ٦٠ ـ ٦١ ، نقلاً عن أحسن القصص : ج ٤ ص ٣٠٤ .

(٤) قادتنا كيف نعرفهم ، السيد الميلاني : ج ٧ ص ١١٥ ، عن وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل : ص ٤٢٦ .

٣٨

إسماعيل ، واصطفى كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش )(١) .

وقال الذهبي في ترجمته للإمام المهدي المنتظرعليه‌السلام : ( ومحمد هذا هو الذي يزعمون أنّه الخلف الحجّة ، وأنّه صاحب الزمان ، وأنّه حي لا يموت ، حتى يخرج ، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً .

فوددنا ذلك ، والله .

فمولانا الإمام علي : من الخلفاء الراشدين ، وابناه الحسن والحسين : فسبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك .

وزين العابدين : كبير القدر ، من سادة العلماء العاملين ، يصلح للإمامة .

وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر : سيد ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة .

وكذلك ولده جعفر الصادق : كبير الشأن ، من أئمّة العلم ، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور .

وكان ولده موسى : كبير القدر ، جيد العلم ، أولى بالخلافة من هارون .

وابنه علي بن موسى الرضا : كبير الشأن ، له علم وبيان ، ووقع في النفوس ، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته .

وابنه محمد الجواد : من سادة قومه .

وكذا ولده الملقّب بالهادي : شريف جليل .

وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري رحمهم الله تعالى )(٢) .

ـــــــــــــ

(١) رأس الحسين ، ابن تيمية : ص ٢٠٠ ـ ٢٠١ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ ـ ١٢١ .

٣٩

ومن جميع ما تقدّم يتضح ـ لمَن له أذن واعية ـ بطلان المقولة القائلة بأنّ الإمامة لا فائدة منها ، وأنّ الأئمّة الاثني عشر من آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) لم يمارسوا دورهم القيادي في الحكومة وهداية الأمة ؛ وذلك لقيام الأئمّة بمسؤوليتهم وأداء دورهم في حياة الأمة في الحفاظ على الرسالة ، وتحصينها ضد التردّي والسقوط في الهاوية .

وإنّ إقصاءهم عن تسلّم الحكم لا يعني تخلّيهم عن مسؤوليتهم في تحمّل أعباء الإمامة بما لها من أبعاد أخرى .

تراث زاخر

وأمّا قول المستشكل : أين هي أقوال أئمّة الاثني عشرية ؟

فنقول : ما عليك إلاّ بمراجعة يسيرة للتراث الشيعي حتى تجده زاخراً بروايات وتوصيات وتوجيهات أهل البيتعليهم‌السلام في كل المجالات ، ولم تقتصر الاستفادة منها على شيعتهم وأتباعهم فقط ، وإنّما عمّت الفائدة لكل الطوائف الأخرى ، كما تقدّم .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361