الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية21%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214021 / تحميل: 8507
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

وهذا ما أقرّ به الألباني أيضاً في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، حيث قال : ( فماذا عسى أن يفعل المهدي لو خرج اليوم ، فوجد المسلمين شيعاً وأحزاباً ، وعلمائهم ـ إلاّ القليل منهم ـ اتخذهم الناس رؤوساً ! ، لما استطاع أن يقيم دولة الإسلام إلاّ بعد أن يوحّد كلمتهم ، ويجمعهم في صف واحد ، وتحت راية واحدة ، وهذا بلا شك يحتاج إلى زمن مديد ، الله أعلم به )(١) .

هوية الغيبة

إنّ غيبة الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) تعني خفاء عنوانه غالباً ، وليس اختفاء شخصه عن الأنظار ، وإن كان خفاء المعنون قد يتحقق أيضاً في بعض الأحيان ، كما أشارت إلى ذلك بعض الروايات على ما سيأتي لاحقاً ، ولكي يتضح هذا المعنى يتعيّن التذكير بأنّ الإمامة لطف من الله تعالى ، ولو لا خليفة الله في الأرض لساخت بأهلها .

دوام الإمامة واستمرارها لطف إلهي

لا شك أنّ النبوّة وبعثة الأنبياء من أعظم الألطاف الإلهية في حق البشرية ؛ وذلك من أجل إيصالها إلى كمالها اللائق بها ، وإلى مصالحها والأهداف التي خُلقت من أجلها ، والتي لا يمكن لعقول البشر القاصرة أن تدركها أو تقف على كنهها ، فالنبوّة جاءت في ضمن سياق هداية الله عزّ وجلّ للبشر وتوجيههم الوجهة التي خُلقوا من أجلها .

ومن أعظم تلك الألطاف الإلهية بعثة نبيّنا محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة الخاتمة والدين الإسلامي ، ليظهره على الدين كلّه ، ولو كره المشركون .

وممّا لا ينبغي الشك فيه أيضاً أنّ الإمامة ، وقيادة الأمّة ـ في الجوانب الفكرية والدينية والسياسية ـ بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم استمرار لذلك اللطف الإلهي ، وإتمام لتلك النعمة ؛ وذلك من أجل الإبقاء والحفاظ على روح الإسلام ومعالمه ، وضمان استمرارها ورشدها ونموّها إلى قيام الساعة .

ـــــــــــــ

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : ج ٤ ص ٤٢ .

١٤١

فاستمرار وجود الإمام في كل زمان لطف من الله تعالى من أجل حفظ الدين وصلاحه ورفعته وعِزّته ، وكذلك لأجل الحفاظ على كرامة الأمة الإسلامية ، والإبقاء على هويتها وكيانها ، فهو أمان للأمّة من الهلاك والضلال والغواية ، بل هو أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب ذهب أهل الأرض ، ولولاه لساحت الأرض وماجت بأهلها ، وقد أكّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تلك الحقيقة الخطيرة والمحورية في حياة الأمة عندما قال :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض ) (١) ، وقد أمرنا بالتمسّك بهم في حديث الثقلين ، وأنبأ عن عدم افتراقهم عن القرآن الكريم ، حتى يردا عليه الحوض ، ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ) (٢) .

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ؛ ذخائر العقبى ، محب الدين الطبري : ص ١٧ ؛ وانظر المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ٤٥٧ ج ٢ ص ٤٨٨ ، حيث قال في ذيل الحديث : ( صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) .

(٢) صحيح مسلم ، مسلم : ج ٧ ص ١٢٣ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٤ ص ٣٦٧ ؛ سنن الدارمي ، الدارمي : ج ٢ ص ٤٣٢ ؛ سنن البيهقي ، البيهقي : ج ٢ ص ١٤٨ ؛ وغيرها من المصادر .

١٤٢

لو لا الحجّة لساخت الأرض بأهلها

إذن فالحجّة باقية ومستمرّة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يوم القيامة ، ولو لا تلك الحجّة التي نصبها من بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ بأمر من الله عزّ وجلّ ـ لساخت الأرض بأهلها ، وقد تواتر هذا المضمون عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ألسنة مختلفة من الروايات ، منها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( النجوم أمان لأهل السماء ، فإذا ذهبت النجوم أتى أهل السماء ما يوعدون ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي أتى أهل الأرض ما يوعدون ) (١) .

مضافاً إلى تأكيد أهل البيتعليهم‌السلام على هذه الحقيقة ، كقول أمير المؤمنين عليعليه‌السلام :( اللّهمّ وإنّك لا تخلي الأرض من قائم بحجّة ؛ إمّا ظاهر مشهور ، أو خائف مغمور ، لئلاّ تبطل حجج الله ، وبيّناته ) (٢) .

وكذا ما أخرجه القندوزي الحنفي ، عن الحموي المصري في كتابه ( فرائد السمطين ) عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ، عن جدّه علي بن الحسينعليه‌السلام قال :( نحن أئمّة المسلمين ، وحجج الله على العالمين ، وقادة الغرّ المحجّلين ، ونحن أمان لأهل الأرض ، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء ، وبنا يمسك السماء أن تقع على الأرض إلاّ بإذنه ، وبنا ينزّل الله الغيث ، وتنشر الرحمة ، وتخرج بركات الأرض ، ولولا ما على الأرض منّا لساخت بأهلها .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٢ ص ٤٤٨ ، قال الحاكم : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٠ ص ٢٠ ؛ وانظر الجامع الصغير ، السيوطي : ج ٢ : ص ٦٨٠ ، وانظر فيض القدير ، المناوي : ج ٦ ص ٣٨٧ ؛ وقال المناوي : ( لكن تعدّد طرقه ربّما يصيّره حسناً ) ؛ النزاع والتخاصم ، المقريزي ص ١٣٢ ، مع اختلاف في اللفظ .

(٢) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٥٠ ص ٢٥٥ ، تاريخ اليعقوبي ، اليعقوبي : ج ٢ ص ٢٠٦ ؛ وقريب منه في تذكرة الحفّاظ ، الذهبي : ج ١ ص ١٢ ، نزهة الناظر وتنبيه الخاطر ، الحلواني : ص ٥٧ ، كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٠ ص ٢٦٣ ، ( أخرجها عن ابن الأنباري في المصاحف ، والمرهبي في العلم ونصر في الحجّة ) ، المعيار والموازنة ، أبو جعفر الإسكافي : ص ٨١ ، مناقب أمير المؤمنين : محمد بن سليمان القاضي : ج ٢ ص ٢٧٥ ، دستور معالم الحكم : ابن سلامة : ص ٨٤ ، وقريب منه في ينابيع المودّة : القندوزي الحنفي : ج ١ ص ٧٥ .

١٤٣

ثم قال :ولم تخل الأرض منذ خلق الله الأرض من حجّة فيها ؛ إمّا ظاهر مشهور ، أو غائب مستور ، ولا تخلو الأرض إلى أن تقوم الساعة من حجة فيها ، ولو لا ذلك لم يعبد الله ) (١) .

قال سليمان الأعمش : فقلت ، لجعفر الصادقعليه‌السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجّة الغائب المستور ؟ قال :( كما ينتفعون بالشمس إذا سترها سحاب ) (٢) ، فنجد أنّ الإمام زين العابدينعليه‌السلام يشير بقوله هذا إلى ما ذكره جدّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بقوله :( في كل خلوف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا بمَن توفدون ) (٣) ، وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم المتقدم :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض ) (٤) وأولئك العدول من أهل بيته ـ الذين هم أمان لأهل الأرض ـ هم الاثنا عشر خليفة الذين نصبهم خلفاء من بعده ، وجعلهم قيّمين على هذا الدين ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٧٥ وج ٣ ص ٣٦٠ ـ ٣٦١ .

(٢) المصدر نفسه : ج ١ ص ٧٦ ج ٣ ص ٣٦١ .

(٣) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي ، باب الأمان ببقائهم : ص ٣٥٢ ؛ ذخائر العقبى ، محب الدين الطبري : ص ١٧ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ١١٤ .

(٤) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم : ج ٢ ص ٤٤٨ ؛ قال فيه : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ، ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ ، ونحوه النزاع والتخاصم ، المقريزي : ص ١٣٢ .

١٤٤

في حقّهم :( إذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ) (١) .

إذن ، لابد في كل زمان من إمام عادل ، معصوم ، لا يفترق عن القرآن ، من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يكون أماناً لأهل الأرض ، به تتحقق عزّة الإسلام وصلاح الأمّة .

الغيبة لطف إلهي

أمّا في زماننا هذا ، فإنّ الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) من أهل البيت هو خليفة الله في أرضه ، كما هو واضح من الروايات المستفيضة عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، منها قوله : ( فإنّ فيها خليفة الله المهدي )(٢) ؛ ولذا نجد المناوي في كتابه ( فيض القدير ) في ذيل هذه الرواية يشير إلى أنّ الإمام المهدي هو الإنسان الكامل ، وهو خليفة الله في أرضه ، حيث قال : ( فإن قلت ما حكمة إضافته إلى الله ، وهلاّ قال الخليفة ؟ قلت : هو إشارة إلى أنّه إنسان كامل قد تجلّى عن الرذائل ، وتحلّى بالفضائل ، ومحل الاجتهاد والفتوّة ، بحيث لم يفته إلاّ مقام النبوّة )(٣) .

إلاّ أنّ الأمر المهم الذي ينبغي الالتفات إليه ، هو أنّهعليه‌السلام غائب مستور ، إذ إنّ الإمام المهديعليه‌السلام يمتاز عن بقيّة آبائهعليهم‌السلام بخصوصية إضافية ، وهي أنّ الإرادة الإلهية شاءت أن يقام العدل في هذه الأرض على يده المباركة ، وشاءت أيضاً أن لا يكون قيام العدل إلاّ في ضمن الشروط الطبيعية ، لا بالطريق الإعجازي ـ كما تقدّم ـ وحيث إنّ شرائط الظهور وإقامة العدل ـ من طرقها الطبيعية التي أرادها الله تعالى لها ـ غير متوفّرة إلى يومنا الحاضر ، فلا بد من استمرار الغيبة ، والخفاء حتى توفّر شرائط الظهور ويأذن الله عزّ وجلّ بالظهور ، هذا من جهة .

ـــــــــــــ

(١) كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٢ ص ٣٤ ، المعجم الكبير : الطبراني : ج ٢ ص ١٩٦ ( بألفاظ أخرى ) .

(٢) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل ، ج ٥ ص ٢٧٧ ، ونحوه في المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٤ ص ٤٦٤ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ١٠٠ ح ٦٤٨ .

(٣) فيض القدير شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج ١ ص ٤٦٦ ح ٦٤٨ .

١٤٥

ومن جهة أخرى إنّ وجود الإمام المهديعليه‌السلام ظاهراً بين الناس يجعله عرضة للقتل ـ كما سيأتي ـ ومن هنا كانت الغيبة للإمام ، وحفظه من كيد الأعداء ، لطفاً من الله تعالى بعباده ، من أجل تحقيق الهدف الإلهي وثمرة الأديان بإقامة العدل والقسط في الأرض ، كما قال الله تعالى :( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ ) (١) .

وممّا تقدّم يتبين أنّ غيبة الإمام والحجّة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) إنّما هي حالة استثنائية في حياة البشرية ، وبالخصوص في حياة الأُمّة الإسلامية ـ لأنّ الحالة الطبيعية هي وجوده بين أشياعه وأتباعه يتعاطى معهم بشكل معلن ومباشر ـ وذلك من أجل الحفاظ عليه ، وادّخاره لذلك اليوم الموعود .

حقيقة الغيبة : خفاء الهوية والعنوان لإخفاء الشخصية

لا شك أنّ الحالات الاستثنائية يقتصر فيها على ما ترتفع به الضرورة ، وحيث إنّ الضرورة هي احتجابهعليه‌السلام عن الناس ، بما يوجب نجاته والمحافظة عليه من براثن الظلم والعدوان ، فمقدار الغيبة حينئذ يقتصر فيه على خفاء العنوان ، واستتار الهوية ليس أكثر ، وإن كانت الضرورة قد تقتضي خفاء المعنون أيضاً على ما أشارت إليه بعض الروايات ؛ لأنّ هذا المقدار من الغيبة كافٍ لرفع حالة الاستثناء ، فهو (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) موجود بشخصه الكريم في وسط الناس ، وليست غيبته باختفاء جسمه عن الأنظار ، كاختفاء الجن ، أو الملائكة أو غير ذلك ، بل إنّ الناس يرون الإمام المهديعليه‌السلام بشخصه المبارك ، ولكن من دون أن يكونوا عارفين له أو ملتفتين إلى حقيقته وشخصه وهويته ، وهذا ما نصّت عليه جملة من الروايات :

ـــــــــــــ

(١) الحديد : ٢٥ .

١٤٦

منها : ما ورد عن الإمام عليعليه‌السلام ، حيث قال :( إذا غاب المتغيّب من ولدي عن عيون الناس ، وماج الناس بفقده ، أو بقتله ، أو بموته ، اطلعت الفتنة ، ونزلت البليّة فو ربّ عليّ إنّ حجّتها عليها قائمة ، ماشية في طرقها ، داخلة في دورها وقصورها ، جوّالة في شرق هذه الأرض وغربها ، تسمع الكلام ، وتسلّم على الجماعة ، ترى ولا تُرى ، إلى الوقت والوعد ، ونداء المنادي من السماء ، ألا ذلك يوم فيه سرور ولد عليّ وشيعته ) (١) وهذه الرواية أكّدت على خفاء العنوان كما هو واضح وإن أشارت في الأثناء إلى خفاء العنوان والمعنون معاً أيضاً في بعض الأحيان .

ومنها : ما جاء عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، حيث قال: ( فما تنكر هذه الأمّة أن يكون الله يفعل بحجّته ما فعل بيوسف ، وأن يكون صاحبكم المظلوم ، المجحود حقّه ، صاحب الأمر يتردّد بينهم ، ويمشي في أسواقهم ، ويطأ فرشهم ، ولا يعرفونه ، حتى يأذن الله له أن يعرفهم نفسه ، كما أذن ليوسف ، حين قال له إخوته :( أَءِنّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ ) (٢) ،(٣) .

ـــــــــــــ

(١) الغيبة : محمد بن إبراهيم النعماني : ص ١٤٣ .

(٢) يوسف : ٩٠ .

(٣) الغيبة ، النعماني : ص ١٦٤ .

١٤٧

ومنها : ما جاء أيضاً عن الإمام الصادقعليه‌السلام ، قال :( في القائم سنّة من موسى ، وسنّة من يوسف ، وسنّة من عيسى ، وسنّة من محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأمّا سنّة يوسف فإنّ إخوته كانوا يبايعونه ، ويخاطبونه ، ولا يعرفونه ) (١) .

وفي رواية أخرى :( وسنّة من يوسف بالستر ، يجعل الله سبحانه بينه وبين الخلق حجاباً يرونه ، ولا يعرفونه ) (٢) .

ومنها : ما ورد كذلك عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :( يفقد الناس إمامهم ، وإنّه يشهد الموسم ، فيراهم ولا يرونه ) (٣) والمراد من عدم الرؤية عدم معرفته (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) بشخصه وعنوانه ، بقرينة ما يأتي وما تقدّم من الروايات .

ومنها : قول محمد بن عثمان العمري ، وهو أحد سفراء ووكلاء الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في غيبته الصغرى : ( والله إنّ صاحب هذا الأمر ليحضر الموسم كل سنة ، يرى الناس ويعرفهم ، ويرونه ولا يعرفونه )(٤) .

ما الفائدة من الإمام الغائب ؟

بعد الوقوف على حقيقة وهوية الغيبة ، وأنّها ليست إلاّ استتار العنوان فقط وإن كان استتار المعنون قد يحصل أيضاً كما أشارت إلى ذلك بعض الروايات ، وهو ما يقع لأجل تقدير بعض الظروف والضرورات المقتضية لذلك ، يتضح أنّ الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) حاضر بوجوده المبارك بين

ـــــــــــــ

(١) كمال الدين ، الصدوق : ص ٢٨ .

(٢) المصدر نفسه : ص ٣٥١ ؛ الخرائج والجرائح ، قطب الدين الراوندي : ج ٢ ص ٩٣٧ .

(٣) أصول الكافي ، الكليني : ج ١ ص ٣٣٨ .

(٤) مَن لا يحضره الفقيه ، الصدوق : ج ٢ ص ٥٢٠ ؛ كمال الدين وتمام النعمة ، الصدوق : ص ٤٤٠ ؛ الغيبة ، الطوسي : ص ٣٦٤ .

١٤٨

الناس ، ولكن ـ بعد أن أثبتنا ضرورة وجوده (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ـ قد لا يمكننا أن نشعر أو نحيط بفوائد وجوده المبارك ، كما أشار إلى ذلك الرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما سأله جابر بن عبد الله الأنصاري عن فائدة الإمام في غيبته ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( والذي بعثني بالحق إنّهم ليستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها سحاب ) (١) .

ويمكن الإشارة في هذا المجال إلى بعض وجوه الانتفاع منه (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في غيبته ، وما يقوم به من أعمال وأدوار ، نذكرها على سبيل الإجمال والاختصار :

إدارة الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في زمن الغيبة

قد تقدّم آنفاً ضرورة وجود الحجّة من أهل البيتعليهم‌السلام ، واستمراره إلى قيام الساعة ، ولولاه لساخت الأرض بأهلها ، ونضيف إلى ذلك القول : بأنّ الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) يمارس أدواره التي لا تتقاطع مع غيبته ، فهوعليهم‌السلام يمارس دوره الاجتماعي والسياسي بالمباشرة ، أو بتوسّط مجموعة من رجال الغيب الذين يُصطلح عليهم بالأبدال ، والسيّاح الذين يديرون حكومته الخفيّة ، ويتصرفون في مقادير الأُمّة ، بل البشرية جمعاء ، من أجل درئها عن الانحراف ، وحفظها عن الزيغ والضلال ، والوقوع في الهاوية ، وهذا ما تشير إليه الروايات الواردة من طرق الفريقين :

١ – قال السيوطي في ( الدرّ المنثور ) : ( وأخرج الطبراني في الأوسط بسند حسن ، عن أنس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لن تخلو الأرض من أربعين رجلاً ، مثل خليل الرحمان ، فبهم تسقون وبهم تنصرون ، ما مات منهم أحد إلاّ أبدل الله مكانه آخر ) .

ـــــــــــــ

(١) كشف الغمّة ، الإربلي : ج ٢ ص ٣١٥ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٢٣٩ .

١٤٩

وأخرج الطبراني في الكبير عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله (ص) :الأبدال في أُمّتي ثلاثون ، بهم تقوم الأرض ، وبهم تُمطرون وبهم تُنصرون .

وأخرج أحمد في ( الزهد ) والخلال في ( كرامات الأولياء ) بسند صحيح عن ابن عباس قال : ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض ...

وأخرج ابن جرير عن شهر بن حوشب قال : لم تبق الأرض إلاّ وفيها أربعة عشر ، يدفع الله بهم عن أهل الأرض ، ويخرج بركتها إلاّ زمن إبراهيم فإنّه كان وحده .

وأخرج أحمد في الزهد عن كعب قال : لم يزل بعد نوح في الأرض أربعة عشر يدفع الله بهم العذاب .

وأخرج الخلال في كرامات الأولياء عن زاذان قال : ما خلت الأرض بعد نوح من اثني عشر فصاعداً يدفع الله بهم عن أهل الأرض(١) .

٢ ـ ما أخرجه الهيثمي ، عن عبادة بن الصامت ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أنّه قال :( الأبدال في هذه الأمة ثلاثون ، مثل خليل الرحمان عزّ وجلّ ، كلّما مات رجل أبدل الله تعالى مكانه رجل ) (٢) ، قال الهيثمي : رواه أحمد ، ورجاله رجال الصحيح ، غير عبد الواحد بن قيس ، وقد وثّقه العجلي ، وأبو زرعة(٣) .

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ١ ص ٧٦٥ ـ ٧٦٦ .

(٢) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ١٠ ص ٦٢ ؛ عون المعبود ، العظيم آبادي : ح ٧ ص ١٥١ ج ١١ ص ٢٥٣ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٢ ص ١٨٦ .

(٣) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ١٠ ص ٦٢ .

١٥٠

٣ ـ وعن عبادة بن الصامت أيضاً ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لا يزال في أُمّتي ثلاثون ، بهم تقوم الأرض ، وبهم تُمطرون ، وبهم تُنصرون ) (١) ، قال الهيثمي : رواه الطبراني في الأوسط ، وإسناده حسن(٢) ، وقد صحّحه العزيزي ، والمناوي ، في شرحيهما على الجامع الصغير للسيوطي(٣) .

وقال المناوي في فيض القدير : ( وهذه الأخبار وإن فُرض ضعفها جميعها ، لكن لا ينكر تقوي الحديث الضعيف بكثرة طرقه وتعدّد مخرّجيه ، إلاّ جاهل بالصناعة الحديثية ، أو معاند متعصّب ، والظن به ـ أي بابن تيمية ـ أنّه من قبيل الثاني )(٤) .

ثم إنّ أولئك الأبدال مستترون عن أعين الناس ، كما نصّ على ذلك الغزالي ، حيث قال : ( إنّما استتر الأبدال عن أعين الناس والجمهور ؛ لأنّهم لا يطيقون النظر إلى علماء الوقت ؛ لأنّهم جهّال بالله ، وهم عند أنفسهم ، وعند الجهلاء علماء )(٥) .

وبعض من الأبدال من أصحاب الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ، يخرجون معه حين يخرج ، كما أخرج ذلك نعيم بن حمّاد المروزي في ( كتاب الفتن ) عن عليّعليه‌السلام قال : ( إذا سمع العائذ الذي بمكّة بالخسف خرج مع اثني عشر ألفاً ، فيهم الأبدال )(٦) .

ـــــــــــــ

(١) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ١٠ ص ٦٢ ـ ٦٣ ؛ عون المعبود ، العظيم آبادي : ج ٨ ص ١٥١ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج ٣ ص ٢١٧ .

(٢) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ١٠ ص ٦٢ ـ ٦٣ .

(٣) نقلاً عن عون المعبود : ج ٨ ص ١٥٢ .

(٤) فيض القدير ، المناوي : ج ٣ ص ٢٢٠ .

(٥) نقلاً عن فيض القدير : ج ٣ ص ٢٢٠ .

(٦) كتاب الفتن ، المروزي : ص ٢١٥ .

١٥١

إذن فهناك أوتاد وأبدال ، على درجة عالية من الإيمان والإخلاص والتضحية في سبيل الإسلام ، مستترون عن أعين الناس بخفاء عنوانهم الذي هم عليه ، يقومون بإنجاز أدوار مهمّة في الأمّة ، وقد ذكرت بعضها الروايات ـ كما تقدم ـ فلا غرابة حينئذٍ أن يستعين بهم الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في إدارة حكومته المستترة أثناء غيبته ، لا سيّما وأنّ الروايات ذكرت أنّ بعضهم من أنصاره (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) عند ظهوره ، لإقامة دولة العدل والقسط .

ولا يخفى أنّ الإدارة الخفيّة أقوى وأشد تأثيراً في الواقع من الإدارة الظاهرة ، كما هو الحال في ما نشاهده اليوم من التحكّم بمقادير الأمور ، وإدارة العالم بواسطة أجهزة المخابرات التي تعمل خلف الكواليس ، وكذا ما في السياسات الماليّة الخفيّة ، كالبنك الدولي الذي بيده مقادير سياسة العالم الاقتصادية ، ولكن بصورة مبطّنة غير معلنة .

وجه التشابه بين الخضرعليه‌السلام والإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف)

وقد ضرب الله تعالى مَثَلاً لنا في قصة الخضرعليه‌السلام مثلاً لما يقوم به الإمام المهديعليهم‌السلام ، حيث استعرض القرآن الكريم هذه القصة في وسط سورة الكهف ، هذا مع علمنا بأنّ القرآن الكريم لم يكن هدفه من طرح هذه القصة تسطير الحكايات الخياليّة التي لا واقع لها ـ والعياذ بالله ـ فالقرآن الكريم منزّه عن ذلك .

١٥٢

قصّة الخضر

قال تعالى :( فَوَجَدَا عَبْداً مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلّمْنَاهُ مِن لّدُنّا عِلْماً * قَالَ لَهُ مُوسَى‏ هَلْ أَتّبِعُكَ عَلَى‏ أَن تُعَلّمَنِ مِمّا عُلّمْتَ رُشْداً * قَالَ إِنّكَ لَن تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْراً * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى‏ مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ) (١) .

فقد أمر الله عزّ وجلّ نبيّه موسىعليه‌السلام بالذهاب إلى الخضرعليه‌السلام المتخفّي المستتر ، حيث لم يكن أحد يعلم بمكانه إلاّ الله وموسى ، بعد أن أعلمه الله تعالى بمحلّ تواجده ؛ وذلك للتعلّم والأخذ منه ، والاطلاع على معالم الإدارة الإلهية الخفية ، التي تدار بعيداً عن أعين الناس ، فالخضرعليه‌السلام مع كونه متستراً ، كما نقل ذلك النووي عن الثعلبي ، قوله : ( الخضر نبيّ معمّر على جميع الأقوال ، محجوب عن الأبصار ، يعني عن أبصار أكثر الناس )(٢) .

فهوعليه‌السلام منتدب من الله تبارك وتعالى لإنجاز الأوامر الإلهيّة ، يعمل ضمن مجموعة خاصّة من البشر ، لا يعلمها أحد من عامة الناس ، وهم أوتاد الأرض وأبدالها كما تقدم ذكرهم ، وكما تصرّح بذلك الآية المباركة ، حيث جاء فيها قوله عزّ وجلّ :( عبداً مّن عبادنا ) .

ثم إنّ الخضرعليه‌السلام بنفسه قد صرّح لموسىعليه‌السلام بأنّ كل ما فعله لم يكن عن أمره ، وإنّما هو بأمر من الله تعالى ، حيث قال :( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عّلَيْهِ صَبْراً ) (٣) .

إذن هذه السورة المباركة تشير إلى وجود منظومة ومجموعة من البشر على وجه الأرض ، هم عباد الله ، اختصهم لنفسه ، يقومون بإنجاز المهامّ الإلهية الخطيرة والمحورية التي لها الأثر البالغ والمهم على مسار البشرية ،

ـــــــــــــ

(١) الكهف : ٦٥ ـ ٦٨ .

(٢) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٥ ص ١٣٦ .

(٣) الكهف : ٨٢ .

١٥٣

ولم يحظ موسىعليه‌السلام من ذلك ، إلاّ بعد عدّة وقائع ، استعرضها القرآن الكريم ، ولم يصبر على تلقّي المزيد من تلك الأدوار والمهام ؛ ولذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( رحمة الله علينا ، وعلى موسى ، لو لبث مع صاحبه لأبصر العجب ) (١) .

فكان الخضرعليه‌السلام ، ومجموعة من عباد الله الصالحين يديرون هذا العالم بطور وطراز آخر ، على غير ما هو المألوف عندنا ، بحسب الأسباب الظاهرة والإدارة المعلنة ، وهذا ما صرّح به الكثير من المفسّرين ، كالمراغي في تفسيره تبعاً للفخر الرازي وغيره ، حيث قال : ( وأحكام هذا العالم مبنية على الأسباب الحقيقية الواقعة في نفس الأمر ، وهذه لا يطلع الله عليها إلاّ بعض خواصّ عباده )(٢) .

ثم إنّ السورة المباركة تستعرض في هذه القصّة ثلاث قضايا مهمّة وأساسية في الحياة البشرية مارسها الخضرعليه‌السلام .

الأُولى : وهي قضية سفينة المساكين التي خرقها الخضرعليه‌السلام حتى لا يغصبها الملك ، قال تعالى :( أَمّا السّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدتّ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُم ملِكٌ يَأْخُذُ كُلّ سَفِينَةٍ غَصْباً ) (٣) .

فلو صادرها الملك لأثّر ذلك سلباً على معيشة أولئك المساكين ، حيث كانت السفينة مصدر رزقهم ؛ لذا قال الفخر الرازي في تفسيره : ( إنّ تلك

ـــــــــــــ

(١) جامع البيان ، ابن جرير الطبري : ج ١٥ : ص ٣٥٦ ؛ السنن الكبرى ، النسائي : ج ٦ : ص ٣٩١ ؛ تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ج ٦ ص ٣٩٧ ؛ تفسير القرآن العظيم : ابن كثير : ج ٣ ص ١٠٣ .

(٢) تفسير المراغي ، المراغي : ج ٦ ص ٦ ، وكذا انظر : تفسير الفخر الرازي : ج ١١ ص ١٦٠ .

(٣) الكهف : ٧٩ .

١٥٤

السفينة كانت لأقوام محتاجين ، متعيّشين بها في البحر ، والله تعالى سمّاهم مساكين )(١) .

وقال المراغي في تفسيره ، حكاية عن الخضرعليه‌السلام : ( أما فعلي ما فعلته بالسفينة ، فلأنّها كانت لقوم ضعفاء ، لا يقدرون على دفع الظلمة ، وكانوا يؤاجرونها ويكتسبون قوتهم منها وخلاصة ذلك : إنّ السفينة كانت لقوم مساكين عجزة ، يكتسبون بها ، فأردت بما فعلت إعانتهم على ما يخافون ، ويعجزون عن دفعه ، من غصب ملك قدّامهم ، من عادته غصب السفن الصالحة )(٢) .

الثانية : قصّة الغلام ، وأنّه لو بقي حيّاً لكان في ذلك مفسدة لوالديه ، في دينهما ودنياهما ، و( لو بقي كان فيه بوارهما ، واستئصالهما )(٣) ، بل قد جاء في روايات الفريقين : أنّ الله تعالى أبدل أبويه ـ رحمة بهما ـ بجارية ولدت سبعين نبيّاً ، فالسنّة الإلهية اقتضت أن لا يُرزقا تلك الجارية المباركة ، إلاّ بعد فقدانهم ذلك الغلام .

ولا يخفى ما في الدور الكبير لوجود سبعين نبياً في حياة البشر ، وهدايتهم ورقيّهم ، كما نصّت على ذلك بعض الروايات ، فقد أخرج ابن حجر ، عن تفسير ابن الكلبي : ( ولدت [ أم الغلام ] جارية ، ولدت عدّة أنبياء ، فهدى الله بهم أمماً ، وقيل : عدّة مَن جاء من ولدها من الأنبياء سبعون نبيّاً )(٤) .

الثالثة : قصة إصلاح الخضرعليه‌السلام للجدار ؛ لأنّه لو انهار ذلك الجدار لضاع

ـــــــــــــ

(١) تفسير الرازي ، الفخر الرازي : ج ١١ ص ١٦١ .

(٢) تفسير المراغي ، المراغي : ج ٦ ص ٧ .

(٣) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٥ ص ٤٢٩ .

(٤) فتح الباري ، ابن حجر : ج ٨ ص ٣٢٠ ؛ ونحوه تفسير القرطبي : ج ١١ ص ٣٧ ؛ وانظر فتح القدير ، الشوكاني ، ج ٣ ص ٣٠٦ .

١٥٥

مال اليتيمين اللذين كان أبوهما صالحاً ، كما في قوله تعالى :( وَأَمّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلاَمَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبّكَ أَن يَبْلُغَا أَشُدّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِن رّبّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عّلَيْهِ صَبْراً ) (١) .

خصائص الحكم الإلهي

لا يخفى أنّ العبر والمعطيات التي ضمّنها الله تعالى في قصة الخضرعليه‌السلام كثيرة ومهمّة جدّاً ، ولكن نستعرض منها ما يتعلّق ببحثنا وموضوعنا ، وهي كالآتي :

١ ـ دوام الحاكمية الإلهية

إنّ حاكمية الله تعالى في الأرض لا تنقطع أبداً إلى يوم القيامة ، والذي يقوم بأداء وتنفيذ حكم الله في الأرض هو خليفته في أرضه ، فخليفة الله هو الواسطة المباشرة لإجراء حاكميته تعالى .

وقد جاء ذلك في قوله عزّوجلّ :( إِنّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ) (٢) سواء كان ذلك الخليفة رسولاً أم نبيّاً أم وليّاً ووصيّاً من الأوصياء .

وقال تعالى أيضاً :( إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ للهِ ) (٣) .

وقال عزّ وجلّ :( إِنّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنَا ) (٤) .

ـــــــــــــ

(١) الكهف : ٨٢ .

(٢) البقرة : ٣٠ .

(٣) يوسف : ٤٠ .

(٤) النور : ٥١ .

١٥٦

وقال تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) .

فحاكمية الله تعالى ـ التي لا تقتصر على سلطته في التشريع فقط ، بل يداه مبسوطتان في كل المجالات القضائية والسياسية والاقتصادية ـ يجريها على أيدي خلفائه من الرسل والأنبياء والأولياء والأوصياء .

هذا وقد أرشدنا الله عزّ وجلّ في قرآنه الكريم إلى خلفائه الذين جعلهم أئمّة وقادة للبشرية جمعاء ، ابتداءً من آدمعليه‌السلام أبي البشر ، وأوّل خليفة لله على أرضه ، ومروراً بنوح وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسىعليهم‌السلام ، وانتهاء برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم الأنبياء ، وأوصيائهعليهم‌السلام الهداة المهديين ، حيث قال تبارك وتعالى :

( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (٢) .

( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ ) (٣) .

( وَنُرِيدُ أَن نمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٤) .

( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٥) .

ومن حصيلة هذه النصوص القرآنية وغيرها ممّا يشاركها في المضمون ؛ يتضح أنّ الله عزّ وجلّ قد جعل خلفاء له في الأرض ، ينفّذون حاكميته في الأرض ، ويمثّلون مظهراً وتجلياً لسلطنته على الخلق .

ـــــــــــــ

(١) النساء : ٥٩ .

(٢) السجدة : ٢٤ .

(٣) الأنبياء : ٧٣ .

(٤) القصص : ٥ .

(٥) البقرة : ١٢٤ .

١٥٧

٢ ـ شمولية الحاكمية الإلهية

ثم إنّ الحاكمية لله تعالى شاملة لكل المجالات ، ولجميع الأمور مهما كان حجمها ، وهذا ما نلمسه واضحاً من النصوص القرآنية ، حيث نجد أن الله تبارك وتعالى هو الحاكم في جميع الأمور ، وكان النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يَا أَيّهَا النّبِيّ قُل لِمَن فِي أَيْدِيكُم مِنَ الأَسْرَى‏ إِن يَعْلَمِ اللهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرَاً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِر لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (١) .

وقوله :( يَا أَيّهَا النّبِيّ جَاهِدِ الْكُفّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) (٢) .

وقوله :( يَا أَيّهَا النّبِيّ حَرّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ) (٣) .

وقوله :( يَا أَيّهَا النّبِيّ قُل لأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتّعْكُنّ وَأُسَرّحْكُنّ سَرَاحاً جَمِيلاً ) (٤) .

وقوله :( يَا أَيّهَا النّبِيّ لِمَ تُحَرّمُ مَا أَحَلّ اللهُ لَكَ ) (٥) .

وقوله :( يَا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ

ـــــــــــــ

(١) الأنفال : ٧٠ .

(٢) التوبة : ٧٣ .

(٣) الأنفال : ٦٥ .

(٤) الأحزاب : ٢٨ .

(٥) التحريم : ١ .

١٥٨

وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (١) .

وقوله تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ ) (٢) .

وقوله تعالى :( فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٣) .

وقوله تعالى :( وَإِن جَنَحُوا لِلسّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكّلْ عَلَى اللهِ إِنّهُ هُوَ الْسّمِيعُ الْعَلِيمُ ) (٤) .

وغيرها من النصوص القرآنية الأخرى .

وقد خاطب الله تعالى نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في القرآن الكريم بـ ( قل كذا ) و ( قل كذا ) في أكثر من ( ٣٥٠) مورداً ، وكانت الأوامر الإلهية تنزل على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في كل صغيرة وكبيرة ، بدءاً من بيته وشؤونه الخاصة ، ومروراً بقضايا الحكومة والدولة وإدارة شؤون المسلمين ومسائل الحرب وقضايا الجهاد وغيرها ، فلا يُعقل أنّ هذه الحاكمية الحيّة والفعّالة من قِبل الله تعالى تجاه قضايا الإسلام والمسلمين والتي تجري وتُنفّذ عن طريق خليفته المعصوم عن الخطأ ، وهو رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، تنقطع بين ليلة وضحاها ، ويوكل الأمر إلى عامّة المسلمين ، الذين يجهلون أبسط المسائل الفقهية ، فضلاً عن غيرها من القضايا المهمّة في حياة المسلمين ، والبشرية بصورة عامة .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٦٧ .

(٢) النحل : ٤٤ .

(٣) آل عمران : ٦١ .

(٤) الأنفال : ٦١ .

١٥٩

إذن لابد من وجود مَن ينفّذ حاكميته تعالى بعد رسوله الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك هو الخليفة الحقّ الذي يحمل مزايا الأنبياء والأوصياء والرسل ؛ ليكون قادراً على تحمل الأمانة ، وتنفيذ تلك الحاكمية بالنحو الذي أراده الله عزّ وجلّ ، منذ بدء الخلق إلى قيام الساعة ، وقد نصب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بأمر من الله تعالى ذلك الخليفة من بعده ، وهم أهل بيته ، عليّ وبنوهعليهم‌السلام ، وهم الخلفاء الاثنا عشر ، كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، إذا ذهبوا ماجت الأرض بأهلها .

ثم إنّ هذا المعنى من الحاكمية المستمرة لله تعالى في الأرض يلتقي مع مقولة الخضر لموسىعليه‌السلام :( وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ) (١) ، أي أنّ هذه الأفعال التي قمت بها ليست بمحض إرادتي ، بل هي بأمر من الله تعالى ، وإجراء لحاكميته .

وعلى هذا الأساس نقول : إنّ خليفة الله في الأرض ، القائم بهذا الدور في هذا العصر ، هو الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ، فهو الذي يقوم بتنفيذ أوامر الله سبحانه وتعالى ، ولكن في الخفاء ، لأجل الحكمة والأسباب التي اقتضت ذلك ، إلى أن يأتي أمر الله سبحانه بالظهور ، وإقامة دولة العدل والقسط ، فيكون الحق معلناً ، والباطل ضامراً خاسئاً .

وقد جاء ذكر ذلك الدور الفاعل للإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في عصر الغيبة في كثير من الروايات على لسانهعليه‌السلام ، منها قولهعليه‌السلام :( فإنّا نحيط علماً

ـــــــــــــ

(١) الكهف : ٨٢ .

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

أو عنه من اصل التركة.

(السادسة): من جعل دابته أو جاريته هديا لبيت الله بيع ذلك وصرف ثمنه في معونة الحاج والزائرين.

(السابعة): روى اسحاق بن عمار عن أبي ابراهيمعليه‌السلام في رجل كانت عليه حجة الاسلام فأراد أن يحج، فقيل له: تزوج ثم حج، قال: (إن تزوجت قبل أن أحج فغلامي حر، فبدأ بالنكاح، فقال: تحرر الغلام) وفيه اشكال إلا أن يكون نذرا.

(الثامنة): روى رفاعة عن أبي عبداللهعليه‌السلام في رجل نذر الحج ولم يكن له مال فحج عن غيره أيجزي عن نذره؟ قال: (نعم) وفيه اشكال إلا أن يقصد ذلك بالنذر.

(التاسعة): قيل من نذر ألا يبيع خادما أبدا لزمه الوفاء وإن احتاج إلى ثمنه، وهو استنادا إلى رواية مرسلة.

(العاشرة): العهد كاليمين يلزم حيث تلزم.

ولو تعلق بما الاعود(١) مخالفته دينا أو دنيا خالف إن شاء، ولا إثم ولا كفارة.

كتاب الصيد والذبائح

يؤكل من الصيد ما قتله السيف والرمح والسهم والمعراض اذا خرق، ولو اصاب السهم معترضا حل إن كان فيه حديدة، ولو خلا منها لم يؤكل الا أن يكون حادا فيخترق وكذا ما يقتله الكلب المعلم دون غيره من الجوارح.

ولا يؤكل ما قتله الفهد وغيره من جوارح البهائم.

ولا ما قتله العقاب وغيره من جوارح

____________________ ___

(١) الاكثر فائدة ونفعا.

(*)

٢٤١

الطير إلا أن يذكى.

وإدراك ذكاته بأن يجده ورجله تركض أو عينه تطرف.

وضابطه حركة الحيوان.

ويشترط في الكلب أن يكون معلما يسترسل إذا أغري وينزجر إذا زجر وألا يعتاد أكل صيده، ولا عبرة بالندرة.

ويعتبر في المرسل أن يكون مسلما أو بحكمه قاصدا بارساله الصيد مسميا عند الارسال.

فلو ترك التسمية عامدا لم يؤكل صيده، ويؤكل لو نسي اذا اعتقد الوجوب.

ولو ارسل وسمى غيره لم يؤكل صيده الا أن يذكيه، ويعتبر ألا (يغيب) عنه، فلو غاب وحياته مستقرة ثم وجده مقتولا أو ميتا لم يؤكل.

وكذا السهم ما لم يعلم أنه القاتل ويجوز الاصطياد بالشرك والحبالة وغيرهما من الآلة و بالجوارح لكن لا يحل منه إلا ما ذكي.

والصيد ما كان ممتنعا، ولو قتل بالسهم فرخاأوقتل الكلب طفلا(١) غير ممتنع لم يحل ولو رمى طائرا فقتله وفرخا لم يطر حل الطائر دون فرخه.

مسائل: من أحكام الصيد: (الاولى): اذا تقاطعته الكلاب قبل إدراكه حل.

(الثانية): لو رماه بسهم فتردى من جبل أو وقع في ماء فمات لم يحل وينبغي هنا اشتراط استقرار الحياة(٢) .

____________________ ___

(١) الطفل: المولود، وولد كل وحشية أيضا طفل.

اه‍ مختار الصحاح.

(٢) هذا استدراك على الحكم السابق، لانه يفيد عدم حله سواء أكان قبل موته مستقر الحياة ام لا.

مع ان عدم الحل انما هو حكم خاص بمستقر الحياة قبل التردي وبعد الاصابة والسهم.

ويدل على ذلك عبارته فيس شرائع الاسلام وهذا نصها: (ولو رمى صيدا فتردى من جبل او وقع في ماء فمات، لم يحل لاحتمال ان يكون موته من السقطة نعم لو صير حياته غير مستقرة، حل لانه يجري مجرى المذبوح).

(*)

٢٤٢

(الثالثة): لو قطعه السيف اثنين فلم يتحركا حلا، ولو تحرك أحدهما فهو الحلال ان كانت حياته مستقرة لكن بعد التذكية.

ولو لم تكن مستقرة حلا.

وفي رواية يؤكل الاكبر دون الاصغر وهي شاذة.

ولو اخذت الحبالة منه قطعة فهي ميتة.

(الرابعة): اذا أدرك الصيد وفيه حياة مستقرة ولا آلة ليذكيه لم يحل حتى يذكى.

وفي رواية جميل: يدع الكلب حتى يقتله.

(الخامسة): لو ارسل كلبه فأرسل كافر كلبه فقتلا صيدا، أو مسلم لم يسم او لم يقصد الصيد، لم يحل.

(السادسة): لو رمى صيدا فأصاب غيره حل.

ولو رمى لا للصيد فقتل صيدا لم يحل.

(السابعة): اذا كان الطير مالكا جناحه فهو لصائده الا أن يعرف مالكه فيرده اليه.

ولو كان مقصوصا لم يؤخذ لان له مالكا.

ويكره أن يرمي الصيد بما هو اكبر منه ولو اتفق قيل يحرم والاشبه الكراهية.

وكذا يكره أخذ الفراخ من اعشاشها.

والصيد بكلب علمه مجوسي.

وصيد السمك يوم الجمعة قبل الصلاة.

وصيد الوحش والطير بالليل.

والذبائح: تستدعي بيان فصول: (الاول): الذابح: ويشترط فيه الاسلام أو حكمه ولو كان انثى.

وفي الكتابي روايتان، أشهرهما: المنع.

وفي رواية ثالثة: اذا سمعت تسميته فكل والافضل أن يليه المؤمن.

نعم لا تحل ذبيحة المعادي لاهل البيتعليهم‌السلام .

(الثاني): الآلة ولا تصح الا بالحديد مع القدرة، ويجوز بغيره مما يغري الاوداج عند الضرورة، ولو مروة او ليطة أو زجاجة.

وفي الظفر والسن مع الضرورة تردد.

(الثالث): الكيفية: وهي قطع الاعضاء الاربعة: المرئ، والودجان،

٢٤٣

والحلقوم، وفي الرواية: إذا قطع الحلقوم وخرج الدم فلا بأس.

ويكفي في النحر الطعن في الثغرة: ويشترط استقبال القبلة بالذبيحة مع الامكان، والتسمية، فلو أخل بأحدهما عمدا لم يحل، ولو كان نسيانا حل، ويشترط نحر الابل وذبح ما عداها.

فلو نحر المذبوح أو ذبح المنحور لم يحل.

ولا يحل حتى يتحرك بعد التذكية حركة الحي، وأدناه أن يتحرك الذنب أو تطرف العين ويخرج الدم المعتدل، وقيل: يكفي الحركة، وقيل: يكفى أحدهما، وهو أشبه.

وفي ابانة الرأس بالذبح قولان، المروي: أنها تحرم ولو سبقت السكين فأبانته لم تحرم الذبيحة.

ويستحب في الغنم ربط يدي المذبوح واحدى رجليه وامساك صوفه أو شعره حتى يبرد.

وفي البقر عقد يديه ورجليه واطلاق ذنبه.

وفي الابل ربط أخفافه إلى ابطيه.

وفي الطير ارساله.

ويكره الذباحة ليلا، ونخع الذبيحة(١) وقلب السكين في الذبح، وأن يذبح حيوانا وآخر ينظر اليه، وأن يذبح بيده ما رباه من النعم.

ويحرم سلخ الذبيحة قبل بردها.

وقيل يكره، وهو أشبه.

ويلحق به أحكام: (الاول): ما يباع في أسواق المسلمين يجوز ابتياعه من غير تفحص.

(الثاني): ما يتعذر ذبحه أو نحره من الحيوان كالمستعصي والمتردي في بئر يجوز عقره بالسيف وغيره مما يخرج اذا خشي تلفه.

(الثالث): ذكاة السمك: اخراجه من الماء حيا.

ولا يعتبر في المخرج الاسلام ولا التسمية، ولو وثب او نضب عنه الماء فأخذ حيا حل.

وقيل:

____________________ ___

(١) نخعت الشاة نخعا من باب نخع: جاوزت بالسكين منتهى الذبح إلى النخاع اه‍. مصباح.

(*)

٢٤٤

يكفي ادراكه يضطرب، ولو صيد وأعيد في الماء فمات لم يحل وان كان في الآلة.

وكذا الجراد ذكاته أخذه حيا.

ولا يشترط اسلام الآخذ ولا التسمية ولا يحل ما يموت قبل اخذه.

وكذا لو أحرقه قبل اخذه.

ولا يحل منه ما لم يستقل بالطيران.

(الرابع): ذكاة الجنين ذكاة أمه إذا تمت خلقته.

وقيل: يشترط مع إشعاره ألا تلجه الروح وفيه بعد.

ولو خرج حيا لم يحل إلا بالتذكية.

كتاب الاطعمة والاشربة

والنظر فيه يستدعي أقساما: (الاول): في حيوان البحر: ولا يؤكل منه إلا سمك له فلس ولو زال عنه كالكنعت.

ويؤكل الربيثا والاربيان والطمر والطبراني والايلامي.

ولا يؤكل السلحفاة، ولا الضفادع ولا السرطان.

وفي الجري روايتان، أشهرها التحريم.

وفي الزمار والمارماهي والرهو، روايتان.

والوجه: الكراهية.

ولو وجد في جوف سمكة سمكة أخرى حلت ان كانت مما يؤكل.

ولو قذفت الحية تضطرب، فهي حلال ان لم تنسلخ فلوسها.

ولا يؤكل الطافي وهو الذي يموت في الماء وان كان في شبكة او حظيرة.

ولو اختلط الحي فيهما بالميت حل والاجتناب أحوط.

ولا يؤكل جلال السمك حتى يطعم علفا طاهرا يوما وليلة.

وبيض السمك المحرم مثله. ولو اشتبه أكل منه الخشن لا الاملس.

(الثاني): في البهائم: ويؤكل من الانسية: النعم، ويكره الخيل والحمر وكراهية البغل أشد.

ويحرم الجلال منها على الاصح وهو ما يأكل عذرة

٢٤٥

الانسان محضا.

ويحل مع الاستبراء بأن يربط ويطعم العلف.

وفي كميته اختلاف، محصله: استبراء الناقة بأربعين يوما والبقرة بعشرين، والشاة بعشرة.

ويؤكل من الوحشية البقر، والكباش الجبلية، والحمر، والغزلان، واليحامير.

ويحرم كل ما له ناب، وضابطه: ما يفترس كالاسد.

والثعلب، ويحرم الارنب، والضب، واليربوع، والحشار: كالفأرة، والقنفذ، والحية، والخنافس، والصراصر، وبنات الوردان، والقمل.

(القسم الثالث): في الطير: ويحرم منه ما كان سبعا كالبازي والرخمة.

وفي الغراب روايتان، والوجه: الكراهية.

ويتأكد في الابقع.

ويحرم من الطير ما كان صفيفه أكثر من دفيفه، وما ليس له قانصة ولا حوصلة ولا صيصية.

ويحرم الخفاش والطاووس.

وفي الخطاف تردد.

والكراهية أشبه.

ويكره الفاختة والقبرة.

وأغلظ من ذلك كراهية الهدهد، والصرد، والصوام، والشقراق.

ولو كان أحد المحللة جلالا حرم حتى يستبرأ، فالبطة وما أشبهها بخمسة أيام.

والدجاجة ثلاثة أيام، ويحرم الزنابير، والذباب، والبق والبرغوث، وبيض ما لا يؤكل لحمه.

ولو اشتبه اكل منه ما اختلف طرفاه وترك ما اتفق.

مسألتان: (الاولى): اذا شرب المحلل لبن الخنزيرة كره.

ولو اشتد به عظمه حرم لحمه ولحم نسله.

(الثانية): لو شرب خمرا لم يحرم بل يغسل، ولا يؤكل ما في جوفه.

ولو شرب بولا لم يحرم وغسل ما في جوفه.

(القسم الرابع): في الجامد وهو خمسة: (الاول): الميتات: والانتفاع بها محرم.

ويحل منها ما لا تحله الحياة إذا

٢٤٦

كان الحيوان طاهرا في حال الحياة وهو عشرة: الصوف، والشعر، والوبر، والريش، والقرن، والعظم، والسن، والظلف، والبيض اذا اكتسى القشر الاعلى، والانفحة.

وفي اللبن روايتان، والاشبه التحريم.

(الثاني): ما يحرم من الذبيحة وهو خمسة: القضيب، والانثيان، والطحال، والفرث، والدم.

وفي المثانة والمرارة تردد، أشبهه: التحريم للاستخباث.

وفي الفرج، والعلباء، والنخاع، وذات الاشاجع، والغدد، وخرزة الدماغ، والحدق خلاف، أشبهه: الكراهية.

وتكره الكلى، والقلب والعروق.

واذا شوى الطحال مثقوبا فما تحته حرام وإلا فهو حلال(١) .

(الثالث): الاعيان النجسة: كالعذرات وما أبين من حي، والعجين اذا عجن بالماء النجس، وفيه رواية بالجواز بعد خبزه، لان النار قد طهرته.

(الرابع): الطين: وهو حرام إلا طين قبر الحسينعليه‌السلام للاستشفاء ولا يتجاوز قدر الحمصة.

(الخامس): السموم القاتلة، قليلها وكثيرها، وما يقتل كثيره فالمحرم ما بلغ ذلك الحد.

(القسم الخامس): في المائعات.

والمحرم خمسة: (الاول): الخمر، وكل مسكر، والعصير اذا غلا.

(الثاني): الدم.

وكذا العلقة ولو في البيضة، وفي نجاستها تردد، أشبه: النجاسة.

ولو وقع قليل دم في قدر وهي تغلي، لم يحرق المرق، ولا ما فيها اذا ذهب بالغليان.

ومن الاصحاب من منع من المائع وأوجب غسل التوابل وهو

____________________ ___

(١) ولو شوى الطحال مع اللحم، ولم يكن مثقوبا لم يحرم اللحم، وكذا لو كان اللحم فوقه، أما لو كان مصقوبا. وكان اللحم تحته حرم (*)

٢٤٧

حسن، كما لو وقع غيره من النجاسة.

(الثالث): كل مانع لاقته نجاسة فقد نجس، كالخمر، والدم، والميتة، والكافر الحربي.

وفي الذمي روايتان، أشهرهما: النجاسة.

وفي رواية: اذا اضطر إلى مؤاكلته أمره بغسل يده وهي متروكة.

ولو كان ما وقعت فيه النجاسة جامدا ألقي ما يكتنف النجاسة وحل ما عداه.

ولو كان المائع دهنا جاز بيعه للاستصباح به تحت السماء خاصة لا تحت الاظلة.

ولا يحل ما يقطع من أليات الغنم، ولا يستصبح بما يذاب منها، وما يموت فيه ما له نفس سائلة من المائع نجس دون ما لا نفس له.

(الرابع): ابوال ما لا يؤكل لحمه.

وهل يحرم بول ما يؤكل لحمه؟ قيل: نعم، إلا بول الابل، والتحليل أشبه.

(الخامس): ألبان الحيوان المحرم كاللبوة، والذئبة، والهرة، ويكره ما كان لحمه مكروها كالاتن حليبه وجامده.

(القسم السادس): في اللواحق، وهي سبع: (الاولى): شعر الخنزير نجس سواء أخذ من حي او ميت على الاظهر.

فان اضطر استعمل ما دسم فيه وغسل يده.

ويجوز الاستقاء بجلود الميتة ولا يصلى بمائها.

(الثانية): اذا وجد لحم فاشتبه ألقي في النار فان انقبض فهو ذكي وان انبسط فهو ميتة.

ولو اختلط الذكي بالميتة اجتنبا.

وفي رواية الحلبي: يباع ممن يستحل الميتة.

على الاصح.

(الثالثة): لا يأكل الانسان من مال غيره إلا باذنه.

وقد رخص مع عدم الاذن في الاكل من بيوت من تضمنته الآية اذا لم يعلم الكراهية.

وكذا ما يمر الانسان به من ثمرة النخل.

وفي ثمرة الزرع والشجر تردد.

ولا يقصد ولا يحمل.

٢٤٨

(الرابعة): من شرب خمرا او شيئا نجسا، فبصاقه طاهر ما لم يكن متغيرا بالنجاسة.

(الخامسة): اذا باع ذمي خمرا ثم أسلم فله قبض ثمنها.

(السادسة): الخمر تحل إذا انقلبت خلا، ولو كان بعلاج، ولا تحل لو ألقي فيها خل استهلكها.

وقيل: لو ألقي في الخل خمر من اناء فيه خمر لم يحل حتى يصير ذلك الخمر خلا وهو متروك.

(السابعة): لا يحرم الربوبات والاشربة وان شم منها رائحة المسكر.

ويكره الاسلاف في العصير.

وأن يستأمن على طبخه من يستحله قبل أن يذهب ثلثاه، والاستشفاء بمياه الجبال الحارة التي يشم منها رائحة الكبريت.

كتاب الغصب

والنظر في امور: (الاول): الغصب هو الاستقلال باثبات اليد على مال الغير عدوانا.

ولا يضمن لو منع المالك من امساك الدابة المرسلة.

وكذا لو منعه من القعود على بساطه ويصح(١) غصب العقار كالمنقول ويضمن بالاستقلال به.

ولو سكن الدار قهرا مع صاحبها ففي الضمان قولان، ولو قلنا بالضمان ضمن النصف.

ويضمن حمل الدابة لو غصبها.

وكذا الامة.

ولو تعاقبت الايدي على المغصوب فالضمان على الكل.

ويتخير المالك.

والحر لا يضمن ولو كان صغيرا لكن لو أصابه تلف بسبب الغاصب ضمنه.

ولو كان لا بسببه كالموت ولدغ الحية فقولان.

ولو حبس

____________________ ___

(١) أي: يتحقق ويتصور. اه‍ من الشرح الكبير.

(*)

٢٤٩

صانعا لم يضمن اجرته.

ولو انتفع به ضمن اجرة الانتفاع.

ولا يضمن الخمر لو غصبت من مسلم ويضمنها لو غصبها من ذمي، وكذا الخنزير.

ولو فتح بابا على مال ضمن السارق دونه.

ولو أزال القيد عن فرس فشرد او عن عبد مجنون فأبق ضمن.

ولا يضمن لو أزاله عن عاقل.

(الثاني): في الاحكام: يجب رد المغصوب وإن تعسر كالخشبة في البناء واللوح في السفينة.

ولو عاب(١) ضمن الارش.

ولو تلف او تعذر العود ضمن مثله إن كان متساوي الاجزاء.

وقيمته يوم الغصب إن كان مختلفا. وقيل: أعلى القيم من حين الغصب إلى حين التلف، وفيه وجه آخر. ومع رده لا يرد زيادة القيمة السوقية. وترد الزيادة لزيادة في العين او الصفة. ولو كان المغصوب دابة فعابت، ردها مع الارش.

ويتساوى بهيمة القاضي والشوكي، ولو كان عبدا وكان الغاصب هو الجاني رده ودية الجناية ان كانت مقدرة. وفيه قول آخر. ولو مزج الزيت بمثله رد العين. وكذا لو كان بأجود منه، ولو كان بأدون ضمن المثل. ولو زادت قيمة المغصوب فهو لمالكه، أما لو كانت الزيادة لانضياف عين كالصبغ والآلة في الابنية أخذ العين الزائدة ورد الاصل، ويضمن الارش ان نقص.

(الثالث): في اللواحق، وهي ستة.

(الاولى): فوائد المغصوب للمالك منفصلة كانت كالولد أو متصلة كالصوف والسمن، او منفعة كأجرة السكنى وركوب الدابة.

ولا يضمن من الزيادة المتصلة ما لم تزد به القيمة كما لو سمن المغصوب وقيمته واحدة.

(الثانية): لا يملك المشتري ما يقبضه بالبيع الفاسد او يضمنه وما يحدث من منافعه وما يزاد في قيمته لزيادة صفة فيه.

(الثالثة): اذا اشتراه عالما بالغصب فهو كالغاصب ولا يرجع المشتري بالثمن البائع بما يضمن، ولو كان جاهلا دفع العين إلى مالكها ويرجع بالثمن على البائع

____________________ ___

(١) عاب المتاع: صار ذا عبث.

٢٥٠

وبجميع ما عرمه مما لم يحصل له في مقابلته عوض كقيمة الولد.

وفي الرجوع بما يضمن من المنافع كعوض الثمرة وأجرة السكنى تردد.

(الرابعة): اذا غصب حبا فزرعه، او بيضة فأفرخت، او خمرا فخللها، فالكل للمغصوب منه.

(الخامسة): اذا غصب أرضا فزرعها فالزرع لصاحبه وعليه أجرة الارض ولصاحبها ازالة الغرس والزامه طم الحفرة والارش ان نقصت.

ولو بذل صاحب الارض قيمة الغرس لم تجب اجابته.

(السادسة): لو تلف المغصوب واختلفا في القيمة فالقول قول الغاصب.

وقيل: قول المغصوب منه.

كتاب الشفعة

وهي: استحقاق في حصة الشريك لانتقالها بالبيع.

والنظر فيه يستدعي امورا: (الاول): ما تثبت فيه: وتثبت في الارضين والمساكن إجماعا.

وهل ثثبت فيما ينقل كالثياب والامتعة؟ فيه قولان، والاشبه: الاقتصار على موضع الاجماع.

وتثبت في النخل والشجر والابنية تبعا للارض، وفي ثبوتها في الحيوان قولان، المروي: انها لا تثبت.

ومن فقهائنا من أثبتها في العبد دون غيره.

ولا تثبت فيما لا ينقسم كالعضايد والحمامات والنهر والطريق الضيق على الاشبه.

ويشترط انتقاله بالبيع فلا تثبت لو انتقل بهبة او صلح او صداق او صدقة او اقرار.

ولو كان الوقف مشاعا مع طلق فباع صاحب الطلق لم تثبت للموقوف عليه.

وقال المرتضى: تثبت، وهو أشبه.

(الثاني): في الشفيع، وهو كل شريك بحصة مشاعة قادر على الثمن(١) .

____________________ ___

(١) في شرائع الاسلام: ويشترط فيه الاسلام اذا كان المشتري مسلما.

(*)

٢٥١

فلا تثبت للذمي على مسلم.

ولا بالجوار.

ولا لعاجز عن الثمن.

ولا فيما قسم وميز إلا بالشركة في الطريق او النهر اذا بيع أحدهما او هما مع الشقص.

وتثبت بين شريكن. ولا تثبت لما زاد على أشهر الروايتين.

ولو ادعى غيبة الثمن أجل ثلاثة أيام، فان لم يحضره بطلت.

ولو قال انه في بلد آخر، أجل بقدر وصوله وثلاثة أيام ما لم يتضرر المشتري.

وتثبت للغائب والسفيه والمجنون والصبي ويأخذ لهم الولي مع الغبطة، ولو ترك الولي فبلغ الصبي او افاق المجنون فله الاخذ.

(الثالث): في كيفية الاخذ: ويأخذ بمثل الثمن الذي وقع عليه العقد، ولو لم يكن الثمن مثليا كالرقيق والجواهر اخذه بقيمته.

وقيل: تسقط الشفعة استنادا إلى رواية فيها احتمال.

وللشفيع المطالبة في الحال. ولو أخر لا لعذر بطلت شفعته.

وفيه قول آخر. ولو كان لعذر لم يبطل. وكذا لو توهم زيادة ثمن أو جنسا من الثمن فبان غيره. ويأخذ الشفيع من المشتري ودركه عليه.

ولو انهدم المسكن او عاب بغير فعل المشتري أخذ الشفيع بالثمن او ترك.

وان كان بفعل المشتري أخذ بحصته من الثمن.

ولو اشترى بثمن مؤجل قيل: هو بالخيار بين الاخذ عاجلا، والتأخير، وأخذه بالثمن في محله.

وفي النهاية يأخذ الشقص ويكون الثمن مؤجلا ويلزم كفيلا إن لم يكن مليئا وهو أشبه.

ولو دفع الشفيع الثمن قبل حلوله لم يلزم البائع أخذ ولو ترك الشفيع قبل البيع لم تبطل.

أما لو شهد على البائع او بارك للمشتري او للبائع او أذن في البيع ففيه التردد.

والسقوط أشبه. ومن اللواحق مسألتان: (الولى): قال الشيخ: الشفعة لا تورث.

وقال المفيد، وعلم الهدى: تورث، وهو أشبه.

ولو عفا أحد الورثة عن نصيبه أخذه الباقون ولم تسقط.

(الثانية): لو اختلف المشتري والشفيع في الثمن فالقول قول المشتري مع يمينه لانه ينتزع الشئ من يده.

٢٥٢

كتاب احياء الموات

والعامر ملك لاربابه لا يجوز التصرف فيه إلا باذنهم.

وكذا ما به صلاح العامر كالطريق والشرب والمراح.

والموات ما لا ينتفع به لعطلته مما لم يجر عليه ملك او ملك وباد اهله، فهو للامام لا يجوز احياؤه إلا باذنه، ومع اذنه يملك بالاحياء.

ولو كان الامام غائبا فمن سبق إلى إحيائه كان أحق به، ومع وجوده له رفع يده.

ويشترط في التملك بالاحياء: ألا يكون في يد مسلم.

ولا حريما لعامر.

ولا مشعرا للعبادة كعرفة ومنى.

ولا مقطعا(١) ولا محجرا، والتحجير يفيد أولوية لا ملكا مثل أن ينصب عليها مرزابا.

واما الاحياء فلا تقدير للشرع فيه ويرجع في كيفيته إلى العادة.

ويلحق بهذا مسائل: (الاولى): الطريق المبتكر في المباح إذا تشاح أهله فحده: خمسة أذرع، وفي رواية سبعة أذرع.

(الثانية): حريم بئر المعطن: أربعون ذراعا.

والناضح ستون ذراعا.

والعين الف ذراع.

وفي الصلبة خمسمائة.

(الثالثة): من باع نخلا واستثنى واحدة كان له المدخل اليها والمخرج ومدى جرائدها.

(الرابعة): اذا تشاح أهل الوادي في مائه حبسه الاعلى للنخل إلى الكعب.

وللزرع إلى الشراك.

ثم يسرحه إلى الذي يليه.

____________________ ___

(١) كما أقطع النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله الدار وارضا بحضرموت.

(*)

٢٥٣

(الخامسة): يجوز للانسان أن يحمي المرعى في ملكه خاصة.

وللامام مطلقا.

(السادسة): لو كان له رحا على نهر لغيره لم يجز له أن يعدل بالماء عنها الا برضاء صاحبها.

(السابعة): من اشترى دارا فيها زيادة من الطريق ففي رواية: ان كان ذلك فيما اشترى فلا بأس.

وفي النهاية إن لم يتميز لم يكن له عليه شئ.

وان تميز رده ورجع على البائع بالدرك، والرواية ضعيفة، وتفصيل النهاية في موضع المنع، والوجه: البطلان.

وعلى تقدير الامتياز يفسخ إن شاء ما لم يعلم.

(الثامنة): من له نصيب في قناة او نهر جاز له بيعه بما شاء.

(التاسعة): روى اسحاق بن عمار عن العبد الصالح(١) في رجل لم يزل في يده ويد آبائه دار، وقد علم أنها ليست لهم ولا يظن مجئ صاحبها.

قال: ما أحب أن يبيع ما ليس له، ويجوز أن يبيع سكناه.

والرواية مرسلة، وفي طريقها: الحسن بن سماعة، وهو واقفي، وفي النهاية يبيع تصرفه فيها، ولا يبيع أصلها، ويمكن تنزيلها على أرض عاطلة أحياها غير المالك باذنه فللمحيي التصرف والاصل للمالك.

____________________ ___

(١) هو الامام أبوابراهيم موسى بن جعفر الكاظم (ع).

(*)

٢٥٤

كتاب اللقطة

وأقسامها ثلاثة: (الاول): في اللقيط: وهو كل صبي او مجنون ضائع لا كافل له.

ويشترط في الملتقط التكليف.

وفي اشتراط الاسلام تردد.

ولا يلتقط المملوك إلا باذن مولاه.

وأخذ اللقيط مستحب واللقيط في دار الاسلام حر، وفي دار الشرك رق.

واذا لم يتول أحدا فعاقلته ووارثه: الامام اذا لم يكن له وارث ويقبل اقراره على نفسه بالرقية مع بلوغه ورشده.

واذا وجد الملتقط سلطانا استعان به على نفقته فان لم يجد استعان بالمسلمين.

فان تعذر الامر أنفق الملتقط ورجع عليه اذا نوى الرجوع.

ولو تبرع لم يرجع.

القسم الثاني - في الضوال: وهي كل حيوان مملوك ضائع.

وأخذه في صورة الجواز مكروه.

ومع تحقق التلف مستحب.

فالبعير لا يؤخذ ولو أخذ ضمنه الآخذ وكذا حكم الدابة والبقرة.

ويؤخذ لو تركه صاحبه من جهد في غير كلا ولا ماء، ويملكه الآخذ.

والشاة إن وجدت في الفلاة أخذها الواجد لانها لا تمنع من ضرر السباع ويضمنها وفي رواية ضعيفة: يحبسها عنده ثلاثة أيام فان جاء صاحبها والا تصدق بثمنها.

وينفق الواجد على الضالة ان لم يتفق سلطان ينفق من بيت المال.

وهل يرجع على المالك؟ الاشبه: نعم، ولو كان للضالة نفع كالظهر او اللبن قال الشيخ في النهاية: كان بازاء ما انفق، والوجه التقاص.

القسم الثالث - وفيه ثلاث فصول: (الاول): اللقطة: كل مال ضائع أخذ ولا يد عليه فما دون الدرهم ينتفع به بغير تعريف.

وفي قدر الدرهم روايتان، وما كان ازيد، فان وجده في الحرم كره أخذه وقيل يحرم ولا يحل أخذه إلا مع نية التعريف، ويعرف حولا فان جاء صاحبه

٢٥٥

والا تصدق به عنه او استبقاه أمانة، ولا يملك.

ولو تصدق به بعد الحول فكره المالك لم يضمن الملتقط على الاشهر.

وان وجده في غير الحرم يعرف حولا.

ثم الملتقط بالخيار بين التملك والصدقة و ابقائها أمانة.

ولو تصدق بها فكره المالك ضمن الملتقط ولو كانت مما لا يبقى كالطعام قومها عند الوجدان وضمنها وانتفع بها وان شاء دفعها إلى الحاكم، ولا ضمان.

ويكره أخذ الادواة، والمخصرة، والنعلين.

والشظاظ، والعصا، والوتد، والحبل، والعقال، وأشباهها.

مسائل: (الاولى): ما يوجد في خربة او فلاة او تحت الارض فهو لواجده.

ولو وجده في ارض لها او بائع ولو كان مدفونا، عرفه المالك او البائع فان عرفه فهو أحق به إلا كان للواجد.

وكذا ما يجده في دابته.

ولو وجد في جوف سمكة قال الشيخ: أخذه بلا تعريف.

(الثانية): ما وجده في صندوقه او داره فهو له، ولو شاركه في التصرف كان كاللقطة اذا أنكره.

(الثالثة): لا تملك اللقطة بحول الحول وان عرفها ما لم ينو التملك.

وقيل: تملك بمضي الحول.

(الثاني): الملتقط من له أهلية الاكتساب.

فلو التقط الصبي او المجنون جاز ويتولى الولي التعريف.

وفي المملوك تردد، أشبهه: الجواز.

وكذا المكاتب، والمدبر، وام الولد.

(الثالث): في الاحكام وهي ثلاثة: (الاول): لا يدفع اللقطة الا بالبينة.

ولا يكفي الوصف، وقيل: يكفي في الاموال الباطنة كالذهب والفضة، وهو حسن.

(الثاني) لا بأس بجعل الآبق فان عينه لزم بالرد، وان لم يعينه ففي رد العبد من المصر: دينار، ومن خارج البلد: أربعة دنانير، على رواية ضعيفة يؤيدها

٢٥٦

الشهرة وألحق الشيخان: البعير، وفيما عداهما أجرة المثل.

(الثالث): لا يضمن الملتقط في الحول لقطة ولا لقيطا ولا ضالة ما لم يفرط.

كتابب المواريث والنظر في المقدمات، والمقاصد، واللواحق والمقدمات ثلاث: (الاولى): في موجبات الارث، وهي: نسب، وسبب.

فالنسب ثلاث مراتب: ١ - الابوان، والولد وإن نزل.

٢ - والاجداد وإن علوا، الاخوة وأولادهم وإن نزلوا.

٣ - والاعمام والاخوال.

والسبب قسمان: زوجية وولاء.

والولاء ثلاث مراتب: ولاء العتق، ثم ولاء تضمن الجريرة(١) ثم ولاء الامامة.

(الثانية): في موانع الارث، وهى ثلاثة: الكفر، والرق، والقتل.

أما الكفر فانه يمنع في طرف الوارث.

فلا يرث الكافر مسلما، حربيا كان الكافر او ذميا او مرتدا ويرث الكافر أصليا ومرتدا فميراث المسلم لوارثه المسلم انفرد بالنسب او شاركه الكافر او كان أقرب حتى لو كان ضامن جريرة مع ولد كافر فالميراث للضامن.

ولو لم يكن وارث مسلم فميراثه للامام.

والكافر يرثه المسلم ان اتفق ولا يرثه الكافر إلا اذا لم يكن وارث مسلم.

ولو كان وارث مسلم كان أحق بالارث وان بعد وقرب الكافر، واذا أسلم الكافر، على ميراث قبل قسمته شارك إن كان مساويا في النسب وحاز الميراث إن كان أولى سواء كان الموروث مسلما او كافرا.

____________________ ___

(١) هو المعروف عند فقهاء السنة بولاء الموالاة.

(*)

٢٥٧

ولو كان الوارث المسلم واحدا لم يزاحمه الكافر وان أسلم لانه لا تتحقق هنا قسمة.

مسائل: (الاولي): الزوج المسلم أحق بميراث زوجته من ذوي قرابتها الكفار، كافرة كانت أو مسلمة، له النصف بالزوجية والباقي بالرد وللزوجة المسلمة الربع مع الورثة الكفار والباقي للامام.

ولو أسلموا او أسلم أحدهم، قال الشيخ: يزد عليهم ما فضل عن سهم الزوجية، وفيه تردد.

(الثانية): روى مالك بن أعين عن أبي جعفرعليه‌السلام في نصراني مات وله ابن أخ وابن أخت مسلمان وأولاد صغار: لابن الاخ الثلثان، ولابن الاخت الثلث، وينفقان على الاولاد بالنسبة فان أسلم الصغار دفع المال إلى الامام فان بلغوا على الاسلام دفعة الامام اليهم.

فان لم يبقوا دفع إلى ابن الاخ الثلثين والى ابن الاخت الثلث.

(الثالث): اذا كان أحد أبوي الصغير مسلما الحق به فلو بلغ أجبر على الاسلام.

ولو أبى كان كالمرتد.

(الرابعة) المسلمون يتوارثون وان اختلفت آراؤهم، وكذا الكفار وان اختلفت مللهم.

(الخامسة): المرتد عن فطرة(١) يقتل ولا يستتاب، وتعتد امرأته عدة الوفاة.

وتقسم أمواله.

ومن ليس عن فطرة يستتاب.

فان تاب والا يقتل وتعتد زوجته عدة الطلاق مع الحياة وعدة الوفاة لامعها.

والمرأة لا تقتل بل تحبس وتضرب أوقات الصلاة حتى تتوب ولو كانت عن فطرة.

(السادسة): لو مات المرتد كان ميراثه لوارثه المسلم.

ولو لم يكن وارث الا كافرا كان ميراثه للامام على الاظهر.

وأما القتل فيمنع الوارث من الارث اذا كان عمدا ظلما ولا يمنع لو كان خطأ.

____________________ ___

(١) هو من كان أبواه مسلمين عند بدء الحمل به.

(*)

٢٥٨

وقال الشيخان: يمنع من الدية حسب.

ولو اجتمع القاتل وغيره فالميراث لغير القاتل وان بعد، سواء تقرب بالقاتل او بغيره.

ولو لم يكن وارث سوى القاتل فالارث للامام.

وهنا مسائل: (الاولى): الدية كأموال الميت تقضي منها ديونه وتنفذ وصاياه وان قتل عمدا إذا أخذت الدية(١) .

وهل للديان منع الوارث من القصاص؟ الوجه: لا، وفي رواية لهم المنع حتى يضمن الوارث الدين.

(الثانية): يرث الدية من يتقرب بالاب ذكرانا أو اناثا، الزوج والزوجة ولا يرث من يتقرب بالام، وقيل: يرثها من يرث المال.

(الثالثة): اذا لم يكن للمقتول عمدا وارث سوى الامام فله القود أو الدية مع التراضي وليس له العفو، وقيل: له العفو.

أما الرق، فيمنع في الوارث والموروث.

ولو اجتمع مع الحر فالميراث للحر دونه ولو بعد وقرب المملوك، ولو أعتق على ميراث قبل القسمة شارك ان كان مساويا وحاز الارث ان كان أولى ولو كان الوارث واحدا فأعتق الرق لم يرث وان كان أقرب لانه لا قسمة، ولو لم يكن وارث سوى المملوك أجبر مولاه على أخذ قيمته وينعتق ليحوز الارث.

ولو قصر المال عن قيمته لم يفك.

وقيل: يفك ويسعى في باقيه ويفك الابوان والاولاد دون غيرهما وقيل: يفك ذو القرابة.

وفيه رواية ضعيفة.

وفي الزوج والزوجة تردد.

ولا يرث المدبر ولا ام الولد ولا المكاتب المشروط.

ومن تحرر بعضه يرث بما فيه من الحرية ويمنع بما فيه من الرقية.

المقدمة الثالثة: في السهام: وهي ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان

____________________ ___

(١) يريد اذا صولح على القصاص عليهما.

(*)

٢٥٩

والثلث، والسدس.

فالنصف للزوج مع عدم الولد وإن نزل، وللبنت، والاخت للاب والام أو للاب.

والربع للزوج مع الولد وإن نزل وللزوجة مع عدمه.

والثمن للزوجة مع الولد وإن نزل.

والثلثان للبنتين فصاعدا وللاختين فصاعدا للاب والام، أو للاب والثلث للام مع عدم من يحجبها من الولد وان نزل او الاخوة، وللاثنين فصاعدا من ولد الام.

والسدس لكل واحد من الابوين مع الولد وإن نزل.

وللام مع من يحجبها عن الزائد.

وللواحد من كلالة الام ذكرا كان او انثى.

والنصف يجتمع مع مثله، مع الربع، والثمن، ومع الثلث والسدس.

ولا يجتمع الربع مع الثمن.

ويجتمع الربع مع الثلثين والثلث والسدس.

ويجتمع الثمن مع الثلثين والسدس.

ولا يجتمع مع الثلث، ولا الثلث مع السدس.

مسألتان: (الاولى): التعصيب باطل.

وفاضل التركة يرد على ذوي السهام عدا الزوج والزوجة.

والام مع وجود من يحجبها على تفصيل يأتي: (الثانية) لاعول في الفرائض لاستحالة أن يفرض الله سبحانه في مال ما لا يفي بل يدخل النقص على البنت او البنتين، او على الاب او من يتقرب به.

وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى.

وأما المقاصد فثلاثة:

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361