الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية21%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 213977 / تحميل: 8503
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

المجلّد الأول

تأليف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية

١

لجنة التحقيق: الشيخ قيصر التميمي، الشيخ علي حمود العبادي، الشيخ شاكر عطية الساعدي

تصحيح: الشيخ عبد السادة الساعدي والشيخ أمير كاظم حسون

مراجعة وتقويم: السيد حاتم البخاتي والسيد ميثم الخطيب

الناشر: دهكده جهاني آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

الطبعة الأولى: / ١٤٢٨ هجري قمري

التنضيد والإخراج الفني : مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية / محسن الجابري

الطبع: أميران ـ قم المقدسة

سعر الدوره : ٩٠٠٠ تومان

العدد: ٢٠٠٠

شابك: ٤ ـ ٧ ـ ٩٤٣٨٨ ـ ٩٦٤ ـ ٩٧٨

جميع حقوق الطبع والترجمة محفوظة للمؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية

هاتف: ٧٧٣٠٩٤٤ ـ ٢٥١ ـ ٠٠٩٨

سايت: www.Annalat.org

العنوان : قم / الشارع سمية / زقاق ١٨ / رقم الدار ١٥

٢

مقدّمة الكتاب

الحوار والمناظرة من الفنون العريقة وذات الجذور المتأصّلة في التاريخ ، وقد يصعب على الباحث ـ بحسب ما بحوزته من التراث ـ أن يعطي صورة واضحة عن انطلاقة هذا الفن وبداياته .

ولكن القرآن الكريم أطلعنا على حوار جرى بين الله تعالى وبين ملائكته ، حينما أراد أن يخلق الإنسان ويجعله خليفة في الأرض ، وذلك في قوله تعالى :( وَإِذْ قَالَ رَبّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدّسُ لَكَ قَالَ إِنّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ ) (١) ، فالله تعالى قد فسح المجال أمام الملائكة للإدلاء برأيهم في خلافة الإنسان ، وقد افترضوا أنّ خليفة الله عزّ وجلّ لا يمكن أن يكون مفسداً ولا سفّاكاً للدماء ، فأقرّهم الله تعالى على ذلك ولم يبطل حجّتهم ، إلاّ أنّه أجابهم من جهة أخرى ، وهي أنّهم لم يطّلعوا على الحقيقة كاملة ، وأنّ هناك أهدافاً وغايات سامية تترتب على خلافة الإنسان في الأرض قد خفيت عليهم ، ولا يحقّ لهم أن يدخلوا الحوار والمناظرة إلاّ عن علم واطلاع ، وقد أذعنوا بذلك عندما قالوا :( سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاّ مَا عَلّمْتَنَا إِنّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) (٢) .

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ٣٠ .

(٢) البقرة : ٣١ .

٣

ونفهم من ذلك أنّ الحوار من الأبواب التي فتحها الله تعالى أمام كل مفكّر عاقل قادر على إدراك الحقائق والاطلاع على مجريات الأحداث ؛ ومن هذا المنطلق أيضاً نجد أنّ الله تعالى قد أعطى إبليس حرية الرأي وإبداء الملاحظات في المسألة ذاتها ، مع سابق علمه تعالى ببطلان حجته ، وقد حكى لنا القرآن الكريم حواراً ومناظرة استدلالية قد دارت ـ في ذلك الحين ـ بين الله تعالى وبين إبليس عندما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود لآدمعليه‌السلام :( فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلّهُمْ أَجْمَعُونَ * إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى‏ أَن يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ * قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَالَكَ أَلاّ تَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ * قَالَ لَمْ أَكُن لأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِن صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مسْنُونٍ * قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنّكَ رَجِيمٌ ) (١) .

هذه الحرية في الحوار وإبداء الرأي تعطينا صورة واضحة عن أهمية هذا المبدأ الذي تقوم عليه ركائز العلاقة بين الله تعالى وبين مخلوقاته .

ثم إنّنا عندما نتابع سيرة الأنبياء الذين بعثهم الله تعالى لهداية الخلق ، نجدها قائمة على التمسّك بمبدأ الحوار والحرص على إيصال الرأي الآخر إلى الطرف المخالف ، من قبيل ما جرى بين إبراهيمعليه‌السلام وبين النمرود ، قال تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِي حَاجّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبّهِ أَنْ آتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبّيَ الّذِى يُحْيِيْ وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنّ اللهَ يَأْتِي بِالشّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الّذِي كَفَرَ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ ) (٢) .

وهذا ما أمر الله تعالى به نبيّه الأكرم محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في قوله تعالى :( ادْعُ إِلَى‏ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنّ رَبّكَ هُوَ

ـــــــــــــ

(١) الحجر : ٣٠ ـ ٣٤ .

(٢) البقرة : ٢٥٨ .

٤

أَعْلَمُ بِمَن ضَلّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (١)

إذن فالنتيجة التي نخلص إليها : أنّ الحوار ومبدأ المناظرة مقدّس ديني وإلهي قبل أن يكون من مقدّسات البشر .

ولكن المؤسف هو أنّ بعض القنوات الفضائية قد أساءت إلى هذا المقدّس الديني والبشري ، عندما استضافت للحوار أشخاصاً لا يؤمنون به ، بل يرفعون شعار التكفير والقتل والإرهاب بوجه كل مَن يخالفهم الرأي .

وقناة المستقلّة الفضائية ـ سيّئة الصيت ـ من تلك القنوات التي كانت ولا زالت تستدعي للحوار المتعجرفين من أتباع الفرقة الوهابيّة الضالّة ، من أمثال عثمان الخميس والدمشقية والبلوشي ، وغيرهم من التكفيريين ، الذين ما فتئوا يكفّرون المسلمين بكافة طوائفهم ، مستندين في ذلك إلى حجج واهية أملتها عليهم نفوسهم الضعيفة .

وبهذا أصبحت قناة المستقلّة الفضائية من القنوات المشبوهة ؛ إذ ابتعدت عن عنوانها الذي تسمّت به ، محاولة ـ بواسطة أولئك الضالّين ـ أن تزرع الحقد والكراهية في نفوس المسلمين ، وهدفها من وراء ذلك إثارة النعرات الطائفية ، وإحداث الفرقة بين أبناء أمتنا الإسلاميّة الواحدة ، مع أنّ المسلمين في وقتنا الحاضر بأمس الحاجة إلى التماسك والوحدّة ، ورصّ الصفوف ؛ للوقوف أمام التحدّيات التي يواجهونها .

ـــــــــــــ

(١) النحل : ١٢٥ .

٥

ومن منطلق الشعور بالمسؤولية كانت مؤسّسة الكوثر للمعارف الإسلامية تتابع ما يجري على تلك القناة عن كثب وحرص شديدين ، وكانت تسعى جادّة أيضاً لدراسة هذه الظاهرة الخطيرة والهدّامة ، وقد ساهمت في ذلك الحين للعمل على إزاحة الشبهات التي قد تستحدثها أبواق الضلال في نفوس المسلمين .

ولكي تكون هذه المؤسسة المباركة فاعلة في هذا الميدان ، ومؤثّرة في أداء ما تشعر به من المسؤولية تجاه ما يجري في العالم الإسلامي ؛ بادرت ـ من خلال قسم البحوث والدراسات ـ إلى دراسة أهم الشبهات العقائدية التي أثارها التكفيريون من الفرقة الضالة ، ثم تصدّت وبكل جدارة للإجابة عن هذه الشبهات بأجوبة محكمة ورصينة ، كشفت القناع عن زيف ما يزعمه المبطلون .

وقد استجاب لإنجاز هذه المبادرة الطيبة كل من : فضيلة الشيخ علي حمود الشطري العبادي ، وفضيلة الشيخ قيصر التميمي ، وفضيلة الشيخ شاكر عطية الساعدي ، فجزاهم الله عن الإسلام خيراً ، وجعل عملهم هذا خالصاً لوجهه الكريم ، ونافعاً في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلاّ مَن أتى الله بقلب سليم .

وحاولوا في أجوبتهم هذه جاهدين أن يبتعدوا عن لغة السب والتكفير والتجاوز على آراء وعقيدة المذاهب الإسلامية الأخرى ، ومعتمدين في كل ذلك على الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة ، مستنيرين بهدي الكتاب الكريم والسنّة النبوية المباركة ، التي وردت في الكتب المعتمدة عند أبناء الطائفة السنّيّة .

٦

منهج البحث

لقد التزمنا في الإجابة عن الشبهات في فصول هذا الكتاب منهجاً واضحاً يستند إلى الأساليب العلمية والمعتمدة في مجال البحث والتحقيق ، ويمكن تلخيص تلك الأساليب بالنقاط التالية :

١ ـ اعتماد التحليل والوصف في عرض الأجوبة ، ثم الحكم عليها من خلال نصوص القرآن الكريم والسنّة النبوية المباركة .

٢ ـ اعتماد المصادر الحديثية والروائية المعتمدة والمعتبرة عند علماء الطائفة السنّية .

٣ ـ اعتماد الكتب الرجالية والدرائية في تصحيح طرق الروايات والأحاديث الواردة عن النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والاستناد في توثيق أو تضعيف الرواة على أصحّ المباني المعتمدة لدى كبار علماء الطائفة السنّية .

٤ ـ اعتماد أقوال علماء الطائفة السنية من خلال الرجوع إلى أهم المصادر والكتب المعتبرة .

٥ ـ الابتعاد عن لغة السب والتكفير والتجاوز على آراء وعقيدة المذاهب الإسلامية الأخرى ، معتمدين في ذلك كلّه على الأدلة الواضحة والبراهين الساطعة في سبيل الوصول إلى الحقيقة ، بعيداً عن التعصّب المذهبي والجدال بالباطل .

خطّة البحث

جاء البحث على النحو التالي :

تقسيم البحث إلى جزئيين ، وكل جزء يتضمّن على عدّة فصول .

وقد تضمّن الجزء الأول الفصول التالية :

الفصل الأول : وقد تناول الإجابة عن شبهة عدم الجعل الإلهي للإمامة .

أمّا الفصل الثاني : فقد اختصت الإجابة فيه عن الشبهة القائلة بأن حديث الأثني عشر فكرة يهودية .

٧

وأمّا الفصل الثالث : فقد تضمّن الإجابة عن الشبهات الواردة حول الإمام المهديعليه‌السلام ، والفائدة من وجوده وغيبتهعليه‌السلام .

وأمّا الفصل الرابع : فأجبنا فيه عن شبهة استبعاد عصيان الصحابة لما أوصى به الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

أمّا الفصل الخامس : فقد اعتني بالإجابة عن الشبهة القائلة بوجود النص على خلافة أبي بكر .

وأمّا الفصل السادس : فقد خصّصناه للإجابة عن شبهة الغلو في مسألة إمامة أهل البيتعليهم‌السلام .

أمّا الجزء الثاني فتضمّن الفصول التالية :

الفصل الأول : وقد كُرّس للإجابة عن الشبهة القائلة بأنّ الشعائر الحسينية بدعة .

أمّا الفصل الثاني : فتضمّن الإجابة عن الشبهة القائلة بأنّ التوسّل بأهل البيتعليهم‌السلام شرك .

وأمّا الفصل الثالث : فهو يجيب عن شبهة عدم مشروعية اللعن في القرآن الكريم والسنّة الشريفة .

٨

أمّا الفصل الرابع : فقد تصدّى للإجابة عن شبهة تحريف القرآن المنسوبة إلى الشيعة .

وأمّا الفصل الخامس : فقد أجاب عن شبهة عدم مشروعيّة التقيّة .

وأمّا الفصل السادس : فقد اعتني بالإجابة عن شبهة عدم مشروعية الزواج المؤقّت ( المتعة ) .

ولا يفوتنا أن نتقدّم بالشكر الجزيل لكل مَن ساهم في إنجاز هذا الكتاب ، لا سيّما الأخ السيد حاتم الموسوي ، والشيخ فلاح عبد الحسن الدوخي ، لما بذلاه من جهد ومتابعة .

وأخيراً نرجوا الله تعالى أن نكون قد وفقنا فيما قصدناه من الدفاع عن العقيدة والحرص على وحدة الأمة الإسلامية ، والله من وراء القصد .

لجنة التأليف في قسم الدراسات والبحوث

مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية

٢٥ / ذي القعدة / ١٤٢٨ هـ

٩

الفصل الأوّل: هل الإمامة جعل إلهي؟

١ ـ شبهات حول الإمامة

هل الإمامة جعل إلهي ؟

الإمامة في القرآن

٢ ـ شبهات حوله آية الولاية

١ ـ آية الولاية لا تختصّ بعليعليه‌السلام .

٢ ـ آية الولاية لا تعني الأولى بالتصرّف

٣ ـ آية الولاية لا تشمل بقيّة الأئمّة

٤ ـ كيف يستدل الشيعة بشأن النزول ؟

٥ ـ المعروف أنّ عليّاً فقير فكيف يتصدّق ؟

٣ ـ آية البلاغة تدل على أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً

٤ ـ لا وجود لاسم علي في القرآن

٥ ـ آية التطهير لا تختصّ بأئمّة الشيعة

١٠

الفصل الأوّل: هل الإمامة جعل إلهي ؟

الشبهة :

إنّ الإمامة غير مجعولة من الله تعالى ؛ لأنّها لو كانت كذلك فإمّا أن يكون المراد منها الحكومة أو الهداية ، مع أنّنا نعلم أنّ الأئمّة لم يحكموا ، إلاّ الإمام علي والحسن ، وإن كانت الإمامة هي إمامة هداية فأين آثارهم وأقوالهم ؟

الجواب :

ينبغي لكل إنسان أن يؤسّس عقيدته على قواعد معرفية صحيحة ؛ لأنّ العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق ، لا يزيده سرعة السير إلاّ بعداً(١) .

وكما قال الله عزّ وجلّ :( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطّيّبُ وَالْعَمَلُ الصّالِحُ يَرْفَعُهُ ) (٢) .

وعلى ضوء ذلك يجب علينا أن نعي ونتفهّم بيانات القرآن الكريم جيداً ، الذي هو تبيان لكل شيء ، قال تعالى:( وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى‏ لِلْمُسْلِمِينَ ) (٣) .

ومن أبرز المفاهيم التي أولاها القرآن الكريم عناية خاصة ، هي مسألة الإمامة ، وقد طفحت النصوص القرآنية بذكرها والتأكيد عليها ، والمهمّة ذاتها تنهض بها النصوص النبوية الشريفة .

فالقول بأنّ الإمامة لا ذكر لها في القرآن ، أو أنّها لا فائدة منها ، أو لا

ـــــــــــــ

(١) انظر : أصول الكافي ، محمد بن يعقوب الكليني : ج ١ ص ٤٣ .

(٢) فاطر : ١٠ .

(٣) النحل : ٨٩ .

١١

معنى لها ، أو غير ذلك ، لا يستبطن إلاّ الجهل بالقرآن الكريم .

وقبل الدخول في البحث ـ الذي نستهدف فيه إعطاء لمحة تصوّرية عامة عن الإمامة في القرآن الكريم ـ نبدأ بتقديم نقطة منهجية تساهم في إيضاح المطلوب ، ضمن العناوين التالية :

الإمامة جعل وعهد إلهي :

عندما نقف على نصّ قرآني واحد يلتقي في الدلالة على المطلوب مع عدّة نصوص قرآنية أخرى ، وهو قاله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (١) ، نجد أنّه يكشف وبكل وضوح عن كون الإمامة عهداً وجعلاً واصطفاءً واختياراً من الله تعالى لذلك الإنسان الذي يرى الله عزّ وجلّ فيه القابلية والاستعداد لتسنّمه هذا المنصب الإلهي .

من ذلك يتضح أنّ الرؤية القرآنية للإمام الهادي أن يكون بجعل وعهد من الله تعالى :( إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٢) ، وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (٣) ، وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَاجْعَلْنَا لِلْمُتّقِينَ إِمَاماً ) (٥) ، وقوله تعالى :

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ١٢٤ .

(٢) البقرة : ١٢٤ .

(٣) السجدة : ٢٤ .

(٤) الأنبياء : ٧٣ .

(٥) الفرقان : ٧٤ .

١٢

( وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (١) .

الإمامة غير النبوّة :

وكذلك تكشف الآية المباركة( إِنّي جَاعِلُكَ ) عن أنّ الإمامة غير النبوّة ، وممّا يؤكّد هذا المعنى :

أوّلاً : أنّ نبي الله إبراهيمعليه‌السلام مُنِحَ هذا المقام بعد تعرّضه لسلسلة من الابتلاءات والاختبارات ، وكان ذلك في أواخر عمره الشريف ؛ لأنّه طلبها لذرّيته ، وهو لا يتناسب إلاّ مع حصول الذرّية له ، وتجاوزه مرحلة الشباب والفتوّة ، خصوصاً وأنّهعليه‌السلام لم يُرزق الذريّة إلاّ بعد فترة مديدة من الزمن تجاوز فيها تلك المرحلة ، في حين أنّهعليه‌السلام عندما أعلن دعوته كان شاباً يافعاً ، كما هو مفاد قوله تعالى :( قَالُوا سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ ) (٢) .

ثانياً : إنّ اسم الفاعل في ـ الآية المباركة ـ ( جاعل ) لا يعمل في المفعول ( إماماً ) إلاّ إذا كان بمعنى الحال أو الاستقبال ، ولا يعمل في الماضي ، وحيث إنّ النبوّة كانت ثابتة مسبقاً لإبراهيمعليه‌السلام ، فلابد أن يكون إعطاء الإمامة لإبراهيمعليه‌السلام في الحال أو الاستقبال ، أي بعد نبوّته(٣) .

وبالتأمّل في حصيلة ما ذكرناه يحصل الاطمئنان بأنّ منصب الإمامة أُعطي لإبراهيم بعد أن كان رسولاً نبيّاً ، ولم يكن إماماً .

ـــــــــــــ

(١) القصص : ٥ .

(٢) الأنبياء : ٦٠ .

(٣) شرح الرضي على الكافية ، رضي الدين الأسترابادي : ج ٣ ص ٤١٥ .

١٣

أهمّيّة الإمامة واستمرارها :

إنّ الإمامة والهداية الإلهية استمرار وامتداد لمهام الرسالات السماوية ، المتمثّلة بذكر تفاصيلها وبيان مبهماتها ومحكمها ومتشابهها وتفعيلها في الأمة وغير ذلك ؛ وذلك لأنّ عمر الرسول عادة يكون أقصر من عمر الرسالة ، ومن هنا فقد تستمر الرسالة من خلال الأنبياء التابعين للرسل من أُولي العزم ، أو من خلال الأئمّة والأوصياء عندما تنقطع النبوّة ويرتفع الوحي ، كما في الرسالة الخاتمة ، فلابد من بقاء الهداية واستمرارها ، قال تعالى :( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ لَعَلّهُمْ يَرْجِعُونَ ) (١) ؛ وذلك هو مفاد آيات البلاغ والولاية وحديث الثقلين وحديث الاثني عشر وحديث لا تخلو الأرض من حجّة وغيرها ، فيكون الإمام هو الهادي للأمة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا تقتصر إمامته على عصر دون آخر ، وإنّما هي دائمة مستمرّة ، وهذا ما يمليه عليه موقعه من الدين الإسلامي ، وكونه هادياً للأمة بجعل ربّاني دائم ، لا أنّه أمر مؤقّت يتعلّق بمقطع خاص من الزمان والمكان ، وإنّما هو سنّة إلهية ثابتة ، وحجّة لله في الأرض ، قال تعالى :( وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٢) .

قال الآلوسي في تفسيره : ( ولم تزل تلك الخلافة في الإنسان الكامل إلى قيام الساعة وساعة القيام ، بل متى فارق هذا الإنسان العالِم مات العالَم ؛ لأنّه الروح الذي به قوامه ، فهو العماد المعنوي للسماء ، والدار الدنيا جارحة من جوارح جسد العالم الذي الإنسان روحه ، ولمّا كان هذا الاسم الجامع قابل الحضرتين بذاته ؛ صحّت له الخلافة وتدبير العالم ، والله

ـــــــــــــ

(١) الزخرف : ٢٨ .

(٢) الرعد : ٧ .

١٤

سبحانه الفعّال لما يريد ولا فاعل على الحقيقة سواه )(١) ، ويلتقي هذا المعنى مع قوله تعالى :( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (٢) ، وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) (٣) ، ويؤكّد ذلك أيضاً ما ذكره السيوطي في تفسيره ، قال : ( أخرج ابن مردويه عن برزة الأسلمي ، قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( إِنّمَا أَنتَ مُنذِرٌ ) ، ووضع يده على صدر نفسه ، ثم وضعها على صدر عليعليه‌السلام ويقول :( وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٤) ، وفي موضع آخر عن ابن جرير وابن مردويه و... أنّه قال : ( وضع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يده على صدره ، فقال :أنا المنذر ، وأومأ بيده إلى منكب عليرضي‌الله‌عنه فقال :أنت الهادي يا علي ، بك يهتدي المهتدون من بعدي )(٥) ، وأخرج الحاكم في المستدرك : ( عن علي :( إِنّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ) ، قال علي :رسول الله المنذر ، وأنا الهادي ، ثم قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه )(٦)

إذن تبيّن من جميع ما تقدّم ضرورة وجود الإمام الهادي في كل زمان ، وهذا ما أجمع عليه المسلمون كافة إلاّ أنّهم اختلفوا في أنّ الإمام

ـــــــــــــ

(١) روح المعاني ، الآلوسي : ج ١ ص ٢٢٠ ـ ٢٢١.

(٢) السجدة : ٢٤ .

(٣) الأنبياء : ٧٣ .

(٤) الدر المنثور ، جلال الدين السيوطي : ج ٤ ص ٦٠٨ ؛ وكذا ما في شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٣٨٦ ؛ وجامع البيان ، محمد بن جرير الطبري : ج ١٣ ص ١٤٢ ؛ وقال الشوكاني في فتح القدير : ج ٣ ص ٧٠ ، ( وصحّحه ابن مردويه وابن عساكر عن علي بن أبي طالب ) .

(٥) الدر المنثور ، جلال الدين السيوطي : ج ٤ ص ٦٠٨ .

(٦) لاحظ : جامع البيان ، محمد بن جرير الطبري : ج ١٣ ص ١٤٢ ؛ الدر المنثور ، جلال الدين السيوطي : ج ٤ ص ٦٠٨ ؛ المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٣٠ .

١٥

الذي يخلف الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هل هو بجعل ونص إلهي أم لا ؟ وقد صرّح بذلك ابن حجر المكّي في ( صواعقه ) ، حيث قال : ( اعلم أيضاً أنّ الصحابة (رضوان الله عليهم) اجمعوا على أنّ نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوّة واجب واختلافهم في التعيين لا يقدح في الإجماع المذكور )(١) .

عصمة الإمام

كذلك كشفت الآية المباركة :( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٢) النقاب عن قاعدة أساسية وسنّة إلهية مُحكمة ، وهي أنّ العهد والجعل لا ينال الظالمين ، ومن الواضح أنّ إطلاق ( الظالمين ) شامل لكل ظلم ، سواء كان على الغير أم على النفس ، وشامل أيضاً لكل معصية صغيرة أو كبيرة ارتكبها الإنسان في بعض مراحل حياته ، ومن أظهر مصاديق الظلم هو الشرك بالله تعالى وعبادة غيره ، قال عزّ وجلّ :( إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (٣) ، فإذا انطبق عليه عنوان الظلم يكون غير صالح لهذا المقام الإلهي ؛ وبذلك اتضح أن الإمام ـ بعد كون إمامته مجعولة من الله عزّ وجلّ ـ لابد أنّ يكون معصوماً ، وهذا الشرط ـ وهو العصمة ـ قد أكّدته آية التطهير ، وحديث الثقلين وغيرهما ، حيث دلّت على عصمة الأئمّة الاثني عشرعليهم‌السلام بعد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ١٥ .

(٢) البقرة : ١٢٤ .

(٣) لقمان : ١٣ .

١٦

دور الإمام في الأمة :

وانطلاقاً من تسالم المسلمين على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يشغل جميع مناصب القيادة والإمامة من الحكومة السياسية ، والمرجعية الدينية والفكرية والقضائية والإجرائية وغيرها ، فالولاية الثابتة لرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاملة لجميع تلك المناصب ، وهو أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، والذي ينهض بأعباء هذه المهمّة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، هم أهل بيتهعليهم‌السلام ، الذين نصّبهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجعلهم هداة من بعده ، وأمر المسلمين بالتمسّك بهديهم ، كما نصّ على ذلك حديث الغدير ، الذي جاء فيه قول الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) (١) ، وكذا ما جاء في حديث الثقلين ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أنا تارك فيكم الثقلين : أولاهما كتاب الله فيه الهدى والنور ، فاخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي ) (٢) ، ليكملوا مسيرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وترشيد

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد بن حنبل : ج ١ ص ٨٤ ، ص ١١٨ ، ص ١١٩ ، ص ١٥٢ ، ج ٤ ص ٢٨١ ، ص ٣٧٠ ، ص ٣٧٢ ، ج ٥ ص ٣٤٧ ، ص ٣٦٦ ، ص ٣٧٠ ؛ سنن ابن ماجه : ج ١ ص ٤٣ ؛ سنن الترمذي : ج ٥ ص ٢٩٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٠٩ ـ ١١٦ ، ص ١٣٤ ، ص ٣٧١ ، ص ٥٣٣ ؛ مجمع الزوائد ، نور الدين الهيثمي : ج ٧ ص ١٧ ، ج ٩ ص ١٠٤ ؛ وقال فيه : (عن سعيد بن وهب راوه أحمد ورجاله رجال الصحيح) ؛ فتح الباري : ج ٧ ص ٦١ ؛ وقال فيه : ( فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ) ؛ صحيح ابن حبان: ج ١٥ ص ٣٧٦ وما بعد ، وغيرها من المصادر الكثيرة جداً ، فراجع .

(٢) صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٨٧٣ ح ٢٤٠٨ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ١ ص ١٧٠ ، قال الهيثمي : رواه الطبري في الكبير ورجاله ثقات ؛ ج ٩ ص ١٦٢ ـ ١٦٣ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٤١ ـ ٣٤٢ ، وقال : ( وفي رواية صحيحة : كأنّي قد دعيت ) ، تفسير ابن كثير : ج ٤ ص ١٢٢ ، قال فيه : ( وقد ثبت في الصحيح أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في خطبته بغدير خم ( الحديث ) ؛ صحيح الترمذي ، الألباني : ج ٣ ص ٥٤٣ ح ٣٧٨٨ ، قال : ( صحيح ) ؛ وصحّحه أيضاً في صحيح الجامع الصغير : ج ١ ص ٨٤٢ ، ح ٢٤٥٧ ؛ والمصادر في ذلك كثيرة جداً ، وبطرق تبلغ حد التواتر ؛ فراجع .

١٧

الأمة الإسلامية من بعده ، وهدايتها وقيادتها في جميع المجالات ، كما كان ذلك لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ لأنّ هذا هو ما تقتضيه عصمتهمعليهم‌السلام ، ومع وجود المعصوم لا يحق لغيره التقدم ؛ فإنّ العقل والفطرة السليمة تأبى تقديم من يجوز فيه الخطأ على مَن لا يخطأ أبداً وهو المعصوم .

وكيف يجوز أن يقدّم أحد على إنسان طاعته طاعة الله ، ومعصيته معصية الله ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن أطاعني فقد أطاع الله ومَن عصاني فقد عصى الله ، ومَن أطاع عليّاً فقد أطاعني ومَن عصى عليّاً فقد عصاني ) ، قال الحاكم النيسابوري في المستدرك : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(١) .

وعلى هذا الأساس تكون هداية الإمام المعصومعليه‌السلام شاملة لكل المناصب القيادية التي ترتبط بهداية الناس ، من المرجعية الدينية والفكرية والاجتماعية والسياسية والقضائية ، ولا ينحصر دور الإمام في الحكومة السياسية فقط ، وهذه نقطة مهمّة كانت وما زالت محل التباس في الوعي الإسلامي عند أهل السنّة ؛ ظنّاً منهم أنّ الشيعة تقول بانحصار دور الإمام في الحكم السياسي فحسب ، فإذا لم يكن حاكماً لم يكن إماماً ، مع أنّ الأمر ليس كذلك ، بل الإمامة قيادة وهداية للأمة في كل مجالات الحياة وعلى جميع الأصعدة ، فأهل البيتعليهم‌السلام الذين ثبتت عصمتهم وشرافة علمهم هم الأجدر والأحق في تسنّم تلك المناصب ؛ ولذلك نصّب الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام من بعده للإمامة بكافّة أبعادها ومن ذلك كلّه يتضح أنّ إقصاء أهل البيتعليهم‌السلام عن موقعهم ، وهو القيادة والحكومة السياسية ـ التي تعتبر أحد أبعاد الإمامة ـ لا يعني زوال إمامتهم التي ثبتت بجعل إلهي وتنصيب نبوي ، بل على الأمة تقديمهم واتباعهم والإقتداء بهم .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢١ ، ص ١٢٨ ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٢ ص ٣٠٧ .

١٨

ومن هنا نعلم أنّ الإمامة من المسائل الأساسية في الإسلام وذات مناصب متعددة ، ولكن مع ذلك قد يعتدى على بعض تلك المناصب فيقع التجاوز على حق الإمام المعصوم ، كما في الجانب الحكومي والجانب العلمي والقضائي في الأمة ، وذلك باستحداث مرجعيات حكومية مزيّفة في قبال مرجعية المعصوم الإلهية الحقّة ، وقد تحوّل بسبب ذلك نظام القيادة والخلافة في الإسلام إلى قشور لا لباب فيها ، لا سيّما في العصر الأموي ، الذي أصبح الحكم الإسلامي فيه ملكاً عضوضاً لا يحمل من الإسلام إلا اسمه ، ولكن هذا لا يعني سقوط ذلك الحق وإيقاف مسيرة الهداية ، التي تسير بقيادة أهل البيتعليهم‌السلام ، كما هو الحال في الأنبياءعليهم‌السلام ، فهم هداة للبشرية جمعاء ، وإعراض أكثر الناس عنهم لا يسقطهم عن كونهم هداة للبشرية ، فالإمامة هداية في كل تلك الجوانب ، والإمام يهدي مَن أراد الهداية والرشاد ، وأمّا الإعراض عن الاستهداء بالإمام المعصومعليه‌السلام فلا يعني ذلك إسقاط الإمام عن إمامته وهدايته ، ولا يخفى دور أهل البيتعليهم‌السلام في هداية الأمة والمحافظة على رسالة الإسلام ، فضلاً عمّا خلّفوه من تراث ثر في مختلف العلوم رغم قساوة الظروف وشدّتها عليهمعليهم‌السلام

وهذا التراث الشيعي زاخر بأحاديثهم وأقوالهم الشاملة لجميع مجالات الحياة المختلفة ، وهذا ما لا يكاد يخفى أيضاً على كبار أعلام أهل السنّة ، الذين استفادوا من هذا التراث ، وقد ورد في حق أئمّة أهل البيت شهادات كثيرة من قبل أهل السنّة تكشف وتبيّن فضلهم وعلو منزلتهم وصلاحيّتهم للخلافة والإمامة ، وكذا تبيّن دورهم المحوري والفاعل في الأمة ، نكتفي بذكر بعضها :

١٩

أقوال علماء السنّة في حق أهل البيتعليهم‌السلام

الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام

إنّ الروايات في فضل الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام وفضائله في الإسلام كثيرة جداً ، تجاوزت حدّ الإحصاء ، وقد أُلّفت الكتب وسطّرت الروايات في ذلك ، وقد قال أحمد بن حنبل : ( ما جاء لأحد من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الفضائل ما جاء لعليعليه‌السلام )(١) ، وقال ابن حجر في صواعقه : ( وهي كثيرة عظيمة شهيرة حتى قال أحمد ما جاء لأحد من الفضائل ما جاء لعلي ، وقال إسماعيل القاضي والنسائي وأبو علي النيسابوري لم يرد في حق أحد من الصحابة في الأسانيد الحسان أكثر ما جاء في علي )(٢) ، ولا يخفى دور الإمام علي بن أبي طالبعليه‌السلام في الإسلام في زمن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعده .

الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام

لا يخفى فضل الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام ودورهما في

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج٣ ص ١٠٧ .

(٢) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ١٨٦ .

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وعنده حقة، أخذت منه، وأعطي معها شاتين أو عشرين درهما. فإن وجبت عليه حقة، وعنده جذعة، أخذت منه، وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما.

فأمّا زكاة البقر، فليس في شي‌ء منها زكاة، الى أن تبلغ ثلاثين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها تبيع حولي. ثمَّ ليس فيما زاد عليها شي‌ء، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها مسنّة. وكلّ ما زاد على ذلك، كان هذا حكمه: في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنّة.

وأمّا الغنم، فليس فيها زكاة، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها شاة. ثمَّ ليس فيها شي‌ء، الى أن تبلغ مائة وعشرين. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها شاتان الى أن تبلغ مائتين. فإذا بلغت وزادت واحدة، كان فيها ثلاث شياه الى أن تبلغ ثلاثمائة. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها أربع شياه. ثمَّ تترك هذه العبرة فيما زاد عليه، وأخذ من كلّ مائة شاة.

وأمّا الخيل إذا كانت عتاقا كان على كلّ واحدة منها في في كلّ سنة ديناران. وإن كانت براذين كان على كلّ واحدة منها دينار واحد. ومن حصل عنده من كلّ جنس تجب فيه الزّكاة أقلّ من النّصاب الذي فيه الزّكاة، وإن كان لو جمع لكان أكثر من النّصاب والنّصابين، لم يكن عليه شي‌ء، حتى

١٨١

يبلغ كلّ جنس منه، الحدّ الذي تجب فيه الزّكاة. ولو أنّ إنسانا ملك من المواشي ما تجب فيه الزّكاة، وإن كانت في مواضع متفرّقة، وجب عليه فيها الزّكاة. وإن وجد في موضع واحد من المواشي ما تجب فيه الزكاة لملّاك جماعة لم يكن عليهم فيها شي‌ء على حال. ولا بأس أن يخرج الإنسان ما يجب عليه من الزّكاة من غير الجنس الذي يجب عليه فيه بقيمته. وإن أخرج من الجنس، كان أفضل.

باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة

لا زكاة في الذّهب والفضّة حتّى يحول عليهما الحول بعد حصولهما في الملك. فان كان مع إنسان مال أقلّ ممّا تجب فيه الزّكاة، ثمَّ أصاب تمام النّصاب في وسط السّنة، فليس عليه فيه الزّكاة حتّى يحول الحول على القدر الذي تجب فيه الزّكاة. وإذا استهلّ هلال الشّهر الثّاني عشر، فقد حال على المال الحول، ووجبت فيه الزّكاة. فإن أخرج الإنسان المال عن ملكه قبل استهلال الثّاني عشر، سقط عنه فرض الزّكاة. وإن أخرجه من ملكه بعد دخول الشّهر الثّاني عشر، وجبت عليه الزّكاة، وكانت في ذمّته الى أن يخرج منه.

وأمّا الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب، فوقت الزّكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ والصّرام، ثمَّ ليس فيها

١٨٢

بعد ذلك شي‌ء، وإن حال عليها حول، إلّا أن تباع بذهب أو فضّة، وحال عليهما الحول، فتجب حينئذ فيه الزّكاة.

وأمّا الإبل والبقر والغنم، فليس في شي‌ء منها زكاة، حتّى يحول عليها الحول من يوم يملكها. وكلّ ما لم يحل عليه الحول من صغار الإبل والبقر والغنم، لا تجب فيه الزّكاة. ولا يجوز تقديم الزّكاة قبل حلول وقتها. فإن حضر مستحقّ لها قبل وجوب الزّكاة، جاز أن يعطى شيئا ويجعل قرضا عليه. فإذا جاء الوقت، وهو على تلك الصّفة من استحقاقه لها، احتسب له من الزّكاة. وإن كان قد استغنى، أو تغيّرت صفته التي يستحقّ بها الزّكاة، لم يجزئ ذلك عن الزّكاة، وكان على صاحب المال أن يخرجها من الرأس.

وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخّره. فإن عدم المستحقّ له، عزله عن ماله، وانتظر به المستحق. فإن حضرته الوفاة، وصى به أن يخرج عنه. وإذا عزل ما يجب عليه من الزّكاة، فلا بأس أن يفرّقه ما بينه وبين شهر وشهرين، ولا يجعل ذلك أكثر منه. وما روي عنهمعليهم‌السلام ، من الأخبار في جواز تقديم الزّكاة وتأخيرها، فالوجه فيه ما قدّمناه في أنّ ما يقدّم منه يجعل قرضا، ويعتبر فيه ما ذكرناه، وما يؤخّر منه إنّما يؤخّر انتظار المستحق، فأمّا مع وجوده، فالأفضل إخراجه إليه على البدار حسب ما قدّمناه.

١٨٣

باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطى وأكثر

الذي يستحق الزّكاة هم الثّمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن: وهم الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، و( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ ) ، والغارمون،( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وابن السّبيل.

فأمّا الفقير فهو الذي له بلغة من العيش. والمسكين الذي لا شي‌ء معه. وأمّا العاملون عليها فهم الذين يسعون في جباية الصّدقات.

وأمّا المؤلّفة فهم الذين يتألّفون ويستمالون إلى الجهاد.

(وَفِي الرِّقابِ ) وهم المكاتبون والمماليك الذين يكونون تحت الشّدة العظيمة. وقد روي أنّ من وجبت عليه كفّارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطإ وغير ذلك، ولا يكون عنده، يشترى عنه ويعتق.

والغارمون هم الذين ركبتهم الدّيون في غير معصية ولا فساد.

( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) وهو الجهاد.

وابن السّبيل وهو المنقطع به. وقيل أيضا: إنّه الضّيف الذي ينزل بالإنسان ويكون محتاجا في الحال، وإن كان له يسار في بلده وموطنه.

١٨٤

فإذا كان الإمام ظاهرا، أو من نصبه الإمام حاصلا، فتحمل الزّكاة إليه، ليفرّقها على هذه الثّمانية الأصناف. ويقسم بينهم على حسب ما يراه. ولا يلزمه أن يجعل لكل صنف جزءا من ثمانية، بل يجوز أن يفضّل بعضهم على بعض، إذا كثرت طائفة منهم وقلّت آخرون.

وإذا لم يكن الإمام ظاهرا، ولا من نصبه الإمام حاصلا، فرّقت الزّكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم، وهم الفقراء والمساكين( وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ ) وابن السّبيل. ويسقط سهم( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وسهم السّعاة وسهم الجهاد، لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام. لأن الْمُؤَلَّفَةَ( قُلُوبُهُمْ ) إنّما يتألّفهم الإمام ليجاهدوا معه، والسّعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جميع الزّكوات، والجهاد أيضا إنّما يكون به أو بمن نصبه. فإذا لم يكن هو ظاهرا ولا من نصبه، فرّق فيمن عداهم.

والذين يفرّق فيهم الزّكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصّفات التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحقّ معتقدين له. فإن لم يكونوا كذلك، فلا يجوز أن يعطوا الزّكاة. فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. ولو أنّ مخالفا أخرج زكاته الى أهل نحلته، ثمَّ استبصر، كان عليه إعادة الزّكاة. ولا يجوز أن يعطى الزّكاة من أهل المعرفة إلّا أهل السّتر والصّلاح. فأمّا الفسّاق وشرّاب

١٨٥

الخمور فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا. ولا بأس أن تعطي الزّكاة أطفال المؤمنين. ولا تعطى أطفال المشركين.

ولا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النّفقة عليه مثل الوالدين والولد والجدّ والجدة والزّوجة والمملوك. ولا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل والقرابات من الأخ والأخت وأولادهما والعمّ والخال والعمّة والخالة وأولادهم.

والأفضل أن لا يعدل بالزّكاة عن القريب مع حاجتهم الى ذلك الى البعيد. فإن جعل للقريب قسط، وللبعيد قسط، كان أفضل.

ومتى لم يجد من تجب عليه الزّكاة مستحقّا لها، عزلها من ماله، وانتظر بها مستحقّها، فإن لم يكن في بلده من يستحقّها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر. فإن أصيبت الزّكاة في الطّريق أو هلكت، فقد أجزأ عنه. وإن كان قد وجد في بلده لها مستحقا، فلم يعطه، وآثر من يكون في بلد آخر، كان ضامنا لها، إن هلكت، ووجب عليه إعادتها.

ومن وصّي بإخراج زكاة، أو أعطي شيئا منها ليفرّقه على مستحقيه، فوجده، ولم يعطه. بل أخّره، ثمَّ هلك، كان ضامنا للمال.

ولا تحلّ الصّدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة. وهم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، وجعفر

١٨٦

ابن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب، وعبّاس بن عبد المطّلب. فامّا ما عدا صدقة الأموال، فلا بأس أن يعطوا إيّاها. ولا بأس أن تعطي صدقة الأموال مواليهم. ولا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. وإنّما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.

وهذا كلّه إنّما يكون في حال توسّعهم ووصولهم إلى مستحقّهم من الأخماس. فإذا كانوا ممنوعين من ذلك ومحتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم، فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار.

ولا يجوز أن تعطى الزّكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده وأود عياله. فإن كانت حرفته لا تقوم به، جاز له أن يأخذ ما يتّسع به على أهله. ومن ملك خمسين درهما يقدر أن يتعيّش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته، لم يجز له أن يأخذ الزكاة. وإن كان معه سبعمائة درهم، وهو لا يحسن أن يتعيّش بها، جاز له أن يقبل الزّكاة، ويخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزّكاة، فيتّسع به على عياله. ومن ملك دارا يسكنها وخادما يخدمه، جاز له أن يقبل الزّكاة. فإن كانت داره دار غلّة تكفيه ولعياله، لم يجز له أن يقبل الزّكاة فإن لم يكن له في غلّتها كفاية، جاز له أن يقبل الزّكاة.

وينبغي أن تعطي زكاة الذّهب والفضّة للفقراء والمساكين

١٨٧

المعروفين بذلك، وتعطي زكاة الإبل والبقر والغنم أهل التّجمّل.

فإن عرفت من يستحقّ الزّكاة، وهو يستحيي من التعرّض لذلك، ولا يؤثر إن تعرفه، جاز لك أن تعطيه الزّكاة وإن لم تعرفه أنّه منها، وقد أجزأت عنك.

وإذا كان على إنسان دين، ولا يقدر على قضائه، وهو مستحقّ لها، جاز لك أن تقاصّه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدّين على ميّت، جاز لك أن تقاصّه منها. وإن كان على أخيك المؤمن دين، وقد مات، جاز لك أن تقضي عنه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك، جاز لك أن تقضيه عنهم من الزّكاة.

فإذا لم تجد مستحقا للزّكاة، ووجدت مملوكا يباع، جاز لك أن تشتريه من الزّكاة وتعتقه. فإن أصاب بعد ذلك مالا، ولا وارث له، كان ميراثه لأرباب الزّكاة. وكذلك لا بأس مع وجود المستحقّ أن يشتري مملوكا ويعتقه، إذا كان مؤمنا، وكان في ضرّ وشدّة. فإن كان بخلاف ذلك، لم يجز ذلك على حال.

ومن أعطى غيره زكاة الأموال ليفرقها على مستحقها، وكان مستحقّا للزّكاة، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره. اللهمّ إلّا أن يعيّن له على أقوام بأعيانهم. فإنّه لا يجوز

١٨٨

له حينئذ أن يأخذ منها شيئا، ولا أن يعدل عنهم الى غيرهم.

وأقلّ ما يعطي الفقير من الزّكاة خمسة دراهم أو نصف دينار. وهو أوّل ما يجب في النّصاب الأوّل. فأمّا ما زاد على ذلك، فلا بأس أن يعطى كلّ واحد ما يجب في نصاب نصاب، وهو درهم إن كان من الدراهم، أو عشر دينار إن كان من الدّنانير، وليس لأكثره حد. ولا بأس أن يعطي الرّجل زكاته لواحد يغنيه بذلك.

باب وجوب زكاة الفطرة ومن تجب عليه

الفطرة واجبة على كلّ حر بالغ مالك لما تجب عليه فيه زكاة المال. ويلزمه أن يخرج عنه وعن جميع من يعوله من ولد ووالد وزوجة ومملوك ومملوكة، مسلما كان أو ذمّيّا، صغيرا كان أو كبيرا. فإن كان لزوجته مملوك في عياله، أو يكون عنده ضيف يفطر معه في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنهما الفطرة. وإن رزق ولدا في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنه. فإن ولد المولود ليلة الفطر أو يوم العيد قبل صلاة العيد، لم يجب عليه إخراج الفطرة عنه فرضا واجبا. ويستحبّ له أن يخرج ندبا واستحبابا.

وكذلك من أسلم ليلة الفطر قبل الصّلاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة، وليس ذلك بفرض. فإن كان إسلامه

١٨٩

قبل ذلك، وجب عليه إخراج الفطرة. ومن لا يملك ما يجب عليه فيه الزّكاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة أيضا عن نفسه وعن جميع من يعوله. فإن كان ممّن يحلّ له أخذ الفطرة أخذها ثمَّ أخرجها عن نفسه وعن عياله. فإن كان به إليها حاجة، فليدر ذلك على من يعوله. حتّى ينتهي إلى آخرهم، ثمَّ يخرج رأسا واحدا إلى غيرهم، وقد أجزأ عنهم كلّهم.

باب ما يجوز إخراجه في الفطرة ومقدار ما يجب منه

أفضل ما يخرجه الإنسان في زكاة الفطرة التّمر ثمَّ الزّبيب. ويجوز إخراج الحنطة والشّعير والأرزّ والأقط واللّبن. والأصل في ذلك أن يخرج كلّ أحد ممّا يغلب على قوته في أكثر الأحوال.

فأمّا أهل مكّة والمدينة وأطراف الشّام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان، فينبغي لهم أن يخرجوا التّمر. وعلى أوساط الشّام ومرو من خراسان والريّ، أن يخرجوا الزّبيب. وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها وخراسان، أن يخرجوا الحنطة والشّعير، وعلى أهل طبرستان الأرز، وعلى أهل مصر البرّ. ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط، فإذا عدموه، كان عليهم اللّبن.

١٩٠

ومن عدم أحد هذه الأصناف التي ذكرناها، أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة الوقت ذهبا أو فضة، لم يكن به بأس. وقد روي رواية أنّه يجوز أن يخرج عن كلّ رأس درهما. وقد روي أيضا أربعة دوانيق. والأحوط ما قدّمناه من أنّه يخرج قيمته بسعر الوقت.

فأمّا القدر الذي يجب إخراجه عن كلّ رأس، فصاع من أحد الأشياء التي قدّمنا ذكرها. وقدره تسعة أرطال بالعراقيّ وستّة أرطال بالمدني. وهو أربعة أمداد. والمدّ مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف. والدرهم ستّة دوانيق. والدّانق ثماني حبّات من أوسط حبّات الشّعير. فأمّا اللّبن فمن يريد إخراجه، أجزأه أربعة أرطال بالمدنيّ أو ستّة بالعراقي.

باب الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة ومن يستحقها

الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد. ولو أن إنسانا أخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين أو من أوّل الشّهر الى آخره، لم يكن به بأس، غير أن الأفضل ما قدّمناه.

فإذا كان يوم الفطر، فليخرجها، ويسلّمها الى مستحقّيها فإن لم يجد لها مستحقّا، عزلها من ماله، ثمَّ يسلّمها بعد الصّلاة أو من غد يومه الى مستحقّيها. فإن وجد لها أهلا، وأخّرها،

١٩١

كان ضامنا لها، الى أن يسلّمها إلى أربابها. وإن لم يجد لها أهلا، وأخرجها من ماله، لم يكن عليه ضمان.

وينبغي أن تحمل الفطرة الى الإمام ليضعها حيث يراه. فإن لم يكن هناك إمام، حملت الى فقهاء شيعته ليفرقوها في في مواضعها. وإذا أراد الإنسان أن يتولّى ذلك بنفسه، جاز له له ذلك، غير أنّه لا يعطيها إلا لمستحقّيها.

والمستحقّ لها، هو كلّ من كان بالصّفة التي تحلّ له معها الزّكاة. وتحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.

ولا يجوز حمل الفطرة من بلد الى بلد. وان لم يوجد لها مستحقّ من أهل المعرفة، جاز أن تعطى المستضعفين من غيرهم.

ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له، إلّا عند التقية أو عدم مستحقّيها من أهل المعرفة. والأفضل أن يعطي الإنسان من يخافه من غير الفطرة، ويضع الفطرة في مواضعها.

ولا يجوز أن يعطي أقلّ من زكاة رأس واحد لواحد مع الاختيار. فإن حضر جماعة محتاجون وليس هناك من الأصواع بقدر ما يصيب كلّ واحد منهم صاع، جاز أن يفرّق عليهم. ولا بأس أن يعطي الواحد صاعين أو أصواعا.

والأفضل أن لا يعدل الإنسان بالفطرة إلى الأباعد مع وجود القرابات ولا الى الأقاصي مع وجود الجيران. فإن فعل خلاف ذلك، كان تاركا فضلا، ولم يكن عليه بأس.

١٩٢

باب الجزية وأحكامها

الجزية واجبة على أهل الكتاب ممّن أبى منهم الإسلام وأذعن بها، وهم اليهود والنّصارى. والمجوس حكمهم حكم اليهود والنّصارى. وهي واجبة على جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلّفين وتسقط عن الصّبيان والمجانين والبله والنّساء منهم. فأمّا ما عدا الأصناف المذكورة من الكفّار، فليس يجوز أن يقبل منهم إلّا الإسلام أو القتل. ومن وجبت عليه الجزية وحلّ الوقت، فأسلم قبل أن يعطيها، سقطت عنه، ولم يلزمه أداؤها.

وكلّ من وجبت عليه الجزية، فالإمام مخيّر بين أن يضعها على رءوسهم أو على أرضيهم. فإن وضعها على رءوسهم، فليس له أن يأخذ من أرضيهم شيئا. وإن وضعها على أرضيهم، فليس له أن يأخذ من رءوسهم شيئا.

وليس للجزية حدّ محدود ولا قدر موقّت. بل يأخذ الإمام منهم على قدر ما يراه من أحوالهم من الغنى والفقر بقدر ما يكونون به صاغرين.

وكان المستحقّ للجزية في عهد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المهاجرين دون غيرهم. وهي اليوم لمن قام مقامهم في نصرة الإسلام والذبّ من سائر المسلمين.

١٩٣

ولا بأس أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب ممّا أخذوه من ثمن الخمور والخنازير والأشياء التي لا يحلّ للمسلمين بيعها والتّصرف فيها.

باب أحكام الأرضين وما يصح التصرف فيه منها بالبيع والشرى والتملك وما لا يصح

الأرضون على أربعة أقسام:

ضرب منها يسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال، فتترك في أيديهم، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر، وكانت ملكا لهم، يصحّ لهم التّصرّف فيها بالبيع والشّرى والوقف وسائر أنواع التّصرف.

وهذا حكم أرضيهم إذا عمروها وقاموا بعمارتها. فإن تركوا عمارتها، وتركوها خرابا، كانت للمسلمين قاطبة. وعلى الإمام أن يقبّلها ممّن يعمّرها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة ومئونة الأرض، العشر أو نصف العشر فيما يبقى في حصّته، إذا بلغ الى الحدّ الذي يجب فيه ذلك. وهو خمسة أوسق فصاعدا حسب ما قدّمناه.

والضّرب الآخر من الأرضين، ما أخذ عنوة بالسّيف، فإنّها تكون للمسلمين بأجمعهم. وكان على الإمام أن يقبّلها

١٩٤

لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل إخراج ما قد قبل به من حقّ الرّقبة، وفيما يبقى في يده وخاصّه العشر أو نصف العشر.

وهذا الضّرب من الأرضين لا يصحّ التّصرف فيه بالبيع والشرى والتملّك والوقف والصّدقات. وللإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره عند انقضاء مدّة ضمانه، وله التّصرّف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين. وهذه الأرضون للمسلمين قاطبة، وارتفاعها يقسم فيهم كلّهم: المقاتلة، وغيرهم. فإن المقاتلة ليس لهم على جهة الخصوص إلّا ما تحويه العسكر من الغنائم.

والضّرب الثّالث كلّ أرض صالح أهلها عليها، وهي أرض الجزية، يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وليس عليهم غير ذلك.

فإذا أسلم أربابها، كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء، ويسقط عنهم الصّلح، لأنه جزية بدل من جزية رءوسهم وأموالهم، وقد سقطت عنهم بالإسلام. وهذا الضّرب من الأرضين يصحّ التّصرّف فيه بالبيع والشّرى والهبة وغير ذلك من أنواع التّصرف، وكان للإمام أن يزيد وينقض ما صالحهم عليه بعد انقضاء مدّة الصّلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها

١٩٥

والضّرب الرّابع، كلّ أرض انجلى أهلها عنها، أو كانت مواتا فأحييت، أو كانت آجاما وغيرها ممّا لا يزرع فيها، فاستحدثت مزارع.

فإن هذه الأرضين كلّها للإمام خاصة، ليس لأحد معه فيها نصيب، وكان له التّصرّف فيها بالقبض والهبة والبيع والشّرى حسب ما يراه، وكان له أن يقبّلها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وجاز له أيضا بعد انقضاء مدّة القبالة نزعها من يد من قبّله إيّاها وتقبيلها لغيره، إلّا الأرضين التي أحييت بعد مواتها، فإن الذي أحياها أولى بالتّصرف فيها ما دام يقبلها بما يقبلها غيره. فإن أبى ذلك، كان للإمام أيضا نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه. وعلى المتقبّل بعد إخراجه مال القبالة والمؤن فيما يحصل في حصتّه، العشر أو نصف العشر.

باب الخمس والغنائم

الخمس واجب في جميع ما يغنمه الإنسان.

والغنائم كلّ ما أخذ بالسّيف من أهل الحرب الذين أمر الله تعالى بقتالهم من الأموال والسّلاح والكراع والثّياب والمماليك وغيرها ممّا يحويه العسكر وممّا لم يحوه.

ويجب الخمس أيضا في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح

١٩٦

التّجارات والزّراعات وغير ذلك بعد إخراج مئونته ومئونة عياله.

ويجب الخمس أيضا في جميع المعادن من الذّهب والفضّة والحديد والصّفر والملح والرّصاص والنّفط والكبريت وسائر ما يتناوله اسم المعدن على اختلافها.

ويجب أيضا الخمس من الكنوز المذخورة على من وجدها، وفي العنبر وفي الغوص.

وإذا حصل مع الإنسان مال قد اختلط الحلال بالحرام، ولا يتميّز له، وأراد تطهيره، أخرج منه الخمس، وحلّ له التّصرف في الباقي. وإن تميّز له الحرام، وجب عليه إخراجه وردّه الى أربابه. ومن ورث مالا ممّن يعلم أنّه كان يجمعه من وجوه محظورة مثل الرّبا والغضب وما يجري مجراهما، ولم يتميّز له المغصوب منه ولا الرّبا، أخرج منه الخمس، واستعمل الباقي، وحلّ له التّصرف فيه.

والذمّي إذا اشترى من مسلم أرضا، وجب عليه فيها الخمس.

وجميع ما قدّمناه ذكره من الأنواع، يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيرا، إلّا الكنوز ومعادن الذّهب والفضّة، فإنّه لا يجب فيها الخمس إلّا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب فيه الزّكاة.

١٩٧

والغوص لا يجب فيه الخمس إلّا إذا بلغ قيمته دينارا.

وأمّا الغلّات والأرباح فإنّه يجب فيها الخمس بعد إخراج حق السّلطان ومئونة الرّجل ومئونة عياله بقدر ما يحتاج اليه على الاقتصاد.

والكنوز إذا كانت دراهم أو دنانير، يجب فيها الخمس فيما وجد منها، إذا بلغ إلى الحدّ الّذي قدّمناه ذكره. وإن كان ممّا يحتاج الى المؤنة والنّفقة عليه، يجب فيه الخمس بعد إخراج المؤنة منه.

باب قسمة الغنائم والأخماس

كلّ ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف التي قدّمناه ذكرها، ممّا حواه العسكر يخرج منه الخمس. وأربعة أخماس ما يبقى يقسم بين المقاتلة. وما لم يحوه العسكر من الأرضين والعقارات وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس، والباقي تكون للمسلمين قاطبة: مقاتليهم وغير مقاتليهم، يقسمه الامام بينهم على قدر ما يراه من مئونتهم.

والخمس يأخذه الإمام فيقسمه ستّة أقسام:

قسما لله، وقسما لرسوله، وقسما لذي القربى. فقسم الله وقسم الرّسول وقسم ذي القربى للإمام خاصّة، يصرفه في أمور نفسه وما يلزمه من مئونة غيره.

١٩٨

وسهم ليتامى آل محمّد، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم. وليس لغيرهم شي‌ء من الأخماس. وعلى الإمام أن يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومئونتهم في السّنة على الاقتصاد. فإن فضل من ذلك شي‌ء، كان له خاصّة. وإن نقص كان عليه أن يتمّ من خاصّته.

وهؤلاء الذين يستحقّون الخمس، هم الذين قدّمنا ذكرهم ممّن تحرم عليهم الزّكاة، ذكرا كان أو أنثى. فإن كان هناك من أمّه من غير أولاد المذكورين، وكان أبوه منهم، حلّ له الخمس، ولم تحلّ له الزّكاة. وإن كان ممّن أبوه من غير أولادهم، وأمّه منهم، لم يحلّ له الخمس، وحلّت له الزّكاة.

باب الأنفال

الأنفال كانت لرسول الله خاصّة في حياته، وهي لمن قام مقامه بعده في أمور المسلمين. وهي كلّ أرض خربة قد باد أهلها عنها. وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب أو يسلّمونها هم بغير قتال، ورءوس الجبال وبطون الأودية والآجام والأرضون الموات التي لا أرباب لها، وصوافي الملوك وقطائعهم ممّا كان في أيديهم من غير وجه الغصب، وميراث من لا وارث له.

وله أيضا من الغنائم قبل أن تقسم: الجارية الحسناء،

١٩٩

والفرس الفاره، والثّوب المرتفع، وما أشبه ذلك ممّا لا نظير له من رقيق أو متاع.

وإذا قاتل قوم أهل حرب من غير أمر الإمام، فغنموا، كانت غنيمتهم للإمام خاصّة دون غيره.

وليس لأحد أن يتصرف فيما يستحقّه الإمام من الأنفال والأخماس إلّا بإذنه. فمن تصرّف في شي‌ء من ذلك بغير إذنه، كان عاصيا، وارتفاع ما يتصرّف فيه مردود على الإمام. وإذا تصرّف فيه بأمر الإمام، كان عليه أن يؤدي ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع.

هذا في حال ظهور الإمام. فأمّا في حال الغيبة، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لا بدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن. فأمّا ما عدا ذلك، فلا يجوز له التصرّف فيه على حال.

وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نصّ معيّن إلا أنّ كلّ واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط.

فقال بعضهم: إنّه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر.

وقال قوم: إنّه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا. فإذا حضرته الوفاة، وصّى به الى من يثق به من إخوانه المؤمنين

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361