الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 361
المشاهدات: 205114
تحميل: 7708


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 205114 / تحميل: 7708
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الخلاصة

أوّلاً : وجود روايات كثيرة صحيحة تنص على عدم وجود نص على أبي بكر ، من قبيل قول عائشة في مقام نفي النص : ( لو كان رسول الله مستخلفاً لاستخلف أبا بكر أو عمر )(١) ونحوها من الروايات .

ثانياً : اعتراف عدد كبير من أعلام السنّة بعدم وجود النص على أبي بكر وإنكارهم على مَن ادعى ذلك ، من قبيل القرطبي والنووي في شرحه لصحيح مسلم وابن حجر في فتح الباري ناسباً ذلك إلى جمهور أهل السنّة ، والمرغي في تفسيره والباقلاني في تمهيده والخضري في المحاضرات وابن حجر الهيتمي وعضد الدين الإيجي وابن أبي الحديد المعتزلي والغزالي والبغدادي وغيرهم .

ثالثاً : وجود شواهد قطعية كثيرة تدل على عدم النص على أبي بكر ، منها :

١ ـ ما حصل في السقيفة من نزاعات وتهديدات فيما بين الصحابة على الخلافة ، ولم يدّعِ أبو بكر ولا غيره وجود النص ، مع أنّه كان بأمس الحاجة إليه كحجّة دامغة .

٢ ـ تعبير عمر بقوله : ( إنّ بيعة أبي بكر فلتة ) .

٣ ـ اعتراف عمر بالنص لعليعليه‌السلام لا غير ، وأنّه هو الذي منع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتابة الوصية يوم وفاته .

٤ ـ اعتراف أبي بكر بإرادته لإكراه عليعليه‌السلام على البيعة لولا وجود فاطمةعليها‌السلام إلى جنبه ، وهذا يكشف عن كون استيلائه على السلطة غير شرعي .

٥ ـ قول عليعليه‌السلام إنّ بيعتي لا تحق لهم باطلاً ولا توجب لهم حقّاً .

ـــــــــــــ

(١) صحيح مسلم ، مسلم : ج ٤ ص ١٨٥٦ ؛ مستدرك الحاكم ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ٧٨ ، قال الحاكم ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٦ ص ٦٣ ، وغيرها من المصادر .

٢٢١

٦ ـ الأحاديث الكثيرة المتواترة في حق عليعليه‌السلام وأنّه مع الحق ومع القرآن ، ومَن يطع عليّاًعليه‌السلام فقد أطاع الله ورسوله ، وأنّ مَن فارق علياً فقد فارق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالتالي فارق الله تعالى ، وكذا حديث الغدير والثقلين ، وكل هذه الأحاديث صحيحة ومن المصادر المعتبرة ، فإنّ هذه الأحاديث الشريفة تدل على عدم النص على غير عليعليه‌السلام .

٧ ـ إنّ فاطمةعليها‌السلام ماتت وهي واجدة وغاضبة وغير راضية على أبي بكر ، ومن المعلوم إنّ عدم رضا فاطمةعليها‌السلام يدل على عدم رضا الله تعالى وغضبه على أبي بكر وعمر ، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخاطباً فاطمةعليها‌السلام : ( إنّ الرب يغضب لغضبك ويرضى لرضاك ) .

٨ ـ اعتراف معاوية بغصب أبي بكر للخلافة ، كما في رسالته التي أرسلها إلى محمد بن أبي بكر .

٩ ـ إنّ أبا بكر لم يكن مؤهّلاً لقيادة سرية صغيرة فضلاً عن خلافة المسلمين ، ولو كان أهلاً للقيادة والخلافة لما أمّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسامة بن زيد الذي لا يتجاوز عمره عشرين سنة قائداً على السرية ، وكان أبو بكر جندياً عادياً في تلك السرية .

١٠ ـ أحقّيّة أمير المؤمنين في الخلافة لا غير ، كما جاء ذلك في نصوص كثيرة ، مضافاً لدلالة حديث الاثني عشر المتسالم عليه عند الفريقين ، والذي لا يمكن تفسيره إلاّ بإمامة أهل البيتعليهم‌السلام دون غيرهم .

رابعاً : وجود تخطيط قرشي سابق للاستيلاء على السلطة ، ولهذا التخطيط شواهد كثيرة ، منها :

١ ـ محاولات أقطاب هذا التوجّه أن يكون لهم دور متميّز في حياة المسلمين ومبادراتهم للظهور والتقدّم ، وإن استلزم ذلك إيذاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من قبيل إبداء الرأي مقابل رأي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحوها ، كما هو الحال بالنسبة لعمر بن الخطاب وأبي بكر .

٢٢٢

٢ ـ الأمل والشوق الكبيريان في نفوس رجالات الحزب بأن يكون لهم دور كدور عليعليه‌السلام ، وما خصّه الله ورسوله به من امتيازات خاصة عبر عدد من الآيات والروايات .

٣ ـ ملاحظة العلاقات القائمة بين قادة هذا التحرّك ، حيث لم تكن عفوية فطرية ، وإنّما كانت علاقات هادفة يجمعها قاسم مشترك ، وهو الاستيلاء على السلطة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما نلمسه واضحاً عند إثارتهم للضجّة وتعالي الأصوات حين بيّن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخلفاء من بعده .

ومن الشواهد الأخرى على هذا التنسيق :

١ ـ تقاسمهم للخلافة بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستيلاؤهم على أهم المناصب الحكومية في الدولة حينما استولى أبو بكر على الخلافة وأخذ عمر القضاء وأبو عبيدة المال ، وتعد هذه المناصب من أهم المراكز في الدولة لهؤلاء الثلاثة الذين كان لهم الدور الكبير في التخطيط المسبق ، ولا يمكن أن يكون قد حصل ما حصل صدفة أو أنّه أمر عفوي ارتجالي .

٢ ـ ما فعله عثمان بن عفان حيث كتب اسم عمر في وصيّة أبي بكر من دون أن يأمره أبو بكر بذلك ؛ لأنّه كان مغمىً عليه ، وهذا يدل على اطلاع عثمان وعلمه بهذا التخطيط والتقسيم فيما بينهم .

٣ ـ وجود النزعة القبلية عند قريش التي كانت ترفض اجتماع القيادة في بيت واحد ، فهي لم تكن تتحمّل ظهور بطن من خيار بطونها وأفضلها وهم بنو هاشم ونيلهم مقام النبوّة ، فكيف تتحمّل استمرار السلطة في هذا البيت ؟

خامساً : السياسات التي اتبعتها السلطة الحاكمة تكشف عن عدم شرعيتها وتخطيطها لاستلام الحكم مسبقاً ؛ ولذلك شواهد كثيرة ، منها :

١ ـ اتهام بني هاشم بإحداث وإثارة الفتنة ، لا سيّما اتهام أبي بكر لعليعليه‌السلام بذلك .

٢٢٣

٢ ـ أسلوب الشدّة والعنف مع الإمام عليعليه‌السلام ومَن معه من أتباعه .

٣ ـ عدم إشراك أي شخص من الهاشميين في شؤون الحكم ، خشية أن يصل الهاشميون إلى الخلافة ؛ ولذا لم يجعلوا أي واحدٍ منهم والياً على شبر من الدولة الإسلامية .

٤ ـ تهيئة وإعداد مجموعة كبيرة معادية لأهل البيتعليهم‌السلام ، منافسة لهم في الوصول إلى المناصب العالية في الحكم ، كما هو الحال في الأمويين .

٥ ـ عزل كل العناصر التي تميل إلى بني هاشم ، كما هو الحال في عزل

أبي بكر لخالد بن سعيد بن العاص عن قيادته للجيش ، لولائه لآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦ ـ غصبهم لفدك في محاولة منهم لإضعاف القدرة الاقتصادية للإمام عليعليه‌السلام خشية استثمارها في الدعوة لاستعادة حقّه الشرعي .

الفصل الخامس: عصيان الصحابة

عصيان الصحابة

الشبهة :

كيف أوصى الرسول وأشهد الصحابة على الولاية ثم عصوه ؟

وكيف أجبر أبو بكر وعمر وأبو عبيدة الناس على البيعة ؟

الجواب :

تمهيد :

بادئ ذي بدء ، نقول : إنّ خير دليل على الإمكان هو الوقوع ، وهذا التاريخ بين أيدينا يحدثنا عن وقوع هذه الحوادث وعدول الصحابة عن وصية نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلاّ مَن امتحن الله قلبه للإيمان ، وهم : عليعليه‌السلام وأتباعه ، ولا يمكن التشكيك بصحة هذه الوقائع ، بعدما نطقت به أحاديث الفريقين .

٢٢٤

والملاحظة الجديرة بالذكر ، أنّ ما حصل من انحراف عن وصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعدول عن الوصي الشرعي ، وهو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ليس غريباً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار طبيعة النفس الإنسانية ، وما فيها من تجاذبات ميّالة إلى التسلّط والزعامة والظلم وغيرها ، كما أعرب القرآن الكريم عن ذلك في كثير من الآيات المباركة : كقوله تعالى :( إِنّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ ) (١) .

وقوله تعالى :( وَكَانَ الإِنسَانُ كَفُوراً ) (٢) .

ـــــــــــــ

(١) إبراهيم : ٣٤ .

(٢) الإسراء : ٦٧ .

٢٢٥

وقوله تعالى :( قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ) (١) .

وممّا يؤكّد ذلك سيرة هذا الإنسان مع أنبياء الله ورسله وأوصيائهم ، وسائر حججه تعالى على خلقه ، حيث نجد إعراض أغلب الناس عن دعوة الأنبياء وهدايتهم ، فهذا شيخ الأنبياء نوح لبث في قومه( أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عَاماً ) (٢) ، فلم يؤمن به إلاّ قليلٌ منهم .

وقد كشف القرآن الكريم هذه الحقيقة في كثير من الآيات ، كقوله تعالى في قوم نوحعليه‌السلام :( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ ) (٣) ، وقوله عزّ وجلّ في قوم موسىعليه‌السلام :( ثُمّ تَوَلّيْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ) (٤) ، وقوله تبارك وتعالى :( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشّكُورُ ) (٥) ، وقوله :( إِلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ) (٦) ، وغيرها من الآيات .

فإذا كان هذا حال الأمم الماضية مع أنبيائها من الإعراض والتمرّد ، كذلك ما حصل في أُمّتنا الإسلامية ، التي أنبأ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أنّها يجري فيها ما جرى في الأمم السالفة ، كما هو وارد في الأحاديث المتفق عليها عند الفريقين .

منها ما ورد في صحيح البخاري ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لتتبعنّ سنن مَن كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، حتى لو

ـــــــــــــ

(١) عبس : ١٧.

(٢) العنكبوت : ١٤ .

(٣) هود : ٤٠ .

(٤) البقرة : ٨٣ .

(٥) سبأ : ١٣ .

(٦) سورة ص : ٢٤ .

٢٢٦

دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم ، قلنا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال :فمن ؟! ) (١) .

وفي نص آخر أخرجه الحاكم في مستدركه ـ ووافقه الذهبي في تلخيصه ـ عن عمرو بن عوف المزني ، عن أبيه ، قال : كنّا قعوداً حول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجده ، فقال :( لتسلكن سنن مَن قبلكم حذو النعل بالنعل ، ولتأخذنّ مثل أخذهم إن شبراً فشبر ، وإن ذراعاً فذراع ، وإن باعاً فباع ، حتى لو دخلوا جحر ضب دخلتم فيه ، ألا إن بني إسرائيل افترقت على موسى على إحدى وسبعين فرقة كلها ضالّة إلاّ فرقة واحدة ) (٢) .

خلفيات عدول بعض الصحابة عن وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أوّلاً : الحرص على كرسي الزعامة

لا عجب ممّا فعله الصحابة ، من إعراضهم عن وصايا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار طبيعة قريش وما تحمله من تطلّع نحو الزعامة والملك والسلطان ، وذلك ما كان يتخوّف منه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما قال :

ـــــــــــــ

(١) صحيح الخباري : ج ٤ ص ٤٠٠ ح ٧٣٢٠ ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ، باب لتتبعن سنن مَن كان قبلكم .

(٢) المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ١ ص ١٢٩ ؛ وكذا : مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٧ : ص ٢٦٠ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١ ص ٢١١ ح ١٠٥٩ ؛ تحفة الأحوذي ، المباركفوري : ج ٦ ص ٣٤٠ ؛ قال فيه : ( هذا حديث حسن صحيح ، وأخرجه أحمد في مسنده ) ؛ السنن ، الترمذي : ج ٤ ص ١٣٥ ح ٢٧٧٩ ، قال فيه : ( هذا حديث حسن غريب ) ، سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : ج ٣ ص ٣٣٤ ، ح ١٣٤٨ ، وفيه زيادة : ( وحتى لو أنّ أحدهم ضاجع أُمّه بالطريق لفعلتم ) ، قال الألباني : رجاله رجال الصحيح غير موسى بن ميسرة الديلمي وهو ثقة على أنّه متابع .

٢٢٧

 ( أكثر ما أتخوّف على أُمّتي من بعدي رجل يتأوّل القرآن يضعه على غير مواضعه ، ورجل يرى أنّه أحق بهذا الأمر من غيره ) (١) .

ثانياً : دور المنافقين والذين في قلوبهم مرض

إنّ وجود عدد كبير من المنافقين في صفوف المسلمين ، الذين ما فتئوا يتربّصون الدوائر للإطاحة بالإسلام ، له دور مهم في إيجاد حالة إعلامية وخلق أجواء سياسية مناهضة للخلافة الشرعية ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان )(٢) ، وكذلك وجود طائفة من مرضى القلوب ، كقوله تعالى :( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ غَرّ هؤُلاَءِ دِينُهُمْ ) (٣) .

ثالثاً : التنافس والنزاع بين القبائل

لقد كان لطبيعة العلاقات التي كانت سائدة بين القبائل في المدينة المنوّرة دور مؤثّر في هذا المجال ، حيث كان التنافس والنزاع سائداً بين تلك القبائل ، كما هو الحال في قبيلتي الأوس والخزرج ، فلم تكن قبائل المدينة المنورة موحّدة ، بل إنّ قبلتي الأوس والخزرج ـ وهما قبيلتان كبيرتان من الأنصار ـ كانتا متنازعتين متنافستين على الزعامة في الجاهلية ،

ـــــــــــــ

(١) المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٢ ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٢٠٥ ح ١٣٨٣ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٠ ص ٢٠٠ ح ٢٩٠٥٢.

(٢) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، الهيثمي : ج ١ ص ١٨٧ ، قال فيه : ( رواه الطبراني في الكبير والبزار ، ورجاله رجال الصحيح ) .

(٣) الأنفال : ٤٩ .

٢٢٨

وسكنت فورتهم بوجود رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين ظهرانيهم ، وقد كانت تطفح فورة التنازع بينهم في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الحين والآخر ، كما نقل ذلك البخاري ، ومسلم في صحيحيهما ، وكذا غيرهما ، من ذلك المقطع التالي : ( فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر ، فقال : يا معشر المسلمين ، مَن يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي ، فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل ، فقال : أنا يا رسول الله أعذرك ، فإن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج ، أمرتنا ففعلنا أمرك ، فقام رجل من الخزرج [هو سعد بن عبادة] ، فقال لسعد : [ والمقصود به ابن معاذ الأنصاري ] كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل ، فقام أسيد بن حضير ، وهو ابن عم سعد ، فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه ، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين ، فثار الحيّان الأوس والخزرج ، حتى همّوا أن يقتتلوا ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائم على المنبر )(١) .

وكذلك نقل الطبري في تفسيره ، وغيره : ( عن زيد بن أسلم قال : مرَّ شاس بن قيس ـ وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية ، عظيم الكفر ، شديد الضغن على المسلمين ، شديد الحسد لهم ـ على نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأوس والخزرج ، في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه ، فغاظه ما رأى من جماعتهم ، وإلفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام ، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية ، فأمر فتىً شاباً من اليهود ، وكان معه ، فقال : اعمد إليهم فاجلس معهم ، وذكّرهم يوم بعاث وما كان قبله ، وأنشدهم بعض

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٥٤ ـ ٥٥ ح ٤١٤١ ، كتاب المغازي ، باب حديث الإفك ؛ صحيح مسلم : ج ٤ ص ٢١٢٩ ـ ٢١٣٤ ح ٢٧٧٠ ، كتاب التوبة ، باب في حديث الإفك .

٢٢٩

ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار ، ففعل فتكلّم القوم عند ذلك ، فتنازعوا وتفاخروا ، حتى تواثب رجلان من الحيّين على الركب ، فتقاولا ، ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم والله رددناها الآن جذعة ، وغضب الفريقان ، وقالوا : قد فعلنا ، السلاح السلاح ، موعدكم الظاهرة ، فخرجوا إليها ، وتحاور الناس ، فانضمت الأوس بعضها إلى بعض ، والخزرج بعضها إلى بعض ، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية ، فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج إليهم ، فقال : يا معشر المسلمين ، الله الله ، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام )(١) .

إذن كان للخلاف العريق بينهم الدور الكبير في حسم الموقف في السقيفة لصالح زعماء الحزب القرشي ، وهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ابن الجراح .

ويتضح من ذلك أنّ الأجواء التي كان يتعايش فيها الأوس والخزرج ، أجواء مضطربة هيّأت الأرضية المناسبة لانقلاب الأمر في السقيفة لمَن حضرها من المهاجرين ؛ ومن هنا نجد أنّ المنازعة ذاتها تكررت في السقيفة بين الأوس والخزرج ، عندما قام بشير بن سعد ، فقال : ( يا معشر الأنصار ، إنّا والله لئن كنّا أولي فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ، ما أردنا به إلا رضى ربنا ، وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ، ولا نبتغي به من الدنيا عرضاً ، فإنّ الله ولي المنّة علينا بذلك ، ألا إنّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قريش ، وقومه أحق به وأولى ، فناداه الحباب بن المنذر : يا بشير بن سعد ، عققت عقاق ، ما أحوجك إلى ما

ـــــــــــــ

(١) جامع البيان ، الطبري : ج ٤ ص ٣٢ ـ ٣٣ .

٢٣٠

صنعت ، أنفّست على ابن عمّك الإمارة ، ولمّا رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد ، فقاموا إليه [ أبو بكر ] فبايعوه )(١) .

فكان ذلك الاختلاف والتنازع بين القبيلتين من العوامل المساعدة في حسم الموقف في تلك الأجواء الملتهبة لصالح المهاجرين ، وبالخصوص مَن حضر منهم ، ولم يكن ذلك كاشفاً عن الرأي السديد والشرعي في الخلافة ، بل هي ظروف وأجواء مهّدت لذلك .

ومن هنا نجد أنّ عليّاًعليه‌السلام عندما تكلّم عن فضله ، وسابقته في الإسلام ، وأحقّيّته برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمام أبي بكر وعمر وجمع من الناس ، قال : ( الله يا معشر المهاجرين ، لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فوالله ، يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به ؛ لأنّا أهل البيت ونحن أحق بهذا الأمر منكم والله إنّه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله ، فتزدادوا من الحق بعداً )(٢) فقام أحد الحاضرين ، وقال : ( لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ، ما اختلف عليك اثنان )(٣) .

ـــــــــــــ

(١) تاريخ ، الأمم والملوك ، الطبري : ج ٢ ص ٤٥٨ ؛ الإمامة والسياسة ، الدينوري : ج ١ ص ٢٦ .

(٢) الإمامة والسياسة ، الدينوري : ج ١ ص ٢٩ ؛ انظر : السقيفة وفدك ، أبو بكر الجوهري : ص ٦٣ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٦ ص ١٢ .

(٣) الإمامة والسياسة ، الدينوري : ج ١ ص ٢٩ ؛ السقيفة وفدك ، أبو بكر الجوهري : ص ٦٣ .

٢٣١

رابعاً : التناحر والتحاسد بين المهاجرين والأنصار

إنّ التناحر والتحاسد ـ الذي كان بين الأوس والخزرج ـ كان ذاته بين المهاجرين والأنصار ، ولهذه الحقيقة شواهدها الكثيرة أيضاً في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما أخرج ذلك البخاري في صحيحه ، عن جابر بن عبد الله ، قوله : ( كنّا في غزاة ، قال سفيان : مرةً في جيش فكسع(١) رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فسمعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :دعوها فإنها منتنة )(٢) .

وقد كان الأنصار يعلمون أنّ قريشاً سوف لا تسمح لعلي في تسلّم الخلافة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّهم سوف يزوونها عنه ، فكان الشغل الشاغل لهم ، أن يحصلوا على ضمانات تؤمّن لهم مصيرهم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك لأنّهم هم الذين قتلوا سادات قريش وأبطالها ، فكانوا يخشون أن تحيف عليهم قريش بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ومن هنا نجد أنّ عمر رتّب كلاماً ونمّقه لإقناع الأنصار وطمأنتهم بإعطائهم دوراً في الخلافة ، والموقف ذاته اتخذه أبو بكر في السقيفة ، حيث خاطب الأنصار بقوله : ( وأنتم يا معشر الأنصار مَن لا ينكر فضلهم في الدين ، ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام ،

ـــــــــــــ

(١) كسع : أن تضرب بيدك أو برجلك بصدر قدمك على دبر إنسان أو شيء ، وفي حديث زيد بن أرقم : إنّ رجلاً ضرب رجلاً من الأنصار ، أي : ضرب دبره بيده ؛ لسان العرب ، ابن منظور : ج ٨ ص ٣٠٩ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٢٩١ ح ٤٩٠٧ ، كتاب التفسير ، سورة المنافقون ، باب ( يقولون لإن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذل ) .

٢٣٢

ورضيكم الله أنصاراً لدينه ورسوله ، وجعل إليكم هجرته ، وفيكم جلةّ أزواجه وأصحابه ، فليس بعد المهاجرين الأوّلين عندما بمنزلتكم ، فنحن الأُمراء وأنتم الوزراء )(١) .

خامساً : سياسة الإرهاب في السقيفة

لم تكن بيعة أبي بكر تتمتع بأجواء من الحرية والاختيار ، بل خيّمت عليها أجواء الرعب والقسوة والغلظة والإكراه ، فلم يُفسح المجال للصحابة كي يدلوا برأيهم بوافر من الحرية والاختيار ، بل السرعة والعجلة والإكراه زوت الخلافة عن صاحبها الشرعي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ولذا يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج : ( وعمر هو الذي شد بيعة أبي بكر ، ورقم المخالفين فيها ، فكسر سيف الزبير لما جرّده ، ودفع في صدر المقداد ، ووطئ في السقيفة سعد بن عباده ، وقال : اقتلوا سعداً قتل الله سعداً ، وحطّم أنف الحباب بن المنذر ، الذي قال يوم السقيفة : أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب .

وتوعّد مَن لجأ إلى دار فاطمةعليها‌السلام من الهاشميين ، وأخرجهم منها ، ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر ، ولا قامت له قائمة )(٢) .

وقال البراء بن عازب : ( فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية ، لا يمرون بأحد إلاّ خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر ،

ـــــــــــــ

(١) تاريخ الأمم والملوك ، الطبري : ج ٢ ص ٤٥٧ .

(٢) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١ ص ١٧٤ .

٢٣٣

يبايعه ، شاء ذلك أو أبى ، فأنكرت عقلي وخرجت )(١) .

وعندما جاء عمر إلى بيت فاطمةعليها‌السلام ( وخرج إليهم الزبير بسيفه ، فقال عمر : عليكم الكلب )(٢) .

سادساً : مخالفات الصحابة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

لقد حدثنا التاريخ عن مخالفات كثيرة حصلت من المهاجرين والأنصار لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يكن إطباق أكثرهم على مخالفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أول قارورة انكسرت في الإسلام ، وقد اتخذت المخالفات صوراً وأشكالاً متعددة ومتنوعة منها :

١ ـ عصيان أوامر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ المواقف التي وقفها بعض الصحابة الذين يعتبرون من المقربين من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكشف عن عدم معرفتهم بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجهلهم بمكانتة القدسية بحيث أدى بهم الأمر إلى عصيان أوامره وكأنّه شخص عادي ، وقد جاء في الصحاح والكتب الأخرى ما يكشف عن ذلك ومنها :

أ ـ أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله : ( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان حتى بلغ كراع الغميم ، فصام الناس ثم دعا بقدح من ماء ، فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب ، فقيل له بعد ذلك : إنّ بعض الناس قدم صام فقام :أولئك العصاة ، أولئك العصاة )(٣)

ـــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١ ص ٢١٩ .

(٢) السقيفة ، أبو بكر الجوهري : ص ٦٢ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٦ ص ١١ .

(٣) صحيح مسلم ، محمد بن مسلم النيسابوري : ج ٢ ص ٧٨٥ ح ١١١٤ ، كتاب الصيام .

٢٣٤

  ( وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (١) .

ب ـ وأخرج مسلم في صحيحه أيضاً بسنده عن عائشة أنّها قالت : ( قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس ، فدخل عليّ وهو غضبان ، فقلت : مَن أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار ، قال :أوَما شعرت أنّي أمرت الناس بأمر فإذا هم يتردّدون )(٢) .

ج ـ وأخرج الهيثمي في مجمع الزوائد عن البزار قال : ( خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه فأحرمنا بالحج ، فلمّا أن قدمنا مكة ، قال :اجعلوا حجّكم عمرة ، قال الناس : يا رسول الله أحرمنا بالحج فكيف نجعلها عمرة ، قال :انظروا ما آمركم به فاعملوا قال : فردّوا عليه القول ، فغضب ثم انطلق حتى دخل على عائشة غضبان ، قال : فعرفت الغضب في وجهه ، قالت : مَن أغضبك أغضبه الله ، قال :مالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر لا يتّبع ) .

قال الهيثمي : ( رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح )(٣) .

د ـ وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس قال : ( لمّا اشتد بالنبي وجعه قال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ، قال عمر : إنّ النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا ، فاختلفوا وكثر اللغط ، قال : قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع ، فخرج ابن عباس يقول : إنّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله وبين كتابه )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) الأحزاب : ٣٦ .

(٢) صحيح مسلم ، محمد بن مسلم النيسابوري : ج ٢ ص ٨٧٩ ح ١٢١١ ، كتاب الحج .

(٣) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٣ ص ٢٣٣ .

(٤) صحيح البخاري : ج ١ ص ٧٣ ـ ٧٤ ح ١١٤ ، كتاب العلم ، باب كتابة العلم .

٢٣٥

٢ ـ الفرار في معركة أحد

أخرج البخاري ، عن أنس قال : ( لمّا كان يوم أُحد انهزم الناس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) .

وأخرج أيضاً في نفس الواقعة : ( فأقبلوا منهزمين ، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم ، فلم يبق مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير اثني عشر رجلاً )(٢) .

وأخرج أيضاً ، عن أنس : ( إنّ عمّه قال : فهزم الناس ، فقال : اللّهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء [ يعني المسلمين ] ، وأبرأ إليك ممّا جاء به المشركون )(٣) .

٣ ـ الفرار في يوم حنين

أخرج البخاري ، عن أبي إسحاق قوله : ( قال رجل للبراء بن عازب : أفررتم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم حنين ؟ فقال : لكنّ رسول الله لم يفر )(٤) .

وأخرج الطبراني بسنده عن زيد بن أرقم قال : ( انهزم الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم حنين ، فقال :أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب )(٥) ، وقال

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري : ج ٢ ص ٢٣٠ ح ٢٨٨٠ ، كتاب الجهاد والسير ، باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال .

(٢) المصدر نفسه : ج ٢ ص ٢٦٧ ح ٣٠٣٠ ، كتاب الجهاد والسير ، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب .

(٣) المصدر نفسه : ج ٣ ص ٢٩ ح ٤٠٤٨ ، كتاب المغازي ، باب غزوة أحد .

(٤) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٩٢ ح ٤٣١٧ ، كتاب المغازي ، باب قوله تعالى : ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ) ؛ صحيح مسلم : ج ٣ ص ١٤٠١ ح ١٧٧٦ ، كتاب الجهاد والسير ، باب في غزوة حنين ؛ صحيح ابن حبان : ج ١١ ص ٩٠ ح ٤٧٧٠ .

(٥) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ١٩٠ .

٢٣٦

الهيثمي: (رواه الطبراني ورجاله ثقاة)(١) .

٤ ـ اعتراض الأصحاب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديبية

أخرج البخاري أيضاً قول عمر : ( فأتيت نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : ألست نبي الله حقاً ؟

قال : بلى .

قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟

قال : بلى .

قلت فلمَ نعطي الدنية في ديننا ؟ ـ إلى أن قال : ـ فلمّا فرغ من قضية الكتبا ، قال رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه : قوموا ثم احلقوا ، قال : فوالله ما قام منهم رجل ، حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلمّا لم يقم منهم أحد دخل على أُمّ سلمة فذكر لها ما لقي في الناس ، فقالت أُم سلمة : يا نبي الله أتحب ذلك ؟ أخرج ثم لا تكلّم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك ، وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلّم أحداً منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه ، فلمّا رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غمّاً )(٢) .

ـــــــــــــ

(١) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٦ ص ١٨٢ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٢ ص ١٩٠ ـ ١٩١ ح ٢٧٣١ ـ ٢٧٣٢ ، كتاب الشروط ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب ؛ مسند أحمد : ج ٤ ص ٣٣٠ ـ ٣٣١ ؛ صحيح مسلم ، محمد بن مسلم النيسابوري : ج ٣ ص ١٤١١ ـ ١٤١٢ ح ١٧٨٥ ، كتاب الجهاد والسير ، باب صلح الحديبية ؛ نيل الأوطار ، الشوكاني ج ٨ ص ١٨٧ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١١ ص ٢٢٤ ؛ وغيرها من المصادر الكثيرة .

٢٣٧

٥ ـ الإشفاق من التصدّق

وذلك قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَمْ تَجِدُوا فَإِنّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ * ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصّلاَةَ وَآتُوا الزّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (١) .

وفي فتح الباري : أخرج سفيان بن عيينة في جامعه عن عاصم الأحول قال : ( لمّا نزلت كان لا يناجي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد إلاّ تصدق ، فكان أوّل مَن ناجاه علي بن أبي طالب ، فتصدّق بدينار ، ونزلت الرخصة ( فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ ) الآية ، وهذا مرسل رجاله ثقات )(٢) ، وفي تحفة الأحوذي قال : ( فلمّا أُمروا بالصدقة كفّوا عن مناجاته ، فأمّا الفقراء وأهل العسرة فلم يجدوا شيئاً ، وأمّا الأغنياء وأهل الميسرة فضنوا واشتد ذلك على أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنزلت الرخصة ، وبعده ( ذلك خير لّكم ) يعني تقديم الصدقة على المناجاة لما فيه من طاعة الله وطاعة رسوله ( وأطهَرُ ) (٣) ، وفي موضع آخر نقل صاحب تحفة الأحوذي ، عن أبي يعلى ، وابن جرير، والمنذر عن مجاهد ، قال : ( فلم يناجه إلاّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه قدّم ديناراً ، فتصدق به ، ثم أنزلت الرخصة في ذلك ) )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) المجادلة : ١٢ ـ ١٣ .

(٢) فتح الباري ، ابن حجر : ج ١١ ص ٦٨ .

(٣) تحفة الأحوذي ، المباركفوري ج ٩ ص ١٣٧ .

(٤) المصدر نفسه : ج ٩ ص ١٣٨ .

٢٣٨

٦ ـ عدم إنفاذ جيش أسامة

حيث تخلّف القوم عن إنفاذ جيش أسامة ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكرّر قوله :( أنفذوا بعث أسامة ، لعن الله مَن تخلّف عنه ) (١) ، ويقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً :( أنفذوا بعث أسامة ، فلعمري لأن قلتم في أمارته لقد قلتم في أمارة أبيه من قبله ، وإنّه لخليق بالإمارة ) (٢) .

فإذا كانت تلك المخالفات الكثيرة والجماعية من الصحابة في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو بين أظهرهم ، فلا غرابة أن تقع ذلك بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وإذا كانوا قد تكلّموا في إمارته زيد ، وابنه أسامه لصغر سنّه ، فلا عجب أن يتكلّموا مَن في إمارة عليعليه‌السلام وخلافته ، خصوصاً وأنّ الحزب القرشي قد صرّح بأنّهم استصغروا سنّ عليعليه‌السلام ، فنحّوه عن الخلافة .

٧ ـ الارتداد والانقلاب على الأعقاب

إنّ الارتداد والانقلاب والعصيان من الأمور التي صرّحت بها الآيات المباركة ، والروايات الواردة عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد جاء في قوله تعالى :( وَمَا مُحمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى‏ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرِينَ ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) السقيفة ، أبو بكر الجوهري : ص ٧٧ ؛ انظر : شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٣٣٨ ؛ انظر : المعيار والموازنة ، الإسكافي : ص ٢١١ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٦ ص ٥٢ .

(٢) الطبقات الكبرى ، ابن سعد : ج ٢ ص ٢٤٩ ؛ سيرة ابن هشام : ج ٤ ص ١٠٦٤ .

(٣) آل عمران : ١٤٤ .

٢٣٩

وأخرج البخاري عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :( يا أيّها الناس إنّكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً (١) ، ثم قال :( كَمَا بَدَأْنَا أَوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ ) (٢) ، إلى آخر الآية ، ثم قال :ثم إنّ أوّل مَن يكسى يوم القيامة إبراهيم ، ألا إنّه يجاء برجال من أُمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا رب ! أصحابي ، فيقال : لا تدري ما أحدثوا بعدك ؟ فأقول كما قال العبد الصالح : ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) ، فيقال : إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم ) (٣) .

وروى البخاري أيضاً ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أنا فرطكم على الحوض ، ليرفعنّ إليّ رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : أي ربّ أصحابي ، فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك ) (٤) وروى أيضاً عن سهل بن سعد قال : سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( أنا فرطكم على الحوض ، مَن ورده شرب منه ، ومَن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً ، ليرد عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم ) (٥) .

وروى مسلم في صحيحه ، في كتاب الطهارة في الوضوء بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( ترد عليّ أُمّتي الحوض ، وأنا أذود الناس عنه ، كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله وليصدّن عنّي طائفة

ـــــــــــــ

(١) غرلاً : جمع الأغرل ، ورجل غرل : مسترخي الخلق ، لسان العرب ، ابن منظور : ج ١١ ص ٤٩٠.

(٢) الأنبياء : ١٠٤ .

(٣) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ح ٤٧٤٠ ، كتاب التفسير ،( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ) .

(٤) المصدر نفسه : ج ٤ ص ٣٣٤ ح ٧٠٤٩ ؛ كتاب الفتن ، باب ما جاء في قوله تعالى :( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ) .

(٥) صحيح البخاري : ج ٤ ص ٣٣٤ ح ٧٠٥٠ ، ح ٧٠٥١ ، كتاب الفتن ، باب ما جاء في قوله تعالى :( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ) .

٢٤٠