الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية15%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214035 / تحميل: 8507
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ان علق الامر بزوال علة النهى... إلى غير ذلك (والتحقيق) أنه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال فانه قل مورد منها يكون خاليا عن قرينة على الوجوب أو الاباحة أو التبعية، ومع فرض التجريد عنها لم يظهر بعد كون عقيب الحظر موجبا لظهورها في غير ما تكون ظاهرة فيه غاية الامر يكون موجبا لاجمالها غير ظاهرة في واحد منها الا بقرينة أخرى كما أشرنا (المبحث الثامن) الحق أن صيغة الامر مطلقا لا دلالة لها على المرة ولا التكرار، فان المنصرف عنها ليس الا طلب إيجاد الطبيعة المأمور بها فلا دلالة لها على أحدهما لا بهيئتها ولا بمادتها، والاكتفاء بالمرة فانما هو

______________________________

(قوله: إن علق النهي بزوال) كما في قوله تعالى: فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين، وقوله تعالى: فإذا تطهرن فأتوهن، وقوله تعالى: وإذا حللتم فاصطادوا (قوله: لا مجال للتشبث) اشارة إلى إبطال استدلال بعضهم على مدعاه ببعض موارد الاستعمال كالايات المتقدمة (وحاصله) أن الكلام في المقام في أن وقوع الامر عقيب الحظر هل هو من القرائن العامة التي لا يجوز العدول عن مقتضاها إلا بدليل الموجبة لظهور الصيغة في الاباحة مطلقا أو الوجوب أو رجوع الحكم السابق على النهي أو غير ذلك ؟ والاستعمال لا يدل على شئ من ذلك لامكان استناد الظهور فيه إلى قرينة خاصة غير الوقوع عقيب الحظر فلا يصح الاستناد إليه في اثبات الدعوى (قوله: ومع فرض) يعني لو فرض التجريد عن القرائن الخاصة لم يظهر أن الوقوع عقيب الحظر من القرائن الموجبة لظهور الصيغة في غير الوجوب الذي تكون ظاهرة فيه لولا الوقوع عقيب الحظر (قوله: لاجمالها) وعليه فلا تحمل على الوجوب بناء على وضعها له الا بناء على كون حجية أصالة عدم القرينة من باب التعبد لا من باب حجية الظهور

المرة والتكرار

(قوله: مطلقا) يعنى حيث لا يقيد بمرة أو تكرار (قوله: على المرة والتكرار) سيأتي منه شرحهما (قوله: لا بهيئتها ولا بمادتها) إذ

١٨١

لحصول الامتثال بها في الامر بالطبيعة كما لا يخفى (ثم) لا يذهب عليك أن الاتفاق على أن المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا يدل الا على الماهية - على ما حكاه السكاكي - لا يوجب كون النزاع ههنا في الهيئة - كما في الفصول - فانه غفلة وذهول عن أن كون المصدر كذلك لا يوجب الاتفاق على أن مادة الصيغة لا تدل إلا على الماهية، ضرورة أن المصدر ليس مادة لسائر المشتقات بل هو صيغة مثلها

______________________________

الهيئة موضوعة وضع الحروف للنسبة الخاصة والمادة موضوعة لصرف الماهية لا بشرط، وكل من المرة والتكرار خارج عن مدلولهما (قوله: لحصول الامتثال) إذ الامتثال يحصل بوجود المأمور به فإذا كان المأمور به صرف الطبيعة وكان يتحقق بالمرة كانت امتثالا للامر، ومنه يظهر بطلان استدلال القائل بالمرة بصدق الامتثال بها (قوله: لا يذهب عليك) قال في الفصول: الحق أن هيئة الامر لا دلالة لها على مرة ولا على تكرار... إلى أن قال: وانما حررنا النزاع في الهيئة لنص جماعة عليه، ولان الاكثر حرروا النزاع في الصيغة وهي ظاهرة بل صريحة فيها، ولانه لا كلام في أن المادة وهي المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا تدل الا على الماهية من حيث هي على ما حكى السكاكي وفاقهم عليه... الخ فأشكل عليه المصنف (ره) بان الاتفاق على عدم دلالة المصدر المجرد الا على الماهية لا يدل على كون النزاع في المقام في الهيئة لا في المادة إذ المصدر ليس مادة للمشتقات التي منها صيغة الامر بل هو مشتق مثلها، والمادة هي الامر المشترك بينه وبينها حسبما حققه (أقول): ما في الفصول يرجع إلى أمرين أحدهما أن المصدر مادة للمشتقات وثانيهما ان الاتفاق على عدم دلالته على المرة والتكرار يقتضي الاتفاق على عدم دلالة مادة (افعل) عليه ويكون النزاع في مدلول الهيئة أما الاول فيمكن أن يكون جاريا على المشهور، وأما الثاني فلا غبار عليه لان المصدر إذا لم يدل على المرة والتكرار دل ذلك عدم دلالة مادته عليهما فيصح الاستدلال به على عدم دلالة مادة (افعل) عليهما فيلزم الاتفاق على الاول الاتفاق على الاخير (قوله: غفلة وذهول) قد عرفت أنه في محله (قوله: ضرورة أن)

١٨٢

كيف وقد عرفت في باب المشتق مباينة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنى ؟ فكيف بمعناه يكون مادة لها ؟ فعليه يمكن دعوى اعتبار المرة أو التكرار في مادتها كما لا يخفى (إن قلت): فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلا في الكلام (قلت): - مع أنه محل الخلاف - معناه أن الذى وضع اولا بالوضع الشخصي ثم بملاحظته وضع نوعيا أو شخصيا ساير الصيغ التى تناسبه مما جمعه معه مادة لفظ متصورة في كل منها ومنه بصورة ومعنى كذلك، هو المصدر أو الفعل فافهم (ثم) المراد بالمرة والتكرار هل هو الدفعة والدفعات أو الفرد والافراد ؟ والتحقيق أن يقعا بكلا المعنيين محل النزاع

______________________________

هذا لا يثبت الاشكال على الفصول إلا من جهة ظهور كلامه في كون المصدر مادة للمشتقات، وقد عرفت إمكان حمله على الاصطلاح المشهوري (قوله: فعليه يمكن) قد عرفت أنه لا يمكن (قوله: مع أنه محل) هذا لا دخل له في دفع السؤال إذ قول الكوفيين: ان الفعل هو الاصل في الاشتقاق أءكد في توجه الاشكال فتأمل (قوله: معناه أن) إذا كان هذا معنى كلامهم فليكن هو معنى كلام الفصول (قوله: جمعه معه) الضمير الاول راجع إلى (ما) التي هي عبارة عن سائر الصيغ والثاني راجع إلى (الذي) ويمكن العكس (قوله: ومعنى) معطوف على قوله: لفظ، يعني ومادة معنى متصورة في كل منها ومنه (قوله: هو المصدر) خبر أن (قوله: أو الفعل فافهم) لعله اشارة إلى وجوب حمل كلامهم على ما ذكر بقرينة دعوى الكوفيين ان الفعل هو الاصل إذ لا يراد منه أن الفعل مادة للمشتقات بالمعنى الحقيقي " ثم " ان الموجود في بعض النسخ الضرب على لفظة: وهو أولى (قوله: الدفعة والدفعات) الفرق بين الدفعة والفرد أن الدفعة تصدق على الافراد المتعددة الموجودة في وقت واحد ولا يصدق عليها أنها فرد واحد، وأن الفرد الموجود تدريجا مثل الكلام الممتد المتصل فرد واحد وليس دفعة فبينهما عموم من وجه كما بين الافراد والدفعات ايضا (قوله: والتحقيق أن يقعا) الذي استظهره في الفصول أن النزاع

١٨٣

وان كان لفظهما ظاهرا في المعنى الاول (وتوهم) أنه لو أريد بالمرة الفرد لكان الانسب بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للمبحث الآتي من أن الامر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد ؟ فيقال عند ذلك: وعلى تقدير تعلقه بالفرد هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد أو لا يقتضي شيئا منهما ؟ ولم يحتج إلى إفراد كل منهما بالبحث - كما فعلوه - وأما لو أريد بها الدفعة فلا علقة بين المسألتين كما لا يخفى (فاسد) لعدم العلقة بينهما لو أريد بها الفرد أيضا فان الطلب - على القول بالطبيعة - إنما يتعلق بها باعتبار وجودها في الخارج ضرورة أن الطبيعة من حيث هي

______________________________

*

فيهما بالمعنى الاول، ونسب إلى القوانين كونه فيهما بالمعنى الثاني، والظاهر ان مراد المصنف (ره) امكان كون النزاع فيهما بالمعنيين لا تحقق النزاع فيهما بهما معا إذ ليس له وجه ظاهر (قوله: وان كان لفظهما) هذا من القرائن التي اعتمد عليها في الفصول لاثبات ما استظهره (قوله: وتوهم انه لو أريد) هذا التوهم للفصول والباعث له عليه ظهور لفظ الفرد المذكور في المسألتين بمعنى واحد وهو ما يقابل الطبيعة (قوله: فاسد لعدم العلقة) حاصله أن المراد بالفرد هنا غير المراد به في تلك المسألة إذ المراد به في تلك المسألة ما يتقوم بالخصوصية المميزة له عن بقية الافراد والمراد به هنا الوجود الواحد للمأمور به فان كان المأمور به هو الطبيعة يقع النزاع في أن صيغة الامر تدل على وجوب وجود واحد للطبيعة أو وجود متعدد لها أو مطلق وجودها فيتأتى النزاع على القول بتعلق الامر بالطبيعة بعين ما يتأتى به على القول بتعلقه بالفرد، والقرينة على إرادة هذا المعنى من الفرد جعله في قبال الدفعة (قوله: باعتبار وجودها) هذا ذكره المصنف (رحمه الله) تمهيدا لتأتي النزاع على القولين لا ردا على الفصول إذ لم يتوهم خلافه في الفصول كما يشهد به دعواه تأتي النزاع على القولين بناء على كون المراد الدفعة إذ لا يخفى أن القائل بالطبيعة لو كان مراده الطبيعة من حيث هي لا معنى لتأتى النزاع في المقام بكل معنى (قوله: ضرورة ان الطبيعة من) قد يقال: الماهية

١٨٤

ليست الا هي لا مطلوبة ولا غير مطلوبة، وبهذا الاعتبار كانت مرددة بين المرة والتكرار بكلا المعنيين فيصح النزاع في دلالة الصيغة على المرة والتكرار بالمعنيين وعدمها، أما بالمعنى الاول فواضح، وأما بالمعنى الثاني فلوضوح أن المراد من الفرد أو الافراد وجود واحد أو وجودات، وإنما عبر بالفرد لان وجود الطبيعة في الخارج هو الفرد غاية الامر خصوصيته وتشخصه - على القول بتعلق الامر بالطبايع - يلازم المطلوب وخارج عنه بخلاف القول بتعلقه بالافراد فانه مما يقومه (تنبيه) لا إشكال - بناء على القول بالمرة - في الامتثال وأنه لا مجال للاتيان بالمأمور به ثانيا على أن يكون أيضا به الامتثال فانه من الامتثال بعد الامتثال (وأما) على المختار من دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة ولا على التكرار فلا يخلو الحال إما أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان بل في مقام الاهمال أو الاجمال

______________________________

من حيث هي ليست الا هي، ويراد منه معنى أن كل ما هو خارج عنها فليس هو هي لا عينها ولا جزؤها، وبهذا المعنى يقال: الماهية من حيث هي لا موجودة ولا معدومة ولا واحد ولا كثير ولا غيرها، وقد يقال ذلك بمعنى أن الخارج عنها ليس عارضا لها بما هي هي بل بشرط الوجود، ويختص النفي بعوارض الوجود كالكتابة والحركة وبهذا المعنى يقال: الماهية من حيث هي لا كاتبة ولا متحركة ولا لا كاتبة ولا لا متحركة، فان الكتابة لما كانت في الرتبة اللاحقة للوجود كان نقيضها هو العدم في الرتبة اللاحقة له أيضا لوحدة رتبة النقيضين فجاز ارتفاع النقيضين في غير تلك الرتبة وحيث أن الطلب ليس من عوارض الماهية من حيث هي بل بشرط الوجود صح أن يقال: الماهية من حيث هي لا مطلوبة ولا لا مطلوبة فتأمل (قوله: وبهذا الاعتبار) أي اعتبار الوجود (قوله: في الامتثال) يعني يتحقق بالمرة (قوله: من الامتثال بعد الامتثال) يعني وهو ممتنع لان الامتثال فعل المأمور به وبالامتثال الاول يسقط الامر فلا يكون فعله ثانيا امتثالا وسيجئ له

١٨٥

فالمرجع هو الاصل، وإما أن يكون اطلاقها في ذاك المقام فلا اشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال، وإنما الاشكال في جواز ان لا يقتصر عليها فان لازم اطلاق الطبيعة المأمور بها هو الاتيان بها مرة أو مرارا لا لزوم الاقتصار على المرة كما لا يخفى (والتحقيق) أن قضية الاطلاق انما هو جواز الاتيان بها مرة في ضمن فرد أو افراد فيكون ايجادها في ضمنها نحوا من الامتثال كايجادها في ضمن الواحد لا جواز الاتيان بها مرة ومرات فانه مع الاتيان بها مرة لا محالة يحصل الامتثال ويسقط به الامر فيما إذا كان امتثال الامر علة تامة لحصول الغرض الاقصى بحيث يحصل بمجرده فلا يبقى معه مجال لاتيانه ثانيا بداعي امتثال آخر أو بداعي أن يكون الاتيانان امتثالا واحدا لما عرفت من حصول الموافقة باتيانها وسقوط الغرض معها وسقوط الامر بسقوطه فلا يبقى مجال لامتثاله أصلا، وأما إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض

______________________________

تتمة (قوله: فالمرجع هو الاصل) يعني الاصل العملي فلو تردد الامر بين الطبيعة والتكرار فالاصل البراءة عن وجوب الزائد على المرة مع تعدد الوجود أما مع اتصاله - بناء على تحقق التكرار به - فاستصحاب الوجوب هو المرجع، ولو تردد بين الطبيعة والمرة فلا أثر للشك، ولو تردد بين المرة والتكرار والطبيعة فالحكم كما لو تردد بين الطبيعة والتكرار، وكذا لو تردد بين المرة والتكرار، وربما يختلف الاصل باختلاف تفسير المرة من حيث كونها لا بشرط أو بشرط لا فلاحظ (قوله: في ذاك المقام) أي في مقام البيان (قوله: في الاكتفاء بالمرة) لصدق الطبيعة على المرة (قوله: في جواز ان لا يقتصر) يعني في جواز الاتيان ثانيا بقصد امتثال الامر لا مجرد الاتيان ثانيا بلا قصد الامر فانه لا ريب في جوازه (قوله: أو مرارا) فيجوز الاتيان ثانيا وثالثا بقصد الامتثال (قوله: فرد أو أفراد) يعني افرادا دفعية (قوله: فانه مع الاتيان بها) هذا تعليل لعدم كون مقتضى الاطلاق جواز الاتيان زائدا على المرة، ومرجعه إلى ابداء المانع العقلي عن ثبوت

١٨٦

كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضأ فأتى به ولم يشرب أو لم يتوضأ فعلا فلا يبعد صحة تبديل الامتثال باتيان فرد آخر أحسن منه بل مطلقا كما كان له ذلك قبله على ما يأتي بيانه في الاجزاء (المبحث التاسع) الحق انه لا دلالة للصيغة

______________________________

اطلاق المذكور لان الوجود الاول إذا كان علة تامة لسقوط الغرض كان علة تامة لسقوط الامر ايضا فيمتنع كون الوجود اللاحق موضوعا للامر كي يجوز الاتيان به بقصد امتثال الامر، وإذا امتنع كون الاتيان الثاني موضوعا للامر امتنع ان يكون اطلاق الصيغة شاملا للمرة والمرات " أقول ": يمكن منع الاطلاق المذكور مع قطع النظر عن المانع العقلي وذلك لان اطلاق المادة يقتضي أن يكون المراد بها صرف الوجود الصادق على القليل والكثير وهو لا ينطبق على الوجود اللاحق فانه وجود بعد وجود لا صرف الوجود الذي هو بمعنى خرق العدم فتأمل، وأما المانع الذي ذكره فهو يتوقف على امتناع التخيير بين الاقل والاكثر بكل وجه، وسيأتي الكلام فيه (قوله: كما إذا امر بالماء ليشرب) الغرض من الامر باحضار الماء: تارة يكون مجرد تمكن الآمر من شربه ولا ريب في حصوله بمجرد احضاره، واخرى يكون هو الشرب الفعلي فيشكل الامتثال ثانيا من جهة امتناع بقاء الامر مع حصول موضوعه الذي هو صرف الاحضار، فلا بد اما من الالتزام بأن موضوع الامر ليس مطلق الاحضار بل الاحضار المترتب عليه الشرب، والباعث على هذا الالتزام لزوم المساواة عقلا بين الغرض وموضوع الامر سعة وضيقا لامتناع التفكيك بينهما، وعليه فلا يتعين الاحضار الحاصل لان يكون مأمورا به الا بعد ترتب الغرض عليه، ولازمه ان المكلف في مقام الامتثال انما يأتي بالاحضار الاول رجاء كونه مأمورا به لا بقصد ذلك، وحينئذ فللمكلف الاتيان ثانيا وثالثا بهذا القصد بعينه ولا يكون فرق بين الوجود الاول وبقية الوجودات اللاحقة في كيفية الامتثال لكن لازم ذلك القول بالمقدمة الموصلة، واما من الالتزام بأن الغرض كما يبعث إلى الامر اولا بالاحضار يبعث ثانيا إلى صرف الاحضار المنطبق على بقاء الفرد الاول واحضار فرد آخر إذ لا يتعين للدخل في

١٨٧

لا على الفور ولا على التراخي (نعم) قضية إطلاقها جواز التراخي والدليل عليه تبادر طلب ايجاد الطبيعة منها بلا دلالة على تقيدها باحدهما فلا بد في التقييد من دلالة أخرى كما ادعي دلالة غير واحد من الآيات على الفورية، وفيه منع الضرورة أن سياق آية: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) وكذا آية: (واستبقوا الخيرات) انما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير من دون استتباع تركهما للغضب والشر ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعا للغضب والشر كان البعث بالتحذير عنهما أنسب كما لا يخفى " فافهم " مع لزوم كثرة تخصيصه في المستحبات وكثير من الواجبات بل أكثرها فلا بد من حمل الصيغة فيهما على خصوص الندب أو مطلق الطلب ولا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق وكان ما ورد من الآيات والروايات في مقام البعث نحوه ارشادا إلى ذلك كالآيات والروايات الواردة في البعث على اصل الاطاعة فيكون الامر فيها لما يترتب على المادة بنفسها ولو لم يكن

______________________________

الغرض الفرد الاول بخصوصه بمجرد وجوده بل كما لم يتعين أولا قبل وجوده لم يتعين بعد وجوده، ولازم ذلك الالتزام باوامر طولية بحسب الزمان مادام الغرض باقيا ويكون المراد من بقاء الامر هذا المعنى لا بقاء الامر الشخصي بحدوده لامتناع بقائه بحصول موضوعه فتأمل جيدا.

الفور والتراخى

(قوله: لا على الفور ولا على) كما هو المشهور وعن الشيخ (ره) وجماعة القول بالفور، وعن السيد (ره) الاشتراك بين الفور والتراخي، وعن آخرين التوقف، والتحقيق الاول ويظهر ذلك بملاحظة ما تقدم في المرة والتكرار (قوله: قضية اطلاقها) يعني اطلاق المادة بالاضافة إلى الزمان (قوله: تبادر طلب) يعني ولو كان الوجه في التبادر مقدمات الاطلاق (قوله: ضرورة ان تركهما) يعني أن ظاهر تعليق المسارعة والاستباق بالمغفرة والخير كون تركهما

١٨٨

هناك أمر بها كما هو الشأن في الاوامر الارشادية " فافهم " (تتمة) بناء على القول بالفور فهل قضية الامر الاتيان فورا ففورا بحيث لو عصى لوجب عليه الاتيان به فورا ايضا في الزمان الثاني أولا ؟ وجهان مبنيان على أن مفاد الصيغة - على هذا القول - هو وحدة المطلوب

______________________________

لا ينافي تحقق المغفرة والخير كما هو الحال في كل فعل متعلق بمفعوله، ولازم ذلك عدم وجوب المسارعة والاستباق والا كان تركهما موجبا للغضب والشر كما هو شأن ترك الواجب وهو خلف، بل كان الانسب حينئذ أن يقال: احذروا من الغضب والشر بالمسارعة والاستباق، لا التعبير بما في الآية، إلا أن يقال: ان الغضب الحاصل بترك المسارعة لا يضاد المغفرة التي هي موضوع المسارعة فوجوب المسارعة لا ينافي كون تركها لا يؤدي إلى الغضب بل إلى المغفرة، وكذا الحال في الآية الاخرى، ولكن هذا لو سلم لا ينافي ظهور السياق فيما ذكره المصنف (ره) فتأمل جيدا (والاولى) أن يقال: المغفرة في الآية الاولى يراد منها سببها وهو الاطاعة وكما يمتنع اخذ الاطاعة قيدا للواجب الشرعي يمتنع أخذ المسارعة إليها كذلك وكما أن الامر بالاطاعة ارشادي كذلك الامر بالمسارعة فيها، مع أن الآية على تقدير دلالتها على وجوب المسارعة لا تدل على تقييد الواجب بالفورية بل هي على خلاف ذلك أدل لان مادة المسارعة إلى الشئ إنما تكون فيما هو موسع كما لا يخفى، وكذا الحال في الآية الاخرى على تقدير كون المراد من الخيرات الخيرات الاخروية كما هو الظاهر، ولعله إلى بعض ما ذكرنا اشار بقوله: فافهم (قوله: الارشادية فافهم) لعله اشارة إلى لزوم الالتزام به لما عرفت، (قوله: فهل قضية الامر) ينبغي ان يجعل الاحتمال ثلاثي الاطراف فيقال: هل ظاهر الامر الاتيان به فورا فلو تركه عصى وسقط الامر أو الاتيان به فورا على نحو لو تركه في الزمان الاول عصى في ترك الفورية وبقي الامر بصرف الطبيعة أو الاتيان به فورا ففورا فلو تركه في الزمان الاول عصى ووجب الاتيان به بعد ذلك

١٨٩

أو تعدده ولا يخفى أنه لو قيل بدلالتها على الفورية لما كان لها دلالة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده فتدبر جيدا

الفصل الثالث

الاتيان بالمأمور به على وجهه يقتضى الاجزاء في الجملة بلا شبهة، وقبل الخوض في تفصيل المقام وبيان النقض والابرام ينبغي تقديم أمور (أحدها) الظاهر ان المراد من (وجهه) في العنوان هو النهج الذى ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعا

______________________________

فورا أيضا... وهكذا، ومبنى الاحتمال الاول ان الفورية في الزمان الاول مقومة لاصل المصلحة فتفوت بفوتها وهذا هو المراد من وحدة المطلوب، ومبنى الثاني ان يكون مصلحتان احداهما قائمة بذات الفعل مطلقا والاخرى قائمة بالفورية في الزمان الاول لا غير، ومبنى الثالث كذلك الا ان مصلحة الفورية ذات مراتب مختلفة يكون ترك الفورية في كل زمان مفوتا لمرتبة من مصلحتها لا لاصلها كما هو مبنى الثاني (قوله: أو تعدده) قد عرفت ان تعدده على نحوين يكونان مبنيين لاحتمالين (قوله: لو قيل بدلالتها على) اما لو كان الدليل على الفورية غير الصيغة فيختلف باختلاف تلك الادلة، وفي المعالم بنى القول بالسقوط على الاستناد لغير الآيتين والقول بعدمه على الاستناد اليهما، ولا يخلو من تأمل ليس هذا محل ذكره والله سبحانه اعلم، ثم انه حيث كان اطلاق يعتمد عليه في نفي الفور والتراخي فلا اشكال واما إذا لم يكن اطلاق كذلك فالمرجع الاصل فلو كان التردد بين الفور والتراخي فالواجب الجمع بين الوظيفتين للعلم الاجمالي بالتكليف باحدهما، ولو كان بين الفور والطبيعة فالمرجع اصل البراءة لو كان وجوب الفورية على نحو تعدد المطلوب ولو كان بنحو وحدة المطلوب فالحكم هو الحكم مع الشك بين الاقل والاكثر، وكذا الحكم لو كان التردد بين الطبيعة والتراخي والله سبحانه أعلم

١٩٠

وعقلا مثل أن يؤتى به بقصد التقرب في العبادة، لا خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا فانه عليه يكون (على وجهه) قيدا - توضيحيا - وهو بعيد - مع أنه يلزم خروج التعبديات عن حريم النزاع بناء على المختار كما تقدم من ان قصد القربة من كيفيات الاطاعة عقلا لا من قيود المأمور به شرعا، ولا الوجه المعتبر عند بعض الاصحاب فانه - مع عدم اعتباره عند المعظم، وعدم اعتباره عند من اعتبره إلا في خصوص العبادات لا مطلق الواجبات، لا وجه لاختصاصه به بالذكر على تقدير الاعتبار فلا بد من ارادة ما يندرج فيه من المعنى وهو ما ذكرناه كما لا يخفى

______________________________

الكلام في الاجزاء

(قوله: مثل ان يؤتى به) بيان للنهج اللازم عقلا بناء على خروج قصد التقرب عن موضوع الامر (قوله: لا خصوص) معطوف على النهج وفيه تعريض بما قد يظهر من عبارة التقريرات فتأملها (قوله: قيدا توضيحيا) لان ذكر المأمور به يغني عنه ثم إن كون القيد توضيحيا لازم للقائلين بأن قصد التقرب داخل في المأمور به (قوله: مع انه يلزم خروج) إذ لا إشكال في عدم الاجزاء لو كان المأمور به في العبادات فاقدا لقصد التقرب وان كان واجدا لجميع ما يعتبر فيه شرعا (قوله: بناء على المختار) أما على القول بكون قصد التقرب قيدا للمأمور به فهي داخلة في محل النزاع لدخولها في العنوان ويكون عدم الاجزاء مع فقد التقرب لعدم الاتيان بالمأمور به شرعا (قوله: ولا الوجه المعتبر) يعني الوجوب والندب (قوله: عند المعظم) فلا وجه لذكره في العنوان في كلام المعظم إلا أن يكون المقصود من ذكره الاحتياط في ذكر القيود لكنه بعيد (قوله: لا مطلق الواجبات) فلا وجه لاخذه قيدا في دعوى الاجزاء مطلقا (قوله: لاختصاصه) يعني من دون سائر القيود المعتبرة في الاطاعة مثل التقرب والتمييز إلا أن يدعى الاكتفاء به عنهما على بعض

١٩١

(ثانيها) الظاهر ان المراد من الاقتضاء ههنا الاقتضاء بنحو العلية والتأثير لا بنحو الكشف والدلالة، ولذا نسب إلى الاتيان لا إلى الصيغة (ان قلت): هذا إنما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره وأما بالنسبة إلى أمر آخر كالاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري أو الظاهرى بالنسبة إلى الامر الواقعي فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره بنحو يفيد الاجزاء أو بنحو آخر لا يفيده (قلت): نعم لكنه لا ينافى كون النزاع فيها كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدم غايته ان العمدة في سبب الاختلاف فيهما انما هو الخلاف في دلالة دليلهما هل انه على نحو يستقل العقل بان الاتيان به موجب للاجزاء ويؤثر فيه وعدم دلالته، ويكون النزاع فيه صغرويا أيضا بخلافه في الاجزاء بالاضافة إلى أمره فانه لا يكون الا كبرويا لو كان هناك نزاع

______________________________

التقادير فتأمل (قوله: المراد من الاقتضاء ههنا) الواقع في القوانين والفصول وغيرهما في تحرير العنوان قولهم: الامر بالشئ هل يقتضي الاجزاء أولا ؟، وحيث أن ظاهر الاقتضاء فيه الكشف والدلالة كما في قولهم: الامر يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي التحريم، نبه المصنف (ره) على ان الاقتضاء في العنوان المذكور في المتن ليس بمعنى الكشف والدلالة بل بمعنى العلية والتأثير كما في قولهم: الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده، والوجه في ذلك نسبة الاقتضاء في عنوان المتن إلى الاتيان وفي عنوان غيره إلى الامر وحيث أنه لا معنى لتأثير الامر في الاجزاء وجب حمله على الدلالة يعني يدل الامر على أن موضوعه واف بتمام المصلحة بخلاف الاتيان فان تأثيره في الاجزاء ظاهر إذ لولا كونه علة لحصول الغرض لما كان مامورا به (قوله: هذا إنما يكون) يعني أن حمل الاقتضاء على العلية إنما يصح بالاضافة إلى نفس الامر المتعلق بالماتي فان إجزاءه يلازم سقوط امره لا بالنسبة إلى الامر المتعلق بغيره إذ النزاع في الحقيقة يكون في دلالة الدليل فالاقتضاء فيه بمعنى الدلالة (قوله: نعم) يعني كما ذكرت من أن النزاع في دلالة الدليل (قوله: صغرويا) صورة القياس في المقام هكذا: المأمور به

١٩٢

كما نقل عن بعض (فافهم) (ثالثها) الظاهر ان الاجزاء ههنا بمعناه لغة وهو الكفاية وان كان يختلف ما يكفى عنه فان الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي يكفى فيسقط به التعبد به ثانيا، وبالامر الاضطراري أو الظاهرى الجعلي فيسقط به القضاء لا انه يكون ههنا اصطلاحا بمعنى اسقاط التعبد أو القضاء فانه بعيد جدا

______________________________

*

بالامر الاضطراري مأمور به بالامر الواقعي - ولو تنزيلا - والمامور به بالامر الواقعي يقتضي الاجزاء، ينتج: المأمور به بالامر الاضطراري يقتضي الاجزاء. والنزاع في هذه المسألة بالنسبة إلى الامر الواقعي في الكبرى وبالنسبة إلى الامر الاضطراري في الصغرى بالنسبة إلى الامر الواقعي، وفي الكبرى بالنسبة إلى أمر نفسه والمحكم في الكبرى مطلقا العقل والمحكم في الصغرى الدليل الشرعي فإذا كان الاقتضاء في الكبرى بمعنى العلية كان في النتيجة كذلك، ومنه يظهر أن إثبات الاجزاء في الفعل الاضطراري والظاهري بالنسبة إلى الامر الواقعي يتوقف على إثبات الصغرى والكبرى معا، وفي الفعل الواقعي على اثبات نفس الكبرى لانه عينها (قوله: فافهم) يمكن ان يكون اشارة إلى ان النزاع في مثل هذه الصغرى ليس نزاعا في المسألة الاصولية لان شأن المسائل الاصولية تنقيح الكبريات وأما الصغريات فوضيفة الفقيه، ولذا لم يتعرض في هذا المبحث لصغريات الافعال الاضطرارية والظاهرية تفصيلا فلاحظ (قوله: الظاهر ان الاجزاء) قد تضمنت جملة من العبارات كون الاجزاء له معنيان (احدهما) إسقاط التعبد بالفعل ثانيا (وثانيهما) إسقاط القضاء، وأن المراد هنا أي المعنيين ؟ وقد دفع المصنف (ره) ذلك - تبعا للتقريرات - بان لفظ الاجزاء لم يستعمل في المقام إلا بمعناه اللغوي وهو الكفاية غاية الامر أن ما يكفي عند الماتي به تارة يكون هو التعبد به ثانيا فيكون مسقطا للتعبد به واخرى الامر به قضاء فيكون مسقطا للقضاء لا أن له معنى اصطلاحيا ليتردد في أنه إسقاط التعبد أو إسقاط القضاء (قوله: يكفي فيسقط) يعنى يكفي في حصول الغرض فلا يحتاج إلى التعبد به ثانيا لتحصيله (قوله: فيسقط به) يعنى يكفي أيضا في حصول

١٩٣

(رابعها) الفرق بين هذه المسألة ومسألة المرة والتكرار لا يكاد يخفى، فان البحث ههنا في ان الاتيان بما هو المأمور به يجزئ عقلا بخلافه في تلك المسألة فانه في تعيين ما هو المأمور به شرعا بحسب دلالة الصيغة بنفسها أو بدلالة اخرى (نعم) كان التكرار عملا موافقا لعدم الاجزاء لكنه لا بملاكه، وهكذا الفرق بينها وبين مسألة تبعية القضاء للاداء فان البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها بخلاف هذه المسألة فانه كما عرفت في ان الاتيان بالمأمور يجزئ عقلا عن اتيانه ثانيا اداء أو

______________________________

*

الغرض فلا يثبت الامر بالقضاء ثم إن إجزاء المأمور به الواقعي لما كان بلحاظ الامر به ناسب التعبير باسقاط التعبد به ثانيا وإجزاء المأمور به بالامر الاضطراري والظاهري لما كان بلحاظ الامر به قضاء ناسب التعبير باسقاط القضاء (قوله: الفرق بين هذه) قد يتوهم أن القول بالمرة قول بالاجزاء والقول بالتكرار قول بعدم الاجزاء (قوله: بما هو المأمور به) يعني بعد الفراغ عن تعيين تمام المأمور به (قوله: فانه في تعيين) وحينئذ فيكون النزاع في الاجزاء مترتبا على النزاع في المرة والتكرار لا أن النزاع فيهما نزاع في الموضوع والنزاع فيه نزاع في الحكم (قوله: بحسب دلالة) يعني فيكون النزاع في أمر لفظي (قوله: عملا) متعلق بقوله: موافقا، يعني هما من حيث العمل سواء لكنه موقوف على أن المراد بالتكرار فعل كل فرد ممكن بعد آخر أما لو كان المراد ما يشمل تكرار الصلاة اليومية وصوم رمضان كما يقتضيه استدلال بعضهم فلا ملازمة بينهما عملا ثم إن هذا بالنسبة إلى أمره أما بالنسبة إلى أمر غيره فلا مجال للتوهم ولا للموافقة عملا (قوله: لا بملاكه) إذ ملاك عدم الاجزاء عدم وفاء المأمور به بالغرض المقصود منه وملاك التكرار عدم حصول تمام المأمور به (قوله: وهكذا الفرق) يعني قد يتوهم أن القول بعدم الاجزاء عين القول بتبعية القضاء للاداء، والقول بالاجزاء قول بعدم تبعية القضاء للاداء (قوله: فان البحث حينئذ) يعني أن البحث في تبعية القضاء للاداء بحث في ان الامر بشئ في وقت

١٩٤

قضاء أولا يجزئ فلا علقة بين المسألة والمسئلتين اصلا (إذا) عرفت هذه الامور فتحقيق المقام يستدعي البحث والكلام في موضعين (الاول) أن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي بل بالامر الاضطراري أو الظاهري أيضا يجزئ عن التعبد به ثانيا، لاستقلال العقل بانه لا مجال مع موافقة الامر باتيان المأمور به على وجهه لاقتضائه التعبد به ثانيا. نعم لا يبعد ان يقال بأنه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبد به ثانيا بدلا عن التعبد به أولا لا منضما إليه كما اشرنا إليه في المسألة السابقة، وذلك فيما علم ان مجرد امتثاله لا يكون علة تامة لحصول الغرض وان كان وافيا به لو اكتفى

______________________________

*

هل يدل على لزوم فعله في خارج الوقت على تقدير عدم الاتيان به في الوقت بحيث يرجع إلى الامر به مطلقا لكونه في الوقت أولا يدل ؟ فيكون النزاع في تعيين المأمور به من حيث دلالة الامر، وأين هو من النزاع في المسألة ؟ (قوله: فلا علقة بين) أولا من جهة أن إحداهما متضمنة لتعيين نفس المأمور به والاخرى متضمنة لتعيين مقتضاه (وثانيا) من جهة أن النزاع في إحداهما لفظي وفى الاخرى عقلي " وثالثا " من جهة ان القول بعدم الاجزاء انما في ظرف الاتيان بالمأمور به والقول بالتبعية انما هو في ظرف عدم الاتيان به (قوله: بالامر الاضطراري) يعني بالاضافة إلى أمره (قوله: أو الظاهري) يعني بالاضافة إلى أمره (قوله: لاستقلال العقل بأنه) قد عرفت أن الامر الحقيقي لابد ان يكون حاكيا عن الارادة وأن الارادة حدوثا وبقاء تتوقف على العلم بالمصلحة المعبر عنها بالداعي تارة وبالغرض أخرى فالماتي به في الخارج إما أن لا يترتب عليه الغرض فلا يكون مامورا به فهو خلف أو يترتب عليه الغرض فبقاء الامر حينئذ إن كان بلا غرض فهو مستحيل كما عرفت وان كان عن غرض آخر غير الغرض الحاصل من الماتي به أولا فيلزمه أن يكون المأمور به فردين في الخارج يترتب على كل منهما غرض خاص فيكون الامر منحلا إلى أمرين يسقط كل منهما بالاتيان بمتعلقه وهو عين الاجزاء المدعى غاية الامر أنه لا يكون فعل أحدهما مسقطا لامر الآخر ومجزئا عنه ولكنه غير محل الكلام إذ الكلام - كما عرفت - في أن فعل المأمور به مجزئ عن الامر به ثانيا (قوله: لا منضما إليه)

١٩٥

به كما إذا اتى بماء امر به مولاه ليشربه فلم يشربه بعد فان الامر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعد ولذا لو اهرق الماء واطلع عليه العبد وجب عليه اتيانه ثانيا كما لم يأت به أولا ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه والا لما اوجب حدوثه فحينئذ يكون له الاتيان بماء آخر موافق للامر كما كان له قبل اتيانه الاول بدلا عنه. نعم فيما كان الاتيان علة تامة لحصول الغرض فلا يبقى موقع التبديل كما إذا أمر باهراق الماء في فمه لرفع عطشه فاهرقه، بل لو لم يعلم أنه من أي القبيل فله التبديل باحتمال ان لا يكون علة فله إليه السبيل، ويؤيد ذلك بل يدل عليه ما ورد من الروايات في باب اعادة من صلى فرادى جماعة وان الله تعالى يختار احبهما إليه (الموضع الثاني) وفيه مقامان (المقام الاول) في ان الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري هل يجزئ عن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي ثانيا بعد رفع الاضطرار في الوقت اعادة وفى خارجه قضاء أولا يجزئ ؟ تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم فيه (تارة) في بيان ما يمكن ان يقع عليه الامر الاضطراري من الانحاء وبيان ما هو قضية كل منها من الاجزاء وعدمه (وأخرى) في تعيين ما وقع عليه فاعلم انه يمكن

______________________________

*

قد يمكن أن يكون منضما إليه كما في الافراد الدفعية التى تكون امتثالا واحدا لعدم المرجح. فتأمل (قوله: وجب عليه) يعني بعين وجوبه أولا كما تقدم الكلام فيه (قوله: بدلا عنه) قد عرفت أنه يمكن أن يكون منضما إليه (قوله: فلا يبقى موقع) إذ الثاني مما يعلم بعدم ترتب الاثر عليه (قوله: ما ورد من الروايات) كرواية أبي بصير قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أصلي ثم أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت فقال (عليه السلام): صل معهم يختار الله أحبهما إليه، ورواية هشام عنه (عليه السلام): في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة قال (عليه السلام): يصلي معهم ويجعلها الفريضة انشاء الله، ونحوها رواية حفص، وفي مرسلة الصدوق: يحسب له أفضلهما وأتمهما

١٩٦

ان يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار كالتكليف الاختياري في حال الاختيار وافيا بتمام المصلحة وكافيا فيما هو المهم والغرض ويمكن ان لا يكون وافيا به كذلك بل يبقى منه شئ امكن استيفاؤه أو لا يمكن، وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه أو يكون بمقدار يستحب، ولا يخفى انه ان كان وافيا به فيجزئ فلا يبقى مجال اصلا للتدارك لا قضاء ولا اعادة، وكذا لو لم يكن وافيا ولكن لا يمكن تداركه ولا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة الا لمصلحة كانت فيه لما فيه من نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة لولا مراعاة ما هو فيه من الاهم فافهم

______________________________

الامر الاضطراري

(قوله: ان يكون التكليف) يعني موضوعه (قوله: كالتكليف الاختياري) يعني كموضوعه (قوله: وما أمكن كان) يعني أن المقدار الباقي من المصلحة الذي يمكن استيفاؤه قسمان فانه تارة يكون واجب التدارك وأخرى يكون مستحب التدارك (أقول): ما لا يمكن استيفاؤه ايضا قسمان تارة يكون محرم التفويت وأخرى لا يكون كذلك فالاقسام خمسة وإنما لم يتعرض للقسمين المذكورين لعدم اختلافهما في الاجزاء وإن كانا يختلفان في جواز البدار وعدمه (قوله: ولا يخفى) شروع في حكم الاقسام من حيث الاجزاء (قوله: اصلا للتدارك) لان التدارك إنما يكون في ظرف الفوت والمفروض عدمه (قوله: ولا يكاد يسوغ) يعني حيث يكون الفائت مما يحرم تفويته أما إذا لم يكن فلا تحريم للبدار كما أن نسبة التحريم إلى البدار لا تخلو من مسامحة إذ المحرم هو تفويت ذلك المقدار والبدار ليس تفويتا ولا مقدمة له وإنما هو ملازم له فلا ينسب إليه التحريم إلا بالعرض والمجاز ولذا لم تفسد العبادة، ولعله إلى هذا اشار بقوله: فافهم (قوله: إلا لمصلحة) يعني إذا كانت مصلحة في البدار تصلح لمزاحمة المقدار الفائت لم يحرم التفويت الملازم للبدار حينئذ (قوله: لما فيه من)

١٩٧

(لا يقال): عليه فلا مجال لتشريعه ولو بشرط الانتظار لامكان استيفاء الغرض بالقضاء (فانه يقال): هذا كذلك لولا المزاحمة بمصلحة الوقت، وأما تسويغ البدار أو ايجاب الانتظار في الصورة الاولى فيدور مدار كون العمل بمجرد الاضطرار مطلقا أو بشرط الانتظار أو مع اليأس عن طرؤ الاختيار ذا مصلحة ووافيا بالغرض، وان لم يكن وافيا وقد امكن تدارك الباقي في الوقت أو مطلقا ولو بالقضاء خارج

______________________________

تعليل لعدم جواز البدار لكن عرفت أن البدار لا تفويت فيه لغرض المولى وإنما هو يلازم التفويت (قوله: فلا مجال لتشريعه) يعني إذا كان البدل الاضطراري غير واف بمصلحة المبدل الاختياري كيف جاز تشريعه ولو في آخر الوقت ؟ لان في تشريعه تفويتا للمصلحة (قوله: هذا كذلك) (أقول): تشريع الاضطراري إنما جاز لاشتماله على المصلحة مع عدم كونه مقدمة للتفويت فالمنع عن تشريعه غير ظاهر الوجه الا ان يكون المراد من تشريعه الامر بفعله في الوقت أو الاذن كذلك الملازمين للاذن في التفويت (قوله: لولا المزاحمة) يعنى انما يكون تفويت التشريع ممنوعا عنه حيث يؤدي إلى تفويت المصلحة مع عدم مزاحمتها بمصلحة أخرى وإلا فلو فرض كون خصوصية الفعل في الوقت مشتملة على مصلحة تزاحم المقدار الفائت لم يكن مانع عن تشريعه كما تقدم مثل ذلك في جواز البدار ثم إنه حيث كان في خصوصية الوقت مصلحة يتدارك بها ما يفوت جاز البدار أول الوقت إذا علم الاضطرار في تمام الوقت ولا موجب للانتظار فتأمل (قوله: في الصورة الاولى) وهي ما كان الاضطراري فيها وافيا بتمام المصلحة (قوله: الاضطرار مطلقا) وعليه يجوز البدار مطلقا (قوله: أو بشرط الانتظار) وعليه فلا يجوز البدار (قوله: أو مع اليأس) فلا يجوز البدار الا مع اليأس ثم إن هذه الاقسام لا تختص بالصورة الاولى بل تجري في الثانية أيضا إذ قد تكون خصوصية الوقت مطلقا ذات مصلحة تزاحم المقدار الفائت. وقد تكون بشرط الانتظار، وقد تكون بشرط اليأس وقد يكون بغير ذلك فيتبع كلا حكمه (قوله: وان لم يكن وافيا)

١٩٨

الوقت فان كان الباقي مما يجب تداركه فلا يجزئ فلا بد من ايجاب الاعادة أو القضاء وإلا فاستحبابه ولا مانع عن البدار في الصورتين غاية الامر يتخير في الصورة الاولى بين البدار والاتيان بعملين العمل الاضطراري في هذا الحال والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار أو الانتظار والاقتصار باتيان ما هو تكليف المختار، وفي الصورة الثانية يتعين عليه استحباب البدار واعادته بعد طروء الاختيار. هذا كله فيما يمكن أن يقع عليه الاضطراري من الانحاء، وأما ما وقع عليه فظاهر إطلاق دليله مثل قوله تعالى: (فان لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) وقوله (عليه السلام): (التراب أحد الطهورين ويكفيك عشر سنين) هو الاجزاء وعدم وجوب الاعادة أو القضاء ولا بد في ايجاب الاتيان به ثانيا من دلالة دليل بالخصوص (وبالجملة):

______________________________

*

معطوف على قوله: إن كان وافيا (قوله: فلا بد من ايجاب) لاجل تدارك الباقي (قوله: والا فاستحبابه) الظاهر أن أصل العبارة: والا فيجزئ، بمعنى عدم وجوب الاعادة والقضاء وان كان يستحب (قوله: ولا مانع عن) إذ لا تفويت فيهما (قوله: في الصورة الاولى) وهي ما يكون الباقي فيها مما يجب تداركه (قوله: وفى الصورة الثانية) وهي ما كان الباقي فيها مما يستحب تداركه (قوله: استحباب البدار) هذا الاستحباب بنحو الكلية غير ظاهر الوجه إلا أن يستند فيه إلى مثل آيتي المسارعة والاستباق فتأمل (قوله: وأما ما وقع عليه) التعرض لذلك ينبغي أن يكون في الفقه لا هنا إذ ليس لدليله ضابطة كلية فقد يختلف الدليل باختلاف قرينة الحال أو المقال من حيث الدلالة على الوفاء وعدمه وكأن مقصود المصنف (ره) الاشارة إلى ما يكون كالانموذج لادلة البدل الاضطراري (قوله: هو الاجزاء) أما اقصاء ما كان بلسان البدلية مثل: أحد الطهورين، ونحوه فظاهر، فان اطلاق البدلية يقتضي قيام البدل مقام المبدل منه بلحاظ جميع الآثار والخواص فلا بد من أن يفى بما يفي به المبدل من المصلحة بمرتبتها ويترتب عليه الاجزاء " فان قوله ": هذا الاطلاق

١٩٩

وان كان ثابتا الا انه معارض باطلاق دليل المبدل منه فانه يقتضي تعينه في جميع الاحوال ولازمه وجوب حفظ القدرة عليه الكاشف عن عدم وفاء البدل بمصلحته والا جاز تفويت القدرة عليه، وكما يمكن الجمع بينهما برفع اليد عن اطلاق دليل المبدل فيحمل على تعينه في ظرف القدرة عليه جاز رفع اليد عن اطلاق دليل البدل فيحمل على وفائه ببعض مراتب المصلحة التي يفي بها المبدل واذ لا مرجح يرجع إلى الاصل ويسقط الاطلاق عن المرجعية " قلت ": نسبة دليل البدل إلى دليل المبدل منه نسبة الحاكم إلى المحكوم لانه ناظر إليه موسع لموضوعه فيجب تقديمه عليه وجوب تقديم الحاكم على المحكوم. هذا كله بالنظر إلى طبع الكلام نفسه أما بملاحظة كون البدلية في حال الاضطرار فلا يبعد كون مقتضى الجمع العرفي كون البدل من قبيل الميسور للتام ولاجل ذلك نقول: لا يجوز تعجيز النفس اختيارا لانه تفويت للتام، فتأمل جيدا. وأما ما كان بلسان الامر فقد يشكل اطلاقه المقتضي للاجزاء إذ الامر انما يدل على وفاء موضوعه بمصلحة مصححة للامر به أما أنها عين مصلحة المبدل أو بعضها فلا يدل عليه الامر ولا يصلح لنفي وجوب الاعادة أو القضاء. نعم لو كان المتكلم في مقام بيان تمام ما له دخل في حصول الغرض المترتب على الاختياري مع عدم الامر بالاعادة أو القضاء أمكن الحكم بالاجزاء حينئذ اعتمادا على هذا الاطلاق المقامي المقدم على اطلاق دليل المبدل للحكومة، أو كون الامر واردا مورد جعل البدل فيجري فيه ما تقدم، اللهم إلا أن يقال: دليل المبدل ظاهر في التعيين في حال التمكن وعدمه ودليل البدل ظاهر في تعينه في حال عدم التمكن من المبدل وهما متنافيان للعلم بعدم تعينهما معا فيدور الامر (بين) رفع اليد عن ظهور دليل البدل في التعيين ودليل المبدل فيه بالاضافة إلى بعض مراتب المصلحة ولازمه الحكم بتعين المبدل في تحصيل تمام مرتبة الغرض والتخيير بينه وبين البدل في تحصيل بعضها ويترتب عليه عدم الاجزاء (وبين) رفع اليد عن اطلاق دليل المبدل بالاضافة إلى حالتي التمكن وعدمه وحيث أن الثاني أقرب يكون هو المتعين ولازم ذلك اشتراط وجوب المبدل بحال التمكن فيترتب

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

الخلاصة

أوّلاً : وجود روايات كثيرة صحيحة تنص على عدم وجود نص على أبي بكر ، من قبيل قول عائشة في مقام نفي النص : ( لو كان رسول الله مستخلفاً لاستخلف أبا بكر أو عمر )(١) ونحوها من الروايات .

ثانياً : اعتراف عدد كبير من أعلام السنّة بعدم وجود النص على أبي بكر وإنكارهم على مَن ادعى ذلك ، من قبيل القرطبي والنووي في شرحه لصحيح مسلم وابن حجر في فتح الباري ناسباً ذلك إلى جمهور أهل السنّة ، والمرغي في تفسيره والباقلاني في تمهيده والخضري في المحاضرات وابن حجر الهيتمي وعضد الدين الإيجي وابن أبي الحديد المعتزلي والغزالي والبغدادي وغيرهم .

ثالثاً : وجود شواهد قطعية كثيرة تدل على عدم النص على أبي بكر ، منها :

١ ـ ما حصل في السقيفة من نزاعات وتهديدات فيما بين الصحابة على الخلافة ، ولم يدّعِ أبو بكر ولا غيره وجود النص ، مع أنّه كان بأمس الحاجة إليه كحجّة دامغة .

٢ ـ تعبير عمر بقوله : ( إنّ بيعة أبي بكر فلتة ) .

٣ ـ اعتراف عمر بالنص لعليعليه‌السلام لا غير ، وأنّه هو الذي منع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كتابة الوصية يوم وفاته .

٤ ـ اعتراف أبي بكر بإرادته لإكراه عليعليه‌السلام على البيعة لولا وجود فاطمةعليها‌السلام إلى جنبه ، وهذا يكشف عن كون استيلائه على السلطة غير شرعي .

٥ ـ قول عليعليه‌السلام إنّ بيعتي لا تحق لهم باطلاً ولا توجب لهم حقّاً .

ـــــــــــــ

(١) صحيح مسلم ، مسلم : ج ٤ ص ١٨٥٦ ؛ مستدرك الحاكم ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ٧٨ ، قال الحاكم ( هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ) ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٦ ص ٦٣ ، وغيرها من المصادر .

٢٢١

٦ ـ الأحاديث الكثيرة المتواترة في حق عليعليه‌السلام وأنّه مع الحق ومع القرآن ، ومَن يطع عليّاًعليه‌السلام فقد أطاع الله ورسوله ، وأنّ مَن فارق علياً فقد فارق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبالتالي فارق الله تعالى ، وكذا حديث الغدير والثقلين ، وكل هذه الأحاديث صحيحة ومن المصادر المعتبرة ، فإنّ هذه الأحاديث الشريفة تدل على عدم النص على غير عليعليه‌السلام .

٧ ـ إنّ فاطمةعليها‌السلام ماتت وهي واجدة وغاضبة وغير راضية على أبي بكر ، ومن المعلوم إنّ عدم رضا فاطمةعليها‌السلام يدل على عدم رضا الله تعالى وغضبه على أبي بكر وعمر ، كما قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مخاطباً فاطمةعليها‌السلام : ( إنّ الرب يغضب لغضبك ويرضى لرضاك ) .

٨ ـ اعتراف معاوية بغصب أبي بكر للخلافة ، كما في رسالته التي أرسلها إلى محمد بن أبي بكر .

٩ ـ إنّ أبا بكر لم يكن مؤهّلاً لقيادة سرية صغيرة فضلاً عن خلافة المسلمين ، ولو كان أهلاً للقيادة والخلافة لما أمّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أسامة بن زيد الذي لا يتجاوز عمره عشرين سنة قائداً على السرية ، وكان أبو بكر جندياً عادياً في تلك السرية .

١٠ ـ أحقّيّة أمير المؤمنين في الخلافة لا غير ، كما جاء ذلك في نصوص كثيرة ، مضافاً لدلالة حديث الاثني عشر المتسالم عليه عند الفريقين ، والذي لا يمكن تفسيره إلاّ بإمامة أهل البيتعليهم‌السلام دون غيرهم .

رابعاً : وجود تخطيط قرشي سابق للاستيلاء على السلطة ، ولهذا التخطيط شواهد كثيرة ، منها :

١ ـ محاولات أقطاب هذا التوجّه أن يكون لهم دور متميّز في حياة المسلمين ومبادراتهم للظهور والتقدّم ، وإن استلزم ذلك إيذاء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، من قبيل إبداء الرأي مقابل رأي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحوها ، كما هو الحال بالنسبة لعمر بن الخطاب وأبي بكر .

٢٢٢

٢ ـ الأمل والشوق الكبيريان في نفوس رجالات الحزب بأن يكون لهم دور كدور عليعليه‌السلام ، وما خصّه الله ورسوله به من امتيازات خاصة عبر عدد من الآيات والروايات .

٣ ـ ملاحظة العلاقات القائمة بين قادة هذا التحرّك ، حيث لم تكن عفوية فطرية ، وإنّما كانت علاقات هادفة يجمعها قاسم مشترك ، وهو الاستيلاء على السلطة بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما نلمسه واضحاً عند إثارتهم للضجّة وتعالي الأصوات حين بيّن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخلفاء من بعده .

ومن الشواهد الأخرى على هذا التنسيق :

١ ـ تقاسمهم للخلافة بعد وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستيلاؤهم على أهم المناصب الحكومية في الدولة حينما استولى أبو بكر على الخلافة وأخذ عمر القضاء وأبو عبيدة المال ، وتعد هذه المناصب من أهم المراكز في الدولة لهؤلاء الثلاثة الذين كان لهم الدور الكبير في التخطيط المسبق ، ولا يمكن أن يكون قد حصل ما حصل صدفة أو أنّه أمر عفوي ارتجالي .

٢ ـ ما فعله عثمان بن عفان حيث كتب اسم عمر في وصيّة أبي بكر من دون أن يأمره أبو بكر بذلك ؛ لأنّه كان مغمىً عليه ، وهذا يدل على اطلاع عثمان وعلمه بهذا التخطيط والتقسيم فيما بينهم .

٣ ـ وجود النزعة القبلية عند قريش التي كانت ترفض اجتماع القيادة في بيت واحد ، فهي لم تكن تتحمّل ظهور بطن من خيار بطونها وأفضلها وهم بنو هاشم ونيلهم مقام النبوّة ، فكيف تتحمّل استمرار السلطة في هذا البيت ؟

خامساً : السياسات التي اتبعتها السلطة الحاكمة تكشف عن عدم شرعيتها وتخطيطها لاستلام الحكم مسبقاً ؛ ولذلك شواهد كثيرة ، منها :

١ ـ اتهام بني هاشم بإحداث وإثارة الفتنة ، لا سيّما اتهام أبي بكر لعليعليه‌السلام بذلك .

٢٢٣

٢ ـ أسلوب الشدّة والعنف مع الإمام عليعليه‌السلام ومَن معه من أتباعه .

٣ ـ عدم إشراك أي شخص من الهاشميين في شؤون الحكم ، خشية أن يصل الهاشميون إلى الخلافة ؛ ولذا لم يجعلوا أي واحدٍ منهم والياً على شبر من الدولة الإسلامية .

٤ ـ تهيئة وإعداد مجموعة كبيرة معادية لأهل البيتعليهم‌السلام ، منافسة لهم في الوصول إلى المناصب العالية في الحكم ، كما هو الحال في الأمويين .

٥ ـ عزل كل العناصر التي تميل إلى بني هاشم ، كما هو الحال في عزل

أبي بكر لخالد بن سعيد بن العاص عن قيادته للجيش ، لولائه لآل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٦ ـ غصبهم لفدك في محاولة منهم لإضعاف القدرة الاقتصادية للإمام عليعليه‌السلام خشية استثمارها في الدعوة لاستعادة حقّه الشرعي .

الفصل الخامس: عصيان الصحابة

عصيان الصحابة

الشبهة :

كيف أوصى الرسول وأشهد الصحابة على الولاية ثم عصوه ؟

وكيف أجبر أبو بكر وعمر وأبو عبيدة الناس على البيعة ؟

الجواب :

تمهيد :

بادئ ذي بدء ، نقول : إنّ خير دليل على الإمكان هو الوقوع ، وهذا التاريخ بين أيدينا يحدثنا عن وقوع هذه الحوادث وعدول الصحابة عن وصية نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلاّ مَن امتحن الله قلبه للإيمان ، وهم : عليعليه‌السلام وأتباعه ، ولا يمكن التشكيك بصحة هذه الوقائع ، بعدما نطقت به أحاديث الفريقين .

٢٢٤

والملاحظة الجديرة بالذكر ، أنّ ما حصل من انحراف عن وصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والعدول عن الوصي الشرعي ، وهو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ليس غريباً إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار طبيعة النفس الإنسانية ، وما فيها من تجاذبات ميّالة إلى التسلّط والزعامة والظلم وغيرها ، كما أعرب القرآن الكريم عن ذلك في كثير من الآيات المباركة : كقوله تعالى :( إِنّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ ) (١) .

وقوله تعالى :( وَكَانَ الإِنسَانُ كَفُوراً ) (٢) .

ـــــــــــــ

(١) إبراهيم : ٣٤ .

(٢) الإسراء : ٦٧ .

٢٢٥

وقوله تعالى :( قُتِلَ الإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ) (١) .

وممّا يؤكّد ذلك سيرة هذا الإنسان مع أنبياء الله ورسله وأوصيائهم ، وسائر حججه تعالى على خلقه ، حيث نجد إعراض أغلب الناس عن دعوة الأنبياء وهدايتهم ، فهذا شيخ الأنبياء نوح لبث في قومه( أَلْفَ سَنَةٍ إِلاّ خَمْسِينَ عَاماً ) (٢) ، فلم يؤمن به إلاّ قليلٌ منهم .

وقد كشف القرآن الكريم هذه الحقيقة في كثير من الآيات ، كقوله تعالى في قوم نوحعليه‌السلام :( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاّ قَلِيلٌ ) (٣) ، وقوله عزّ وجلّ في قوم موسىعليه‌السلام :( ثُمّ تَوَلّيْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ ) (٤) ، وقوله تبارك وتعالى :( وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشّكُورُ ) (٥) ، وقوله :( إِلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ ) (٦) ، وغيرها من الآيات .

فإذا كان هذا حال الأمم الماضية مع أنبيائها من الإعراض والتمرّد ، كذلك ما حصل في أُمّتنا الإسلامية ، التي أنبأ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن أنّها يجري فيها ما جرى في الأمم السالفة ، كما هو وارد في الأحاديث المتفق عليها عند الفريقين .

منها ما ورد في صحيح البخاري ، عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لتتبعنّ سنن مَن كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع ، حتى لو

ـــــــــــــ

(١) عبس : ١٧.

(٢) العنكبوت : ١٤ .

(٣) هود : ٤٠ .

(٤) البقرة : ٨٣ .

(٥) سبأ : ١٣ .

(٦) سورة ص : ٢٤ .

٢٢٦

دخلوا جحر ضبّ تبعتموهم ، قلنا : يا رسول الله ، اليهود والنصارى ؟ قال :فمن ؟! ) (١) .

وفي نص آخر أخرجه الحاكم في مستدركه ـ ووافقه الذهبي في تلخيصه ـ عن عمرو بن عوف المزني ، عن أبيه ، قال : كنّا قعوداً حول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجده ، فقال :( لتسلكن سنن مَن قبلكم حذو النعل بالنعل ، ولتأخذنّ مثل أخذهم إن شبراً فشبر ، وإن ذراعاً فذراع ، وإن باعاً فباع ، حتى لو دخلوا جحر ضب دخلتم فيه ، ألا إن بني إسرائيل افترقت على موسى على إحدى وسبعين فرقة كلها ضالّة إلاّ فرقة واحدة ) (٢) .

خلفيات عدول بعض الصحابة عن وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أوّلاً : الحرص على كرسي الزعامة

لا عجب ممّا فعله الصحابة ، من إعراضهم عن وصايا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار طبيعة قريش وما تحمله من تطلّع نحو الزعامة والملك والسلطان ، وذلك ما كان يتخوّف منه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما قال :

ـــــــــــــ

(١) صحيح الخباري : ج ٤ ص ٤٠٠ ح ٧٣٢٠ ، كتاب الاعتصام بالكتاب والسنّة ، باب لتتبعن سنن مَن كان قبلكم .

(٢) المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ١ ص ١٢٩ ؛ وكذا : مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٧ : ص ٢٦٠ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١ ص ٢١١ ح ١٠٥٩ ؛ تحفة الأحوذي ، المباركفوري : ج ٦ ص ٣٤٠ ؛ قال فيه : ( هذا حديث حسن صحيح ، وأخرجه أحمد في مسنده ) ؛ السنن ، الترمذي : ج ٤ ص ١٣٥ ح ٢٧٧٩ ، قال فيه : ( هذا حديث حسن غريب ) ، سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : ج ٣ ص ٣٣٤ ، ح ١٣٤٨ ، وفيه زيادة : ( وحتى لو أنّ أحدهم ضاجع أُمّه بالطريق لفعلتم ) ، قال الألباني : رجاله رجال الصحيح غير موسى بن ميسرة الديلمي وهو ثقة على أنّه متابع .

٢٢٧

 ( أكثر ما أتخوّف على أُمّتي من بعدي رجل يتأوّل القرآن يضعه على غير مواضعه ، ورجل يرى أنّه أحق بهذا الأمر من غيره ) (١) .

ثانياً : دور المنافقين والذين في قلوبهم مرض

إنّ وجود عدد كبير من المنافقين في صفوف المسلمين ، الذين ما فتئوا يتربّصون الدوائر للإطاحة بالإسلام ، له دور مهم في إيجاد حالة إعلامية وخلق أجواء سياسية مناهضة للخلافة الشرعية ، وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أخوف ما أخاف عليكم بعدي كل منافق عليم اللسان )(٢) ، وكذلك وجود طائفة من مرضى القلوب ، كقوله تعالى :( إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَرَضٌ غَرّ هؤُلاَءِ دِينُهُمْ ) (٣) .

ثالثاً : التنافس والنزاع بين القبائل

لقد كان لطبيعة العلاقات التي كانت سائدة بين القبائل في المدينة المنوّرة دور مؤثّر في هذا المجال ، حيث كان التنافس والنزاع سائداً بين تلك القبائل ، كما هو الحال في قبيلتي الأوس والخزرج ، فلم تكن قبائل المدينة المنورة موحّدة ، بل إنّ قبلتي الأوس والخزرج ـ وهما قبيلتان كبيرتان من الأنصار ـ كانتا متنازعتين متنافستين على الزعامة في الجاهلية ،

ـــــــــــــ

(١) المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٢ ص ٢٤٢ ـ ٢٤٣ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٢٠٥ ح ١٣٨٣ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٠ ص ٢٠٠ ح ٢٩٠٥٢.

(٢) مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ، الهيثمي : ج ١ ص ١٨٧ ، قال فيه : ( رواه الطبراني في الكبير والبزار ، ورجاله رجال الصحيح ) .

(٣) الأنفال : ٤٩ .

٢٢٨

وسكنت فورتهم بوجود رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين ظهرانيهم ، وقد كانت تطفح فورة التنازع بينهم في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين الحين والآخر ، كما نقل ذلك البخاري ، ومسلم في صحيحيهما ، وكذا غيرهما ، من ذلك المقطع التالي : ( فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على المنبر ، فقال : يا معشر المسلمين ، مَن يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي ، فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل ، فقال : أنا يا رسول الله أعذرك ، فإن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج ، أمرتنا ففعلنا أمرك ، فقام رجل من الخزرج [هو سعد بن عبادة] ، فقال لسعد : [ والمقصود به ابن معاذ الأنصاري ] كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل ، فقام أسيد بن حضير ، وهو ابن عم سعد ، فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه ، فإنّك منافق تجادل عن المنافقين ، فثار الحيّان الأوس والخزرج ، حتى همّوا أن يقتتلوا ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائم على المنبر )(١) .

وكذلك نقل الطبري في تفسيره ، وغيره : ( عن زيد بن أسلم قال : مرَّ شاس بن قيس ـ وكان شيخاً قد عسا في الجاهلية ، عظيم الكفر ، شديد الضغن على المسلمين ، شديد الحسد لهم ـ على نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الأوس والخزرج ، في مجلس قد جمعهم يتحدثون فيه ، فغاظه ما رأى من جماعتهم ، وإلفتهم وصلاح ذات بينهم على الإسلام ، بعد الذي كان بينهم من العداوة في الجاهلية ، فأمر فتىً شاباً من اليهود ، وكان معه ، فقال : اعمد إليهم فاجلس معهم ، وذكّرهم يوم بعاث وما كان قبله ، وأنشدهم بعض

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٥٤ ـ ٥٥ ح ٤١٤١ ، كتاب المغازي ، باب حديث الإفك ؛ صحيح مسلم : ج ٤ ص ٢١٢٩ ـ ٢١٣٤ ح ٢٧٧٠ ، كتاب التوبة ، باب في حديث الإفك .

٢٢٩

ما كانوا تقاولوا فيه من الأشعار ، ففعل فتكلّم القوم عند ذلك ، فتنازعوا وتفاخروا ، حتى تواثب رجلان من الحيّين على الركب ، فتقاولا ، ثم قال أحدهما لصاحبه : إن شئتم والله رددناها الآن جذعة ، وغضب الفريقان ، وقالوا : قد فعلنا ، السلاح السلاح ، موعدكم الظاهرة ، فخرجوا إليها ، وتحاور الناس ، فانضمت الأوس بعضها إلى بعض ، والخزرج بعضها إلى بعض ، على دعواهم التي كانوا عليها في الجاهلية ، فبلغ ذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فخرج إليهم ، فقال : يا معشر المسلمين ، الله الله ، أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم بعد إذ هداكم الله إلى الإسلام )(١) .

إذن كان للخلاف العريق بينهم الدور الكبير في حسم الموقف في السقيفة لصالح زعماء الحزب القرشي ، وهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة ابن الجراح .

ويتضح من ذلك أنّ الأجواء التي كان يتعايش فيها الأوس والخزرج ، أجواء مضطربة هيّأت الأرضية المناسبة لانقلاب الأمر في السقيفة لمَن حضرها من المهاجرين ؛ ومن هنا نجد أنّ المنازعة ذاتها تكررت في السقيفة بين الأوس والخزرج ، عندما قام بشير بن سعد ، فقال : ( يا معشر الأنصار ، إنّا والله لئن كنّا أولي فضيلة في جهاد المشركين وسابقة في هذا الدين ، ما أردنا به إلا رضى ربنا ، وطاعة نبينا والكدح لأنفسنا فما ينبغي لنا أن نستطيل على الناس بذلك ، ولا نبتغي به من الدنيا عرضاً ، فإنّ الله ولي المنّة علينا بذلك ، ألا إنّ محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قريش ، وقومه أحق به وأولى ، فناداه الحباب بن المنذر : يا بشير بن سعد ، عققت عقاق ، ما أحوجك إلى ما

ـــــــــــــ

(١) جامع البيان ، الطبري : ج ٤ ص ٣٢ ـ ٣٣ .

٢٣٠

صنعت ، أنفّست على ابن عمّك الإمارة ، ولمّا رأت الأوس ما صنع بشير بن سعد ، فقاموا إليه [ أبو بكر ] فبايعوه )(١) .

فكان ذلك الاختلاف والتنازع بين القبيلتين من العوامل المساعدة في حسم الموقف في تلك الأجواء الملتهبة لصالح المهاجرين ، وبالخصوص مَن حضر منهم ، ولم يكن ذلك كاشفاً عن الرأي السديد والشرعي في الخلافة ، بل هي ظروف وأجواء مهّدت لذلك .

ومن هنا نجد أنّ عليّاًعليه‌السلام عندما تكلّم عن فضله ، وسابقته في الإسلام ، وأحقّيّته برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمام أبي بكر وعمر وجمع من الناس ، قال : ( الله يا معشر المهاجرين ، لا تخرجوا سلطان محمد في العرب عن داره وقعر بيته إلى دوركم وقعور بيوتكم ، ولا تدفعوا أهله عن مقامه في الناس وحقّه ، فوالله ، يا معشر المهاجرين لنحن أحق الناس به ؛ لأنّا أهل البيت ونحن أحق بهذا الأمر منكم والله إنّه لفينا ، فلا تتبعوا الهوى فتضلوا عن سبيل الله ، فتزدادوا من الحق بعداً )(٢) فقام أحد الحاضرين ، وقال : ( لو كان هذا الكلام سمعته الأنصار منك يا علي قبل بيعتها لأبي بكر ، ما اختلف عليك اثنان )(٣) .

ـــــــــــــ

(١) تاريخ ، الأمم والملوك ، الطبري : ج ٢ ص ٤٥٨ ؛ الإمامة والسياسة ، الدينوري : ج ١ ص ٢٦ .

(٢) الإمامة والسياسة ، الدينوري : ج ١ ص ٢٩ ؛ انظر : السقيفة وفدك ، أبو بكر الجوهري : ص ٦٣ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٦ ص ١٢ .

(٣) الإمامة والسياسة ، الدينوري : ج ١ ص ٢٩ ؛ السقيفة وفدك ، أبو بكر الجوهري : ص ٦٣ .

٢٣١

رابعاً : التناحر والتحاسد بين المهاجرين والأنصار

إنّ التناحر والتحاسد ـ الذي كان بين الأوس والخزرج ـ كان ذاته بين المهاجرين والأنصار ، ولهذه الحقيقة شواهدها الكثيرة أيضاً في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما أخرج ذلك البخاري في صحيحه ، عن جابر بن عبد الله ، قوله : ( كنّا في غزاة ، قال سفيان : مرةً في جيش فكسع(١) رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فسمعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : ما هذا ؟ فقالوا : كسع رجل من المهاجرين رجلاً من الأنصار ، فقال الأنصاري : يا للأنصار ، وقال المهاجري : يا للمهاجرين ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :دعوها فإنها منتنة )(٢) .

وقد كان الأنصار يعلمون أنّ قريشاً سوف لا تسمح لعلي في تسلّم الخلافة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّهم سوف يزوونها عنه ، فكان الشغل الشاغل لهم ، أن يحصلوا على ضمانات تؤمّن لهم مصيرهم بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وذلك لأنّهم هم الذين قتلوا سادات قريش وأبطالها ، فكانوا يخشون أن تحيف عليهم قريش بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ومن هنا نجد أنّ عمر رتّب كلاماً ونمّقه لإقناع الأنصار وطمأنتهم بإعطائهم دوراً في الخلافة ، والموقف ذاته اتخذه أبو بكر في السقيفة ، حيث خاطب الأنصار بقوله : ( وأنتم يا معشر الأنصار مَن لا ينكر فضلهم في الدين ، ولا سابقتهم العظيمة في الإسلام ،

ـــــــــــــ

(١) كسع : أن تضرب بيدك أو برجلك بصدر قدمك على دبر إنسان أو شيء ، وفي حديث زيد بن أرقم : إنّ رجلاً ضرب رجلاً من الأنصار ، أي : ضرب دبره بيده ؛ لسان العرب ، ابن منظور : ج ٨ ص ٣٠٩ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٢٩١ ح ٤٩٠٧ ، كتاب التفسير ، سورة المنافقون ، باب ( يقولون لإن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعزّ منها الأذل ) .

٢٣٢

ورضيكم الله أنصاراً لدينه ورسوله ، وجعل إليكم هجرته ، وفيكم جلةّ أزواجه وأصحابه ، فليس بعد المهاجرين الأوّلين عندما بمنزلتكم ، فنحن الأُمراء وأنتم الوزراء )(١) .

خامساً : سياسة الإرهاب في السقيفة

لم تكن بيعة أبي بكر تتمتع بأجواء من الحرية والاختيار ، بل خيّمت عليها أجواء الرعب والقسوة والغلظة والإكراه ، فلم يُفسح المجال للصحابة كي يدلوا برأيهم بوافر من الحرية والاختيار ، بل السرعة والعجلة والإكراه زوت الخلافة عن صاحبها الشرعي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ ولذا يقول ابن أبي الحديد في شرح النهج : ( وعمر هو الذي شد بيعة أبي بكر ، ورقم المخالفين فيها ، فكسر سيف الزبير لما جرّده ، ودفع في صدر المقداد ، ووطئ في السقيفة سعد بن عباده ، وقال : اقتلوا سعداً قتل الله سعداً ، وحطّم أنف الحباب بن المنذر ، الذي قال يوم السقيفة : أنا جذيلها المحكك ، وعذيقها المرجب .

وتوعّد مَن لجأ إلى دار فاطمةعليها‌السلام من الهاشميين ، وأخرجهم منها ، ولولاه لم يثبت لأبي بكر أمر ، ولا قامت له قائمة )(٢) .

وقال البراء بن عازب : ( فلم ألبث وإذا أنا بأبي بكر قد أقبل ومعه عمر وأبو عبيدة وجماعة من أصحاب السقيفة ، وهم محتجزون بالأزر الصنعانية ، لا يمرون بأحد إلاّ خبطوه وقدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر ،

ـــــــــــــ

(١) تاريخ الأمم والملوك ، الطبري : ج ٢ ص ٤٥٧ .

(٢) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١ ص ١٧٤ .

٢٣٣

يبايعه ، شاء ذلك أو أبى ، فأنكرت عقلي وخرجت )(١) .

وعندما جاء عمر إلى بيت فاطمةعليها‌السلام ( وخرج إليهم الزبير بسيفه ، فقال عمر : عليكم الكلب )(٢) .

سادساً : مخالفات الصحابة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

لقد حدثنا التاريخ عن مخالفات كثيرة حصلت من المهاجرين والأنصار لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلم يكن إطباق أكثرهم على مخالفة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أول قارورة انكسرت في الإسلام ، وقد اتخذت المخالفات صوراً وأشكالاً متعددة ومتنوعة منها :

١ ـ عصيان أوامر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ المواقف التي وقفها بعض الصحابة الذين يعتبرون من المقربين من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تكشف عن عدم معرفتهم بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجهلهم بمكانتة القدسية بحيث أدى بهم الأمر إلى عصيان أوامره وكأنّه شخص عادي ، وقد جاء في الصحاح والكتب الأخرى ما يكشف عن ذلك ومنها :

أ ـ أخرج مسلم في صحيحه بسنده عن جابر بن عبد الله : ( إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج عام الفتح إلى مكة في رمضان حتى بلغ كراع الغميم ، فصام الناس ثم دعا بقدح من ماء ، فرفعه حتى نظر الناس إليه ثم شرب ، فقيل له بعد ذلك : إنّ بعض الناس قدم صام فقام :أولئك العصاة ، أولئك العصاة )(٣)

ـــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١ ص ٢١٩ .

(٢) السقيفة ، أبو بكر الجوهري : ص ٦٢ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٦ ص ١١ .

(٣) صحيح مسلم ، محمد بن مسلم النيسابوري : ج ٢ ص ٧٨٥ ح ١١١٤ ، كتاب الصيام .

٢٣٤

  ( وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (١) .

ب ـ وأخرج مسلم في صحيحه أيضاً بسنده عن عائشة أنّها قالت : ( قدم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأربع مضين من ذي الحجة أو خمس ، فدخل عليّ وهو غضبان ، فقلت : مَن أغضبك يا رسول الله أدخله الله النار ، قال :أوَما شعرت أنّي أمرت الناس بأمر فإذا هم يتردّدون )(٢) .

ج ـ وأخرج الهيثمي في مجمع الزوائد عن البزار قال : ( خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه فأحرمنا بالحج ، فلمّا أن قدمنا مكة ، قال :اجعلوا حجّكم عمرة ، قال الناس : يا رسول الله أحرمنا بالحج فكيف نجعلها عمرة ، قال :انظروا ما آمركم به فاعملوا قال : فردّوا عليه القول ، فغضب ثم انطلق حتى دخل على عائشة غضبان ، قال : فعرفت الغضب في وجهه ، قالت : مَن أغضبك أغضبه الله ، قال :مالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر لا يتّبع ) .

قال الهيثمي : ( رواه أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح )(٣) .

د ـ وأخرج البخاري في صحيحه بسنده عن ابن عباس قال : ( لمّا اشتد بالنبي وجعه قال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده ، قال عمر : إنّ النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا ، فاختلفوا وكثر اللغط ، قال : قوموا عنّي ولا ينبغي عندي التنازع ، فخرج ابن عباس يقول : إنّ الرزيّة كل الرزيّة ما حال بين رسول الله وبين كتابه )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) الأحزاب : ٣٦ .

(٢) صحيح مسلم ، محمد بن مسلم النيسابوري : ج ٢ ص ٨٧٩ ح ١٢١١ ، كتاب الحج .

(٣) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٣ ص ٢٣٣ .

(٤) صحيح البخاري : ج ١ ص ٧٣ ـ ٧٤ ح ١١٤ ، كتاب العلم ، باب كتابة العلم .

٢٣٥

٢ ـ الفرار في معركة أحد

أخرج البخاري ، عن أنس قال : ( لمّا كان يوم أُحد انهزم الناس عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) .

وأخرج أيضاً في نفس الواقعة : ( فأقبلوا منهزمين ، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أخراهم ، فلم يبق مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير اثني عشر رجلاً )(٢) .

وأخرج أيضاً ، عن أنس : ( إنّ عمّه قال : فهزم الناس ، فقال : اللّهمّ إنّي أعتذر إليك ممّا صنع هؤلاء [ يعني المسلمين ] ، وأبرأ إليك ممّا جاء به المشركون )(٣) .

٣ ـ الفرار في يوم حنين

أخرج البخاري ، عن أبي إسحاق قوله : ( قال رجل للبراء بن عازب : أفررتم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم حنين ؟ فقال : لكنّ رسول الله لم يفر )(٤) .

وأخرج الطبراني بسنده عن زيد بن أرقم قال : ( انهزم الناس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم حنين ، فقال :أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب )(٥) ، وقال

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري : ج ٢ ص ٢٣٠ ح ٢٨٨٠ ، كتاب الجهاد والسير ، باب غزو النساء وقتالهن مع الرجال .

(٢) المصدر نفسه : ج ٢ ص ٢٦٧ ح ٣٠٣٠ ، كتاب الجهاد والسير ، باب ما يكره من التنازع والاختلاف في الحرب .

(٣) المصدر نفسه : ج ٣ ص ٢٩ ح ٤٠٤٨ ، كتاب المغازي ، باب غزوة أحد .

(٤) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٩٢ ح ٤٣١٧ ، كتاب المغازي ، باب قوله تعالى : ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ) ؛ صحيح مسلم : ج ٣ ص ١٤٠١ ح ١٧٧٦ ، كتاب الجهاد والسير ، باب في غزوة حنين ؛ صحيح ابن حبان : ج ١١ ص ٩٠ ح ٤٧٧٠ .

(٥) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ١٩٠ .

٢٣٦

الهيثمي: (رواه الطبراني ورجاله ثقاة)(١) .

٤ ـ اعتراض الأصحاب على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديبية

أخرج البخاري أيضاً قول عمر : ( فأتيت نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقلت : ألست نبي الله حقاً ؟

قال : بلى .

قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟

قال : بلى .

قلت فلمَ نعطي الدنية في ديننا ؟ ـ إلى أن قال : ـ فلمّا فرغ من قضية الكتبا ، قال رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأصحابه : قوموا ثم احلقوا ، قال : فوالله ما قام منهم رجل ، حتى قال ذلك ثلاث مرات ، فلمّا لم يقم منهم أحد دخل على أُمّ سلمة فذكر لها ما لقي في الناس ، فقالت أُم سلمة : يا نبي الله أتحب ذلك ؟ أخرج ثم لا تكلّم أحداً منهم كلمة حتى تنحر بدنك ، وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج فلم يكلّم أحداً منهم حتى فعل ذلك ، نحر بدنه ، ودعا حالقه فحلقه ، فلمّا رأوا ذلك قاموا فنحروا ، وجعل بعضهم يحلق بعضاً ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضاً غمّاً )(٢) .

ـــــــــــــ

(١) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٦ ص ١٨٢ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٢ ص ١٩٠ ـ ١٩١ ح ٢٧٣١ ـ ٢٧٣٢ ، كتاب الشروط ، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب ؛ مسند أحمد : ج ٤ ص ٣٣٠ ـ ٣٣١ ؛ صحيح مسلم ، محمد بن مسلم النيسابوري : ج ٣ ص ١٤١١ ـ ١٤١٢ ح ١٧٨٥ ، كتاب الجهاد والسير ، باب صلح الحديبية ؛ نيل الأوطار ، الشوكاني ج ٨ ص ١٨٧ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١١ ص ٢٢٤ ؛ وغيرها من المصادر الكثيرة .

٢٣٧

٥ ـ الإشفاق من التصدّق

وذلك قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَاجَيْتُمُ الرّسُولَ فَقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً ذلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ وَأَطْهَرُ فَإِن لَمْ تَجِدُوا فَإِنّ اللهَ غَفُورٌ رَحيمٌ * ءَأَشْفَقْتُمْ أَن تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَاتٍ فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ فَأَقِيمُوا الصّلاَةَ وَآتُوا الزّكَاةَ وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (١) .

وفي فتح الباري : أخرج سفيان بن عيينة في جامعه عن عاصم الأحول قال : ( لمّا نزلت كان لا يناجي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أحد إلاّ تصدق ، فكان أوّل مَن ناجاه علي بن أبي طالب ، فتصدّق بدينار ، ونزلت الرخصة ( فَإِذْ لَمْ تَفْعَلُوا وَتَابَ اللهُ عَلَيْكُمْ ) الآية ، وهذا مرسل رجاله ثقات )(٢) ، وفي تحفة الأحوذي قال : ( فلمّا أُمروا بالصدقة كفّوا عن مناجاته ، فأمّا الفقراء وأهل العسرة فلم يجدوا شيئاً ، وأمّا الأغنياء وأهل الميسرة فضنوا واشتد ذلك على أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فنزلت الرخصة ، وبعده ( ذلك خير لّكم ) يعني تقديم الصدقة على المناجاة لما فيه من طاعة الله وطاعة رسوله ( وأطهَرُ ) (٣) ، وفي موضع آخر نقل صاحب تحفة الأحوذي ، عن أبي يعلى ، وابن جرير، والمنذر عن مجاهد ، قال : ( فلم يناجه إلاّ علي بن أبي طالب رضي الله عنه قدّم ديناراً ، فتصدق به ، ثم أنزلت الرخصة في ذلك ) )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) المجادلة : ١٢ ـ ١٣ .

(٢) فتح الباري ، ابن حجر : ج ١١ ص ٦٨ .

(٣) تحفة الأحوذي ، المباركفوري ج ٩ ص ١٣٧ .

(٤) المصدر نفسه : ج ٩ ص ١٣٨ .

٢٣٨

٦ ـ عدم إنفاذ جيش أسامة

حيث تخلّف القوم عن إنفاذ جيش أسامة ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يكرّر قوله :( أنفذوا بعث أسامة ، لعن الله مَن تخلّف عنه ) (١) ، ويقولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيضاً :( أنفذوا بعث أسامة ، فلعمري لأن قلتم في أمارته لقد قلتم في أمارة أبيه من قبله ، وإنّه لخليق بالإمارة ) (٢) .

فإذا كانت تلك المخالفات الكثيرة والجماعية من الصحابة في عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو بين أظهرهم ، فلا غرابة أن تقع ذلك بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وإذا كانوا قد تكلّموا في إمارته زيد ، وابنه أسامه لصغر سنّه ، فلا عجب أن يتكلّموا مَن في إمارة عليعليه‌السلام وخلافته ، خصوصاً وأنّ الحزب القرشي قد صرّح بأنّهم استصغروا سنّ عليعليه‌السلام ، فنحّوه عن الخلافة .

٧ ـ الارتداد والانقلاب على الأعقاب

إنّ الارتداد والانقلاب والعصيان من الأمور التي صرّحت بها الآيات المباركة ، والروايات الواردة عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقد جاء في قوله تعالى :( وَمَا مُحمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى‏ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرِينَ ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) السقيفة ، أبو بكر الجوهري : ص ٧٧ ؛ انظر : شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٣٣٨ ؛ انظر : المعيار والموازنة ، الإسكافي : ص ٢١١ ؛ شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٦ ص ٥٢ .

(٢) الطبقات الكبرى ، ابن سعد : ج ٢ ص ٢٤٩ ؛ سيرة ابن هشام : ج ٤ ص ١٠٦٤ .

(٣) آل عمران : ١٤٤ .

٢٣٩

وأخرج البخاري عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :( يا أيّها الناس إنّكم محشورون إلى الله حفاة عراة غرلاً (١) ، ثم قال :( كَمَا بَدَأْنَا أَوّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنّا كُنّا فَاعِلِينَ ) (٢) ، إلى آخر الآية ، ثم قال :ثم إنّ أوّل مَن يكسى يوم القيامة إبراهيم ، ألا إنّه يجاء برجال من أُمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا رب ! أصحابي ، فيقال : لا تدري ما أحدثوا بعدك ؟ فأقول كما قال العبد الصالح : ( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمّا تَوَفّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) ، فيقال : إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم ) (٣) .

وروى البخاري أيضاً ، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أنا فرطكم على الحوض ، ليرفعنّ إليّ رجال منكم حتى إذا أهويت لأناولهم اختلجوا دوني ، فأقول : أي ربّ أصحابي ، فيقول : لا تدري ما أحدثوا بعدك ) (٤) وروى أيضاً عن سهل بن سعد قال : سمعت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :( أنا فرطكم على الحوض ، مَن ورده شرب منه ، ومَن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً ، ليرد عليّ أقوام أعرفهم ويعرفوني ، ثم يحال بيني وبينهم ) (٥) .

وروى مسلم في صحيحه ، في كتاب الطهارة في الوضوء بسنده عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( ترد عليّ أُمّتي الحوض ، وأنا أذود الناس عنه ، كما يذود الرجل إبل الرجل عن إبله وليصدّن عنّي طائفة

ـــــــــــــ

(١) غرلاً : جمع الأغرل ، ورجل غرل : مسترخي الخلق ، لسان العرب ، ابن منظور : ج ١١ ص ٤٩٠.

(٢) الأنبياء : ١٠٤ .

(٣) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٢٢٨ ـ ٢٢٩ ح ٤٧٤٠ ، كتاب التفسير ،( كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ ) .

(٤) المصدر نفسه : ج ٤ ص ٣٣٤ ح ٧٠٤٩ ؛ كتاب الفتن ، باب ما جاء في قوله تعالى :( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ) .

(٥) صحيح البخاري : ج ٤ ص ٣٣٤ ح ٧٠٥٠ ، ح ٧٠٥١ ، كتاب الفتن ، باب ما جاء في قوله تعالى :( وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً ) .

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361