الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية10%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 213942 / تحميل: 8500
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

منكم فلا يصلون ، فأقول : يا ربّ ! هؤلاء من أصحابي ، فيجيبني مَلَك ، فيقول : وهل تدري ما أحدثوا بعدك ؟ ) (١) .

وروى مسلم أيضاً ، عن أنس بن مالك ، قال : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( ليردنّ عليّ الحوض رجال ممّن صاحبني حتى إذا رأيتهم ، ورفعوا إليّ ، اختلجوا دوني ، فلأقولنّ : أي ربّ أصيحابي أصيحابي ، فليقالنَّ لي : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) (٢) .

وروى ابن جرير الطبري في تفسيره بسنده عن قتادة في تفسير قوله تعالى :( يَوْمَ تَبْيَضّ وُجُوهٌ ) (٣) ، لقد كفر أقوام بعد إيمانهم كما تسمعون ، ولقد ذكر لنا أنّ نبي الله كان يقول :( والذي نفس محمد بيده ، ليردنّ عليّ الحوض ممّن صحبني أقوام ، حتى إذا رفعوا إليّ ورأيتهم اختلجوا دوني ، فلأقولن : ربّ أصحابي أصحابي ، فليقالنّ : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ) (٤) .

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، قال : ( وكان يقال : أطوع الناس في قومه الجارود بن بشر بن المعلّى ، لمّا قُبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فارتدّت العرب ، خطب قومه فقال : أيّها الناس ، إن كان محمد قد مات فإنّ الله حي لا يموت )(٥) . وقد أنبأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاًعليه‌السلام بذلك الارتداد

ـــــــــــــ

(١) صحيح مسلم ، محمد بن مسلم النيسابوري : ج ١ ص ٢١٧ ح ٢٤٧ ، كتاب الطهارة باب استحباب إطالة الغرة والتجميل في الوضوء .

(٢) صحيح مسلم ، النيسابوري : ج ١ ص ١٨٠٠ ح ٢٣٠٤ ، كتاب الفضائل ، باب فضل نسب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(٣) آل عمران : ١٠٦ .

(٤) جامع البيان ، الطبري : ج ٤ ص ٥٥ .

(٥) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١٨ ص ٥٧ .

٢٤١

وغدر الأمة له ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ الأمة ستغدر بك بعدي ، وأنت تعيش على ملّتي وتُقتل على سنّتي ، مَن أحبك أحبّني ، ومَن أبغضك أبغضني ، وإن هذه ستخضب ) (١) ، وسنده صحيح ولم يتكلّموا فيه إلاّ من جهة ثعلبة بن يزيد الحماني ولكن قال النسائي فيه : إنّه ( ثقة )(٢) وقال ابن عدي : ( لم أر له حديثاً منكراً )(٣) وقال ابن حجر : ( صدوق شيعي )(٤) ، وقال الحاكم فيه : ( صحيح )(٥) .

وأخرج الحاكم في المستدرك ، عن عليعليه‌السلام أنّه قال :( إنّ ممّا عهد ليّ النبي : إنّ الأمة ستغدر بي بعده ) (٦) قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

والحاصل أنّ الانقلاب والزيغ عن جادة الصواب في أمر الخلافة ممّا تنبّأ به القرآن والرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وبعد هذا كلّه ، كيف يستغرب في عصيان الصحابة ، ومخالفتهم في أمر الخلافة والإمامة التي هي من أصعب المنعطفات التي مرّت بها الأمة الإسلامية بعد وفاة الرسول الأكرم ، كما عبّر عن ذلك الشهرستاني في

ـــــــــــــ

(١) التاريخ الكبير : البخاري : ج ٢ ص ١٧٤ ح ٢١٠٣ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٤٤٨ ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٦ ص ٢٤٤ ـ ٣٦٠ ؛ تهذيب الكمال ، المزي : ج ٤ ص ٣٩٩ ؛ تاريخ بغداد ، الخطيب البغدادي : ج ١١ ص ٢١٦ ح ٥٩٢٨ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١١ ص ٢٩٧ ح ٣١٥٦٢ .

(٢) ميزان الاعتدال ، الذهبي : ج ١ ص ٣٧١ .

(٣) المصدر نفسه .

(٤) تهذيب الكمال ، المزي : ج ٤ ص ٣٩٩ .

(٥) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٤٣ .

(٦) المصدر نفسه : ج ٣ ص ١٤٠ ؛ وجاء بهذا اللفظ في مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٣٧ .

٢٤٢

كتابه ( الملل والنحل ) بقوله : ( ما سُلّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سلّ على الإمامة في كل زمان )(١) .

الخلاصة

إنّ انحراف الناس عن الأنبياءعليهم‌السلام في الأمم السابقة أمر معهود في التاريخ ، كما يحدثنا القرآن الكريم والتاريخ بذلك ، وعلى هذا الضوء فإنّ الأُمّة الإسلامية لم يستثنها الله تعالى من باقي الأمم التي يجمعها قاسم مشترك ، وهو طبيعة النفس الإنسانية وميلها للشهوات والأطماع ، لا سيّما وأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نصّ وأكّد على أنّ الأمة الإسلامية تحذو حذو هذه الأمم السابقة في كل شيء .

ومن هنا فعدول الصحابة عن وصية نبيهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر لا يخرج عن الأسباب التي دفعت الأمم السابقة بالعدول عن أنبيائهم ، ويمكن إجمال خلفيات عدول الصحابة فيما يلي :

١ ـ طبيعة قريش وما تحمله من تطلّع نحو الزعامة والملك والسلطان .

٢ ـ وجود عدد كبير من المنافقين ومرضى القلوب في صفوف المسلمين .

٣ ـ التنافس والنزاع بين القبائل كما هو الحال بين قبيلتي الأوس والخزرج .

٤ ـ التناحر والتحاسد بين المهاجرين والأنصار .

ـــــــــــــ

(١) الملل والنحل ، الشهرستاني : ج ١ ص ٢٠ .

٢٤٣

٥ ـ سياسة الإرهاب في السقيفة .

٦ ـ تجاسر الصحابة على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث أحصى التاريخ عدداً وافراً من المخالفات للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منها :

أ ـ مخالفة أوامر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند فرارهم في معركة أحد .

ب ـ عصيانهم لله ورسوله بفرارهم من الزحف كما في يوم حنين .

ج ـ اعتراض الصحابة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديبية ، حيث أمرهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنحر فاعترضوا عليه ولم يقم منهم أحد .

د ـ الإشفاق من التصدّق عندما أمر الله تعالى بتقديم صدقة عند مناجاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فتركوا مناجاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خشية من دفع الصدقة .

هـ ـ تخلّف القوم عن الالتحاق بجيش أُسامة الذي أمرهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإنفاذه .

٧ ـ إنّ ارتداد الصحابة قد أنبأنا به القرآن الكريم ، كما في قوله تعالى :( وَمَا مُحمّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى‏ أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنْقَلِبْ عَلَى‏ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرّ اللهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللهُ الشّاكِرِينَ ) (١) .

بالإضافة إلى إنباء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في روايات مستفيضة بارتداد بعض أصحابة .

ـــــــــــــ

(١) آل عمران : ١٤٤ .

٢٤٤

الفصل السادس: العصمة والغلو

العصمة والغلو

الشبهة :

عصمة أهل البيت من أبرز مظاهر الغلو .

الجواب :

لكي تتضح عصمة أهل البيتعليهم‌السلام بشكل واضح ، ينبغي أن نقف قليلاً لنفهم معنى وحقيقة العصمة ، فنقول :

العصمة لغةً :

العصمة : هي المنع والوقاية ، قال في القاموس : ( أعصم ، يعصم : اكتسب ومنع ، ووقى والعصمة بالكسر المنع )(١) .

وجاء في كتاب العين : ( أن يعصمك الله من الشر ، أي : يدفع عنك واعتصمت بالله ، أي : امتنعت به من الشر واستعصمت ، أي : أبيت وأعصمت ، أي : لجأت إلى شيء اعتصمت به )(٢) .

وقال في لسان العرب : ( العصمة في كلام العرب : المنع وعصمة الله عبده : أن يعصمه ممّا يوبقه عصمه يعصمه عصماً : منعه ووقاه ، وفي التنزيل : لا عاصم اليوم من أمر الله إلاّ من رحم ، أي لا معصوم إلاّ المرحوم )(٣) .

وجاء في مختار الصحاح : ( ع ص م العصمة المنع ، يقال عصمه الطعام ،

ـــــــــــــ

(١) القاموس، الفيروزآبادي : ج ٤ ص ١٥١ .

(٢) كتاب العين ، الخليل أحمد الفراهيدي : ج ١ ص ٣١٣ .

(٣) لسان العرب ، ابن منظور : ج ١٢ ص ٤٠٣ .

٢٤٥

أي منعه من الجوع ، والعصمة أيضاً الحفظ ، وقد عصمه يعصمه بالكسر عصمة فانعصم ، واعتصم بالله أي امتنع بلطفه من المعصية )(١) .

العصمة اصطلاحاً :

لا يختلف معنى العصمة اصطلاحاً عن المعنى اللغوي إلاّ في خصوصيات مصداق العصمة الشرعية من أجزاء وشرائط مرتبطة بالأفراد المعصومين ، فالعصمة لدى الأنبياء والرسل والأولياء والأئمّةعليهم‌السلام تعني المنع من ارتكاب المعصية والوقاية من كل رجس ، فلابد أن نعرف أسباب هذا المنع وموجبات هذه الوقاية .

منشأ العصمة :

إنّ الأساس الذي تعتمد عليه العصمة هو العلم ، وهذا الضرب من العلم ليس من سنخ العلم العادي الموجود عند جميع أفراد البشر على السواء ، والذي يسمّى في الاصطلاح العلمي بالعلم الحصولي ، وهو الذي أشارت إليه الآية المباركة بقوله تعالى :( وَاللهُ أَخْرَجَكُم مّن بُطُونِ أُمّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلّكُمْ تَشْكُرُونَ ) (٢) وهذا النوع من العلم موجود عند كل إنسان سواء كان فاسقاً فاجراً أم مؤمناً عادلاً .

وقد أشار القرآن الكريم إلى حقيقة العلم الذي يكون منشأ للعصمة في موارد متعددة :

١ ـ قوله تعالى في حكايته عن النبي يوسفعليه‌السلام :( وَإِلاّ تَصْرِفْ عَنّي كَيْدَهُنّ

ـــــــــــــ

(١) مختار الصحاح ، محمد بن عبد القادر : ص ٢٣٠ .

(٢) النحل : ٧٨ .

٢٤٦

أَصْبُ إِلَيْهِنَ وَأَكُن مِنَ الْجَاهِلِينَ ) (١) .

فالآية تؤكّد بكل صراحة أنّ الذي يصبو إلى المعصية هو الجاهل الذي يقوده هوى النفس إلى ارتكاب ما حرّمه الله تعالى .

فإذا كان الجهل هو الذي يقود إلى المعصية فالعلم هو المانع والحائل عن المعصية ؛ ولذلك قالعليه‌السلام ( وَأَكُن مِنَ الْجَاهِلِينَ ) ولم يقل : ( وأكن من الظالمين ) كما قال لامرأة العزيز : إنّه لا يفلح الظالمون أو أكن من الخائنين ، وكما قال للملك :( وَأَنّ اللّهَ لاَ يَهْدِي كَيْدَ الْخَائِنِينَ ) .

فالنبي يوسفعليه‌السلام فرّق في الخطاب بينه وبين امرأة العزيز والملك من جهة ، وبينه وبين ربّه من جهة أخرى ، فخاطب امرأة العزيز والملك ( بالظلم ، والخيانة ) ، وأنّ الظالم لا يفلح ، والله لا يهدي كيد الخائنين ، وخاطب ربّه تعالى بخطاب آخر وهو أنّ الصبوة إليهن من الجهل .

فيتضح من هذه الآية أن منشأ العصمة هو العلم .

٢ ـ قوله تعالى :( وَلَوْلاَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَن يُضِلّوكَ وَمَا يُضِلّونَ إِلاّ أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرّونَكَ مِن شَيْ‏ءٍ وَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) (٢) .

وهذه الآية واضحة الدلالة على أنّ المنشأ الرئيس للعصمة هو العلم الذي أنعم الله به على الأنبياءعليهم‌السلام ، فالآية أشارت إلى أنّ المنافقين لا يتمكّنون من إضلال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو التأثير عليه وذلك لما منحه الله تعالى من

ـــــــــــــ

(١) يوسف : ٣٣ .

(٢) النساء : ١١٣ .

٢٤٧

قدرات علمية خاصة جعلته في حصانة تامة من الضلال ؛ ولذا يقول الفخر الرازي في صدر تفسيره للآية : ( وهذا من أعظم الدلائل على أنّ العلم أشرف الفضائل والمناقب )(١) .

وهذا بدوره يكشف عن سر تركيز القرآن الكريم وتأكيده على أهمية العلم الذي يحمله الأنبياءعليهم‌السلام ، وهو العلم الذي يحمل في طيّاته خصائص ومميّزات عديدة تؤهّل الإنسان لأن يكون نبيّاً مرسلاً من الله تبارك وتعالى

قال تعالى حكاية عن النبي يوسفعليه‌السلام :( وَلَمّا بَلَغَ أَشُدّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ) (٢) ، وقال تعالى :( وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً ) (٣) .

أمّا حقيقة هذا العلم ـ كما ستأتي الإشارة إليه في مبحث علم الإمام ـ هو سنخ علم ليس كالعلوم التي يتعلّمها الناس ، وإنّما هو علم يلقيه الله تعالى على قلب مَن يشاء ، وهو من سنخ العلم الذي كان وصي سليمان ( آصف بن برخيا ) يتصرف في التكوين بواسطته ، مع أنّه كان عنده بعض هذا العلم لا كلّه ، كما في قوله تعالى :( قَالَ الّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هذَا مِن فَضْلِ رَبّي ) (٤) .

ومن الواضح أنّه تعالى قال :( عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَابِ ) فإنّ ( من ) تفيد التبعيض ، وبهذا البعض من العلم استطاع نقل عرش بلقيس من مملكتها إلى مقام سليمان في لحظة واحدة .

وعلى هذا الأساس ، فإنّ هذا السنخ من العلم كلّه موجود عند أهل البيت وسنشير إلى جملة من الشواهد الروائية التي تثبت ذلك في مبحث (علم الإمام) ، ونكتفي هنا بالإشارة لروايتين فقط .

ـــــــــــــ

(١) التفسير الكبير ، الفخر الرازي : مج ٦ ، ج ١١ ص ٤٠ .

(٢) يوسف : ٢٢ .

(٣) النمل : ١٥ .

(٤) النمل : ٤٠ .

٢٤٨

الرواية الأولى : أخرج القندوزي الحنفي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : ( علم الكتاب والله عندنا وما أعطي وزير سليمان بن داود ، إنّما عنده حرف واحد من الاسم الأعظم ، وعلم بعض الكتاب كان عنده وقال في عليعليه‌السلام ومن عنده علم الكتاب وعلم بعض الكتاب سمّاه عنده الكتاب )(١) .

وعنهعليه‌السلام أيضاً عن آبائهعليهم‌السلام أنّه قال :( ألا وإنّا أهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا ) (٢) .

الرواية الثانية : ما أخرجه ابن المغازلي عن عليعليه‌السلام قال :قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ( أعطينا أهل البيت سبعةً لم يُعطَها أحدٌ قبلنا ، ولا يعطاها أحد بعدنا : الصباحة والفصاحة والسماحة والشجاعة والحلم والعلم والمحبّة من النساء ) (٣) .

إذن هذا العلم الخاص إفاضة منه تعالى لأهل البيتعليهم‌السلام وهو منشأ عصمتهم ، مضافاً إلى جملة وافرة من الأدلة العقلية والنقلية الدالة على عصمتهمعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودة ، القندوزي : ج ١ ص ٣٠٦ .

(٢) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١ ص ٢٦٧ ؛ جواهر المطالب في مناقب الإمام الجليل علي بن أبي طالب : أحمد بن محمد الدمشقي الشافعي : ج ١ ص ٣٤٣ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٨٠؛ ج ٣ ص ٤٠٨ .

(٣) مناقب علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ابن المغازلي : ص ٢٩٥ ، ط ٢ .

٢٤٩

الدليل العقلي على عصمة أهل البيتعليهم‌السلام

تقدم سابقاً أنّ الإمامة متمّمة للنبوّة في مجال الدين بمعنى أنها واجبة لأداء وظيفة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيانه لأحكام الدين والعمل لهداية الناس إلى مصالحهم الواقعية وتزكية الناس وتربيتهم على الكمال اللائق بهم وحفظ التشريع عن التحريف والزيادة والنقصان .

وعلى هذا يعود الدليل الدال على عصمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعينه ليكون دليلاً على وجوب عصمة الإمام .

فالدليل العقلي القائم على عصمة النبي ، من أنّه لو جاز على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخطأ والمعصية ، مع أنّ الله تعالى أمر باتباعه والاقتداء به والانصياع والطاعة لإوامره ، فإنّ هذا يعني أنّ الله تعالى جوّز لنا ارتكاب المعصية والخطأ الذي يصدر من النبي ، وهذا محال لأنّ الله تعالى لا يأمر بالمعصية والانحراف عن المسار الصحيح الذي رسمه للبشرية .

إذن بالنظر إلى موقعية الإمام من الدين وكونه حافظاً للشريعة وقيّماً عليها لابد من القول بعصمته ، كما هو الحال بالنسبة للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فحيث لا يخامرنا الشك بعصمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّها أمر واضح ، وخلافها لا ينسجم مع الحكمة الإلهية ، فكذلك الإمام بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للسبب ذاته .

وبذلك يتضح ضرورة عصمة الأئمّةعليهم‌السلام بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأنّها واجبة كعصمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

مضافاً إلى أنّه لو افترضنا إمكان صدور الخطأ أو الوقوع في الذنب من النبي أو الإمام فإنّ هذا بدوره يؤدّي إلى إنكار الآخرين عليه ونفورهم منه ، وهو أمر ينافي ويضادد ما أمر الله تعالى به من طاعته ، وبالتالي يؤدّي الإنكار عليه إلى تفويت غرض الله تعالى من وصول الناس إلى كمالهم المرسوم ، الناتج عن طاعتهم للنبي أو الإمام .

٢٥٠

الأدلة القرآنية على عصمة الأئمّةعليهم‌السلام

يطالعنا القرآن الكريم بعدّة من الآيات الصريحة الدالة على عصمة الأئمّةعليهم‌السلام :

الآية الأُولى : قوله تعالى( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (١) .

بيان الاستدلال :

لا ريب أنّ الظالم في منطق الشريعة هو كل مَن يعصي الله تعالى ؛ لأّنه ظالم لنفسه على أقل تقدير ، أمّا العهد في الآية المباركة فالمراد منه الإمامة ، بقرينه قوله تعالى في نفس الآية :( إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً ) ، فالظالم المرتكب للمعصية في أي فترة من فترات حياته لا يمكن أن يكون إماماً .

وربّما يُعترض على ذلك بالقول : إنّ الإنسان قد يرتكب في شوط من أشواط حياته معصية ما ، وقد يكون ظالماً لنفسه في مرتبة من مراتب عمره ثم يتوب ، فما المانع من أن يشمله اللطف الإلهي بالإمامة ؟

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ١٢٤ .

٢٥١

والجواب عن ذلك بالبيان التالي :

يمكننا تصنيف الناس إلى أربعة أصناف لا خامس لها :

الصنف الأول : مَن كان ظالماً من أوّل عمره إلى آخره .

الصنف الثاني : مَن كان ظالماً في بداية عمره فحسب ، وكان تائباً مؤمناً في أواخر حياته .

الصنف الثالث : مَن كان مؤمناً أوّل عمره ، ظالماً في آخره .

الصنف الرابع : مَن كان في كل مراحل حياته مؤمناً من أوّلها إلى آخرها.

وبالعودة إلى إبراهيم ودعائه وطلبه الإمامة لذرّيته نجد أنّه من غير المعقول أن يطلب الإمامة لمَن كان ظالماً في جميع عمره أو ظالماً آخر عمره وإن كان في أوّله مؤمناً ، وهذا واضح .

إذن يبقى الصنف الثاني والثالث هما اللذان طلب إبراهيمعليه‌السلام لهما الإمامة ، وقد نصّ الله تعالى في الآية المباركة على أنّ العهد والإمامة لا ينالها الظالم ، وينحصر المقصود بالظالم لا محالة بالصنف الثاني ، وهو مَن يكون ظالماً في بداية عمره فحسب ، وتائباً في آخر حياته .

وحينئذٍ يبقى الصنف الرابع وهو مَن كان مؤمناً في طول حياته ، وهو المعصوم عن الخطأ .

لا سيّما مع الالتفات إلى أنّ النبي إبراهيم من أنبياء أُولي العزم ، وقد تحدّث القرآن الكريم عن خلقه وأدبه مع الله تعالى في الطلب والمسألة .

كما في قوله تعالى :( وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاّ عَن مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيّاهُ فَلَمّا تَبَيّنَ لَهُ أَنّهُ عَدُوّ للهِ‏ِ تَبَرّأَ مِنْهُ إِنّ إِبْرَاهِيمَ لأَوّاهٌ حَلِيمٌ ) (١) .

فالنبي إبراهيمعليه‌السلام تبرأ من عمّه آزر بعد اطلاعه وعلمه بأنّه عدو لله .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ١٤ .

٢٥٢

إذن إبراهيمعليه‌السلام يتبرأ من كل عدو وعاص لله تعالى ؛ لأنّ العاصي هو عدو لله بمرتبة من المراتب ، وعلى هذا الأساس فإنّ كل ظالم لنفسه ولو مرة واحدة في حياته يخرج عن محوطة دعاء إبراهيمعليه‌السلام له ، بعد أن أعلمه الله تعالى بأنّ هذا الصنف غير مستحق لعهد الإمامة ، وبذلك يخرج كل مَن كان ظالماً لنفسه في أي مقطع من مقاطع حياته ، فيبقى القسم الرابع وهو مَن كان غير ظالم من أوّل عمره إلى آخره .

إذن الآية الشريفة تدل بكل وضوح على عصمة كل مَن ينال ويستحق مقام الإمامة منذ اليوم الأول ، فلابد أن يكون الإمام معصوماً قبل الإمامة وبعدها .

وبذلك تدل الآية المباركة على عصمة أهل البيتعليهم‌السلام ، بعد ثبوت إمامتهم للأُمّة بالأدلة القرآنية والروائية المذكورة في محلّها .

الآية الثانية : قوله تعالى :( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) وهذه الآية المباركة تبيّن كيفية تعلّق إرادة الله تعالى بإذهاب الرجس عن أهل البيتعليهم‌السلام وأن يكونوا مطهّرين معصومين ، ولمّا كانت إرادة الله تعالى لا تنفك عن مراده سبحانه فإنّ الذي أراده الله تعالى وهو تطهير أهل البيتعليهم‌السلام واقع لا محالة .

وقد نوقش الاستدلال بالآية في قوله تعالى ( إنّما يريد ... ) فإنّه إما يقصد الإرادة التشريعية وهي تتخلّف عن المراد ، مضافاً لعدم اختصاصها بأهل البيتعليهم‌السلام ، حيث إنّ الله تعالى أراد من الناس كافة أن يطّهروا بأن يكونوا طائعين مهتدين سائرين في طريق الكمال ، ونهاهم عن الرجس وارتكاب المحرمات كشرب الخمر والفسق والفجور وغيرها ، فهذه الإرادة التشريعية تعلقت بكل البشرية ولا خصوصية لها بأهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) الأحزاب : ٣٣ .

٢٥٣

وإمّا أن تكون تلك الإرادة تكوينية وقد تعلقت بطهارة أهل البيتعليهم‌السلام فهذا يعني أنّهم مطهّرون جزماً ، إذ يستحيل أن تتخلّف إرادة الله التكوينية عن المراد ، لكن الملاحظة التي تقف بوجه هذا التقريب من الاستدلال ، هي أنّ هذا هو الجبر بعينه ، وأنّ أهل البيتعليهم‌السلام مجبورون عن الابتعاد عن الرجس بإرادة الله التكوينية التي لا تتخلف عن المراد ، وهذا يعني أنّ عصمة أهل البيتعليهم‌السلام ليست شرفاً أو مدحاً لهم ؛ لأنّ العصمة لم تكن باختيارهم .

والجواب على ذلك سيأتي مفصّلاً في مبحث علم الإمام بالغيب ، إلاّ أنّه يمكننا أن نكتفي بالإشارة المفهمة للجواب ، فنقول : حيث إنّ الله تعالى عالم بكل شيء لا يعزب عن علمه مثقال ذرّة في الأرض ولا في السماء ، فهو يعلم بأفعال عبيده قبل خلقهم ويعلم ما يصدر من الإنسان قبل أن يخلقه ، ومحيط بما هو صائر إليه .

وعلى هذا الأساس : فإنّ الله تعالى لمّا علم من هؤلاء النفر وهم أهل البيتعليهم‌السلام بأنّهم لا يريدون لأنفسهم إلاّ الطاعة المطلقة لله سبحانه أعانهم على ذلك ، وأراد لهم من الطهارة ما يتناسب مع ما علمه من إرادتهم ؛ لأنّه علم منهم أنّهم لا يريدون لأنفسهم إلاّ الطاعة ، فلم تتعلّق إرادته التكوينية بعصمتهم إلاّ بعد العلم بأنّهم سوف لا يكون لهم همّ إلاّ الطاعة والعبودية .

٢٥٤

وقد ركّزت الآيات القرآنية على هذه الحقيقة ، كما في قوله تعالى :

( كُلّاً نمدّ هؤُلاَءِ وَهؤُلاَءِ ) (١) وقوله عزّ وجلّ :( وَإِن من شَيْ‏ءٍ إِلاّ عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ ) (٢) وقوله تعالى : ( أَنزَلَ مِنَ السّماءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةُ بِقَدَرِهَا ) (٣) ، وهكذا قوله تبارك وتعالى :( إِنّا هَدَيْنَاهُ السّبِيلَ إِمّا شَاكِراً وَإِمّا كَفُوراً ) (٤) .

إذن فالمسألة لا ترجع إلى اختيار جزافي بل تتحرّك في إطار هادف ، وعلمه تعالى بهم صار منشأ لهذه الإرادة التكوينية ؛ وبذلك يتبين عدم التنافي بين كون الله تعالى علم منهم أنّهم يريدون طاعة الله باختيارهم ، وبين تعلّق إرادته عزّ وجلّ التكوينية بتطهيرهم وإذهاب الرجس عنهم ، النابع عن ذلك الاختيار بعد علم الله تعالى به ، ويمكن استظهار ما ذكرناه من الآية ذاتها ، حيث إنّها عبرت بـ( إنّما يريد ) ومن الواضح أنّ الفعل المضارع دالّ على الاستمرارية ، أي أنّ النفر والأشخاص الذين أخبرت الآية عن عصمتهم متصفون بهذه الصفة على الدوام والاستمرار ، وهذا لا ينطبق إلاّ على العترة خاصة دون سواهم ، مع مطابقة ذلك التسديد الإلهي لما يريدونه من الطهارة حيناً فحيناً .

فالآية المباركة تدل على عصمة أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد تقدّم(٥) ما يدل على عدم مشاركة غير أهل البيت في الآية الشريفة ، وهنالك قرائن قطعية

ـــــــــــــ

(١) الإسراء : ٢٠ .

(٢) الحجر : ٢١ .

(٣) الرعد : ١٧ .

(٤) الإنسان : ٣ .

(٥) راجع : بحث آية التطهير السابق عند ردّ شمولها لبني هاشم عامة .

٢٥٥

وشواهد روائية صريحة تؤكّد على انحصار هذه الآية الشريفة بأهل البيتعليهم‌السلام .

ومنها مثلاً اهتمام وحرص الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على تشخيص عنوان أهل البيتعليهم‌السلام بالعترة الطاهرة والمنع من استعمال هذه الكلمة في غير عترتهعليهم‌السلام وإدخال المسيء فيهم ، وقد جاء ذلك في روايات كثيرة ، منها :

ما ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : (ادعوا لي ، ادعوا لي ، فقالت صفية : مَن ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أهل بيتي عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ، فجيء بهم فألقى عليهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كساءه ، ثم رفع يديه ، ثم قال :اللّهمّ هؤلاء آلي فصلّي على محمد وعلى آله محمّد ، وأنزل الله عز وجلّ ،( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) ، ثم يؤكّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذا الحصر والتشخيص بقوله:( اللّهمّ هؤلاء آلي فصل على محمّد وآل محمّد ) ، فنزّل الله تعالى فيهم قرآناً محكماً ، وهو قوله تعالى:( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ولا يخفى ما في هذه الكلمة :( اللّهمّ هؤلاء آلي ) من الدلالة على حصر أهل البيت .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٤٨ والآية ٣٣ من سورة الأحزاب .

٢٥٦

الأدلة الروائيّة

أوّلاً : حديث الثقلين

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) (١) ، وأوّل سؤال يطالعنا في هذا المجال : هل صدر هذا الحديث عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم لا ؟

والجواب : إنّ هذا الحديث ما لا شك في صدوره عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد نقله أهل السنّة ، وروه في كتبهم أكثر من نقل الشيعة له .

وهذا الحديث وإن قيل إنّه صدر بصيغة ( وسنّتي بدل وعترتي ) إلاّ أنّه لا تنافي بينهما ؛ لأنّ العترة هي في موقع بيان السنّة ، فالعترة هي المبيّن الواقعي للسنّة ، وإنّ السنّة بتمامها لدى العترة ، وفحوى ( كتاب الله وعترتي ) يتمثّل بوجوب تلقيّنا السنّة عن العترة ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أنّه إذا كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد صرّح بعبارة ( وسنّتي ) في موطن واحد فإنّه قد نطق بصيغة ( كتاب الله وعترتي ) في مواطن متعددة ومتواترة(٢) .

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ، الطبري : ج ٥ ص ١٧٠ ص ١٨٦ ؛ تفسير ابن كثير : ج ٤ ص ١٢٢ ؛ قال فيه : ( وثبت في الصحيح أنّ الرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في خطبة بغدير ( الحديث ) ، ونحوه صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٨٧٣ ؛ ونحوه مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٦٢ ـ ١٦٣، وقال فيه : ( رواه أحمد وإسناده جيد ) ؛ الصواعق المحرقة : ص ٣٤١ ، ونحوه صحيح الترمذي : ج ٥ ص ٣٢٩ ؛ ونحوه السنن الكبرى ، النسائي : ج ٥ ص ٤٥ .

(٢) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ١٧٠ وص ١٨٦ ؛ السنن الكبرى ، النسائي : ج ٥ ص ٤٥ وص ١٣٠ وغيرها من المصادر .

٢٥٧

دلالة الحديث على عصمة أهل البيتعليهم‌السلام

فمن الملاحظ أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد حثّ أُمّته على الالتزام والتمسّك بالثقلين ، وأخذ دينهم من هذين المصدرين : ( الكتاب والعترة ) ، فكما أنّ القرآن معصوم عن الزيغ ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ـ بلا خلاف في ذلك ـ كذلك يكون العدل الآخر له معصوماً أيضاً ؛ لأنّه من المحال أن يدعو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أخذ الدين من مرجع بشكل حاسم ، ثم يتخلّل الخطأ والسهو والزيغ بعض كلام ذلك المرجع .

فالعترة مرجع إلهي عيّنه الله تعالى لهذا الموقع إلى جوار القرآن الكريم بالنحو الذي لا يمكن الأخذ بأحدهما دون الآخر ، وإلاّ سوف ينتهي الأخذ بأحدهما دون الآخر إلى الضلال .

وعليه فإنّه من المحال أن يدعو الله تعالى ورسوله إلى مصدر ومرجع في حال يمكن فيه المعصية والخطأ والاشتباه ؛ لأنّ ذلك يعني تجويز الله سبحانه وتعالى المعصية والخطأ ، وهو أمر مستحيل ، وعلى هذا الأساس يتعيّن القول بعصمة أهل البيتعليهم‌السلام .

ثانياً : النص على العصمة والطهارة

كما في قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهّرون معصومون ) (١) .

وهو صريح الدلالة في إثبات العصمة لأهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ٣١٦ وج ٣ ص ٢٩١ وص ٣٨٤ .

٢٥٨

ثالثاً : طاعتهم طاعة لله ولرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعلي أمير المؤمنينعليه‌السلام :( مَن أطاعني فقد أطاع الله ومَن عصاني فقد عصا الله ، ومَن أطاع عليّاً فقد أطاعني ، ومَن عصا عليّاً فقد عصاني ) (١) .

ومن مميّزات هذا الحديث أنّ الذهبي الذي هو إمام النقد والتجريح عند السنّة ، والذي عمل كل ما يستطيع لإسقاط عمدة أحاديث فضائل أمير المؤمنينعليه‌السلام ، قد صحّح هذا الحديث ، ففي هذا الحديث النبوي الكريم أصل وفرع ، وشجرة وثمرة فالأصل والشجرة هو النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والفرع هو عليعليه‌السلام ، وهذا الحديث واضح الدلالة في عصمة الإمام عليعليه‌السلام ؛ لأنّه يدل على أنّ إرادة عليعليه‌السلام لا يمكن أن تتخلّف عن إرادة الله تعالى ، ولا تتخلّف كراهته عن كراهته الله تعالى ، ولو أمكن أن تتخلّف لكان قوله : ( ومَن أطاعه فقد أطاع الله ) خطأ واشتباهاً ، والعياذ بالله .

وحيث تثبت عصمة الإمام عليعليه‌السلام تثبت عصمة بقيّة أهل البيتعليهم‌السلام ؛ لأنّهم نور واحد وورثة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وخلفاؤه كما هو واضح .

ثم إنّه بعد ثبوت العصمة لأهل البيتعليهم‌السلام في العقل والقرآن والسنّة ، لا يبقى مجال لدعوى الغلو في مبدأ العصمة لأهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢١ ؛ وقال فيه : ( حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ) .

٢٥٩

الخلاصة

إنّ عصمة أهل البيتعليهم‌السلام أمر لا يمكن التردد فيه بعد الوقوف على حقيقة العصمة والأدلة القرآنية والروائية .

فالعصمة لغةً : المنع والوقاية أي إنّ العصمة مَلَكة تمنع صاحبها من ارتكاب المعصية ، وهذا هو المعنى الاصطلاحي للعصمة .

منشأ العصمة

إنّ منشأ العصمة هو العلم ، إلاّ أنّه ليس العلم العادي الموجود عند جميع أفراد البشر المسمّى بالعلم الحصولي ، بل هو سنخ علم خاص يفيضه الله تعالى على قلب من يشاء من عباده ، وقد أشارت إلى هذا النمط من العلم عدة من الآيات القرآنية ، كما هو الحال في قضية وصي سليمان آصف بأقل من طرفة عين ، كما في قوله تعالى :( قَالَ الّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقِرّاً عِندَهُ قَالَ هذَا مِن فَضْلِ رَبّي ) (١) .

ولا ريب أنّ هذا السنخ من العلم ، هو في صدور أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد تقدّمت عدّة شواهد وأدلة على ذلك .

إذن منشأ وسبب العصمة إنّما هو العلم الخاص الذي عند أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) النمل: ٤٠ .

٢٦٠

الدليل العقلي على عصمة أهل البيتعليهم‌السلام

إنّ الدليل القائم على عصمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو بعينه يكون دليلاً على عصمة خلفاء النبي وهم أهل البيتعليهم‌السلام ؛ وذلك لأنّ خطورة دور الإمام وكونه حافظاً للشريعة وقيّماً عليها يوازي خطورة الدور النبوي ، فلو كان الإمام غير معصوم ويخطأ ويعصي مع أنّ الله تعالى ورسوله أمرنا باتباعه فهذا يعني تجويز الله لنا بارتكاب المعصية ، وهو محال .

الأدلة القرآنية على عصمة الأئمّةعليهم‌السلام

هنالك عدة آيات قرآنية يستدل بها على العصمة :

منها : قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ ) (١) .

فالآية المباركة تدل بكل وضوح على أنّ مَن ينال منصب الإمامة لابد أن يكون معصوماً قبل تقلّد الإمامة .

كذلك قوله تعالى :( إنّما يريد الله ليذهب ) التي لا يشك في اختصاصها بأهل البيتعليهم‌السلام .

الأدلة الروائية على عصمة أهل البيتعليهم‌السلام

منها : حديث الثقلين :( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) .

حيث أكّد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على لزوم التمسّك بالكتاب والعترة على هذا الأساس ، فلو لم تكن العترة معصومة ، لا يمكن أن يأمر الرسول بلزوم اتباعها ، مضافاً إلى عدة أحاديث أخرى .

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ١٢٤ .

٢٦١

مقام الوصي

الشبهة :

إنّ منزلة الوصي عند الشيعة تعادل منزلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّ الوصي يوحى إليه .

الجواب :

يجدر بالقارئ الكريم أن يلتفت إلى أنّ صاحب هذه الشبهة يحاول أن ينسب إلى الشيعة أمرين :

الأوّل : أنّ الأوصياء أنبياء .

الثاني : أنّ الأوصياء يوحى إليهم .

وينتج عن ذلك هو توريط الشيعة الاثني عشرية واتهامهم بفكرة الغلو ، وبالتالي ارتباطهم بالسبئية ، إلاّ أنّ هذا باطل وغير صحيح ، وسوف نتناول ذلك إجمالاً ، فنقول :

أوّلاً : لو أُريد من كون الأوصياء بمنزلة الأنبياء أنّهم أنبياء ، فهذا ما لا نريده ، ولم يدون في كتاب من كتب الشيعة ؛ ولذا روى الفريقان عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لعلي :( أنتَ منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ) (١) ، فالرسول الأكرم في هذا الحديث جعل الإمام عليّاًعليه‌السلام

ـــــــــــــ

(١) صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٨٧٠ ـ ١٨٧١ باب فضائل عليعليه‌السلام ، المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٦ ص ١٤٨ ؛ الثقات ، ابن حبان : ج ١ ص ١٤٢ ، المناقب ، الخوارزمي : ص ١٥٢ ؛ ونحوه الدر المنثور ، السيوطي : ج ٤ ص ٣٢٢ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٢٠ ص ٣٦٠ وج ٢١ ص ٤١٥ وج ٤٢ ص ٥٣ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٥ ص ١٦ وص ٣٧١ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٩ ؛ سنن الترمذي ، الترمذي : ج ٥ ص ٣٠٤ ؛ المعجم الصغير ، الطبراني : ج ٢ ص ٥٤ ؛ المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٦ ص ٧٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٠٩ ؛ ونحوه السنن الكبرى ، البيهقي: ج ٩ ص ٤٠ ؛ شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٥ ص ١٧٤ ؛ مسند الطيالسي : ص ٢٩ ؛ مسند ابن راهويه : ج ٥ ص ٣٧ ؛ مسند أبي يعلى : ج ٢ ص ٦٦ وص ١٣٢ ؛ وغيرها من المصادر .

٢٦٢

بمنزلة هارون ـ الذي هو نبي من الأنبياء ـ من موسى على أنه لا نبي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا يكشف عن أنّ التنزيل بحدّ ذاته لا يعني التنزيل من جميع الجهات حتى من جانب النبوّة ، كما أكّد على ذلك الأئمّةعليهم‌السلام :

١ ـ قال أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام :( إنّما الوقوف علينا في الحلال فأمّا النبوّة فلا ) (١) .

٢ ـ وعن بريد بن معاوية عن أحدهما ـ أبي جعفر وأبي عبد الله ـعليهما‌السلام ، قال : ( قلت له : ما منزلتكم ؟ ومَن تشبهون ممّن مضى ؟ قال :صاحب موسى وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا نبيّين )(٢) .

٣ ـ كذلك عن سدير قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ( وعندنا قوم يزعمون أنّكم رسل يقرؤون علينا بذلك قرآنا( يَا أَيّهَا الرّسُلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ، فقال :يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء ، وبرئ الله منهم ورسوله ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي ، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم ، قال : قلت : فما أنتم ؟ قال :نحن خزّان علم الله ، نحن تراجمة أمر الله ، نحن قوم معصومون أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ، ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجّة البالغة على مَن دون السماء وفوق الأرض )(٣) .

٤ ـ عن محمد بن مسلم قال : ( سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :الأئمّة بمنزلة

ـــــــــــــ

(١) الكافي ، الكليني: ج ١ ص ٢٦٨ .

(٢) الكافي ، الكليني: ج ١ ص ٢٦٩ .

(٣) الكافي ، الكليني: ج ١ ص ٢٦٩ .

٢٦٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلاّ أنّهم ليسوا بأنبياء ، ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمّا ما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) .

٥ ـ عن أبي أيوب بن الحر ، قال : ( سمعت أبا عبد الله يقول :إنّ الله عزّ ذكره ختم بنبيّكم النبيّين ، فلا نبيّ بعده أبداً ، وختم بكتابكم الكتب ، فلا كتاب بعده أبداً ، وأنزل فيه تبيان كل شيء )(٢) .

ثم كيف يدعي الشيعة أن الأئمة أنبياء ، أو أنهم يوحى إليهم ، وهم يرتلون القرآن بكرة وعشياً :( مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رجَالِكُمْ وَلكِن رّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النّبِيّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً ) (٣) .

أقوال علماء الشيعة

وقال الشيخ المفيد : ( فإن قيل : هل علمتم من دينه أنّه خاتم الأنبياء أم لا ؟

فالجواب : علمنا ذلك من دينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فإن قيل : بما علمتموه ؟ .

فالجواب : علمنا ذلك بالقرآن والحديث ، أمّا القرآن فقوله تعالى :( مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رجَالِكُمْ وَلكِن رّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النّبِيّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً )

وأمّا الحديث فقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام :

ـــــــــــــ

(١) الكافي ، الكليني: ج ١ ص ٢٧٠ .

(٢) المصدر نفسه : ج ١ ص ٢٦٩ .

(٣) الأحزاب : آية ٤٠ .

٢٦٤

 ( أنتَ مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) (١) .

قال الشيخ الطوسيرحمه‌الله : ( مسألة : نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم الأنبياء والرسل بدليل قوله تعالى :( مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رجَالِكُمْ وَلكِن رّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النّبِيّينَ ) (٢) .

وقال القاضي ابن براج : ( مسألة : نبينا خاتم النبيين والمرسلين بمعنى أنّه لا نبي بعده إلى يوم القيامة ، يقول تعالى :( مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رجَالِكُمْ وَلكِن رّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النّبِيّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً ) (٣) .

واستدلّ بذلك أيضاً علي بن يونس العاملي في كتابه الصراط المستقيم(٤) ، وقال الشيخ الطوسي في تفسير هذه الآية( وَخَاتَمَ النّبِيّينَ ) أي : ( آخرهم ؛ لأنّه لا نبي بعده إلى يوم القيامة )(٥) .

وقال الشيخ الطبرسي : (( وَخَاتَمَ النّبِيّينَ ) أي : وآخر النبيين ختمت النبوة به ، فشريعته باقية إلى يوم الدين ، وهذا فضيلة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختص بها من بين سائر المرسلين )(٦) .

وأقوال علمائنا في ذلك كثيرة جدّاً فوق حدّ الإحصاء .

ـــــــــــــ

(١) النكت الاعتقادية ، المفيد : ص ٣٨ .

(٢) الرسائل العشر ، الطوسي : ص ٩٧ .

(٣) جواهر الفقه ، ابن البراج : ص ٢٤٨ .

(٤) الصراط المستقيم ، علي بن يونس العاملي : ج ١ ص ٦١ .

(٥) التبيان ، الطوسي : ج ٨ ص ٣٤٦ .

(٦) مجمع البيان ، الطبرسي : ج ٨ ص ١٦٦ .

٢٦٥

الوحي انقطع بموت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أمّا بالنسبة إلى الوحي فإنّه انقطع بموت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا يعد من الضروريات والبديهات في مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، ولو تصفّحنا سريعاً ما ورد في الكتب الروائية الشيعية لوجدناها زاخرة بهذا المعنى .

فمن باب المثال لا الحصر ما جاء في ( الوسائل ) عن أبي أيوب الخراز أنّه قال : ( أردنا أن نخرج فجئنا نسلّم على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فقال :كأنّكم طلبتم بركة الاثنين ؟ قلنا : نعم ، قال : فأيّ يوم أعظم شؤماً من يوم الاثنين ، فقدنا فيه نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وارتفع الوحي عنا )(١) .

وعن أبي عبد الله بن أبي الكرام قال : تهيّأت للخروج إلى العراق ، فأتيت أبا عبد اللهعليه‌السلام لأسلّم عليه وأودّعه ، فقال : ( أين تريد قلتُ : أريد إلى العراق ، فقال لي : في هذا اليوم ـ وكان يوم الاثنين ـ ؟ فقلتُ : إنّ هذا اليوم يقول الناس : إنّه يوم مبارك فيه وُلد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : والله ما يعلمون أيّ يوم وُلد فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّه يوم شؤم ، فيه قُبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانقطع الوحي )(٢) .

وعن جامع الأخبار في كتاب التعبير عن الأئمّةعليهم‌السلام :( إنّ رؤيا المؤمن صحيحة ؛ لأنّ نفسه طيّبة ويقينه صحيح ، وتخرج فتتلقى من الملائكة ، فهي وحي من الله العزيز الجبّار ، وقالعليه‌السلام :انقطع الوحي وبقي المبشّرات ألا وهي نوم الصالحين والصالحات ) (٣) .

وسيأتي أنّ من معاني الوحي هو ما يحصل في المنام ، كما في الإيحاء إلى أُمّ موسىعليها‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) الوسائل ، الحر العاملي : ج ١١ ص ٣٥١ : ح ١ ؛ باب آداب السفر إلى الحج وغيره ، الباب الرابع ( باب كراهة اختيار الاثنين للسفر ) ؛ وكذا الباب السابع : ح ٩ ص ٣٦٠ .

(٢) وسائل الشيعة ، الحر العاملي : ج ١١ ص ٣٦٠ .

(٣) نقلاً عن بحار الأنوار ، المجلسي : ج ٥٨ ص ١٧٦ .

٢٦٦

وأخرج البخاري في صحيحه في باب الرؤيا الصالحة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن مالك بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة ) ، وكذا ذكرها بعدّة أسانيد في باب الرؤيا الصالحة ( جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة ) كما عن عبادة بن الصامت وأبي هريرة وأنس(١) .

أقسام الوحي

ذكر المفسّرون أنّ للوحي أكثر من معنى ، استعملها القرآن الكريم : كالإيحاء إلى النحل وإلى أُمّ موسى ونحوها .

وعلى هذا الأساس ، فلو عُبّر في بعض الروايات بالوحي لا يعني ذلك أنّ المقصود منه هو الوحي الرسالي والنبوّة أبداً ، بل لابد أن يكون المراد غير ذلك ، ومن أقسام الوحي في القرآن الكريم ما يلي :

١ ـ الوحي بمعنى الإلهام : كما في قوله تعالى :( وَأَوْحَى‏ رَبّكَ إِلَى النّحْلِ أَنِ اتّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً ) (٢) ، كما نصّ على ذلك النحّاس ، حيث قال : روي عن الضحّاك أنّه قال : ألهمها ، وأصل الوحي في اللغة الإعلان بالشيء في

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ، البخاري : ج ٨ ص ٦٨ ، ص ٧٠ .

(٢) النحل : آية ٦٨ .

٢٦٧

ستره ، فيقع ذلك بالإلهام وبالإشارة وبالكتابة وبالكلام الخفي )(١) ، وكذا قيل إنّ من الوحي الرحماني بمعنى الإلهام ، قوله تعالى :( وَأَوْحَيْنَا إِلَى‏ أُمّ مُوسَى ) (٢) .

٢ ـ الوحي بمعنى الخلق : عن السدّي( أَوْحَى‏ فِي كُلّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) (٣) ، قال : ( خلق في كل سماء خلقها من الملائكة ، والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلم ، وعن قتادة( وَأَوْحَى‏ فِي كُلّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) : خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها )(٤) .

٣ ـ الوحي بمعنى إلقاء القول بخفاء : كما في قوله تعالى :( إِذْ يُوحِي رَبّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ ) (٥) .

٤ ـ الوحي بمعنى الإشارة والكتابة : كما نقل القرطبي في تفسير قوله تعالى :( فَأَوْحَى‏ إِلَيْهِمْ أَن سَبّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ) (٦) ، عن الكلبي وقتادة وابن منبه : أوحى إليهم أشار ، وعن القتبي : أومأ ، وعن مجاهد : كتب على الأرض ، وأمّا عكرمة فيقول : كتب في كتاب ، والوحي في كلام العرب الكتابة ...(٧) .

٥ ـ الوحي بمعنى الإسرار : كما في قوله تعالى :( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى‏ بَعْضٍ

ـــــــــــــ

(١) معاني القرآن ، النحاس : ج ٤ ص ٨٣ .

(٢) القصص : آية ٧ .

(٣) فصلت : آية ١٢ .

(٤) جامع البيان : ابن جرير الطبري : ج ٢٤ ص ١٢٥ .

(٥) الأنفال : آية ١٢ .

(٦) مريم : آية ١١ .

(٧) تفسير القرطبي ، القرطبي: ج ١١ ص ٨٥ ؛ وكذا ما في : جامع البيان : ابن جرير الطبري : ج ١٦ ص ٦٨ ؛ وتفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج ٣ ص ١١٩ .

٢٦٨

زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) (١) .

٦ ـ الوحي بمعنى الإلقاء في الروع : كما في قوله تعالى :( وَأَوْحَيْنَا إِلَى‏ أُمّ مُوسَى‏ أَنْ أَرْضِعِيهِ ) (٢) .

قال الجبائي : ( كان الوحي رؤيا منام ) ، وقال الزجاج : ( معنى أوحينا إلى أُمّ موسى أعلمناها ) ، وقال عبد الرزاق الصنعاني في تفسيره : ( عن قتادة في قوله وأوحينا إلى أُمّ موسى ، قذف في نفسها )(٣) .

وفي زاد المسير لابن الجوزي : ( فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنّه إلهام قاله ابن عباس ، والثاني : إنّ جبرائيل أتاها ، وبذلك قاله مقاتل ، والثالث : أنّه كان رؤيا منام )(٤) .

٧ ـ الوحي بمعنى الأمر : كما في قوله تعالى( بِأَنّ رَبّكَ أَوْحَى‏ لَهَا ) (٥) ، ذكره القرطبي في تفسيره(٦) .

إذن للوحي معان عديدة ، فمن السذاجة حصره بالوحي الرسالي وممّا يؤيّد جميع ما ذكرنا ما جاء في كتاب التعبير عن الأئمّةعليهم‌السلام :( إنّ رؤيا المؤمن صحيحة ؛ لأنّ نفسه طيّبة ويقينه صحيح ، وتخرج فتتلقى من

ـــــــــــــ

(١) الأنعام: آية ١١٢ .

(٢) القصص : آية ٧ .

(٣) تفسير الصنعاني ، عبد الرزاق الصنعاني : ج ٣ ص ٨٧ ؛ وكذلك في : تفسير الطبري : ج ٢ ص ٣٧؛ ومعاني القرآن: النحاس : ج ٥ ص ١٥٧ .

(٤) زاد المسير ، ابن الجوزي : ج ٦ ص ٨٧ ؛ وهكذا انظر : تفسير القرطبي : ج ٦ ص ٣٦٣؛ ج ١٣: ص ٢٥٠ .

(٥) الزلزلة : آية ٥

(٦) تفسير القرطبي ، القرطبي : ج ٦ : ص ٣٦٣ .

٢٦٩

الملائكة ، فهي وحي من الله العزيز الجبّار ، وقالعليه‌السلام :انقطع الوحي وبقي المبشرات ألا وهي نوم الصالحين والصالحات ) (١) .

والنتيجة : هي أنّ الوحي انقطع والائمّةعليهم‌السلام ليسوا بأنبياء .

الخلاصة

١ ـ إنّ انقطاع النبوّة والوحي الرسالي بعد موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بديهيات وضروريات مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، والتراث الشيعي مليء بالروايات التي تنطق بهذه الحقيقة .

٢ ـ مضافاً إلى ما سبق من وجود الجمّ الغفير من الروايات التي تؤكّد هذه الحقيقة ، فقد أجمع علماؤنا على انقطاع الوحي بعد موت نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّه خاتم النبيين .

٣ ـ ورد الوحي في القرآن الكريم على معان عديدة ؛ لذا فإطلاق الوحي ـ لو وجد في بعض الروايات ـ لا يعني ذلك أنّ المراد هو وحي النبوّة والرسالة .

ـــــــــــــ

(١) نقلاً عن بحار الأنوار : المجلسي : ج ٥٨ : ص ١٧٦ .

٢٧٠

تأليه الإمام عند الشيعة

الشبهة :

الشيعة يؤلّهون أئمّتهم ويتخذونهم أرباباً من دون الله .

الجواب :

تمهيد :

أوّلاً : إنّ هذا القول والادعاء باطل لا أساس له من الصحّة أبداً ، فهذه كتب الشيعة ومؤلّفاتهم حَكَمَاً بيننا ، فهي تصرح بأنّ الأئمّةعليهم‌السلام عباد لله تعالى ، بل إنّ سيّدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نال جميع المقامات السامية والرفيعة بالعبودية لله تعالى ، حيث قال الله عزّ وجلّ :( سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى‏ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى‏ الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (١) .

ومجاميع الشيعة الحديثية مليئة بالروايات الصحيحة والصريحة التي تحذّر من فرق المغالين وعقيدتهم الفاسدة ، وإليك بعضها على سبيل الاختصار :

ـــــــــــــ

(١) الإسراء : آية ١ .

٢٧١

أولاً* : نهي أهل البيتعليهم‌السلام عن الغلو :

١ ـ ما جاء عن الإمام الرضاعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :( لا ترفعوني فوق حقّي فإنّ الله تبارك وتعالى اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبيّاً ) (١) .

٢ ـ قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :( إيّاكم والغلو فينا ، قولوا عبيد مربوبون ، وقولوا في فضلنا ما شئتم ) (٢) .

٣ ـ ما جاء عن الإمام الرضاعليه‌السلام عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً :( أنا أبرأ إلى الله تبارك وتعالى ممّن يغلو فينا ويرفعنا فوق حدّنا كبراءة عيسى بن مريم من النصارى ) (٣) .

٤ ـ وعنه أيضاًعليه‌السلام :( فمَن ادعى للأنبياء ربوبية وادعى للأئمّة ربوبية أو نبوّة أو لغير الأئمّة إمامة فنحن منه براء في الدنيا والآخرة ) (٤) .

٥ ـ عن مرازم قال : قال الإمام الصادقعليه‌السلام :( قال للغالية توبوا إلى الله فإنّكم كفّار فسّاق مشركون ) (٥) .

٦ ـ ما عن سدير قال : ( قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ قوماً يزعمون أنّكم آلهة ، يتلون بذلك علينا قرآناً( وَهُوَ الّذِي فِي السّماءِ إِلهٌ وَفِي الأَرْضِ إِله ) (٦) ، فقال :يا سدير سمعي وبصري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء ،

ـــــــــــــ

* للتنويه فقط : نشير هنا إلى أن لا وجود لـ ( ثانياً ) ؛ فإمّا وردت ( أوّلاً ) عن غير قصد ، أو لم تذكر بقيّة النقاط سهواً أو غير ذلك ! [ الشبكة ] .

(١) عيون أخبار الرضا ، الصدوق : ص ٢١٧ .

(٢) الخصال : الصدوق : ص ٦١٤ .

(٣) عيون الأخبار ، الصدوق : ج ١ ص ٢١٧ .

(٤) المصدر نفسه : ج ١ ٢١٧ .

(٥) رجال الكشي : ج ٢ ص ٥٨٧ ح ٥٢٧ .

(٦) الزخرف : ٨٤ .

٢٧٢

وبرئ الله منهم ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي ، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم ، قال : قلت : وعندنا قوم يزعمون أنّكم رسل يقرأون علينا بذلك قرآناً( يَا أَيّهَا الرّسُلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) (١) ، فقال :يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء وبرئ الله منهم ورسوله ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي ، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم ، قال : قلت : فما أنتم ؟ قال :نحن خزّان علم الله ، نحن تراجمة أمر الله ، نحن قوم معصومون ، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجّة البالغة على مَن دون السماء وفوق الأرض )(٢) .

٧ ـ وقال الإمام الصادقعليه‌السلام :( احذروا على شبابكم من الغلاة لا يفسدونهم فإنّ الغلاة شر خلق الله يصغّرون عظمة الله ويدّعون الربوبية لعباد الله ، والله إنّ الغلاة شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ) (٣) .

مواقف علمائنا من الغلاة

١ ـ قال الشيخ الصدوقرحمه‌الله : ( اعتقادنا في الغلاة والمفوّضة أنّهم كفّار بالله تعالى ، وأنّهم شر من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلّة )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) المؤمنون : آية ٥١ .

(٢) الكافي ، الكليني : ج ١ ص ٢٦٩ ، ص ٢٧٠ .

(٣) الأمالي ، الطوسي : ص ٢٥٠ .

(٤) الاعتقادات الصدوق : ص ٩٧ .

٢٧٣

٢ ـ قال الشيخ المفيدرحمه‌الله : ( والغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمّة من ذريتهعليهم‌السلام إلى الألوهية وهم ضلاّل كفّار ، حكم فيهم أمير المؤمنينعليه‌السلام بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت الأئمّةعليهم‌السلام بالإكفار والخروج عن الإسلام )(١) .

٣ ـ وقال الشيخ كاشف الغطاءرحمه‌الله : ( أمّا الشيعة الإمامية وأئمّتهمعليهم‌السلام فيبرؤن من تلك الفرق براءة تحريم ويبرؤون من تلك المقالات ، ويعدّونها من أشنع الكفر والضلالات ، ليس دينهم إلاّ التوحيد المحض وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق )(٢) .

٤ ـ وقال الشيخ المظفّررحمه‌الله : ( لا نعتقد في أئمّتناعليهم‌السلام ما يعتقده الغلاة والحلوليون( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) (٣) ، بل عقيدتنا الخاصة أنّهم بشر مثلنا لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، وإنّما هم عباد مكرّمون اختصهم الله بكرامته وحباهم بولايته إذ كانوا في أعلى درجات الكمال اللائقة في البشر من العلم والتقوى والشجاعة والكرم والفقه ، وجميع الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة ، لا يدانيهم أحد من البشر فيما اختصوا به ، قال إمامنا الصادقعليه‌السلام :( ما جاءكم عنّا ممّا يجوز أن يكون في المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه وردّوه إلينا ، وما جاءكم عنّا ممّا لا يجوز أن يكون في المخلوقين فاجحدوه ولا تردوه إلينا ) )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) تصحيح الاعتقادات ، المفيد : ص ١٣١ .

(٢) أصل الشيعة وأُصولها ، كاشف الغطاء : ص ٣٨ ، نشر دار الأعلمي ، ١٣٩٧ هـ .

(٣) الكهف : آية ٥ .

(٤) عقائد الإمامية ، محمد رضا المظفّر : ص ٧٣ ـ ٧٤ .

٢٧٤

وكيف نغالي في أهل البيتعليهم‌السلام وندعي لهم الألوهية ونحن نروي أن الإمام الرضاعليهم‌السلام كان يقول في دعائه :

( اللّهمّ إنّي أبرأ إليك من الحول والقوّة ، فلا حول ولا قوّة إلاّ بك ، اللّهم لا تليق الربوبية إلاّ بك ، ولا تصلح الإلهية إلاّ لك ، فالعن النصارى الذين صغّروا عظمتك ، والعن المظاهين لقولهم من بريتك ، اللّهمّ إنّا عبيدك لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً ، اللّهمّ مَن زعم أنّنا أرباب ، فنحن إليك منه براء ) (١) .

ثانياً : إنّ ما تمسّك به المستشكل عبارة عن روايتين ضعيفتين ، أحداهما رواية واردة في البحار ، عن تفسير العياشي ضعيفة السند ، مضافاً إلى جهالة الجعفري إذ لم يذكر له توثيق في كتب الرجال .

وكذا ما في الرواية الأخرى التي وردت في كتاب تأويل الآيات للسيد علي الأسترآبادي ، (عن علي بن أسباط ، عن إبراهيم الجعفري ، عن أبي الجارود ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى :( أَءِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) ، قال : أي إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد )(٢) فطريق السيد إلى علي بن أسباط مجهول ، فالرواية مقطوعة السند ولا يمكن الاعتماد عليها ، بالإضافة إلى ما في نسبة الكتاب إلى السيد من كلام .

فلا اعتماد على هذه الرواية ولا على أختها في المسائل الفرعية ، فضلاً عمّا إذا كانت من المسائل الاعتقادية .

ـــــــــــــ

(١) الاعتقادات ، المفيد : ص ٩٩ ـ ١٠٠ .

(٢) تأويل الآيات ، الأسترآبادي : ج ١ ص ٤٠١ .

٢٧٥

ثالثاً : إنّ الإمامية الاثني عشرية لديهم مباني وأُصول أصّلها لهم الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام يسيرون على طبقها في قبول الرواية أو ردّها ، ومن تلك الأصول هي : إنّ كل ما يخالف العقل الصريح والقرآن الكريم من الروايات يردّ ولا يقبل :

١ ـ فعن هشام بن الحكم وغيره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :( خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله ) (١) .

٢ ـ وقد ورد في صحيح محمد بن الحر قال : ( سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :كل شيء مردود إلى الكتاب والسنّة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف )(٢) .

٣ ـ وجاء عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :( إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به ) (٣) .

٤ ـ وعنه أيضاًعليه‌السلام :( ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف ) (٤) .

٥ ـ وعنه أيضاًعليه‌السلام :( الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، إنّ على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه ) (٥) .

٦ ـ عن سدير قال : ( قال أبو جعفر وأبو عبد اللهعليهم‌السلام :لا تصدق علينا إلاّ ما

ـــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ، الحر العاملي : ج ٢٧ : ص ١١١ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٢٧: ص ١١١ .

(٣) المصدر نفسه : ج ٢٧: ص ١٠٧ .

(٤) المصدر نفسه : ج ٢٧: ص ١١٠ .

(٥) المصدر نفسه : ج ٢٧: ص ١١٩ .

٢٧٦

وافق كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) .

وغيرها من الروايات التي بهذا المضمون .

ولا شك أنّ تأليه الإمام وجعل المخلوق في مرتبة الخالق ، والفقير في مرتبة الغني ممّا يرفضه صريح العقل ، وصريح القرآن الكريم ، كقوله تعالى :( إِن كُلّ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاّ آتِي الرّحْمنِ عَبْداً ) (٢) .

وعلى هذا الأساس فإذا جاءتنا رواية يظهر منها تأليه الإمام نردّها ولا نقبلها ولو كانت صحيحة السند ، فضلاً عمّا لو كانت ضعيفة ، خصوصاً فيما لو كانت المسألة من المسائل الاعتقادية ، بل من أساس العقائد .

رابعاً : لو فرضنا جدلاً وجود رواية صحيحة ومقبولة من الناحية الاعتقادية إلاّ أنّه يمكن القول أنّها تستهدف الإشارة إلى أمر دقيق وحسّاس يحتاج إلى المزيد من النباهة والفطنة وإمعان النظر ، إلاّ أنّه قبل الولوج في بيان المقصود والذي تستهدفه الرواية ينبغي الإشارة إلى نقطة أساسية تساهم في توضيح المراد وتحول دون وقوع الالتباس فيه :

وملخّصها :

إنّ القرآن الكريم يؤكّد على وجود إمام هدى وإمام ضلال في هذا العالم ، كما في قوله الله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٣) ، ( وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَيَوْمَ

ـــــــــــــ

(١) المصدر السابق نفسه : ج ٢٧ : ص ١٢٣ .

(٢) مريم : آية ٩٣ .

(٣) الأنبياء : ٧٣ .

(٤) القصص : ٥ .

٢٧٧

الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ ) (١) ، وقوله تعالى :( فَقَاتِلُوا أَئِمّةَ الْكُفْرِ إِنّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ ) (٢) فهناك أئمّة هدى وأئمّة كفر وضلال .

ولا شك أنّ إمام الهدى من الله تعالى ، وإمام الضلال من الطاغوت والشيطان .

وعلى ضوء هذه النقطة ، نقول : إنّ الرواية تنبّه على أمر بالغ الخطورة على واقع الإنسان العملي ، حيث إنّها تخاطبه ، وتقول : أيّها الإنسان لا تتخذ في حياتك وفي سلوكك وتعاملك إمامين ، إمام هدى وإمام ضلال ، فإنّ مَن يتخذ ويتبع هذين الإمامين معاً سوف يقع في الشرك بالله تبارك وتعالى من حيث لا يشعر ؛ إذ معنى ذلك هو الإيمان بجاعل أئمّة الهدى وهو الله تعالى ، وجاعل أئمّة الضلال وهو غيره تعالى ، وهو عين الشرك به عزّ وجلّ ، وهذا المعنى بنفسه يلتقي مع قوله تعالى:( لاَ تَتّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ) (٣) ، فالإمامعليه‌السلام يريد أن يشير إلى إنّ نتيجة اتخاذ الإنسان إمامين في آن واحد ( إمام هدى مع إمام ضلال )(٤) ، حصيلته الشرك بالله عزّ وجلّ .

فمَن أراد الالتزام بمبدأ التوحيد وأن لا يتخذ إلهين اثنين ، عليه أن لا يتبع إمامين : إمام حق من الله وإمام باطل من غيره تعالى ؛ لأنّ هذا هو الشرك الذي ينافي مضمون الآية المباركة .

وهذا المعنى بنفسه هو الذي ذكرته بعض الروايات ومنها تلك الرواية

ـــــــــــــ

(١) القصص : ٤١ .

(٢) التوبة : ١٢ .

(٣) النحل : ٥١ .

(٤) تأويل الآيات ، الأسترآبادي النجفي : ج ١ ص ٤٠١ .

٢٧٨

التي نقلها السيد شرف الدين علي الأسترآبادي : ( عن علي بن أسباط ، عن إبراهيم الجعفري ، عن أبي الجارود ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى :( أَءِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) قال : أي إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد )(١) ، فهذه الرواية تؤكّد المعنى الذي قرّرناه آنفاً ، ولهذا فهم السيد الأسترآبادي من الرواية نفس المعنى الذي فهمناه ، حيث قال في كتابه تأويل الآيات تفسيراً لمعنى الرواية : ( يعني كما أنّه لا يجوز أن يكون إله مع الله سبحانه كذلك لا يجوز أن يكون إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد ؛ لأنّ الهدى والضلال لا يجتمعان في زمن من الأزمان ، والزمان لا يخلو من إمام هدى من الله يهدي الخلق )(٢) .

فعندما نجد بعض الروايات الضعيفة في بعض الكتب ، فليس من الصحيح أن ننسب شيئاً إلى طائفة بكاملها اعتماداً عليها أو على رواية ضعيفة واحدة ، وهذا لا يختص بمذهب الشيعة فقط ، بل كتب أهل السنّة ومنها الكتب المعتبرة كالصحاح والسنن وغيرها ممّا تحتوي على مثل هذه الروايات الضعيفة بشهادة كبار علمائهم بتضعيفها .

الخلاصة

١ ـ إنّ ما ذكر في الشبهة مجرّد ادعاء لا أساس له في مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد صرّح وأكّد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مهما بلغ من مقامات فهو في إطار العبودية ، وفي هذا المقام روايات متضافرة ، فإذا كان هذا الحال مع الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الكيفية ، فكيف بأهل البيتعليهم‌السلام وهم يأتون بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الدرجة والمقام .

ـــــــــــــ

(١) تأويل الآيات ، الأسترآبادي النجفي : ج ١ ص ٤٠١ .

(٢) المصدر نفسه : ج ١ ص ٤٠١ .

٢٧٩

٢ ـ إنّ وصف الإمامعليه‌السلام بصفة الألوهية يعد من الغلو ، ولا يخفى موقف أهل البيتعليهم‌السلام من الغلو والمغالين ، حيث تبرّأ أئمّة أهل البيت عن هؤلاء المغالين ، وكل مَن يصفهم بالربوبية والألوهية .

٣ ـ إنّ مواقف علمائنا واضحة تجاه المغالين فقد وصفوهم بأنّهم أنجس من اليهود والنصارى .

٤ ـ لو فرض وجود رواية صحيحة في المقام إلاّ أنّه لا يمكن قبولها لتعارضها مع كتاب الله تعالى ، وقد أمرنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام ألاّ نأخذ إلاّ بما وافق القرآن الكريم وترك كل ما خالفه ، فيما إذا لم يكن هناك طريق لتوجيه الرواية الصحيحة المفروض صحتها .

٥ ـ لو فرضنا جدلاً وجود رواية مثل هذه وكانت صحيحة إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّها ترمي الإشارة إلى مطلب آخر حاصله أنّها تحذّر الإنسان من اتخاذه إمامين في آن واحد ، إمام هدى وإمام ضلال ، كما حكى ذلك الحق تعالى بقوله :( لاَ تَتّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ) ؛ لأنّه يؤدّي إلى الشرك والضلال .

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361