الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية15%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214039 / تحميل: 8507
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

تخصيص الفعل بالإيجاد في وقت دون آخر أو بإيقاعه على وجه دونَ وجه.

ويدلّ على ثبوت الإرادة له - تعالى - بالمعنى المطلق أنّ العالم حادث، فتخصيصُ إيجاده بوقتٍ دونَ ما قبله وما بعده، مع جوازهما، يفتقرُ إلى المخصّص، وليس القدرة، لتساوي نسبتها، ولا العلم لتبعيته، فهو الإرادةُ، ولأنّ تخصيص ما وجد بالإيجاد دونَ غيره من المقدورات يستدعي مخصّصاً هو الإرادةُ.

ويدلّ على إثبات إرادة الفعل منّا أمرُه بالطّاعة، ونهيه عن المعصية، وهما يستلزمان الإرادة والكراهة، خلافاً للأشعريّة الّذين أثبتوا الطلبَ مغايراً للإرادة، لعدم تعقّله، وإلزامُهم بتمهيد عذر السيّد الضّارب عبده للمخالفة إذا أمره مشتركٌ.

المطلب السّادس: في أنّه - تعالى - مُدرِكٌ

اتّفق المسلمون على أنّه - تعالى - سميع بصيرٌ، واختلفوا، فقال أبو الحسين والكعبيّ والأوائل: إنّ معناه علمه بالمسموعات والمبصرات، لاستحالة أن يكونَ هو الإحساسَ بالحواس ولا ما عداه غير العلم، لأنّه غيرُ معقول، وسيأتي أنّه - تعالى - عالم بكلّ معلوم، وللسّمع.

وأثبت الجُبائيّان والأشعريّ والسّيّد المرتضى والخوارزميّ أمراً زائداً على العلم، لأنّ إدراكنا زائدٌ على علمنا؛ للفرق بينَ العلم عندَ المشاهدة وبينه

١٤١

عندَ عدمها. والمقتضي لذلك كونُ المدرك حيّاً، والله - تعالى - حيٌّ، فإدراكه زائد، والمقدّماتُ ضعيفةٌ.

ثمّ استدلّوا على ثبوته بأنّه - تعالى - حيّ، فيصحُّ أن يتّصف بالسّمع والبصر، وكلّ من صحّ اتّصافه بصفة وجب أن يتّصف بها أو بضدّها، وضدّها نقصٌ، وهو على الله - تعالى - مُحال.

والحقّ استنادُ ذلك إلى النّقل، ولا يجبُ صحّةُ اتّصاف الحيّ بالسّمع والبصر، فإنّ أكثرَ الهوامّ والسّمك لا سمعَ لها، والعقربُ والخُلَدُ (1) لا بصرَ لهما. والدّيدان (2) وكثيرٌ من الهوامّ لا سمَ لها ولا بصرَ. فلو لم يمتنع اتّصاف تلك الأنواع بالسّمع والبصر لما خلا جميعُ أشخاصها منهما. (3)

وإذا جاز أن يكونَ بعضُ فصول الأنواع مزيلاً لتلك الصّحة بطلت الكليّة. ولا يجبُ اتّصاف الشّيء بأحد الضّدّين كالشّفاف. نعم يجبُ أن يتصف القابل للصّفة بها أو بعدمها، ونمنع كونَ ضدّهما نقصاً في حقّه تعالى.

والقياسُ باطلٌ، على أنّ حياته - تعالى - مخالفةٌ لحياتنا. ولا يجبُ العموميّةُ، لانتفاء القابليّة، كما أنّ حياتنا مصحّحةٌ للشهوة والنّفرة دونَ حياته تعالى.

____________________

(1) ج: الجراد.

(2) ج: الدّيران.

(3) ج: منها.

١٤٢

المطلب السّابع: في أنّه - تعالى - متكلّمٌ

اتّفق المسلمون على ذلك، لقوله تعالى، ( وَكَلّمَ اللّهُ مُوسَى‏ تَكْلِيماً ) (1) ، ولا دورَ؛ لأنه إثباتٌ لكلامه - تعالى - بإخبار الرّسول المعلوم صدقه بالمعجزة، ولأنّه قادرٌ على كلّ مقدور.

واختلفوا، فعندَ المعتزلة، أنّه خلق في أجسام جماديّة أصواتاً دالّةً على معان مخصوصة، فهو متكلّمٌ بهذا المعنى.

والأشاعرة جوّزوا ذلك، لكن اثبتوا معنىً نفسانيّاً قائماً بذات المتكلّم مغايراً للعلم والإرادة. يدلُّ عليه هذه الحروف والأصواتُ وأنّه قديمٌ في حقّه - تعالى - واحدٌ ليس بأمر ولا نهي ولا خبر؛ لأنّه حيّ يصحّ اتّصافه بالكلام. فلو لم يكن موصوفاً به كان متّصفاً بضدّه، وهو نقصٌ.

ولأنّ أفعاله - تعالى - لمّا جاز عليها التّقدّم والتّأخّرُ أثبتنا الإرادةَ المخصّصةَ، (2) وأفعالُ العباد متردّدةٌ بينَ الحظر والإباحة وغيرهما من الأحكام فلابدّ من مخصّص غير الإرادة، لأنّه قد يأمر بما لا يريدُ وبالعكس، فهو الكلام الّذي هو الطلبُ النّفسانيّ، ولأنّه مَلِك مُطاعٌ، فله الأمرُ والنّهيُ.

اعترضت (3) المعتزلة: بأنّ الاستدلال على الإثبات (4) فرع تصوّر المستدل عليه. وما ذكرتموه غيرُ متصور ويمنع صحة اتّصافه تعالى به،

____________________

(1) النساء: 4/162.

(2) ج: اثبت إرادة مخصوصة.

(3) ألف: اعترض.

(4) ج: إتيان/ ب: إثبات ممنوع وما التزموه.

١٤٣

ويمنع وجوب الاتّصاف بأحدهما وكون الضّدّ نقصاً، بل ثبوته نقصٌ، إذ أمرُ المعدوم ونهيُه وإخباره سفهٌ. والأحكام عقليّةٌ لا سمعيّةٌ فالمُخصّص إمّا الصّفات أو الوجوه والاعتبارات الّتي تقع عليها الأفعال، ويقبح الأمر بما لا يريدُ.

وتمهيدُ العذر في قتل العبد بإيجاد صورةٍ، الأمر، وهو مشترك بين الطلب والإرادة. والمُطاعُ إن عنوا به نفوذَ قدرته في جميع الممكنات فهو حقٌّ، وإن عنوا ما طلبوه منعناه.

المطلب الثّامنُ: في أحكام هذه الصّفات وهي إحدى عشر بحثاً

ألف - ذهب جماعة من المعتزلة والأشاعرة إلى أنّ هذه الصّفات وجوديّةٌ وإلاّ لصحّ حملُها على المعدوم. والملازمةُ ممنوعةٌ، فإنّ كثيراً من العدميّات يمتنعُ حملهُ على المعدوم، وعندَ الأوائل وأبي الحسين أنّها ليست وجوديّةً. وإلاّ لزم تعدّدُ القدماء.

ب - هي نفسُ الذّات في الخارج وإن كانت زائدةً في التّعقّل، وهو اختيارُ الأوائل وأبي الحسين، لما تقدّم، ولأنّ الوجود لو كان زائداً كان ممكناً، لأنّه وصفٌ للماهيّة، فلا يكونُ واجباً، هذا خُلفٌ. ولأنّ مؤثّره إمّا الماهيّةُ لا بشرط الوجود، فالمعدومُ مؤثّر في الموجود أو بشرطه، (1) فيتسلسل (2) أو يدور أو غيرها، فيفتقر إلى الغير.

____________________

(1) ج: لشرطه.

(2) ألف: فتسلسل.

١٤٤

وعندَ جماعة من المعتزلة والأشاعرة أنّها زائدةٌ، للمغايرة بينَ قولنا: واجب الوجود موجودٌ، وبين قولنا: إنّه قادرٌ. وللاستفادة بكلّ منهما، بخلاف قولنا: واجبُ الوجود واجبُ الوجود؛ ولأنّا قد نعلمُ الذّات ونشكّ (1) في الصّفات، وكلّ ذلك يدلٌّ على المغايرة الذّهنيّة.

ج - هذه الصّفات أزليّةٌ وإلاّ لافتقرت إلى مؤثّر، فإن كان ذاته دار، وإن كان غيره افتقر إلى غيره، ولأنّ تأثيره في غيره يستلزم ثبوتها، فهي ثابتة قبل علّتها.

د - هذه الصّفات ذاتيّةٌ عندَ المعتزلة والأوائل، لامتناع استنادها إلى غير ذاته، لما تقدّم، وعندَ الأشعريّة أنّها معلّلةٌ بالمعاني، فهو قادرٌ بقدرة، عالمٌ بعلم، حيّ بحياة، إلى غير ذلك من الصّفات.

قال نفاةُ (الأحوال) منهم إنّ العلمَ نفس العالميّة، والقدرة نفس القادريّة، وهما صفتان زائدتان على الذات وقال مثبتوها: إنّ عالميّته - تعالى - صفةٌ معلّلةٌ بمعنى قائم به، وهو العلم.

هـ - إرادته إمّا نفسُ الدّاعي، كما تقدّم، أو أمرٌ زائدٌ عليه مستندٌ إلى ذاته، كاختيار النّجّار، (2) خلافاً للجمهور. وعند الجبّائيين أنّه مريدٌ بإرادةٍ حادثةٍ لا في محلّ؛ إذ لو كان مريداً لذاته لعمّت إرادته، كالعلم، فيريدُ الضّدّين، أو لإرادةٍ قديمةٍ لزم ثبوتُ القدماء، أو لإرادة حادثة في ذاته كان محلاًّ

____________________

(1) ألف: نشكّل.

(2) ب: كاختيار المختار.

١٤٥

للحوادث، أو في غيره. فإن كان حيّاً رجع حكمها إليه، وإلاّ استحال حلولها فيه، ووجودُ إرادة لا في محلّ غيرُ معقول.

و - خبره - تعالى - صدقٌ، لقبح الكذب عقلاً، فلا يصدر عنه، ولأنّ الكذبَ إن كان قديماً استحال منه الصّدق، والتّالي باطل، للعلم بإمكان صدور الصّدق من العالم بالشّيء. والأخيرُ دليل الأشاعرة ولا يتمّ، لبنائه على أنّ الكلامَ القديمَ هو عين الخبر، وأنّه خبرٌ واحدٌ، ولعدم دلالته على صدق الألفاظ.

ز - قدرته - تعالى - تتعلّقُ بكلّ مقدور، للتّساوي في العلّة الّتي هي الإمكانُ. ومنع الأوائل من صدور اثنين عنه، لأنّه بسيط، ولا يتأتّى في القادر لو صح. ومنع الثّنويّةُ والمجوس من صدور الشّرّ عنه، وإلاّ كان (1) شرّيراً. فعند المجوس فاعلُ الخير يزدانُ وفاعل الشّرّ أهرمن. وعنوا بهما ملكاً وشيطاناً، واللهُ - منزّهٌ عن فعل الخير والشرّ. والمانويّةُ تسند ذلك (2) إلى النّور والظّلمة وكذا الدّيصانيّة.

وعند جميعهم أنّ الخيّر هو الّذي يكون جميع أفعاله خيراً، والشّرّيرَ هو الّذي يكون جميع أفعاله شرّاً. والخيرُ والشّرّ لا يكونان لذاتهما خيراً وشرّاً، بل بالإضافة إلى غيرهما. وإذا أمكن أن يكون شيء واحد بالقياس إلى واحد خيراً وبالقياس إلى غيره شرّاً أمكن أن يكونَ فاعل ذلك الشّيء واحداً.

____________________

(1) ج: لكان.

(2) ج: يستندونهما/ ب: يستند وكذا.

١٤٦

ومنع النّظامُ من قدرته على القبيح، لأنّه محالٌ، لدلالته على الجهل أو الحاجة. والاستحالة من جهة الدّاعي، لا من حيث القدرة.

ومنع عَبّاد من قدرته على ما علم وقوعه أو عدمه لوجوبه أو امتناعه وهو ينفي القدرة، والعلمُ تابعٌ.

ومنع البلخيُّ من قدرته على مثل مقدور العبد؛ لأنه إمّا طاعةٌ أو سفهٌ، وهما وصفان لا يقتضيان المخالفة الذّاتيّة.

ومنع الجُبائيّان من قدرته على عين مقدور العبد، لامتناع اجتماع قدرتين على مقدور واحد؛ لأنّه إن وقع بهما استغنى بكلّ منهما عن الآخر، وإن لم يقع بهما كان المانعُ هو وقوعه بالآخر، فيقع بهما حال ما لا يقعُ بهما وإن وقع بأحدهما لم يكن الآخر قادراً، والأخيرة ممنوعةٌ.

ح - علمُه - تعالى - متعلّقٌ بكلّ معلوم، لأنّه حيّ، فيصحّ أن يعلم كلّ معلوم. فلو اختصّ تعلقه بالبعض افتقر إلى مخصّص، وهو محال ولأنّه يصحُّ أن يعلم كلّ معلوم، فيجب، لأنّها صفةٌ نفسيّةٌ متى صحّت وجبت.

وبيانُ المقدّم، أنّه حيٌّ، وهو يصحّ أن يعلم كلّ معلوم، لأنّ الحيّ هو الّذي لا يستحيل أن يعلم. ونسبةُ الصّحّة إلى الكلّ واحدةٌ.

وبعض الأوائل منع من علمه بذاته، لأنّه إضافةٌ فيستدعي المغايرة. وينتقضُ بعلمنا بأنفسنا.

ومنهم من منع علمه بغيره، لاستحالة حلول صور في ذاته. ويُنتقضُ

١٤٧

بعلم الواحد بنفسه، ولأنّه إضافةٌ، لا صورةٌ، ولأنّ الصّدور (1) عنه أبلغ في الحصول من الصّورة المنتزعة الصّادرة عن العاقل لمشاركة المعقول، ثم تلك الصّورة تعلمُ بذاتها، فهنا أولى.

ومنهم من منع من علمه بالجزئيّات من حيث هي متغيّرةٌ إلاّ على وجه كلّيّ، فلا يعلم أنّ المتغيّر وقع أو سيقع؛ لأنّه عند عدمه إن بقى العلمُ لزم الجهل، وإلاّ كان متغيّراً.

وأجاب بعضهم بأنّ العلم بأنّ الشّيء سيوجد هو غير العلم بالوجود حينَ الوجود.

وهو غلطٌ، لاستدعاء العلم المطابقةَ، بل الحقُّ أنّ التّغيّرَ في الإضافات كتغيّر المقدور المستلزم تغيّر إضافة القدرة، لا القدرة.

ط - وجوبُ وجوده لذاته يقتضي امتناعَ عدمه في وقتٍ مّا. فهو قديمٌ أزليّ باقٍ سرمديٌّ. وبقاؤه لذاته لا لبقاء يقوم به، خلافاً للأشعريّ، وإلاّ افتقر في وجوده إلى غيره، هذا خُلفٌ. ولأنّ بقاءه باق فيتسلسل أو يدور إن بقى بالغير أو بالذّات، وإن بقى لذاته كان أولى بالذّاتيّة.

والتّحقيق أنّ البقاء يراد به امتناع خروج الذّات الثّابتة عن ثبوتها (2) ومفارقة الوجود لأكثر من زمان واحد بعدَ الزّمان الأوّل، والأوّل ثابتٌ في حقّه تعالى، لا زائدَ عليها. والثّاني منتفٍ، (3) لأنّه لا يعقلُ فيما لا يكونُ فانياً. (4)

____________________

(1) ج: المصدور.

(2) ج: ثباتها.

(3) ب: مفتقرٌ.

(4) ب، ج: زمانياً.

١٤٨

كما أنّ الحكم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء لا يمكن وقوعه في زمان أو في جميع الأزمنة، كما لا يقال إنّه واقعٌ في مكان أو في جميع الأمكنة. وهو بناءً على أنّ التّغيّر يستدعي الزّمان.

ي - قدرتُه، علمه؛ وإرادته كافيةٌ في الإيجاد، لوجوبه عند اجتماعهما، خلافاً لبعض الحنفيّة، حيث أثبتوا التّكوين صفة أزليّة لله تعالى. والمكوّن محدث، لقوله تعالى: ( إِنّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (1) فـ (كن) متقدّمٌ على (الكون)، وهو المسمّى بالأمر، والكلمة والتّكوين والاختراع والإيجاد والخلق، ولأنّ القدرة مؤثّرةٌ في صحّة وجود المقدور، والتّكوين مؤثّر في نفس وجوده.

وهو غلطٌ، لأنّ التّكوين إن كان قديماً لزم قدم الأثر، لأنّه نسبةٌ، وإن كان محدثاً تسلسل. وقوله (كن) لا يدلّ على إثبات صفة زائدة على القدرة، والقدرةُ لا تأثيرَ لها في صحّة الوجود، لأنّها ذاتيّةٌ للممكن.

يا - أثبت الأشعري (اليد) صفةً وراء القدرة، و(الوجه) صفةً وراء الوجود، و(الاستواء) صفةً أُخرى. وأثبت القاضي (2) إدراكَ الشّمّ والذّوق واللّمس ثلاثَ صفاتٍ. وأثبت عبد الله بن سعيد (القدم) صفةً مغايرةً للبقاء، و

____________________

(1) يس: 36/82.

(2) هو أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد المعروف بقاضي القضاة، من أئمة المعتزلة، له مصنّفات منها: شرح الأُصول الخمسة، تنزيه القرآن من المطاعن، المغني، مات سنة 415هـ. الأعلام: 3/273.

١٤٩

(الرّحمة) و(الكرم) و(الرّضا) صفاتٍ غيرَ الإرادة. ولا دليل على شيء من ذلك.

وجزم آخرون بنفي ما زاد على السّبعة، لأنّا كلّفنا بالمعرفة، وإنّما تحصل بمعرفة الصّفات، فلابُدّ من طريق، وليس إلاّ الاستدلال بالآثار والتّنزيه عن النّقصان، وإنّما يدلاّن على السّبعة، ونمنع من التّكليف بكمال المعرفة.

١٥٠

الفصل الثّاني

في الصّفات السّلبيّة

وفيه مطالبُ [اثنا عشر]:

[المطلب] الأوّل: في أنّه - تعالى - ليس بمتحيّز

اتّفق العقلاء عليه، خلافاً للمجسّمة، لأنّ كلّ متحيّز لا ينفكّ عن الحركة أو السّكون، فيكون مُحدَثاً، ولأنّه حينئذ إمّا جسمٌ فيكون مركّباً فيكون حادثاً أو جزءاً لا يتجزّأ، وهو غير معقول، لامتناع اتّصاف مثل ذلك بالقدرة والعلم غير المتناهيين، ولأنّه لو كان جسماً لكان مركّباً. فالعلمُ الحاصل لأحد الجزأين ليس هو الحاصل للآخر، فيتعدد الآلهةُ. والظواهر متأوّلةٌ، وعجزُ الوهم لا يعارضُ القطع العقليّ.

المطلب الثّاني: في أنّه - تعالى - لا يحلّ في غيره

المعقول من الحلول قيامُ موجود بموجود آخر على سبيل التّبعيّة بشرط امتناع قيامه بذاته. وهو محالٌ في حقّ واجب الوجود، ولقضاء العقل بأنّ الغنيّ عن المحلّ يستحيلُ حلوله فيه. فإن كان حالاًّ في الأزل لزم قدم المحلّ، وإن لم يكن تجدّدت الحاجة، ولأنّ حلول الشّيء في غيره إنّما

١٥١

يتصوّر لو كان الحالُّ إنّما يتعيّنُ بواسطة المحلّ، وواجب الوجود لا يتعيّنُ بغيره.

وعندَ بعض النّصارى، أنّه - تعالى - حالٌّ في المسيح. وعند الصّوفيّة أنّه - تعالى - حالٌّ في (1) العارفين. والكلّ محالٌّ، فهو إذن ليس بعرض ولا صورة، لافتقارهما إلى المحلّ.

المطلب الثّالث: في أنّه - تعالى - مخالفٌ لغيره لذاته

ذهب أبو هاشم إلى أنّ ذاته - تعالى - مساويةٌ لسائر الذّوات في الذّاتيّة، ويخالفها بحالة توجبُ الأحوال الأربعة، أعني الحييّة والعالميّة والقادريّة والموجوديّة. وهي الحالة الإلهيّة لأنّ مفهومَ الذّات هو ما يصحّ أن يعلم ويُخبر عنه. وهو غلطٌ؛ لأنّ هذا المفهوم (2) أمرٌ اعتباريٌّ ليس نفسَ الحقائق الثّابتة في الأعيان، بل من المعقولات الثّانية.

ولا يمكن تساوي كلّ الذّوات، لأنّ اختصاصَ بعضها بما يوجب المخالفة إن لم يكن لمرجّح كان ترجيحاً لأحد طرفي الممكن، لا لمرجّح، وإلاّ تسلسل.

____________________

(1) ج: حالٌّ في الأبدان العارفين.

(2) ج: هذا المفهوم ليس أمر اعتباري.

١٥٢

المطلب الرّابع: في أنّه - تعالى - غيرُ مركّب

كلُّ مركّب ممكنٌ، لأنّه يفتقرُ (1) إلى جزئه، وجزؤه غيره، وكلّ مفتقرٍ ممكنٌ، وواجبُ الوجود ليس بممكن، فليس له أجزاءُ ماهيّة، أعني المادّة والصّورة، ولا عقليّة، أعني الجنس والفصل، ولا مقداريّة؛ ولا يتركّب عنه غيره، فليس جنساً ولا فصلاً ولا نوعاً يندرج تحته أفرادٌ، ولا يتركّب عنه غيره، إذ يستحيل أن ينفعل عن غيره.

المطلب الخامس: في أنّه - تعالى - لا يتحدُ بغيره

اتفق العقلاء من المتكلّمين والحكماء إلى (2) امتناع الاتّحاد، إلاّ فرفوريوس والرّئيس في بعض كتبه، لأنّ الشّيئين بعدَ الاتّحاد إن بقيا موجودين فهما اثنان لا واحدٌ، وإن عُدما فلا اتّحادَ، بل حدث ثالثٌ، وإن عُدم أحدهما لم يتّحد المعدوم بالموجود. وهذا حكمٌ عامٌّ في كلّ الماهيّات. نعم قد يقال: الاتّحادُ بالمجاز على صيرورة شيء شيئاً آخر بأن يخلعُ صورته ويلبس الأخرى، كما يقال: صار الماء هواءً؛ أو بأن يحدث للأجزاء مزاج (3) وهيئة زائدة على الآخر كما يقال: صار العفصُ والزّاجُ حِبراً، وهو منفيٌّ (4) عن واجب الوجود - تعالى -؛ لاستحالة خروجه عن

____________________

(1) ج: مفتقر.

(2) ج: على.

(3) ب، ج: امتزاجاً.

(4) ج: منتفٍ.

١٥٣

حقيقته وعدم أمر زائد عليها وامتناع تركّبه من غيره أو معه.

وقالت النّصارى باتّحاد الأقانيم الثّلاثة: الأب والابن وروح القدس، واتّحد ناسوتُ المسيح باللاّهوت.

والصّوفيّةُ قالوا: أنّه - تعالى - يتّحدُ بالعارفين. والكلُّ غيرُ معقول.

المطلب السادس: في أنّه - تعالى - ليس في جهة

اتفق العقلاء عليه إلاّ المجسّمة والكرّاميّة، لأنّه ليس بمتحيّز ولا حالّ في المتحيّز، فلا يكون في جهة بالضّرورة، ولأنّ الكائن في الجهة لا ينفكّ عن الأكوان بالضّرورة، فيكون مُحدَثاً، وواجبُ الوجود ليس بمُحدَث؛ ولأنّ مكانه مساو لسائر الأمكنة، فاختصاصه به ترجيحٌ عن غير مرجّح، ويلزمُ قِدَم المكان أو حلول المجرّد في مكان بعدَ إن لم يكن. وهو غير معقول.

وأصحابُ أبي عبد الله ابن الكرّام ذهب بعضهم إلى أنّه في جهةٍ فوق العرش لا نهاية لها، والبُعد بينه وبينَ العرش غيرُ متناه أيضاً. وقال بعضهم متناهٍ. والكلّ خطأٌ، لما تقدّم، ولأنّ العالم كرةٌ.

المطلب السابع: في استحالة الألم واللذّة عليه تعالى

اتفق العقلاء على استحالة الألم عليه، لأنّه إدراك منافٍ، ولا منافي له تعالى. أمّا اللذّةُ فقد اتفق المسلمون على استحالتها عليه، لأنّ اللذة والألمَ

١٥٤

من توابع اعتدال المزاج وتنافره، ولا مزاجَ له - تعالى -، ولأنّ اللّذّة إن كانت قديمةً وهي داعيةٌ إلى فعل الملتذّ به وجب وجوده قبل وجوده لوجود الدّاعي وانتفاء المانع، وإن كانت حادثةً كان محلاًّ للحوادث. وفيه نظرٌ، لجواز اتّحاد داعي اللذّة والإيجاد.

والأوائل أثبتوا له لذّةً عقليّةً لا بفعله، بل باعتبار علمه بكماله، فإنّ كلّ من تصوّر في نفسه كمالاً ابتهج، كما أنّ من تصوّر نقصاناً في نفسه تألّمَ. ولمّا كان كماله - تعالى - أعظمَ الكمالات، وعلمه بكماله أتمّ العلوم استلزم ذلك أعظمَ اللّذات.

والصّغرى ممنوعةٌ والقياسُ على الشّاهد ضعيفٌ، والإجماع ينفيه.

تذنيبٌ

يستحيل اتّصافه بكلّ كيفيّة مشروطة بالوضع، كالألوان والطّعوم والرّوائح وغيرها في (1) الأعراض، لامتناع انفعاله تعالى.

المطلب الثّامن: في أنّه - تعالى - ليس محلاًّ للحوادث

اتّفق الأكثرُ عليه، خلافاً للكرّاميّة، لامتناع انفعاله في ذاته، فيمتنع التّغيّرُ عليه، ولأنّ الحادث إن كان صفةَ كمال استحال خلوّه عنها أزلاً، (2) وإلاّ

____________________

(1) ج، ب: من.

(2) ب: أوّلاً.

١٥٥

استحال اتّصافُه بها، ولأنّه لو صحّ اتّصافُه به كانت تلك الصّحّةُ لازمةً لذاته، لاستحالة عروضها، (1) وإلاّ تسلسل، فتكونُ أزليّةً. وصحّةُ الاتّصاف بالحادث تستدعي صحّة وجود الحادث أزلاً، (2) وهو محالٌ.

المطلب التاسع: في أنّه - تعالى - غنيُّ

هذا من أظهر المطالب، لأنّه واجب من جميع الجهات، وكلّ ما عداه ممكنٌ محتاجٌ إليه، فلا يُعقل احتياجُه - تعالى - إلى غيره، ولأنّ ذاتَه واجبةٌ، وصفاته نفسُ حقيقته، فيستغني في ذاته وصفاته، ولأنّه - تعالى - ليس محلاًّ للحوادث، وغيره حادثٌ، والإضافات ليست وجوديّةً.

المطلب العاشر: في أنّه غيرُ معلوم للبشر

هذا مذهبُ ضرار والغزاليّ (3) وجميع الأوائل، لأنّ المعلوم منه - تعالى - ليس إلاّ السّلوبَ، مثلُ أنّه ليس بجسم ولا عرض، أو الإضافات مثل أنّه قادرٌ عالمٌ خالقٌ رازقٌ. والحقيقةُ مغايرةٌ لذلك بالضّرورة. وعندَ جماهير المعتزلة والأشاعرة، أنّه - تعالى - معلومٌ، لأنّ وجوده معلوم، وهو نفس حقيقته، ونمنع الصّغرى.

____________________

(1) ج: عدمها.

(2) ب: أوّلاً.

(3) هو أبو حامد محمد بن محمد المعروف بالغزالي، المتوفّى 505هـ.

١٥٦

المطلب الحادي عشر: في استحالة الرّؤية عليه تعالى

الأشاعرة خالفوا جميعَ الفرق في ذلك.

أمّا المعتزلةُ والفلاسفة فظاهرٌ.

وأمّا المجسّمة، فلأنّه لو كان مجرّداً لاستحال رؤيته عندهم.

واتفق العقلاء إلاّ المجسّمة على انتفاء الرّؤية، بسبب الانطباع أو الشّعاع، عنه - تعالى -.

والأشاعرةُ قالوا، إنّا نفرقُ بينَ علمنا حالةَ فتح العين وتغميضها، وليس بالانطباع ولا الشّعاع، فهو راجعٌ إلى حالةٍ أُخرى ثابتةٍ في حقّه تعالى.

والضّرورةُ قاضيةٌ ببطلانه، لانتفاء الجهة، وكلّ مرئيّ (1) مقابلٌ أو في حكمه، ولأنّه لو كان مرئيّاً لرأيناه الآن، لانتفاء الموانع ووجود الشّرائط، إذ ليست هنا إلاّ صحّة كونه مرئيّاً وسلامة الحاسّة، ولقوله تعالى: ( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ) (2) تمدّح به، لتخلّله بين مدحين، فإثباته نقصٌ، وهو مُحالٌ عليه تعالى، ولقوله: ( لَنْ تَرَانِي ) (3) و(لن) لنفي الأبد، وإذا انتفت في حقّ موسى (عليه السلام) فكذا غيره.

____________________

(1) ألف: كل مراى.

(2) الأنعام: 6/103.

(3) الأعراف: 7/143.

١٥٧

احتجّوا بأنّ الجوهرَ والعرضَ مرئيّان، والحكمَ المشترك لابُدّ له من علّة مشتركة، وليس إلاّ الوجود والحدوث، والأخير لا يصلحُ للعلّيّة، لأنّ جزءه عدميّ، ولقوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نّاضِرَةٌ * إِلَى‏ رَبّهَا نَاظِرَةٌ ) (1) ولأنّه - تعالى - علّقها على استقرار الجبل الممكن، لأنّه جسمٌ ولأنّ موسى (عليه السلام) سألها.

والجوابُ: وجودُه - تعالى - حقيقته، وهو مخالفٌ لوجودنا، فلا يجب تساويهما في الأحكام. ونمنعُ احتياج صحّة الرّؤية إلى علّة، إذ لو وجب تعليل كلّ حكمٍ تسلسل، ولأنّها عدميّةٌ، ونمنعُ تساوي صحّة رؤية الجوهر وصحّة رؤية العرض، ويجوز تعليل المشترك بعلّتين مختلفتين، ونمنع الحصرَ بوجود الإمكان، فيجوزُ أن يكونَ علّةً لإمكان الرؤية وإن كان عدميّاً.

والحدوث هو الوجودُ المسبوق، ولا يلزمُ من وجود العلّة وجود المعلول، لجواز التّوقّف على شرط أو حصول مانع. و(إلى) واحدُ (الآلاء)، أو أنّ فيها إضماراً، تقديره: (إلى نِعَم ربّها) والتّعليق على الاستقرار حالةَ الحركة، وهو محال، والسّؤالُ وقع لقوم موسى، لقوله تعالى: ( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى‏ أَكْبَرَ مِن ذلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً ) (2) .

____________________

(1) القيامة: 75/22 - 23.

(2) النساء: 4/53.

١٥٨

المطلب الثاني عشر: في أنّه - تعالى - واحدٌ

لو كان في الوجود واجبا الوجودِ لكانا مشتركين في هذا المعنى، فإمّا أن يكونَ ذاتياً لهما، أو لأحدهما، أو عارضاً لهما. والأوّلُ يستلزم تركّبَ كلّ منهما، فيكون ممكناً. والثّاني والثالث يستلزم كلّ منهما أن لا يكونَ معروضه في ذاته واجباً.

ولا يجوز أن يكونَ الواجبُ لذاته هو المعنى المشترك خاصّةً، إذ لا وجودَ له في الخارج إلاّ مخصّصاً.

ولا يجوز أن يكونَ المخصّص سلبيّاً، فإنّ سلبَ الغير لا يتحصّلُ إلاّ بعدَ حصول الغير؛ ولأنّ المخالفةَ ممكنةٌ، لأنّ كلّ واحد منهما قادرٌ على جميع المقدورات، فيصحّ أن يقصد أحدهما إلى ضدّ ما قصد (1) الآخرُ، فإن حصل المُرادان، اجتمع الضّدّان، وهو محال، وان عدما كان المانع من مُراد كلّ منهما وجودَ مراد الآخر، فيلزمُ وجودهما وإن وُجِدَ أحدهما فهو الإله؛ وللسّمع.

وقالت الثّنويّةُ بقدم النّور والظلمة وكلّ خير في العالم فمن النّور، وكلّ شر فمن الظلمة، وكلٌّ منهما لا نهايةَ له في الجهات الخمس. والنّورُ حيٌّ عالمٌ والظلمةُ حيّةٌ جاهلةٌ. وسببُ حدوث العالم اختلاط أجزاء من النّور

____________________

(1) ب، ج: قصده.

١٥٩

بأجزاء من الظلمة. وأراد النّورُ الأعظم استخلاصَ تلك الأجزاء من الظلمة. فلم يمكنه إلاّ بخلق هذا العالم وخلق الأجسام النّيّرة فيه، بحيث تستخلصُ بنورها تلك الأجزاء النّورانيّة من الظلمة. فإذا خلصت فنى (1) العالم.

وهذا الكلامُ كلّه خطأ، فإنّ النّورَ عرضٌ لا يقومُ بذاته، والظلمةَ عدميّةٌ، وعدمُ التّناهي مُحالٌ، لما تقدّم.

وقال المجوسُ: إنّ للعالم صانعاً قادراً عالماً حيّاً حكيماً، سمّوه يزدان، وكلّ خير في العالم منه، وأنّه أفكر (2) لو كان لي ضدٌّ في الملك كيف تكونُ حالي معه، فحدث الشّيطانُ من تلك الفكرة، وكلّ شرّ في العالم منه، واسمه اهرمن. وبعضهم قال بقدم الشّيطان وهو ظاهر الفساد أيضاً.

وقالت النّصارى: الباري - تعالى - جوهرٌ واحدٌ ثلاثة أقانيم، أقنوم الأب وهو وجوده، وأُقنومُ الابن وهو علمه، واقنومُ روح القدس، وهو حياته.

فإن أرادوا الصّفات فلا منازعةَ إلاّ في اللّفظ، وإلاّ فهو خطأ، لما تقدّم.

____________________

(1) ج: نفى.

(2) ج: فكر.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

الدليل العقلي على عصمة أهل البيتعليهم‌السلام

إنّ الدليل القائم على عصمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو بعينه يكون دليلاً على عصمة خلفاء النبي وهم أهل البيتعليهم‌السلام ؛ وذلك لأنّ خطورة دور الإمام وكونه حافظاً للشريعة وقيّماً عليها يوازي خطورة الدور النبوي ، فلو كان الإمام غير معصوم ويخطأ ويعصي مع أنّ الله تعالى ورسوله أمرنا باتباعه فهذا يعني تجويز الله لنا بارتكاب المعصية ، وهو محال .

الأدلة القرآنية على عصمة الأئمّةعليهم‌السلام

هنالك عدة آيات قرآنية يستدل بها على العصمة :

منها : قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ ) (١) .

فالآية المباركة تدل بكل وضوح على أنّ مَن ينال منصب الإمامة لابد أن يكون معصوماً قبل تقلّد الإمامة .

كذلك قوله تعالى :( إنّما يريد الله ليذهب ) التي لا يشك في اختصاصها بأهل البيتعليهم‌السلام .

الأدلة الروائية على عصمة أهل البيتعليهم‌السلام

منها : حديث الثقلين :( إنّي تارك فيكم الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ) .

حيث أكّد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على لزوم التمسّك بالكتاب والعترة على هذا الأساس ، فلو لم تكن العترة معصومة ، لا يمكن أن يأمر الرسول بلزوم اتباعها ، مضافاً إلى عدة أحاديث أخرى .

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ١٢٤ .

٢٦١

مقام الوصي

الشبهة :

إنّ منزلة الوصي عند الشيعة تعادل منزلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّ الوصي يوحى إليه .

الجواب :

يجدر بالقارئ الكريم أن يلتفت إلى أنّ صاحب هذه الشبهة يحاول أن ينسب إلى الشيعة أمرين :

الأوّل : أنّ الأوصياء أنبياء .

الثاني : أنّ الأوصياء يوحى إليهم .

وينتج عن ذلك هو توريط الشيعة الاثني عشرية واتهامهم بفكرة الغلو ، وبالتالي ارتباطهم بالسبئية ، إلاّ أنّ هذا باطل وغير صحيح ، وسوف نتناول ذلك إجمالاً ، فنقول :

أوّلاً : لو أُريد من كون الأوصياء بمنزلة الأنبياء أنّهم أنبياء ، فهذا ما لا نريده ، ولم يدون في كتاب من كتب الشيعة ؛ ولذا روى الفريقان عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال لعلي :( أنتَ منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي ) (١) ، فالرسول الأكرم في هذا الحديث جعل الإمام عليّاًعليه‌السلام

ـــــــــــــ

(١) صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٨٧٠ ـ ١٨٧١ باب فضائل عليعليه‌السلام ، المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٦ ص ١٤٨ ؛ الثقات ، ابن حبان : ج ١ ص ١٤٢ ، المناقب ، الخوارزمي : ص ١٥٢ ؛ ونحوه الدر المنثور ، السيوطي : ج ٤ ص ٣٢٢ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٢٠ ص ٣٦٠ وج ٢١ ص ٤١٥ وج ٤٢ ص ٥٣ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٥ ص ١٦ وص ٣٧١ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٩ ؛ سنن الترمذي ، الترمذي : ج ٥ ص ٣٠٤ ؛ المعجم الصغير ، الطبراني : ج ٢ ص ٥٤ ؛ المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٦ ص ٧٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٠٩ ؛ ونحوه السنن الكبرى ، البيهقي: ج ٩ ص ٤٠ ؛ شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٥ ص ١٧٤ ؛ مسند الطيالسي : ص ٢٩ ؛ مسند ابن راهويه : ج ٥ ص ٣٧ ؛ مسند أبي يعلى : ج ٢ ص ٦٦ وص ١٣٢ ؛ وغيرها من المصادر .

٢٦٢

بمنزلة هارون ـ الذي هو نبي من الأنبياء ـ من موسى على أنه لا نبي بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا يكشف عن أنّ التنزيل بحدّ ذاته لا يعني التنزيل من جميع الجهات حتى من جانب النبوّة ، كما أكّد على ذلك الأئمّةعليهم‌السلام :

١ ـ قال أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام :( إنّما الوقوف علينا في الحلال فأمّا النبوّة فلا ) (١) .

٢ ـ وعن بريد بن معاوية عن أحدهما ـ أبي جعفر وأبي عبد الله ـعليهما‌السلام ، قال : ( قلت له : ما منزلتكم ؟ ومَن تشبهون ممّن مضى ؟ قال :صاحب موسى وذو القرنين كانا عالمين ولم يكونا نبيّين )(٢) .

٣ ـ كذلك عن سدير قال : قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : ( وعندنا قوم يزعمون أنّكم رسل يقرؤون علينا بذلك قرآنا( يَا أَيّهَا الرّسُلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) ، فقال :يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء ، وبرئ الله منهم ورسوله ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي ، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم ، قال : قلت : فما أنتم ؟ قال :نحن خزّان علم الله ، نحن تراجمة أمر الله ، نحن قوم معصومون أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ، ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجّة البالغة على مَن دون السماء وفوق الأرض )(٣) .

٤ ـ عن محمد بن مسلم قال : ( سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :الأئمّة بمنزلة

ـــــــــــــ

(١) الكافي ، الكليني: ج ١ ص ٢٦٨ .

(٢) الكافي ، الكليني: ج ١ ص ٢٦٩ .

(٣) الكافي ، الكليني: ج ١ ص ٢٦٩ .

٢٦٣

رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إلاّ أنّهم ليسوا بأنبياء ، ولا يحل لهم من النساء ما يحل للنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فأمّا ما خلا ذلك فهم فيه بمنزلة رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) .

٥ ـ عن أبي أيوب بن الحر ، قال : ( سمعت أبا عبد الله يقول :إنّ الله عزّ ذكره ختم بنبيّكم النبيّين ، فلا نبيّ بعده أبداً ، وختم بكتابكم الكتب ، فلا كتاب بعده أبداً ، وأنزل فيه تبيان كل شيء )(٢) .

ثم كيف يدعي الشيعة أن الأئمة أنبياء ، أو أنهم يوحى إليهم ، وهم يرتلون القرآن بكرة وعشياً :( مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رجَالِكُمْ وَلكِن رّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النّبِيّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً ) (٣) .

أقوال علماء الشيعة

وقال الشيخ المفيد : ( فإن قيل : هل علمتم من دينه أنّه خاتم الأنبياء أم لا ؟

فالجواب : علمنا ذلك من دينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فإن قيل : بما علمتموه ؟ .

فالجواب : علمنا ذلك بالقرآن والحديث ، أمّا القرآن فقوله تعالى :( مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رجَالِكُمْ وَلكِن رّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النّبِيّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً )

وأمّا الحديث فقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام :

ـــــــــــــ

(١) الكافي ، الكليني: ج ١ ص ٢٧٠ .

(٢) المصدر نفسه : ج ١ ص ٢٦٩ .

(٣) الأحزاب : آية ٤٠ .

٢٦٤

 ( أنتَ مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ) (١) .

قال الشيخ الطوسيرحمه‌الله : ( مسألة : نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خاتم الأنبياء والرسل بدليل قوله تعالى :( مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رجَالِكُمْ وَلكِن رّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النّبِيّينَ ) (٢) .

وقال القاضي ابن براج : ( مسألة : نبينا خاتم النبيين والمرسلين بمعنى أنّه لا نبي بعده إلى يوم القيامة ، يقول تعالى :( مَا كَانَ مُحَمّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِن رجَالِكُمْ وَلكِن رّسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النّبِيّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلّ شَيْ‏ءٍ عَلِيماً ) (٣) .

واستدلّ بذلك أيضاً علي بن يونس العاملي في كتابه الصراط المستقيم(٤) ، وقال الشيخ الطوسي في تفسير هذه الآية( وَخَاتَمَ النّبِيّينَ ) أي : ( آخرهم ؛ لأنّه لا نبي بعده إلى يوم القيامة )(٥) .

وقال الشيخ الطبرسي : (( وَخَاتَمَ النّبِيّينَ ) أي : وآخر النبيين ختمت النبوة به ، فشريعته باقية إلى يوم الدين ، وهذا فضيلة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اختص بها من بين سائر المرسلين )(٦) .

وأقوال علمائنا في ذلك كثيرة جدّاً فوق حدّ الإحصاء .

ـــــــــــــ

(١) النكت الاعتقادية ، المفيد : ص ٣٨ .

(٢) الرسائل العشر ، الطوسي : ص ٩٧ .

(٣) جواهر الفقه ، ابن البراج : ص ٢٤٨ .

(٤) الصراط المستقيم ، علي بن يونس العاملي : ج ١ ص ٦١ .

(٥) التبيان ، الطوسي : ج ٨ ص ٣٤٦ .

(٦) مجمع البيان ، الطبرسي : ج ٨ ص ١٦٦ .

٢٦٥

الوحي انقطع بموت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أمّا بالنسبة إلى الوحي فإنّه انقطع بموت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا يعد من الضروريات والبديهات في مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، ولو تصفّحنا سريعاً ما ورد في الكتب الروائية الشيعية لوجدناها زاخرة بهذا المعنى .

فمن باب المثال لا الحصر ما جاء في ( الوسائل ) عن أبي أيوب الخراز أنّه قال : ( أردنا أن نخرج فجئنا نسلّم على أبي عبد اللهعليه‌السلام ، فقال :كأنّكم طلبتم بركة الاثنين ؟ قلنا : نعم ، قال : فأيّ يوم أعظم شؤماً من يوم الاثنين ، فقدنا فيه نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وارتفع الوحي عنا )(١) .

وعن أبي عبد الله بن أبي الكرام قال : تهيّأت للخروج إلى العراق ، فأتيت أبا عبد اللهعليه‌السلام لأسلّم عليه وأودّعه ، فقال : ( أين تريد قلتُ : أريد إلى العراق ، فقال لي : في هذا اليوم ـ وكان يوم الاثنين ـ ؟ فقلتُ : إنّ هذا اليوم يقول الناس : إنّه يوم مبارك فيه وُلد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقال : والله ما يعلمون أيّ يوم وُلد فيه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، إنّه يوم شؤم ، فيه قُبض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانقطع الوحي )(٢) .

وعن جامع الأخبار في كتاب التعبير عن الأئمّةعليهم‌السلام :( إنّ رؤيا المؤمن صحيحة ؛ لأنّ نفسه طيّبة ويقينه صحيح ، وتخرج فتتلقى من الملائكة ، فهي وحي من الله العزيز الجبّار ، وقالعليه‌السلام :انقطع الوحي وبقي المبشّرات ألا وهي نوم الصالحين والصالحات ) (٣) .

وسيأتي أنّ من معاني الوحي هو ما يحصل في المنام ، كما في الإيحاء إلى أُمّ موسىعليها‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) الوسائل ، الحر العاملي : ج ١١ ص ٣٥١ : ح ١ ؛ باب آداب السفر إلى الحج وغيره ، الباب الرابع ( باب كراهة اختيار الاثنين للسفر ) ؛ وكذا الباب السابع : ح ٩ ص ٣٦٠ .

(٢) وسائل الشيعة ، الحر العاملي : ج ١١ ص ٣٦٠ .

(٣) نقلاً عن بحار الأنوار ، المجلسي : ج ٥٨ ص ١٧٦ .

٢٦٦

وأخرج البخاري في صحيحه في باب الرؤيا الصالحة ، عن عبد الله بن سلمة ، عن مالك بن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة ، عن أنس بن مالك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة ) ، وكذا ذكرها بعدّة أسانيد في باب الرؤيا الصالحة ( جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوّة ) كما عن عبادة بن الصامت وأبي هريرة وأنس(١) .

أقسام الوحي

ذكر المفسّرون أنّ للوحي أكثر من معنى ، استعملها القرآن الكريم : كالإيحاء إلى النحل وإلى أُمّ موسى ونحوها .

وعلى هذا الأساس ، فلو عُبّر في بعض الروايات بالوحي لا يعني ذلك أنّ المقصود منه هو الوحي الرسالي والنبوّة أبداً ، بل لابد أن يكون المراد غير ذلك ، ومن أقسام الوحي في القرآن الكريم ما يلي :

١ ـ الوحي بمعنى الإلهام : كما في قوله تعالى :( وَأَوْحَى‏ رَبّكَ إِلَى النّحْلِ أَنِ اتّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً ) (٢) ، كما نصّ على ذلك النحّاس ، حيث قال : روي عن الضحّاك أنّه قال : ألهمها ، وأصل الوحي في اللغة الإعلان بالشيء في

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ، البخاري : ج ٨ ص ٦٨ ، ص ٧٠ .

(٢) النحل : آية ٦٨ .

٢٦٧

ستره ، فيقع ذلك بالإلهام وبالإشارة وبالكتابة وبالكلام الخفي )(١) ، وكذا قيل إنّ من الوحي الرحماني بمعنى الإلهام ، قوله تعالى :( وَأَوْحَيْنَا إِلَى‏ أُمّ مُوسَى ) (٢) .

٢ ـ الوحي بمعنى الخلق : عن السدّي( أَوْحَى‏ فِي كُلّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) (٣) ، قال : ( خلق في كل سماء خلقها من الملائكة ، والخلق الذي فيها من البحار وجبال البرد وما لا يعلم ، وعن قتادة( وَأَوْحَى‏ فِي كُلّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا ) : خلق فيها شمسها وقمرها ونجومها وصلاحها )(٤) .

٣ ـ الوحي بمعنى إلقاء القول بخفاء : كما في قوله تعالى :( إِذْ يُوحِي رَبّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنّي مَعَكُمْ ) (٥) .

٤ ـ الوحي بمعنى الإشارة والكتابة : كما نقل القرطبي في تفسير قوله تعالى :( فَأَوْحَى‏ إِلَيْهِمْ أَن سَبّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيّاً ) (٦) ، عن الكلبي وقتادة وابن منبه : أوحى إليهم أشار ، وعن القتبي : أومأ ، وعن مجاهد : كتب على الأرض ، وأمّا عكرمة فيقول : كتب في كتاب ، والوحي في كلام العرب الكتابة ...(٧) .

٥ ـ الوحي بمعنى الإسرار : كما في قوله تعالى :( يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى‏ بَعْضٍ

ـــــــــــــ

(١) معاني القرآن ، النحاس : ج ٤ ص ٨٣ .

(٢) القصص : آية ٧ .

(٣) فصلت : آية ١٢ .

(٤) جامع البيان : ابن جرير الطبري : ج ٢٤ ص ١٢٥ .

(٥) الأنفال : آية ١٢ .

(٦) مريم : آية ١١ .

(٧) تفسير القرطبي ، القرطبي: ج ١١ ص ٨٥ ؛ وكذا ما في : جامع البيان : ابن جرير الطبري : ج ١٦ ص ٦٨ ؛ وتفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج ٣ ص ١١٩ .

٢٦٨

زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً ) (١) .

٦ ـ الوحي بمعنى الإلقاء في الروع : كما في قوله تعالى :( وَأَوْحَيْنَا إِلَى‏ أُمّ مُوسَى‏ أَنْ أَرْضِعِيهِ ) (٢) .

قال الجبائي : ( كان الوحي رؤيا منام ) ، وقال الزجاج : ( معنى أوحينا إلى أُمّ موسى أعلمناها ) ، وقال عبد الرزاق الصنعاني في تفسيره : ( عن قتادة في قوله وأوحينا إلى أُمّ موسى ، قذف في نفسها )(٣) .

وفي زاد المسير لابن الجوزي : ( فيه ثلاثة أقوال : أحدها : أنّه إلهام قاله ابن عباس ، والثاني : إنّ جبرائيل أتاها ، وبذلك قاله مقاتل ، والثالث : أنّه كان رؤيا منام )(٤) .

٧ ـ الوحي بمعنى الأمر : كما في قوله تعالى( بِأَنّ رَبّكَ أَوْحَى‏ لَهَا ) (٥) ، ذكره القرطبي في تفسيره(٦) .

إذن للوحي معان عديدة ، فمن السذاجة حصره بالوحي الرسالي وممّا يؤيّد جميع ما ذكرنا ما جاء في كتاب التعبير عن الأئمّةعليهم‌السلام :( إنّ رؤيا المؤمن صحيحة ؛ لأنّ نفسه طيّبة ويقينه صحيح ، وتخرج فتتلقى من

ـــــــــــــ

(١) الأنعام: آية ١١٢ .

(٢) القصص : آية ٧ .

(٣) تفسير الصنعاني ، عبد الرزاق الصنعاني : ج ٣ ص ٨٧ ؛ وكذلك في : تفسير الطبري : ج ٢ ص ٣٧؛ ومعاني القرآن: النحاس : ج ٥ ص ١٥٧ .

(٤) زاد المسير ، ابن الجوزي : ج ٦ ص ٨٧ ؛ وهكذا انظر : تفسير القرطبي : ج ٦ ص ٣٦٣؛ ج ١٣: ص ٢٥٠ .

(٥) الزلزلة : آية ٥

(٦) تفسير القرطبي ، القرطبي : ج ٦ : ص ٣٦٣ .

٢٦٩

الملائكة ، فهي وحي من الله العزيز الجبّار ، وقالعليه‌السلام :انقطع الوحي وبقي المبشرات ألا وهي نوم الصالحين والصالحات ) (١) .

والنتيجة : هي أنّ الوحي انقطع والائمّةعليهم‌السلام ليسوا بأنبياء .

الخلاصة

١ ـ إنّ انقطاع النبوّة والوحي الرسالي بعد موت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بديهيات وضروريات مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، والتراث الشيعي مليء بالروايات التي تنطق بهذه الحقيقة .

٢ ـ مضافاً إلى ما سبق من وجود الجمّ الغفير من الروايات التي تؤكّد هذه الحقيقة ، فقد أجمع علماؤنا على انقطاع الوحي بعد موت نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّه خاتم النبيين .

٣ ـ ورد الوحي في القرآن الكريم على معان عديدة ؛ لذا فإطلاق الوحي ـ لو وجد في بعض الروايات ـ لا يعني ذلك أنّ المراد هو وحي النبوّة والرسالة .

ـــــــــــــ

(١) نقلاً عن بحار الأنوار : المجلسي : ج ٥٨ : ص ١٧٦ .

٢٧٠

تأليه الإمام عند الشيعة

الشبهة :

الشيعة يؤلّهون أئمّتهم ويتخذونهم أرباباً من دون الله .

الجواب :

تمهيد :

أوّلاً : إنّ هذا القول والادعاء باطل لا أساس له من الصحّة أبداً ، فهذه كتب الشيعة ومؤلّفاتهم حَكَمَاً بيننا ، فهي تصرح بأنّ الأئمّةعليهم‌السلام عباد لله تعالى ، بل إنّ سيّدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نال جميع المقامات السامية والرفيعة بالعبودية لله تعالى ، حيث قال الله عزّ وجلّ :( سُبْحَانَ الّذِي أَسْرَى‏ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى‏ الْمَسْجِدِ الأَقْصَى‏ الّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنّهُ هُوَ السّمِيعُ الْبَصِيرُ ) (١) .

ومجاميع الشيعة الحديثية مليئة بالروايات الصحيحة والصريحة التي تحذّر من فرق المغالين وعقيدتهم الفاسدة ، وإليك بعضها على سبيل الاختصار :

ـــــــــــــ

(١) الإسراء : آية ١ .

٢٧١

أولاً* : نهي أهل البيتعليهم‌السلام عن الغلو :

١ ـ ما جاء عن الإمام الرضاعليه‌السلام عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :( لا ترفعوني فوق حقّي فإنّ الله تبارك وتعالى اتخذني عبداً قبل أن يتخذني نبيّاً ) (١) .

٢ ـ قال أمير المؤمنينعليه‌السلام :( إيّاكم والغلو فينا ، قولوا عبيد مربوبون ، وقولوا في فضلنا ما شئتم ) (٢) .

٣ ـ ما جاء عن الإمام الرضاعليه‌السلام عن أمير المؤمنينعليه‌السلام أيضاً :( أنا أبرأ إلى الله تبارك وتعالى ممّن يغلو فينا ويرفعنا فوق حدّنا كبراءة عيسى بن مريم من النصارى ) (٣) .

٤ ـ وعنه أيضاًعليه‌السلام :( فمَن ادعى للأنبياء ربوبية وادعى للأئمّة ربوبية أو نبوّة أو لغير الأئمّة إمامة فنحن منه براء في الدنيا والآخرة ) (٤) .

٥ ـ عن مرازم قال : قال الإمام الصادقعليه‌السلام :( قال للغالية توبوا إلى الله فإنّكم كفّار فسّاق مشركون ) (٥) .

٦ ـ ما عن سدير قال : ( قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إنّ قوماً يزعمون أنّكم آلهة ، يتلون بذلك علينا قرآناً( وَهُوَ الّذِي فِي السّماءِ إِلهٌ وَفِي الأَرْضِ إِله ) (٦) ، فقال :يا سدير سمعي وبصري ولحمي ودمي وشعري من هؤلاء براء ،

ـــــــــــــ

* للتنويه فقط : نشير هنا إلى أن لا وجود لـ ( ثانياً ) ؛ فإمّا وردت ( أوّلاً ) عن غير قصد ، أو لم تذكر بقيّة النقاط سهواً أو غير ذلك ! [ الشبكة ] .

(١) عيون أخبار الرضا ، الصدوق : ص ٢١٧ .

(٢) الخصال : الصدوق : ص ٦١٤ .

(٣) عيون الأخبار ، الصدوق : ج ١ ص ٢١٧ .

(٤) المصدر نفسه : ج ١ ٢١٧ .

(٥) رجال الكشي : ج ٢ ص ٥٨٧ ح ٥٢٧ .

(٦) الزخرف : ٨٤ .

٢٧٢

وبرئ الله منهم ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي ، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم ، قال : قلت : وعندنا قوم يزعمون أنّكم رسل يقرأون علينا بذلك قرآناً( يَا أَيّهَا الرّسُلُ كُلُوا مِنَ الطّيّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) (١) ، فقال :يا سدير سمعي وبصري وشعري وبشري ولحمي ودمي من هؤلاء براء وبرئ الله منهم ورسوله ، ما هؤلاء على ديني ولا على دين آبائي ، والله لا يجمعني الله وإيّاهم يوم القيامة إلاّ وهو ساخط عليهم ، قال : قلت : فما أنتم ؟ قال :نحن خزّان علم الله ، نحن تراجمة أمر الله ، نحن قوم معصومون ، أمر الله تبارك وتعالى بطاعتنا ونهى عن معصيتنا ، نحن الحجّة البالغة على مَن دون السماء وفوق الأرض )(٢) .

٧ ـ وقال الإمام الصادقعليه‌السلام :( احذروا على شبابكم من الغلاة لا يفسدونهم فإنّ الغلاة شر خلق الله يصغّرون عظمة الله ويدّعون الربوبية لعباد الله ، والله إنّ الغلاة شر من اليهود والنصارى والمجوس والذين أشركوا ) (٣) .

مواقف علمائنا من الغلاة

١ ـ قال الشيخ الصدوقرحمه‌الله : ( اعتقادنا في الغلاة والمفوّضة أنّهم كفّار بالله تعالى ، وأنّهم شر من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ومن جميع أهل البدع والأهواء المضلّة )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) المؤمنون : آية ٥١ .

(٢) الكافي ، الكليني : ج ١ ص ٢٦٩ ، ص ٢٧٠ .

(٣) الأمالي ، الطوسي : ص ٢٥٠ .

(٤) الاعتقادات الصدوق : ص ٩٧ .

٢٧٣

٢ ـ قال الشيخ المفيدرحمه‌الله : ( والغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمّة من ذريتهعليهم‌السلام إلى الألوهية وهم ضلاّل كفّار ، حكم فيهم أمير المؤمنينعليه‌السلام بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت الأئمّةعليهم‌السلام بالإكفار والخروج عن الإسلام )(١) .

٣ ـ وقال الشيخ كاشف الغطاءرحمه‌الله : ( أمّا الشيعة الإمامية وأئمّتهمعليهم‌السلام فيبرؤن من تلك الفرق براءة تحريم ويبرؤون من تلك المقالات ، ويعدّونها من أشنع الكفر والضلالات ، ليس دينهم إلاّ التوحيد المحض وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق )(٢) .

٤ ـ وقال الشيخ المظفّررحمه‌الله : ( لا نعتقد في أئمّتناعليهم‌السلام ما يعتقده الغلاة والحلوليون( كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ) (٣) ، بل عقيدتنا الخاصة أنّهم بشر مثلنا لهم ما لنا وعليهم ما علينا ، وإنّما هم عباد مكرّمون اختصهم الله بكرامته وحباهم بولايته إذ كانوا في أعلى درجات الكمال اللائقة في البشر من العلم والتقوى والشجاعة والكرم والفقه ، وجميع الأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة ، لا يدانيهم أحد من البشر فيما اختصوا به ، قال إمامنا الصادقعليه‌السلام :( ما جاءكم عنّا ممّا يجوز أن يكون في المخلوقين ولم تعلموه ولم تفهموه فلا تجحدوه وردّوه إلينا ، وما جاءكم عنّا ممّا لا يجوز أن يكون في المخلوقين فاجحدوه ولا تردوه إلينا ) )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) تصحيح الاعتقادات ، المفيد : ص ١٣١ .

(٢) أصل الشيعة وأُصولها ، كاشف الغطاء : ص ٣٨ ، نشر دار الأعلمي ، ١٣٩٧ هـ .

(٣) الكهف : آية ٥ .

(٤) عقائد الإمامية ، محمد رضا المظفّر : ص ٧٣ ـ ٧٤ .

٢٧٤

وكيف نغالي في أهل البيتعليهم‌السلام وندعي لهم الألوهية ونحن نروي أن الإمام الرضاعليهم‌السلام كان يقول في دعائه :

( اللّهمّ إنّي أبرأ إليك من الحول والقوّة ، فلا حول ولا قوّة إلاّ بك ، اللّهم لا تليق الربوبية إلاّ بك ، ولا تصلح الإلهية إلاّ لك ، فالعن النصارى الذين صغّروا عظمتك ، والعن المظاهين لقولهم من بريتك ، اللّهمّ إنّا عبيدك لا نملك لأنفسنا ضراً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياةً ولا نشوراً ، اللّهمّ مَن زعم أنّنا أرباب ، فنحن إليك منه براء ) (١) .

ثانياً : إنّ ما تمسّك به المستشكل عبارة عن روايتين ضعيفتين ، أحداهما رواية واردة في البحار ، عن تفسير العياشي ضعيفة السند ، مضافاً إلى جهالة الجعفري إذ لم يذكر له توثيق في كتب الرجال .

وكذا ما في الرواية الأخرى التي وردت في كتاب تأويل الآيات للسيد علي الأسترآبادي ، (عن علي بن أسباط ، عن إبراهيم الجعفري ، عن أبي الجارود ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى :( أَءِلهٌ مَعَ اللهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) ، قال : أي إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد )(٢) فطريق السيد إلى علي بن أسباط مجهول ، فالرواية مقطوعة السند ولا يمكن الاعتماد عليها ، بالإضافة إلى ما في نسبة الكتاب إلى السيد من كلام .

فلا اعتماد على هذه الرواية ولا على أختها في المسائل الفرعية ، فضلاً عمّا إذا كانت من المسائل الاعتقادية .

ـــــــــــــ

(١) الاعتقادات ، المفيد : ص ٩٩ ـ ١٠٠ .

(٢) تأويل الآيات ، الأسترآبادي : ج ١ ص ٤٠١ .

٢٧٥

ثالثاً : إنّ الإمامية الاثني عشرية لديهم مباني وأُصول أصّلها لهم الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام يسيرون على طبقها في قبول الرواية أو ردّها ، ومن تلك الأصول هي : إنّ كل ما يخالف العقل الصريح والقرآن الكريم من الروايات يردّ ولا يقبل :

١ ـ فعن هشام بن الحكم وغيره ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال :( خطب رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا أيّها الناس ما جاءكم عنّي يوافق كتاب الله فأنا قلته ، وما جاءكم يخالف كتاب الله فلم أقله ) (١) .

٢ ـ وقد ورد في صحيح محمد بن الحر قال : ( سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :كل شيء مردود إلى الكتاب والسنّة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف )(٢) .

٣ ـ وجاء عن أبي عبد اللهعليه‌السلام :( إذا ورد عليكم حديث فوجدتم له شاهداً من كتاب الله أو من قول رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإلاّ فالذي جاءكم به أولى به ) (٣) .

٤ ـ وعنه أيضاًعليه‌السلام :( ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف ) (٤) .

٥ ـ وعنه أيضاًعليه‌السلام :( الوقوف عند الشبهة خير من الاقتحام في الهلكة ، إنّ على كل حق حقيقة وعلى كل صواب نوراً فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه ) (٥) .

٦ ـ عن سدير قال : ( قال أبو جعفر وأبو عبد اللهعليهم‌السلام :لا تصدق علينا إلاّ ما

ـــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ، الحر العاملي : ج ٢٧ : ص ١١١ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٢٧: ص ١١١ .

(٣) المصدر نفسه : ج ٢٧: ص ١٠٧ .

(٤) المصدر نفسه : ج ٢٧: ص ١١٠ .

(٥) المصدر نفسه : ج ٢٧: ص ١١٩ .

٢٧٦

وافق كتاب الله وسنّة نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(١) .

وغيرها من الروايات التي بهذا المضمون .

ولا شك أنّ تأليه الإمام وجعل المخلوق في مرتبة الخالق ، والفقير في مرتبة الغني ممّا يرفضه صريح العقل ، وصريح القرآن الكريم ، كقوله تعالى :( إِن كُلّ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاّ آتِي الرّحْمنِ عَبْداً ) (٢) .

وعلى هذا الأساس فإذا جاءتنا رواية يظهر منها تأليه الإمام نردّها ولا نقبلها ولو كانت صحيحة السند ، فضلاً عمّا لو كانت ضعيفة ، خصوصاً فيما لو كانت المسألة من المسائل الاعتقادية ، بل من أساس العقائد .

رابعاً : لو فرضنا جدلاً وجود رواية صحيحة ومقبولة من الناحية الاعتقادية إلاّ أنّه يمكن القول أنّها تستهدف الإشارة إلى أمر دقيق وحسّاس يحتاج إلى المزيد من النباهة والفطنة وإمعان النظر ، إلاّ أنّه قبل الولوج في بيان المقصود والذي تستهدفه الرواية ينبغي الإشارة إلى نقطة أساسية تساهم في توضيح المراد وتحول دون وقوع الالتباس فيه :

وملخّصها :

إنّ القرآن الكريم يؤكّد على وجود إمام هدى وإمام ضلال في هذا العالم ، كما في قوله الله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٣) ، ( وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَيَوْمَ

ـــــــــــــ

(١) المصدر السابق نفسه : ج ٢٧ : ص ١٢٣ .

(٢) مريم : آية ٩٣ .

(٣) الأنبياء : ٧٣ .

(٤) القصص : ٥ .

٢٧٧

الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ ) (١) ، وقوله تعالى :( فَقَاتِلُوا أَئِمّةَ الْكُفْرِ إِنّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ ) (٢) فهناك أئمّة هدى وأئمّة كفر وضلال .

ولا شك أنّ إمام الهدى من الله تعالى ، وإمام الضلال من الطاغوت والشيطان .

وعلى ضوء هذه النقطة ، نقول : إنّ الرواية تنبّه على أمر بالغ الخطورة على واقع الإنسان العملي ، حيث إنّها تخاطبه ، وتقول : أيّها الإنسان لا تتخذ في حياتك وفي سلوكك وتعاملك إمامين ، إمام هدى وإمام ضلال ، فإنّ مَن يتخذ ويتبع هذين الإمامين معاً سوف يقع في الشرك بالله تبارك وتعالى من حيث لا يشعر ؛ إذ معنى ذلك هو الإيمان بجاعل أئمّة الهدى وهو الله تعالى ، وجاعل أئمّة الضلال وهو غيره تعالى ، وهو عين الشرك به عزّ وجلّ ، وهذا المعنى بنفسه يلتقي مع قوله تعالى:( لاَ تَتّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ) (٣) ، فالإمامعليه‌السلام يريد أن يشير إلى إنّ نتيجة اتخاذ الإنسان إمامين في آن واحد ( إمام هدى مع إمام ضلال )(٤) ، حصيلته الشرك بالله عزّ وجلّ .

فمَن أراد الالتزام بمبدأ التوحيد وأن لا يتخذ إلهين اثنين ، عليه أن لا يتبع إمامين : إمام حق من الله وإمام باطل من غيره تعالى ؛ لأنّ هذا هو الشرك الذي ينافي مضمون الآية المباركة .

وهذا المعنى بنفسه هو الذي ذكرته بعض الروايات ومنها تلك الرواية

ـــــــــــــ

(١) القصص : ٤١ .

(٢) التوبة : ١٢ .

(٣) النحل : ٥١ .

(٤) تأويل الآيات ، الأسترآبادي النجفي : ج ١ ص ٤٠١ .

٢٧٨

التي نقلها السيد شرف الدين علي الأسترآبادي : ( عن علي بن أسباط ، عن إبراهيم الجعفري ، عن أبي الجارود ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام في قوله تعالى :( أَءِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ ) قال : أي إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد )(١) ، فهذه الرواية تؤكّد المعنى الذي قرّرناه آنفاً ، ولهذا فهم السيد الأسترآبادي من الرواية نفس المعنى الذي فهمناه ، حيث قال في كتابه تأويل الآيات تفسيراً لمعنى الرواية : ( يعني كما أنّه لا يجوز أن يكون إله مع الله سبحانه كذلك لا يجوز أن يكون إمام هدى مع إمام ضلال في قرن واحد ؛ لأنّ الهدى والضلال لا يجتمعان في زمن من الأزمان ، والزمان لا يخلو من إمام هدى من الله يهدي الخلق )(٢) .

فعندما نجد بعض الروايات الضعيفة في بعض الكتب ، فليس من الصحيح أن ننسب شيئاً إلى طائفة بكاملها اعتماداً عليها أو على رواية ضعيفة واحدة ، وهذا لا يختص بمذهب الشيعة فقط ، بل كتب أهل السنّة ومنها الكتب المعتبرة كالصحاح والسنن وغيرها ممّا تحتوي على مثل هذه الروايات الضعيفة بشهادة كبار علمائهم بتضعيفها .

الخلاصة

١ ـ إنّ ما ذكر في الشبهة مجرّد ادعاء لا أساس له في مذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، وقد صرّح وأكّد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مهما بلغ من مقامات فهو في إطار العبودية ، وفي هذا المقام روايات متضافرة ، فإذا كان هذا الحال مع الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذه الكيفية ، فكيف بأهل البيتعليهم‌السلام وهم يأتون بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الدرجة والمقام .

ـــــــــــــ

(١) تأويل الآيات ، الأسترآبادي النجفي : ج ١ ص ٤٠١ .

(٢) المصدر نفسه : ج ١ ص ٤٠١ .

٢٧٩

٢ ـ إنّ وصف الإمامعليه‌السلام بصفة الألوهية يعد من الغلو ، ولا يخفى موقف أهل البيتعليهم‌السلام من الغلو والمغالين ، حيث تبرّأ أئمّة أهل البيت عن هؤلاء المغالين ، وكل مَن يصفهم بالربوبية والألوهية .

٣ ـ إنّ مواقف علمائنا واضحة تجاه المغالين فقد وصفوهم بأنّهم أنجس من اليهود والنصارى .

٤ ـ لو فرض وجود رواية صحيحة في المقام إلاّ أنّه لا يمكن قبولها لتعارضها مع كتاب الله تعالى ، وقد أمرنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام ألاّ نأخذ إلاّ بما وافق القرآن الكريم وترك كل ما خالفه ، فيما إذا لم يكن هناك طريق لتوجيه الرواية الصحيحة المفروض صحتها .

٥ ـ لو فرضنا جدلاً وجود رواية مثل هذه وكانت صحيحة إلاّ أنّه يمكن أن يقال : إنّها ترمي الإشارة إلى مطلب آخر حاصله أنّها تحذّر الإنسان من اتخاذه إمامين في آن واحد ، إمام هدى وإمام ضلال ، كما حكى ذلك الحق تعالى بقوله :( لاَ تَتّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ ) ؛ لأنّه يؤدّي إلى الشرك والضلال .

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361