الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية0%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: مؤسسة الكوثر للمعارف الإسلامية
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: الصفحات: 361
المشاهدات: 205145
تحميل: 7708


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 205145 / تحميل: 7708
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء 1

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً )(١) .

٥ ـ وفي رواية رابعة كذلك قالت : ( فاجتمعوا فجلّلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكساء كان عليه ثم قال :اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط ، قالت ، فقلت : يا رسول الله وأنا ؟ قالت : فو الله ما أنعم ، وقال :إنّك إلى خير )(٢) .

٦ ـ وفي رواية خامسة عن أُمّ سلمة أيضاً : ( بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي يوماً ، إذ قالت : الخادم إنّ فاطمة وعلياً بالسدة ، قالت: فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :قومي فتنحّي عن أهل بيتي )(٣) .

٧ ـ وفي رواية سادسة عن أم سلمة : ( قالت : إنّ هذه الآية نزلت في بيتي( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، قالت : وأنا جالسة على باب البيت ، فقلت يا رسول الله : ألست من أهل البيت ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّك إلى خير ، أنت من أزواج النبي ... )(٤) .

وهذه الروايات وغيرها صريحة في الدلالة على أنّ المراد بأهل البيت هم : علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من أولاد الحسينعليهم‌السلام .

وممّا يزيد هذه الحقيقة تأكيداً ـ وهي أنّ أهل البيتعليهم‌السلام لديهم علم وحقيقة القرآن ـ قوله تعالى :( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ،

ـــــــــــــ

(١) تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٣ ؛ جامع البيان ، الطبري : ج ٢٢ ص ١١ ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ ص ١٠٣ .

(٢) تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٣ ؛ وانظر : المعجم الأوسط ، ج ٤ ص ١٣٤ ؛ وانظر : شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ ص ١٠٢ .

(٣) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٣ .

(٤) تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج ٣ ص ٤٦٦ .

٣٢١

وقد ورد عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه خطب الناس قائلاً :( أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ، أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستعطى الهدى ، ويستجلى العمى إنّ الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم ) (١) .

إذن تبيّن من هذه الروايات أنّ علم الكتاب إنّما هو عند أهل البيتعليهم‌السلام بفضل الله تعالى واصطفائه لهم .

الروايات الخاصة في علم أهل البيتعليهم‌السلام

وأمّا على صعيد البحث الروائي فقد تواترت الروايات المؤكِّدة على أعلمية أهل البيتعليهم‌السلام ، فضلاً عن كونهم ورثة النبيعليهم‌السلام ، منها :

١ ـ علم الأنبياء عند أهل البيتعليهم‌السلام :

أخرج القندوزي الحنفي في الينابيع ، عن عمر بن أذينة عن جعفر الصادقعليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين :( ألا إنّ العلم الذي هبط به آدم عليه‌السلام من السماء إلى الأرض وجميع ما فضلّت به النبيّون إلى خاتم النبيّين في عترة خاتم النبيّين ) (٢) .

٢ ـ علم الكتاب كلّه عند أهل البيتعليهم‌السلام :

أخرج القندوزي الحنفي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : (علم الكتاب والله عندنا ، وما أُعطي وزير سليمان بن داود ، إنّما عنده حرف واحد من

ـــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد : ج ٢ ص ٢٧، ج ٩ ص ٨٤؛ ينابيع المودة، القندوزي: ج ٣ ص ٢٩٣.

(٢) ينابيع المودة، القندوزي: ج ١ ص ٣٠٦ .

٣٢٢

الاسم الأعظم ، وعلم بعض الكتاب كان عنده ... وقال في عليعليه‌السلام ومن عنده علم الكتاب )(١) ، وعن الإمام عليعليه‌السلام أنّه قال :( ألا وإنّا أهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا ) (٢) .

٣ ـ أُعطي أهل البيت سبعاً لم يعطها أحد قبلهم

أخرج ابن المغازلي عن عليعليه‌السلام قال :( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أُعطينا أهل البيت سبعةً لم يُعطَها أحدٌ قبلنا ، ولا يُعطاها أحدٌ بعدنا : الصباحة والفصاحة والسماحة والشجاعة والحلم والعلم ) (٣) .

٤ ـ الإمام عليعليه‌السلام عيبة علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أخرج ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق عن ابن عباس قال :( علي عيبة علمي ) (٤) .

٥ ـ الإمام عليعليه‌السلام يعلم ظاهر القرآن وباطنه

أخرج القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة عن ابن مسعود أنّه قال : ( نزل القرآن على سبعة أحرف له ظهر وبطن ، وأنّ عليّاًعليه‌السلام علم القرآن ظاهره وباطنه )(٥) .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٣٠٦ .

(٢) شرح نهج البلاغة : ج ١ ص ٢٧٦ ؛ جواهر المطالب : أحمد بن محمد الدمشقي الشافعي : ج ١ ص ٣٤٣ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٨٠ ؛ ج ٣ ص ٤٠٨ .

(٣) مناقب علي بن أبي طالبعليه‌السلام : ابن المغازلي ص ٢٩٥ ، ط ٢ .

(٤) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٣٨٥ ، وكذا جاء في الكامل : ج ٤ ص ١٠١ ؛ ميزان الاعتدال : ج ٢ ص ٣٢٧ ؛ فيظ القدير في شرح الجامع الصغير : ج ٤ ص ٤٦٩ .

(٥) ينابيع المودّة ، القندوزي ج ١ ص ٢١٥ ، ٢٢٣ ، ج ٣ ص ١٤٦ .

٣٢٣

هل أنّ أهل البيتعليهم‌السلام يعلمون الغيب ؟

إنّ جدلية العلم بالغيب من قبل الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيتعليهم‌السلام من الجدليات التي اتخذها المناوئون ذريعة للنيل من مذهب الشيعة الاثني عشرية ، وهذه الجدلية قائمة على مغالطة واضحة .

وجه المغالطة

محصّل ومنشأ هذه المغالطة وجود بعض الآيات القرآنية التي تنفي علم الغيب عن الأنبياء ، كما في الآية الكريمة :( مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ) (١) وكذا قوله تعالى :( قُل لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَكٌ ) ، وقوله تعالى :( قُل لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسّنِيَ السّوءُ ) (٢) .

إذن على ضوء هذه الآيات يتبين عدم اطّلاع الأنبياء مطلقاً على الغيب ، وأنّ علم الغيب مختص بالله تعالى .

والمغالطة المخبوءة في هذا الاستدلال هو أنّ المستدل بالآيات على نفي علم الغيب عن الأنبياء كما تقدّم اقتصر على بعض الآيات ، بل في آية واحدة اقتصر على صدر الآية وطرح ذيلها ، مع أنّ هذا الأسلوب من التعامل مع القرآن الكريم من الوقوف على آية واحدة فقط ، أو صدر آية وطرح ذيلها ، أو غض النظر عن الآيات الأخرى أسلوب يخالف حتى أسلوب المحاورات العرفية ؛ فإنّ المتكلم لا يصح نسبة الكلام إليه إلاّ بعد ملاحظة مجموع كلامه ، ولبيان ذلك نقول :

ـــــــــــــ

(١) الأحقاف : ٩ .

(٢) الأنعام: ٥٠ .

٣٢٤

إنّ صدر الآية وإن كان يحكي قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه لا يعلم الغيب ، إلاّ أنّه ورد في ذيلها استثناء ـ وهو الذي أغفله المستشكل ـ وهو قوله تعالى :( إِلاّ مَا يُوحَى‏ إِلَيّ ) ، فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد القول بأنّ علم بالغيب بنحو الاستقلال مختص بالله تعالى ولا يشاركه أحد في ذلك قط ، بل يستحيل أن يشاركه فيه أحد ، ولكن قد يفيض الله تعالى من علوم الغيب على بعض عباده كالأنبياء والمرسلين والأئمّةعليهم‌السلام ، ولا ينافي ذلك كونهمعليهم‌السلام مخلوقين ، فقراء إلى الله تعالى ، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلاّ ما شاء الله ، وهذا لا ينافي استقلاله تعالى بعلم الغيب ، وهذا ما تكفلت ببيانه آيات كثيرة منها :

١ ـ قوله تعالى :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى‏ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضَى‏ مِن رّسُولٍ فَإِنّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) (١) .

٢ ـ قوله تعالى :( إِنّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى‏ نُوحٍ وَالنّبِيّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى‏ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسى‏ وَأَيّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنَا دَاوُود زَبُوراً ) (٢) ، وقوله تعالى :( قُل لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَكٌ إِنْ أَتّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى‏ إِلَيّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى‏ وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكّرُونَ ) (٣) ، وقوله تعالى :( تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ مَا

ـــــــــــــ

(١) الجن: ٢٦ ـ ٢٧ .

(٢) النساء : ١٦٣ .

(٣) الأنعام : ٥٠ .

٣٢٥

كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هذَا فَاصْبِرْ إِنّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتّقِينَ ) (١) ، وغيرها هذه الآيات ممّا يشاركها في هذا المعنى ، من هنا قال الآلوسي في تفسيره للآية المباركة( قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللهُ ) (٢) : ( لعلّ الحق أن يقال إنّ نفي علم الغيب عن غيره جلّ وعلا ، هو ما كان للشخص بذاته أي بلا واسطة في ثبوته لهم ، وما وقع للخواص ليس من هذا العلم المنفي في شيء ، وإنّما هو من الواجب عزّ وجلّ إفاضة منه عليهم بوجه من الوجوه ، فلا يقال إنّهم علموا بالغيب بذلك المعنى [ يعني الاستقلال ] ، فإنّ ذلك كفرٌ ، بل يقال إنّهم أظهروا وأطلعوا على الغيب )(٣) .

وهذا المعنى يلتقي مع ما أثر عن أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال :( يبسط لنا العلم فنعلم ، ويقبض عنّا فلا نعلم ) (٤) وهو عين معنى الآية ، هي قوله تعالى :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى‏ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضَى‏ مِن رسُولٍ فَإِنّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) (٥) ولا شك أنّ الرسول هو المرتضى ، وأهل البيتعليهم‌السلام ورثته .

ـــــــــــــ

(١) هود : ٤٩ .

(٢) النمل : ٦٥ .

(٣) تفسير روح المعاني ، الآلوسي : ص ٩ .

(٤) أصول الكافي ، الكيني : ج ١ ص ٢٥٦ ، بصائر الدرجات ، الصفار : ص ٥٣٣ .

(٥) الجن : ٢٦ ـ ٢٧ .

٣٢٦

وحاصل ما تقدّم :

إنّ الآيات الدالة على اختصاص علم الغيب به سبحانه ، هو ما يليق بساحة الواجب الذي لا يشاركه فيه أحد ، وهو العلم الذاتي بالاستقلال والأصالة ، بل هذا النوع من العلم يمتنع أن يشاركه أحد فيه ؛ لاستلزامه الشرك وتعدد الواجب الغني ، فإطلاع غير الله تعالى إنما يكون بالتبع ، نظير قوله تعالى :( اللهُ يَتَوَفّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) (١) الذي يكون ظاهراً في أنّ التوفّي منحصر بالله تعالى ، مع أنّه تعالى أسنده إلى ملك الموت في موارد ، وإلى رسله في موارد أخرى ، كما في قوله تعالى :( قُلْ يَتَوَفّاكُم مَلَكُ الْمَوْتِ الّذِي وُكّلَ بِكُمْ ثُمّ إِلَى‏ رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ ) (٢) ، وقوله تعالى :( تَوَفّتْهُ رُسُلُنَا ) (٣) .

إذن لا إشكال في علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالغيب بإذن الله تعالى وفضله ، بل هنالك موارد لا يمكن التغاضي والتغافل عنها ، كالتي أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بعضها بما يتعلّق بالمغيّبات ، كما تقدّمت الإشارة إليه .

أهل البيتعليهم‌السلام يعلمون الغيب

بعد أن تبيّن أنّ المراد بعلم الغيب الممتنع هو العلم بالأصالة والاستقلال ، وهو خاص بالله تعالى ، وأمّا العلم بالغيب بإذن الله تعالى وبمشيئته وبإفاضته على من يرتضيه فلا إشكال فيه ، يثبت على هذا الأساس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما يعلم الغيب بإذن الله تعالى ومشيئته .

ـــــــــــــ

(١) الزمر : ٤٢ .

(٢) السجدة : ١١ .

(٣) الأنعام : ٦١ .

٣٢٧

وعلى ضوء ما تقدّم من أنّ أهل البيت هم ورثة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما أشرنا إليه ـ يثبت علمهمعليهم‌السلام بالغيب بإنباء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، وقد ورد في الأثر إخبار أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بالغيب في مواطن متعددة ، منها :

أوّلاً : إخبارهعليه‌السلام بقتل ( ذي الثدية ) من الخوارج وعدم عبور الخوارج النهر ، بعد أن قيل له قد عبروا(١) .

ثانياً : إخباره بمقتل ولده الحسينعليه‌السلام لما اجتاز أرض كربلاء ، حيث بكىعليه‌السلام وقال :( هاهنا ناخ ركابهم وهاهنا موضع رحالهم وها هنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض ) (٢) .

ثالثاً : قولهعليه‌السلام قبل قتاله الفرق الثلاث : ( أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ) والمقصود من هؤلاء هم أصحاب الجمل وأصحاب معاوية وخوارج النهروان ، الذين قاتلهم في الجمل وصفين والنهروان ، فقاتلهمعليه‌السلام وكان الأمر كما أخبر بهعليه‌السلام (٣) .

رابعاً : إخباره بملك معاوية من بعده ، وإخباره بعدّة الجيش الوارد إليه من الكوفة لما شخص لحرب البصرة ، وإخباره بمَن يقتل من أصحابه أو يصلب ، وإخباره عن مقتل عبد الله بن الزبير ، وإخباره عن هلاك أهل

ـــــــــــــ

(١) مروج الذهب ، المسعودي : ج ٢ ص ٤٢٥ ، الكامل في التاريخ ، ابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٤٧ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١٩ ص ١١٩ .

(٢) ذخائر العقبى : ص ٩٧ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ١٨٦ ؛ وانظر شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٦٩ ـ ١٧١ .

(٣) النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج ٥ ص ١١٤ ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٧ ص ٣٨٨ ؛ جواهر المطالب في مناقب الإمام عليعليه‌السلام ، ابن الدمشقي : ج ٢ ص ٨١ .

٣٢٨

البصرة بالغرق ، وإخباره عن النفس الزكية ونحوها(١) .

خامساً : قال الحافظ الجويني في فرائد السمطين : ( الإمام الثامن [ علي بن موسى الرضا ] مظهر خفيات الأسرار ، ومبرز خبيات الأمور والواقف على غوامض السر المكتوم والمخبر بما هو آتٍ وعمّا غبر ومضى والمرضي عند الله )(٢) .

هل الاعتقاد بعلم النبي وأهل بيته بالغيب غلو ؟

عرّفوا الغلو : بأنّه مجاوزة الحد ، يقال غلا فلان في الدين غلوّاً تشدّد حتى تجاوز الحد(٣) ، وكل مَن تجاوز حد الاعتدال وغلا ، يصح لُغوياً تسميته بالمتطرّف ، جاء في المعجم الوسيط في معنى تطرف ( تجاوز حد الاعتدال ولم يتوسط )(٤) .

وقد عرّف ابن تيمية الغلو شرعاً ( بأنّه مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء في حمده أو ذمّه على ما يستحق )(٥) .

وجاء في فتح الباري : ( إذ إنّ الغلو هو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد )(٦) .

وبذلك تبين أنّ الغلو هو تجاوز الحد الذي حدده الله تعالى ورسوله للشيء ، فالمغالي هو الذي يتجاوز ما حدده الله ورسوله لذلك الشيء اتّباعاً للهوى ، وخروجاً عن الحق إلى الباطل ، بحيث يصفه بوصف لم يسبق أن يصفه الله ورسوله به من غير دليلٍ عقلي عليه .

ـــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة : ج ٧ ص ٤٧ ـ ٤٩ .

(٢) فرائد السمطين : ج ٢ ص ١٨٧ .

(٣) انظر : الصحاح للجوهري مادة (غلا) واللسان لابن منظور (غلو) .

(٤) المعجم الوسيط : مادة (طرف) .

(٥) اقتضاء الصراط المستقيم ، ابن تيمية : ج ١ ص ١٠٦ .

(٦) فتح الباري ، ابن حجر : ج ١٣ ص ٢٣٤ .

٣٢٩

وعلى ضوء ما سلف هل يمكن إطلاق الغلو على مَن قال : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر بالمغيبات كما تقدم إثبات ذلك ؟ وهل من الغلو أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلم وأفضل الأنبياء السابقين ؟ وهل من الغلو أن نقول : إنّ الله تعالى اصطفاه واختاره ؟

وهل من الغلو أن نقول : إنّ علم أهل البيت من علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورّثهم إيّاه كما ثبت ذلك في جملة من الروايات المتضافرة ؟

هل تعظيم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته من الغلو ؟

ولكي تكون الإجابة واضحة بعيدة عن الملابسات ، ينبغي أن نعرض هذا السؤال على الشريعة الإسلامية :

وبدءاً نقول : إنّ الذي نلمسه من الشريعة هو أنّه ليس كل تعظيم وإكبار واحترام يكون تأليهاً للشخص المعظّم ، وغالباً ما نجد أنّ الأمر بتعظيم واحترام هذه المخلوقات مشفوع ببيان السبب من وراء ذلك التعظيم ، وهو أنّ نفس الإعظام والإكبار بأمر من الله لمخلوق معين هو طاعة لله تعالى وتعظيم له ، ومَن استكبر وأبى ورفض تعظيم مَن أمر الله تعالى بتعظيمه يُعدّ عصياناً لله تعالى وإنكاراً عليه .

وهذا ما يتجلّى واضحاً من أمر الله تعالى للملائكة بالسجود لآدم ، فهو إعظام لآدم بأمر منه تعالى ، وحاشا لله تعالى أن يشرك أحداً في كبريائه .

٣٣٠

إذن إعظام الملائكة لآدم إنّما هو إعظام لله تعالى ؛ لأنّه متسبّب عن أمره تعالى ، ولذا نجد أنّ الله جعل مصير إبليس مرهوناً بإعظام آدم والسجود له ، فرفض إبليس لإعظام آدم يعدّ استكباراً على الله تعالى ، كما هو صريح قوله تعالى :( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوْا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى‏ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (١) .

وهذا الأمر يكشف عن حقيقة مهمّة جدّاً على صعيد العقيدة أو الإيمان ، وهي أنّ تعظيم أولياء الله تعالى يعتبر طاعة وامتثالاً لأوامر الله عزّ وجلّ ، وما إبليس إلاّ مثل ضربة الله تعالى للذين ينكرون ذلك ؛ إذ لم يكن عصيان إبليس لربّه إنكاراً لتوحيده تعالى .

ومن هنا فإنّ الروايات المختلفة لدى الشيعة والسنّة تشير إلى أنّ كفر إبليس لم يكن كفر شرك كما تقدم ؛ لأنّه لم يعبد غير الله ، وإنّما كان جحوده واستكباره على الله عزّ وجلّ في توحيده في مقام الطاعة ، وقد ورد في بعض الروايات أنّه طلب من الله تعالى إعفاءه السجود لآدمعليه‌السلام ، وسوف يعبده لا نظير لها ، وكان الجواب من الحق تعالى هو : ( إنّي أُحب أن أطاع من حيث أريد )(٢) ، وفي رواية أخرى : ( إنّما أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تُريد )(٣) .

ومن موارد أمر الله تعالى بتعظيم مخلوقاته ، أمره تعالى بتعظيم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ورد ذلك في آيات عديدة :

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ٣٤ .

(٢) بحار الأنوار ، المجلسي : ج ٢ ص ٢٦٢ ، وج ١١ ص ٤٥ .

(٣) المصدر نفسه : ج ١١ ص ١٤١ .

٣٣١

منها : قوله تعالى :( لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) (١) ، وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية : تُعَزّروه : تجُلوه ، وقال المبرد : تُعزّروه : تبالغوا في تعظيمه(٢) .

ومنها : قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ * إِنّ الّذِينَ يَغُضّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتّقْوَى‏ لَهُم مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنّ الّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) (٣) .

وليست هذه الأوامر من الله تعالى إلاّ لبيان وجوب احترام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعظيمه ، وقد نقل القاضي عياض أنّ هذه الآية نزلت في محاورة كانت بين أبي بكر وعمر بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واختلاف جرى بينهما ، حتى ارتفعت أصواتهما(٤) ، فهنا يأمر الله تعالى بوجوب إعظام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوقيره ، وأن ترك الأدب بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤدّي إلى حبط العمل ، والخروج عن ربقة الإيمان ؛ ولذا ورد عن الفريقين أنّ الشاتم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الذي يستهزئ بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتل ، ويحكم عليه بالكفر .

ومنها : قوله تعالى : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرسُولِهِ وَاتّقُوا اللهَ إِنّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٥) وهذه الآية صريحة في وجوب التعظيم والخضوع بين يدي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) الفتح : ٩ .

(٢) انظر : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، القاضي عياض : ج ٢ ص ٣٥ ط بيروت ـ دار الفكر ، ١٤٠٩ هـ .

(٣) الحجرات : ٢ ـ ٤ .

(٤) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، القاضي عياض : ج ٢ ص ٣٦ .

(٥) الحجرات : ١ .

٣٣٢

ومنها : قوله تعالى :( لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً ) ونقل القاضي عياض أنّ معنى ذلك : أن لا تسابقوه بالكلام ، وتُغلظوا له بالخطاب ، ولا تنادوه باسمه نداء بعضكم بعضاً ، ولكن عظّموه ووقّروه بأشرف ما يحب أن ينادى به : يا رسول الله ، يا نبي الله(١) .

وقد بلغ الأمر في شدّة تعظيم الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهل البيتعليهم‌السلام أنّ مالك بن أنس قال : ( لقد كنت أرى جعفر بن محمد الصادق ، وكان كثير الدعابة والتبسّم ، فإذا ذكر عنده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اصفرّ ، وما رأيته يحدث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ على طهارة ، وقد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلاّ على ثلاث خصال : إمّا مصلّياً ، وإمّا صامتاً ، وإمّا يقرأ القرآن ، ولا يتكلّم فيما لا يعنيه ، وكان من العلماء والعبّاد الذين يخشون الله عزّ وجلّ)(٢) ، وكان مالك نفسه إذا ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتغيّر لونه(٣) ، إلى غير ذلك من إعظام المسلمين للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتبرّك به بما لا يسع المقام ذكره .

تعظيم أهل البيتعليهم‌السلام جذره قرآني

إنّ التعظيم الإلهي لأهل البيتعليهم‌السلام يمكن أن نلمسه من خلال عدّة إضاءات قرآنية في آيات متعددة كما في آية المباهلة التي أمر الله تعالى نبيّه فيها بأن يباهل النصارى بهؤلاء الخمسة ، فهمعليهم‌السلام شركاء للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إثبات أحقّية وصدق رسالتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذا آية التطهير :( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وآية المودّة :( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى‏ ) ونحوها .

ـــــــــــــ

(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، القاضي عياض : ج ٢ ص ٣٥ ـ ٣٦ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٢ ص ٤٢ .

(٣) المصدر نفسه : ج ٢ ص ٤٢ .

٣٣٣

إذن القرآن الكريم يعظم هؤلاء النخبة من البشر وهم الأئمّة المطهّرون .

فضلاً عن الروايات الكثيرة التي تعظّم أهل البيتعليهم‌السلام وتأمر المسلمين بذلك ، وإليك بعضها :

منها : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّي تارك فيكم ثقلين أوّلهما كتاب الله عزّ وجلّ فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثم قال :وأهل بيتي أذكّركم في أهل بيتي ، أذكّركم في أهل بيتي ، أذكّركم في أهل بيتي ) (١) ومن الواضح أن تكرارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قول :( أذكّركم في أهل بيتي ) ثلاث مرات يدل بوضوح على وجوب تعظيمهمعليهم‌السلام .

ومنها : ما أخرجه الخوارزمي في مناقبه عن أُمّ سلمة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لها : (قومي فافتحي له الباب ، فقالت : يا رسول الله من هذا الذي بلغ من خطره ما أفتح له الباب فأتلقاه بمعاصمي ، وقد نزلت فيّ آية في كتاب الله بالأمس ؟ فقال لها كالمغضب :إنّ طاعة الرسول طاعة [الله] ومَن عصى الرسول فقد عصى [الله] إنّ بالباب رجلاً ليس بالنزق ولا بالخرق ، يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، ففتحت له الباب ، فأخذ بعضادتي الباب

ـــــــــــــ

(١) صحيح مسلم ، مسلم : ج ٧ ص ١٢٣ ؛ مسند أحمد بن حنبل ، أحمد بن حنبل : ج ٤ ص ٣٦٧ ، وانظر : مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٥ ص ١٦٣ .

٣٣٤

حتى إذا لم يسمع حسّاً ولا حركة وصرت إلى خدري استأذن فدخل ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أتعرفينه ؟ قلت : نعم ، هذا علي بن أبي طالب ، قال :صدقت ، سحنته من سحنتي ، ولحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو عيبة علمي ، اسمعي واشهدي )(١) .

ومنها : قال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ، ولا تقصروا عنهم ، وإنّي سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني أن يردوا عليّ الحوض كهاتين ، وأشار بالمسبحتين ،ناصرهما إليّ ناصر ، وخاذلهما إليّ خاذل ، ووليهما إليّ والي ، وعدوهما لي عدو) (٢) .

ومنها : قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :(من حفظني في أهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهداً ) (٣) .

ومنها : قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( استوصوا بأهل بيتي خيراً ، فإنّي أخاصمكم عنهم غداً ، ومَن أكن خصمه أخصمه ، ومَن أخصمه دخل النار ) (٤) .

ومنها : عن ابن عمر قال : كان آخر ما تكلّم به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( اخلفوني في أهل بيتي ) (٥) .

ومنها : ما ورد في شرح نهج البلاغة عن أمير المؤمنين الإمام عليعليه‌السلام أنّه قال :( أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ،

ـــــــــــــ

(١) المناقب ، الخوارزمي : ص ٨٧ .

(٢) نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص ٢٣٤ .

(٣) ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص ١٨ .

(٤) المصدر نفسه : ص ١٨ .

(٥) المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٤ ص ١٥٧ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٥٠ .

٣٣٥

أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يُستعطى الهدى ويُستجلى العمى ، إنّ الأئمّة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم ) (١) .

ومنها : ما أخرجه الحاكم الحسكاني أنّ الحسن بن عليعليه‌السلام خطب الناس حين قُتل عليعليه‌السلام ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( وساق كلامه عليه السلام إلى أن قال :أيّها الناس مَن عرفني فقد عرفني ، ومَن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي ، وأنا ابن الوصي وأنا ابن البشير ، وأنا ابن النذير ، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودّتهم على كل مسلم ، فقال لنبيّه : ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى‏ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً ) ، فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت )(٢) .

ولا يخفى ما في هذه الروايات من دلالة واضحة وصريحة على عظمة ومكانة أهل البيتعليهم‌السلام ووجوب تعظيمهم وإكرامهم وتوقيرهم .

فلسفة هذا التعظيم

عند التأمّل في السرّ الذي يكمن وراء أمر الله بتعظيم بعض مخلوقاته ، وما هي الحقيقة التي تنضوي تحت هذا الأمر ؛ نجد أنّ هذا الأدب يصب في دائرة التوحيد ، بحيث إنّ الاعتقاد بالنبي والإمام وتوقيرهما وتعظيمها هو إعظام لله تعالى ، وتوحيد له عزّ وجلّ ، وهو عين طاعة الله تعالى وتوحيده ؛ لأنّه نابع عن الانقياد للأوامر الإلهية ، وهذا بنفسه يعد دليلاً عقلياً على وجوب إعظام الأنبياء لا سيّما خاصتهم ، وهو نبيّنا الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام بحدود ما أمرنا به الله تعالى .

ـــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٩ ص ٨٤ .

(٢) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ٢ ص ٢٠٦ ؛ وانظر : ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٣٨ .

٣٣٦

ومن هنا نجد أنّ استكبار إبليس ـ كما مرّ سابقاً ـ وعدم سجوده لآدمعليه‌السلام كان سبباً لخروجه من رحمة الله ، وموجباً لكفره ، قال تعالى :( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوْا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى‏ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (١) فعدم إعظامه واحترامه لآدمعليه‌السلام كان موجباً لحبط عمله وخروجه من رِبقة الإيمان بالله تعالى إلى الكفر .

وممّا تقدّم يتحصّل أنّ تعظيم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته بما وصفهم الباري عزّ وجلّ ليس من الغلو بشيء ، بل يُعدّ امتثالاً لما أمرنا به الله ورسوله .

أهل البيتعليهم‌السلام وظاهرة الغلو

لقد واجه أهل البيتعليهم‌السلام ظاهرة الغلو بقوّة وشدّة ، وعبّأوا كل إمكاناتهم وقدراتهم من أجل تقويض أركان الغلو ، معتبرين الغلو أحد أقسام الكفر الذي يجب محاربته ، ومحذّرين شيعتهم وأتباعهم من مغبّة الانخراط في مخاطر العقيدة الفاسدة ، وقد ورد في هذا السياق جملة من الأخبار منها :

ما جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( إيّاكم والغلو ، فإنّما أهلك مَن كان قبلكم الغلو في الدين ) (٢) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال :( بُني الكفر على أربع دعائم : الفسق والغلو

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ٣٤ .

(٢) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ١ ص ٢١٥ وص ٣٤٧ .

٣٣٧

والشك والشبهة ) (١) .

كذلك عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال :( لعن الله مَن قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، لعن الله مَن أزالنا من العبودية لله الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا ) (٢) .

وعن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام ، قال :( احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم ، فإنّ الغلاة شرّ خلق الله ، يصغرون عظمة الله ، ويدّعون الربوبية لعباد الله ، والله إنّ الغلاة شرّ من اليهود والنصارى والمجوس الذين أشركوا ) (٣) .

موقف علماء الشيعة من الغلاة

أمّا موقف ورأي علماء الشيعة في الغلاة ، فقد كان موقفاً ورأياً مستمدّاً من بيانات أهل البيتعليهم‌السلام ، حيث كان موقفاً يتّسم بالشدّة والرفض لمثل هذه الظواهر الفاسدة .

فعلى سبيل المثال نجد الشيخ المفيد وسم الغلاة بالكفّار الضلاّل ، حيث قال : ( والغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمّة من ذرّيته إلى الألوهية والنبوّة ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد ، وخرصوا عن القصد ، وهم ضلاّل كفّار حكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت الأئمّة عليهم

ـــــــــــــ

(١) أُصول الكافي ، الكليني : ج ٢ ص ٣٩١ .

(٢) بحار الأنوار ، المجلسي : ج ٢٥ ص ٢٩٧ .

(٣) الأمالي ، الطوسي : ص ٦٥٠ ح ١٣٤٩ / ١٢ .

٣٣٨

بالكفر والخروج عن الإسلام )(١) .

وقد وصف الشيخ الصدوق الغلاة بأنّهم شرّ من اليهود والنصارى والمجوس ، حيث قال : ( اعتقادنا في الغلاة والمفوضية أنّهم كفّار بالله تعالى ، وإنّهم شرّ من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ، ومن جميع أهل البدع والأهواء المعتلّة )(٢) .

أمّا الشيخ كاشف الغطاء فقد برّأ الأئمّةعليهم‌السلام والشيعة من هؤلاء الغلاة ، حيث قال : ( أمّا الشيعة الإمامية وأئمّتهم فيبرأون من تلك الفرق براءة التحريم )(٣) ، وقال أيضاً ( أما الشيعة الإمامية ويبرأون من تلك الفرق المقالات ويعدّونها من أشنع [ إشكالات ] الكفر والضلالات ، وليس دينهم إلاّ التوحيد المحض ، وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق )(٤) .

الخلاصة

١ ـ اتضح أنّ حقيقة وجوهر علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنخ علم خاص يفترق عن علوم سائر البشر التي تسمّى بالعلوم الحصولية .

وقد سجل القرآن الكريم هذه الحقيقة إلى جوار حقيقة أخرى ، شاطرت الروايات الشريفة القرآن في النصّ عليها ، وهي أفضلية نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كل الأنبياء ، وأنّه أعلمهم على الإطلاق .

٢ ـ وقد اتضح أيضاً أنّ علم الغيب وإن كان منحصراً بالله تعالى إلاّ أنّ هناك آيات عديدة تصرّح بأنّ الله تعالى يفيض هذا العلم على مَن ارتضى من عباده المنتجبين ، وعلى هذا الأسس يتضح أنّ علم الله بالغيب بنحو الاستقلال لا يشاركه فيه غيره ، أمّا علم الأنبياء فهو بالتبع ، أي بإرادة الله تعالى وعطائه لهم ، وقد تقدّمت عدّة شواهد قرآنية وروائية دلّت على علم الأنبياء بالغيب .

ـــــــــــــ

(١) تصحيح اعتقادات الإمامية ، المفيد : ص ١٣١ .

(٢) اعتقادات الإمامية ، الصدوق : ص ٩٧ .

(٣) أصل الشيعة وأُصولها ، كاشف الغطاء : ص ١٧٣ .

(٤) المصدر نفسه : ص ١٧٧ .

٣٣٩

٣ ـ كذلك ثبت أنّ علم أهل البيتعليهم‌السلام امتداد لعلوم النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّهم ورثته بروايات متضافرة ، فتكون حقيقة علمهمعليهم‌السلام هي من سنخ علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو سنخ علم إفاضي خاص يفيضه الله تعالى على بعض عباده .

٤ ـ ثبت أنّ الإمام هو خليفة الله تعالى في الأرض ، فلابد أن يتوفّر على علم خاص يؤهّله لأداء مسؤوليته ، وتمثيل الله تعالى في الأرض .

٥ ـ يتجلّى في عدة من الآيات أنّ علم الكتاب إرث للمصطفين المنتجبين من الله تعالى ، ولا ريب أنّ أهل البيتعليهم‌السلام ورثة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم الذين اصطفاهم واختارهم .

وإنّ هذه الوراثة أعمّ من كونه وراثة مادية ، أو وراثة نورية جعلها الله تعالى في صلب الأنبياء ، كما في قوله تعالى :

( أُولئِكَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِنَ النّبِيّينَ مِن ذُرّيّةِ آدَمَ وَمِمّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرّيّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى‏ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرّحْمنِ خَرّوا سُجّداً وَبُكِيّاً ) (١) .

ـــــــــــــ

(١) مريم : ٨٥ .

٣٤٠