الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية10%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214041 / تحميل: 8507
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً )(١) .

٥ ـ وفي رواية رابعة كذلك قالت : ( فاجتمعوا فجلّلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكساء كان عليه ثم قال :اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط ، قالت ، فقلت : يا رسول الله وأنا ؟ قالت : فو الله ما أنعم ، وقال :إنّك إلى خير )(٢) .

٦ ـ وفي رواية خامسة عن أُمّ سلمة أيضاً : ( بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي يوماً ، إذ قالت : الخادم إنّ فاطمة وعلياً بالسدة ، قالت: فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :قومي فتنحّي عن أهل بيتي )(٣) .

٧ ـ وفي رواية سادسة عن أم سلمة : ( قالت : إنّ هذه الآية نزلت في بيتي( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، قالت : وأنا جالسة على باب البيت ، فقلت يا رسول الله : ألست من أهل البيت ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّك إلى خير ، أنت من أزواج النبي ... )(٤) .

وهذه الروايات وغيرها صريحة في الدلالة على أنّ المراد بأهل البيت هم : علي وفاطمة والحسن والحسين وتسعة من أولاد الحسينعليهم‌السلام .

وممّا يزيد هذه الحقيقة تأكيداً ـ وهي أنّ أهل البيتعليهم‌السلام لديهم علم وحقيقة القرآن ـ قوله تعالى :( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاّ اللهُ وَالرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) ،

ـــــــــــــ

(١) تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٣ ؛ جامع البيان ، الطبري : ج ٢٢ ص ١١ ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ ص ١٠٣ .

(٢) تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٣ ؛ وانظر : المعجم الأوسط ، ج ٤ ص ١٣٤ ؛ وانظر : شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ ص ١٠٢ .

(٣) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٣ .

(٤) تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج ٣ ص ٤٦٦ .

٣٢١

وقد ورد عن أمير المؤمنين عليعليه‌السلام أنّه خطب الناس قائلاً :( أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ، أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يستعطى الهدى ، ويستجلى العمى إنّ الأئمة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم ) (١) .

إذن تبيّن من هذه الروايات أنّ علم الكتاب إنّما هو عند أهل البيتعليهم‌السلام بفضل الله تعالى واصطفائه لهم .

الروايات الخاصة في علم أهل البيتعليهم‌السلام

وأمّا على صعيد البحث الروائي فقد تواترت الروايات المؤكِّدة على أعلمية أهل البيتعليهم‌السلام ، فضلاً عن كونهم ورثة النبيعليهم‌السلام ، منها :

١ ـ علم الأنبياء عند أهل البيتعليهم‌السلام :

أخرج القندوزي الحنفي في الينابيع ، عن عمر بن أذينة عن جعفر الصادقعليه‌السلام قال : قال أمير المؤمنين :( ألا إنّ العلم الذي هبط به آدم عليه‌السلام من السماء إلى الأرض وجميع ما فضلّت به النبيّون إلى خاتم النبيّين في عترة خاتم النبيّين ) (٢) .

٢ ـ علم الكتاب كلّه عند أهل البيتعليهم‌السلام :

أخرج القندوزي الحنفي عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال : (علم الكتاب والله عندنا ، وما أُعطي وزير سليمان بن داود ، إنّما عنده حرف واحد من

ـــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة: ابن أبي الحديد : ج ٢ ص ٢٧، ج ٩ ص ٨٤؛ ينابيع المودة، القندوزي: ج ٣ ص ٢٩٣.

(٢) ينابيع المودة، القندوزي: ج ١ ص ٣٠٦ .

٣٢٢

الاسم الأعظم ، وعلم بعض الكتاب كان عنده ... وقال في عليعليه‌السلام ومن عنده علم الكتاب )(١) ، وعن الإمام عليعليه‌السلام أنّه قال :( ألا وإنّا أهل بيت من علم الله علمنا وبحكم الله حكمنا ) (٢) .

٣ ـ أُعطي أهل البيت سبعاً لم يعطها أحد قبلهم

أخرج ابن المغازلي عن عليعليه‌السلام قال :( قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أُعطينا أهل البيت سبعةً لم يُعطَها أحدٌ قبلنا ، ولا يُعطاها أحدٌ بعدنا : الصباحة والفصاحة والسماحة والشجاعة والحلم والعلم ) (٣) .

٤ ـ الإمام عليعليه‌السلام عيبة علم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

أخرج ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق عن ابن عباس قال :( علي عيبة علمي ) (٤) .

٥ ـ الإمام عليعليه‌السلام يعلم ظاهر القرآن وباطنه

أخرج القندوزي الحنفي في ينابيع المودّة عن ابن مسعود أنّه قال : ( نزل القرآن على سبعة أحرف له ظهر وبطن ، وأنّ عليّاًعليه‌السلام علم القرآن ظاهره وباطنه )(٥) .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٣٠٦ .

(٢) شرح نهج البلاغة : ج ١ ص ٢٧٦ ؛ جواهر المطالب : أحمد بن محمد الدمشقي الشافعي : ج ١ ص ٣٤٣ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٨٠ ؛ ج ٣ ص ٤٠٨ .

(٣) مناقب علي بن أبي طالبعليه‌السلام : ابن المغازلي ص ٢٩٥ ، ط ٢ .

(٤) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٣٨٥ ، وكذا جاء في الكامل : ج ٤ ص ١٠١ ؛ ميزان الاعتدال : ج ٢ ص ٣٢٧ ؛ فيظ القدير في شرح الجامع الصغير : ج ٤ ص ٤٦٩ .

(٥) ينابيع المودّة ، القندوزي ج ١ ص ٢١٥ ، ٢٢٣ ، ج ٣ ص ١٤٦ .

٣٢٣

هل أنّ أهل البيتعليهم‌السلام يعلمون الغيب ؟

إنّ جدلية العلم بالغيب من قبل الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيتعليهم‌السلام من الجدليات التي اتخذها المناوئون ذريعة للنيل من مذهب الشيعة الاثني عشرية ، وهذه الجدلية قائمة على مغالطة واضحة .

وجه المغالطة

محصّل ومنشأ هذه المغالطة وجود بعض الآيات القرآنية التي تنفي علم الغيب عن الأنبياء ، كما في الآية الكريمة :( مَا كُنتُ بِدْعاً مِنَ الرّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ ) (١) وكذا قوله تعالى :( قُل لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَكٌ ) ، وقوله تعالى :( قُل لاَ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعاً وَلاَ ضَرّاً إِلاّ مَا شَاءَ اللهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسّنِيَ السّوءُ ) (٢) .

إذن على ضوء هذه الآيات يتبين عدم اطّلاع الأنبياء مطلقاً على الغيب ، وأنّ علم الغيب مختص بالله تعالى .

والمغالطة المخبوءة في هذا الاستدلال هو أنّ المستدل بالآيات على نفي علم الغيب عن الأنبياء كما تقدّم اقتصر على بعض الآيات ، بل في آية واحدة اقتصر على صدر الآية وطرح ذيلها ، مع أنّ هذا الأسلوب من التعامل مع القرآن الكريم من الوقوف على آية واحدة فقط ، أو صدر آية وطرح ذيلها ، أو غض النظر عن الآيات الأخرى أسلوب يخالف حتى أسلوب المحاورات العرفية ؛ فإنّ المتكلم لا يصح نسبة الكلام إليه إلاّ بعد ملاحظة مجموع كلامه ، ولبيان ذلك نقول :

ـــــــــــــ

(١) الأحقاف : ٩ .

(٢) الأنعام: ٥٠ .

٣٢٤

إنّ صدر الآية وإن كان يحكي قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّه لا يعلم الغيب ، إلاّ أنّه ورد في ذيلها استثناء ـ وهو الذي أغفله المستشكل ـ وهو قوله تعالى :( إِلاّ مَا يُوحَى‏ إِلَيّ ) ، فالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يريد القول بأنّ علم بالغيب بنحو الاستقلال مختص بالله تعالى ولا يشاركه أحد في ذلك قط ، بل يستحيل أن يشاركه فيه أحد ، ولكن قد يفيض الله تعالى من علوم الغيب على بعض عباده كالأنبياء والمرسلين والأئمّةعليهم‌السلام ، ولا ينافي ذلك كونهمعليهم‌السلام مخلوقين ، فقراء إلى الله تعالى ، لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً إلاّ ما شاء الله ، وهذا لا ينافي استقلاله تعالى بعلم الغيب ، وهذا ما تكفلت ببيانه آيات كثيرة منها :

١ ـ قوله تعالى :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى‏ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضَى‏ مِن رّسُولٍ فَإِنّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) (١) .

٢ ـ قوله تعالى :( إِنّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى‏ نُوحٍ وَالنّبِيّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى‏ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسى‏ وَأَيّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمانَ وَآتَيْنَا دَاوُود زَبُوراً ) (٢) ، وقوله تعالى :( قُل لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللهِ وَلاَ أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلاَ أَقُولُ لَكُمْ إِنّي مَلَكٌ إِنْ أَتّبِعُ إِلاّ مَا يُوحَى‏ إِلَيّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى‏ وَالْبَصِيرُ أَفَلاَ تَتَفَكّرُونَ ) (٣) ، وقوله تعالى :( تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ مَا

ـــــــــــــ

(١) الجن: ٢٦ ـ ٢٧ .

(٢) النساء : ١٦٣ .

(٣) الأنعام : ٥٠ .

٣٢٥

كُنتَ تَعْلَمُهَا أَنتَ وَلاَ قَوْمُكَ مِن قَبْلِ هذَا فَاصْبِرْ إِنّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتّقِينَ ) (١) ، وغيرها هذه الآيات ممّا يشاركها في هذا المعنى ، من هنا قال الآلوسي في تفسيره للآية المباركة( قُل لا يَعْلَمُ مَن فِي السّماوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاّ اللهُ ) (٢) : ( لعلّ الحق أن يقال إنّ نفي علم الغيب عن غيره جلّ وعلا ، هو ما كان للشخص بذاته أي بلا واسطة في ثبوته لهم ، وما وقع للخواص ليس من هذا العلم المنفي في شيء ، وإنّما هو من الواجب عزّ وجلّ إفاضة منه عليهم بوجه من الوجوه ، فلا يقال إنّهم علموا بالغيب بذلك المعنى [ يعني الاستقلال ] ، فإنّ ذلك كفرٌ ، بل يقال إنّهم أظهروا وأطلعوا على الغيب )(٣) .

وهذا المعنى يلتقي مع ما أثر عن أهل البيتعليهم‌السلام ، فقد ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام أنّه قال :( يبسط لنا العلم فنعلم ، ويقبض عنّا فلا نعلم ) (٤) وهو عين معنى الآية ، هي قوله تعالى :( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى‏ غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاّ مَنِ ارْتَضَى‏ مِن رسُولٍ فَإِنّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً ) (٥) ولا شك أنّ الرسول هو المرتضى ، وأهل البيتعليهم‌السلام ورثته .

ـــــــــــــ

(١) هود : ٤٩ .

(٢) النمل : ٦٥ .

(٣) تفسير روح المعاني ، الآلوسي : ص ٩ .

(٤) أصول الكافي ، الكيني : ج ١ ص ٢٥٦ ، بصائر الدرجات ، الصفار : ص ٥٣٣ .

(٥) الجن : ٢٦ ـ ٢٧ .

٣٢٦

وحاصل ما تقدّم :

إنّ الآيات الدالة على اختصاص علم الغيب به سبحانه ، هو ما يليق بساحة الواجب الذي لا يشاركه فيه أحد ، وهو العلم الذاتي بالاستقلال والأصالة ، بل هذا النوع من العلم يمتنع أن يشاركه أحد فيه ؛ لاستلزامه الشرك وتعدد الواجب الغني ، فإطلاع غير الله تعالى إنما يكون بالتبع ، نظير قوله تعالى :( اللهُ يَتَوَفّى الأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) (١) الذي يكون ظاهراً في أنّ التوفّي منحصر بالله تعالى ، مع أنّه تعالى أسنده إلى ملك الموت في موارد ، وإلى رسله في موارد أخرى ، كما في قوله تعالى :( قُلْ يَتَوَفّاكُم مَلَكُ الْمَوْتِ الّذِي وُكّلَ بِكُمْ ثُمّ إِلَى‏ رَبّكُمْ تُرْجَعُونَ ) (٢) ، وقوله تعالى :( تَوَفّتْهُ رُسُلُنَا ) (٣) .

إذن لا إشكال في علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالغيب بإذن الله تعالى وفضله ، بل هنالك موارد لا يمكن التغاضي والتغافل عنها ، كالتي أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن بعضها بما يتعلّق بالمغيّبات ، كما تقدّمت الإشارة إليه .

أهل البيتعليهم‌السلام يعلمون الغيب

بعد أن تبيّن أنّ المراد بعلم الغيب الممتنع هو العلم بالأصالة والاستقلال ، وهو خاص بالله تعالى ، وأمّا العلم بالغيب بإذن الله تعالى وبمشيئته وبإفاضته على من يرتضيه فلا إشكال فيه ، يثبت على هذا الأساس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما يعلم الغيب بإذن الله تعالى ومشيئته .

ـــــــــــــ

(١) الزمر : ٤٢ .

(٢) السجدة : ١١ .

(٣) الأنعام : ٦١ .

٣٢٧

وعلى ضوء ما تقدّم من أنّ أهل البيت هم ورثة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ كما أشرنا إليه ـ يثبت علمهمعليهم‌السلام بالغيب بإنباء الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك ، وقد ورد في الأثر إخبار أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بالغيب في مواطن متعددة ، منها :

أوّلاً : إخبارهعليه‌السلام بقتل ( ذي الثدية ) من الخوارج وعدم عبور الخوارج النهر ، بعد أن قيل له قد عبروا(١) .

ثانياً : إخباره بمقتل ولده الحسينعليه‌السلام لما اجتاز أرض كربلاء ، حيث بكىعليه‌السلام وقال :( هاهنا ناخ ركابهم وهاهنا موضع رحالهم وها هنا مهراق دمائهم فتية من آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض ) (٢) .

ثالثاً : قولهعليه‌السلام قبل قتاله الفرق الثلاث : ( أمرت بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين ) والمقصود من هؤلاء هم أصحاب الجمل وأصحاب معاوية وخوارج النهروان ، الذين قاتلهم في الجمل وصفين والنهروان ، فقاتلهمعليه‌السلام وكان الأمر كما أخبر بهعليه‌السلام (٣) .

رابعاً : إخباره بملك معاوية من بعده ، وإخباره بعدّة الجيش الوارد إليه من الكوفة لما شخص لحرب البصرة ، وإخباره بمَن يقتل من أصحابه أو يصلب ، وإخباره عن مقتل عبد الله بن الزبير ، وإخباره عن هلاك أهل

ـــــــــــــ

(١) مروج الذهب ، المسعودي : ج ٢ ص ٤٢٥ ، الكامل في التاريخ ، ابن الأثير ، ج ٣ ص ٣٤٧ ، شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ١٩ ص ١١٩ .

(٢) ذخائر العقبى : ص ٩٧ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ١٨٦ ؛ وانظر شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٦٩ ـ ١٧١ .

(٣) النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج ٥ ص ١١٤ ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٧ ص ٣٨٨ ؛ جواهر المطالب في مناقب الإمام عليعليه‌السلام ، ابن الدمشقي : ج ٢ ص ٨١ .

٣٢٨

البصرة بالغرق ، وإخباره عن النفس الزكية ونحوها(١) .

خامساً : قال الحافظ الجويني في فرائد السمطين : ( الإمام الثامن [ علي بن موسى الرضا ] مظهر خفيات الأسرار ، ومبرز خبيات الأمور والواقف على غوامض السر المكتوم والمخبر بما هو آتٍ وعمّا غبر ومضى والمرضي عند الله )(٢) .

هل الاعتقاد بعلم النبي وأهل بيته بالغيب غلو ؟

عرّفوا الغلو : بأنّه مجاوزة الحد ، يقال غلا فلان في الدين غلوّاً تشدّد حتى تجاوز الحد(٣) ، وكل مَن تجاوز حد الاعتدال وغلا ، يصح لُغوياً تسميته بالمتطرّف ، جاء في المعجم الوسيط في معنى تطرف ( تجاوز حد الاعتدال ولم يتوسط )(٤) .

وقد عرّف ابن تيمية الغلو شرعاً ( بأنّه مجاوزة الحد بأن يزاد في الشيء في حمده أو ذمّه على ما يستحق )(٥) .

وجاء في فتح الباري : ( إذ إنّ الغلو هو المبالغة في الشيء والتشديد فيه بتجاوز الحد )(٦) .

وبذلك تبين أنّ الغلو هو تجاوز الحد الذي حدده الله تعالى ورسوله للشيء ، فالمغالي هو الذي يتجاوز ما حدده الله ورسوله لذلك الشيء اتّباعاً للهوى ، وخروجاً عن الحق إلى الباطل ، بحيث يصفه بوصف لم يسبق أن يصفه الله ورسوله به من غير دليلٍ عقلي عليه .

ـــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة : ج ٧ ص ٤٧ ـ ٤٩ .

(٢) فرائد السمطين : ج ٢ ص ١٨٧ .

(٣) انظر : الصحاح للجوهري مادة (غلا) واللسان لابن منظور (غلو) .

(٤) المعجم الوسيط : مادة (طرف) .

(٥) اقتضاء الصراط المستقيم ، ابن تيمية : ج ١ ص ١٠٦ .

(٦) فتح الباري ، ابن حجر : ج ١٣ ص ٢٣٤ .

٣٢٩

وعلى ضوء ما سلف هل يمكن إطلاق الغلو على مَن قال : إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبر بالمغيبات كما تقدم إثبات ذلك ؟ وهل من الغلو أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلم وأفضل الأنبياء السابقين ؟ وهل من الغلو أن نقول : إنّ الله تعالى اصطفاه واختاره ؟

وهل من الغلو أن نقول : إنّ علم أهل البيت من علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورّثهم إيّاه كما ثبت ذلك في جملة من الروايات المتضافرة ؟

هل تعظيم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته من الغلو ؟

ولكي تكون الإجابة واضحة بعيدة عن الملابسات ، ينبغي أن نعرض هذا السؤال على الشريعة الإسلامية :

وبدءاً نقول : إنّ الذي نلمسه من الشريعة هو أنّه ليس كل تعظيم وإكبار واحترام يكون تأليهاً للشخص المعظّم ، وغالباً ما نجد أنّ الأمر بتعظيم واحترام هذه المخلوقات مشفوع ببيان السبب من وراء ذلك التعظيم ، وهو أنّ نفس الإعظام والإكبار بأمر من الله لمخلوق معين هو طاعة لله تعالى وتعظيم له ، ومَن استكبر وأبى ورفض تعظيم مَن أمر الله تعالى بتعظيمه يُعدّ عصياناً لله تعالى وإنكاراً عليه .

وهذا ما يتجلّى واضحاً من أمر الله تعالى للملائكة بالسجود لآدم ، فهو إعظام لآدم بأمر منه تعالى ، وحاشا لله تعالى أن يشرك أحداً في كبريائه .

٣٣٠

إذن إعظام الملائكة لآدم إنّما هو إعظام لله تعالى ؛ لأنّه متسبّب عن أمره تعالى ، ولذا نجد أنّ الله جعل مصير إبليس مرهوناً بإعظام آدم والسجود له ، فرفض إبليس لإعظام آدم يعدّ استكباراً على الله تعالى ، كما هو صريح قوله تعالى :( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوْا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى‏ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (١) .

وهذا الأمر يكشف عن حقيقة مهمّة جدّاً على صعيد العقيدة أو الإيمان ، وهي أنّ تعظيم أولياء الله تعالى يعتبر طاعة وامتثالاً لأوامر الله عزّ وجلّ ، وما إبليس إلاّ مثل ضربة الله تعالى للذين ينكرون ذلك ؛ إذ لم يكن عصيان إبليس لربّه إنكاراً لتوحيده تعالى .

ومن هنا فإنّ الروايات المختلفة لدى الشيعة والسنّة تشير إلى أنّ كفر إبليس لم يكن كفر شرك كما تقدم ؛ لأنّه لم يعبد غير الله ، وإنّما كان جحوده واستكباره على الله عزّ وجلّ في توحيده في مقام الطاعة ، وقد ورد في بعض الروايات أنّه طلب من الله تعالى إعفاءه السجود لآدمعليه‌السلام ، وسوف يعبده لا نظير لها ، وكان الجواب من الحق تعالى هو : ( إنّي أُحب أن أطاع من حيث أريد )(٢) ، وفي رواية أخرى : ( إنّما أريد أن أعبد من حيث أريد لا من حيث تُريد )(٣) .

ومن موارد أمر الله تعالى بتعظيم مخلوقاته ، أمره تعالى بتعظيم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد ورد ذلك في آيات عديدة :

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ٣٤ .

(٢) بحار الأنوار ، المجلسي : ج ٢ ص ٢٦٢ ، وج ١١ ص ٤٥ .

(٣) المصدر نفسه : ج ١١ ص ١٤١ .

٣٣١

منها : قوله تعالى :( لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) (١) ، وقال ابن عباس في تفسير هذه الآية : تُعَزّروه : تجُلوه ، وقال المبرد : تُعزّروه : تبالغوا في تعظيمه(٢) .

ومنها : قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النّبِيّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ * إِنّ الّذِينَ يَغُضّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتّقْوَى‏ لَهُم مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ * إِنّ الّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ) (٣) .

وليست هذه الأوامر من الله تعالى إلاّ لبيان وجوب احترام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتعظيمه ، وقد نقل القاضي عياض أنّ هذه الآية نزلت في محاورة كانت بين أبي بكر وعمر بين يدي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واختلاف جرى بينهما ، حتى ارتفعت أصواتهما(٤) ، فهنا يأمر الله تعالى بوجوب إعظام النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتوقيره ، وأن ترك الأدب بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يؤدّي إلى حبط العمل ، والخروج عن ربقة الإيمان ؛ ولذا ورد عن الفريقين أنّ الشاتم للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو الذي يستهزئ بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقتل ، ويحكم عليه بالكفر .

ومنها : قوله تعالى : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرسُولِهِ وَاتّقُوا اللهَ إِنّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٥) وهذه الآية صريحة في وجوب التعظيم والخضوع بين يدي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) الفتح : ٩ .

(٢) انظر : الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، القاضي عياض : ج ٢ ص ٣٥ ط بيروت ـ دار الفكر ، ١٤٠٩ هـ .

(٣) الحجرات : ٢ ـ ٤ .

(٤) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، القاضي عياض : ج ٢ ص ٣٦ .

(٥) الحجرات : ١ .

٣٣٢

ومنها : قوله تعالى :( لاَ تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم بَعْضاً ) ونقل القاضي عياض أنّ معنى ذلك : أن لا تسابقوه بالكلام ، وتُغلظوا له بالخطاب ، ولا تنادوه باسمه نداء بعضكم بعضاً ، ولكن عظّموه ووقّروه بأشرف ما يحب أن ينادى به : يا رسول الله ، يا نبي الله(١) .

وقد بلغ الأمر في شدّة تعظيم الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أهل البيتعليهم‌السلام أنّ مالك بن أنس قال : ( لقد كنت أرى جعفر بن محمد الصادق ، وكان كثير الدعابة والتبسّم ، فإذا ذكر عنده النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اصفرّ ، وما رأيته يحدث عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ على طهارة ، وقد اختلفت إليه زماناً فما كنت أراه إلاّ على ثلاث خصال : إمّا مصلّياً ، وإمّا صامتاً ، وإمّا يقرأ القرآن ، ولا يتكلّم فيما لا يعنيه ، وكان من العلماء والعبّاد الذين يخشون الله عزّ وجلّ)(٢) ، وكان مالك نفسه إذا ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتغيّر لونه(٣) ، إلى غير ذلك من إعظام المسلمين للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتبرّك به بما لا يسع المقام ذكره .

تعظيم أهل البيتعليهم‌السلام جذره قرآني

إنّ التعظيم الإلهي لأهل البيتعليهم‌السلام يمكن أن نلمسه من خلال عدّة إضاءات قرآنية في آيات متعددة كما في آية المباهلة التي أمر الله تعالى نبيّه فيها بأن يباهل النصارى بهؤلاء الخمسة ، فهمعليهم‌السلام شركاء للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في إثبات أحقّية وصدق رسالتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكذا آية التطهير :( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وآية المودّة :( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى‏ ) ونحوها .

ـــــــــــــ

(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ، القاضي عياض : ج ٢ ص ٣٥ ـ ٣٦ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٢ ص ٤٢ .

(٣) المصدر نفسه : ج ٢ ص ٤٢ .

٣٣٣

إذن القرآن الكريم يعظم هؤلاء النخبة من البشر وهم الأئمّة المطهّرون .

فضلاً عن الروايات الكثيرة التي تعظّم أهل البيتعليهم‌السلام وتأمر المسلمين بذلك ، وإليك بعضها :

منها : قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّي تارك فيكم ثقلين أوّلهما كتاب الله عزّ وجلّ فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثم قال :وأهل بيتي أذكّركم في أهل بيتي ، أذكّركم في أهل بيتي ، أذكّركم في أهل بيتي ) (١) ومن الواضح أن تكرارهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من قول :( أذكّركم في أهل بيتي ) ثلاث مرات يدل بوضوح على وجوب تعظيمهمعليهم‌السلام .

ومنها : ما أخرجه الخوارزمي في مناقبه عن أُمّ سلمة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لها : (قومي فافتحي له الباب ، فقالت : يا رسول الله من هذا الذي بلغ من خطره ما أفتح له الباب فأتلقاه بمعاصمي ، وقد نزلت فيّ آية في كتاب الله بالأمس ؟ فقال لها كالمغضب :إنّ طاعة الرسول طاعة [الله] ومَن عصى الرسول فقد عصى [الله] إنّ بالباب رجلاً ليس بالنزق ولا بالخرق ، يحب الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله ، ففتحت له الباب ، فأخذ بعضادتي الباب

ـــــــــــــ

(١) صحيح مسلم ، مسلم : ج ٧ ص ١٢٣ ؛ مسند أحمد بن حنبل ، أحمد بن حنبل : ج ٤ ص ٣٦٧ ، وانظر : مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٥ ص ١٦٣ .

٣٣٤

حتى إذا لم يسمع حسّاً ولا حركة وصرت إلى خدري استأذن فدخل ، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أتعرفينه ؟ قلت : نعم ، هذا علي بن أبي طالب ، قال :صدقت ، سحنته من سحنتي ، ولحمه من لحمي ، ودمه من دمي ، وهو عيبة علمي ، اسمعي واشهدي )(١) .

ومنها : قال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ، ولا تقصروا عنهم ، وإنّي سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني أن يردوا عليّ الحوض كهاتين ، وأشار بالمسبحتين ،ناصرهما إليّ ناصر ، وخاذلهما إليّ خاذل ، ووليهما إليّ والي ، وعدوهما لي عدو) (٢) .

ومنها : قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :(من حفظني في أهل بيتي فقد اتخذ عند الله عهداً ) (٣) .

ومنها : قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( استوصوا بأهل بيتي خيراً ، فإنّي أخاصمكم عنهم غداً ، ومَن أكن خصمه أخصمه ، ومَن أخصمه دخل النار ) (٤) .

ومنها : عن ابن عمر قال : كان آخر ما تكلّم به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( اخلفوني في أهل بيتي ) (٥) .

ومنها : ما ورد في شرح نهج البلاغة عن أمير المؤمنين الإمام عليعليه‌السلام أنّه قال :( أين الذين زعموا أنّهم الراسخون في العلم دوننا ، كذباً وبغياً علينا ،

ـــــــــــــ

(١) المناقب ، الخوارزمي : ص ٨٧ .

(٢) نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص ٢٣٤ .

(٣) ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص ١٨ .

(٤) المصدر نفسه : ص ١٨ .

(٥) المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٤ ص ١٥٧ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٥٠ .

٣٣٥

أن رفعنا الله ووضعهم ، وأعطانا وحرمهم ، وأدخلنا وأخرجهم ، بنا يُستعطى الهدى ويُستجلى العمى ، إنّ الأئمّة من قريش ، غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ، ولا تصلح الولاة من غيرهم ) (١) .

ومنها : ما أخرجه الحاكم الحسكاني أنّ الحسن بن عليعليه‌السلام خطب الناس حين قُتل عليعليه‌السلام ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : ( وساق كلامه عليه السلام إلى أن قال :أيّها الناس مَن عرفني فقد عرفني ، ومَن لم يعرفني فأنا الحسن بن علي ، وأنا ابن الوصي وأنا ابن البشير ، وأنا ابن النذير ، وأنا ابن الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير ، وأنا من أهل البيت الذين افترض الله مودّتهم على كل مسلم ، فقال لنبيّه : ( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى‏ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً ) ، فاقتراف الحسنة مودّتنا أهل البيت )(٢) .

ولا يخفى ما في هذه الروايات من دلالة واضحة وصريحة على عظمة ومكانة أهل البيتعليهم‌السلام ووجوب تعظيمهم وإكرامهم وتوقيرهم .

فلسفة هذا التعظيم

عند التأمّل في السرّ الذي يكمن وراء أمر الله بتعظيم بعض مخلوقاته ، وما هي الحقيقة التي تنضوي تحت هذا الأمر ؛ نجد أنّ هذا الأدب يصب في دائرة التوحيد ، بحيث إنّ الاعتقاد بالنبي والإمام وتوقيرهما وتعظيمها هو إعظام لله تعالى ، وتوحيد له عزّ وجلّ ، وهو عين طاعة الله تعالى وتوحيده ؛ لأنّه نابع عن الانقياد للأوامر الإلهية ، وهذا بنفسه يعد دليلاً عقلياً على وجوب إعظام الأنبياء لا سيّما خاصتهم ، وهو نبيّنا الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام بحدود ما أمرنا به الله تعالى .

ـــــــــــــ

(١) شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد : ج ٩ ص ٨٤ .

(٢) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ٢ ص ٢٠٦ ؛ وانظر : ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٣٨ .

٣٣٦

ومن هنا نجد أنّ استكبار إبليس ـ كما مرّ سابقاً ـ وعدم سجوده لآدمعليه‌السلام كان سبباً لخروجه من رحمة الله ، وموجباً لكفره ، قال تعالى :( وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوْا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبَى‏ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ) (١) فعدم إعظامه واحترامه لآدمعليه‌السلام كان موجباً لحبط عمله وخروجه من رِبقة الإيمان بالله تعالى إلى الكفر .

وممّا تقدّم يتحصّل أنّ تعظيم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته بما وصفهم الباري عزّ وجلّ ليس من الغلو بشيء ، بل يُعدّ امتثالاً لما أمرنا به الله ورسوله .

أهل البيتعليهم‌السلام وظاهرة الغلو

لقد واجه أهل البيتعليهم‌السلام ظاهرة الغلو بقوّة وشدّة ، وعبّأوا كل إمكاناتهم وقدراتهم من أجل تقويض أركان الغلو ، معتبرين الغلو أحد أقسام الكفر الذي يجب محاربته ، ومحذّرين شيعتهم وأتباعهم من مغبّة الانخراط في مخاطر العقيدة الفاسدة ، وقد ورد في هذا السياق جملة من الأخبار منها :

ما جاء عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :( إيّاكم والغلو ، فإنّما أهلك مَن كان قبلكم الغلو في الدين ) (٢) .

وعن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال :( بُني الكفر على أربع دعائم : الفسق والغلو

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ٣٤ .

(٢) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ١ ص ٢١٥ وص ٣٤٧ .

٣٣٧

والشك والشبهة ) (١) .

كذلك عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال :( لعن الله مَن قال فينا ما لا نقوله في أنفسنا ، لعن الله مَن أزالنا من العبودية لله الذي خلقنا وإليه مآبنا ومعادنا وبيده نواصينا ) (٢) .

وعن الإمام جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام ، قال :( احذروا على شبابكم الغلاة لا يفسدونهم ، فإنّ الغلاة شرّ خلق الله ، يصغرون عظمة الله ، ويدّعون الربوبية لعباد الله ، والله إنّ الغلاة شرّ من اليهود والنصارى والمجوس الذين أشركوا ) (٣) .

موقف علماء الشيعة من الغلاة

أمّا موقف ورأي علماء الشيعة في الغلاة ، فقد كان موقفاً ورأياً مستمدّاً من بيانات أهل البيتعليهم‌السلام ، حيث كان موقفاً يتّسم بالشدّة والرفض لمثل هذه الظواهر الفاسدة .

فعلى سبيل المثال نجد الشيخ المفيد وسم الغلاة بالكفّار الضلاّل ، حيث قال : ( والغلاة من المتظاهرين بالإسلام هم الذين نسبوا أمير المؤمنين والأئمّة من ذرّيته إلى الألوهية والنبوّة ووصفوهم من الفضل في الدين والدنيا إلى ما تجاوزوا فيه الحد ، وخرصوا عن القصد ، وهم ضلاّل كفّار حكم فيهم أمير المؤمنين بالقتل والتحريق بالنار ، وقضت الأئمّة عليهم

ـــــــــــــ

(١) أُصول الكافي ، الكليني : ج ٢ ص ٣٩١ .

(٢) بحار الأنوار ، المجلسي : ج ٢٥ ص ٢٩٧ .

(٣) الأمالي ، الطوسي : ص ٦٥٠ ح ١٣٤٩ / ١٢ .

٣٣٨

بالكفر والخروج عن الإسلام )(١) .

وقد وصف الشيخ الصدوق الغلاة بأنّهم شرّ من اليهود والنصارى والمجوس ، حيث قال : ( اعتقادنا في الغلاة والمفوضية أنّهم كفّار بالله تعالى ، وإنّهم شرّ من اليهود والنصارى والمجوس والقدرية والحرورية ، ومن جميع أهل البدع والأهواء المعتلّة )(٢) .

أمّا الشيخ كاشف الغطاء فقد برّأ الأئمّةعليهم‌السلام والشيعة من هؤلاء الغلاة ، حيث قال : ( أمّا الشيعة الإمامية وأئمّتهم فيبرأون من تلك الفرق براءة التحريم )(٣) ، وقال أيضاً ( أما الشيعة الإمامية ويبرأون من تلك الفرق المقالات ويعدّونها من أشنع [ إشكالات ] الكفر والضلالات ، وليس دينهم إلاّ التوحيد المحض ، وتنزيه الخالق عن كل مشابهة للمخلوق )(٤) .

الخلاصة

١ ـ اتضح أنّ حقيقة وجوهر علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سنخ علم خاص يفترق عن علوم سائر البشر التي تسمّى بالعلوم الحصولية .

وقد سجل القرآن الكريم هذه الحقيقة إلى جوار حقيقة أخرى ، شاطرت الروايات الشريفة القرآن في النصّ عليها ، وهي أفضلية نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على كل الأنبياء ، وأنّه أعلمهم على الإطلاق .

٢ ـ وقد اتضح أيضاً أنّ علم الغيب وإن كان منحصراً بالله تعالى إلاّ أنّ هناك آيات عديدة تصرّح بأنّ الله تعالى يفيض هذا العلم على مَن ارتضى من عباده المنتجبين ، وعلى هذا الأسس يتضح أنّ علم الله بالغيب بنحو الاستقلال لا يشاركه فيه غيره ، أمّا علم الأنبياء فهو بالتبع ، أي بإرادة الله تعالى وعطائه لهم ، وقد تقدّمت عدّة شواهد قرآنية وروائية دلّت على علم الأنبياء بالغيب .

ـــــــــــــ

(١) تصحيح اعتقادات الإمامية ، المفيد : ص ١٣١ .

(٢) اعتقادات الإمامية ، الصدوق : ص ٩٧ .

(٣) أصل الشيعة وأُصولها ، كاشف الغطاء : ص ١٧٣ .

(٤) المصدر نفسه : ص ١٧٧ .

٣٣٩

٣ ـ كذلك ثبت أنّ علم أهل البيتعليهم‌السلام امتداد لعلوم النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّهم ورثته بروايات متضافرة ، فتكون حقيقة علمهمعليهم‌السلام هي من سنخ علم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو سنخ علم إفاضي خاص يفيضه الله تعالى على بعض عباده .

٤ ـ ثبت أنّ الإمام هو خليفة الله تعالى في الأرض ، فلابد أن يتوفّر على علم خاص يؤهّله لأداء مسؤوليته ، وتمثيل الله تعالى في الأرض .

٥ ـ يتجلّى في عدة من الآيات أنّ علم الكتاب إرث للمصطفين المنتجبين من الله تعالى ، ولا ريب أنّ أهل البيتعليهم‌السلام ورثة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهم الذين اصطفاهم واختارهم .

وإنّ هذه الوراثة أعمّ من كونه وراثة مادية ، أو وراثة نورية جعلها الله تعالى في صلب الأنبياء ، كما في قوله تعالى :

( أُولئِكَ الّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِنَ النّبِيّينَ مِن ذُرّيّةِ آدَمَ وَمِمّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرّيّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى‏ عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرّحْمنِ خَرّوا سُجّداً وَبُكِيّاً ) (١) .

ـــــــــــــ

(١) مريم : ٨٥ .

٣٤٠

٦ ـ إنّ الاصطفاء والاختيار الإلهي إنّما جاء وفقاً للعدالة الإلهية ، ووفقاً لقوله تعالى :( إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) (١) ، والسبب في ذلك هو أنّ الاصطفاء والاختيار ناشئ من علمه تعالى بحقائق الأشياء ، وأنّ علمه محيط بكل شيء ، فالله تعالى لعلمه السابق بما للمصطفين من قدرة على تحمّل المسؤولية ، وإرادتهم لذلك وانصهارهم في ذات الله تعالى ، اختارهم الله تعالى دون غيرهم من الناس ، وهذا منطق عقلائي يمارسه العقلاء في حياتهم اليومية .

٧ ـ إنّ الذرية من الآباء والأجداد من الأمور التي لها مدخلية وتأثير على شخصية الإنسان ومزاجه ، ولذا شاء الله تعالى أن يجعل هؤلاء الأنبياء والمرسلين والأئمّة المصطفين من ذرّية واحدة ، من أصلاب شامخة وأرحام مطهّرة ، وهذا ما نلمسه من أخبار الطينة الواردة في كتب الفريقين .

وذكرنا أنّ لظاهرة الاختيار والاصطفاء وجعلهم في ذرّية واحدة أبعاداً مهمة لها أثر كبير في حفظ الرسالة ، منها :

البعد التاريخي : حيث نجد أنّ اختيار الله للأوصياء يتركّز على أولئك المقرّبين للأنبياء من أقاربهم أو ذرّياتهم ، أو ممّن يرتبطون بالنبي والرسول ارتباطاً نَسَبيّاً .

البعد الرسالي :وهو ما يترتّب على الذرّية من تحقيق مصالح الرسالة ، وإعداد أفراد صالحين يتحمّلون أعباءها الثقيلة ؛ وذلك لأنّ عمر الرسول يكون أقصر من عمر الرسالة ، فتحتاج لمَن يقوم بأعبائها ومسؤولياتها ، وممّا لا شك فيه أنّ الإعداد الأفضل لا يتم إلاّ في داخل البيت الرسالي ومن الأفراد المقرّبين نَسَبيّاً من صاحب الرسالة .

ـــــــــــــ

(١) الحجرات : ١٣ .

٣٤١

٨ ـ إنّ أهل البيت هم ورثة الأنبياء ، واستدللنا على ذلك بأدلة متعددة .

٩ ـ أثبتنا في الجواب عن هذه الشبهة أعلمية أهل البيتعليهم‌السلام على سائر البشر ، كما في قوله تعالى :( قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) (١) ، ولا شك أنّ المراد بمَن عنده علم الكتاب هو ( الإمام علي بن أبي طالب ) كما في الروايات الواردة من طرق الفريقين .

١٠ ـ قلنا إنّ حقيقة علم الكتاب عبارة عن سنخ علم خاص ، يمنح لصاحبه القدرة على التصرّف في الكون كما في تصرّف آصف بن برخيا ، حيث تمكّن من نقل عرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس بأقل من طرفة عين ، مع أنّه لم يكن عنده إلاّ بعض علم الكتاب ، كما هو مقتضى نص الآية المباركة :( قَالَ الّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (٢) .

١١ ـ بيّنا أيضاً اختصاص أهل البيت عليهم‌السلام بعلم الكتاب ، وهو ما تشير إليه بعض الآيات القرآنية ، كما في قوله تعالى : ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (٣) ، وقوله تعالى : ( وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ ) (٤) ، فالقرآن فيه تبيان كل شيء يحمله ثلّة مطهّرة من الأُمّة ، وهم أهل البيتعليهم‌السلام ، كما هو مقتضى حديث الثقلين .

ـــــــــــــ

(١) الرعد : ٤٣ .

(٢) النمل : ٤٠ .

(٣) النحل : ٨٩ .

(٤) العنكبوت : ٤٩ .

٣٤٢

مضافاً لقوله تعالى :( إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسّهُ إِلاّ الْمُطَهّرُونَ ) (١) ، وهذا يدلّنا على حقيقة مهمة وهي أنّ حقيقة وكنه القرآن لا يمكن أن يصلها إلاّ المطهّرون ، وهم أهل البيتعليهم‌السلام كما هو مقتضى جملة وافرة من الروايات .

أهل البيتعليهم‌السلام وعلمهم بالغيب

ذكرنا أنّ المراد بعلم الغيب هو علم خاص بالله تعالى بالأصالة والاستقلال ، ولا مانع من إفاضته على غيره من عباده فيعلمون الغيب بإرادته ومشيئته تعالى ، وهنالك روايات عديدة تشهد على أنّ أهل البيت أخبروا ببعض المغيّبات .

قلنا إنّ الغلو هو مجاوزة الحدّ الذي حدّد الله تعالى ورسوله ، وعلى هذا الأساس فلا يمكن إطلاق الغلو على مَن يعتقد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت يعلمون الغيب بإذن الله تعالى وتبعاً لإرادته ؛ لأنّه لا يعدّ تجاوزاً لحدود الله تعالى ، بل موافقاً لها طبقاً للآيات والروايات .

هل التعظيم للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته غلو ؟

اتضح أنّ تعظيم الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام ليس من الغلو ؛ لأنّ احترام وتعظيم رسول الله وأهل بيتهعليهم‌السلام لا يعدّ تجاوزاً لحدود الله تعالى أبداً ؛ وذلك لأنّه تعالى هو الذي أمرنا بتعظيم رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته بنصّ القرآن الكريم والسنّة الشريفة .

أمّا فلسفة هذا التعظيم ، فهو أنّ الاحترام والتعظيم يعدّ من الأدب مع هذه الثلّة الطاهرة ، وتركه مع أمر الله به يوجب الكفر ، كما هو الحال بالنسبة لإبليس حيث أدّى به استكباره ، وعدم تعظيمه لنبي الله آدمعليه‌السلام ـ بعد الأمر الله بتعظيمه والسجود له ـ إلى حبط أعماله وخروجه من رِبقة الإيمان بالله تعالى .

هذا وقد واجه أهل البيتعليهم‌السلام ظاهرة الغلو بشدّة وقوّة وعبّأوا جهدهم من أجل تقويض أركانه ، معتبرين الغلو أحد أقسام الكفر الذي يجب محاربته ، وفي هذا المقام يوجد عدد وافر من الروايات الواردة عنهمعليهم‌السلام في التشديد والإنكار لهذه الظاهرة .

ـــــــــــــ

(١) الواقعة : ٧٧ ـ ٧٩ .

٣٤٣

ووقف علماء الشيعة موقفاً صارماً من الغلاة ، مستمدّين ذلك من توجيهات أهل البيتعليهم‌السلام في محاربة هذه الظاهرة .

ميزان قبول الأعمال

الشبهة :

الأعمال لا تُقبل إلاّ بولاية أهل البيتعليهم‌السلام .

الجواب :

تمهيد :

من المعالم البارزة في العقيدة الوهابية اتهام الكثير من الطوائف والمذاهب الإسلامية بالشرك والكفر ، وهذا أشهر من نار على علم .

وصاحب الشبهة يريد أن يتهم المذهب الشيعي بذلك الداء العضال الذي ابتلى به المذهب الوهابي ، فيقول : إنّ الشيعة يحكمون بكفر وهلاك جميع المسلمين ؛ لعدم قبول أعمالهم .

مع أنّ كتب علماء الشيعة قد صرّحت بإسلام مَن تشهد الشهادتين ، ولم يحكموا إلاّ بهلاك المبغض لقربى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم أهل البيتعليهم‌السلام تبعاً للآيات ، والروايات ؛ كما هو مفاد آية المودّة :( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى )

الولاية في نظر أعلام السنّة

لقد حكم أكثر مفسّري أهل السنّة بأنّ المودّة الواجبة هي عدم البغض مع درجة من درجات الحب ولو أدنى درجاتها ، ومع فقدانها يكون الشخص مجاهراً بالرد على الله ورسوله ، وهذا أيضاً ما يؤكّده حديث الثقلين المتواتر ، ولذا فإنّ جميع المسلمين هم من المحبّين لأهل البيتعليهم‌السلام ، وهذه هي أدنى درجات الولاية ، التي تحفظ للمسلم هويّته الإسلامية ، وترفع عنه حتمية الهلاك ، بخلاف المبغض الذي نصّت الروايات الكثيرة على هلاكه .

٣٤٤

قبول الأعمال بالولاية

أمّا الحقّانيّة والمقبولية التامّة للأعمال بالولاية ، فهو حالة طبيعية ومنهجية يستدعيها نفس تعدد المذاهب ، وكون هذا المذهب في قِبال مذهب آخر ، وهذا ما يقرّه علم المناهج قديماً وحديثاً ، فصاحب كل منهج وعقيدة يرى أنّ النتائج الصحيحة والمقبولة لابد أن تكون ضمن بوتقة المنهج العقيدي والرؤية الكونية التي يرى أنّها هي الحق ، فالمنظومة الاعتقادية الصحيحة هي التي تحتوي على أُسس وضروريات الاعتقاد ، وهي الكلم الطيب الذي يرتفع بالعمل وتكون الأعمال مقبولة بسببه ، وإلاّ فما هو سبب تعدد المذاهب الاعتقادية ؟ !! .

وهذا هو مضمون ما جاء متواتراً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من افتراق أُمّته على ثلاث وسبعين فرقة واحدة منها هي المحقّة(١) ، وقد جاء في صحيح مسلم :

ـــــــــــــ

(١) تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج١ ص٣٥٤ وج٢ ص١٤٨ وص٤٨٢ ؛ راجع تفسير القرطبي ، القرطبي : ج٢ ص٩ ، ج٤ ص١٦٠ ، ج٧ ص١٤١ ، ج١٢ ص١٢٩ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج١ ص٦ وص١٢٨ ؛ المستدرك على الصحيحين : ج١ ص١٢٨ ، وج٥ ص٨٣٢ قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وسنن الدارمي : ج٢ ص٣١٤ ، ج٨ ص٢٥١ ، وكتاب الأحاديث المختارة : ج٧ ص٩٠ ح٢٤٩٩ وح٢٥٠٠ وعبّر عن الأول بأنّ إسناده صحيح ، وعن الثاني أنّ إسناده حسن ، ومجمع الزوائد : ج١ ص١٨٩ وقال : إنّ رواته رواة الصحيح إلاّ واحد وقد وثّقه ؛ مصباح الزجاجة : ج٤ ص١٨٠ ، وسنن البيهقي ج١٠ ص٢٠٨ ، وسنن أبي داود ج٢ ص٣٩٠ ح٤٥٩٦ و٤٥٩٧ باب شرح السنّة ؛ مسند أحمد : ج٤ ص١٠٢ ، ومسند أبي يعلى ، أبو يعلى الموصلي : ج١٠ ص٣١٧ وص٥٠٢ ، ومسند الشامين ، الطبراني : ج٢ ص١٠٨ ؛ افتراق الأمة ، محمد بن إسماعيل الصنعاني : ص٤٨ ؛ المعجم الكبير ، ج٨ ص٢٧٣ وج١٨ ص٥١ وص٧٠ ؛ سنن الترمذي ، الترمذي : ج٤ ص١٣٤ ـ ١٣٥ ح٢٧٧٨ ح٢٧٧٩ باب افتراق هذه الأمة .

٣٤٥

 ( عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يكون في أُمّتي فرقتان فيخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق )(١) .

ونحن نعتقد أنّ الولاية الكاملة والحقّة ، التي أمر الله تعالى ورسوله بها ، من حب وطاعة وتسليم وانقياد ، هي ميزان قبول الأعمال بنحو الاستحقاق .

والولاية في أدنى درجاتها وهي المحبّة فقط ، وعدم البغض موجودة عند جميع المسلمين ، وأمّا من كان مبغضاً لأهل البيتعليهم‌السلام فلا يمكن الحكم بإسلامه لرفضه وردّه لصريح القرآن ، وتلك الولاية مقبولة بمقدار أن تحفظ للشخص إسلامه وتنجيه من حتمية الهلاك في النار ، ولابد أن لا يرتجى منها أن ترتقي إلى مستوى المقبولية التامة الناتجة عن الولاية الكاملة والصحيحة التي هي جزء من الأصول الاعتقادية بحسب اعتقادنا .

وهذا هو معنى ما جاء في بعض الروايات كما في الخصال ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن جده عن عليعليه‌السلام قال :( إن للجنّة ثمانية أبواب باب يدخل منه النبيّون والصدّيقون ، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون ، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا ، فلا أزال واقفاً على الصراط أدعو وأقول : ربّ سلّم شيعتي ومحبيّ وأنصاري ومن تولاّني في دار الدنيا ، فإذا النداء من بطنان العرش ، قد أُجيبت دعوتك وشفّعّت في شيعتك ، ويشفع كل رجل من شيعتي ومَن تولاّني ونصرني وحارب مَن حاربني بفعل أو

ـــــــــــــ

(١) صحيح مسلم ، النيسابوري : ج٣ ص١١٣ .

٣٤٦

قول في سبعين ألفاً من جيرانه وأقربائه ، وباب يدخل منه سائر المسلمين ممّن شهد أن لا إله إلاّ الله ، ولم يكن في قلبه مقدار ذرّة من بغضنا أهل البيت ) (١) .

إذن ، كما للولاية مراتب ودرجات أدناها الحب وعدم البغض ، كذلك قبول الأعمال له مراتب مختلفة بحسب اختلاف درجات الولاية ، فعامّة المسلمين الذين يحبّون أهل البيتعليهم‌السلام بمقتضى صريح آية المودّة ولا يبغضونهم ، لهم درجة من الولاية ودرجة من المقبولية ، وأدنى درجات المقبولية كونهم مسلمين وغير محكوم عليهم بحتمية الهلاك الأبدي في النار بخلاف المبغض والمحارب الذي جزمت الروايات بخروجه عن رِبقة الإسلام ، وهلاكه الأبدي .

روايات الولاية في الكتب السنّيّة

وقد جاء ذلك أيضاً في مجامع أحاديث أهل السنّة :

١ ـ أخرج الحاكم في المستدرك ، وابن حبان في صحيحه : عن عطية عن أبي سعيد قال : قتل قتيل بالمدينة على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصعد المنبر خطيباً ، وقال : ( والذي نفس محمد بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلاّ أكبّه الله عزّ وجلّ بالنار على وجهه ، رواه جماعة عن إسحاق ) (٢) ، قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص .

ـــــــــــــ

(١) الخصال : الشيخ الصدوق : ص٤٠٨ .

(٢) المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج٤ ص٣٥٢ ؛ ونحوه صحيح بن حبان ، ابن حبان : ج١٥ ص٤٣٥ ؛ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج١ ص٥٤٩ وص٥٥٠ ، ونحوه ترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام من تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ج١ ص١٤٩ ح١٨٣ ـ ط٢ وقد نقل روايات كثيرة بذلك المضمون فراجع .

٣٤٧

٢ ـ وأخرج الحاكم الحسكاني وغيره : عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا علي لو أنّ أُمّتي صاموا حتى صاروا كالأوتاد وصلّوا حتى صاروا كالحنايا ، ثمّ أبغضوك لأكبّهم الله على مناخرهم في النار ) . رواه جماعة من أصحابنا عن عثمان(١) .

٣ ـ وأيضاً عن جابر بن عبد الله وأنس بن مالك قالا : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا علي لو أنّ أُمّتي أبغضوك لأكبّهم الله على مناخرهم في النار ) (٢) .

٤ ـ وأيضاً عن أبي أمامة الباهلي ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ الله خلق الأنبياء من شجرٍ شتّى وخلقني وعليّ من شجرة واحدة ، فأنا أصلها ، وعلي فرعها ، والحسن والحسين ثمارها ، وأشياعنا أوراقها ، فمَن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومَن زاغ هوى ، ولو أنّ عابداً عبد الله ألف عام ، ثم ألف عام ، ثم ألف عام ، ثم لم يدرك محبتنا أهل البيت أكبّه الله على منخريه في النار ، ثم تلا( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) ) (٣) .

وهذه الروايات من طرقنا صحيحة ومتواترة ونؤمن بمضمونها ، هذا بالنسبة للمبغض .

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج١ ص٥٥٠ ؛ ونحوه ترجمة الإمام علي من تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج١ ص١٥٠ ح١٨٤.

(٢) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج١ ص٥٥١ .

(٣) المصدر نفسه : ج١ ص٥٥٤ ، والآية ٢٣ من سورة الشورى .

٣٤٨

رأي علماء الشيعة في قبول الأعمال

أمّا المحب غير المبغض لأهل البيتعليهم‌السلام ، فله درجة من المقبولية ، لكنّها لا تصل إلى حد ودرجة مقبولية الشيعي المتولّي الناصر لأهل البيتعليهم‌السلام ؛ وهذا هو مقتضى اعتقادنا بحقّانية مذهبنا ، وأنّ الولاية فيه معنى التولّي والنصرة والطاعة والاتّباع والتسليم لهمعليهم‌السلام ، وعلى طبق ذلك حكم محدّثونا وفقهاؤنا ومتكلّمونا .

قال المجلسيرحمه‌الله في البحار : ( وأمّا غير الشيعة الإمامية من المخالفين وسائر فرق الشيعة ممّن لم ينكر شيئاً من ضروريات دين الإسلام ، فهم فرقتان : إحداهما المتعصّبون المعاندون منهم ممّن قد تمّت عليهم الحجّة ، فهم في النار خالدون ، والأخرى المستضعفون منهم وهم الضعفاء العقول مثل النساء العاجزات ، والبُلّه وأمثالهم ومَن لم يتم عليه الحجّة ممّن يموت في زمان الفترة ، أو كان في موضع لم يأت إليه خبر الحجّة فهم المرجون لأمر الله ، إمّا يعذبهم وإمّا يتوب عليهم ، فيرجى لهم النجاة من النار )(١) وليس هذا إلاّ لدرجة من المقبولية لعدم البغض والعناد .

وذكر مراجعنا في كتبهم الفقهية : أنّ الإسلام هو الإقرار بوحدانية الله تعالى ونبوّة محمد وبما جاء به من عند الله تعالى ، فالكافر هو الذي لا يتديّن بذلك ، إمّا لعدم اعتقاده بدين أصلاً أو لتديّنه بدين غير الإسلام بالمعنى المذكور ، وأنّ إنكار الضروري من الدين إن رجع إلى عدم الإقرار به بعد العلم بإنزاله من قِبل الله تعالى أو إلى تكذيب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في

ـــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ، المجلسي : ج٨ ص٣٦٣ .

٣٤٩

تبليغه به بعد العلم بتبليغه له كان موجباً للكفر ، وإن رجع إلى عدم العلم بثبوته في الدين أو تبليغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يوجب الكفر ، كما إذا نشأ من الجهل بتحريمه ، أو من شبهة اعتقد معها عدم التحريم(١) .

وقال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء : فمَن اعتقد بالإمامة بالمعنى الذي ذكرناه فهو عندهم مؤمن بالمعنى الأخص وإذا اقتصر على ترك الأركان الأربعة فهو مسلم ، ومؤمن بالمعنى الأعم وتترتّب عليه جميع أحكام الإسلام من حرمة دمه وماله وعرضه ووجوب حفظه وحرمة غيبته ، وغير ذلك ، لا أنّه بعدم الاعتقاد يخرج عن كونه مسلماً ـ معاذ الله ـ نعم يظهر أثر التدين في منازل القرب والكرامة يوم القيامة ، أمّا في الدنيا فالمسلمون بأجمعهم سواء ، وبعضهم لبعض أكفاء ، وأمّا في الآخرة فلا شك أنّ المسلمين تتفاوت درجاتهم ومنازلهم ، حسب نيّاتهم وأعمالهم ، وأمر ذلك وعلمه إلى الله سبحانه ، ولا مسوّغ للبت به لأحد من الخلق(٢) .

والحاصل : هو تفاوت الولاية ودرجاتها وتفاوت المقبولية ودرجاتها إلاّ المبغضين المعاندين فهم لا خلاق لهم ، ولا يقام لهم يوم القيامة وزن ، وفي النار هم خالدون .

ولا تعجب من ذلك فإنّ هذا مقتضى تعدّد المذاهب واعتقاد الحقانية في واحد منها ؛ ولذا حكم البعض بكفر الشيعة الاثني عشرية ؛ لأنّهم لا يقدّمون الشيخين ، فضلاً عمّن يبغضهما ، كما جاء ذلك في صحيح سنن

ـــــــــــــ

(١) راجع كتبنا الفقهية في هذا المجال .

(٢) انظر : أصل الشيعة وأُصولها ، الشيخ كاشف الغطاء : ص٩٩ .

٣٥٠

أبي داود بتعليق الألباني (عن سفيان قال : مَن زعم أنّ عليّاً كان أحق بالولاية منهما فقد خطّأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار ، ولا أراه يرتفع له مع هذا عمل إلى السماء ) ، وقد صحّحه الألباني(١) .

فالمذهب الحق له الدرجات العالية من المقبولية ، والمذاهب الباطلة بحسب اعتقادنا على فرقتين كما ذكر المجلسي ، منهم مَن هو إلى جهنّم وبئس المصير ، ومنهم مَن يرجى لهم النجاة من النار ، وهذه درجة من المقبولية ، كما أسلفنا ، وهذا شيء وحقّانية المذهب شيء آخر .

فالشيعة إذن يقولون بإسلام جميع الطوائف إلاّ النواصب مع أنّ الوهّابية كفّروا الشيعة لكونهم شيعة !!

الخلاصة

١ ـ اعتماداً على القرآن وروايات نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يتبيّن أنّ الولاية لأهل البيتعليهم‌السلام واجبة على الجميع ، وأدنى درجاتها هي المحبّة .

٢ ـ صرّحت الروايات المتواترة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام من الهالكين ، ويكبّه الله على وجهه في نار جهنّم .

٣ ـ أمّا الذي ليس في قلبه ذرّة من بغض أهل البيتعليهم‌السلام ، وكان في قلبه درجة من درجات الولاية والمحبّة لأهل البيتعليهم‌السلام ، ولم يكن على المذهب الحق فهو المرجى لأمر الله تعالى .

ـــــــــــــ

(١) سنن أبي داود ، أبي داود : ج٣ ص١٢٦ .

٣٥١

الفهرست

مقدّمة الكتاب.. ٣

منهج البحث.. ٧

خطّة البحث.. ٧

الفصل الأوّل: هل الإمامة جعل إلهي ؟ ١١

الشبهة : ١١

الجواب : ١١

الإمامة جعل وعهد إلهي : ١٢

الإمامة غير النبوّة : ١٣

أهمّيّة الإمامة واستمرارها : ١٤

عصمة الإمام ١٦

دور الإمام في الأمة : ١٧

أقوال علماء السنّة في حق أهل البيت عليهم‌السلام.... ٢٠

الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام.... ٢٠

الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما‌السلام..... ٢٠

الإمام زين العابدين عليه‌السلام : ٢٢

الإمام الباقر عليه‌السلام : ٢٤

الإمام الصادق عليه‌السلام : ٢٧

الإمام الكاظم عليه‌السلام : ٣٠

الإمام الرضا عليه‌السلام : ٣٢

الإمام الجواد عليه‌السلام : ٣٣

الإمام الهادي عليه‌السلام : ٣٤

الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٧

تراث زاخر ٤٠

الخلاصة ٤١

٣٥٢

الإمامة في القرآن. ٤٣

الشبهة : ٤٣

الجواب : ٤٣

أوّلاً : القرآن ينصّ على الإمامة ٤٥

ثانياً : السنّة النبويّة تنصّ على الإمامة ٤٩

الخلاصة ٥٠

آية الولاية لا تختصّ بعلي عليه‌السلام.... ٥١

الشبهة : ٥١

الجواب : ٥١

أولاً : كثرة استعمال الجمع وإرادة المفرد في القرآن. ٥١

ثانيا : استعمال الجمع وإرادة المفرد سائغ في لغة العرب.. ٥٣

ثالثاً : الاعتراض المذكور يتنافى مع الروايات المتواترة ٥٣

رابعاً : الاعتراض غريب لهم يعهد من الصحابة ولا من التابعين. ٥٨

خامساً : جواب الزمخشري. ٥٨

الخلاصة ٥٩

آية الولاية لا تعني الأولى بالتصرّف.. ٦٠

الشبهة : ٦٠

الجواب : ٦٠

الاستدلال على المستوى اللغوي : ٦٠

الاستدلال على المستوى القرآني : ٦١

الاستدلال على المستوى الروائي : ٦٣

كيف تستدلّ الشيعة بشأن النزول ؟ ٦٧

الشبهة : ٦٧

الجواب : ٦٧

الخلاصة ٦٨

٣٥٣

المعروف أنّ عليّاً فقير فكيف يتصدّق ؟ ٦٨

الشبهة : ٦٨

الجواب : ٦٨

الخلاصة ٧٠

آية البلاغ تدلّ على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً ٧٠

الشبهة : ٧٠

الجواب : ٧٠

الخلاصة ٧٤

لا وجود لاسم علي في القرآن. ٧٥

الشبهة : ٧٥

تمهيد: ٧٦

الأُولى : القرآن تبيان لكل شيء ٧٦

الثانية : يجب اتباع ما أمر به الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٧٧

الجواب : ٨٠

أوّلاً : عدم ذكر الاسم لحكمة إلهيّة ٨٠

ثالثا : ذكر الوصف أبلغ في التأثير من ذكر الاسم. ٨١

رابعاً : ذكر علي في القرآن يدعو البعض لانتحال اسمه ٨٢

خامساً : لو ذُكر اسم علي لحذفه المنافقون. ٨٢

سادساً : ذكر الاسم لا يعني حسم النزاع. ٨٣

سابعاً : ذكر الاسم في القرآن داعية لاتهام الشيعة ٨٣

ثامناً : لا ينبغي التشكيك في إمامة علي عليه‌السلام.... ٨٤

الخلاصة ٨٤

آية التطهير لا تختصّ بأئمّة الشيعة ٨٦

الشبهة : ٨٦

الجواب : ٨٦

٣٥٤

الخلاصة ٩٦

الفصل الثاني: حديث الخلفاء الاثني عشر في كتب أهل السنّة ٩٧

مدخل. ٩٧

حديث الخلفاء الاثني عشر في كتب أهل السنّة ٩٩

الشبهة المطروحة حول الحديث.. ٩٩

وفي مقام الجواب عن هذه الشبهة نقول : ٩٩

حديث الاثني عشر في كتب أهل السنّة : ١٠٠

مَن هم الخلفاء الاثنا عشر ؟ ١٠٤

محاولات أهل السنّة في تفسير حديث الخلفاء ١٠٥

المحاولة الأُولى : لابن العربي. ١٠٥

المحاولة الثانية : لابن المهلب.. ١٠٦

المحاولة الثالثة : للسيوطي. ١٠٦

المحاولة الرابعة : لأبي الحسين ابن المنادي. ١٠٧

المحاولة الخامسة : للقاضي عياض.. ١٠٧

المحاولة السادسة : لابن الجوزي. ١٠٧

المحاولة السابعة : للبيهقي. ١٠٨

التفسير الواقعي لحديث الاثني عشر ١٠٩

جملة من الشواهد على المراد الواقعي. ١١٠

الأُمّة لم تجتمع على أهل البيت عليهم‌السلام.... ١٣١

الخلاصة ١٣٢

الفصل الثالث: غيبة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف) ١٣٤

الشبهة : ١٣٤

الجواب : ١٣٤

تمهيد : ١٣٤

هوية الغيبة ١٤١

٣٥٥

دوام الإمامة واستمرارها لطف إلهي. ١٤١

لو لا الحجّة لساخت الأرض بأهلها ١٤٣

الغيبة لطف إلهي. ١٤٥

حقيقة الغيبة : خفاء الهوية والعنوان لإخفاء الشخصية ١٤٦

ما الفائدة من الإمام الغائب ؟ ١٤٨

إدارة الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في زمن الغيبة ١٤٩

وجه التشابه بين الخضر عليه‌السلام والإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ١٥٢

قصّة الخضر ١٥٣

خصائص الحكم الإلهي. ١٥٦

دور الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في درء الفساد ١٦١

خلفيات وفوائد أُخرى للغيبة ١٦٤

أوّلاً : حفظ شخصية الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ١٦٤

ثانياً : التمحيص.. ١٦٨

ثالثاً : انكشاف عجز وبطلان الأطروحات الأخرى. ١٧٥

رابعاً : تجلّي مفهوم الانتظار في أحضان الغيبة ١٧٦

خامساً : عدم انقطاع سلسلة حجج الله في الأرض.. ١٧٩

سادساً : لكي لا تكون في عنقه بيعة لظالم. ١٨٠

سابعاً : الغيبة سرٌّ الهي. ١٨٣

دعوى المهدوية والسفارة ١٨٦

مدّعي المهدوية والسفارة في التاريخ الإسلامي. ١٨٦

الدليل على بطلان دعوى المهدوية والسفارة في عصر الغيبة الكبرى. ١٨٨

الفهم الصحيح لعلامات الظهور ١٩٠

الخلاصة ١٩١

الفصل الرابع: بطلان دعوى النص على خلافة أبي بكر ١٩٣

٣٥٦

الشبهة : ١٩٣

الجواب : ١٩٣

أوّلاً : الروايات الصحيحة وأقوال الصحابة الصريحة الدالة على عدم النص على أبي بكر : ١٩٣

ثانياً : إنكار علماء السنّة وجود نص دال على خلافة أبي بكر منها : ١٩٥

ثالثاً : الشواهد القطعية على عدم النص على أبي بكر ، منها : ١٩٨

رابعاً : معالم تحرك الحزب القرشي : ٢٠٤

خامساً : سياسات السلطة الحاكمة يكشف عن عدم الشرعية ٢١٦

الخلاصة ٢٢١

الفصل الخامس: عصيان الصحابة ٢٢٤

الشبهة : ٢٢٤

الجواب : ٢٢٤

خلفيات عدول بعض الصحابة عن وصيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٢٢٧

أوّلاً : الحرص على كرسي الزعامة ٢٢٧

ثانياً : دور المنافقين والذين في قلوبهم مرض.. ٢٢٨

ثالثاً : التنافس والنزاع بين القبائل. ٢٢٨

رابعاً : التناحر والتحاسد بين المهاجرين والأنصار ٢٣٢

خامساً : سياسة الإرهاب في السقيفة ٢٣٣

سادساً : مخالفات الصحابة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٢٣٤

١ ـ عصيان أوامر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٢٣٤

٢ ـ الفرار في معركة أحد. ٢٣٦

٣ ـ الفرار في يوم حنين. ٢٣٦

٤ ـ اعتراض الأصحاب على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديبية ٢٣٧

٥ ـ الإشفاق من التصدّق. ٢٣٨

٦ ـ عدم إنفاذ جيش أسامة ٢٣٩

٧ ـ الارتداد والانقلاب على الأعقاب.. ٢٣٩

٣٥٧

الخلاصة ٢٤٣

الفصل السادس: العصمة والغلو ٢٤٥

الشبهة : ٢٤٥

الجواب : ٢٤٥

منشأ العصمة : ٢٤٦

الدليل العقلي على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام.... ٢٥٠

الأدلة القرآنية على عصمة الأئمّة عليهم‌السلام.... ٢٥١

بيان الاستدلال : ٢٥١

والجواب عن ذلك بالبيان التالي : ٢٥٢

الأدلة الروائيّة ٢٥٧

أوّلاً : حديث الثقلين. ٢٥٧

دلالة الحديث على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام.... ٢٥٨

ثانياً : النص على العصمة والطهارة ٢٥٨

ثالثاً : طاعتهم طاعة لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٢٥٩

الخلاصة ٢٦٠

منشأ العصمة ٢٦٠

الدليل العقلي على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام.... ٢٦١

الأدلة القرآنية على عصمة الأئمّة عليهم‌السلام.... ٢٦١

الأدلة الروائية على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام.... ٢٦١

مقام الوصي. ٢٦٢

الشبهة : ٢٦٢

الجواب : ٢٦٢

أقوال علماء الشيعة ٢٦٤

الوحي انقطع بموت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٢٦٦

أقسام الوحي. ٢٦٧

٣٥٨

الخلاصة ٢٧٠

تأليه الإمام عند الشيعة ٢٧١

الشبهة : ٢٧١

الجواب : ٢٧١

مواقف علمائنا من الغلاة ٢٧٣

الخلاصة ٢٧٩

الولاية عند الشيعة أهمّ من التوحيد. ٢٨١

الشبهة : ٢٨١

الجواب : ٢٨١

أوّلاً : التوحيد أساس الدين. ٢٨١

ثانياً : ترابط أُصول الدين. ٢٨٣

ثالثاً : الولاية فرع التوحيد. ٢٨٤

الخلاصة ٢٨٥

علم أهل البيت عليهم‌السلام بالغيب غلو ٢٨٦

الشبهة : ٢٨٦

تمهيد : ٢٨٦

علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٢٨٦

والسؤال هو : ما هي حقيقة وجوهر علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ٢٨٧

أفضلية نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على سائر الأنبياء ٢٨٨

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلم الأنبياء على الإطلاق. ٢٩١

الأنبياء يعلمون الغيب.. ٢٩٢

شواهد من علم الأنبياء بالغيب.. ٢٩٣

إخبار نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالغيب.. ٢٩٤

علم أهل البيت عليهم‌السلام.... ٢٩٥

الدليل العقلي على علم الإمام ٢٩٦

٣٥٩

الأدلة القرآنية على علم الإمام ٢٩٨

دعوة النبي إبراهيم لذرّيته ٢٩٨

الإمامة في الذرّية سنّة قرآنية ٣٠٠

ما هو الاصطفاء ؟ ٣٠١

الاصطفاء والعدالة الإلهية ٣٠٢

الذرية الصالحة للأنبياء عناية إلهية ٣٠٣

تقلّبهم في الأرحام المطهّرة ٣٠٤

أبعاد أُخرى. ٣٠٤

أوّلاً : البعد التاريخي. ٣٠٥

ثانياً : البعد الرسالي. ٣٠٥

ما هي حقيقة وراثة الأنبياء ؟ ٣٠٦

أهل البيت عليهم‌السلام ورثة الأنبياء ٣٠٧

١ ـ الإمام علي وذرّيته عليهم‌السلام وارثو رسول الله. ٣٠٧

٢ ـ الأنبياء يقرّون بولاية على وذرّيته عليهم‌السلام.... ٣٠٩

٣ ـ أهل البيت عليهم‌السلام ورثة الكتاب.. ٣٠٩

أعلميّة أهل البيت في القرآن الكريم. ٣١١

حقيقة علم الكتاب.. ٣١٢

حدود علم الكتاب.. ٣١٣

مَن الذي عنده علم الكتاب ؟ ٣١٤

الإمام علي عليه‌السلام أحصى علم كلّ شيء ٣١٤

اختصاص أهل البيت عليهم‌السلام بعلم الكتاب.. ٣١٦

مَن هم المطهّرون ؟ ٣١٩

الروايات الخاصة في علم أهل البيت عليهم‌السلام.... ٣٢٢

١ ـ علم الأنبياء عند أهل البيت عليهم‌السلام : ٣٢٢

٢ ـ علم الكتاب كلّه عند أهل البيت عليهم‌السلام : ٣٢٢

٣٦٠

361