الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية10%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214106 / تحميل: 8508
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

سبب النّزول

ذكر المفسّرون والمحدّثون والمؤرّخون بصورة مفصّلة سبب نزول هذه الآيات ، وخلاصة ما ذكروه هي ما يلي :

كان في المدينة ثلاث قبائل من اليهود وهم : «بنو النضير» ، و «بنو قريظة» ، و «بنو قينقاع» ، ويذكر أنّهم لم يكونوا من أهل الحجاز أصلا ، وإنّما قدموا إليها واستقرّوا فيها ، وذلك لما قرءوه في كتبهم العقائدية من قرب ظهور نبي في أرض المدينة ، حيث كانوا بانتظار هذا الظهور العظيم.

وعند ما هاجر الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة عقد معهم حلفا بعدم تعرّض كلّ منهما للآخر ، إلّا أنّهم كلّما وجدوا فرصة مناسبة لم يألوا جهدا في نقض العهد.

ومن جملة ذلك أنّهم نقضوا العهد بعد غزوة احد ، التي وقعت في السنة الثالثة للهجرة.

فقد ذهب «كعب بن الأشرف» زعيم قبيلة «بني النضير» مع أربعين فارسا إلى مكّة ، وهنالك عقد مع قريش حلفا لقتال محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وجاء أبو سفيان مع أربعين شخصا ، وكعب بن الأشرف مع أربعين نفرا من اليهود ، ودخلا معا إلى المسجد الحرام ووثقوا العهد في حرم الكعبة ، فعلم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك عن طريق الوحي.

والمؤامرة الاخرى هي أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل يوما مع شيوخ الصحابة وكبارهم إلى حي بني النضير ، وذلك بحجّة استقراض مبلغ من المال منهم كديّة لقتيلين من طائفة بني عامر ، قتلهما (عمرو بن اميّة) أحد المسلمين ، وربّما كان الهدف من ذلك هو معرفة أخبار اليهود عن قرب حتّى لا يباغت المسلمون بذلك.

فبينما كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتحدّث مع كعب بن الأشرف إذ حيكت مؤامرة يهودية لاغتيال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنادى القوم : إنّكم لا تحصلون على هذا الرجل بمثل هذه الحالة وها هو قد جلس بالقرب من حائطكم ، فليذهب أحدكم إلى السطح ويرميه بحجر عظيم ويريحنا منه ، فقام «عمرو بن جحاش» وأبدى

١٦١

استعداده لتنفيذ الأمر ، وذهب إلى السطح لتنفيذ عمله الإجرامي ، إلّا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علم عن طريق الوحي بذلك ، فقفل راجعا إلى المدينة دون أن يتحدّث بحديث مع أصحابه ، إلّا أنّ الصحابة تصوّروا أنّ الرّسول سيعود مرّة اخرى ، ولمّا عرفوا فيما بعد أنّ الرّسول في المدينة عاد الصحابة إليها أيضا.

وهنا أصبح من المسلّم لدى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نقض اليهود للعهد ، فأعطى أمرا للاستعداد والتهيّؤ لقتالهم.

وجاء في بعض الروايات أيضا أنّ أحد شعراء بنو النضير هجا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بشعر يتضمّن مسّا بكرامة الرّسول وهذا دليل آخر لنقضهم العهد.

وبدأت خطّة المسلمين في مواجهة اليهود وكانت الخطوة الاولى أن أمر رسول الله (محمّد بن سلمة) أن يقتل كعب بن الأشرف زعيم اليهود ، إذ كانت له به معرفة ، وقد نفّذ هذا العمل بعد مقدّمات وقتله.

إنّ قتل كعب بن الأشرف أوجد هزّة وتخلخلا في صفوف اليهود ، عند ذلك أعطى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمرا للمسلمين أن يتحرّكوا لقتال هذه الفئة الباغية الناقضة للعهد.

وعند ما علم اليهود بهذا لجأوا إلى قلاعهم المحكمة وحصونهم القويّة ، وأحكموا الأبواب ، إلّا أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر أن تقلع أشجار النخيل القريبة من القلاع.

لقد أنجز هذا العمل لأسباب عدّة : منها أنّ حبّ اليهود لأموالهم قد يخرجهم من قلاعهم بعد رؤية تلف ممتلكاتهم ، وبالتالي يكون اشتباك المسلمين معهم مباشرة ، كما يوجد احتمال آخر ، وهو أنّ هذه الأشجار كانت تضايق المسلمين في مناوراتهم مع اليهود قرب قلاعهم وكان لا بدّ من أن تقلع.

وعلى كلّ حال ، فقد ارتفع صوت اليهود عند ما شعروا بالضيق ، وهم محاصرون في حصونهم فقالوا : يا محمّد ، لقد كنت تنهى عن هذا ، فما الذي حدا

١٦٢

بك لتأمر قومك بقطع نخيلنا؟

فنزلت الآية (٥) من الآيات محلّ البحث وبيّنت بأنّ هذا العمل هو أمر من اللهعزوجل .

واستمرّت المحاصرة لعدّة أيّام ، ومنعا لسفك الدماء اقترح رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليهم أن يتركوا ديارهم وأراضيهم ويرحلوا من المدينة ، فوافقوا على هذا وحملوا مقدارا من أموالهم تاركين القسم الآخر واستقرّ قسم منهم في «أذرعات الشام» ، وقليل منهم في «خيبر» ، وجماعة ثالثة في «الحيرة» ، وتركوا بقيّة أموالهم وأراضيهم وبساتينهم وبيوتهم بيد المسلمين بعد أن قاموا بتخريب ما يمكن لدى خروجهم منها.

وقد حدثت هذه الحادثة بعد غزوة (احد) بستّة أشهر ، إلّا أنّ آخرين قالوا : إنّها وقعت بعد غزوة بدر بستّة أشهر(١) .

* * *

التّفسير

نهاية مؤامرة يهود بني النضير :

بدأت هذه السورة بتنزيه وتسبيح الله وبيان عزّته وحكمته ، يقول سبحانه :( سَبَّحَ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

وهذه في الحقيقة مقدّمة لبيان قصّة يهود بني النضير ، أولئك الذين انحرفوا عن طريق التوحيد ومعرفة الله وصفاته ، وبالإضافة إلى كونهم مغرورين بإمكاناتهم وقدرتهم وعزّتهم ويتآمرون على الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

التسبيح العامّ الوارد في الآية لجميع موجودات الأرض والسماء ، أعمّ من

__________________

(١) مجمع البيان وتفسير علي بن إبراهيم وتفسير القرطبي ونور الثقلين (نهاية الآيات مورد البحث) مقتبس باختصار.

١٦٣

الملائكة والبشر والحيوانات والنباتات والجمادات يمكن أن يكون بلسان «القال» ويمكن أن يكون بلسان «حال» هذه المخلوقات حول دقّة النظام المثير للعجب لها في خلق كلّ ذرّة من ذرّات هذا الوجود ، وهو التسليم المطلق لله سبحانه والاعتراف بعلمه وقدرته وعظمته وحكمته.

ومن جهة اخرى فإنّ قسما من العلماء يعتقدون أنّ كلّ موجود في العالم له نصيب وقدر من العقل والإدراك والشعور ، بالرغم من أنّنا لم ندركه ولم نطلع عليه ، وبهذا الدليل فإنّ هذه المخلوقات تسبّح بلسانها ، بالرغم من أنّ آذاننا ليس لها القدرة على سماعها ، والعالم بأجمعه منشغل بحمد الله وتسبيحه وإن كنّا غير مطّلعين على ذلك.

الأولياء الذين فتحت لهم عين الغيب يتبادلون أسرار الوجود مع كلّ موجودات العالم ، ويسمعون نطق الماء والطين بصورة واضحة ، إذ أنّ هذا النطق محسوس من قبل أهل المعرفة. (وهناك شرح أكثر حول هذا الموضوع في تفسير الآية ٤٤ من سورة الإسراء).

وبعد بيان المقدّمة أعلاه نستعرض أبعاد قصّة يهود بني النضير في المدينة حيث يقول سبحانه :( هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ) .

«حشر» في الأصل تحريك جماعة وإخراجها من مقرّها إلى ميدان حرب وما إلى ذلك ، والمقصود منه هنا اجتماع وحركة المسلمين من المدينة إلى قلاع اليهود ، أو اجتماع اليهود لمحاربة المسلمين ، ولأنّ هذا أوّل اجتماع من نوعه فقد سمّي في القرآن الكريم بأوّل الحشر ، وهذه بحدّ ذاتها إشارة لطيفة إلى بداية المواجهة المقبلة مع يهود بني النضير ويهود خيبر وأمثالهم.

والعجيب أنّ جمعا من المفسّرين ذكروا احتمالات للآية لا تتناسب أبدا مع محتواها ، ومن جملتها أنّ المقصود بالحشر الأوّل ما يقع مقابل حشر يوم القيامة ،

١٦٤

وهو القيام من القبور إلى الحشر ، والأعجب من ذلك أنّ البعض أخذ هذه الآية دليلا على أنّ حشر يوم القيامة يقع في أرض الشام التي ابعد اليهود إليها ، وهذه الاحتمالات الضعيفة ربّما كان منشؤها من وجود كلمة «الحشر» ، في حين أنّ هذه الكلمة لم تكن تستعمل هذا بمعنى الحشر في القيامة ، بل تطلق على كلّ اجتماع وخروج إلى ميدان ما ، قال تعالى :( وَحُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَالطَّيْرِ ) (١) .

وكذلك ما ورد في الاجتماع العظيم لمشاهدة المحاججة التي خاضها موسىعليه‌السلام مع سحرة فرعون حيث يقول سبحانه :( وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى ) (٢) .

ويضيف البارئعزوجل :( ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللهِ ) لقد كانوا مغرورين وراضين عن أنفسهم إلى حدّ أنّهم اعتمدوا على حصونهم المنيعة ، وقدرتهم الماديّة الظاهرية. إنّ التعبير الذي ورد في الآية يوضّح لنا أنّ يهود بني النضير كانوا يتمتّعون بإمكانات واسعة وتجهيزات وعدد كثيرة في المدينة ، بحيث أنّهم لم يصدّقوا أنّهم سيغلبون بهذه السهولة ، وذلك ظنّ الآخرين أيضا.

ولأنّ الله سبحانه يريد أن يوضّح للجميع أن لا قوّة في الوجود تقاوم إرادته ، فإنّ إخراج اليهود من أراضيهم وديارهم بدون حرب ، هو دليل على قدرته سبحانه ، وتحدّ لليهود الذين ظنّوا أنّ حصونهم مانعتهم من الله.

ولذلك يضيف ـ استمرارا للبحث الذي ورد في الآية ـ قوله تعالى :( فَأَتاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ) نعم ، إنّ هذا الجيش غير المرئي هو جيش الخوف الذي يرسله الله تعالى في كثير من الحروب لمساعدة المؤمنين ، وقد خيّم على قلوبهم ، وسلب منهم قدرة

__________________

(١) النمل ، الآية ١٧.

(٢) سورة طه ، الآية ٥٩.

١٦٥

الحركة والمقاومة ، لقد جهّزوا وهيّئوا أنفسهم لقتال المهاجرين والأنصار غافلين عن إرادة الله تعالى ، حيث يرسل لهم جيشا من داخلهم ويجعلهم في مأزق حرج إلى حدّ ينهمكون فيه على تخريب بيوتهم بأيديهم وأيدي أعدائهم من المسلمين.

صحيح أنّ مقتل زعيمهم «كعب بن الأشرف» ـ قبل الهجوم على قلاعهم وحصونهم ـ كان سببا في إرباكهم واضطراب صفوفهم ، إلّا أنّ من الطبيعي أنّ مقصود الآية غير ما تصوّره بعض المفسّرين ، فإنّ ما حدث كان نوعا من الإمداد الإلهي للمسلمين الذين حصل لهم مرّات عديدة حين جهادهم ضدّ الكفّار والمشركين.

والطريف هنا أنّ المسلمين كانوا يخرّبون الحصون من الخارج ليدخلوا إلى عمق قلاعهم ، واليهود كانوا يخرّبونها من الداخل حتّى لا يقع شيء مفيد منها بأيدي المسلمين ، ونتيجة لهذا فقد عمّ الخراب التامّ جميع قلاعهم وحصونهم.

وذكرت لهذه الآية تفاسير اخرى أيضا منها : أنّ اليهود كانوا يخربونها من الداخل لينهزموا ، أمّا المسلمون فتخريبهم لها من الخارج ليظفروا باليهود ويجهّزوا عليهم (إلّا أنّ هذا الاحتمال مستبعد).

أو يقال إنّ لهذه الآية معنى كنائي ، وذلك كقولنا : إنّ الشخص الفلاني هدم بيته وحياته بيده ، يعني أنّه بسبب جهله وتعنّته دمّر حياته.

أو أنّ المقصود من تخريب اليهود لبعض البيوت ، هو من أجل إغلاق الأزقّة الموجودة داخل القلاع ومنع المسلمين من التقدّم ولكي لا يستطيعوا السكن فيها.

أو أنّهم هدموا قسما من البيوت داخل القلعة حتّى إذا ما تحوّلت الحرب إلى داخلها يكون هنا لك مكان كاف للمناورة والحرب.

أو أنّ مواد بناء بعض البيوت كان ثمينا فخرّبوها لكي يحملوا ما هو مناسب منها ، إلّا أنّ التّفسير الأوّل أنسب من الجميع.

وفي نهاية الآية ـ بعنوان استنتاج كلّي ـ يقول تعالى :( فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي

١٦٦

الْأَبْصارِ ) .

«اعتبروا» من مادّة (اعتبار) وفي الأصل مأخوذة من العبور ، أي العبور من شيء إلى شيء آخر ، ويقال لدمع العين «عبرة» بسبب عبور قطرات الدموع من العين ، وكذلك يقال (عبارة) لهذا السبب ، حيث أنّها تنقل المطالب والمفاهيم من شخص إلى آخر ، وإطلاق «تعبير المنام» على تفسير محتواه ، بسبب أنّه ينقل الإنسان من ظاهره إلى باطنه.

وبهذه المناسبة يقال للحوادث التي فيها دروس وعظات (عبر) لأنّها توضّح للإنسان سلسلة من التعاليم الكلية وتنقله من موضوع إلى آخر.

والتعبير بـ «اولي الأبصار» إشارة إلى الأشخاص الذين يتعاملون مع الحوادث بعين واقعية ويتوغلون إلى أعماقها.

كلمة (بصر) تقال دائما للعين الباصرة ، و «البصيرة» تقال للإدراك والوعي الداخلي(١) .

وفي الحقيقة أنّ «أولي الأبصار» هم أشخاص لهم القابلية على الاستفادة من (العبر) ، لذلك فإنّ القرآن الكريم يلفت نظرتهم للاستفادة من هذه الحادثة والاتّعاظ بها.

وممّا لا شكّ فيه أنّ المقصود من الإعتبار هو مقايسة الحوادث المتشابهة من خلال إعمال العقل ، كمقارنة حال الكفّار مع حال ناقضي العهد من يهود بني النضير ، إلّا أنّ هذه الجملة لا ترتبط أبدا بـ «القياسات الظنّية» التي يستفيد منها البعض في استنباط الأحكام الدينيّة.

والعجيب هنا أنّ بعض فقهاء أهل السنّة استفادوا من الآية أعلاه لإثبات هذا المقصود ، بالرغم من أنّ البعض الآخر لم يرتضوا ذلك.

__________________

(١) المفردات للراغب.

١٦٧

والخلاصة أنّ المقصود من العبرة والإعتبار في الآية أعلاه هو الانتقال المنطقي والقطعي من موضوع إلى آخر ، وليس العمل على أساس التصوّر والخيال.

وعلى كلّ حال فإنّ مصير طائفة «بني النضير» بتلك القدرة والعظمة والشوكة ، وبتلك الصورة من الاستحكامات القويّة ، صار موضع (عبرة) حيث أنّهم استسلموا لجماعة من المسلمين لا تقارن قوّاتها بقوّاتهم ، وبدون مواجهة مسلّحة ، بحيث كانوا يخرّبون بيوتهم بأيديهم وتركوا بقيّة أموالهم للمسلمين المحتاجين ، وتفرّقوا في بقاع عديدة من العالم ، في حين أنّ اليهود سكنوا في المدينة من أجل أن يدركوا النبي الموعود الذي ورد في كتبهم ، ويكونوا في الصفّ الأوّل من أعوانه كما ذكر المؤرّخون ذلك.

وبهذا الصدد نقرأ حديثا ورد عن الإمام الصادق حيث يقول : «كان أكثر عبادة أبي ذرّرحمه‌الله التفكّر والإعتبار»(١) .

ومع الأسف فإنّ كثير من الناس يفضّلون تجربة الشدائد والمحن والمصائب بأنفسهم ويذوقوا مرارة الخسائر شخصيّا ، ولا يعتبرون ولا يتّعظون بوضع الآخرين وما يواجهونه في أمثال هذه الموارد ، ويقول الإمام عليعليه‌السلام «السعيد من وعظ بغيره»(٢) .

وتضيف الآية اللاحقة( وَلَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا ) .

وبدون شكّ فإنّ الجلاء عن الوطن وترك قسم كبير من رؤوس الأموال التي جهدوا جهدا بليغا في الحصول عليها ، هو بحدّ ذاته أمر مؤلم لهم ، وبناء على هذا فإنّ مراد الآية أعلاه أنّه لو لم يحلّ بهم هذا العذاب ، فإنّ بانتظار هم عذابا آخر هو القتل أو الأسر بيد المسلمين إلّا أنّ الله سبحانه أراد لهم التيه في الأرض

__________________

(١) كتاب الخصال مطابق لنقل نور الثقلين ، ج ٥ ص ٢٧٤.

(٢) نهج البلاغة ، خطبة ٨٦.

١٦٨

والتشرّد في العالم ، لأنّ هذا أشدّ ألما وأسى على نفوسهم ، إذ كلّما تذكّروا أرضهم وديارهم ومزارعهم وبساتينهم التي أصبحت بيد المسلمين. وكيف أنّهم شردوا منها بسبب نقضهم العهد ومؤامراتهم ضدّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّ ألمهم وحزنهم ومتاعبهم تضاعف وخاصّة على المستوى النفسي.

نعم ، إنّ الله أراد لهذه الطائفة المغرورة والخائنة ، أن تبتلى بمثل هذا المصير البائس.

وكان هذا عذابا دنيويا لهم ، إلّا أنّ لهم جولة اخرى مع عذاب أشدّ وأخزى ، ذلك هو عذاب الآخرة ، حيث يضيف سبحانه في نهاية الآية( وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ ) .

هذه عاقبتهم في الدنيا والآخرة ، وهي درس بليغ لكلّ من أعرض عن الحقّ والعدل وركب هواه ، وغرّته الدنيا وأعماه حبّ ذاته.

وبما أنّ ذكر هذه الحادثة مضافا إلى تجسيد قدرة الله وصدق الدعوة المحمّدية ، فهي في نفس الوقت تمثّل إنذارا وتنبيها لكلّ من يروم القيام بأعمال مماثلة لفعل بني النضير ، لذا ففي الآية اللاحقة يرشدنا سبحانه إلى هذا المعنى :( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) (١) .

«شاقّوا» من مادّة (شقاق) وهي في الأصل بمعنى الشقّ والفصل بين شيئين ، وبما أنّ العدو يكون دائما في الطرف المقابل ، فإنّ كلمة (شقاق) تطلق على هذا العمل.

وجاء مضمون هذه الآية باختلاف جزئي جدّا في سورة الأنفال الآية ١٣ ، وذلك بعد غزوة بدر وانكسار شوكة المشركين ، والتي تبيّن عمومية محتواها من كلّ جهة ، في قوله تعالى :( ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ ، وَمَنْ يُشاقِقِ اللهَ وَرَسُولَهُ

__________________

(١) «من» شرطية وجزاؤها محذوف وتقديره : ومن يشاقق الله يعاقبه فإن الله شديد العقاب.

١٦٩

فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ ) .

والشيء الجدير بالملاحظة أنّ بداية الآية الكريمة طرحت مسألة العداء لله ورسوله ، إلّا أنّ الحديث في ذيل الآية اقتصر عن العداء لله سبحانه فقط ، وهو إشارة إلى أنّ العداء لرسول الله هو عداء لله أيضا.

والتعبير بـ( شَدِيدُ الْعِقابِ ) لا يتنافى مع كون الله «أرحم الراحمين» لأنّه في موضع العفو والرحمة فالله أرحم الراحمين ، وفي موضع العقاب والعذاب فإنّ الله هو أشدّ المعاقبين ، كما جاء ذلك في الدعاء : «وأيقنت أنّك أرحم الراحمين في موضع العفو والرحمة ، وأشدّ المعاقبين في موضع النكال والنقمة»(١) .

وفي الآية الأخيرة من الآيات مورد البحث نلاحظ جوابا على اعتراض يهود بني النضير على قطع المسلمين لنخيلهم ـ كما ورد في شأن النزول ـ بأمر من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لتهيئة ظروف أفضل لقتال بني النضير أو لزيادة حزنهم وألمهم ، فيضطرّوا للنزول من قلاعهم ومنازلة المسلمين خارج القلعة وقد أثار هذا العمل غضب اليهود وحنقهم ، فقالوا : يا محمّد ، ألم تكن الناهي عن مثل هذه الأعمال؟ فنزلت الآية الكريمة مبيّنة لهم أنّ ذلك من أمر الله سبحانه حيث يقول البارئ :( ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ ) (٢) ( وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ ) .

«لينة» من مادّة (لون) تقال لنوع جيّد من النخل ، وقال آخرون : إنّها من مادّة (لين) بمعنى الليونة التي تطلق على نوع من النخل ، والتي لها أغصان ليّنة قريبة من الأرض وثمارها ليّنة ولذيذة.

وتفسّر (ليّنة) أحيانا بألوان وأنواع مختلفة من شجر النخيل ، أو النخل الكريم ، والتي جميعها ترجع إلى شيء واحد تقريبا.

__________________

(١) دعاء الافتتاح (من أدعية شهر رمضان المبارك).

(٢) «ما» في الآية أعلاه شرطية وجزاؤها (فبإذن الله).

١٧٠

وعلى كلّ حال فإنّ قسما من المسلمين أقدموا على قطع بعض نخيل بني النضير ، في الوقت الذي خالف البعض الآخر ذلك ، وهنا نزلت الآية أعلاه وفصلت نزاعهم في هذا الموضوع(١) .

وقال البعض الآخر : إنّ الآية دالّة على عمل شخصين من الصحابة ، وقد كان أحدهم يقوم بقطع الجيّد من شجر النخل ليغضب اليهود ويخرجهم من قلاعهم ، والآخر يقوم بقطع الرديء من الأشجار كي يبقي ما هو جيّد ومفيد ، وحصل خلاف بينهم في ذلك ، فنزلت الآية حيث أخبرت أنّ عملهما بإذن الله(٢) .

ولكن ظاهر الآية يدلّ على أنّ المسلمين قطعوا بعض نخل (اللينة) وهي نوع جيّد من النخل ، وتركوا قسما آخر ، ممّا أثار هذا العمل اليهود ، فأجابهم القرآن الكريم بأنّ هذا العمل لم يكن عن هوى نفس ، بل عن أمر إلهي صدر في هذا المجال ، وفي دائرة محدودة لكي لا تكون الخسائر فادحة.

وعلى كلّ حال فإنّ هذا العمل كان استثناء من الأحكام الإسلامية الأوّلية التي تنهي عن قطع الأشجار وقتل الحيوانات وتدمير وحرق المزارع والعمل أعلاه كان مرتبطا بمورد معيّن حيث أريد إخراج العدو من القلعة وجرّه إلى موقع أنسب للقتال وما إلى ذلك ـ وعادة توجد استثناءات جزئيّة في كلّ قانون ، كما في جواز أكل لحم الميّت عند الضرورة القصوى والإجبار.

جملة( وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ ) ترينا على الأقل أنّ أحد أهداف هذا العمل هو خزي ناقضي العهد هؤلاء ، وكسر لشوكتهم وتمزيق لروحيّتهم.

* * *

__________________

(١) تفسير أبو الفتوح الرازي ، ج ١١ ، ص ٩٣ ، وجاء هذا المعنى في الدرّ المنثور ، ج ٩ ، ص ١٨٨.

(٢) تفسير الفخر الرازي ، ج ٢٩ ، ص ٢٨٣.

١٧١

بحثان

١ ـ الجيوش الإلهيّة اللامرئية :

في الوقت الذي تعتبر القوى الماديّة أكبر سلاح لتحقيق الإنتصار من وجهة نظر الماديين ، فإنّ اعتماد المؤمنين يتمركز حول محورين (القيم المعنوية والإمكانات المادية) والذي قرأنا نموذجا منه في قصّة اندحار بني النضير كما بيّنت ذلك الآيات السابقة.

ونقرأ في هذه الآية أحد العوامل المؤثّرة في هذا الإنتصار حيث ألقى الله سبحانه الرعب في قلوب اليهود ، بحيث أخذوا يخرّبون بيوتهم بأيديهم ، وتخلّوا عن ديارهم وأموالهم مقابل السماح لهم بالخروج من المدينة.

وقد ورد هذا المعنى بصورة متكرّرة في القرآن الكريم ، منها ما ورد في قصّة اخرى حول قسم آخر من اليهود وهم (بنو قريظة). حيث اشتبكوا اشتباكا شديدا مع المسلمين بعد غزوة الأحزاب ، وفي هذا المعنى يقول سبحانه :( وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقاً ) .

وجاء هذا المعنى في غزوة بدر حيث يقول تعالى :( سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ ) .

وبعض هذا الخوف الذي هو عبارة عن جيش إلهي غير مرئي يكاد يكون أمرا طبيعيّا ، ولكن بعضه يمثّل سرّا من الأسرار غير الواضحة لنا ، أمّا الطبيعي منه فانّ المؤمنين يرون أنفسهم منتصرين سواء قتل أو تغلّب على العدوّ. والشخص الذي يؤمن بهذا الإعتقاد لا يجد الخوف طريقا إليه ، ومثل هذا الإنسان سيكون أعجوبة في صموده وثباته كما يكون ـ أيضا ـ مصدر خوف وقلق لأعدائه ، والذي نلاحظه في عالم اليوم أنّ بلدانا عديدة تملك قدرات هائلة من الإمكانات العسكرية المتطورة والمادية الكبيرة ، تخشى من ثلّة من المؤمنين الصادقين

١٧٢

الذائدين عن الحقّ ، ويحاولون دائما تحاشي مواجهتهم.

وفي حديث حول هذا المعنى يقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «نصرت بالرعب مسيرة شهر»(١) .

يعني أنّ الرعب لم يصب الأعداء في خطّ المواجهة فحسب ، بل أصاب من كان من الأعداء على مسافة شهر واحد من جيش الإسلام.

وحول جيوش الإمام المهديعليه‌السلام نقرأ أنّ ثلاثة جيوش تحت أمره وهم : (الملائكة ، والمؤمنون ، والرعب)(٢) .

وفي الحقيقة ، إنّ الأعداء يبدلّون كافّة إمكاناتهم لتجنّب الضربة من الخارج ، إلّا أنّهم غفلوا عن أنّ الله سبحانه يهزمهم داخليّا ، حيث أنّ الضربة الداخلية أوجع للنفس ، ولا يمكن تداركها بسهولة ، حتّى لو وضعت تحت تصرّفهم كلّ الأسلحة والجيوش ، فإنّها غير قادرة على أن تحقّق النصر مع فقدان المعنوية العالية والروحية المؤهّلة لخوض القتال ، وبالتالي فإنّ الفشل والخسران أمر متوقّع جدّا لأمثال هؤلاء.

٢ ـ مؤامرات اليهود المعاصرة

إنّ التاريخ الإسلامي اقترن منذ البداية بمؤامرات اليهود ، ففي كثير من الحوادث الأليمة والفجائع الدامية ترى أصابعهم مشهودة بشكل مباشر أو غير مباشر. والعجيب أنّ هؤلاء نزحوا إلى ديار الحجاز طمعا في أن يكونوا في الصفّ الأوّل من أصحاب النبي الموعود إلّا أنّهم بعد ظهوره أصبحوا من ألدّ أعدائه.

وعند ما نستقرئ حالتهم المعاصرة فإنّنا نلاحظ أيضا أنّهم متورّطون في أغلب المؤامرات المدبّرة ضدّ الإسلام ، ويتجسّد موقفهم هذا في داخل الأحداث

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٢ ، ص ٥١٩ ، (نهاية الآية ١٥١ / آل عمران).

(٢) إثبات الهداة ، ج ٧ ، ص ١٢٤.

١٧٣

تارة ومن خارجها اخرى ، وفي الحقيقة فإنّ هذا هو موضع تأمّل واعتبار لمن كان له قلب وبصيرة.

والطريق الوحيد لكسر شوكتهم كما يؤكّده تاريخ صدر الإسلام ، هو التعامل الحدّي والجدّي معهم ، خصوصا مع الصهاينة الذين لا يتعاملون بمبادئ العدل والحقّ أبدا ، بل منطقهم القوّة ، وبغيرها لا يمكن التفاهم معهم ، ومع هذا فإنّ خوفهم الحقيقي هو من المؤمنين الصادقين.

وإذا كان المسلمون المعاصرون مسلّحين بالإيمان والاستقامة المبدئية ـ كأصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ فإنّ الرعب سيستحوذ على قلوب اليهود ونفوسهم ، وبالإمكان عندئذ إخراجهم من الأرض الإسلامية التي اغتصبوها بهذا الجيش الإلهي.

وهذا درس علّمنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إيّاه قبل أربعة عشر قرنا.

* * *

١٧٤

الآيتان

( وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٧) )

سبب النّزول

بما أنّ هذه الآيات تكملة للآيات القرآنية السابقة التي تتحدّث عن اندحار يهود بني النضير ، لذا فإنّ سبب نزولها هو استمرار لنفس أسباب نزول الآيات السابقة. والتوضيح كما يلي :

بعد خروج يهود بني النضير من المدينة بقيت بساتينهم وأراضيهم وبيوتهم

١٧٥

وقسم من أموالهم في المدينة ، فأشار بعض شيوخ المسلمين على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تماشيا مع سنّة جاهلية ـ حيث قالوا له خذ الصفوة من أموالهم وربع ممتلكاتهم ، واترك لنا المتبقّي كي نقسّمه بيننا ، فنزلت الآيات أعلاه حيث أعلنت صراحة أنّ هذه الغنائم التي لم تكن بسبب قتال ، ولم تكن نتيجة حرب ، فإنّها جميعا من مختصات الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باعتباره رئيسا للدولة الإسلامية ، ويتصرّف بها كما يشاء ، وفقا لما يقدره من المصلحة في ذلك.

وسنلاحظ أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قسّم هذه الأموال بين المهاجرين الفقراء في المدينة ، وعلى قسم من الأنصار من ذوي الفاقة(١) .

التّفسير

حكم الغنائم بغير الحرب :

إنّ هذه الآيات ـ كما ذكر سابقا ـ تبيّن حكم غنائم بني النضير ، كما أنّها في نفس الوقت توضّح حكما عاما حول الغنائم التي يحصل عليها المسلمون بدون حرب ، كما ذكر ذلك في كتب الفقه الإسلامي بعنوان (الفيء).

يقول الله تعالى :( وَما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلا رِكابٍ ) (٢) .

«أفاء» من مادّة (فيء) على وزن شيء ـ وهي في الأصل بمعنى الرجوع ، وإطلاق كلمة (فيء) على هذا اللون من الغنائم لعلّه باعتبار أنّ الله سبحانه قد خلق هذه النعم والهبات العظيمة في عالم الوجود في الأصل للمؤمنين ، وعلى رأسهم

__________________

(١) مجمع البيان نهاية الآيات مورد البحث وتفاسير اخرى.

(٢) «ما» في (ما أفاء الله ورسوله) موصولة في محلّ رفع مبتدأ وما في( فَما أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ ) نافية ، ومجموع هذه الجملة خبر ، وهنالك احتمال ثان : وهو أنّ (ما) في (ما أفاء) شرطية ، (وما) الثانية مع جملتها تكون جوابا للشرط ومجيء (الفاء) في صدر جملة الخبر حينما تكون فيها شبهة بالشرط ، فلا إشكال فيه.

١٧٦

الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي هو أشرف الكائنات ، وبناء على هذا فإنّ الجاحدين لوجود الله والعاصين له بالرغم من امتلاكهم للبعض من هذه النعم بموجب القواعد الشرعية والعرفية ، إلّا أنّهم يعتبرون غاصبين لها ، ولذلك فإنّ عودة هذه الأموال إلى أصحابها الحقيقيين (وهم المؤمنون) يسمّى (فيئا) في الحقيقة.

«أوجفتم» من مادّة (إيجاف) بمعنى السّوق السريع الذي يحدث غالبا في الحروب.

«خيل» بمعناه المتعارف عليه (وهي اسم جنس وجمعها خيول)(١) .

«ركاب» من مادّة (ركوب) وتطلق في الغالب على ركوب الجمال.

والهدف من مجموع الجملة أنّ جميع الموارد التي لم يحدث فيها قتال وفيها غنائم ، فإنّها لا توزّع بين المقاتلين ، وتوضع بصورة تامّة تحت تصرّف رئيس الدولة الإسلامية وهو يصرفها في الموارد التي سيأتي الحديث عنها لا حقا.

ثمّ يضيف سبحانه أنّ الانتصارات لا تكون غالبا لكم( وَلكِنَّ اللهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلى مَنْ يَشاءُ وَاللهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) .

نعم ، لقد تحقّق الإنتصار على عدو قوي وشديد كيهود (بني النضير) وذلك بالمدد الإلهي الغيبي ، ولتعلموا أنّ الله قادر على كلّ شيء ، ويستطيع سبحانه بلحظة واحدة أن يذلّ الأقوياء ، ويسلّط عليهم فئة قليلة توجّه لهم ضربات موجعة وتسلب جميع إمكاناتهم.

ولا بدّ للمسلمين أن يتعلّموا من ذلك دروس المعرفة الإلهية ، ويلاحظوا علائم حقّانية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ويلتزموا منهج الإخلاص والتوكّل على الذات الإلهية المقدّسة

__________________

(١) يقول الراغب في المفردات : إنّ الخيل في الأصل من مادّة (خيال) بمعنى التصوّرات الذهنية ، وخيلاء بمعنى التكبّر والتعالي على الآخرين لأنّه ناتج من تخيّل الفضيلة ، ولأنّ ركوب الإنسان على الحصان يشعر بالإحساس بنوع من الفخر والزهو غالبا ، لذلك أطلق لفظ الخيل على الحصان ، والنقطة الجديرة بالملاحظة أنّ خيل تطلق على الحصان وكذلك على راكبيه.

١٧٧

في جميع ممارساتهم.

وهنا قد يتبادر سؤال وهو : إنّ الحصول على غنائم بني النضير لم يتمّ بدون حرب ، بل إنّ المسلمين زحفوا بجيشهم نحو قلاعهم وحاصروها ، وقيل أنّ اشتباكا مسلّحا قد حصل في حدود ضيّقة بين الطرفين.

وفي مقام الجواب نقول : بأنّ قلاع بني النضير ـ كما ذكروا ـ لم تكن بعيدة عن المدينة ، وذكر بعض المفسّرين أنّ المسافة بين المدينة والقلاع ميلان وأنّ المسلمين ذهبوا إليها سيرا على أقدامهم ، وبناء على هذا فلم يواجهوا مشقّة حقيقية. أمّا بالنسبة لموضوع الاشتباك المسلّح فإنّه لم يثبت من الناحية التأريخية ، كما أنّ الحصار لم يستمرّ طويلا ، وبناء على هذا فإنّنا نستطيع القول بأنّه لم يحدث شيء يمكن أن نسمّيه قتالا ، ولم يرق دم على الأرض.

والآية اللاحقة تبيّن بوضوح مورد صرف (الفيء) الوارد في الآية السابقة وتقول بشكل قاعدة كليّة :( ما أَفاءَ اللهُ عَلى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبى وَالْيَتامى وَالْمَساكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ ) .

وهذا يعني أنّ هذه الغنائم ليست كباقي الغنائم الحربية التي يكون خمس منها فقط تحت تصرّف الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسائر المحتاجين ، والأربعة الأخماس الاخرى للمقاتلين.

وإذا ما صرّحت الآية السابقة برجوع جميع الغنائم لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلا يفهم من ذلك أن يصرفها جميعا في موارده الشخصية ، وإنّما أعطيت له لكونه رئيسا للدولة الإسلامية ، وخاصّة كونه المتصدّي لتغطية حاجات المعوزين ، لذا فإنّ القسم الأكبر يصرف في هذا المجال.

وقد ذكر في هذه الآية بصورة عامّة ستّ مصارف للفيء.

١ ـ سهم لله ، ومن البديهي أنّ الله تعالى مالك كلّ شيء ، وفي نفس الوقت غير محتاج لأي شيء ، وهذا نوع من النسبة التشريفية ، حتّى لا يحسّ بقيّة الأصناف

١٧٨

اللاحقة بالحقارة والذلّة ، بل يرون سهمهم مرادفا لسهم اللهعزوجل ، فلا ينقص من قدرهم شيء أمام الناس.

٢ ـ سهم الرّسول : ومن الطبيعي أن يصرف لتأمين احتياجاته الشخصيةصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما يحتاجه لمقامه المقدّس وتوقّعات الناس منه.

٣ ـ سهم ذوي القربى : والمقصود بهم هنا وبدون شكّ أقرباء الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبني هاشم ، حيث أنّهم مستثنون من أخذ الزكاة والتي هي جزء من الأموال العامّة للمسلمين(١) .

وأساسا لا دليل على أنّ المقصود من ذوي القربى هم أقرباء الناس جميعا ، لأنّه في هذه الحالة ستشمل جميع المسلمين ، لأنّ الناس بعضهم أقرباء بعض.

ولكن هل هناك شرط يقضي أن يكون ذوو القربى من المحتاجين والفقراء أو لا يشترط ذلك؟ لقد اختلف المفسّرون في ذلك بالرغم من أنّ القرائن الموجودة في نهاية هذه الآية والآية اللاحقة توضّح لزوم شرط الحاجة.

(٤ ، ٥ ، ٦) : «سهم اليتامى» و «المساكين» و «أبناء السبيل» ، وهل أنّ جميع هؤلاء يلزم أن يكونوا هاشميين أو أنّها تشمل عموم اليتامى والمساكين وأبناء السبيل؟

اختلف المفسّرون في ذلك ، ففقهاء أهل السنّة ومفسّروهم يعتقدون أنّ هذا الأمر يشمل العموم ، في الوقت الذي اختلفت الروايات الواردة عن أهل البيتعليهم‌السلام في هذا المجال ، إذ يستفاد من قسم منها أنّ هذه الأسهم الثلاثة تخصّ اليتامى والمساكين وأبناء السبيل من بني هاشم فقط ، في حين صرّحت روايات اخرى بعمومية هذا الحكم ، ونقل أنّ الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «كان أبي يقول : لنا سهم رسول

__________________

(١) هذا التّفسير لم يأت به الشيعة فقط ، حيث جاء ذكره في تفاسير أهل السنّة أيضا ، كما ذكر ذلك الفخر الرازي في التّفسير الكبير ، والبرسوني في روح البيان ، وسيّد قطب في ظلال القرآن ، والمراغي في تفسيره والآلوسي في روح المعاني.

١٧٩

الله ، وسهم ذي القربى ونحن شركاء الناس فيما بقي»(١) .

والآيات الثامنة والتاسعة من هذه السورة ، التي هي توضيح لهذه الآية ، تؤيّد أيضا أنّ هذا السهم لا يختّص ببني هاشم ، لأنّ الحديث دالّ على عموم فقراء المسلمين من المهاجرين والأنصار.

وبالإضافة إلى ذلك ، فقد نقل المفسّرون أنّ الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد حادثة بني النضير قسّم الأموال المتبقية بين المهاجرين من ذوي الحاجة والمسكنة ، وعلى ثلاثة أشخاص من طائفة الأنصار ، وهذا دليل آخر على عمومية مفهوم الآية. وإذا لم تكن بعض الروايات متناسبة معها ، فينبغي ترجيح ظاهر القرآن(٢) .

ثمّ يستعرض سبحانه فلسفة هذا التقسيم الدقيق بقوله تعالى :( كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِياءِ مِنْكُمْ ) فيتداول الأغنياء الثروات فيما بينهم ويحرم منها الفقراء(٣) .

وذكر بعض المفسّرين سببا لنزول هذه الجملة بشكل خاصّ ، وأشير له بشكل إجمالي في السابق ، وهو أنّ مجموعة من زعماء المسلمين قد جاؤوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد واقعة بني النضير ، وقالوا له : خذ المنتخب وربع هذه الغنائم ، ودع الباقي لنا نقتسمه بيننا ، كما كان ذلك في زمن الجاهلية. فنزلت الآية أعلاه تحذّرهم من تداول هذه الأموال بين الأغنياء فقط.

والمفهوم الذي ورد في هذه الآية يوضّح أصلا أساسيّا في الإقتصاد الإسلامي وهو : وجوب التأكيد في الإقتصاد الإسلامي على عدم تمركز الثروات بيد فئة محدودة وطبقة معيّنة تتداولها فيما بينها ، مع كامل الاحترام للملكية

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ ، ص ٢٦١ ، ووسائل الشيعة ، ج ، ص ٣٦٨ ، حديث ١٢ وباب واحد من أبواب الأنفال.

(٢) وسائل الشيعة ، ج ٦ ، ص ٣٥٦ ، (حديث ٤ ، باب واحد من أبواب الأنفال).

(٣) (دولة) بفتح الدال وضمّها بمعنى واحد ، وفرّق البعض بين الإثنين وذكر أنّ (دولة) بفتح الدال تعني الأموال ، أمّا بضمّها فتعني الحرب والمقام ، وقيل أنّ الأوّل اسم مصدر ، والثاني مصدر ، وعلى كلّ حال فإنّ لها أصلا مشتركا من مادّة «تداول» بمعنى التعامل من يد إلى اخرى.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

٦ ـ إنّ الاصطفاء والاختيار الإلهي إنّما جاء وفقاً للعدالة الإلهية ، ووفقاً لقوله تعالى :( إِنّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ ) (١) ، والسبب في ذلك هو أنّ الاصطفاء والاختيار ناشئ من علمه تعالى بحقائق الأشياء ، وأنّ علمه محيط بكل شيء ، فالله تعالى لعلمه السابق بما للمصطفين من قدرة على تحمّل المسؤولية ، وإرادتهم لذلك وانصهارهم في ذات الله تعالى ، اختارهم الله تعالى دون غيرهم من الناس ، وهذا منطق عقلائي يمارسه العقلاء في حياتهم اليومية .

٧ ـ إنّ الذرية من الآباء والأجداد من الأمور التي لها مدخلية وتأثير على شخصية الإنسان ومزاجه ، ولذا شاء الله تعالى أن يجعل هؤلاء الأنبياء والمرسلين والأئمّة المصطفين من ذرّية واحدة ، من أصلاب شامخة وأرحام مطهّرة ، وهذا ما نلمسه من أخبار الطينة الواردة في كتب الفريقين .

وذكرنا أنّ لظاهرة الاختيار والاصطفاء وجعلهم في ذرّية واحدة أبعاداً مهمة لها أثر كبير في حفظ الرسالة ، منها :

البعد التاريخي : حيث نجد أنّ اختيار الله للأوصياء يتركّز على أولئك المقرّبين للأنبياء من أقاربهم أو ذرّياتهم ، أو ممّن يرتبطون بالنبي والرسول ارتباطاً نَسَبيّاً .

البعد الرسالي :وهو ما يترتّب على الذرّية من تحقيق مصالح الرسالة ، وإعداد أفراد صالحين يتحمّلون أعباءها الثقيلة ؛ وذلك لأنّ عمر الرسول يكون أقصر من عمر الرسالة ، فتحتاج لمَن يقوم بأعبائها ومسؤولياتها ، وممّا لا شك فيه أنّ الإعداد الأفضل لا يتم إلاّ في داخل البيت الرسالي ومن الأفراد المقرّبين نَسَبيّاً من صاحب الرسالة .

ـــــــــــــ

(١) الحجرات : ١٣ .

٣٤١

٨ ـ إنّ أهل البيت هم ورثة الأنبياء ، واستدللنا على ذلك بأدلة متعددة .

٩ ـ أثبتنا في الجواب عن هذه الشبهة أعلمية أهل البيتعليهم‌السلام على سائر البشر ، كما في قوله تعالى :( قُلْ كَفَى بِاللهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِندَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ ) (١) ، ولا شك أنّ المراد بمَن عنده علم الكتاب هو ( الإمام علي بن أبي طالب ) كما في الروايات الواردة من طرق الفريقين .

١٠ ـ قلنا إنّ حقيقة علم الكتاب عبارة عن سنخ علم خاص ، يمنح لصاحبه القدرة على التصرّف في الكون كما في تصرّف آصف بن برخيا ، حيث تمكّن من نقل عرش بلقيس من اليمن إلى بيت المقدس بأقل من طرفة عين ، مع أنّه لم يكن عنده إلاّ بعض علم الكتاب ، كما هو مقتضى نص الآية المباركة :( قَالَ الّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ) (٢) .

١١ ـ بيّنا أيضاً اختصاص أهل البيت عليهم‌السلام بعلم الكتاب ، وهو ما تشير إليه بعض الآيات القرآنية ، كما في قوله تعالى : ( بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيّنَاتٌ فِي صُدُورِ الّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (٣) ، وقوله تعالى : ( وَنَزّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلّ شَيْ‏ءٍ ) (٤) ، فالقرآن فيه تبيان كل شيء يحمله ثلّة مطهّرة من الأُمّة ، وهم أهل البيتعليهم‌السلام ، كما هو مقتضى حديث الثقلين .

ـــــــــــــ

(١) الرعد : ٤٣ .

(٢) النمل : ٤٠ .

(٣) النحل : ٨٩ .

(٤) العنكبوت : ٤٩ .

٣٤٢

مضافاً لقوله تعالى :( إِنّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ * لا يَمَسّهُ إِلاّ الْمُطَهّرُونَ ) (١) ، وهذا يدلّنا على حقيقة مهمة وهي أنّ حقيقة وكنه القرآن لا يمكن أن يصلها إلاّ المطهّرون ، وهم أهل البيتعليهم‌السلام كما هو مقتضى جملة وافرة من الروايات .

أهل البيتعليهم‌السلام وعلمهم بالغيب

ذكرنا أنّ المراد بعلم الغيب هو علم خاص بالله تعالى بالأصالة والاستقلال ، ولا مانع من إفاضته على غيره من عباده فيعلمون الغيب بإرادته ومشيئته تعالى ، وهنالك روايات عديدة تشهد على أنّ أهل البيت أخبروا ببعض المغيّبات .

قلنا إنّ الغلو هو مجاوزة الحدّ الذي حدّد الله تعالى ورسوله ، وعلى هذا الأساس فلا يمكن إطلاق الغلو على مَن يعتقد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل البيت يعلمون الغيب بإذن الله تعالى وتبعاً لإرادته ؛ لأنّه لا يعدّ تجاوزاً لحدود الله تعالى ، بل موافقاً لها طبقاً للآيات والروايات .

هل التعظيم للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته غلو ؟

اتضح أنّ تعظيم الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيتهعليهم‌السلام ليس من الغلو ؛ لأنّ احترام وتعظيم رسول الله وأهل بيتهعليهم‌السلام لا يعدّ تجاوزاً لحدود الله تعالى أبداً ؛ وذلك لأنّه تعالى هو الذي أمرنا بتعظيم رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته بنصّ القرآن الكريم والسنّة الشريفة .

أمّا فلسفة هذا التعظيم ، فهو أنّ الاحترام والتعظيم يعدّ من الأدب مع هذه الثلّة الطاهرة ، وتركه مع أمر الله به يوجب الكفر ، كما هو الحال بالنسبة لإبليس حيث أدّى به استكباره ، وعدم تعظيمه لنبي الله آدمعليه‌السلام ـ بعد الأمر الله بتعظيمه والسجود له ـ إلى حبط أعماله وخروجه من رِبقة الإيمان بالله تعالى .

هذا وقد واجه أهل البيتعليهم‌السلام ظاهرة الغلو بشدّة وقوّة وعبّأوا جهدهم من أجل تقويض أركانه ، معتبرين الغلو أحد أقسام الكفر الذي يجب محاربته ، وفي هذا المقام يوجد عدد وافر من الروايات الواردة عنهمعليهم‌السلام في التشديد والإنكار لهذه الظاهرة .

ـــــــــــــ

(١) الواقعة : ٧٧ ـ ٧٩ .

٣٤٣

ووقف علماء الشيعة موقفاً صارماً من الغلاة ، مستمدّين ذلك من توجيهات أهل البيتعليهم‌السلام في محاربة هذه الظاهرة .

ميزان قبول الأعمال

الشبهة :

الأعمال لا تُقبل إلاّ بولاية أهل البيتعليهم‌السلام .

الجواب :

تمهيد :

من المعالم البارزة في العقيدة الوهابية اتهام الكثير من الطوائف والمذاهب الإسلامية بالشرك والكفر ، وهذا أشهر من نار على علم .

وصاحب الشبهة يريد أن يتهم المذهب الشيعي بذلك الداء العضال الذي ابتلى به المذهب الوهابي ، فيقول : إنّ الشيعة يحكمون بكفر وهلاك جميع المسلمين ؛ لعدم قبول أعمالهم .

مع أنّ كتب علماء الشيعة قد صرّحت بإسلام مَن تشهد الشهادتين ، ولم يحكموا إلاّ بهلاك المبغض لقربى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم أهل البيتعليهم‌السلام تبعاً للآيات ، والروايات ؛ كما هو مفاد آية المودّة :( قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى )

الولاية في نظر أعلام السنّة

لقد حكم أكثر مفسّري أهل السنّة بأنّ المودّة الواجبة هي عدم البغض مع درجة من درجات الحب ولو أدنى درجاتها ، ومع فقدانها يكون الشخص مجاهراً بالرد على الله ورسوله ، وهذا أيضاً ما يؤكّده حديث الثقلين المتواتر ، ولذا فإنّ جميع المسلمين هم من المحبّين لأهل البيتعليهم‌السلام ، وهذه هي أدنى درجات الولاية ، التي تحفظ للمسلم هويّته الإسلامية ، وترفع عنه حتمية الهلاك ، بخلاف المبغض الذي نصّت الروايات الكثيرة على هلاكه .

٣٤٤

قبول الأعمال بالولاية

أمّا الحقّانيّة والمقبولية التامّة للأعمال بالولاية ، فهو حالة طبيعية ومنهجية يستدعيها نفس تعدد المذاهب ، وكون هذا المذهب في قِبال مذهب آخر ، وهذا ما يقرّه علم المناهج قديماً وحديثاً ، فصاحب كل منهج وعقيدة يرى أنّ النتائج الصحيحة والمقبولة لابد أن تكون ضمن بوتقة المنهج العقيدي والرؤية الكونية التي يرى أنّها هي الحق ، فالمنظومة الاعتقادية الصحيحة هي التي تحتوي على أُسس وضروريات الاعتقاد ، وهي الكلم الطيب الذي يرتفع بالعمل وتكون الأعمال مقبولة بسببه ، وإلاّ فما هو سبب تعدد المذاهب الاعتقادية ؟ !! .

وهذا هو مضمون ما جاء متواتراً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من افتراق أُمّته على ثلاث وسبعين فرقة واحدة منها هي المحقّة(١) ، وقد جاء في صحيح مسلم :

ـــــــــــــ

(١) تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج١ ص٣٥٤ وج٢ ص١٤٨ وص٤٨٢ ؛ راجع تفسير القرطبي ، القرطبي : ج٢ ص٩ ، ج٤ ص١٦٠ ، ج٧ ص١٤١ ، ج١٢ ص١٢٩ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج١ ص٦ وص١٢٨ ؛ المستدرك على الصحيحين : ج١ ص١٢٨ ، وج٥ ص٨٣٢ قال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ، وسنن الدارمي : ج٢ ص٣١٤ ، ج٨ ص٢٥١ ، وكتاب الأحاديث المختارة : ج٧ ص٩٠ ح٢٤٩٩ وح٢٥٠٠ وعبّر عن الأول بأنّ إسناده صحيح ، وعن الثاني أنّ إسناده حسن ، ومجمع الزوائد : ج١ ص١٨٩ وقال : إنّ رواته رواة الصحيح إلاّ واحد وقد وثّقه ؛ مصباح الزجاجة : ج٤ ص١٨٠ ، وسنن البيهقي ج١٠ ص٢٠٨ ، وسنن أبي داود ج٢ ص٣٩٠ ح٤٥٩٦ و٤٥٩٧ باب شرح السنّة ؛ مسند أحمد : ج٤ ص١٠٢ ، ومسند أبي يعلى ، أبو يعلى الموصلي : ج١٠ ص٣١٧ وص٥٠٢ ، ومسند الشامين ، الطبراني : ج٢ ص١٠٨ ؛ افتراق الأمة ، محمد بن إسماعيل الصنعاني : ص٤٨ ؛ المعجم الكبير ، ج٨ ص٢٧٣ وج١٨ ص٥١ وص٧٠ ؛ سنن الترمذي ، الترمذي : ج٤ ص١٣٤ ـ ١٣٥ ح٢٧٧٨ ح٢٧٧٩ باب افتراق هذه الأمة .

٣٤٥

 ( عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يكون في أُمّتي فرقتان فيخرج من بينهما مارقة يلي قتلهم أولاهم بالحق )(١) .

ونحن نعتقد أنّ الولاية الكاملة والحقّة ، التي أمر الله تعالى ورسوله بها ، من حب وطاعة وتسليم وانقياد ، هي ميزان قبول الأعمال بنحو الاستحقاق .

والولاية في أدنى درجاتها وهي المحبّة فقط ، وعدم البغض موجودة عند جميع المسلمين ، وأمّا من كان مبغضاً لأهل البيتعليهم‌السلام فلا يمكن الحكم بإسلامه لرفضه وردّه لصريح القرآن ، وتلك الولاية مقبولة بمقدار أن تحفظ للشخص إسلامه وتنجيه من حتمية الهلاك في النار ، ولابد أن لا يرتجى منها أن ترتقي إلى مستوى المقبولية التامة الناتجة عن الولاية الكاملة والصحيحة التي هي جزء من الأصول الاعتقادية بحسب اعتقادنا .

وهذا هو معنى ما جاء في بعض الروايات كما في الخصال ، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام عن جده عن عليعليه‌السلام قال :( إن للجنّة ثمانية أبواب باب يدخل منه النبيّون والصدّيقون ، وباب يدخل منه الشهداء والصالحون ، وخمسة أبواب يدخل منها شيعتنا ومحبّونا ، فلا أزال واقفاً على الصراط أدعو وأقول : ربّ سلّم شيعتي ومحبيّ وأنصاري ومن تولاّني في دار الدنيا ، فإذا النداء من بطنان العرش ، قد أُجيبت دعوتك وشفّعّت في شيعتك ، ويشفع كل رجل من شيعتي ومَن تولاّني ونصرني وحارب مَن حاربني بفعل أو

ـــــــــــــ

(١) صحيح مسلم ، النيسابوري : ج٣ ص١١٣ .

٣٤٦

قول في سبعين ألفاً من جيرانه وأقربائه ، وباب يدخل منه سائر المسلمين ممّن شهد أن لا إله إلاّ الله ، ولم يكن في قلبه مقدار ذرّة من بغضنا أهل البيت ) (١) .

إذن ، كما للولاية مراتب ودرجات أدناها الحب وعدم البغض ، كذلك قبول الأعمال له مراتب مختلفة بحسب اختلاف درجات الولاية ، فعامّة المسلمين الذين يحبّون أهل البيتعليهم‌السلام بمقتضى صريح آية المودّة ولا يبغضونهم ، لهم درجة من الولاية ودرجة من المقبولية ، وأدنى درجات المقبولية كونهم مسلمين وغير محكوم عليهم بحتمية الهلاك الأبدي في النار بخلاف المبغض والمحارب الذي جزمت الروايات بخروجه عن رِبقة الإسلام ، وهلاكه الأبدي .

روايات الولاية في الكتب السنّيّة

وقد جاء ذلك أيضاً في مجامع أحاديث أهل السنّة :

١ ـ أخرج الحاكم في المستدرك ، وابن حبان في صحيحه : عن عطية عن أبي سعيد قال : قتل قتيل بالمدينة على عهد النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصعد المنبر خطيباً ، وقال : ( والذي نفس محمد بيده لا يبغضنا أهل البيت أحد إلاّ أكبّه الله عزّ وجلّ بالنار على وجهه ، رواه جماعة عن إسحاق ) (٢) ، قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ، ووافقه الذهبي في التلخيص .

ـــــــــــــ

(١) الخصال : الشيخ الصدوق : ص٤٠٨ .

(٢) المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج٤ ص٣٥٢ ؛ ونحوه صحيح بن حبان ، ابن حبان : ج١٥ ص٤٣٥ ؛ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج١ ص٥٤٩ وص٥٥٠ ، ونحوه ترجمة أمير المؤمنينعليه‌السلام من تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ج١ ص١٤٩ ح١٨٣ ـ ط٢ وقد نقل روايات كثيرة بذلك المضمون فراجع .

٣٤٧

٢ ـ وأخرج الحاكم الحسكاني وغيره : عن أبي الزبير عن جابر قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا علي لو أنّ أُمّتي صاموا حتى صاروا كالأوتاد وصلّوا حتى صاروا كالحنايا ، ثمّ أبغضوك لأكبّهم الله على مناخرهم في النار ) . رواه جماعة من أصحابنا عن عثمان(١) .

٣ ـ وأيضاً عن جابر بن عبد الله وأنس بن مالك قالا : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يا علي لو أنّ أُمّتي أبغضوك لأكبّهم الله على مناخرهم في النار ) (٢) .

٤ ـ وأيضاً عن أبي أمامة الباهلي ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ الله خلق الأنبياء من شجرٍ شتّى وخلقني وعليّ من شجرة واحدة ، فأنا أصلها ، وعلي فرعها ، والحسن والحسين ثمارها ، وأشياعنا أوراقها ، فمَن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومَن زاغ هوى ، ولو أنّ عابداً عبد الله ألف عام ، ثم ألف عام ، ثم ألف عام ، ثم لم يدرك محبتنا أهل البيت أكبّه الله على منخريه في النار ، ثم تلا( قُل لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاّ الْمَوَدّةَ فِي الْقُرْبَى ) ) (٣) .

وهذه الروايات من طرقنا صحيحة ومتواترة ونؤمن بمضمونها ، هذا بالنسبة للمبغض .

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج١ ص٥٥٠ ؛ ونحوه ترجمة الإمام علي من تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج١ ص١٥٠ ح١٨٤.

(٢) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج١ ص٥٥١ .

(٣) المصدر نفسه : ج١ ص٥٥٤ ، والآية ٢٣ من سورة الشورى .

٣٤٨

رأي علماء الشيعة في قبول الأعمال

أمّا المحب غير المبغض لأهل البيتعليهم‌السلام ، فله درجة من المقبولية ، لكنّها لا تصل إلى حد ودرجة مقبولية الشيعي المتولّي الناصر لأهل البيتعليهم‌السلام ؛ وهذا هو مقتضى اعتقادنا بحقّانية مذهبنا ، وأنّ الولاية فيه معنى التولّي والنصرة والطاعة والاتّباع والتسليم لهمعليهم‌السلام ، وعلى طبق ذلك حكم محدّثونا وفقهاؤنا ومتكلّمونا .

قال المجلسيرحمه‌الله في البحار : ( وأمّا غير الشيعة الإمامية من المخالفين وسائر فرق الشيعة ممّن لم ينكر شيئاً من ضروريات دين الإسلام ، فهم فرقتان : إحداهما المتعصّبون المعاندون منهم ممّن قد تمّت عليهم الحجّة ، فهم في النار خالدون ، والأخرى المستضعفون منهم وهم الضعفاء العقول مثل النساء العاجزات ، والبُلّه وأمثالهم ومَن لم يتم عليه الحجّة ممّن يموت في زمان الفترة ، أو كان في موضع لم يأت إليه خبر الحجّة فهم المرجون لأمر الله ، إمّا يعذبهم وإمّا يتوب عليهم ، فيرجى لهم النجاة من النار )(١) وليس هذا إلاّ لدرجة من المقبولية لعدم البغض والعناد .

وذكر مراجعنا في كتبهم الفقهية : أنّ الإسلام هو الإقرار بوحدانية الله تعالى ونبوّة محمد وبما جاء به من عند الله تعالى ، فالكافر هو الذي لا يتديّن بذلك ، إمّا لعدم اعتقاده بدين أصلاً أو لتديّنه بدين غير الإسلام بالمعنى المذكور ، وأنّ إنكار الضروري من الدين إن رجع إلى عدم الإقرار به بعد العلم بإنزاله من قِبل الله تعالى أو إلى تكذيب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في

ـــــــــــــ

(١) بحار الأنوار ، المجلسي : ج٨ ص٣٦٣ .

٣٤٩

تبليغه به بعد العلم بتبليغه له كان موجباً للكفر ، وإن رجع إلى عدم العلم بثبوته في الدين أو تبليغ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يوجب الكفر ، كما إذا نشأ من الجهل بتحريمه ، أو من شبهة اعتقد معها عدم التحريم(١) .

وقال الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء : فمَن اعتقد بالإمامة بالمعنى الذي ذكرناه فهو عندهم مؤمن بالمعنى الأخص وإذا اقتصر على ترك الأركان الأربعة فهو مسلم ، ومؤمن بالمعنى الأعم وتترتّب عليه جميع أحكام الإسلام من حرمة دمه وماله وعرضه ووجوب حفظه وحرمة غيبته ، وغير ذلك ، لا أنّه بعدم الاعتقاد يخرج عن كونه مسلماً ـ معاذ الله ـ نعم يظهر أثر التدين في منازل القرب والكرامة يوم القيامة ، أمّا في الدنيا فالمسلمون بأجمعهم سواء ، وبعضهم لبعض أكفاء ، وأمّا في الآخرة فلا شك أنّ المسلمين تتفاوت درجاتهم ومنازلهم ، حسب نيّاتهم وأعمالهم ، وأمر ذلك وعلمه إلى الله سبحانه ، ولا مسوّغ للبت به لأحد من الخلق(٢) .

والحاصل : هو تفاوت الولاية ودرجاتها وتفاوت المقبولية ودرجاتها إلاّ المبغضين المعاندين فهم لا خلاق لهم ، ولا يقام لهم يوم القيامة وزن ، وفي النار هم خالدون .

ولا تعجب من ذلك فإنّ هذا مقتضى تعدّد المذاهب واعتقاد الحقانية في واحد منها ؛ ولذا حكم البعض بكفر الشيعة الاثني عشرية ؛ لأنّهم لا يقدّمون الشيخين ، فضلاً عمّن يبغضهما ، كما جاء ذلك في صحيح سنن

ـــــــــــــ

(١) راجع كتبنا الفقهية في هذا المجال .

(٢) انظر : أصل الشيعة وأُصولها ، الشيخ كاشف الغطاء : ص٩٩ .

٣٥٠

أبي داود بتعليق الألباني (عن سفيان قال : مَن زعم أنّ عليّاً كان أحق بالولاية منهما فقد خطّأ أبا بكر وعمر والمهاجرين والأنصار ، ولا أراه يرتفع له مع هذا عمل إلى السماء ) ، وقد صحّحه الألباني(١) .

فالمذهب الحق له الدرجات العالية من المقبولية ، والمذاهب الباطلة بحسب اعتقادنا على فرقتين كما ذكر المجلسي ، منهم مَن هو إلى جهنّم وبئس المصير ، ومنهم مَن يرجى لهم النجاة من النار ، وهذه درجة من المقبولية ، كما أسلفنا ، وهذا شيء وحقّانية المذهب شيء آخر .

فالشيعة إذن يقولون بإسلام جميع الطوائف إلاّ النواصب مع أنّ الوهّابية كفّروا الشيعة لكونهم شيعة !!

الخلاصة

١ ـ اعتماداً على القرآن وروايات نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، يتبيّن أنّ الولاية لأهل البيتعليهم‌السلام واجبة على الجميع ، وأدنى درجاتها هي المحبّة .

٢ ـ صرّحت الروايات المتواترة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأنّ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام من الهالكين ، ويكبّه الله على وجهه في نار جهنّم .

٣ ـ أمّا الذي ليس في قلبه ذرّة من بغض أهل البيتعليهم‌السلام ، وكان في قلبه درجة من درجات الولاية والمحبّة لأهل البيتعليهم‌السلام ، ولم يكن على المذهب الحق فهو المرجى لأمر الله تعالى .

ـــــــــــــ

(١) سنن أبي داود ، أبي داود : ج٣ ص١٢٦ .

٣٥١

الفهرست

مقدّمة الكتاب.. ٣

منهج البحث.. ٧

خطّة البحث.. ٧

الفصل الأوّل: هل الإمامة جعل إلهي ؟ ١١

الشبهة : ١١

الجواب : ١١

الإمامة جعل وعهد إلهي : ١٢

الإمامة غير النبوّة : ١٣

أهمّيّة الإمامة واستمرارها : ١٤

عصمة الإمام ١٦

دور الإمام في الأمة : ١٧

أقوال علماء السنّة في حق أهل البيت عليهم‌السلام.... ٢٠

الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام.... ٢٠

الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما‌السلام..... ٢٠

الإمام زين العابدين عليه‌السلام : ٢٢

الإمام الباقر عليه‌السلام : ٢٤

الإمام الصادق عليه‌السلام : ٢٧

الإمام الكاظم عليه‌السلام : ٣٠

الإمام الرضا عليه‌السلام : ٣٢

الإمام الجواد عليه‌السلام : ٣٣

الإمام الهادي عليه‌السلام : ٣٤

الإمام العسكري عليه‌السلام : ٣٧

تراث زاخر ٤٠

الخلاصة ٤١

٣٥٢

الإمامة في القرآن. ٤٣

الشبهة : ٤٣

الجواب : ٤٣

أوّلاً : القرآن ينصّ على الإمامة ٤٥

ثانياً : السنّة النبويّة تنصّ على الإمامة ٤٩

الخلاصة ٥٠

آية الولاية لا تختصّ بعلي عليه‌السلام.... ٥١

الشبهة : ٥١

الجواب : ٥١

أولاً : كثرة استعمال الجمع وإرادة المفرد في القرآن. ٥١

ثانيا : استعمال الجمع وإرادة المفرد سائغ في لغة العرب.. ٥٣

ثالثاً : الاعتراض المذكور يتنافى مع الروايات المتواترة ٥٣

رابعاً : الاعتراض غريب لهم يعهد من الصحابة ولا من التابعين. ٥٨

خامساً : جواب الزمخشري. ٥٨

الخلاصة ٥٩

آية الولاية لا تعني الأولى بالتصرّف.. ٦٠

الشبهة : ٦٠

الجواب : ٦٠

الاستدلال على المستوى اللغوي : ٦٠

الاستدلال على المستوى القرآني : ٦١

الاستدلال على المستوى الروائي : ٦٣

كيف تستدلّ الشيعة بشأن النزول ؟ ٦٧

الشبهة : ٦٧

الجواب : ٦٧

الخلاصة ٦٨

٣٥٣

المعروف أنّ عليّاً فقير فكيف يتصدّق ؟ ٦٨

الشبهة : ٦٨

الجواب : ٦٨

الخلاصة ٧٠

آية البلاغ تدلّ على أنّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً ٧٠

الشبهة : ٧٠

الجواب : ٧٠

الخلاصة ٧٤

لا وجود لاسم علي في القرآن. ٧٥

الشبهة : ٧٥

تمهيد: ٧٦

الأُولى : القرآن تبيان لكل شيء ٧٦

الثانية : يجب اتباع ما أمر به الله ورسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٧٧

الجواب : ٨٠

أوّلاً : عدم ذكر الاسم لحكمة إلهيّة ٨٠

ثالثا : ذكر الوصف أبلغ في التأثير من ذكر الاسم. ٨١

رابعاً : ذكر علي في القرآن يدعو البعض لانتحال اسمه ٨٢

خامساً : لو ذُكر اسم علي لحذفه المنافقون. ٨٢

سادساً : ذكر الاسم لا يعني حسم النزاع. ٨٣

سابعاً : ذكر الاسم في القرآن داعية لاتهام الشيعة ٨٣

ثامناً : لا ينبغي التشكيك في إمامة علي عليه‌السلام.... ٨٤

الخلاصة ٨٤

آية التطهير لا تختصّ بأئمّة الشيعة ٨٦

الشبهة : ٨٦

الجواب : ٨٦

٣٥٤

الخلاصة ٩٦

الفصل الثاني: حديث الخلفاء الاثني عشر في كتب أهل السنّة ٩٧

مدخل. ٩٧

حديث الخلفاء الاثني عشر في كتب أهل السنّة ٩٩

الشبهة المطروحة حول الحديث.. ٩٩

وفي مقام الجواب عن هذه الشبهة نقول : ٩٩

حديث الاثني عشر في كتب أهل السنّة : ١٠٠

مَن هم الخلفاء الاثنا عشر ؟ ١٠٤

محاولات أهل السنّة في تفسير حديث الخلفاء ١٠٥

المحاولة الأُولى : لابن العربي. ١٠٥

المحاولة الثانية : لابن المهلب.. ١٠٦

المحاولة الثالثة : للسيوطي. ١٠٦

المحاولة الرابعة : لأبي الحسين ابن المنادي. ١٠٧

المحاولة الخامسة : للقاضي عياض.. ١٠٧

المحاولة السادسة : لابن الجوزي. ١٠٧

المحاولة السابعة : للبيهقي. ١٠٨

التفسير الواقعي لحديث الاثني عشر ١٠٩

جملة من الشواهد على المراد الواقعي. ١١٠

الأُمّة لم تجتمع على أهل البيت عليهم‌السلام.... ١٣١

الخلاصة ١٣٢

الفصل الثالث: غيبة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف) ١٣٤

الشبهة : ١٣٤

الجواب : ١٣٤

تمهيد : ١٣٤

هوية الغيبة ١٤١

٣٥٥

دوام الإمامة واستمرارها لطف إلهي. ١٤١

لو لا الحجّة لساخت الأرض بأهلها ١٤٣

الغيبة لطف إلهي. ١٤٥

حقيقة الغيبة : خفاء الهوية والعنوان لإخفاء الشخصية ١٤٦

ما الفائدة من الإمام الغائب ؟ ١٤٨

إدارة الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في زمن الغيبة ١٤٩

وجه التشابه بين الخضر عليه‌السلام والإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ١٥٢

قصّة الخضر ١٥٣

خصائص الحكم الإلهي. ١٥٦

دور الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في درء الفساد ١٦١

خلفيات وفوائد أُخرى للغيبة ١٦٤

أوّلاً : حفظ شخصية الإمام (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) ١٦٤

ثانياً : التمحيص.. ١٦٨

ثالثاً : انكشاف عجز وبطلان الأطروحات الأخرى. ١٧٥

رابعاً : تجلّي مفهوم الانتظار في أحضان الغيبة ١٧٦

خامساً : عدم انقطاع سلسلة حجج الله في الأرض.. ١٧٩

سادساً : لكي لا تكون في عنقه بيعة لظالم. ١٨٠

سابعاً : الغيبة سرٌّ الهي. ١٨٣

دعوى المهدوية والسفارة ١٨٦

مدّعي المهدوية والسفارة في التاريخ الإسلامي. ١٨٦

الدليل على بطلان دعوى المهدوية والسفارة في عصر الغيبة الكبرى. ١٨٨

الفهم الصحيح لعلامات الظهور ١٩٠

الخلاصة ١٩١

الفصل الرابع: بطلان دعوى النص على خلافة أبي بكر ١٩٣

٣٥٦

الشبهة : ١٩٣

الجواب : ١٩٣

أوّلاً : الروايات الصحيحة وأقوال الصحابة الصريحة الدالة على عدم النص على أبي بكر : ١٩٣

ثانياً : إنكار علماء السنّة وجود نص دال على خلافة أبي بكر منها : ١٩٥

ثالثاً : الشواهد القطعية على عدم النص على أبي بكر ، منها : ١٩٨

رابعاً : معالم تحرك الحزب القرشي : ٢٠٤

خامساً : سياسات السلطة الحاكمة يكشف عن عدم الشرعية ٢١٦

الخلاصة ٢٢١

الفصل الخامس: عصيان الصحابة ٢٢٤

الشبهة : ٢٢٤

الجواب : ٢٢٤

خلفيات عدول بعض الصحابة عن وصيّة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٢٢٧

أوّلاً : الحرص على كرسي الزعامة ٢٢٧

ثانياً : دور المنافقين والذين في قلوبهم مرض.. ٢٢٨

ثالثاً : التنافس والنزاع بين القبائل. ٢٢٨

رابعاً : التناحر والتحاسد بين المهاجرين والأنصار ٢٣٢

خامساً : سياسة الإرهاب في السقيفة ٢٣٣

سادساً : مخالفات الصحابة لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٢٣٤

١ ـ عصيان أوامر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٢٣٤

٢ ـ الفرار في معركة أحد. ٢٣٦

٣ ـ الفرار في يوم حنين. ٢٣٦

٤ ـ اعتراض الأصحاب على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الحديبية ٢٣٧

٥ ـ الإشفاق من التصدّق. ٢٣٨

٦ ـ عدم إنفاذ جيش أسامة ٢٣٩

٧ ـ الارتداد والانقلاب على الأعقاب.. ٢٣٩

٣٥٧

الخلاصة ٢٤٣

الفصل السادس: العصمة والغلو ٢٤٥

الشبهة : ٢٤٥

الجواب : ٢٤٥

منشأ العصمة : ٢٤٦

الدليل العقلي على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام.... ٢٥٠

الأدلة القرآنية على عصمة الأئمّة عليهم‌السلام.... ٢٥١

بيان الاستدلال : ٢٥١

والجواب عن ذلك بالبيان التالي : ٢٥٢

الأدلة الروائيّة ٢٥٧

أوّلاً : حديث الثقلين. ٢٥٧

دلالة الحديث على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام.... ٢٥٨

ثانياً : النص على العصمة والطهارة ٢٥٨

ثالثاً : طاعتهم طاعة لله ولرسوله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٢٥٩

الخلاصة ٢٦٠

منشأ العصمة ٢٦٠

الدليل العقلي على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام.... ٢٦١

الأدلة القرآنية على عصمة الأئمّة عليهم‌السلام.... ٢٦١

الأدلة الروائية على عصمة أهل البيت عليهم‌السلام.... ٢٦١

مقام الوصي. ٢٦٢

الشبهة : ٢٦٢

الجواب : ٢٦٢

أقوال علماء الشيعة ٢٦٤

الوحي انقطع بموت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٢٦٦

أقسام الوحي. ٢٦٧

٣٥٨

الخلاصة ٢٧٠

تأليه الإمام عند الشيعة ٢٧١

الشبهة : ٢٧١

الجواب : ٢٧١

مواقف علمائنا من الغلاة ٢٧٣

الخلاصة ٢٧٩

الولاية عند الشيعة أهمّ من التوحيد. ٢٨١

الشبهة : ٢٨١

الجواب : ٢٨١

أوّلاً : التوحيد أساس الدين. ٢٨١

ثانياً : ترابط أُصول الدين. ٢٨٣

ثالثاً : الولاية فرع التوحيد. ٢٨٤

الخلاصة ٢٨٥

علم أهل البيت عليهم‌السلام بالغيب غلو ٢٨٦

الشبهة : ٢٨٦

تمهيد : ٢٨٦

علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم..... ٢٨٦

والسؤال هو : ما هي حقيقة وجوهر علم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ ٢٨٧

أفضلية نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على سائر الأنبياء ٢٨٨

الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أعلم الأنبياء على الإطلاق. ٢٩١

الأنبياء يعلمون الغيب.. ٢٩٢

شواهد من علم الأنبياء بالغيب.. ٢٩٣

إخبار نبيّنا محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالغيب.. ٢٩٤

علم أهل البيت عليهم‌السلام.... ٢٩٥

الدليل العقلي على علم الإمام ٢٩٦

٣٥٩

الأدلة القرآنية على علم الإمام ٢٩٨

دعوة النبي إبراهيم لذرّيته ٢٩٨

الإمامة في الذرّية سنّة قرآنية ٣٠٠

ما هو الاصطفاء ؟ ٣٠١

الاصطفاء والعدالة الإلهية ٣٠٢

الذرية الصالحة للأنبياء عناية إلهية ٣٠٣

تقلّبهم في الأرحام المطهّرة ٣٠٤

أبعاد أُخرى. ٣٠٤

أوّلاً : البعد التاريخي. ٣٠٥

ثانياً : البعد الرسالي. ٣٠٥

ما هي حقيقة وراثة الأنبياء ؟ ٣٠٦

أهل البيت عليهم‌السلام ورثة الأنبياء ٣٠٧

١ ـ الإمام علي وذرّيته عليهم‌السلام وارثو رسول الله. ٣٠٧

٢ ـ الأنبياء يقرّون بولاية على وذرّيته عليهم‌السلام.... ٣٠٩

٣ ـ أهل البيت عليهم‌السلام ورثة الكتاب.. ٣٠٩

أعلميّة أهل البيت في القرآن الكريم. ٣١١

حقيقة علم الكتاب.. ٣١٢

حدود علم الكتاب.. ٣١٣

مَن الذي عنده علم الكتاب ؟ ٣١٤

الإمام علي عليه‌السلام أحصى علم كلّ شيء ٣١٤

اختصاص أهل البيت عليهم‌السلام بعلم الكتاب.. ٣١٦

مَن هم المطهّرون ؟ ٣١٩

الروايات الخاصة في علم أهل البيت عليهم‌السلام.... ٣٢٢

١ ـ علم الأنبياء عند أهل البيت عليهم‌السلام : ٣٢٢

٢ ـ علم الكتاب كلّه عند أهل البيت عليهم‌السلام : ٣٢٢

٣٦٠

361