الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية15%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214001 / تحميل: 8506
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

الإسلام ، ودفاعهما عن شريعة جدّهماصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما قاما به من إصلاح في الأمة الإسلامية ، ووقوفهما سداً منيعاً أمام كل المحاولات التي تستهدف النيل من الرسالة الإسلامية ؛ لما يحملانه من خصائص ، ومميّزات ، وقد تواترت الروايات في علو شأنهما وسمو مقامهما ، كل ذلك جعل لهما الدور الفاعل في التأثير البالغ في المسلمين ، سواء على الصعيد الفكري أم الاجتماعي أم غيرهما ، كل ذلك في زمن أصبحت الحياة الإسلامية فيه مسرحاً للخلافات ، والجرائم والآثام ، وأصبحت فيه الحكومة ملكاً عضوضاً يتوارثه بنو أمية فيما بينهم بالقهر والغلبة ، وقد انبرى الإمام الحسن والإمام الحسينعليهما‌السلام في ذلك الحين لمعالجة الواقع المرير ، وقد جاء في مجامع أحاديث السنّة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال في حق ابنه الحسنعليه‌السلام : ( إنّ ابني هذا سيّد ولعلّ الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين )(١) ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق ابنه الحسينعليه‌السلام :( حسين منّي وأنا منه أحبّ الله مَن أحبّه ، الحسن والحسين سبطان من الأسباط ) (٢)

ولذا قام الإمام الحسينعليه‌السلام ثائراً على الظلم آمراً بالمعروف ، ناهياً عن المنكر ، مضحّياً بنفسه وأهل بيته في سبيل إعلاء كلمة الحق ، طالباً

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري : ج ٢ ص ١٧٩ ح ٢٧٠٤ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٢٩١ ، وغيرها من المصادر الكثيرة جداً من الفريقين .

(٢) التاريخ الكبير ، البخاري : ج ٨ ص ٤١٥ ح ٣٥٣٦ ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٨ ص ٢٢٤ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٣ ص ٣٢ ح ٢٥٨٦ ، ج ٢٢ ص ٢٧٤ ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٥٧٥ ح ٣٧٢٧ ؛ فيض القدير في شرح الجامع الصغير ، المناوي : ج ٣ ص ٥١٣ ؛ وفي صحيح الجامع الصغير ، الألباني : ج ١ ص ٦٠١ ـ ٦٠٢ ح ٣١٤٦ ، قال عن الحديث بأنّه ، (حسن) ، وغيرها من المصادر الكثيرة .

٢١

الإصلاح في أمة جدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عندما لاحظ الممارسات البعيدة عن روح الدين والأخلاق من قِبَل الحكومة آنذاك ، حينما اتخذت الإسلام ستاراً لتغطية جرائمها وممارساتها المتهتّكة ؛ ولذا قالعليه‌السلام عندما خرج متوجّهاً إلى الكوفة :( إنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً وإنّما خرجت أطلب الإصلاح في أمة جدي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) (١) .

وقد قال الذهبي في مدحهما وبيان موقعهما القيادي في الأمةعليهما‌السلام : ( فمولانا الإمام علي من الخلفاء الراشدين ، وابناه الحسن والحسين : فسبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك )(٢)

ولا نطيل الحديث في ذلك بعد أن ثبت أنّهماعليهما‌السلام إمامان قاماً أو قعداً(٣) .

الإمام زين العابدينعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن إدريس الشافعي : ( هو أفقه أهل المدينة )(٤) .

وقال محمد بن أحمد الذهبي ( ت ٧٤٨ ) : ( كان له جلالة عجيبة ، وحق له والله ذلك ، فقد كان أهلاً للإمامة العظمى لشرفه ، وسؤدده وعلمه وتألّهه وكمال عقله )(٥) . وقال أيضاً : ( وزين العابدين : كبير القدر ، من سادة

ـــــــــــــ

(١) مقتل الحسين : الخوارزمي : ص ٢٧٣ ؛ الفتوح ، ابن أعثم الكوفي : ج ٥ ص ٣٤.

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٣) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي : ج ١٩ ص ٢١٦ ؛ نقلاً عن أهل البيت ، الأستاذ توفيق أبو علم : ص ١٩٥ ، طبعة مطبعة السعادة ـ القاهرة .

(٤) نقله الجاحظ في رسائله : ص ١٠٦ .

(٥) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ٤ ص ٣٩٨ .

٢٢

العلماء العاملين يصلح للإمامة )(١) .

وقال ابن حجر العسقلاني : ( علي بن الحسين بن علي بن أبي طالبعليه‌السلام الهاشمي زين العابدين ، ثقة ، ثبت ، عابد ، فقيه ، فاضل ، مشهور ، قال ابن عيينة عن الزهري : ما رأيت قرشياً أفضل منه )(٢) .

وقال ابن حجر في الصواعق : ( وأخرج أبو نعيم والسلفي لمّا حجّ هشام بن عبد الملك في حياة أبيه أو الوليد لم يمكنه أن يصل للحجر من الزحام ، فنُصب له منبر إلى جانب زمزم ، وجلس ينظر إلى الناس ، وحوله جماعة من أعيان أهل الشام ، فبينا هو كذلك إذ أقبل زين العابدين ، فلمّا انتهى إلى الحجر تنحّى له الناس حتى استلم ، فقال أهل الشام لهشام ، مَن هذا ؟ قال : لا أعرفه ؛ مخافة أن يرغب أهل الشام في زين العابدين ، فقال الفرزدق : أنا أعرفه ، ثم أنشد :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيت يعرفه والحلّ والحرمُ

هذا ابن خير عباد الله كلّهمُ

هذا التقي النقي الطاهر العلمُ

إذا رأته قريشٌ قال قائلها

إلى مكارم هذا ينتهي الكرمُ

ينمي إلى ذروة العِزّ التي قصرت

عن نيلها عرب الإسلام والعجمُ

ـــــــــــــ

(١) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٢) تقريب التهذيب ، ابن حجر : ج ١ ص ٦٩٢ .

٢٣

وكذا من أبيات تلك القصيدة :

هذا ابن فاطمةٍ إن كنت جاهله

بجدّه أنبياءُ الله قد خُتموا

فليس قولك من هذا بضائره

العرب تعرف مَن أنكرت والعجمُ

ثم قال :

من معشرٍ حبّهم دين وبغضهم

كفرٌ وقربهم منجى ومعتصمُ

لا يستطيع جواد بعد غايتهم

ولا يدانيهم قومٌ وإن كرموا

فلمّا سمع هشام غضب ، وحبس الفرزدق بعسفان )(١) .

الإمام الباقرعليه‌السلام :

قال في حقّه أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ : ( وهو سيّد فقهاء الحجاز ، ومنه ومن ابنه جعفر تعلّم الناس الفقه ، وهو الملقّب بالباقر ، باقر العلم ، لقبّه به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يخلق بعد ، وبشّر به ووعد جابر بن عبد

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٣ ـ ٣٠٤ .

٢٤

الله برؤيته ، وقال : ستراه طفلاً ، فإذا رأيته فبلّغه عنّي السلام ، فعاش جابر حتى رآه ، وقال له ما وصّى )(١) .

وقال الحافظ أبو نعيم الأصفهاني في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : ( ومنهم الحاضر الذاكر الخاشع الصابر أبو جعفر محمد بن علي الباقر ، كان من سلالة النبوّة ، وممّن جمع حسب الدين والأبوّة ، تكلّم في العوارض والخطرات ، وسفح الدموع والعبرات ، ونهى عن المراء والخصومات )(٢) .

وقال سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص : ( قال عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر علماً منهم عند أبي جعفر ، لقد رأيت الحكم عنده كأنّه مغلوب ، يعني بالحكم الحكم بن عيينة ، وكان عالماً نبيلاً جليلاً في زمانه )(٣) .

وقال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : ( سمّي بذلك ؛ لأنّه بقر العلم أي شقّه وعرف أصله وعرف خفيّه وهو تابعي جليل ، إمام بارع ، مجمع على جلالته ، معدود في فقهاء المدينة وأئمّتهم )(٤) .

وقال ابن خلكان : ( كان الباقر علماً ، سيّداً ، كبيراً ، وإنّما قيل له الباقر

ـــــــــــــ

(١) رسائل الجاحظ : ص ١٠٨ ؛ جمعها ونشرها حسن السندوبي .

(٢) حلية الأولياء ، أبو فرج الأصفهاني : ج ٣ ص ١٨٠ ، وكذا بألفاظ مختلفة في البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٩ ص ٣٣٩ .

(٣) تذكرة الخواص ، الذهبي : ص ٣٠٢ .

(٤) تهذيب الأسماء واللغات : ج ١ ص ١٠٣ .

٢٥

لأنّه تبقر في العلم )(١) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : ( أبو جعفر الباقر : سيّد ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة )(٢) ، وفي هذا المضمون ما قاله صلاح الدين الصفدي(٣) .

وقال محمد بن المنكدر : ( ما رأيت أحداً يفضّل على علي بن الحسين ، حتى رأيت ابنه محمداً ، أردت يوماً أن أعظه فوعظني )(٤) .

وقال ابن كثير في البداية والنهاية : ( وهو تابعي جليل ، كبير القدر كثيراً ، أحد أعلام هذه الأُمّة ، علماً وعملاً ، وسيادة وشرفاً )(٥) .

وقال الهيتمي في صواعقه بعد أن ذكر علي بن الحسينعليهما‌السلام ما نصّه : ( وارثه منهم ، عبادة وعلماً وزهادة ، أبو جعفر محمد الباقر سمّي بذلك : من بقر الأرض ، أي شقّها فلذلك هو أظهر من مخبآت كنوز المعارف ، وحقائق الأحكام والحكم واللطائف ، ما لا يخفى إلاّ على منطمس البصيرة ، أو فاسد الطويّة والسريرة ، ومن ثَمّ قيل فيه : هو باقر العلم ، وجامعه ، وشاهر علمه ، ورافعه صفا قلبه وزكى علمه وعمله ، وطهرت نفسه ، وشرف خلقه وعمرت أوقاته بطاعة الله ، وله من الرسوم في مقامات العارفين ما تكل عنه ألسنة الواصفين ، وله كلمات كثيرة في السلوك والمعارف لا تحملها هذه العجالة ، وكفاه شرفاً أنّ ابن المديني روى عن جابر أنّه قال له وهو صغير : رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسلّم عليك ، فقيل له وكيف

ـــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ، ابن خلكان : ج ٤ ص ٣٠ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ .

(٣) الوافي بالوفيات ، صلاح الدين الصفدي : ج ٤ ص ١٠٤ .

(٤) نقلاً عن تهذيب التهذيب : ج ٩ ص ٣١٣ .

(٥) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٩ ص ٣٣٨ .

٢٦

ذاك ؟ قال : كنت جالساً عنده والحسين في حجره وهو يداعبه ، فقال :يا جابر ، يولد له مولود اسمه علي ، إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ ليقم سيّد العابدين فيقوم ولده ، ثم يولد له ولد اسمه محمد ، فإن أدركته يا جابر فأقرئه منّي السلام ) (١) .

وقال أبو الحنبلي : ( قال عبد الله بن عطاء : ما رأيت العلماء عند أحد أصغر منهم علماً عنده ، وله كلام نافع في الحكم والمواعظ )(٢) .

وقال محمد بن علي الصبان في إسعاف الراغبين : ( وأما محمد الباقررضي‌الله‌عنه فهو صاحب المعارف وأخو الدقائق واللطائف ، ظهرت كراماته وكثرت في السلوك إشاراته ، لقب بالباقر لأنّه بقر العلم ، أي شقّه وعرف أصله وخفيّه )(٣) .

الإمام الصادقعليه‌السلام :

نقل عن أبي حنيفة أنّه قال : ( ما رأيت أحداً أفقه من جعفر بن محمد لمّا أقدمه المنصور الحيرة بعث إليّ ، فقال : يا أبا حنيفة ، إنّ الناس قد فتنوا بجعفر بن محمد فهيّئ له من مسائلك الصعاب ، قال : فهيّأت له أربعين مسألة ، ثم بعث إليّ أبو جعفر فأتيته بالحيرة ، فدخلت عليه وجعفر جالس عن يمينه ، فلمّا بصرت بهما دخلني لجعفر من الهيبة ما لم يدخل لأبي جعفر ، فسلّمت وأذن لي ، فجلست ، ثم ألتفت إلى جعفر ، فقال : يا أبا عبد

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٤ ـ ٣٠٥ .

(٢) شذرات الذهب في أخبار مَن ذهب : ج ١ ص ٢٦٠ .

(٣) إسعاف الراغبين : ص ٢٥٠ .

٢٧

الله ، تعرف هذا ؟ قال : نعم ، هذا أبو حنيفة ، ثم أتبعها : قد أتانا ، ثم قال : يا أبا حنيفة ، هات من مسائلك نسأل أبا عبد الله ، وابتدأت أسأله ، وكان يقول في المسألة : أنتم تقولون فيها : كذا وكذا ، وأهل المدينة يقولون : كذا وكذا ، ونحن نقول : كذا وكذا ، فربّما تابعنا ، وربّما تابع أهل المدينة ، وربّما خالفنا جميعاً ، حتى أتيت على أربعين مسألة ثم قال أبو حنيفة : أليس قد روينا أنّ أعلم الناس أعلمهم باختلاف الناس )(١) .

وقال في مختصر التحفة الاثني عشرية : ( لو لا السنتان لهلك النعمان )(٢) ، يعني السنتين اللتين نهل فيهما أبو حنيفة من بحر علم الإمام الصادقعليه‌السلام .

وقال الحافظ شمس الدين الجزري : ( وثبت عندنا أنّ كلاً من الإمام مالك ، وأبي حنيفة (رحمهما الله تعالى) صحب الإمام أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادقعليه‌السلام حتى قال أبو حنيفة : ما رأيت أفقه منه ، وقد دخلني منه من الهيبة ما لم يدخلني للمنصور )(٣) .

وقال الجاحظ بعد مدح عشرة من أهل البيتعليهم‌السلام ، ومن ضمنهم الإمام الصادقعليه‌السلام فقال : ( ومن الذي يُعد من قريش ، أو من غيرهم ما يعدّه الطالبيون عشرة في نسق ، كل واحد منهم عالم زاهد ناسك شجاع جواد طاهر زاك فمنهم خلفاء وهذا لم يتفق لبيت من بيوت العرب ولا بيوت العجم )(٤) .

ـــــــــــــ

(١) تهذيب الكمال ، المزي : ج ٥ ص ٧٩ ؛ نشر مؤسسة الرسالة .

(٢) نقلاً عن أسنى المطالب عمّا في مناقب سيّدنا علي بن أبي طالب : ص ٥٥ .

(٣) المصدر نفسه : ص ٥٥ .

(٤) رسائل الجاحظ : ص ١٠٦ .

٢٨

وقال الذهبي في ترجمة مطوّلة للإمام الصادقعليه‌السلام في كتابه تاريخ الإسلام ، قال في آخرها : ( مناقب جعفر كثيرة ، وكان يصلح للخلافة ، لسؤدده وفضله وعمله وشرفه (رضوان الله عليه) )(١) .

وقال أبو عبد الله سلمان اليافعي في كتابه مرآة الجنان ، في أحداث سنة (٤٨ هـ) : ( الإمام السيد الجليل سلالة النبوّة ومعدن الفتوّة أبو عبد الله جعفر الصادقعليه‌السلام ، ودُفن بالبقيع في قبر فيه أبوه محمد الباقر وجدّه زين العابدين وعمّ جده الحسن بن علي (رضوان الله عليهم أجمعين) ، وأكرم بذلك القبر وما جمع من الأشراف الكرام أُولي المناقب ، وإنّما لقّب بالصادق لصدقه في مقالته ، وله كلام نفيس في علوم التوحيد وغيرها ، وقد ألّف تلميذه جابر بن حيان الصوفي كتاباً يشتمل على ألف ورقة يتضمّن رسائله ، وهي خمس مائة رسالة )(٢) .

وقال ابن حجر العسقلاني : ( جعفر بن محمد المعروف بالصادق ، صدوق ، فقيه ، إمام )(٣) .

قال الملا أبو علي القاري في شرح الشفا : ( جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي المدني المعروف بالصادق متفق على إمامته وجلالته وسيادته )(٤) .

وقال محمد بن عبد الرؤوف المناوي القاهري في الكواكب الدريّة :

ـــــــــــــ

(١) تاريخ الإسلام (حوادث ووفيات سنة ١٤١ ـ ١٦٠) ، الذهبي : ص ٩٣ .

(٢) مرآة الجنان وعبرة اليقظان : ج ١ ص ٢٣٨ .

(٣) تقريب التهذيب ، ابن حجر : ج ١ ص ١٦٣ .

(٤) شرح الشفا ، أبو علي القاري : ج ١ ص ٤٣ ـ ٤٤ .

٢٩

 ( جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب إماماً وله كرامات كبيرة ومكاشفات شهيرة منها أنّه سُعي به عند المنصور ، فلمّا حجّ أحضر الساعي ، وقال للساعي أتحلف ؟ قال : نعم ، فحلف ، فقال : جعفر المنصور حلّفه بما رآه ، فقال : قل برئت من حول الله وقوّته ، والتجأ إلى حولي وقوّتي ، لقد فعل جعفر كذا وكذا ، فامتنع الرجل ، ثم حلف فمات مكانه ، ومنها أنّ بعض الطغاة قتل مولاه فلم يزل يصلّي ، ثم دعا عليه عند السحر فسمعت الضجّة بموته ، ومنها أنّه لمّا بلغه قول الحكم بن عباس الكلبي في عمّه زيد :

صَلَبْنا لكم زيْداً على جِذْعِ نَخْلَةٍ

ولم نرَ مَهْديّاً على الجذْعِ يُصْلَبُ

قال اللّهمّ سلّط عليه كلباً من كلابك ، فافترسه الأسد )(١) .

وقال ابن حجر الهيتمي في صواعقه : ( ونقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان وانتشر صيته في جميع البلدان )(٢) .

الإمام الكاظمعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن إدريس المنذر ، أبو حاتم (ت ٢٧٧ هـ) : ( ثقة صدوق إمام من أئمة المسلمين )(٣) .

وقال الفخر الرازي في بيان معنى الكوثر : ( والقول الثالث : الكوثر

ـــــــــــــ

(١) الكواكب الدريّة : ص ٩٤ .

(٢) الصواعق ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٥ .

(٣) ذكره الذهبي في سير أعلام النبلاء : ج ٦ ص ٢٧٠ .

٣٠

أولاده الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضاعليهم‌السلام )(١) .

وقال ابن حجر الهيتمي قال : ( موسى الكاظم : وهو وارثه [ أي جعفر الصادق ] علماً ومعرفةً وكمالاً وفضلاً ، سُمّي الكاظم لكثرة تجاوزه وحلمه ، وكان معروفاً عند أهل العراق بباب قضاء الحوائج عند الله ، وكان أعبد أهل زمانه وأعلمهم وأسخاهم .

وسأله الرشيد كيف قلتم : إنّا ذرّية رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنتم أبناء علي ؟ فتلى :( ومِن ذُرّيّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى‏ وَهَارُونَ وَكَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيّا وَيَحْيَى‏ وَعِيسَى‏ وَإِلْيَاسَ كُلّ مِنَ الصّالِحِينَ ) (٢) ، [وعيسى] ليس له أب ، وأيضاً قال تعالى :( فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٣) ، ولم يدعُ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مباهلته النصارى غير علي وفاطمة والحسن والحسين (رضي الله عنهم) ، فكان الحسن والحسين هما الأبناء )(٤) .

وقال خير الدين الزركلي (ت ١٣٩٦) : ( كان من سادات بني هاشم ، ومن أعبد أهل زمانه ، وأحد كبار العلماء الأجواد )(٥) .

ـــــــــــــ

(١) التفسير الكبير ، الفخر الرازي : ج ١٦ ص ١٢٥ .

(٢) الأنعام : ٨٤ ـ ٨٥ .

(٣) آل عمران : ٦١ .

(٤) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨ .

(٥) الأعلام ، خير الدين الزركلي : ج ٧ ص ٣٢١ .

٣١

الإمام الرضاعليه‌السلام :

قال في حقّه ابن حبان (ت ٣٥٤ هـ) : ( وهو علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أبو الحسن ، من سادات أهل البيت وعقلائهم وجلة الهاشميين ونبلائهم وقبره بسناباذ خارج النوقان مشهور يزار بجنب قبر الرشيد ، قد زرته مراراً كثيرة ، وما حلّت بي شدّة في وقت مقامي بطوس فزرت قبر علي بن موسى الرضا (صلوات الله على جدّه وعليه) ودعوت الله إزالتها عنّي إلا أستجيب لي وزالت عنّي تلك الشدّة ، وهذا شيء جرّبته (صلّى الله عليه وسلام الله عليه وعليهم أجمعين) )(١) .

وقال الذهبي (ت ٧٤٨ هـ) في سير أعلام النبلاء : (علي الرضا الإمام السيد ، أبو الحسن ، علي الرضا بن موسى الكاظم بن جعفر الصادق بن محمد الباقر بن علي بن الحسين ، الهاشمي العلوي المدني وكان من العلم والدين والسؤدد بمكان ، يقال : أفتى وهو شاب في أيام مالك وقد كان علي الرضا كبير الشأن أهلاً للخلافة )(٢) .

وقال أيضاً : ( علي بن موسى الرضا كبير الشأن ، له علم وبيان ، ووقع في النفوس ، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته )(٣) .

وقال الحاكم النيسابوري في تاريخه : ( كان يفتي في مسجد رسول

ـــــــــــــ

(١) الثقات ، الألباني : ج ٨ ص ٤٥٦ ـ ٤٥٧ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ٩ ص ٣٨٧ ـ ٣٩٢ .

(٣) المصدر نفسه : ج ١٣ ص ١٢١ .

٣٢

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ابن نيّف وعشرين سنة )(١) .

الإمام الجوادعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن طلحة الشافعي : ( عُرف بأبي جعفر الثاني ، وهو وإن كان صغير السن ، فهو كبير القدر رفيع الذكر )(٢) .

وقال ابن الجوزي : ( كان على منهاج أبيه في العلم والتقى والزهد والجود )(٣) .

وقال ابن تيمية : ( كان من أعيان بني هاشم معروف بالسخاء والسؤدد ، ولهذا سُمّي الجواد)(٤) .

وقال الذهبي : ( كان من سروات آل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٥) ، وقد أشار إلى فضله وشرفه صلاح الدين الصفدي في مرآة الجنان(٦) .

وقال الذهبي أيضاً : ( محمد الجواد من سادة قومه )(٧) .

وقال ابن الصباغ المالكي : ( وإن كان صغير السن ، فهو كبير القدر رفيع الذكر ، القائم بالإمامة بعد علي بن موسى الرضا )(٨) .

ـــــــــــــ

(١) نقل قوله ابن حجر في تهذيب التهذيب : ج ٧ ص ٣٣٩ .

(٢) مطالب السؤول في مناقب الرسول ، كمال الدين الشافعي : ج ٢ ص ١٤٠ .

(٣) تذكرة الخواص ، السبط ابن الجوزي : ص ٣٢١ .

(٤) منهاج السنّة ، ابن تيمية : ج ٤ ص ٦٨ .

(٥) تاريخ الإسلام: (حوادث ووفيات سنة ٢١١ ـ ٢٢٠) ، الذهبي : ص ٣٥٨ .

(٦) مرآة الجنان ، عبد الله بن أسعد المكي: ج ٢ ص ٦٠ ـ ٦١ .

(٧) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢١ .

(٨) الفصول المهمّة في معرفة أحوال الأئمّة ، ابن الصباغ المالكي : ص ٢٥٣ .

٣٣

وقال يوسف بن إسماعيل النبهاني (ت ١٣٥٠ هـ) : ( محمد الجواد بن علي الرضا أحد أكابر الأئمّة ومصابيح الأُمّة من سادات أهل البيت توفّى وله من العمر (٢٥) سنة وشهر رضي الله عليه وعن آبائه الطيبين الطاهرين وأعقابهم أجمعين ونفعنا ببركتهم آمين )(١) .

وقال محمود بن وهيب : ( وهو الوارث لأبيه علماً وفضلاً ، وأجلّ أخوته قدراً وكمالاً )(٢) .

وقال السيد محمد عبد الغفار الهاشمي الأفغاني : ( خاف الملك المعتصم على ذهاب ملكه إلى الإمام محمد الجوادعليه‌السلام إذ كان له قدر عظيم علماً وعملاً )(٣) .

الإمام الهاديعليه‌السلام :

قال في حقّه شمس الدين الذهبي في ( العبر ) : ( وفيها ـ أي سنة ٢٥٤ هجرية ـ توفّي أبو الحسن علي بن الجواد محمد ابن الرضا علي بن الكاظم موسى العلوي الحسيني المعروف بالهادي ، توفّي بسامراء وله أربعون سنة ، وكان فقيهاً إماماً متعبّداً )(٤) . وفي مجال الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نجدهعليه‌السلام يستثمر الفرص لإبداء النصح ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث قال

ـــــــــــــ

(١) جامع كرامات الأولياء : ج١ : ص ١٦٨ ـ ١٦٩ .

(٢) أئمّتنا : محمد علي دخيل : ج ٢ ص ٢٠٦ .

(٣) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ١٢ ص ٤١٧ ، نقلاً عن كتاب أئمّة الهدى : ص ١٣٥ ـ ط ١ القاهرة .

(٤) العبر في أخبار مَن غبر : ج ١ ص ٢٢٨ ؛ وكذا مرآة الجنان وعبرة اليقظان : ج ٢ ص ١١٩ .

٣٤

ابن خلكان في وفيات الأعيان : ( وهو أحد الأئمّة الاثني عشر عند الإمامية ، كان قد سُعي به إلى المتوكل ، وقيل : إنّ في منزله سلاحاً وكتباً وغيرها من شيعته ، وأوهموه أنّه يطلب الأمر لنفسه ، فوجّه إليه بعدّة من الأتراك ليلاً ، فهجموا عليه في منزله على غفلة ، فوجدوه وحده في بيت مغلق ، وعليه مدرعة من شعر يترنّم بآيات من القرآن في الوعد والوعيد ، ليس بينه وبين الأرض بساط إلاّ الرمل والحصى ، فأخذ على الصورة التي وجد عليها ، وحُمل إلى المتوكل في جوف الليل ، فمثُل بين يديه ، والمتوكل يستعمل الشراب وفي يده كأس ، فلمّا رآه أعضمه وأجلسه إلى جنبه ، ولم يكن في منزله شيء ممّا قيل عنه فناوله المتوكل الكأس الذي كان بيده ، فقال : اعفني ، ما خامر لحمي ودمي قط ، فاعفني منه ، فأعفاه وقال : أنشدني شعراً استحسنه ، فقال : إنّي لقليل الرواية للشعر ، قال : لابد أن تنشدني ، فأنشده :

باتوا على قلل الأجبال تحرسهم

غلبُ الرجال فما أغنتهم القللُ

واستُنزلوا بعد عز من معاقلهم

فأودعوا حفراً يا بئس ما نزلوا

ناداهم صارخٌ من بعد ما قُبروا

أين الأسرة والتيجان والحللُ

أين الوجوه التي كانت منعمةً

من دونها تُضرب الأستار والكللُ

٣٥

فأفصح القبر عنهم حين ساءلهم

تلك الوجوه عليها الدود يقتتلُ

قد طالما أكلوا دهراً وما شربوا

فأصبحوا بعد طول الأكل قد أُكلوا(١)

وبنفس هذا المضمون قال ابن الوردي في كتابه أخبار مَن غبر(٢) ، وكذا أبو صلاح الصفدي(٣) .

وقال ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة : ( قال بعض أهل العلم : فضل أبي الحسن علي بن محمد الهادي قد ضرب على الحرة بابه ، ومدّ على نجوم السماء أطنابه فما تعدّ منقبة إلاّ وإليه نحلتها ، ولا تذكر كريمة إلاّ وله فضيلتها ، ولا تورد محمدة إلاّ وله تفضلها وجملتها فكانت نفسه مهذّبة وأخلاقه مستعذبة وسيرته عادلة وخلاله فاضلة جرى على الوقار والسكون والطمأنينة والعفّة والنزاهة ، والخمول في النباهة على وتيرة نبوية وشنشنة علوية ونفس زكية وهمّة عليّة )(٤) .

وقال ابن حجر الهيتمي في الصواعق المحرقة : ( توفّى [ الجواد ] وعمره خمس وعشرون سنة عن ذكرين وبنتين أجلّهم علي العسكري وكان وارث أبيه علماً وسخاءً )(٥) .

ـــــــــــــ

(١) وفيات الأعيان ، ابن خلكان : ج ٣ ص ٢٣٨ ؛ دار الكتب العلمية .

(٢) العبر في أخبار من غبر: ج ١ ص ٣٦٤ .

(٣) الوافي بالوفيات ، الصفدي : ج ٢٢ ص ٧٢ ـ ٧٣ .

(٤) الفصول المهمّة : ص ٢٧٠ .

(٥) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣١٢ .

٣٦

وقال ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب : ( أبو الحسن المعروف بالهادي كان فقيهاً إماماً متعبّداً )(١) .

وقال الذهبي في سير أعلام النبلاء : ( وكذا ولده الملقّب بالهادي شريف جليل )(٢) .

الإمام العسكريعليه‌السلام :

قال في حقّه محمد بن طلحة الشافعي : ( اعلم أنّ المنقبة العليا والمزية الكبرى التي خصّه الله عزّ وجلّ بها ، وقلّده فريدها ، ومنحه تقليدها ، وجعلها صفة دائمة لا يبلي الدهر جديدها ، ولا تنسى الألسن تلاوتها وترديدها ، أنّ المهدي محمد من نسله المخلوق منه وولده المنتسب إليه ، وبضعته المنفصلة عنه )(٣) .

وقال ابن الجوزي : (... كان عالماً ثقة )(٤) وقال ابن الصباغ المالكي : ( مناقب سيّدنا أبي محمد العسكري دالة على أنّه السري ابن السري ، فلا يشك في إمامته أحد ولا يمتري واحد زمانه من غير مدافع ، ويسبح وحده من غير منازع ، وسيد أهل عصره ، وإمام أهل دهره ، أقواله سديدة وأفعاله حميدة كاشف الحقائق بنظره الصائب ، ومظهر الدقائق بفكره الثاقب ، المحدّث في سرّه بالأمور الخفيات ، الكريم

ـــــــــــــ

(١) شذرات الذهب ، عماد الحنبلي : ج ٢ ص ٢٧٢ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢١ .

(٣) مطالب السؤول في مناقب آل الرسول : ج ٢ ص ١٤٨ .

(٤) تذكرة الخواص : ص ٣٢٤ .

٣٧

الأصل والنفس والذات ، تغمّده الله برحمته وأسكنه فسيح جنانه بمحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم آمين )(١) .

وقال العباس بن نور الدين المكي (ت ١١٨٠ هـ) : ( أبو محمد الإمام الحسن العسكري : نسبه أشهر من القمر ليلة أربعة عشر يعرف هو وأبوه بالعسكري ، وأمّا فضائله فلا يحصرها السن )(٢) .

وعن الشريف علي بن الدكتور محمد عبد الله فكري الحسيني القاهري : ( قال نسبه ولمّا ذاع خبر وفاته ارتجّت سُرّ مَن رأى وقامت صيحة واحدة ، وعطلت الأسواق ، وأغلقت الدكاكين ، وركب بنو هاشم والقوّاد والكتّاب والقضاة وسائر الناس إلى جنازته ، وكانت سرّ مَن رأى يومئذ شبيه بالقيامة )(٣) .

وقال الحضرمي الشافعي : ( أبو محمد الحسن الخالص بن علي العسكري ، كان عظيم الشأن جليل المقدار ووقع له مع المعتمد لما حبسه كرامة ظاهرة مشهورة )(٤)

وقد جمع مدحهمعليهم‌السلام الذهبي في عبارة جامعة حيث قال : ( إنّ بني هاشم أفضل القريش ، وقريشاً أفضل العرب ، والعرب أفضل بني آدم ، كما صحّ عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله في الحديث الصحيح :إنّ الله اصطفى بني

ـــــــــــــ

(١) الفصول المهمة : ص ٢٧٩ ؛ وقال بمضمونه نور الدين السمهودي في كتابه الإتحاف بحب الأشراف .

(٢) حياة الإمام العسكري ، القرشي : ص ٦٩ .

(٣) شرح إحقاق الحق : ج ٢٩ ص ٦٠ ـ ٦١ ، نقلاً عن أحسن القصص : ج ٤ ص ٣٠٤ .

(٤) قادتنا كيف نعرفهم ، السيد الميلاني : ج ٧ ص ١١٥ ، عن وسيلة المآل في عدّ مناقب الآل : ص ٤٢٦ .

٣٨

إسماعيل ، واصطفى كنانة من بني إسماعيل ، واصطفى قريشاً من كنانة ، واصطفى بني هاشم من قريش )(١) .

وقال الذهبي في ترجمته للإمام المهدي المنتظرعليه‌السلام : ( ومحمد هذا هو الذي يزعمون أنّه الخلف الحجّة ، وأنّه صاحب الزمان ، وأنّه حي لا يموت ، حتى يخرج ، فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما مُلئت ظلماً وجوراً .

فوددنا ذلك ، والله .

فمولانا الإمام علي : من الخلفاء الراشدين ، وابناه الحسن والحسين : فسبطا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّدا شباب أهل الجنة ، لو استخلفا لكانا أهلاً لذلك .

وزين العابدين : كبير القدر ، من سادة العلماء العاملين ، يصلح للإمامة .

وكذلك ابنه أبو جعفر الباقر : سيد ، إمام ، فقيه ، يصلح للخلافة .

وكذلك ولده جعفر الصادق : كبير الشأن ، من أئمّة العلم ، كان أولى بالأمر من أبي جعفر المنصور .

وكان ولده موسى : كبير القدر ، جيد العلم ، أولى بالخلافة من هارون .

وابنه علي بن موسى الرضا : كبير الشأن ، له علم وبيان ، ووقع في النفوس ، صيّره المأمون ولي عهده لجلالته .

وابنه محمد الجواد : من سادة قومه .

وكذا ولده الملقّب بالهادي : شريف جليل .

وكذلك ابنه الحسن بن علي العسكري رحمهم الله تعالى )(٢) .

ـــــــــــــ

(١) رأس الحسين ، ابن تيمية : ص ٢٠٠ ـ ٢٠١ .

(٢) سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج ١٣ ص ١٢٠ ـ ١٢١ .

٣٩

ومن جميع ما تقدّم يتضح ـ لمَن له أذن واعية ـ بطلان المقولة القائلة بأنّ الإمامة لا فائدة منها ، وأنّ الأئمّة الاثني عشر من آل محمد (صلوات الله عليهم أجمعين) لم يمارسوا دورهم القيادي في الحكومة وهداية الأمة ؛ وذلك لقيام الأئمّة بمسؤوليتهم وأداء دورهم في حياة الأمة في الحفاظ على الرسالة ، وتحصينها ضد التردّي والسقوط في الهاوية .

وإنّ إقصاءهم عن تسلّم الحكم لا يعني تخلّيهم عن مسؤوليتهم في تحمّل أعباء الإمامة بما لها من أبعاد أخرى .

تراث زاخر

وأمّا قول المستشكل : أين هي أقوال أئمّة الاثني عشرية ؟

فنقول : ما عليك إلاّ بمراجعة يسيرة للتراث الشيعي حتى تجده زاخراً بروايات وتوصيات وتوجيهات أهل البيتعليهم‌السلام في كل المجالات ، ولم تقتصر الاستفادة منها على شيعتهم وأتباعهم فقط ، وإنّما عمّت الفائدة لكل الطوائف الأخرى ، كما تقدّم .

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

يبغضني إلّا منافق ولا يُحبّني إلّا مؤمن.١

وقد أعرب عن ذلك الإمام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام في خطبته في جامع دمشق، عند ما صعد المنبر وعرَّف نفسه فحمد الله وأثنىٰ عليه، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب، ثمّ قال:

« أيّها الناس أُعطينا ستّاً وفُضِّلنا بسبع، أُعطينا: العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبَّة في قلوب المؤمنين ».٢

ولا عجب في أنّه تبارك وتعالى سمّاهم كوثراً أي الخير الكثير، وقال:( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) قال الرازي: الكوثر: أولاده، لأنّ هذه السورة إنّما نزلت ردّاً على من عابهعليه‌السلام بعدم الأولاد، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيتعليهم‌السلام ، ثم العالم ممتلئ منهم ولم يبق من بني أُميّة في الدنيا أحد يُعبأ به، ثمّ انظر كم كان فيها من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضاعليهم‌السلام .٣

إنّ محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام لم تكن محبة نابعة من حبّه لنسَبه بل كان واقفاً على ما يبلغ إليه ولده الحسينعليه‌السلام في الفضل والكمال والشهادة في سبيله، ونجاة الأُمّة من مخالب الظلم، والثورة على الظلم والطغيان، وهناك كلام للعلّامة المجلسي يقول :

إنّ محبة المقربين لأولادهم وأقربائهم وأحبّائهم ليست من جهة الدواعي

__________________

١. مسند أحمد: ١ / ٨٤، إلى غير ذلك من المصادر المتوفرة.

٢. بحار الأنوار: ٤٥ / ١٣٨.

٣. تفسير الفخر الرازي: ٣٢ / ١٢٤.

٢٢١

النفسانية والشهوات البشرية، بل تجرّدوا عن جميع ذلك وأخلصوا حُبَّهم، و وُدَّهم لله. وحُبّهم لغير الله إنّما يرجع إلى حبهم له، ولذا لم يحب يعقوب من سائر أولاده مثل ما أحبّ يوسفعليه‌السلام منهم، ولجهلهم بسبب حبّه له نسبوه إلى الضلال، وقالوا: نحن عصبة، ونحن أحقّ بأن نكون محبوبين له، لأنّا أقوياء على تمشية ما يريده من أُمور الدنيا، ففرط حبّه يوسف إنّما كان لحب الله تعالى له واصطفائه إيّاه فمحبوب المحبوب محبوب.١

__________________

١. سفينة البحار: ١ / ٤٩٦، مادة حبب.

٢٢٢

من سمات أهل البيت:

٣

استجابة دعائهم :

الابتهال إلى الله وطلب الخير منه أو طلب دفع الشرِّ ومغفرة الذنوب، أمر مرغوب، يقوم به الإنسان تارة بنفسه، وأُخرى يتوصل إليه بدعاء الغير.

واستجابة الدعاء رهن خرق الحجب والوصول إليه سبحانه، حتى يكون الدعاء مصداقاً لقوله سبحانه:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ١ وليس كلّ دعاء مستجاباً وصاعداً إليه سبحانه، فانّ لاستجابة الدعاء شروطاً مختلفة قلّما تجتمع في دعاء الإنسان العادي.

نعم هناك أُناس مطهّرون من الذنوب يكون دعاؤهم صاعداً إلى الله سبحانه ومستجاباً قطعاً، ولذلك حثَّ سبحانه المسلمين على التشرّف بحضرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلب الاستغفار منه، قال سبحانه:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) .٢

وقال سبحانه:( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ

__________________

١. غافر: ٦٠.

٢. آل عمران: ٦٥.

٢٢٣

وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ) .١

ولذلك طلب أبناء يعقوب من أبيهم أن يستغفر لهم كما يحكيه قوله سبحانه:( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) .٢

ويظهر ممّا جرى بين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووفد نجران من المحاجَّة والمباهلة أنّ أهل البيت إذا أمَّنوا علىٰ دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُستجاب دعاءه، فقد وفد نصارى نجران على الرسول وطلبوا منه المحاجَّة، فحاجَّهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببرهان عقلي تشير إليه الآية المباركة:( إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فيَكُونُ ) .٣

فقد قارعهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا البيان البليغ الذي لا يرتاب فيه ذو مرية، حيث كان نصارىٰ نجران يحتجّون ببنوّة المسيح بولادته بلا أب فوافاهم الجواب: « بأنّ مثل المسيح كمثل آدم، إذ لم يكن للثاني أب ولا أُمّ مع أنّه لم يكن ابناً لله سبحانه » وأولى منه أن لا يكون المسيح ابناً له.

ولـمّا أُفحموا في المحاجَّة التجأوا إلى المباهلة والملاعنة، وهي وإن كانت دائرة بين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجال النصارى، لكن عمَّت الدعوة للأبناء والنساء، للدلالة على اطمئنان الداعي بصدق دعوته وكونه على الحقّ، وذلك لما أودع الله سبحانه في قلب الإنسان من محبة الأولاد والشفقة عليهم، فتراه يقيهم بنفسه ويركب الأهوال والاخطار دونهم، ولذلك قدَّم سبحانه في الآية المباركة الأبناء على النساء، وقال:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ

__________________

١. المنافقون: ٥.

٢. يوسف: ٩٧.

٣. آل عمران: ٥٩.

٢٢٤

أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) .١

وإنَّ إتيانه سبحانه بلفظ الأبناء بصيغة الجمع يعرب عن أنّ طرف الدعوى لم يكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده بل أبناؤه ونساؤه، ولذلك عدَّتهم الآية نفس النبي ونساء النبي وأبناءه من بين رجال الأُمة ونسائهم وأبنائهم.

ثمّ إنّ المفسرين قد ساقوا قصة المباهلة بشكل مبسوط منهم صاحب الكشّاف، قال: لـمـّا دعاهم إلى المباهلة، قالوا: حتى نرجع وننظر.

فلّما تخالوا قالوا للعاقب، وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى ؟ فقال: والله لقد عرفتم يامعشر النصارى أنّ محمّداً نبيّ مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيّاً قطُّ، فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكنّ، فإن أبيتم إلّا إِلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

فأتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه، وعليٌّ خلفها، وهو يقول: « إذا أنا دعوت فأمِّنوا ».

فقال أُسقف نجران: يا معشر النصارى ! إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يُزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتُهلكوا، ولا يبقىٰ على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرّك على دينك، ونثبت على ديننا. قال: « فإذا أبيتم المباهلة، فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم ».

__________________

١. آل عمران: ٦١.

٢٢٥

فأبوا. قال: « فإنّي أُناجزكم »، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا، ولا تخيفنا، ولا تردُّنا عن ديننا، على أن نؤدّي إليك كلّ عام ألفي حلّة، ألف في صفر، وألف في رجب، وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك.

وقال: « والذي نفسي بيده أنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا ».

وعن عائشة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ فاطمة، ثمّ عليٌّ، ثمّ قال:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) .١

الشاهد على استجابة دعائهم أمران:

أ: قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أنا دعوت فأمّنوا، فكان دعاء النبي يصعد بتأمينهم، وأيُّ مقام أعلى وأنبل من أن يكون دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاعداً بفضل دعائهم.

ب: قول أُسقف نجران: « إنّي لأرىٰ وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها » والضمير يرجع إلى الوجوه، أي لأزاله بدعائهم أو لأزاله بالقسم على الله بهم، وقد أيَّد القول الثاني ابن البطريق في « العمدة » حيث قال: المباهلة بهم تصدق دعوى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، فقد صار إبطال محاجَّة أهل نجران في القرآن الكريم بالقسم على الله بهم.٢

__________________

١. الكشّاف: ١ / ٣٢٦ - ٣٢٧، ط عام ١٣٦٧ ه‍.

٢. العمدة: ٢٤٣.

٢٢٦

وقد تركت مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته أثراً بالغاً في نفوس المسلمين، يشهد عليها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما يمنعك أن تسبَّ أباتراب ؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، فلن أسبَّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم.

سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه، فقال له عليُّ: يا رسول الله، خلّفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي ؟

وسمعته يوم خيبر، يقول: لأُعطينّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله.

قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليّاً، فأُتي به أرمد العين، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح الله على يديه.

ولما نزلت هذه الآية:( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) دعا رسول الله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: أللّهم هؤلاء أهل بيتي.١

__________________

١. صحيح مسلم: ٧ / ١٢٠، باب فضائل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

٢٢٧

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٤

ابتغاء مرضاة الله تعالى ٰ

الإنسان الكامل، هو الذي لا يفعل شيئاً ولا يتركه إلّا لابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالى، فيصل في سلوكه ورياضاته الدينيَّة إلىٰ مكان تفنىٰ فيه كلّ الدوافع والحوافز إلّا داع واحد وهو طلب رضا الله تبارك وتعالى، فإذا بلغ هذه الدرجة فقد بلغ الذروة من الكمال الإنساني، وربَّما يبلغ الإنسان في ظل الرضا درجة لا يتمنّى وقوع ما لم يقع، أو عدم ما وقع، وإلى ذلك المقام يشير الحكيم السبزواري بما في منظومته:

وبهجة بما قضى الله رضا

وذو الرضا بما قضى ما اعترضا

أعظم باب الله، في الرضا وُعي١

وخازن الجنّة رضواناً دُعي

فقرا على الغنى صبورٌ ارتضى

وذان سيّان لصاحب الرضا

عن عارف عُمّر سبعين سنة

إن لم يقل رأساً لأشيا كائنة

يا ليت لم تقع ولا لما ارتفع

مما هو المرغوب ليته وقع٢

__________________

١. إشارة إلى ما روي أنّ الرضا باب الله الأعظم.

٢. شرح منظومة السبزواري: ٣٥٢.

٢٢٨

وممَّن يمثل ذلك المقام في الأُمّة الإسلامية هو إمام العارفين وسيد المتّقين عليٌّ أمير المؤمنينعليه‌السلام فهو في عامَّة مواقفه، في جهاده ونضاله، وعزلته وقعوده في بيته، وفي تسنّمه منصَّة الخلافة بإصرار من الأُمّة، فهو في كلّ هذه الأحوال والمواقف، لا همّ له إلّا طلب رضوانه تعالى.

وقد صرح الإمام بذلك عندما طلب منه تسلّم مقاليد الخلافة، فقال: « أما والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألّا يقارُّوا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ».١

وقد تجلّت هذه الخصلة في عليٍّعليه‌السلام حين مبيته في فراش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

روى المحدّثون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لـمّا أراد الهجرة خلّف عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بمكّة لقضاء ديونه وردّ الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له: يا عليُّ اتَّشح ببردي الحضرمي الأخضر، ثمّ نم على فراشي، فانّه لا يخلص إليك منهم مكروه، إن شاء الله عزّ وجلّ، ففعل ذلكعليه‌السلام فأوحى الله عزّ وجلّ إلى جبرئيل وميكائيلعليهما‌السلام إنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟، فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله عزّ وجلّ إليهما: ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنام على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه.

__________________

١. نهج البلاغة: الخطبة ٣.

٢٢٩

فقال جبرئيل: بَخٍّ بَخٍّ مَن مثلك يابن أبي طالب ؟ يباهي الله بك الملائكة، فأنزل الله تعالى على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو متوجِّه إلى المدينة في شأن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ ) .١

وقد نقل غير واحد نزول الآية في حقّ عليٍّعليه‌السلام .

وقال ابن عباس: أنشدني أمير المؤمنين شعراً قاله في تلك الليلة:

وقيت بنفسي من وطئ الحصا

وأكرم خلق طاف بالبيت والحجر

وبتُّ أُراعي منهم ما يسوءني

وقد‌صبَّرت نفسي على‌القتل والأسر

وبات رسول الله في الغار آمناً

ومازال في حفظ الإله وفي الستر٢

وإلى هذه الفضيلة الرابية وغيرها يشير حسّان بن ثابت في شعره عند مدح عليٍّعليه‌السلام :

من ذا بخاتمه تصدَّق راكعا

وأسرّها في نفسه إسرارا

من كان بات على فراش محمّد

ومحمد اسرى يؤم الغارا

من كان في القرآن سمّي

في تسع آيات تلين غزارا٣

محاولة طمس الحقيقة لولا

إنّ عظمة هذه الفضيلة وأهميّة هذا العمل التضحويّ العظيم، دفعت بكبار علماء الإسلام إلى اعتبارها واحدة من أكبر فضائل الإمام عليّعليه‌السلام، وإلى أن

__________________

١. البقرة: ٢٠٧.

٢. شواهد التنزيل: ١ / ١٣٠ ؛ أُسد الغابة: ٤ / ٢٥.

٣. سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواصّ: ٢٥، ط عام ١٤٠١ ه‍.

٢٣٠

يَصِفُوا بها عليّاً بالفداء والبذل والإيثار، وإلى أن يعتبروا نزول الآية المذكورة في شأنه من المسلّمات، كلّ ما بلغ الحديث في التفسير والتاريخ إليها.١

إنّ هذه الحقيقة لا تنسي أبداً، فإنّه من الممكن إخفاء وجه الواقع والتعتيم عليه بعض الوقت إلّا أنّه سرعان ما تمزّق أشعةُ الحقيقة الساطعة حجبَ الأوهام، وتخرج شمس الحقيقة من وراء الغيوم.

إنّ معاداة معاوية لأهل بيت النبوّة وبخاصّة للإمام أمير المؤمنين عليٍّعليه‌السلام ممّا لا يمكن النقاش فيه.

فقد أراد هذا الطاغية من خلال تطميع بعض صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يلوّث صفحات التاريخ اللّامعة ويخفي حقائقه بوضع الأكاذيب، ولكنّه لم يحرز في هذا السبيل نجاحاً.

فقد عمد « سمرة بن جندب » الذي أدرك عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ انضمّ بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بلاط معاوية بالشام، عمد إلى تحريف الحقائق مقابل أموال أخذها من الجهاز الأموي، الحاقد على أهل البيت.

فقد طلب منه معاوية بإصرار أن يرقى المنبر ويكذّب نزول هذه الآية في شأن عليٍّعليه‌السلام، ويقول للناس أنّها نزلت في حقّ قاتل عليٍّ ( أي عبد الرحمٰن بن ملجم المرادي )، ويأخذ في مقابل هذه الأُكذوبة الكبرى، وهذا الاختلاق الفضيع - الذي أهلك به دينه ـ، مائة ألف درهم.

فلم يقبل « سمرة » بهذا المقدار ولكن معاوية زاد له في المبلغ حتى بلغ أربعمائة ألف درهم، فقبل الرجل بذلك، فقام بتحريف الحقائق الثابتة، مسوَّداً

__________________

١. الغدير: ٢ / ٤٨.

٢٣١

بذلك صفحته السوداء أكثر من ذي قبل، وذلك عندما رقى المنبر وفعل ما طلب منه معاوية.١

وقبل السامعون البسطاء قوله، ولم يخطر ببال أحد منهم أبداً أنّ ( عبد الرحمٰن بن ملجم ) اليمنيّ لم يكن يوم نزول الآية في الحجاز بل لعلّه لم يكن قد وُلِد بعد آنذاك. فكيف يصحّ ؟!

ولكن الحقيقة لا يمكن أن تخفى بمثل هذه الحجب الواهية، ولا يمكن أن تُنسىٰ بمثل هذه المحاولات العنكبوتية الرخيصة.

فقد زالت حكومة معاوية وهلك أعوانها، واندثرت آثار الاختلاق والافتعال الذي وقع في عهدها المشؤوم، وطلعت شمس الحقيقة من وراء حُجبُ الجهل والافتراء مرة أُخرى، واعترف أغلبُ المفسِّرين الأجلّة والمحدّثين الأفاضل - في العصور والأدوار المختلفة - بأنّ الآية المذكورة نزلت في « ليلة المبيت » في بذل عليٍّعليه‌السلام ومفاداته النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه.

__________________

١. لاحظ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ٤ / ٧٣.

٢٣٢

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٥

الإيثار

إنّه سبحانه تبارك وتعالى وصف الإيثار في كتابه الكريم، وهو من صفات الكرام حيث يقدِّمون الغير على أنفسهم، يقول سبحانه في وصف الأنصار:( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) .١

كما أنّه سبحانه أمر بالوفاء بالنذر، قال سبحانه:( مَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ ) ٢ ، وقال سبحانه:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) .٣

وفي الوقت نفسه ندب إلى الخوف من عذابه، يقول سبحانه:( يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ) ٤ وقال سبحانه:( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ

__________________

١. الحشر: ٩.

٢. البقرة: ٢٧٠.

٣. الحجّ: ٢٩.

٤. النور: ٣٧.

٢٣٣

أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) .١

ما ذكرنا من الصفات الثلاث هي من أبرز الصفات التي يتحلّىٰ بها أولياؤه سبحانه، ونجد هذه الصفات مجتمعة في أهل البيتعليهم‌السلام في سورة واحدة، يقول سبحانه:

( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا *وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا *إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا *إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ) .٢

فقوله سبحانه:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ ) إشارة إلى إيثارهم الغير على أنفسهم، والضمير في( عَلَىٰ حُبِّهِ ) يرجع إلى الطعام أي انّهم مع حبّهم للطعام قدَّموا المسكين على أنفسهم، كما أنّ قوله:( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) إشارة إلى صلابتهم في طريق إقامة الفرائض.

ثمّ قوله:( وَيَخَافُونَ يَوْمًا ) إشارة إلى خوفهم من عذابه سبحانه يوم القيامة.

وقد نقل أكثر المفسرين لو لم نقل كلّهم، أنّ الآيات نزلت في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام .

روي عن ابن عباس ( رض ) أنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام مرضا فعادهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أُناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك، فنذر عليٌّ وفاطمة وفضّة جاريةٌ لهما، إن شفاهما الله تعالى أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا وما

__________________

١. الرعد: ٢١.

٢. الإنسان: ٧ - ١٠.

٢٣٤

معهم شيء، فاستقرض عليٌّعليه‌السلام من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص علىٰ عددهم ووضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل، فقال: السّلام عليكم أهل بيت محمّد مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلّا الماء وأصبحوا صائمين.

فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، وجاءهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ عليٌّعليه‌السلام بيد الحسن والحسينعليهما‌السلام ودخلوا على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا أبصرهم، وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك.

فنزل جبرئيلعليه‌السلام وقال: خذها يا محمّد هنّأك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة.١

روى السيوطي في الدر المنثور، وقال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ ) الآية، قال: نزلت هذه الآية في عليِّ بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .٢

ورواه الثعلبي في تفسيره، وقال: نزلت في عليِّ بن أبي طالب وفاطمةعليهما‌السلام وفي جاريتهما فضّة، ثمّ ذكر القصّة على النحو الذي سردناه لكن بصورة مبسطة.

وقال: وذهب محمّد بن علي صاحب الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه

__________________

١. الكشّاف: ٣ / ٢٩٧ ؛ تفسير الفخر الرازي: ٣٠ / ٢٤٤.

٢. الدّر المنثور: ٨ / ٣٧١، تفسير سورة الإنسان.

٢٣٥

المعروف بـ‍ « البلغة » انّهمعليهم‌السلام نزلتعليهم‌السلام مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيّام، وحديث المائدة ونزولها عليهم في جواب ذلك مذكور في سائر الكتب.١

وقد سرد سبب نزول هذه الآية في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام غير واحد من أئمّة الحديث.٢

__________________

١. العُمدة: ٢ / ٤٠٧ - ٤١٠.

٢. شواهد التنزيل: ٢ / ٤٠٥ - ٤٠٨ ؛ أُسد الغابة: ٥ / ٥٣٠ ؛ مناقب ابن المغازلي: ٢٧٢.

٢٣٦

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٦

هم خير البريّة

إنّ خير الناس في منطق القرآن الكريم من آمن بالله ورسوله وعرف خالقه ومنعمه، وقد قال سبحانه:( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ ) .١

وهذه الصفات المذكورة في الآية تجدها، متمثلة في أهل البيتعليهم‌السلام شهد على ذلك سيرتهم، ولذلك صاروا خير البرية.

أخرج الطبري في تفسير قوله سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) .٢ باسناده عن أبي الجارود، عن محمد بن علي، قال: قال

__________________

١. البقرة: ١٧٧.

٢. البيّنة: ٧.

٢٣٧

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: « أنت يا عليُّ وشيعتك ».١

روى الخوارزمي عن جابر قال: كنّا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل عليّ بن أبي طالب، فقال رسول الله: « قد أتاكم أخي » ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثمّ قال: « والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة »، ثمّ قال: « إنّه أوّلكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعيّة، وأقسمكم بالسويّة، وأعظمكم عند الله مزيّة »، قال: وفي ذلك الوقت نزلت فيه:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ، وكان أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أقبل عليٌّ، قالوا: قد جاء خير البرية.٢

وروى أيضاً من طريق الحافظ ابن مردويه، عن يزيد بن شراحيل الأنصاري، كاتب عليّعليه‌السلام، قال: سمعت عليّاً يقول: « حدَّثني رسول الله وأنا مُسْنده إلى صدري، فقال أي عليّ ! ألم تسمع قول الله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ؟ أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأُمم للحساب تُدعون غرّاً محجّلين ».٣

وأرسل ابن الصباغ المالكي في فصوله عن ابن عباس، قال: لـمّا نزلت هذه الآية، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليٍّعليه‌السلام: « أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة، أنت وهم راضين مرضيين، ويأتي أعداؤك غضاباً مقمحين ».٤

__________________

١. تفسير الطبري: ٣٠ / ١٤٦.

٢. المناقب للخوارزمي: ١١١ برقم ١٢٠.

٣. المناقب للخوارزمي: ٢٦٥ برقم ٢٤٧.

٤. الفصول: ١٢٢.

٢٣٨

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٧

أهل البيتعليهم‌السلام ورثة الكتاب

اختلفت الأُمّة الإسلامية بعد رحيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر الخلافة - وإن كان اللائق بها عدم الاختلاف فيها، للنصوص الصحيحة الصادرة عنه في مختلف الموارد - وقد استقصينا البحث فيها في مبحث الإمامة من هذا الجزء.

والذي نركِّز عليه في هذا البحث هو تبيين المرجع العلمي بعد رحيله - سواء أكانت الخلافة لمن نصَّ عليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الغدير أو من اختاره بعض الصحابة في سقيفة بني ساعدة ـ.

والمراد من المرجع العلمي مَن ترجع إليه الأُمّة في أُصول الدين وفروعه، ويصدر عنهم في تفسير القرآن وتبيين غوامضه، ويستفهم منه أسئلة الحوادث المستجدَّة.

يقول سبحانه:( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ *ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ

٢٣٩

الْكَبِيرُ ) .١

المراد من الكتاب في قوله:( أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ) هو القرآن بلا شكّ وكونه حقّاً لأجل براهين قطعية تُثبت أنّه منزل من ربّه فانّ قوانينه تنسجم مع الفطرة الإنسانية، والقصص الواردة فيها مصونة من الأساطير، والمجموع خالٍ من التناقض إلى غير ذلك من القرائن الدالة على أنّه حقّ. ومع ذلك هو مصدِّق لما بين يدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكتاب السماوي.

هذا هو مفاد الآية الأُولى.

ثمّ إنّه سبحانه يقول:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) المراد من الكتاب هو القرآن: لأنَّ اللاّم للعهد الذكري أي الكتاب المذكور في الآية المتقدمة، والوراثة عبارة عمّا يستحصله الإنسان بلا مشقة وجهد، والوارث لهذا الكتاب هم الذين أُشير إليهم بقوله:( الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) ، فلو قلنا بأنّ« من » للتبيين فيكون الوارث هو الأُمة الإسلامية جميعاً، ولو قلنا: إنّ« مِن » للتبعيض فيكون الوارث جماعة خاصة ورثوا الكتاب.

والظاهر هو التبيين كما في قولنا:( وَسَلامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ) .٢

ولكن الأُمة الإسلامية صاروا على أقسام ثلاثة:

أ: ظالم لنفسه: الَّذين قصَّروا في وظيفتهم في حفظ الكتاب والعمل بأحكامه، وفي الحقيقة ظلموا أنفسهم، فلذلك صاروا ظالمين لأنفسهم.

ب: مقتصد: الذين أدُّوا وظيفتهم في الحفظ والعمل لكن لا بنحو كامل

__________________

١. فاطر: ٣١ - ٣٢.

٢. النمل: ٥٩.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361