الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية15%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 213978 / تحميل: 8503
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

الخلاصة

١ ـ لا ريب أنّ الإمامة جعل إلهي ، كما نصّ على ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (١) .

٢ ـ من خلال الآية السابقة يتضح أنّ منصب الإمامة غير منصب النبوّة ؛ وذلك من خلال دعاء إبراهيمعليه‌السلام الذي طلب هذا المنصب لذرّيته وهو في أواخر عمره الشريف ، مع أنّه كان نبيّاً في بداية حياته .

٣ ـ استمرار الإمامة في ذرّية إبراهيم كما في قوله تعالى :( وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ ) (٢) ، وقوله تعالى :( وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ) (٣) ، وممّن ذهب إلى هذا القول من أهل السنّة القندوزي في ينابيع المودّة(٤) .

وقد أكّد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أنّ الهادي من بعده هو عليعليه‌السلام .

٤ ـ بمقتضي قوله تعالى( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٥) ، يتضح أنّ الإمام المنصوب من قبل الله تعالى لابد أن يكون معصوماً ؛ لأنّ الظالم لا ينال هذا العهد الإلهي ، ومن المعلوم أنّ المذنب والعاصي ولو مرة في حياته فهو ظالم لنفسه ، فلا يشمله العهد الإلهي .

٥ ـ إنّ منصب الإمامة شامل لكل المناصب القيادية التي ترتبط بهداية

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ١٢٤ .

(٢) الزخرف : ٢٨ .

(٣) الرعد : ٧ .

(٤) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ١ ص ٣٥٣ ـ ٣٥٤ ، ج ٢ ص ٢٤٨ ـ ٢٤٩ .

(٥) البقرة: ١٢٤ .

٤١

الناس من المرجعية الدينية والفكرية والاجتماعية والسياسية والقضائية ونحوها ، كما هو الحال في رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الذي شغل جميع المناصب القيادية ، وعلى هذا الضوء فليس من الصحيح اختزال دور الإمام في القيادة السياسية فحسب ، وهذه نقطة مهمّة جداً في معرفة الإمام .

٦ ـ ممّا تقدم يتضح أن إقصاء أهل البيتعليهم‌السلام عن موقعهم وقيادتهم للجانب السياسي لا يعني تخلّيهم عن دور الإمامة ؛ لأنّ الإمامة لا يمكن أن تزول ؛ لكونها جعلاً إلهيّاً ، فهي ذات أدوار ومناصب متعددة في كل المجالات القيادية في الأمة ، كالجانب العلمي وجانب الهداية ونحوها ، وممّا يشهد لذلك ما خلّفوهعليهم‌السلام من تراث ضخم جداً في مختلف العلوم على الرغم من شدّة وقساوة الظروف التي عاشوها .

٧ ـ وردت شهادات كثيرة جداً من أعلام السنّة في حق أهل البيتعليهم‌السلام تبيّن أفضليتهم وأعلميتهم بين الأمة ، وأنّ لهم دوراً كبيراً في هداية وتوعية الأمة .

٤٢

الإمامة في القرآن

الشبهة :

عدم وجود الإمامة في القرآن الكريم دعا الشيعة إلى القول بتحريفه .

الجواب :

تمهيد :

إنّ تهمة التحريف التي حاول البعض مراراً وتكراراً إلصاقها بمذهب أهل البيتعليهم‌السلام ، تهمة لا أساس لها من الصحّة ؛ إذ إنّ من الحقائق الأساسية الثابتة عند الشيعة أنّها لا تقول بالتحريف ، وهذا ما نراه واضحاً وجليّاً عند مراجعة ما كتبه علماء الشيعة في هذا المجال .

وحاصله : إنّ القرآن الذي بين أيدينا اليوم هو القرآن ذاته الذي نزل على نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وكيف يمكن أن يدّعي أحد من المسلمين التحريف وهو يتلو قوله تعالى :( لاَ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) (١) .

وكيف يدّعي أحد من المسلمين التحريف وهو يقرأ ما تواتر عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله :( إنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ) ؟!! .

وكيف تقول الشيعة بالتحريف وقد أمرهم أئمّتهمعليهم‌السلام بترك ما خالف

ـــــــــــــ

(١) فصلت : ٤٢ .

٤٣

كتاب الله من الروايات ، كما ورد ذلك صحيحاً في كتبهم المعتبرة ، وعلى سبيل المثال ما ورد : ( عن أيوب بن الحر قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :كل شيء مردود إلى الكتاب والسنّة ، وكل حديث لا يوافق كتاب الله فهو زخرف )(١) .

فالحكم والفيصل في قبول رواية أو ردّها هو كتاب الله تعالى ؛ لحقّانيّته وعصمته عن الخطأ والتحريف .

ولذا أطبق مشهور علماء الشيعة على أنّ القرآن جاءنا متواتراً عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم منزّهاً عن كل نقص وتحريف .

فالسيد الخوئي مثلاً في تفسيره ( البيان في تفسير القرآن ) يقول : ( وممّا ذكرناه : قد تبين للقارئ أن حديث تحريف القرآن حديث خرافة وخيال ، لا يقول به إلاّ مَن ضعف عقله ، أو مَن لم يتأمّل في أطرافه حق التأمّل )(٢) .

هذه إطلالة سريعة تمهّد لنا الدخول في البحث ، أمّا البحث المفصّل عن عدم تحريف القرآن الكريم فسيأتي في محلّه الخاص به ( عندما نجيب عن شبهة تحريف القرآن )

إذن رمي الشيعة بتهمة القول بتحريف القرآن ينبثق من أصحاب النفوس المريضة والمغرضة ، الذين لا يجدون غير الاتهامات والافتراءات ملجأً .

بعد هذا التمهيد المختصر نجيب بما يلي :

ـــــــــــــ

(١) وسائل الشيعة ، الحر العاملي : ج ٢٧ت : ص ١١١ .

(٢) البيان في تفسير القرآن ، السيد الخوئي : ص ٢٥٩ .

٤٤

أوّلاً : القرآن ينصّ على الإمامة

إنّ القرآن لم يفقد هدايته للإمامة لكي نلتجئ إلى القول بتحريفه ، بل القرآن يهدي إليها بالصراحة والنص وقبل أن نطلعك على الآيات التي صرّحت بالإمامة ، لابد من التنبيه على مفهوم الإمام ، وما هو المراد منه في القرآن الكريم ؟ وإليك إيجازاً في ذلك :

عُرّف الإمام في اللغة : بالإنسان الذي يؤتمّ به ويقتدى بقوله أو فعله محقّاً كان أو مبطلاً(١) ، وبهذا المعنى جاء قوله تعالى :( يَوْمَ نَدْعُوا كُلّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُولئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ) (٢) ، وقوله تعالى :( فَقَاتِلُوا أَئِمّةَ الْكُفْرِ إِنّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلّهُمْ يَنتَهُونَ ) (٣) .

أمّا الإمام الحق في الإسلام فهو الهادي إلى سبيل الله بأمر منه عزّ وجل ، سواء كان إنساناً ، كما في قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٥) .

أم كان كتاباً ، كما في قوله تعالى :( وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى‏ إِمَاماً وَرَحْمَةً ) (٦) .

ـــــــــــــ

(١) انظر : لسان العرب ، ابن منظور : ج ١٢ ص ٢٤ ـ ٢٥ .

(٢) الإسراء : ٧١ .

(٣) التوبة : ١٢ .

(٤) البقرة : ١٢٤ .

(٥) الأنبياء : ٧٣ .

(٦) هود : ١٧ .

٤٥

ومن حصيلة هذه النصوص القرآنية يتضح أنّ من شروط الإمام الحق في القرآن الكريم ؛ إن كان كتاباً فلابد أن يكون منزلاً من قبل الله تعالى على رسله لهداية الناس ، كما كان ذلك شأن كتاب خاتم الأنبياء محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ومن قبله كتاب موسىعليه‌السلام ، وذلك أيضاً شأن سائر كتب الأنبياءعليهم‌السلام وإن كان إنساناً فلابد أن تكون إمامته مجعولة من قبل الله تبارك وتعالى ، كما في قوله تعالى :( إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً ) (١) وقوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا ) (٢) وكذلك لابد أن يكون هذا الإنسان غير ظالم لنفسه ولا لغيره ، أي منزّه عن عصيان الله تعالى كما هو مقتضى قوله تعالى :( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (٣) ، وإطلاق الظالمين شامل لكل ظلم سواء كان على الغير ، أو على النفس ، وكل معصية صغيرة أو كبيرة تُعد ظلماً ، لا يصلح مرتكبه لهذا المقام الشامخ ، ومن أبرز مصاديق الظلم هو الشرك بالله وعبادة غيره حيث قال تعالى : ( إِنّ الشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ) (٤) .

وبذلك يتضح أنّ الإمام في الاصطلاح القرآني هو :

الإنسان المعصوم من الذنوب والمجعول من قِبَل الله تعالى لهداية الناس .

الكتاب المنزل من قِبل الله تعالى على رسله لهداية الناس .

هذا إيجاز ، وتفصيله قد ذُكر في الجواب عن الشبهة السابقة ؛ فراجع .

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ١٢٤ .

(٢) الأنبياء : ٧٣ .

(٣) البقرة : ١٢٤ .

(٤) لقمان : ١٣ .

٤٦

وإذا اتضح ذلك ، نذكر لك جدولة سريعة على سبيل الاختصار لبعض الآيات القرآنية التي هدت وأرشدت إلى الإمام والإمامة ، وصرّحت بهما ، والتي ترسم وتحدد معالم أطروحة الإمامة في القرآن الكريم :

قوله تعالى :( وَإِذِ ابْتَلَى‏ إِبْرَاهِيمَ رَبّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمّهُنّ قَالَ إِنّي جَاعِلُكَ لِلنّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرّيَتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ ) (١) ، ومن الواضح من لحن الآية وسياقها أنّ الله تعالى جعل إبراهيم إماماً في أواخر عمره الشريف ، بعد أن كان نبيّاً ورسولاً وخليلاً ، فكيف يقال إنّ القرآن لا يهدي إلى الإمامة ؟!! .

قوله تعالى :( وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ) (٢) ، فإنّ هذه الآية تدلّ على أنّ الإمامة جعل وتنصيب من قِبل الله تعالى .

٣ ـ قوله تعالى :( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ ) (٣) .

٤ ـ قوله تعالى :( وَنُرِيدُ أَن نّمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٤) .

٥ ـ قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ ) (٥) ، وهذه الآية تشرح مفهوم الإمامة وتشبعه إشباعاً رائعاً ، حيث قرنت طاعة أُولي الأمر بطاعة الله تعالى ، ممّا يكشف عن أنّ هذه الولاية

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ١٢٤ .

(٢) السجدة : ٢٤ .

(٣) الأنبياء : ٧٣ .

(٤) القصص : ٥ .

(٥) النساء : ٥٩ .

٤٧

متفرّعة عن ولاية الله وولاية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي شاهد على أنّ الولاية والإمامة ، وقيادة الناس ليس من صلاحيتهم ولا بتنصيبهم ؛ لأنّ ما هو اللازم عليهم المتابعة والانقياد في ذلك وحسب ، وعلى هذا الأساس نقول أيضاً : كيف أنّ القرآن لا يهدي إلى الإمامة ؟!! .

٦ ـ قوله تعالى :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) ، وتحتشد في هذه الآية الكريمة دلالات كثيرة لإثبات الإمامة ، وبشكل خاص إمامة علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وهذا ما نجده واضحاً عندما نرجع إلى مصادر الفريقين في هذا المجال ، وملاحظة الروايات الواردة في شأن نزول الآية المباركة(٢) .

٧ ـ قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الرّسُولُ بَلّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِن رَبّكَ وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (٣) ، حيث تكشف هذه الآية بشكل صريح وواضح النقاب عن أهمّيّة وجود الإمام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّ عدم وجود الإمام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يساوق انتفاء الرسالة( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) ، فلولا الإمامة يغدو كل شيء وكأنّه لم يكن ، أي لا يبقى نسيج متماسك للإسلام ، بل يهوي ويتمزّق ، وأروع ما يرشدنا

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٥٥ .

(٢) انظر : الدر المنثور ، السيوطي : ج ٣ ص ١٠٥ ـ ١٠٦ ؛ تفسير المنار ، محمد رشيد رضا : ج ٦ ص ٤٦٣ ؛ تنزيل الآيات : ص ٥٤ ؛ التهذيب في التفسير : ج ٣ ص ١٠٦ ؛ توضيح الدلائل : ص ١٥٨ ؛ مودّة القربى : ص ٥٥ ؛ ينابيع المودّة : ج ١ ص ١١ ـ ١٢ ، ص ٣٤٧ ـ ٣٤٨ ، الفصول المهمّة : ص ١١٧ ـ ١١٨ ؛ تفسير الثعلبي : ج ٤ : ص ٨٠ ـ ٨١ ؛ أسباب النزول ، الواحدي : ص ١٥٣ ؛ أرجح المطالب : ص ٦٧ ، ص ٢٠٣ ؛ مناقب المغازلي : ص ١٨ ؛ تفسير القرطبي : ج ٢ ص ٧٣ ـ ٧٤ ، وغيرها من المصادر .

(٣) المائدة : ٦٧ .

٤٨

إلى اهتمام القرآن بالإمامة هو التعبير الذي ورد في الآية المباركة بإكمال الدين ورسالة الله تعالى ، ورضاه عزّ وجلّ بالإسلام ديناً بعد تنصيب الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام خلفاً وإماماً بعده ، حيث قال تعالى :( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً ) (١) .

فهذه لمحة عامة تكشف عن اهتمام القرآن بالإمامة ، فهل بعد هذا كلّه يمكن أن يقال : إنّ القرآن الكريم لا يهدي إلى الإمامة ؟!! .

ثانياً : السنّة النبويّة تنصّ على الإمامة

إنّ القرآن الكريم أمرنا وبكل صراحة أن نأخذ بما يأمرنا به رسوله الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال عزّ وجلّ :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٢) ؛ وذلك لأنّ النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى ، وعلى هذا الأساس فإنّ هناك الكثير من النصوص الواردة عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي نلمس منها عمق اهتمامه بالإمامة والخلافة من بعده ، وقد طفحت بها كتب الفريقين ، كحديث الغدير والثقلين وحديث المنزلة والدار ، وغيرها من الأحاديث الكثيرة المتواترة من طرق الفريقين ؛ فراجع .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٣ .

(٢) الحشر : ٧ .

٤٩

الخلاصة

أوّلاً : إنّ شبهة القول بتحريف القرآن لا أساس لها من الصحّة عند مشهور الطائفة الشيعية الإمامية ، وسيوافيك الكلام عنها مفصّلاً مشفوعاً بالأدلة القطعية عند الجواب عنها في محلّه .

ثانياً : تبيّن ممّا تقدّم أنّ القرآن الكريم يهدي بصراحة للإمامة ، وبيان معالمها ، ويحدّد أطروحتها بشكل واضح لا غبار عليه .

ثالثاً : إنّ السنّة النبوية قد هدى إليها القرآن وأمر بوجوب التمسّك بها ، وهي بدورها تهدي أيضاً إلى الإمامة بنحو صريح ومفصّل ومتواتر .

٥٠

آية الولاية لا تختصّ بعليعليه‌السلام

الشبهة :

إنّ قوله تعالى :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) ، لا تدل على ولاية وإمامة علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ لأنّ الآية جاءت بصيغة الجمع ( الذين ) مع أنّ أقل الجمع ثلاثة ، فكيف تدّعي الشيعة أنّ المراد من الآية هو عليعليه‌السلام ؟

الجواب :

أولاً : كثرة استعمال الجمع وإرادة المفرد في القرآن

إنّ استعمال لفظ الجمع وإرادة الواحد المفرد ورد في القرآن الكريم في موارد متعدّدة : منها قوله تعالى :( الّذِينَ قَالَ لَهُمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ ) (٢) ، ذكر المفسّرون أنّ المراد به في الآية شخص واحد ، وهو نعيم بن مسعود الأشجعي(٣) ، قال النسفي في تفسيره : ( هو جمع أريد به الواحد )(٤) وقال القرطبي في تفسيره : ( واللفظ عام ومعناه خاص كقوله :( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ ) يعني محمّداًصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(٥) ، وقوله تعالى :( يَقُولُونَ لَئِن رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنّ الأَعَزّ مِنْهَا الأَذَلّ ) (٦) ، وقد صحّ أنّ القائل به هو

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٥٥ .

(٢) آل عمران : ١٧٣ .

(٣) انظر : تفسير القرطبي : ج ٤ ص ٢٧٩ ؛ تفسير الجلالين ، السيوطي : ص٩١ .

(٤) تفسير النسفي ، النسفي : ج ١ ص ١٩٢ .

(٥) تفسير القرطبي : ج ٤ : ص ٢٧٩ .

(٦) المنافقون : ٨ .

٥١

عبد الله ابن أُبي بن سلول(١) ، وهكذا جاء في آية المباهلة ، قوله تعالى :( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (٢) ، حيث جاء لفظ ( أنفسنا ) بصيغة الجمع مع أنّ المراد به واحد ، وهو علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، وكذا ( نساءنا ) جاء بلفظ الجمع مع أنّ المراد منه امرأة واحدة ، وهي فاطمة الزهراءعليها‌السلام ، وكذا ( أبناءنا ) مع أنّهما اثنان ، وهما الحسن والحسينعليهما‌السلام (٣) ، وكذا قوله تعالى :( الّذِينَ قَالُوا إِنّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ ) (٤) ، فقد ذكر الحسن : ( أنّ قائل هذه المقالة هو يحيى بن أخطب ، وقال عكرمة والسدي ومقاتل ومحمد بن إسحاق : هو فنحاص بن عازوراء )(٥) ، وقوله تعالى :( وَمِنْهُمُ الّذِينَ يُؤْذُونَ النّبِيّ وَيَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ ) (٦) ، نزلت في رجل من المنافقين : ( إما في الجلاس بن سويد ، أو في نبتل بن الحرث ، أو عتاب بن قشير )(٧) ، وقوله تعالى :( وَالّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْراً ) (٨) ، نزلت في صبيح مولى حويطب بن عبد العزى(٩) ، وغيرها من

ـــــــــــــ

(١) جامع البيان : الطبري : ج ٢٨ ص ١٣٨ ح ٢٦٤٦٣ ؛ تفسير القرطبي : ج ٨ ص ٢٠٦ ؛ وغيرها من كتب التفسير الأخرى الكثيرة .

(٢) آل عمران : ٦١ .

(٣) صحيح مسلم : ج ٤ ص ١٨٧١ ح ٢٤٠٤ ؛ تفسير الطبري : ج ٣ ص ٤٠٤ ـ ٤١٠ ؛ تفسير الكشاف ، الزمخشري : ج ١ ، ٣٦٨ ـ ٣٧٠ ؛ تفسير القرطبي : ج ٤ ص ١٠٤ ؛ سنن الترمذي : ج ٥ ص ٣٠١ ـ ٣٠٢ : ح ٣٨٠٨ ؛ أحكام القرآن ، للجصاص : ج ٢ ص ١١٥ ؛ فرائد السمطين : ج ١ ص ٣٧٧ : ب ٦٩ : ح ٣٠٧ ؛ الإصابة ، ابن حجر العسقلاني : ج ٢ ص ٥٠٩ ؛ وغيرها من كتب الفريقين .

(٤) آل عمران : ١٨١ .

(٥) انظر تفسير القرطبي : ج ٤ ص ٢٩٤ .

(٦) التوبة : آية ٦١ .

(٧) انظر تفسير القرطبي : ج ٨ ص ١٩٢ ؛ تفسير الخازن : ج ٢ ص ٢٥٣ ؛ الإصابة : ج ٣ ص ٥٤٩ .

(٨) النور : ٣٣ .

(٩) انظر تفسير القرطبي : ج ١٢ ص ٢٤٤ ؛ أسد الغابة ، ابن الأثير : ج ٣ ص ١١؛ الإصابة تمييز الصحابة ، ابن حجر : ج ٢ ص ١٧٦ [ ورد هذا الهامش في الكتاب المطبوع في الصفحة التالية ورقمه في متن هذه الصفحة فأدرجناه هنا تلافياً لهذا الخطأ الفني ] [ الشبكة ] .

٥٢

الاستعمالات القرآنية الكثيرة في ذلك ، وعلى هذا الأساس لا مجال للإشكال والاعتراض على التعبير عن الواحد بلفظ الجمع .

ثانيا : استعمال الجمع وإرادة المفرد سائغ في لغة العرب

إنّ استعمال لفظ الجمع وإرادة الواحد استعمال سائغ في لغة العرب ، وليس استعمالاً مستهجناً ، لا سيّما إذا كان الواحد معظّماً ، كما في قوله تعالى :( إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (١) ، وقوله تعالى :( وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلّ نَفْسٍ هُدَاهَا ) (٢) .

ثالثاً : الاعتراض المذكور يتنافى مع الروايات المتواترة

إنّ نفس الاعتراض على التعبير عن الواحد بلفظ الجمع ، يتضمّن أن لا تكون الآية المباركة ـ آية الولاية ـ نازلة بحق علي بن أبي طالبعليه‌السلام بالخصوص ، وهذا تكذيب ورفض لما تضافر من الروايات من طرق الفريقين في كونها نزلت في حق عليعليه‌السلام ، فقد روى الثعلبي في تفسيره : ( بينما عبد الله بن عباس جالس على شفير زمزم إذ أقبل رجل متعمّم بالعمامة ، فجعل ابن عباس لا يقول : قال رسول الله ، إلاّ قال الرجل : قال رسول الله ؟ فقال ابن عباس : سألتك بالله مَن أنت ؟ قال : فكشف العمامة عن وجهه وقال : يا أيّها الناس ، مَن عرفني فقد عرفني ومَن لم يعرفني فأنا

ـــــــــــــ

(١) الحجر : ٩ .

(٢) السجدة : ١٣ .

٥٣

جندب بن جنادة البدري ، أبو ذر الغفاري : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهاتين وإلاّ صمّتا ، ورأيته بهاتين وإلا فعميتا ، يقول :علي قائد البررة ، وقاتل الكفرة ، منصور مَن نصره ، مخذول مَن خذله ، أما إنّي صلّيت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً من الأيام صلاة الظهر ، فدخل سائل في المسجد فلم يعطه أحد ، فرفع السائل يده إلى السماء وقال : اللّهمّ اشهد ، إنّي سألت في مسجد رسول الله ، فلم يعطني أحد شيئاً ، وكان علي راكعاً فأومى إليه بخنصره اليمنى ، وكان يتختّم فيها ، فأقبل السائل حتى أخذ الخاتم من خنصره ، وذلك بعين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا فرغ النبي من الصلاة ، فرفع رأسه إلى السماء وقال :( اللّهمّ إنّ أخي موسى سألك ، فقال : ( رَبّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي * وَيَسّرْ لِي أَمْرِي * وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِن لِسَانِي * يَفْقَهُوا قَوْلِي * وَاجْعَل لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي ) (١) الآية .

فأنزلت عليه قرآنا ناطقاً : ( سَنَشُدّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَاناً ) (٢) اللّهمّ وأنا محمداً نبيّك وصفيّك ، اللّهمّ فاشرح لي صدري ويسّر لي أمري واجعل لي وزيراً من أهلي عليّاً أشدد به ظهري ) .

قال أبو ذر : فو الله ما استتمّ رسول الله الكلمة حتى أنزل عليه جبرئيل من عند الله ، فقال :يا محمد ، اقرأ ، فقال :وما أقرأ ؟ قال :إقرأ : ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٣) ،(٤) .

وفي الدرّ المنثور أخرج عن الطبري في الأوسط وابن مردويه عن

ـــــــــــــ

(١) طه : ٢٥ ـ ٣١ .

(٢) القصص : ٣٥ .

(٣) المائدة : ٥٥ .

(٤) تفسير الثعلبي : ج ٤ ص ٨٠ ـ ٨١ .

٥٤

عمار بن ياسر قال : ( وقف بعلي سائل وهو راكع في صلاة تطوّع ، فنزع خاتمه فأعطاه السائل ، فأتى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعلمه ذلك فنزلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الآية :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، فقرأ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على أصحابه ، ثم قال :مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه ، وعاد مَن عاداه )(١) .

وأخرج أيضاً عن ابن مردويه عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : ( نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيته( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ ) إلى آخر الآية ، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فدخل المسجد ، جاء والناس يصلّون بين راكع وساجد وقائم يصلّي ، فإذا سائل فقال : يا سائل ، هل أعطاك أحد شيئاً ؟ قال : لا ، إلاّ ذاك الراكع ـ لعلي بن أبي طالب ـ أعطاني خاتمه .

وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن سلمة بن كهيل ، قال : تصدّق علي بخاتمه وهو راكع ، فنزلت :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ ) ، وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ ) الآية نزلت في علي بن أبي طالب ، تصدّق وهو راكع وأخرج ابن جرير عن السدي وعتبة بن حكيم مثله .

وأخرج ابن مردويه من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : إذ نزلت هذه الآية على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، ونودي بالصلاة صلاة الظهر ، وخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال :أعطاك أحد شيئاً ؟ قال نعم ، قال :من ؟

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٣ ص ١٠٥ .

٥٥

قال : ذاك الرجل القائم ، قال :على أيّ حالٍ أعطاكه ؟ قال : وهو راكع قال :وذلك علي بن أبي طالب ، فكبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند ذلك وهو يقول :( وَمَن يَتَوَلّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَالّذِينَ آمَنُوا فَإِنّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ) .

وأخرج الطبراني وابن مردويه وأبو نعيم عن أبي رافع قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو نائم يوحى إليه فاستيقظ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يقول :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) الحمد لله الذي أتمّ لعلي نعمه ، وهيّأ لعلي بفضل الله إيّاه )(١)

وأخرج هذه الأحاديث أيضاً آخرون(٢) .

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٣ ص ١٠٥ وما بعد .

(٢) أخرج بعض تلك الروايات الطبري في تفسيره : ص ٣٨٩ ـ ٣٩٠ من طريق ابن عباس وعتبة بن حكيم ومجاهد .

وهكذا أخرجها الإسكافي في كتابه المعيار والموازنة : ص ٢٢٨ .

والزمخشري في الكشاف : ج ١ ص ٦٤٩ ، ولم يضعّف الحافظ ابن حجر العسقلاني هذه الروايات في حاشيته على الكشاف مع أنّه ضعّف غيرها .

والواحدي في أسباب النزول : ص ١٣٣ من طريقين ؛ والرازي في تفسيره : مج ٢ ج ١٢ ص ٢٨ عن عطاء عن عبد الله بن سلام وابن عباس وأبي ذر ؛ وابن الصباغ المالكي في الفصول المهمّة : ص ١١٧ ـ ١١٨ .

وسبط ابن الجوزي في التذكرة : ص ٢٤ ـ ٢٥ ؛ والخوارزمي في مناقبه : ص ٢٦٤ ـ ٢٦٥ بطريقين ؛ والقاضي عضد الدين الإيجي في المواقف ج ٣ ص ٦١٤ ؛ وفي الذخائر ص ١٠٢ من طريق الواقدي وابن الجوزي .

وابن كثير في تفسيره ج ٢ ص ٧٤ بطريق عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومن طريق ابن أبي حاتم عن سلمة بن كهيل عن ابن جرير الطبري بإسناده عن مجاهد والسدي ، وعن الحافظ عبد الرزاق بإسناده عن ابن عباس وبطريق الحافظ ابن مردويه بالإسناد عن سفيان الثوري عن ابن عباس ، ومن طريق الكلبي عن ابن عباس .

وحديث ابن سعيد الأشج الذي ذكره ابن كثير رواته كلهم ثقات ، فالحديث صحيح على المباني الرجالية =

٥٦

=وأخرجه ابن كثير أيضاً في البداية والنهاية : ج ٧ ص ٣٩٤ ـ ٣٩٥ عن الطبراني بإسناده عن أمير المؤمنين ومن طريق ابن عساكر عن سلمة بن كهيل ؛ والصواعق ، ابن حجر : ص ٦٣ ؛ وأحكام القرآن ، للجصاص : ج ٢ ص ٥٥٨ وقد ذكرها في باب العمل اليسير في الصلاة ، وقال : ( وقوله تعالى : ( ويؤتون الزكاة وهم راكعون ) يدل على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ؛ لأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه تطوّعاً ) ، فأرسل ذلك إرسال المسلمات ؛ والآلوسي في روح المعاني : ج ٦ ص ١٦٧ وقال : ( وغالب الأخباريين على أنّها نزلت في علي عليه‌السلام ، وقال في : ج ٦ ص ١٨٦ : ( والآية عند معظم المحدّثين نزلت في علي كرّم الله وجهه ) ؛ والحاكم النيسابوري في معرفة علوم الحديث : ص ١٠٢ ؛ والقرطبي في تفسيره : ج ٦ ص ٢٢١ ؛ والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل : ج ١ ص ٢٣٥ ـ ٢٣٦ ؛ والزرندي الحنفي في نظم درر السمطين : ص ٨٨؛ والسيوطي في كتابه لباب النقول في أسباب النزول ص ٨١ ، وقال بعد نقل عدة كثيرة من الروايات : ( فهذه شواهد يقوّي بعضها بعضاً ) ؛ وفي فتح القدير : ج ٢ ص ٥٣ قال المناوي : ( أخرج الخطيب في المتفق والمفترق عن ابن عباس ) .

ولحسّان بن ثابت أشعار في ذلك منها قوله :

فأنت الذي أعطيت إذ كنت راكعاً

فدتك نفوس القوم يا خير راكعِ

بخاتمك الميمون يا خير سيّدٍ

ويا خير شارٍ ثمّ يا خير بايعِ

فأنزل فيك الله خير ولايةٍ

فبيّنها في محكمات الشرائعِ

ذكرها الخوارزمي في المناقب : ص ٣٩٦ ؛ وسبط ابن الجوزي في تذكرته : ص ٢٥ ؛ ونظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص ٨٨ .

٥٧

رابعاً : الاعتراض غريب لهم يعهد من الصحابة ولا من التابعين

بعد أن ثبت أنّ الآية نزلت في علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإنّ الكثير من الناقلين لهذه الأخبار هم من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتابعين المتصلين بهم زماناً ، وهؤلاء من العرب ، ولم تفسد لغتهم ، ولم تختلط بغيرها من اللغات بحيث أصبحوا لا يميّزون بين الصحيح والسقيم من الاستعمالات اللغوية ، ولو كان هذا الاستعمال لا تبيحه اللغة ، ولا يعهده أهلها ولم تقبله طباعهم لكانوا أحق بالاعتراض عليه ، ولم يؤثر ولم ينقل عن أحد منهم ذلك .

خامساً : جواب الزمخشري

إنّ هذا التساؤل مطروح قديماً ، وقد ردّه مفسّرو أهل السنّة كالزمخشري ، حيث يقول في معرض جوابه عنه : ( فإن قلت : كيف صحّ أن يكون لعليرضي‌الله‌عنه واللفظ لفظ جماعة ؟ قلت : جيء به على لفظ الجمع وإن كان السبب فيه رجلاً واحداً ؛ ليرغّب الناس في مثل فعله فينالوا مثل ثوابه ، ولينبّه على أنّ سجيّة المؤمنين يجب أن تكون على هذه الغاية من الحرص على البرّ والإحسان وتفقّد الفقراء ، حتى إن لزمهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخّروه إلى الفراغ منها )(١) .

ـــــــــــــ

(١) الكشاف ، الزمخشري : ج ١ ص ٦٤٩ .

٥٨

الخلاصة

١ – إنّ استعمال لفظ الجمع وإرادة الواحد استعمال سائغ في القرآن في موارد كثيرة .

٢ – استعمال لفظ الجمع وإرادة الواحد استعمال سائغ في لغة العرب ، لا سيّما إذا كان الواحد معظّماً ، كما في قوله تعالى :( إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) ، وقوله تعالى :( وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلّ نَفْسٍ هُدَاهَا ) .

٣ – إنّ الاعتراض على تعبير الآية بلفظ الجمع وإرادة الواحد ، يعني إنكاراً لما تسالمت وأجمعت عليه الأمة من نزول الآية بحق عليعليه‌السلام .

٤ – إنّ الناقلين للأخبار الواردة في نزول الآية في حق عليعليه‌السلام هم من الصحابة والتابعين والمتصلين بهم ، وهؤلاء من العرب الفصحاء ، فلو كان هذا الاستعمال غير سائغ في اللغة لاعترضوا عليه ، مع أنّه لم ينقل عن أحد منهم ذلك .

٥ – أجاب الزمخشري عن هذا السؤال بأنّ هذا الاستعمال لأجل ترغيب الناس في مثل هذا الفعل من البر والإحسان والحرص عليه والمسارعة إليه ، وعدم تأخيره بحيث إنّ الصلاة أيضاً لا تحول دون فعل الخير إن لزم أمر لا يقبل التأخير .

٥٩

آية الولاية لا تعني الأولى بالتصرّف

الشبهة :

إنّ كلمة المولى في قوله تعالى :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) لا تعني الأولى بالتصرّف ، فلا تدلّ على الإمامة ؟

الجواب :

في مقام الإجابة على ذلك ، ولإثبات أنّ معنى الولي هو الأولى بالتصرّف ، لدينا مديات واسعة للاستدلال وعلى كل المستويات ، سواء على المستوى اللغوي أم على مستوى الاستدلال القرآني أم الروائي .

الاستدلال على المستوى اللغوي :

عند التدبّر فيما ذكره اللغويون من المعاني المتعددة لكلمة المولى ؛ يتجلّى لنا أنّ هذا اللفظ ليس له إلاّ معنى واحد فقط ، وهو الأولى بالشيء ، وتختلف هذه الأولوية بحسب الاستعمال في كل مورد من موارده ، كذلك كلمة الولي لها معنى واحد فقط ، وهو الأولى ، وهذا المعنى الواحد جامع لكل المعاني الأخرى ، من الناصر والمحب و ، ولم يطلق لفظ المولى على شيء منها إلاّ بمناسبة لهذا المعنى ، فالعبد مثلاً أولى بالانقياد لمولاه من غيره ، والجار أولى بالقيام بحفظ حقوق الجوار من البُعداء ، وهكذا .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٥٥ .

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وعنده حقة، أخذت منه، وأعطي معها شاتين أو عشرين درهما. فإن وجبت عليه حقة، وعنده جذعة، أخذت منه، وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما.

فأمّا زكاة البقر، فليس في شي‌ء منها زكاة، الى أن تبلغ ثلاثين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها تبيع حولي. ثمَّ ليس فيما زاد عليها شي‌ء، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها مسنّة. وكلّ ما زاد على ذلك، كان هذا حكمه: في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنّة.

وأمّا الغنم، فليس فيها زكاة، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها شاة. ثمَّ ليس فيها شي‌ء، الى أن تبلغ مائة وعشرين. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها شاتان الى أن تبلغ مائتين. فإذا بلغت وزادت واحدة، كان فيها ثلاث شياه الى أن تبلغ ثلاثمائة. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها أربع شياه. ثمَّ تترك هذه العبرة فيما زاد عليه، وأخذ من كلّ مائة شاة.

وأمّا الخيل إذا كانت عتاقا كان على كلّ واحدة منها في في كلّ سنة ديناران. وإن كانت براذين كان على كلّ واحدة منها دينار واحد. ومن حصل عنده من كلّ جنس تجب فيه الزّكاة أقلّ من النّصاب الذي فيه الزّكاة، وإن كان لو جمع لكان أكثر من النّصاب والنّصابين، لم يكن عليه شي‌ء، حتى

١٨١

يبلغ كلّ جنس منه، الحدّ الذي تجب فيه الزّكاة. ولو أنّ إنسانا ملك من المواشي ما تجب فيه الزّكاة، وإن كانت في مواضع متفرّقة، وجب عليه فيها الزّكاة. وإن وجد في موضع واحد من المواشي ما تجب فيه الزكاة لملّاك جماعة لم يكن عليهم فيها شي‌ء على حال. ولا بأس أن يخرج الإنسان ما يجب عليه من الزّكاة من غير الجنس الذي يجب عليه فيه بقيمته. وإن أخرج من الجنس، كان أفضل.

باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة

لا زكاة في الذّهب والفضّة حتّى يحول عليهما الحول بعد حصولهما في الملك. فان كان مع إنسان مال أقلّ ممّا تجب فيه الزّكاة، ثمَّ أصاب تمام النّصاب في وسط السّنة، فليس عليه فيه الزّكاة حتّى يحول الحول على القدر الذي تجب فيه الزّكاة. وإذا استهلّ هلال الشّهر الثّاني عشر، فقد حال على المال الحول، ووجبت فيه الزّكاة. فإن أخرج الإنسان المال عن ملكه قبل استهلال الثّاني عشر، سقط عنه فرض الزّكاة. وإن أخرجه من ملكه بعد دخول الشّهر الثّاني عشر، وجبت عليه الزّكاة، وكانت في ذمّته الى أن يخرج منه.

وأمّا الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب، فوقت الزّكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ والصّرام، ثمَّ ليس فيها

١٨٢

بعد ذلك شي‌ء، وإن حال عليها حول، إلّا أن تباع بذهب أو فضّة، وحال عليهما الحول، فتجب حينئذ فيه الزّكاة.

وأمّا الإبل والبقر والغنم، فليس في شي‌ء منها زكاة، حتّى يحول عليها الحول من يوم يملكها. وكلّ ما لم يحل عليه الحول من صغار الإبل والبقر والغنم، لا تجب فيه الزّكاة. ولا يجوز تقديم الزّكاة قبل حلول وقتها. فإن حضر مستحقّ لها قبل وجوب الزّكاة، جاز أن يعطى شيئا ويجعل قرضا عليه. فإذا جاء الوقت، وهو على تلك الصّفة من استحقاقه لها، احتسب له من الزّكاة. وإن كان قد استغنى، أو تغيّرت صفته التي يستحقّ بها الزّكاة، لم يجزئ ذلك عن الزّكاة، وكان على صاحب المال أن يخرجها من الرأس.

وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخّره. فإن عدم المستحقّ له، عزله عن ماله، وانتظر به المستحق. فإن حضرته الوفاة، وصى به أن يخرج عنه. وإذا عزل ما يجب عليه من الزّكاة، فلا بأس أن يفرّقه ما بينه وبين شهر وشهرين، ولا يجعل ذلك أكثر منه. وما روي عنهمعليهم‌السلام ، من الأخبار في جواز تقديم الزّكاة وتأخيرها، فالوجه فيه ما قدّمناه في أنّ ما يقدّم منه يجعل قرضا، ويعتبر فيه ما ذكرناه، وما يؤخّر منه إنّما يؤخّر انتظار المستحق، فأمّا مع وجوده، فالأفضل إخراجه إليه على البدار حسب ما قدّمناه.

١٨٣

باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطى وأكثر

الذي يستحق الزّكاة هم الثّمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن: وهم الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، و( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ ) ، والغارمون،( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وابن السّبيل.

فأمّا الفقير فهو الذي له بلغة من العيش. والمسكين الذي لا شي‌ء معه. وأمّا العاملون عليها فهم الذين يسعون في جباية الصّدقات.

وأمّا المؤلّفة فهم الذين يتألّفون ويستمالون إلى الجهاد.

(وَفِي الرِّقابِ ) وهم المكاتبون والمماليك الذين يكونون تحت الشّدة العظيمة. وقد روي أنّ من وجبت عليه كفّارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطإ وغير ذلك، ولا يكون عنده، يشترى عنه ويعتق.

والغارمون هم الذين ركبتهم الدّيون في غير معصية ولا فساد.

( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) وهو الجهاد.

وابن السّبيل وهو المنقطع به. وقيل أيضا: إنّه الضّيف الذي ينزل بالإنسان ويكون محتاجا في الحال، وإن كان له يسار في بلده وموطنه.

١٨٤

فإذا كان الإمام ظاهرا، أو من نصبه الإمام حاصلا، فتحمل الزّكاة إليه، ليفرّقها على هذه الثّمانية الأصناف. ويقسم بينهم على حسب ما يراه. ولا يلزمه أن يجعل لكل صنف جزءا من ثمانية، بل يجوز أن يفضّل بعضهم على بعض، إذا كثرت طائفة منهم وقلّت آخرون.

وإذا لم يكن الإمام ظاهرا، ولا من نصبه الإمام حاصلا، فرّقت الزّكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم، وهم الفقراء والمساكين( وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ ) وابن السّبيل. ويسقط سهم( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وسهم السّعاة وسهم الجهاد، لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام. لأن الْمُؤَلَّفَةَ( قُلُوبُهُمْ ) إنّما يتألّفهم الإمام ليجاهدوا معه، والسّعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جميع الزّكوات، والجهاد أيضا إنّما يكون به أو بمن نصبه. فإذا لم يكن هو ظاهرا ولا من نصبه، فرّق فيمن عداهم.

والذين يفرّق فيهم الزّكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصّفات التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحقّ معتقدين له. فإن لم يكونوا كذلك، فلا يجوز أن يعطوا الزّكاة. فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. ولو أنّ مخالفا أخرج زكاته الى أهل نحلته، ثمَّ استبصر، كان عليه إعادة الزّكاة. ولا يجوز أن يعطى الزّكاة من أهل المعرفة إلّا أهل السّتر والصّلاح. فأمّا الفسّاق وشرّاب

١٨٥

الخمور فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا. ولا بأس أن تعطي الزّكاة أطفال المؤمنين. ولا تعطى أطفال المشركين.

ولا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النّفقة عليه مثل الوالدين والولد والجدّ والجدة والزّوجة والمملوك. ولا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل والقرابات من الأخ والأخت وأولادهما والعمّ والخال والعمّة والخالة وأولادهم.

والأفضل أن لا يعدل بالزّكاة عن القريب مع حاجتهم الى ذلك الى البعيد. فإن جعل للقريب قسط، وللبعيد قسط، كان أفضل.

ومتى لم يجد من تجب عليه الزّكاة مستحقّا لها، عزلها من ماله، وانتظر بها مستحقّها، فإن لم يكن في بلده من يستحقّها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر. فإن أصيبت الزّكاة في الطّريق أو هلكت، فقد أجزأ عنه. وإن كان قد وجد في بلده لها مستحقا، فلم يعطه، وآثر من يكون في بلد آخر، كان ضامنا لها، إن هلكت، ووجب عليه إعادتها.

ومن وصّي بإخراج زكاة، أو أعطي شيئا منها ليفرّقه على مستحقيه، فوجده، ولم يعطه. بل أخّره، ثمَّ هلك، كان ضامنا للمال.

ولا تحلّ الصّدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة. وهم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، وجعفر

١٨٦

ابن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب، وعبّاس بن عبد المطّلب. فامّا ما عدا صدقة الأموال، فلا بأس أن يعطوا إيّاها. ولا بأس أن تعطي صدقة الأموال مواليهم. ولا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. وإنّما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.

وهذا كلّه إنّما يكون في حال توسّعهم ووصولهم إلى مستحقّهم من الأخماس. فإذا كانوا ممنوعين من ذلك ومحتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم، فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار.

ولا يجوز أن تعطى الزّكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده وأود عياله. فإن كانت حرفته لا تقوم به، جاز له أن يأخذ ما يتّسع به على أهله. ومن ملك خمسين درهما يقدر أن يتعيّش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته، لم يجز له أن يأخذ الزكاة. وإن كان معه سبعمائة درهم، وهو لا يحسن أن يتعيّش بها، جاز له أن يقبل الزّكاة، ويخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزّكاة، فيتّسع به على عياله. ومن ملك دارا يسكنها وخادما يخدمه، جاز له أن يقبل الزّكاة. فإن كانت داره دار غلّة تكفيه ولعياله، لم يجز له أن يقبل الزّكاة فإن لم يكن له في غلّتها كفاية، جاز له أن يقبل الزّكاة.

وينبغي أن تعطي زكاة الذّهب والفضّة للفقراء والمساكين

١٨٧

المعروفين بذلك، وتعطي زكاة الإبل والبقر والغنم أهل التّجمّل.

فإن عرفت من يستحقّ الزّكاة، وهو يستحيي من التعرّض لذلك، ولا يؤثر إن تعرفه، جاز لك أن تعطيه الزّكاة وإن لم تعرفه أنّه منها، وقد أجزأت عنك.

وإذا كان على إنسان دين، ولا يقدر على قضائه، وهو مستحقّ لها، جاز لك أن تقاصّه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدّين على ميّت، جاز لك أن تقاصّه منها. وإن كان على أخيك المؤمن دين، وقد مات، جاز لك أن تقضي عنه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك، جاز لك أن تقضيه عنهم من الزّكاة.

فإذا لم تجد مستحقا للزّكاة، ووجدت مملوكا يباع، جاز لك أن تشتريه من الزّكاة وتعتقه. فإن أصاب بعد ذلك مالا، ولا وارث له، كان ميراثه لأرباب الزّكاة. وكذلك لا بأس مع وجود المستحقّ أن يشتري مملوكا ويعتقه، إذا كان مؤمنا، وكان في ضرّ وشدّة. فإن كان بخلاف ذلك، لم يجز ذلك على حال.

ومن أعطى غيره زكاة الأموال ليفرقها على مستحقها، وكان مستحقّا للزّكاة، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره. اللهمّ إلّا أن يعيّن له على أقوام بأعيانهم. فإنّه لا يجوز

١٨٨

له حينئذ أن يأخذ منها شيئا، ولا أن يعدل عنهم الى غيرهم.

وأقلّ ما يعطي الفقير من الزّكاة خمسة دراهم أو نصف دينار. وهو أوّل ما يجب في النّصاب الأوّل. فأمّا ما زاد على ذلك، فلا بأس أن يعطى كلّ واحد ما يجب في نصاب نصاب، وهو درهم إن كان من الدراهم، أو عشر دينار إن كان من الدّنانير، وليس لأكثره حد. ولا بأس أن يعطي الرّجل زكاته لواحد يغنيه بذلك.

باب وجوب زكاة الفطرة ومن تجب عليه

الفطرة واجبة على كلّ حر بالغ مالك لما تجب عليه فيه زكاة المال. ويلزمه أن يخرج عنه وعن جميع من يعوله من ولد ووالد وزوجة ومملوك ومملوكة، مسلما كان أو ذمّيّا، صغيرا كان أو كبيرا. فإن كان لزوجته مملوك في عياله، أو يكون عنده ضيف يفطر معه في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنهما الفطرة. وإن رزق ولدا في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنه. فإن ولد المولود ليلة الفطر أو يوم العيد قبل صلاة العيد، لم يجب عليه إخراج الفطرة عنه فرضا واجبا. ويستحبّ له أن يخرج ندبا واستحبابا.

وكذلك من أسلم ليلة الفطر قبل الصّلاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة، وليس ذلك بفرض. فإن كان إسلامه

١٨٩

قبل ذلك، وجب عليه إخراج الفطرة. ومن لا يملك ما يجب عليه فيه الزّكاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة أيضا عن نفسه وعن جميع من يعوله. فإن كان ممّن يحلّ له أخذ الفطرة أخذها ثمَّ أخرجها عن نفسه وعن عياله. فإن كان به إليها حاجة، فليدر ذلك على من يعوله. حتّى ينتهي إلى آخرهم، ثمَّ يخرج رأسا واحدا إلى غيرهم، وقد أجزأ عنهم كلّهم.

باب ما يجوز إخراجه في الفطرة ومقدار ما يجب منه

أفضل ما يخرجه الإنسان في زكاة الفطرة التّمر ثمَّ الزّبيب. ويجوز إخراج الحنطة والشّعير والأرزّ والأقط واللّبن. والأصل في ذلك أن يخرج كلّ أحد ممّا يغلب على قوته في أكثر الأحوال.

فأمّا أهل مكّة والمدينة وأطراف الشّام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان، فينبغي لهم أن يخرجوا التّمر. وعلى أوساط الشّام ومرو من خراسان والريّ، أن يخرجوا الزّبيب. وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها وخراسان، أن يخرجوا الحنطة والشّعير، وعلى أهل طبرستان الأرز، وعلى أهل مصر البرّ. ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط، فإذا عدموه، كان عليهم اللّبن.

١٩٠

ومن عدم أحد هذه الأصناف التي ذكرناها، أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة الوقت ذهبا أو فضة، لم يكن به بأس. وقد روي رواية أنّه يجوز أن يخرج عن كلّ رأس درهما. وقد روي أيضا أربعة دوانيق. والأحوط ما قدّمناه من أنّه يخرج قيمته بسعر الوقت.

فأمّا القدر الذي يجب إخراجه عن كلّ رأس، فصاع من أحد الأشياء التي قدّمنا ذكرها. وقدره تسعة أرطال بالعراقيّ وستّة أرطال بالمدني. وهو أربعة أمداد. والمدّ مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف. والدرهم ستّة دوانيق. والدّانق ثماني حبّات من أوسط حبّات الشّعير. فأمّا اللّبن فمن يريد إخراجه، أجزأه أربعة أرطال بالمدنيّ أو ستّة بالعراقي.

باب الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة ومن يستحقها

الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد. ولو أن إنسانا أخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين أو من أوّل الشّهر الى آخره، لم يكن به بأس، غير أن الأفضل ما قدّمناه.

فإذا كان يوم الفطر، فليخرجها، ويسلّمها الى مستحقّيها فإن لم يجد لها مستحقّا، عزلها من ماله، ثمَّ يسلّمها بعد الصّلاة أو من غد يومه الى مستحقّيها. فإن وجد لها أهلا، وأخّرها،

١٩١

كان ضامنا لها، الى أن يسلّمها إلى أربابها. وإن لم يجد لها أهلا، وأخرجها من ماله، لم يكن عليه ضمان.

وينبغي أن تحمل الفطرة الى الإمام ليضعها حيث يراه. فإن لم يكن هناك إمام، حملت الى فقهاء شيعته ليفرقوها في في مواضعها. وإذا أراد الإنسان أن يتولّى ذلك بنفسه، جاز له له ذلك، غير أنّه لا يعطيها إلا لمستحقّيها.

والمستحقّ لها، هو كلّ من كان بالصّفة التي تحلّ له معها الزّكاة. وتحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.

ولا يجوز حمل الفطرة من بلد الى بلد. وان لم يوجد لها مستحقّ من أهل المعرفة، جاز أن تعطى المستضعفين من غيرهم.

ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له، إلّا عند التقية أو عدم مستحقّيها من أهل المعرفة. والأفضل أن يعطي الإنسان من يخافه من غير الفطرة، ويضع الفطرة في مواضعها.

ولا يجوز أن يعطي أقلّ من زكاة رأس واحد لواحد مع الاختيار. فإن حضر جماعة محتاجون وليس هناك من الأصواع بقدر ما يصيب كلّ واحد منهم صاع، جاز أن يفرّق عليهم. ولا بأس أن يعطي الواحد صاعين أو أصواعا.

والأفضل أن لا يعدل الإنسان بالفطرة إلى الأباعد مع وجود القرابات ولا الى الأقاصي مع وجود الجيران. فإن فعل خلاف ذلك، كان تاركا فضلا، ولم يكن عليه بأس.

١٩٢

باب الجزية وأحكامها

الجزية واجبة على أهل الكتاب ممّن أبى منهم الإسلام وأذعن بها، وهم اليهود والنّصارى. والمجوس حكمهم حكم اليهود والنّصارى. وهي واجبة على جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلّفين وتسقط عن الصّبيان والمجانين والبله والنّساء منهم. فأمّا ما عدا الأصناف المذكورة من الكفّار، فليس يجوز أن يقبل منهم إلّا الإسلام أو القتل. ومن وجبت عليه الجزية وحلّ الوقت، فأسلم قبل أن يعطيها، سقطت عنه، ولم يلزمه أداؤها.

وكلّ من وجبت عليه الجزية، فالإمام مخيّر بين أن يضعها على رءوسهم أو على أرضيهم. فإن وضعها على رءوسهم، فليس له أن يأخذ من أرضيهم شيئا. وإن وضعها على أرضيهم، فليس له أن يأخذ من رءوسهم شيئا.

وليس للجزية حدّ محدود ولا قدر موقّت. بل يأخذ الإمام منهم على قدر ما يراه من أحوالهم من الغنى والفقر بقدر ما يكونون به صاغرين.

وكان المستحقّ للجزية في عهد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المهاجرين دون غيرهم. وهي اليوم لمن قام مقامهم في نصرة الإسلام والذبّ من سائر المسلمين.

١٩٣

ولا بأس أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب ممّا أخذوه من ثمن الخمور والخنازير والأشياء التي لا يحلّ للمسلمين بيعها والتّصرف فيها.

باب أحكام الأرضين وما يصح التصرف فيه منها بالبيع والشرى والتملك وما لا يصح

الأرضون على أربعة أقسام:

ضرب منها يسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال، فتترك في أيديهم، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر، وكانت ملكا لهم، يصحّ لهم التّصرّف فيها بالبيع والشّرى والوقف وسائر أنواع التّصرف.

وهذا حكم أرضيهم إذا عمروها وقاموا بعمارتها. فإن تركوا عمارتها، وتركوها خرابا، كانت للمسلمين قاطبة. وعلى الإمام أن يقبّلها ممّن يعمّرها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة ومئونة الأرض، العشر أو نصف العشر فيما يبقى في حصّته، إذا بلغ الى الحدّ الذي يجب فيه ذلك. وهو خمسة أوسق فصاعدا حسب ما قدّمناه.

والضّرب الآخر من الأرضين، ما أخذ عنوة بالسّيف، فإنّها تكون للمسلمين بأجمعهم. وكان على الإمام أن يقبّلها

١٩٤

لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل إخراج ما قد قبل به من حقّ الرّقبة، وفيما يبقى في يده وخاصّه العشر أو نصف العشر.

وهذا الضّرب من الأرضين لا يصحّ التّصرف فيه بالبيع والشرى والتملّك والوقف والصّدقات. وللإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره عند انقضاء مدّة ضمانه، وله التّصرّف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين. وهذه الأرضون للمسلمين قاطبة، وارتفاعها يقسم فيهم كلّهم: المقاتلة، وغيرهم. فإن المقاتلة ليس لهم على جهة الخصوص إلّا ما تحويه العسكر من الغنائم.

والضّرب الثّالث كلّ أرض صالح أهلها عليها، وهي أرض الجزية، يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وليس عليهم غير ذلك.

فإذا أسلم أربابها، كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء، ويسقط عنهم الصّلح، لأنه جزية بدل من جزية رءوسهم وأموالهم، وقد سقطت عنهم بالإسلام. وهذا الضّرب من الأرضين يصحّ التّصرّف فيه بالبيع والشّرى والهبة وغير ذلك من أنواع التّصرف، وكان للإمام أن يزيد وينقض ما صالحهم عليه بعد انقضاء مدّة الصّلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها

١٩٥

والضّرب الرّابع، كلّ أرض انجلى أهلها عنها، أو كانت مواتا فأحييت، أو كانت آجاما وغيرها ممّا لا يزرع فيها، فاستحدثت مزارع.

فإن هذه الأرضين كلّها للإمام خاصة، ليس لأحد معه فيها نصيب، وكان له التّصرّف فيها بالقبض والهبة والبيع والشّرى حسب ما يراه، وكان له أن يقبّلها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وجاز له أيضا بعد انقضاء مدّة القبالة نزعها من يد من قبّله إيّاها وتقبيلها لغيره، إلّا الأرضين التي أحييت بعد مواتها، فإن الذي أحياها أولى بالتّصرف فيها ما دام يقبلها بما يقبلها غيره. فإن أبى ذلك، كان للإمام أيضا نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه. وعلى المتقبّل بعد إخراجه مال القبالة والمؤن فيما يحصل في حصتّه، العشر أو نصف العشر.

باب الخمس والغنائم

الخمس واجب في جميع ما يغنمه الإنسان.

والغنائم كلّ ما أخذ بالسّيف من أهل الحرب الذين أمر الله تعالى بقتالهم من الأموال والسّلاح والكراع والثّياب والمماليك وغيرها ممّا يحويه العسكر وممّا لم يحوه.

ويجب الخمس أيضا في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح

١٩٦

التّجارات والزّراعات وغير ذلك بعد إخراج مئونته ومئونة عياله.

ويجب الخمس أيضا في جميع المعادن من الذّهب والفضّة والحديد والصّفر والملح والرّصاص والنّفط والكبريت وسائر ما يتناوله اسم المعدن على اختلافها.

ويجب أيضا الخمس من الكنوز المذخورة على من وجدها، وفي العنبر وفي الغوص.

وإذا حصل مع الإنسان مال قد اختلط الحلال بالحرام، ولا يتميّز له، وأراد تطهيره، أخرج منه الخمس، وحلّ له التّصرف في الباقي. وإن تميّز له الحرام، وجب عليه إخراجه وردّه الى أربابه. ومن ورث مالا ممّن يعلم أنّه كان يجمعه من وجوه محظورة مثل الرّبا والغضب وما يجري مجراهما، ولم يتميّز له المغصوب منه ولا الرّبا، أخرج منه الخمس، واستعمل الباقي، وحلّ له التّصرف فيه.

والذمّي إذا اشترى من مسلم أرضا، وجب عليه فيها الخمس.

وجميع ما قدّمناه ذكره من الأنواع، يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيرا، إلّا الكنوز ومعادن الذّهب والفضّة، فإنّه لا يجب فيها الخمس إلّا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب فيه الزّكاة.

١٩٧

والغوص لا يجب فيه الخمس إلّا إذا بلغ قيمته دينارا.

وأمّا الغلّات والأرباح فإنّه يجب فيها الخمس بعد إخراج حق السّلطان ومئونة الرّجل ومئونة عياله بقدر ما يحتاج اليه على الاقتصاد.

والكنوز إذا كانت دراهم أو دنانير، يجب فيها الخمس فيما وجد منها، إذا بلغ إلى الحدّ الّذي قدّمناه ذكره. وإن كان ممّا يحتاج الى المؤنة والنّفقة عليه، يجب فيه الخمس بعد إخراج المؤنة منه.

باب قسمة الغنائم والأخماس

كلّ ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف التي قدّمناه ذكرها، ممّا حواه العسكر يخرج منه الخمس. وأربعة أخماس ما يبقى يقسم بين المقاتلة. وما لم يحوه العسكر من الأرضين والعقارات وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس، والباقي تكون للمسلمين قاطبة: مقاتليهم وغير مقاتليهم، يقسمه الامام بينهم على قدر ما يراه من مئونتهم.

والخمس يأخذه الإمام فيقسمه ستّة أقسام:

قسما لله، وقسما لرسوله، وقسما لذي القربى. فقسم الله وقسم الرّسول وقسم ذي القربى للإمام خاصّة، يصرفه في أمور نفسه وما يلزمه من مئونة غيره.

١٩٨

وسهم ليتامى آل محمّد، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم. وليس لغيرهم شي‌ء من الأخماس. وعلى الإمام أن يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومئونتهم في السّنة على الاقتصاد. فإن فضل من ذلك شي‌ء، كان له خاصّة. وإن نقص كان عليه أن يتمّ من خاصّته.

وهؤلاء الذين يستحقّون الخمس، هم الذين قدّمنا ذكرهم ممّن تحرم عليهم الزّكاة، ذكرا كان أو أنثى. فإن كان هناك من أمّه من غير أولاد المذكورين، وكان أبوه منهم، حلّ له الخمس، ولم تحلّ له الزّكاة. وإن كان ممّن أبوه من غير أولادهم، وأمّه منهم، لم يحلّ له الخمس، وحلّت له الزّكاة.

باب الأنفال

الأنفال كانت لرسول الله خاصّة في حياته، وهي لمن قام مقامه بعده في أمور المسلمين. وهي كلّ أرض خربة قد باد أهلها عنها. وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب أو يسلّمونها هم بغير قتال، ورءوس الجبال وبطون الأودية والآجام والأرضون الموات التي لا أرباب لها، وصوافي الملوك وقطائعهم ممّا كان في أيديهم من غير وجه الغصب، وميراث من لا وارث له.

وله أيضا من الغنائم قبل أن تقسم: الجارية الحسناء،

١٩٩

والفرس الفاره، والثّوب المرتفع، وما أشبه ذلك ممّا لا نظير له من رقيق أو متاع.

وإذا قاتل قوم أهل حرب من غير أمر الإمام، فغنموا، كانت غنيمتهم للإمام خاصّة دون غيره.

وليس لأحد أن يتصرف فيما يستحقّه الإمام من الأنفال والأخماس إلّا بإذنه. فمن تصرّف في شي‌ء من ذلك بغير إذنه، كان عاصيا، وارتفاع ما يتصرّف فيه مردود على الإمام. وإذا تصرّف فيه بأمر الإمام، كان عليه أن يؤدي ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع.

هذا في حال ظهور الإمام. فأمّا في حال الغيبة، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لا بدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن. فأمّا ما عدا ذلك، فلا يجوز له التصرّف فيه على حال.

وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نصّ معيّن إلا أنّ كلّ واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط.

فقال بعضهم: إنّه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر.

وقال قوم: إنّه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا. فإذا حضرته الوفاة، وصّى به الى من يثق به من إخوانه المؤمنين

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361