الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية21%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214078 / تحميل: 8508
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فإنّ ذلك لا يضر ولا يؤثّر في قيمة الحجّة التي أقامها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإمامة ؛ لأنّ تبليغه وبيانه وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو قول الله تعالى .

وممّا يؤكّد هذا الوجه ما أجاب به الإمام الصادقعليه‌السلام بسند معتبر صحيح عندنا ، حينما سأله أبو بصير عن السبب في عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام صريحاً ، عن أبي بصير حيث قال : ( سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، فقال :نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فقلت له : إنّ الناس يقولون : فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيتهعليهم‌السلام في كتاب الله عزّ وجلّ ؟ قال : فقال :فقولوا لهم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي فسّر ذلك لهم )(١) .

ثالثا : ذكر الوصف أبلغ في التأثير من ذكر الاسم

من الواضح أنّ ذكر الوصف أوقع تأثيراً في تحديد المصداق من ذكر الاسم ؛ لذا ذكر علماء اللغة أنّ اسم العلم ليس أعرف المعارف ، بل الكثير منهم جعل اسم العلم أدنى درجة من أسماء المعرفة ، والسر في ذلك ، كما ينصّ عليه أهل اللغة والبلاغة ، أنّ اسم العلم قد يتوخّى منه معنى الصفة ، فإذا جاء اسم عليّعليه‌السلام في القرآن فقد يحصل إيهام بأنّ المراد منه الصفة أي العالي ، وعلى هذا الأساس بيّن القرآن الكريم المصداق بشكل صريح ، وأنّ الولي هو المتصف بكونه يؤدّي الزكاة وهو راكع( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ،

ـــــــــــــ

(١) أصول الكافي ، الكليني : ج ١ ص ٢٨٦ ـ ٢٨٧ .

(٢) المائدة : ٥٥ .

٨١

الذي تواترت الروايات من طرق الشيعة والسنّة على أنّ المراد به هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام (١) .

رابعاً : ذكر علي في القرآن يدعو البعض لانتحال اسمه

لو فرضنا أنّ القرآن ذكر الاسم صريحاً فلا يعني حسم الخلاف في ذلك ، بل قد يكون أدعى للخلاف ؛ لأنّه يكون وسيلة وداعية لاستعارة الأسماء والألقاب لذوي النفوس المريضة ، لكي يجعل الاسم منطبقاً عليه ، كما نلمس ذلك واضحاً من انتحال لقب أمير المؤمنين الخاص بعليعليه‌السلام ، والذي هنّأه به عمر بن الخطاب ، كما جاء ذلك في حديث الغدير الذي جاء متضافراً في كتب أهل السنّة(٢) ، حتى وصل الأمر بمعاوية ويزيد أن يلقّبوا أنفسهم بهذا اللقب حتى صار تقليداً معمولاً به فسمّي كل مَن يتولّى الحكم ولو ظلماً وعدواناً بـ ( أمير المؤمنين ) .

خامساً : لو ذُكر اسم علي لحذفه المنافقون

لو فرضنا أن القرآن ذكر اسم عليّعليه‌السلام صريحاً لبادر المنافقون لرفعه وحذفه من الكتاب الكريم فيقع التصرّف والتحريف في القرآن الكريم ، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يحفظ القرآن الكريم ، حيث قال :( إِنّا نَحْنُ

ـــــــــــــ

(١) جامع البيان ، الطبري : ح ٦ ص ٣٨٩ ـ ٣٩٠ من طريق ابن عباس وعتبة بن حكيم ومجاهد ، الكشاف ، الزمخشري : ج ١ ص ٦٤٩ .

(٢) انظر : مسند أحمد : ج ٤ ص ٢٨١ ؛ المعجم الكبير : ج ٥ ص ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٦ ص ٢٨٢ ؛ ثمار القلوب : ص ٦٣٧ ح ١٠٦٨ ؛ المعيار والموازنة : ص ٢١٢ ؛ وما بعدها ؛ المصنف لأبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٥٠٣ ؛ نظم درر السمطين : ص ١٠٩ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٣ ص ١٣٤ ؛ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٢٠٠ ؛ وغيرها .

٨٢

نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (١) ، ولا شك أنّ الحكمة الإلهية شاءت حفظ القرآن الكريم من طرقه الطبيعية قدر الإمكان ، كما سوف يتضح ذلك عند الإجابة عن شبهة التحريف .

سادساً : ذكر الاسم لا يعني حسم النزاع

إنّ ذكر الاسم صريحاً في القرآن لا يعني حسم الخلاف في ذلك من جهة أخرى ؛ لأنّنا نجد أنّ كثيراً من الأمور التي ذُكرت في القرآن بصراحة تامّة وقع الخلاف فيها بعد ذلك ، كما في المتعة التي ورد ذكرها في القرآن بكل صراحة ، وذلك في قوله تعالى :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيَما تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) (٢) ، ومع ذلك نجد أنّ الخلاف والنزاع وقع فيها فيما بعد ، حيث ادّعي نسخها بقول عمر بن الخطاب .

سابعاً : ذكر الاسم في القرآن داعية لاتهام الشيعة

لو افترضنا أنّ اسم عليعليه‌السلام ذُكر في القرآن ، فليس من البعيد أن يُقال إنّ ذلك من وضع الرافضة ، كما نجد هذا الافتراء واضحاً في الروايات الصريحة الواردة في فضائل أهل البيتعليه‌السلام ، ولا غرابة في ذلك على الذين ختم الله على قلوبهم ، فإنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صرّح باسمهعليه‌السلام على مرأى ومسمع (١٢٠) ألف صحابي ، بشكل لا يشوبه ريب ، ومع ذلك بادر المنافقون إلى إنكاره ورفضه ، وزعم بعضهم أنّ ذلك من الموضوعات .

ـــــــــــــ

(١) الحجر : ٩ .

(٢) النساء : ٢٤ .

٨٣

ثامناً : لا ينبغي التشكيك في إمامة عليعليه‌السلام

على ضوء ما سلف نود أن نلفت نظر المستشكل في إمامة عليعليه‌السلام بعدم ذكر اسمه في القرآن ، إلى أنّه بعد قيام الحجج والبراهين والأدلة القاطعة على الإمامة لا ينبغي التشكيك والترديد وإثارة الشبهات في ذلك ، استناداً إلى شبهات واهية كهذه ، وأن لا نكون كقوم بني إسرائيل ، الذي أخذوا يطلبون من نبي الله موسىعليه‌السلام المزيد من الحجج بعد أن أظهر لهم الأدلة والبراهين على وجود الله تعالى ، حتى أنهم طلبوا من موسى أن يريهم الله تعالى جهرة ، حيث قالوا :( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى‏ نَرَى اللهَ جَهْرَةً ) (١) .

الخلاصة

في المقدّمة ينبغي الالتفات إلى نقطتين أساسيتين :

الأُولى : إنّ القرآن الكريم تبيان لكل شيء ، لكن ليس باستطاعة أحد معرفة واستخراج هذه المعارف منه ؛ لذا كانت السنّة النبوية مبيّنة ومفصّلة له ، ومن هنا قرن الله تعالى طاعته بطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ، وقوله عزّ وجلّ :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (٣) ، إلى غير ذلك من الآيات .

الثانية :إنّ الله تعالى أمرنا بالأخذ بما بينه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يجوز الاعتراض على حكم الله أو أي قضاء قضاه الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ٥٥ .

(٢) النساء : ٥٩ .

(٣) الأنفال : ٢٠ .

٨٤

وبعد هذا نقول : إنّ السبب في عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام في القرآن يرجع إلى ما يلي : ـ

أوّلاً : إنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نصّ على إمامة عليعليه‌السلام باسمه الصريح ، ولا فرق في الحجّيّة بين القرآن وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تواتر ذلك عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواطن متعددة كما في حديث الغدير وحديث الدار والمنزلة ونحوها ، سيّما أنّ القرآن الكريم لم ترد فيه كثير من الأحكام الأساسية في الإسلام كتفاصيل الصلاة والصيام ونحوها .

ثانياً : نقول : إنّ عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام صريحاً في القرآن يعود لحكمة إلهية اقتضت ذلك ، وما أكثر الأشياء التي يفعلها الله تعالى ويأمر بها من دون إطلاعنا على حكمته في ذلك .

ثالثاً : إنّ ذكر الوصف أبلغ تأثيراً وتأكيداً من ذكر الاسم ، كما هو معروف عند اللغويين ، وقد ذُكر وصف الإمام عليعليه‌السلام في القرآن كما في قوله تعالى :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) ، وقد تواترت الروايات بعدم انطباق هذه المواصفات إلاّ على عليعليه‌السلام .

رابعاً : لو فُرض ذكر اسم عليعليه‌السلام في القرآن ؛ لبادر المنافقون لرفعه والتجاوز على القرآن الكريم ، فمن منطلق الحكمة الإلهية في الحفاظ على سلامة القرآن من التحريف لم يذكر اسمهعليه‌السلام فيه .

خامساً : لو افترضنا أنّ اسم عليعليه‌السلام ذُكر في القرآن الكريم ؛ فإنّ ذلك لا يعني حسم الخلاف ، كما هو الحال في آية المتعة الصريحة في مشروعيّتها ، والتي جُسّدت وطُبّقت تطبيقاً عملياً من قِبل الصحابة ، إلاّ أنّ عمر جاء وألغى هذا الحكم القرآني وهدّد كل مَن يمارسه .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٥٥ .

٨٥

سادساً : لو فُرض وجود اسم عليعليه‌السلام في القرآن لقال البعض إنّه من وضع الرافضة .

سابعاً : بعد أن قامت الحجج والبراهين على ولاية عليعليه‌السلام بشكل لا يشوبه ريب ، فلا معنى لمثل هذه المبررات الواهية التي لا أساس لها .

ثامناً : إنّ وجود اسم عليعليه‌السلام في القرآن سيكون داعياً لاستعارته وجعله منطبقاً على بعض القيادات الحكومية ، كما هو الحال في كثير من الألقاب التي خصّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعليعليه‌السلام ، لكنّها نُسبت بعد ذلك إلى غيره ، كما هو الحال في لقب الصدّيق والفاروق وأمير المؤمنين .

آية التطهير لا تختصّ بأئمّة الشيعة

الشبهة :

إنّ أهل البيت في آية التطهير تعني كل مَن يلتقي بالنبي في هاشم .

الجواب :

لقد شدّد القرآن الكريم والسنّة النبوية ، على تعيين المراد من مفهوم أهل البيتعليهم‌السلام في موارد متعددة ، وحسبك ما ورد من الروايات الصحيحة التي تصرّح بأسمائهم على طريقة الحصر واحداً بعد الآخر ، وهم الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

ولعلّنا لا نجانب الصواب إذا ما قلنا بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان شديد الحرص على تشخيص وحصر أهل البيتعليهم‌السلام ؛ درءاً للتشكيكات التي قد تثار من ذوي النفوس المريضة .

وبالتأمّل في تفاصيل الواقعة نلمس اكتنازها الكثير من الدلائل الواضحة ، التي تثبت حصر أهل البيت في الآية المباركة بالخمسة أصحاب الكساء ، وإليك بعض تلك الشواهد والقرائن الصريحة :

٨٦

تشخيص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل البيت بأسمائهم ، كما في رواية عبد الله بن جعفر ، حيث قال : ( لمّا نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الرحمة هابطة قال :ادعوا لي ، ادعوا لي ، فقالت صفية : مَن يا رسول الله ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أهل بيتي : عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ، فجيء بهم فألقى عليهم النبي كساءه ، ثم رفع يديه ، ثم قال :اللّهم هؤلاء آلي فصلِّ على محمّدٍ وعلى آل محمّد ، وأنزل الله عزّ وجلّ :( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً )

قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقد صحّت الرواية على شرط الشيخين ، أنّه علّمهم الصلاة على أهل بيته كما علّمهم الصلاة على آله(١) .

ولا يخفى ما في كلمة :( اللّهمّ هؤلاء آلي ) من الدلالة على حصر أهل البيت في علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ونفي ذلك العنوان عن غيرهم ، كما لا يخفى على كلّ مَن عرف أساليب العرب في الكلام .

٢ ـ* من أجل التأكيد على الحصر وتحديد أهل البيتعليهم‌السلام بأفراد معيّنين نلاحظ أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحصرهم تحت كساء واحد في مواقف متعددة وروايات متضافرة :

منها : ما جاء في رواية أبي سلمة ، حيث قال : فدعا حسناً وحسيناً ، وفاطمة ، فأجلسهم بين يديه ، ودعا عليّاً فأجلسه خلفه فتجلّل هو وهم بالكساء ، ثم قال :( هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ) (٢) .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٤٨ .

(٢) جامع البيان ، الطبري : ج ٢٢ ص ١٢ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٩ ص ٢٦ ؛ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ٢ ص ١١٩ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ١٣ ص ٢٠٣ .

* لا يوجد ١ ـ قبل هذا الرقم ، يبدوا أنّه سقط سهواً من إحدى الفقرات أعلاه .

٨٧

ومنها : ما رواه ابن كثير في تفسيره قال : ( حدثنا شداد بن عمار قال :دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم ، فذكروا علياً رضي‌الله‌عنه فشتموه ، فشتمته معهم ، فلمّا قاموا ، قال لي : شتمت هذا الرجل ؟ قلت : قد شتموه فشتمته معهم ، قال : ألاّ أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قلت : بلى ، قال : أتيت فاطمة (رضي الله عنها) أسألها عن علي رضي‌الله‌عنه ، فقالت : توجّه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجلست أنتظره ، حتى جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه علي وحسن وحسين (رضي الله عنهم) ، آخذاً كل واحد منهما بيده حتى دخل ، فأدنى عليّاً وفاطمة رضي الله عنهما وأجلسهما بين يديه ، وأجلس حسناً وحسيناً رضي الله عنهما كل واحد منهما على فخذه ، ثم لفّ عليهم ثوبه أو قال كساءه ، ثم تلا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الآية : ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وقال : ( اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق ) (١) .

ومنها : ما أخرجه أحمد وغيره عن أُمّ سلمة ، قالت : ( فأخذصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضل الكساء فغشاهم به ، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ، ثم قال :( اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، قالت ـ أم سلمة ـ : فأدخلت رأسي البيت ، فقلت : وأنا معكم يا رسول الله ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّك إلى خير ، إنّك إلى خير ) (٢) .

ومنها : ما عن أُمّ سلمة أيضاً ، قالت : ( فلمّا رآهم مقبلين مدّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يده إلى كساء كان على المنامة ، فمدّه وبسطه ،

ـــــــــــــ

(١) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٢ ، شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ٢ ص ٦٧ .

(٢) مسند أحمد : ج ٦ ص ٢٩٢ ، تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٢ .

٨٨

وأجلسهم عليه ، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله فضمّه فوق رؤوسهم ، وأومأ بيده اليمنى إلى ربه ، فقال :( اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ) (١) .

ومنها : ما جاء كذلك عن أم سلمة ، قالت : فاجتمعوا حول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بساط فجلّلهم نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكساء كان عليه ، ثم قال :( هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط ، قالت : فقلت : يا رسول الله ، وأنا ؟ قالت : فو الله ما أنعم ، وقال :إنّك إلى خير ) (٢) .

ومنها : ما جاء كذلك عن أمّ سلمة ، قالت : ( بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي يوماً إذ قالت الخادمة : إنّ فاطمة وعليّاً بالسدّة ، قالت : فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قومي فتنحّي عن أهل بيتي ) )(٣) .

ومنها : ما عن أمّ سلمة أيضاً ، قالت : ( إنّ هذه الآية نزلت في بيتي( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، قالت : وأنا جالسة على باب البيت ، فقلت يا رسول الله : ألست من أهل البيت ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّك إلى خير ، أنت من أزواج النبي ) (٤) .

ومنها : ما ورد عن عائشة ، قالت : ( لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعى عليّاً وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم ، فألقى عليهم ثوباً فقال :( اللّهمّ

ـــــــــــــ

(١) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٢ ـ ٤٩٣ ، مسند أحمد : ج ٦ ص ٢٩٨ .

(٢) جامع البيان ، الطبري : ج ٢٢ ص ١٢ ـ ١٣ ، تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٣ .

(٣) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٣ .

(٤) جامع البيان : ج ٢٢ ص ١١ ، تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٣ .

٨٩

هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ) ، قالت : فدنوت منهم ، فقلت يا رسول الله : وأنا من أهل بيتك ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :تنحّي فإنّك على خير (١) .

ومنها : ما عن سعد ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حين نزل عليه الوحي ، فأخذ عليّاً وابنيه وفاطمة رضي الله عنهم ، فأدخلهم تحت ثوبه ، ثم قال :( ربّي هؤلاء أهلي وأهل بيتي ) (٢) .

وهذا الأسلوب العملي من أبلغ أساليب الحصر ، لسدّ كل منافذ الالتباس ، حيث تخطّى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دلالات الكلام بحصرهم تحت كساء واحد ، ليكون أبلغ في الحصر وأقوى في الدلالة .

٣ ـ لقد صرّح الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفس الآية التي هي محل البحث تصريحاً لا يبقى فيه مجال للشك والريب ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( نزلت الآية في خمسة ، فيّ ، وفي علي وفاطمة وحسن وحسين ) (٣) .

ومن هنا نجد أنّ كل المذاهب الإسلامية أجمعت على كيفية واقعة الكساء ، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نزل عليه الوحي ( بآية التطهير ) ضمّ الحسنين وأباهما وأُمّهما إليه ، ثم غشّاهم ونفسه بذلك الكساء تمييزاً لهم عن سائر الأبناء والأنفس والنساء ، ومن ثمّ بلّغ الأمة بالآية المباركة وهو على تلك الحال ،

ـــــــــــــ

(١) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٤ .

(٢) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٤ .

(٣) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٦ ص ٦٠٤ ؛ خصائص الوحي المبين ، الحافظ ابن البطريق : ص ١٠٦ ؛ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ٢ ص ٤٠ ، ص ٤٥ ، ص ١٣٧؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٦٧ ؛ ترجمة الإمام الحسن ، ابن عساكر : ص ٦٩ .

٩٠

لكي يقطع الطريق عن كل مَن يطمع بمشاركتهم ، سواء كان من أزواجه أم من الصحابة أم غيرهم ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم في معزل عن الناس كافة ، قال تعالى :( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، فأزاح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحجبهم في كسائه كل ما يطرأ على الأذهان من ريب وشك .

٤ ـ وإمعاناً في التأكيد ولسدّ كل منافذ التشكيك والريب ، أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتلو هذه الآية الكريمة كل يوم على باب بيت فاطمة الزهراء الذي فيه : علي والحسنان وأُمّهماعليهم‌السلام ، بمرأى ومسمع من المسلمين ، وهناك عدد وافر من الروايات التي تثبت ذلك :

منها : ما ورد عن أبي الحمراء قال : رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : رأيت رسول الله إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة رضي الله عنمهما ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( الصلاة الصلاة ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) ، وفي بعض الروايات تسعة أشهر ، وفي بعضها الآخر ، قال نفيع بن حارث : قلت : يا أبا الحمراء مَن كان في البيت ؟ قال : علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام (٢) .

ومنها : عن ابن عباس قال : ( شهدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعة أشهر ، يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول :( السلام عليكم

ـــــــــــــ

(١) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤ ص ٢٩٠ ؛ تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٢ ؛ التاريخ ، البخاري : ج ٩ ص ٢٥ ـ ٢٦ ؛ كني البخاري : ص ٢٥ ـ ٢٦ ؛ أسد الغابة ، ابن الأثير : ج ٩ ص ٦٦ ؛ جامع البيان ، الطبري : ج ٢٢ ص ١٠ ؛ الدّر المنثور : ج ٦ ص ٦٠٦ ؛ فتح القدير ، الشوكاني : ج ٤ ٢٨٠ ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ ص ٧٤ ـ ٧٥ .

(٢) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ٢ ص ٧٤ ، نظم درر السمطين : ص ٢٣٩.

٩١

ورحمة الله وبركاته أهل البيت ، ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) كل يوم خمس مرات )(١) .

ومنها : ما ورد عن أبي بُرزة ، قال : ( صلّيت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعة عشر شهراً ، فإذا خرج من بيته أتى باب فاطمةعليها‌السلام فقال : (السلام عليكم : ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) كل يوم خمس مرات )(٢) .

ومنها : ما رواه ابن كثير في تفسيره عن أنس بن مالك ، قال : ( إنّ رسول الله (صلّى الله تعالى عليه وآله وسلم) كان يمرّ بباب فاطمة (رضي الله عنها) ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر ، يقول (الصلاة يا أهل البيت ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، ثم قال ابن كثير : ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عفان )(٣) .

٥ ـ كذلك من القرائن التي تشهد على حصر أهل البيت بالنبي وعلي وفاطمة والحسنينعليهم‌السلام ، دون غيرهم ، وجود الحشر الكبير من الروايات الدالة على أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصرهم بالخمسةعليهم‌السلام في مواقف أخرى غير حادثة الكساء :

منها : ما ورد عن سعد بن أبي وقاص قال : لمّا نزلت الآية :( قل تعالوا ندعوا ... ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فقال :( اللّهمّ هؤلاء أهلي ) .

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور السيوطي : ج ٦ ص ٦٠٦ .

(٢) انظر مسند أحمد : ج ٣ ص ٢٥٩ ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ : ص ١٣٩ ؛ انظر مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٦٩ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٥٨ ، وقال : هذا حديث الصحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ؛ أسد الغابة ، ابن كثير : ج ٥ ص ٥٢١ ؛ مسند الطيالسي : ص ٢٧٤ ؛ وغيرها من المصادر .

(٣) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٢ ؛ وكذا نقله مسند أحمد : ج ٣ ص ٢٥٩ ص ٢٨٥.

٩٢

ولذا نجد الواحدي يقول بالحرف الواحد إنّ الآية( آية التطهير ) نزلت في خمسة : ( النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين )(١) .

٦ ـ ممّا يدل أيضاً على عدم شمول آية التطهير لكل بني هاشم ، أنّ الآية جاءت بصدد إثبات العصمة للخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام كما سيأتي ، ونحن لم نجد أحداً من بني هاشم أدّعى العصمة لنفسه غير العترة الطاهرة ، ولم تثبت العصمة بالأدلة والبراهين القاطعة إلاّ لهمعليهم‌السلام دون غيرهم .

٧ ـ كذلك من الشواهد الدالة على الحصر ما ورد من الروايات الدالة على أنّ التمسّك بأهل البيتعليهم‌السلام يكون عاصماً عن الضلال ، كما هو مفاد حديث الثقلين :( إنّي تارك ) الذي ورد فيه لفظ أهل البيت ، فكيف يكون كل بني هاشم من أهل البيت الذين أمرنا الله بالاقتداء بهم والتمسّك بهم ؟ مع أنّ في بني هاشم من هو الجاهل والفاسق ومن لا يصلح أن يُتمسك به وبهديه ، بل منهم مَن نزلت في ذمّه وهلاكه سورة قرآنية ، كأبي لهب :( تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ * مَا أَغْنَى‏ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى‏ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِن مَسَدٍ ) (٢) .

وعلى هذا الأساس يتضح أنّ العناية والاهتمام والتأكيد الذي أولاه

ـــــــــــــ

(١) أسباب النزول ، الواحدي : ص ٢٣٩ .

(٢) المسد : ١ ـ ٥ .

٩٣

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان أهل البيتعليهم‌السلام بأسمائهم ، وحصرهم بهذه الأساليب المختلفة من البيان ، مقرونة بأساليب متنوعة من العمل والتصدّي المباشر بالفعل ، فيسمّيهم حيناً بأسمائهم ، ويميّزهم حيناً آخر ، فيقول :(هؤلاء أهل بيتي) أو(اللّهمّ هؤلاء آلي) ، ويلفّهم حيناً ثالثاً بكساء واحد يجلّلهم فيه جميعاً ، لدرجة أنّ أُمّ المؤمنين زوجتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم سلمة تمنّت ، بل طلبت منه أن تكون معهم ، إلاّ أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردّها بلطف ورأفة ، قائلاً لها :إنّك على خير ، وكذا إعلانه بأسمائهم أمام الناس وأمام الملأ واحداً واحداً ، والمواظبة على تكرار هذا الإعلان لستة أشهر أو سبعة أو ثمانية أو تسعة ـ على اختلاف الروايات ـ أمام بيت الزهراءعليها‌السلام في كل يوم خمس مرات في أوقات الصلاة وفي غيرها .

مع أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يفعل ذلك إلاّ لحمكة وقصد ، كل ذلك يكشف عن أمر جليل و كبير له آثاره وأبعاده في تاريخ المسلمين وحياتهم ودينهم فيما بعد .

٨ ـ الملاحظة الجديرة بالذكر أيضاً أنّ الدليل الذي اعتمده القائل بدخول كل بني هاشم في أهل البيتعليهم‌السلام كان معتمده رأياً لزيد بن أرقم ، ولم يكن ابن أرقم في صدد نقل رواية عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّما هو بصدد ذكر رأيه وتحليله الخاص ، حيث أخرج أحمد في مسنده عن زيد ابن أرقم ، قال : ( قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً خطيباً فينا بماء يُدعى خماً ، بين مكة والمدينة ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ووعظ وذكّر ، ثم قال :أمّا بعد ، ألا يا أيّها الناس ، إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي عزّ وجلّ فأجيب ،

٩٤

وإنّي تارك فيكم ثقلين ، أوّلهما كتاب الله عزّ وجلّ فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، قال :وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، فقال له حصين : ومَن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : إنّ نساءه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته مَن حرم الصدقة بعده ، قال : ومَن هم ؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس ، قال : أكل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم )(١) .

ومن الواضح لا يمكن ترجيح تحليل ورأي زيد بن أرقم على تلك النصوص المتضافرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما مارسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أساليب مختلفة للدلالة على أنّ أهل البيتعليهم‌السلام هم الخمسة أصحاب الكساء .

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٤ ص ٣٦٧ .

٩٥

الخلاصة

١ ـ إنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شخّص وحدّد أسماء أهل البيت في آية التطهير ، وهم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، كما في رواية عبد الله بن جعفر المتقدمة ، ثم دعاؤه بـ( اللّهمّ هؤلاء آلي ) الذي لا تخفى دلالته على الحصر في أهل البيتعليهم‌السلام على كل مَن له أدنى معرفة بأساليب العرب في الكلام .

٢ ـ وجود عدد وافر من الروايات الصحيحة من طرق العامة تؤكّد على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع عليّاً وفاطمة والحسن والحسين تحت كساء واحد وقال :( هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ) وهذا أسلوب عملي من أبلغ أساليب الحصر ، لسد كل المنافذ أمام المشككين ، بحيث تجاوزصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دلالات الكلام بهذا العمل ليكون أوقع وآكد في الدلالة .

٣ ـ أجمعت المذاهب الإسلامية على كيفية الواقعة ، وكيف أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكساء ولفّ به الحسنين وأباهما وأُمّهما ، ثم غشّاهم ونفسه بذلك تمييزاً لهم عن سائر الأبناء والأنفس والنساء ، وقد صرّحصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تصريحاً لا يبقى فيه مجال للشك والريب حين قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( نزلت الآية في خمسة : فيّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمة ) .

٤ ـ تأكيداً وإمعاناً في حصر نزول آية التطهير في عليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأتي في كل يوم وفي كل وقت صلاة ولمدّة سبعة أو ثمانية أو تسعة أشهر حسب اختلاف الروايات إلى بابفاطمة عليها‌السلام ويتلو الآية ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) وهذا الأسلوب يعتبر خطّة إعلامية متقنة ، لتأكيد اختصاص آية التطهير بأهل البيت عليهم‌السلام .

٩٦

٥ ـ من الشواهد الأخرى في المقام أيضاً أنّ آية التطهير جاءت بصدد إثبات العصمة لأهل البيتعليهم‌السلام الذين قامت الأدلة والبراهين على عصمتهمعليهم‌السلام ، وفي الوقت ذاته لم نجد أحداً سواء من بني هاشم أم من أزواج النبي ممّن ادعى العصمة لنفسه ، وهذا يُشكّل دليلاً قاطعاً على نزول آية التطهير في أهل البيتعليهم‌السلام .

٦ ـ ما جاء في جملة من الروايات التي أمرنا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتمسّك بأهل البيتعليهم‌السلام ، كحديث الثقلين ونحوه ، فلو كان عنوان أهل البيت يشمل بني هاشم وأزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف يجوز التمسّك بهم للنجاة والفوز في الدار الآخرة مع وجود بعض الفاسقين والكافرين من بني هاشم كأبي لهب وأمثاله .

٧ ـ إنّ دليل القائل بشمول آية التطهير لبني هاشم إنّما هو رأي لزيد ابن أرقم وليس رواية يرويها عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورأي زيد بن أرقم ليس وحياً لكي يكون دليلاً على المقام .

الفصل الثاني: حديث الخلفاء الاثني عشر في كتب أهل السنّة

مدخل

لقد احتلّت مسألة تولّي الخلافة والقيادة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجالاً واسعاً وحيّزاً كبيراً في الفكر والواقع الإسلامي ، حيث كشفت سقيفة بني ساعدة عن الطموحات الواسعة لجملة من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تولّي ذلك المنصب ، كما كشفت أيضاً عن طبيعة الصراع الشديد الذي تجاذب أطرافه المجتمعون من الصحابة آنذاك .

وانبثق عن ذلك الاجتماع قيادات لحكومة سياسية مفاجئة ، اعترض عليها زعماء الأنصار وأتباعهم ، كما غاب عنها كبار الصحابة من المهاجرين ، وفي مقدّمتهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

واستطاعت تلك القيادات الحكومية بتدبير مسبق بينها أن تكسب الموقف ، وتخلق رأياً عامّاً لصالحها ، وتجبر الرافضين على السكوت عن إعلان المعارضة لها .

٩٧

وحيث إنّ النظرية السنية آمنت بمبدأ الإهمال ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهمل مسألة الخلافة ، ولم يضع مخططاً واضحاً لقيادة الأمة بعد وفاته ، كان من الطبيعي أن تكتسب الخلافة شرعيتها في الذهنية السنيّة ممّا انبثق عن السقيفة من حكومة .

وأمّا النظرية الشيعية في مسألة الخلافة ، فهي قائمة على مبدأ التخطيط الإلهي المسبق لقيادة الأمة بعد وفاة نبيّها ، ورفض فكرة الإهمال في مسألة مصيرية في حياة الأمة ، وهي الخلافة .

وإذا كانت النظرية الشيعية قائمة على فكرة التخطيط المسبق لمسألة*

وفي مقام الجواب عن هذا التساؤل نقول :

إنّ القرآن الكريم والسنّة النبويّة حافلان بالبيانات التفصيليّة لرسم معالم الحكومة والخلافة الإلهية بعد النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا نريد الخوض في كل ما ورد في هذا المجال ؛ لأنّ هذا يجرّنا إلى مبحث الإمامة ، ولكن نريد التوقّف قليلاً عند أحد جوانب السنّة النبوية المباركة ، وهو ما تضمّنته من تأكيد على فكرة الاثني عشر خليفة الذين يقومون بالأمر بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتكون عزّة الإسلام باتّباعهم والتمسّك بهم .

وسنحاول في هذا الفصل استعراض أهم الروايات الشريفة التي تضمّنت مبدأ خلافة الاثني عشر خليفة من المصادر السنّية المعتبرة ، والوقوف على أهم التفسيرات والتوجيهات التي أبداها أعلام أهل السنّة حول تلك الأحاديث مع تقييم تلك التفسيرات .

ومن ثمّ ننتقل إلى بيان التفسير الواقعي لتلك الأحاديث ، مدعوماً بالشواهد الواضحة والحقائق الناصعة .

ـــــــــــــ

* الكلام غير متصل مع ما بعده ، ربّما يوجد سقط في طباعة الكتاب [ الشبكة ] .

٩٨

حديث الخلفاء الاثني عشر في كتب أهل السنّة

الشبهة المطروحة حول الحديث

حاول البعض أن يشكّك في فكرة الاثني عشر خليفة قائلاً : إنّ فكرة الاثني عشر التي يدّعيها الشيعة الإمامية ، فكرة يهودية تعود إلى زعيم يهودي قديم ورد في كتاب دانيال ، وأنّ دعوى وجودها في صحيح البخاري ، كذب !! .

وإنّ حديث الخلفاء الاثني عشر الموجود في صحيح مسلم يتكلّم عن أنّ الإسلام يبقي عزيزاً منيعاً في عهدهم ، وأنّ هولاء الأئمّة تجتمع عليهم الأمّة ، كما في سنن أبي داود ، وكل هذه الصفات لا تنطبق على أئمّة الشيعة !!(١) .

وفي مقام الجواب عن هذه الشبهة نقول :

إنّ البعض قد يتنكّر لمبادئه التي أسّسها ، وصحّحها ، واعتمد عليها إذا وجدها تصبّ في مصلحة مَن يخالفه الرأي .

وهذا ما نلمسه عند صاحب الشبهة ، حيث أنكر حديث الاثني عشر خليفة الذي تثبته الصحاح المعتبرة ، التي اعتمد عليها وجعلها أصحّ الكتب بعد القرآن الكريم ؛ وذلك عندما وجده يسجّل رقماً إيجابياً في إثبات حقّانية المذهب الشيعي .

ولا يخفى على القارئ ما في تكذيبه للحديث من إنكار لحقيقة مهمّة يسيراً للكتب الحديثية المعتبرة عند أهل السنّة ، لوجدناها مشحونة بالروايات الصحيحة والصريحة التي نصّت على الاثني عشر خليفة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بمواصفاتهم وخصوصيّاتهم .

ـــــــــــــ

(١) مقتبس من كلام عثمان الخميس على قناة المستقلّة .

٩٩

حديث الاثني عشر في كتب أهل السنّة :

وإليك جملة من المصادر التي نقلت هذه الحقيقة ، المتسالم عليها عند أعلام السنّة :

١ ـ أخرج البخاري وأحمد والبيهقي وغيرهم بسندهم ، عن جابر بن سمرة ، قال : (سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :يكون اثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال :كلّهم من قريش ) (١) .

قال البغوي : هذا حديث متّفق على صحّته(٢) .

٢ ـ وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة ، قال : ( دخلت مع أبي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول :إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ، قال : ثم تكلّم بكلام خفي عليّ ، قال : فقلت لأبي ، ما قال ؟ قال :كلّهم من قريش )(٣) .

٣ ـ وأخرج مسلم أيضاً ، وأحمد ـ واللفظ للأول ـ عن جابر بن سمرة ، قال : ( سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً ، ثم تكلّم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكلمة خفيت عليّ ، فسألت أبي : ماذا قال رسول

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ، كتاب الأحكام : باب ٥١ ، ج ٤ ص ٣٧٥ ح ٧٢٢٢ ـ ٧٢٢٣ ؛ مسند أحمد ، ابن حنبل : ج ٥ ص ٨٧ ص ٩٠ ص ٩٦ ؛ دلائل النبوّة ، البيهقي : ج ٦ ص ٥١٩ .

(٢) شرح السنّة ، البغوي : ج ٧ ص ٤٢٢ ح ٤١٣٢ .

(٣) صحيح مسلم ، النيسابوري : ج ٣ ص ١٤٥٢ ؛ كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش ؛ وقد نقل مسلم هذا الحديث بتسعة طرق .

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ولعلّ هذه الجملة إشارة إلى القيامة الوارد ذكرها آنفا ، أو أنّها إشارة إلى القرآن ، لأنّه ورد التعبير عنه بـ «الحديث» في بعض الآيات كما في الآية ٣٤ من سورة الطور ، أو أنّ المراد من «الحديث» هو ما جاء من القصص عن هلاك الأمم السابقة أو جميع هذه المعاني.

ثمّ يقول مخاطبا :( وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سامِدُونَ ) أي في غفلة مستمرّة ولهو وتكالب على الدنيا ، مع أنّه لا مجال للضحك هنا ولا الغفلة والجهل ، بل ينبغي أن يبكى على الفرص الفائتة والطاعات المتروكة ، والمعاصي المرتكبة ، وأخيرا فلا بدّ من التوبة والرجوع إلى ظلّ الله ورحمته!

وكلمة سامدون مشتقّة من سمود على وزن جمود ـ ومعناه اللهو والانشغال ورفع الرأس للأعلى تكبّرا وغرورا ، وهي في أصل استعمالها تطلق على البعير حين يرفل في سيره ويرفع رأسه غير مكترث بمن حوله.

فهؤلاء المتكبّرون المغرورون كالحيوانات همّهم الأكل والنوم ، وهم غارقون باللذائذ جاهلون عمّا يحدق بهم من الخطر والعواقب الوخيمة والجزاء الشديد الذي سينالهم.

ويقول القرآن في آخر آية من الآيات محلّ البحث ـ وهي آخر آية من سورة النجم أيضا ـ بعد أن بيّن أبحاثا متعدّدة حول إثبات التوحيد ونفي الشرك :( فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ) .

فإذا أردتم أن تسيروا في الصراط المستقيم والسبيل الحقّ فاسجدوا لذاته المقدّسة فحسب ، إذ لله وحده تنتهي الخطوط في عالم الوجود ، وإذا أردتم النجاة من العواقب الوخيمة التي أصابت الأمم السالفة لشركهم وكفرهم فوقعوا في قبضة عذاب الله ، فاعبدوا الله وحده.

الذي يجلب النظر ـ كما جاء في روايات متعدّدة ـ أنّ النّبي عند ما تلا هذه الآية وسمعها المؤمنون والكافرون سجدوا لها جميعا.

٢٨١

ووفقا لبعض الرّوايات أن الوحيد الذي لم يسجد لهذه الآية عند سماعها هو «الوليد بن المغيرة» [لعلّه لم يستطع أن ينحني للسجود] فأخذ قبضة من التراب ووضعها على جبهته فكان سجوده بهذه الصورة.

ولا مكان للتعجّب أن يسجد لهذه الآية حتى المشركون وعبدة الأصنام ، لأنّ لحن الآيات البليغ من جهة ، ومحتواها المؤثّر من جهة اخرى وما فيها من تهديد للمشركين من جهة ثالثة ، وتلاوة هذه الآيات على لسان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المرحلة الاولى من نزول الآيات عن لسان الوحي من جهة رابعة كلّ هذه الأمور كان لها دور في التأثير والنفوذ إلى القلوب حتّى أنّه لم يبق أيّ قلب إلّا اهتزّ لجلال آيات الله وألقى عنه. ستار الضلال وحجب العناد ـ ولو مؤقتا ـ ودخله نور التوحيد المشعّ!.

وإذا تلونا الآية ـ بأنفسنا ـ وأنعمنا النظر فيها بكلّ دقّة وتأمّل وحضور قلب وتصوّرنا أنفسنا أمام النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي جوّ نزول الآيات وبقطع النظر ـ عن اعتقادنا الإسلامي ـ نجد أنفسنا ملزمين على السجود عند تلاوتنا لهذه الآية وأنّ نحني رؤوسنا إجلالا لربّ الجلال!

وليست هذه هي المرّة الاولى التي يترك القرآن بها أثره في قلوب المنكرين ويجذبهم إليه دون اختيارهم ، إذ ورد في قصّة «الوليد بن المغيرة» أنّه لمّا سمع آيات فصّلت وبلغ النّبي (في قوله) إلى الآية :( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ ) قام من مجلسه واهتزّ لها وجاء إلى البيت فظنّ جماعة من المشركين أنّه صبا إلى دين محمّد.

فبناء على هذا ، لا حاجة أن نقول بأنّ جماعة من الشياطين أو جماعة من المشركين الخبثاء حضروا عند النّبي ولمّا سمعوا النّبي يتلو الآية :( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ) بسطوا ألسنتهم وقالوا : تلك الغرانيق العلى!! ولذلك انجذب المشركون لهذه الآيات فسجدوا أيضا عند تلاوة النّبي آية السجدة!

٢٨٢

لأنّنا كما أشرنا آنفا في تفسير هذه الآيات. انّ الآيات التي تلت هذه الآيات عنّفت المشركين ولم تدع مجالا للشكّ والتردّد والخطأ لأي أحد (في مفهوم الآية) [لمزيد الإيضاح يراجع تفسير الآيتين ١٩ و٢٠ من هذه السورة].

وينبغي الالتفات أيضا إلى أنّ الآية الآنفة يجب السجود عند تلاوتها ، ولحن الآية التي جاءت مبتدئة بصيغة الأمر ـ والأمر دالّ على الوجوب ـ شاهد على هذا المعنى.

وهكذا فإنّ هذه السورة ثالثة السور الوارد فيها سجود واجب ، أي هي بعد سورة الم السجدة ، وحم السجدة وإن كان بعضهم يرى بأنّ أوّل سورة فيها سجود واجب نزلت على النّبي من الناحية التاريخية ـ هي هذه السورة.

اللهمّ أنر قلوبنا بأنوار معرفتك لئلّا نعبد سواك شيئا ولا نسجد إلّا لك.

اللهمّ إنّ مفاتيح الرحمة والخير كلّها بيد قدرتك ، فارزقنا من خير مواهبك وعطاياك ، أي رضاك يا ربّ العالمين.

اللهمّ ارزقنا بصيرة في العبر ـ لنعتبر بالأمم السالفة وعاقبة ظلمها وأن نحذر الاقتفاء على آثارهم

آمين يا ربّ العالمين.

* * *

انتهت سورة النجّم

٢٨٣
٢٨٤

سورة

القمر

مكّية

وعدد آياتها خمس وخمسون آية

٢٨٥
٢٨٦

«سورة القمر»

محتوى السورة :

تحوي هذه السّورة خصوصيات السور المكيّة التي تتناول الأبحاث الأساسيّة حول المبدأ والمعاد ، وخصوصا العقوبات التي نزلت بالأمم السالفة ، وذلك نتيجة عنادهم ولجاجتهم في طريق الكفر والظلم والفساد ممّا أدّى بها الواحدة تلو الاخرى إلى الابتلاء بالعذاب الإلهي الشديد ، وسبّب لهم الدمار العظيم.

ونلاحظ في هذه السورة تكرار قوله تعالى :( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) وذلك بعد كلّ مشهد من مشاهد العذاب الذي يحلّ بالأمم لكي يكون درسا وعظة للمسلمين والكفّار.

ويمكن تلخيص أبحاث هذه السورة في عدّة أقسام هي :

١ ـ تبدأ السورة بالحديث عن قرب وقوع يوم القيامة ، وموضوع شقّ القمر ، وإصرار وعناد المخالفين في إنكار الآيات الإلهيّة.

٢ ـ والقسم الثاني يبحث بتركيز واختصار عن أوّل قوم تمرّدوا على الأوامر الإلهيّة ، وهم قوم نوح ، وكيفيّة نزول البلاء عليهم.

٣ ـ أمّا القسم الثالث فإنّه يتعرّض إلى قصّة قوم «عاد» وأليم العذاب الذي حلّ بهم.

٤ ـ وفي القسم الرابع تتحدّث الآيات عن قوم «ثمود» ومعارضتهم لنبيّهم صالحعليه‌السلام وبيان معجزة الناقة ، وأخيرا ابتلاؤهم بالصيحة السماوية.

٥ ـ تتطرّق الآيات بعد ذلك إلى الحديث عن قوم «لوط» ضمن بيان واف

٢٨٧

لانحرافهم الأخلاقي ثمّ عن السخط الإلهي عليهم وابتلائهم بالعقاب الرّباني.

٦ ـ وفي القسم السادس تركّز الآيات الكريمة ـ بصورة موجزة ـ الحديث عن آل فرعون ، وما نزل بهم من العذاب الأليم جزاء كفرهم وضلالهم.

٧ ـ وفي القسم الأخير تعرض مقارنة بين هذه الأمم ومشركي مكّة ومخالفي الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمستقبل الخطير الذي ينتظر مشركي مكّة فيما إذا استمرّوا على عنادهم وإصرارهم في رفض الدعوة الإلهيّة.

وتنتهي السورة ببيان صور ومشاهد من معاقبة المشركين ، وجزاء وأجر المؤمنين والمتّقين.

وسورة القمر تتميّز آياتها بالقصر والقوّة والحركية.

وقد سمّيت هذه السورة بـ (سورة القمر) لأنّ الآية الاولى منها تتحدّث عن شقّ القمر.

فضيلة تلاوة سورة القمر :

ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :

«من قرأ سورة اقتربت الساعة في كلّ غبّ بعث يوم القيامة ووجهه على صورة القمر ليلة البدر ، ومن قرأها كلّ ليلة كان أفضل وجاء يوم القيامة ووجهه مسفر على وجوه الخلائق»(١) .

ومن الطبيعي أن تكون النورانية التي تتّسم بها هذه الوجوه تعبيرا عن الحالة الإيمانية الراسخة في قلوبهم نتيجة التأمّل والتفكّر في آيات هذه السورة المباركة والعمل بها بعيدا عن التلاوة السطحية الفارغة من التدبّر في آيات الله.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ (بداية سورة القمر).

٢٨٨

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) )

التّفسير

شقّ القمر!!

يتناول الحديث في الآية الاولى حادثتين مهمّتين :

أحدهما : قرب وقوع يوم القيامة ، والذي يقترن بأعظم تغيير في عالم الخلق ، وبداية لحياة جديدة في عالم آخر ، ذلك العالم الذي يقصر فكرنا عن إدراكه نتيجة محدودية علمنا واستيعابنا للمعرفة الكونية.

والحادثة الثانية التي تتحدّث الآية الكريمة عنها هي معجزة انشقاق القمر العظيمة التي تدلّل على قدرة البارئعزوجل المطلقة ، وكذلك تدلّ ـ أيضا ـ على صدق دعوة الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال تعالى :( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) .

٢٨٩

وجدير بالذكر أنّ سورة النجم التي أنهت آياتها المباركة بالحديث عن يوم القيامة( أَزِفَتِ الْآزِفَةُ ) تستقبل آيات سورة القمر بهذا المعنى أيضا ، ممّا يؤكّد قرب وقوع اليوم الموعود رغم أنّه عند ما يقاس بالمقياس الدنيوي فقد يستغرق آلاف السنين ويتوضّح هذا المفهوم ، حينما نتصوّر مجموع عمر عالمنا هذا من جهة ، ومن جهة اخرى عند ما نقارن جميع عمر الدنيا في مقابل عمر الآخرة فانّها لا تكون سوى لحظة واحدة.

إنّ اقتران ذكر هاتين الحادثتين في الآية الكريمة : «انشقاق القمر واقتراب الساعة» دليل على قرب وقوع يوم القيامة ، كما ذكر ذلك قسم من المفسّرين حيث أنّ ظهور الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو آخر الأنبياء ـ قرينة على قرب وقوع اليوم المشهود قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بعثت أنا والساعة كهاتين»(١) مشيرا إلى إصبعيه الكريمين.

ومن جهة اخرى ، فإنّ انشقاق القمر دليل على إمكانية اضطراب النظام الكوني ، ونموذج مصغّر للحوادث العظيمة التي تسبق وقوع يوم القيامة في هذا العالم ، حيث اندثار الكواكب والنجوم والأرض يعني حدوث عالم جديد ، استنادا إلى الرّوايات المشهورة التي ادّعى البعض تواترها.

قال ابن عبّاس : اجتمع المشركون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : إن كنت صادقا فشقّ لنا القمر فلقتين ، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن فعلت تؤمنون؟» قالوا : نعم ، وكانت ليلة بدر فسأل رسول الله ربّه أن يعطيه ما قالوا ، فانشقّ القمر فلقتين ورسول الله ينادي : «يا فلان يا فلان ، اشهدوا»(٢) .

ولعلّ التساؤل يثار هنا عن كيفية حصول هذه الظاهرة الكونية : (انشقاق هذا الجرم السماوي العظيم) وعن مدى تأثيره على الكرة الأرضية والمنظومة

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ٢٩ ، ص ٢٩.

(٢) ذكر في مجمع البيان وكتب تفسير اخرى في هامش تفسير الآية مورد البحث.

٢٩٠

الشمسية ، وكذلك عن طبيعة القوّة الجاذبة التي أعادت فلقتي القمر إلى وضعهما السابق ، وعن كيفيّة حصول مثل هذا الحدث؟ ولماذا لم يتطرّق التاريخ إلى ذكر شيء عنه؟ بالإضافة إلى مجموعة تساؤلات اخرى حول هذا الموضوع والتي سنجيب عليها بصورة تفصيليّة في هذا البحث إن شاء الله.

والنقطة الجديرة بالذكر هنا أنّ بعض المفسّرين الذين تأثّروا بوجهات نظر غير سليمة ، وأنكروا كلّ معجزة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدا القرآن الكريم ، عند ما التفتوا إلى وضوح الآية الكريمة محلّ البحث والرّوايات الكثيرة التي وردت في كتب علماء الإسلام في هذا المجال ، واجهوا عناءا في توجيه هذه المعجزة الربّانية ، وحاولوا نفي الظاهرة الإعجازية لهذا الحادث

والحقيقة أنّ مسألة «انشقاق القمر» كانت معجزة ، والآيات اللاحقة تحمل الدلائل الواضحة على صحّة هذا الأمر كما سنرى ذلك إن شاء الله.

لقد كان جديرا بهؤلاء أن يصحّحوا وجهات نظرهم تلك ، ليعلموا أنّ للرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معجزات عديدة أيضا.

وإذا أريد الاستفادة من الآيات القرآنية لنفي المعجزات فإنّها تنفي المعجزات المقترحة من قبل المشركين المعاندين الذين لم يقصدوا قبول دعوة الحقّ من أوّل الأمر ولم يستجيبوا للرسول الأكرم بعد إنجاز المعجز ، لكن المعجزات التي تطلب من الرّسول من أجل الاطمئنان إلى الحقّ والإيمان به كانت تنجز من قبله ، ولدينا دلائل عديدة على هذا الأمر في تأريخ حياة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

يقول سبحانه :( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) .

والمراد من قوله تعالى «مستمر» أنّهم شاهدوا من الرّسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معجزات عديدة ، وشقّ القمر هو استمرار لهذه المعاجز ، وأنّهم كانوا يبرّرون إعراضهم عن الإيمان وعدم الاستسلام لدعوة الحقّ وذلك بقولهم : إنّ هذه المعاجز كانت «سحر مستمر».

٢٩١

وهنالك بعض المفسّرين من فسّر «مستمر» بمعنى «قوي» كما قالوا : (حبل مرير) أي : محكم ، والبعض فسّرها بمعنى : الطارئ وغير الثابت ، ولكن التّفسير الأنسب هو التّفسير الأوّل.

أمّا قوله تعالى :( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ) فإنّه يشير إلى سبب مخالفتهم وعنادهم وسوء العاقبة التي تنتظرهم نتيجة لهذا الإصرار.

إنّ مصدر خلاف هؤلاء وتكذيبهم للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تكذيب معاجزه ودلائله ، وكذلك تكذيب يوم القيامة ، هو اتّباع هوى النفس.

إنّ حالة التعصّب والعناد وحبّ الذات لم تسمح لهم بالاستسلام للحقّ ، ومن جهة اخرى فإنّ المشركين ركنوا للملذّات الرخيصة بعيدا عن ضوابط المسؤولية ، وذلك إشباعا لرغباتهم وشهواتهم ، وكذلك فإنّ تلوّث نفوسهم بالآثام حال دون استجابتهم لدعوة الحقّ ، لأنّ قبول هذه الدعوة يفرض عليهم التزامات ومسئوليات الإيمان والاستجابة للتكاليف

نعم إنّ هوى النفس كان وسيبقى السبب الرئيسي في إبعاد الناس عن مسير الحقّ

وبالنسبة لقوله تعالى :( وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ) ، يعني أنّ كلّ إنسان يجازى بعمله وفعله ، فالصالحون سيكون مستقرّهم صالحا ، والأشرار سيكون مستقرّهم الشرّ.

ويحتمل أن يكون المراد في هذا التعبير هو أنّ كلّ شيء في هذا العالم لا يفنى ولا يزول ، فالأعمال الصالحة أو السيّئة تبقى مع الإنسان حتّى يرى جزاء ما فعل.

ويحتمل أن يكون تفسير الآية السابقة أنّ الأكاذيب والاتّهامات لا تقوى على الاستمرار الأبدي في إطفاء نور الحقّ والتكتّم عليه ، حيث إنّ كلّ شيء (خير أو شرّ) يسير بالاتّجاه الذي يصبّ في المكان الملائم له ، حيث إنّ الحقّ سيظهر وجهه الناصح مهما حاول المغرضون إطفاءه ، كما أنّ وجه الباطل القبيح سيظهر قبحه كذلك ، وهذه سنّة إلهيّة في عالم الوجود.

٢٩٢

وهذه التفاسير لا تتنافى فيما بينها ، حيث يمكن جمعها في مفهوم هذه الآية الكريمة.

* * *

بحوث

١ ـ شقّ القمر معجزة كبيرة للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع ذلك فإنّ بعض الأشخاص السطحيين يصرّون على إخراج هذا الحادث من حالة الإعجاز ، حيث قالوا : إنّ الآية الكريمة تحدّثنا فقط عن المستقبل وعن أشراط الساعة ، وهي الحوادث التي تسبق وقوع يوم القيامة

لقد غاب عن هؤلاء أنّ الأدلّة العديدة الموجودة في الآية تؤكّد على حدوث هذه المعجزة ، ومن ضمنها ذكر الفعل (انشقّ) بصيغة الماضي ، وهذا يعني أنّ (أشقّ القمر) شيء قد حدث كما أنّ قرب وقوع يوم القيامة قد تحقّق ، وذلك بظهور آخر الأنبياء محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

بالإضافة إلى ذلك ، إن لم تكن الآية قد تحدّثت عن وقوع معجزة ، فلا يوجد أي تناسب أو انسجام بينها وبين ما ورد في الآية اللاحقة حول افترائهم على الرّسول بأنّه (ساحر) وكذلك قوله :( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ) والتي تخبر الآية هنا عن تكذيبهم للرسالة والرّسول ومعاجزه.

إضافة إلى ذلك فإنّ الرّوايات العديدة المذكورة في الكتب الإسلامية ، والتي بلغت حدّ التواتر نقلت وقوع هذه المعجزة ، وبذلك أصبحت غير قابلة للإنكار.

ونشير هنا إلى روايتين منها :

الاولى : أوردها الفخر الرازي أحد المفسّرين السنّة ، والاخرى للعلّامة الطبرسي أحد المفسّرين الشيعة.

يقول الفخر الرازي : «والمفسّرون بأسرهم على أنّ المراد أنّ القمر انشقّ

٢٩٣

وحصل فيه الإنشقاق ، ودلّت الأخبار على حديث الإنشقاق ، وفي الصحيح خبر مشهور رواه جمع من الصحابة والقرآن أدلّ دليل وأقوى مثبت له وإمكانه لا يشكّ فيه ، وقد أخبر عنه الصادق فيجب إعتقاد وقوعه»(١) .

أمّا عن نظرية بطليموس والقائلة بأنّ (الأفلاك السماوية ليس بإمكانها أن تنفصل أو تلتئم) فإنّها باطلة وليس لها أي أساس أو سند علمي ، حيث إنّه ثبت من خلال الأدلّة العقليّة أنّ انفصال الكواكب في السماء أمر ممكن.

ويقول العلّامة الطبرسي في (مجمع البيان) : لقد أجمع المفسّرون والمحدّثون سوى عطاء والحسين والبلخي الذين ذكرهم ذكرا عابرا ، أنّ معجزة شقّ القمر كانت في زمن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ونقل أنّ حذيفة ـ وهو أحد الصحابة المعروفين ـ ذكر قصّة شقّ القمر في جمع غفير في مسجد المدائن ولم يعترض عليه أحد من الحاضرين ، مع العلم أنّ كثيرا منهم قد عاصر زمن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ونقل هذا الحديث في هامش الآية المذكورة في الدرّ المنثور والقرطبي).

وممّا تقدّم يتّضح جيّدا أنّ مسألة شقّ القمر أمر غير قابل للإنكار ، سواء من الآية نفسها والقرائن الموجودة فيها ، أو من خلال الأحاديث والرّوايات ، أو أقوال المفسّرين ، ومن الطبيعي أن تطرح أسئلة اخرى حول الموضوع سنجيب عنها إن شاء الله فيما بعد.

٢ ـ مسألة شقّ القمر والعلم الحديث :

السؤال المهمّ المطروح في هذا البحث هو : هل أنّ الأجرام السماوية يمكنها أن تنفصل وتنشقّ؟ وما موقف العلم الحديث من ذلك؟

__________________

(١) التّفسير الكبير ، الفخر الرازي ، ج ٢٩ ، ص ٢٨ ، أوّل سورة القمر.

٢٩٤

وللإجابة على هذا السؤال وبناء على النتائج التي توصّل إليها العلماء الفلكيون ، فإنّ مثل هذا الأمر في نظرهم ليس بدرجة من التعقيد بحيث يستحيل تصوّره إنّ الاكتشافات العلمية التي توصّل إليها الباحثون تؤكّد أنّ مثل هذه الحوادث مضافا إلى أنّها ليست مستحيلة فقد لوحظت نماذج عديدة من هذا القبيل ولعدّة مرّات مع اختلاف العوامل المؤثّرة في كلّ حالة.

وبعبارة اخرى : فقد لوحظ أنّ مجموعة انفجارات وانشقاقات قد وقعت في المنظومة الشمسية ، بل في سائر الأجرام السماوية.

ويمكن ذكر بعض النماذج كشواهد على هذه الظواهر

أ ـ ظهور المنظومة الشمسية :

إنّ هذه النظرية المقبولة لدى جميع العلماء تقول : إنّ جميع كرات المنظومة الشمسية كانت في الأصل جزءا من الشمس ثمّ انفصلت عنها ، حيث أصبحت كلّ واحدة منها تدور في مدارها الخاصّ بها غاية الأمر هناك كلام في السبب لهذا الانفصال

يعتقد (لا پلاس) أنّ العامل المسبّب لانفصال القطع الصغيرة من الشمس هي : (القوّة الطاردة) التي توجد في المنطقة الإستوائية لها ، حيث أنّ الشمس كانت تعتبر ولحدّ الآن كتلة ملتهبة ، وضمن دورانها حول نفسها فإنّ السرعة الموجودة في المنطقة الإستوائية لها تسبّب تناثر بعض القطع منها في الفضاء ممّا يجعل هذه القطع تدور حول مركزها الأصلي (الشمس).

ولكن العلماء الذين جاءوا بعد (لا پلاس) توصّلوا من خلال تحقيقاتهم إلى فرضية اخرى تقول : إنّ السبب الأساس لحدوث الانفصال في الأجرام السماوية عن الشمس هو حالة المدّ والجزر الشديدين التي حدثت على سطح الشمس نتيجة عبور نجمة عظيمة بالقرب منها.

٢٩٥

الأشخاص المؤيّدون لهذه النظرية الذين يرون أنّ الحركة الوضعية للشمس في ذلك الوقت لا تستطيع أن تعطي الجواب الشافعي لأسباب هذا الانفصال ، قالوا : إنّ حالة المدّ والجزر الحاصلة في الشمس أحدثت أمواجا عظيمة على سطحها. كما في سقوط حجر كبير في مياه المحيط ، وبسبب ذلك تناثرت قطع من الشمس الواحدة تلو الاخرى إلى الخارج ، ودارت ضمن مدار الكرة الامّ (الشمس).

وعلى كلّ حال فإنّ العامل المسبّب لهذا الانفصال أيّا كان لا يمنعنا من الإعتقاد أنّ ظهور المنظومة الشمسية كان عن طريق الإنشقاق والانفصال.

ب ـ (الأستروئيدات):

الأستروئيدات : هي قطع من الصخور السماوية العظيمة تدور حول المنظومة الشمسية ، ويطلق عليها في بعض الأحيان بـ (الكرات الصغيرة) و (شبه الكواكب السيارة) يبلغ قطر كبراها (٢٥) كم ، لكن الغالبية منها أصغر من ذلك.

ويعتقد العلماء أنّ «الأستروئيدات» هي بقايا كوكب عظيم كان يدور في مدار بين مداري المريخ والمشتري تعرّض إلى عوامل غير واضحة ممّا أدّى إلى انفجاره وتناثره.

لقد ثمّ اكتشاف ومشاهدة أكثر من خمسة آلاف من (الأستروئيدات) لحدّ الآن ، وقد تمّ تسمية عدد كثير من هذه القطع الكبيرة ، وتمّ حساب حجمها ومقدار ومدّة حركتها حول الشمس ، ويعلّق علماء الفضاء أهميّة بالغه على الأستروئيدات ، حيث يعتقدون أنّ بالإمكان الاستفادة منها في بعض الأحيان كمحطّات للسفر إلى المناطق الفضائية النائية.

كان هذا نموذج آخر لانشقاق الأجرام السماوية.

٢٩٦

ج ـ الشهب :

الشهب : أحجار سماوية صغيرة جدّا ، حتّى أنّ البعض منها لا يتجاوز حجم (البندقة) ، وهي تسير بسرعة فائقة في مدار خاصّ حول الشمس وقد يتقاطع مسيرها مع مدار الأرض أحيانا فتنجذب إلى الأرض ، ونظرا لسرعتها الخاطفة التي تتميّز بها ـ تصطدم بشدّة مع الهواء المحيط بالأرض ، فترتفع درجة حرارتها بشدّة فتشتعل وتتبيّن لنا كخطّ مضيء وهّاج بين طبقات الجوّ ويسمّى بالشهاب.

وأحيانا نتصوّر أنّ كلّ واحدة منها تمثّل نجمة نائية في حالة سقوط ، إلّا أنّها في الحقيقة عبارة عن شهاب صغير مشتعل على مسافة قريبة يتحوّل فيما بعد إلى رماد.

ويلتقي مداري الشهب والكرة الأرضية في نقطتين هما نقطتا تقاطع المدارين وذلك في شهري (آب وكانون الثاني) حيث يصبح بالإمكان رؤية الشهب بصورة أكثر في هذين الشهرين.

ويقول العلماء : إنّ الشهب هي بقايا نجمة مذنّبة انفجرت وتناثرت أجزاؤها بسبب جملة عوامل غير واضحة وهذا نموذج آخر من الإنشقاق في الأجرام السماوية.

وعلى كلّ حال ، فإنّ الإنفجار والإنشقاق في الكرات السماوية ليس بالأمر الجديد ، وليس بالأمر المستحيل من الناحية العلمية ، ومن هنا فلا معنى حينئذ للقول بأنّ الإعجاز لا يمكن أن يتعلّق بالحال.

هذا كلّه عن مسألة الإنشقاق.

أمّا موضوع رجوع القطعتين المنفصلتين إلى وضعهما الطبيعي السابق تحت تأثير قوى الجاذبية التي تربط القطعتين فهو الآخر أمر ممكن.

ورغم أنّ الإعتقاد السائد قديما في علم الهيئة القديم طبق نظرية (بطليموس) واعتقاده بالأفلاك التسعة التي هي بمثابة قشور البصل في تركيبها ـ الواحدة على

٢٩٧

الاخرى ـ فأيّ جسم لا يستطيع أن يخترقها صعودا أو نزولا ، ولذلك فانّ أتباع هذه النظرية ينكرون المعراج الجسماني واختراقه للأفلاك التسعد ، كما أنّه لا يمكن وفقا لهذه النظريات انشقاق القمر ، ومن ثمّ التئامه ، ولذلك أنكروا مسألة شقّ القمر ، ولكن اليوم أصبحت فرضية (بطليموس) أقرب للخيال والأساطير منها للواقع ، ولم يبق أثر للأفلاك التسعة ، وأصبحت الأجواء لا تساعد لتقبّل مثل هذه الآراء.

وغني عن القول أنّ ظاهرة شقّ القمر كانت معجزة ، ولذا فإنّها لم تتأثّر بعامل طبيعي اعتيادي ، والشيء الذي يراد توضيحه هنا هو بيان إمكانية هذه الحادثة ، لأنّ المعجزة لا تتعلّق بالأمر المحال.

٣ ـ شقّ القمر تاريخيّا :

لقد طرح البعض من غير المطّلعين إشكالا آخر على مسألة شقّ القمر ، حيث ذكروا أنّ مسألة شقّ القمر لها أهميّة بالغة ، فإذا كانت حقيقيّة فلما ذا لم تذكر في كتب التأريخ؟

ومن أجل أن تتوضّح أهميّة هذا الإشكال لا بدّ من الإلمام والدراسة الدقيقة لمختلف جوانب هذا الموضوع ، وهو كما يلي :

أ ـ يجب الالتفات إلى أنّ القمر يرى في نصف الكرة الأرضية فقط ، وليس في جميعها ، ولذا فلا بدّ من إسقاط نصف مجموع سكّان الكرة الأرضية من إمكانية رؤية حادثة شقّ القمر وقت حصولها.

ب ـ وفي نصف الكرة الأرضية التي يرى فيها القمر فإنّ أكثر الناس في حالة سبات وذلك لحدوث هذه الظاهرة بعد منتصف الليل.

ج ـ ليس هنالك ما يمنع من أن تكون الغيوم قد حجبت قسما كبيرا من السماء ، وبذلك يتعذّر رؤية القمر لسكّان تلك المناطق.

٢٩٨

د ـ إنّ الحوادث السماوية التي تلفت انتباه الناس تكون غالبا مصحوبة بصوت أو عتمة كما في الصاعقة التي تقترن بصوت شديد أو الخسوف والكسوف الكليين الذي يقترن كلّ منها بانعدام الضوء تقريبا ولمدّة طويلة.

لذلك فإنّ الحالات التي يكون فيها الخسوف جزئيا أو خفيفا نلاحظ أنّ الغالبية من الناس لم تحط به علما ، اللهمّ إلّا عن طريق التنبيه المسبق عنه من قبل المنجّمين ، بل يحدث أحيانا خسوف كلّي وقسم كبير من الناس لا يعلمون به.

لذا فإنّ علماء الفلك الذين يقومون بر صد الكواكب أو الأشخاص الذين يتّفق وقوع نظرهم في السماء وقت الحادث هم الذين يطّلعون على هذا الأمر ويخبرون الآخرين به.

وبناء على هذا ونظرا لقصر مدّة المعجزة (شقّ القمر) فلن يكون بالمقدور أن تلفت الأنظار إليها على الصعيد العالمي ، خصوصا وأنّ غالبية الناس في ذلك الوقت لم تكن مهتّمة بمتابعة الأجرام السماوية.

ه ـ وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الوسائل المستخدمة في تثبيت نشر الحوادث التأريخية في ذلك الوقت ، ومحدودية الطبقة المتعلّمة ، وكذلك طبيعة الكتب الخطيّة التي لم تكن بصورة كافية كما هو الحال في هذا العصر حيث تنشر الحوادث المهمّة بسرعة فائقة بمختلف الوسائل الإعلامية في كلّ أنحاء العالم عن طريق الإذاعة والتلفزيون والصحف كلّ هذه الأمور لا بدّ من أخذها بنظر الإعتبار في محدودية الاطلاع على حادثة (شقّ القمر).

ومع ملاحظة هذا الأمر والأمور الاخرى السابقة فلا عجب أبدا من عدم تثبيت هذه الحادثة في التواريخ غير الإسلامية ، ولا يمكن اعتبار ذلك دليلا على نفيها.

٢٩٩

٤ ـ تأريخ وقوع هذه المعجزة :

من الواضح أنّه لا خلاف بين المفسّرين ورواة الحديث حول حدوث ظاهرة شقّ القمر في مكّة وقبل هجرة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكن الذي يستفاد من بعض الرّوايات هو أنّ حدوث هذا الأمر كان في بداية بعثة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) . في حين يستفاد من البعض الآخر أنّ حدوث هذا الأمر قد وقع قرب هجرة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي آخر عهده بمكّة ، وكان استجابة لطلب جماعة قدموا من المدينة لمعرفة الحقّ وأتباعه ، إذ أنّهم بعد رؤيتهم لهذه المعجزة آمنوا وبايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العقبة(٢) .

ونقرأ في بعض الرّوايات أيضا أنّ سبب اقتراح شقّ القمر كان من أجل المزيد من الاطمئنان بمعاجز الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّها لم تكن سحرا لأنّ السحر عادة يكون في الأمور الأرضية(٣) . ومع ذلك فإنّ قسما من المتعصّبين والمعاندين لم يؤمنوا برغم مشاهدتهم لهذا الإعجاز ، وتتعلّلوا بأنّهم ينتظرون قوافل الشام واليمن ، فإنّ أيّدوا هذا الحادث ورؤيتهم له آمنوا ومع إخبار المسافرين لهم بذلك ، إلّا أنّهم بقوا مصرّين على الكفر رافضين للإيمان(٤) .

والنقطة الأخيرة الجديرة بالذكر أنّ هذه المعجزة العظيمة والكثير من المعاجز الاخرى ذكرت في التواريخ والرّوايات الضعيفة مقترنة ببعض الخرافات والأساطير ، ممّا أدّى إلى حصول تشويش في أذهان العلماء بشأنها ، كما في نزول قطعة من القمر إلى الأرض. لذا فإنّ من الضروري فصل هذه الخرافات وعزلها بدقّة وغربلة الصحيح من غيره ، حتّى تبقى الحقائق بعيدة عن التشويش ومحتفظة بمقوّماتها الموضوعية.

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ١٧ ، ص ٣٥٤ حديث (٨).

(٢) بحار الأنوار ، ج ١٧ ، ص ٣٥٢ حديث (١).

(٣) بحار الأنوار ، ج ١٧ ، ص ٣٥٥ حديث (١٠).

(٤) الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ١٢٣.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361