الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية15%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214038 / تحميل: 8507
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فإنّ ذلك لا يضر ولا يؤثّر في قيمة الحجّة التي أقامها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإمامة ؛ لأنّ تبليغه وبيانه وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو قول الله تعالى .

وممّا يؤكّد هذا الوجه ما أجاب به الإمام الصادقعليه‌السلام بسند معتبر صحيح عندنا ، حينما سأله أبو بصير عن السبب في عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام صريحاً ، عن أبي بصير حيث قال : ( سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، فقال :نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فقلت له : إنّ الناس يقولون : فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيتهعليهم‌السلام في كتاب الله عزّ وجلّ ؟ قال : فقال :فقولوا لهم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي فسّر ذلك لهم )(١) .

ثالثا : ذكر الوصف أبلغ في التأثير من ذكر الاسم

من الواضح أنّ ذكر الوصف أوقع تأثيراً في تحديد المصداق من ذكر الاسم ؛ لذا ذكر علماء اللغة أنّ اسم العلم ليس أعرف المعارف ، بل الكثير منهم جعل اسم العلم أدنى درجة من أسماء المعرفة ، والسر في ذلك ، كما ينصّ عليه أهل اللغة والبلاغة ، أنّ اسم العلم قد يتوخّى منه معنى الصفة ، فإذا جاء اسم عليّعليه‌السلام في القرآن فقد يحصل إيهام بأنّ المراد منه الصفة أي العالي ، وعلى هذا الأساس بيّن القرآن الكريم المصداق بشكل صريح ، وأنّ الولي هو المتصف بكونه يؤدّي الزكاة وهو راكع( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ،

ـــــــــــــ

(١) أصول الكافي ، الكليني : ج ١ ص ٢٨٦ ـ ٢٨٧ .

(٢) المائدة : ٥٥ .

٨١

الذي تواترت الروايات من طرق الشيعة والسنّة على أنّ المراد به هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام (١) .

رابعاً : ذكر علي في القرآن يدعو البعض لانتحال اسمه

لو فرضنا أنّ القرآن ذكر الاسم صريحاً فلا يعني حسم الخلاف في ذلك ، بل قد يكون أدعى للخلاف ؛ لأنّه يكون وسيلة وداعية لاستعارة الأسماء والألقاب لذوي النفوس المريضة ، لكي يجعل الاسم منطبقاً عليه ، كما نلمس ذلك واضحاً من انتحال لقب أمير المؤمنين الخاص بعليعليه‌السلام ، والذي هنّأه به عمر بن الخطاب ، كما جاء ذلك في حديث الغدير الذي جاء متضافراً في كتب أهل السنّة(٢) ، حتى وصل الأمر بمعاوية ويزيد أن يلقّبوا أنفسهم بهذا اللقب حتى صار تقليداً معمولاً به فسمّي كل مَن يتولّى الحكم ولو ظلماً وعدواناً بـ ( أمير المؤمنين ) .

خامساً : لو ذُكر اسم علي لحذفه المنافقون

لو فرضنا أن القرآن ذكر اسم عليّعليه‌السلام صريحاً لبادر المنافقون لرفعه وحذفه من الكتاب الكريم فيقع التصرّف والتحريف في القرآن الكريم ، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يحفظ القرآن الكريم ، حيث قال :( إِنّا نَحْنُ

ـــــــــــــ

(١) جامع البيان ، الطبري : ح ٦ ص ٣٨٩ ـ ٣٩٠ من طريق ابن عباس وعتبة بن حكيم ومجاهد ، الكشاف ، الزمخشري : ج ١ ص ٦٤٩ .

(٢) انظر : مسند أحمد : ج ٤ ص ٢٨١ ؛ المعجم الكبير : ج ٥ ص ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٦ ص ٢٨٢ ؛ ثمار القلوب : ص ٦٣٧ ح ١٠٦٨ ؛ المعيار والموازنة : ص ٢١٢ ؛ وما بعدها ؛ المصنف لأبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٥٠٣ ؛ نظم درر السمطين : ص ١٠٩ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٣ ص ١٣٤ ؛ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٢٠٠ ؛ وغيرها .

٨٢

نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (١) ، ولا شك أنّ الحكمة الإلهية شاءت حفظ القرآن الكريم من طرقه الطبيعية قدر الإمكان ، كما سوف يتضح ذلك عند الإجابة عن شبهة التحريف .

سادساً : ذكر الاسم لا يعني حسم النزاع

إنّ ذكر الاسم صريحاً في القرآن لا يعني حسم الخلاف في ذلك من جهة أخرى ؛ لأنّنا نجد أنّ كثيراً من الأمور التي ذُكرت في القرآن بصراحة تامّة وقع الخلاف فيها بعد ذلك ، كما في المتعة التي ورد ذكرها في القرآن بكل صراحة ، وذلك في قوله تعالى :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيَما تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) (٢) ، ومع ذلك نجد أنّ الخلاف والنزاع وقع فيها فيما بعد ، حيث ادّعي نسخها بقول عمر بن الخطاب .

سابعاً : ذكر الاسم في القرآن داعية لاتهام الشيعة

لو افترضنا أنّ اسم عليعليه‌السلام ذُكر في القرآن ، فليس من البعيد أن يُقال إنّ ذلك من وضع الرافضة ، كما نجد هذا الافتراء واضحاً في الروايات الصريحة الواردة في فضائل أهل البيتعليه‌السلام ، ولا غرابة في ذلك على الذين ختم الله على قلوبهم ، فإنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صرّح باسمهعليه‌السلام على مرأى ومسمع (١٢٠) ألف صحابي ، بشكل لا يشوبه ريب ، ومع ذلك بادر المنافقون إلى إنكاره ورفضه ، وزعم بعضهم أنّ ذلك من الموضوعات .

ـــــــــــــ

(١) الحجر : ٩ .

(٢) النساء : ٢٤ .

٨٣

ثامناً : لا ينبغي التشكيك في إمامة عليعليه‌السلام

على ضوء ما سلف نود أن نلفت نظر المستشكل في إمامة عليعليه‌السلام بعدم ذكر اسمه في القرآن ، إلى أنّه بعد قيام الحجج والبراهين والأدلة القاطعة على الإمامة لا ينبغي التشكيك والترديد وإثارة الشبهات في ذلك ، استناداً إلى شبهات واهية كهذه ، وأن لا نكون كقوم بني إسرائيل ، الذي أخذوا يطلبون من نبي الله موسىعليه‌السلام المزيد من الحجج بعد أن أظهر لهم الأدلة والبراهين على وجود الله تعالى ، حتى أنهم طلبوا من موسى أن يريهم الله تعالى جهرة ، حيث قالوا :( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى‏ نَرَى اللهَ جَهْرَةً ) (١) .

الخلاصة

في المقدّمة ينبغي الالتفات إلى نقطتين أساسيتين :

الأُولى : إنّ القرآن الكريم تبيان لكل شيء ، لكن ليس باستطاعة أحد معرفة واستخراج هذه المعارف منه ؛ لذا كانت السنّة النبوية مبيّنة ومفصّلة له ، ومن هنا قرن الله تعالى طاعته بطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ، وقوله عزّ وجلّ :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (٣) ، إلى غير ذلك من الآيات .

الثانية :إنّ الله تعالى أمرنا بالأخذ بما بينه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يجوز الاعتراض على حكم الله أو أي قضاء قضاه الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ٥٥ .

(٢) النساء : ٥٩ .

(٣) الأنفال : ٢٠ .

٨٤

وبعد هذا نقول : إنّ السبب في عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام في القرآن يرجع إلى ما يلي : ـ

أوّلاً : إنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نصّ على إمامة عليعليه‌السلام باسمه الصريح ، ولا فرق في الحجّيّة بين القرآن وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تواتر ذلك عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواطن متعددة كما في حديث الغدير وحديث الدار والمنزلة ونحوها ، سيّما أنّ القرآن الكريم لم ترد فيه كثير من الأحكام الأساسية في الإسلام كتفاصيل الصلاة والصيام ونحوها .

ثانياً : نقول : إنّ عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام صريحاً في القرآن يعود لحكمة إلهية اقتضت ذلك ، وما أكثر الأشياء التي يفعلها الله تعالى ويأمر بها من دون إطلاعنا على حكمته في ذلك .

ثالثاً : إنّ ذكر الوصف أبلغ تأثيراً وتأكيداً من ذكر الاسم ، كما هو معروف عند اللغويين ، وقد ذُكر وصف الإمام عليعليه‌السلام في القرآن كما في قوله تعالى :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) ، وقد تواترت الروايات بعدم انطباق هذه المواصفات إلاّ على عليعليه‌السلام .

رابعاً : لو فُرض ذكر اسم عليعليه‌السلام في القرآن ؛ لبادر المنافقون لرفعه والتجاوز على القرآن الكريم ، فمن منطلق الحكمة الإلهية في الحفاظ على سلامة القرآن من التحريف لم يذكر اسمهعليه‌السلام فيه .

خامساً : لو افترضنا أنّ اسم عليعليه‌السلام ذُكر في القرآن الكريم ؛ فإنّ ذلك لا يعني حسم الخلاف ، كما هو الحال في آية المتعة الصريحة في مشروعيّتها ، والتي جُسّدت وطُبّقت تطبيقاً عملياً من قِبل الصحابة ، إلاّ أنّ عمر جاء وألغى هذا الحكم القرآني وهدّد كل مَن يمارسه .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٥٥ .

٨٥

سادساً : لو فُرض وجود اسم عليعليه‌السلام في القرآن لقال البعض إنّه من وضع الرافضة .

سابعاً : بعد أن قامت الحجج والبراهين على ولاية عليعليه‌السلام بشكل لا يشوبه ريب ، فلا معنى لمثل هذه المبررات الواهية التي لا أساس لها .

ثامناً : إنّ وجود اسم عليعليه‌السلام في القرآن سيكون داعياً لاستعارته وجعله منطبقاً على بعض القيادات الحكومية ، كما هو الحال في كثير من الألقاب التي خصّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعليعليه‌السلام ، لكنّها نُسبت بعد ذلك إلى غيره ، كما هو الحال في لقب الصدّيق والفاروق وأمير المؤمنين .

آية التطهير لا تختصّ بأئمّة الشيعة

الشبهة :

إنّ أهل البيت في آية التطهير تعني كل مَن يلتقي بالنبي في هاشم .

الجواب :

لقد شدّد القرآن الكريم والسنّة النبوية ، على تعيين المراد من مفهوم أهل البيتعليهم‌السلام في موارد متعددة ، وحسبك ما ورد من الروايات الصحيحة التي تصرّح بأسمائهم على طريقة الحصر واحداً بعد الآخر ، وهم الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

ولعلّنا لا نجانب الصواب إذا ما قلنا بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان شديد الحرص على تشخيص وحصر أهل البيتعليهم‌السلام ؛ درءاً للتشكيكات التي قد تثار من ذوي النفوس المريضة .

وبالتأمّل في تفاصيل الواقعة نلمس اكتنازها الكثير من الدلائل الواضحة ، التي تثبت حصر أهل البيت في الآية المباركة بالخمسة أصحاب الكساء ، وإليك بعض تلك الشواهد والقرائن الصريحة :

٨٦

تشخيص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل البيت بأسمائهم ، كما في رواية عبد الله بن جعفر ، حيث قال : ( لمّا نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الرحمة هابطة قال :ادعوا لي ، ادعوا لي ، فقالت صفية : مَن يا رسول الله ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أهل بيتي : عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ، فجيء بهم فألقى عليهم النبي كساءه ، ثم رفع يديه ، ثم قال :اللّهم هؤلاء آلي فصلِّ على محمّدٍ وعلى آل محمّد ، وأنزل الله عزّ وجلّ :( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً )

قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقد صحّت الرواية على شرط الشيخين ، أنّه علّمهم الصلاة على أهل بيته كما علّمهم الصلاة على آله(١) .

ولا يخفى ما في كلمة :( اللّهمّ هؤلاء آلي ) من الدلالة على حصر أهل البيت في علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ونفي ذلك العنوان عن غيرهم ، كما لا يخفى على كلّ مَن عرف أساليب العرب في الكلام .

٢ ـ* من أجل التأكيد على الحصر وتحديد أهل البيتعليهم‌السلام بأفراد معيّنين نلاحظ أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحصرهم تحت كساء واحد في مواقف متعددة وروايات متضافرة :

منها : ما جاء في رواية أبي سلمة ، حيث قال : فدعا حسناً وحسيناً ، وفاطمة ، فأجلسهم بين يديه ، ودعا عليّاً فأجلسه خلفه فتجلّل هو وهم بالكساء ، ثم قال :( هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ) (٢) .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٤٨ .

(٢) جامع البيان ، الطبري : ج ٢٢ ص ١٢ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٩ ص ٢٦ ؛ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ٢ ص ١١٩ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ١٣ ص ٢٠٣ .

* لا يوجد ١ ـ قبل هذا الرقم ، يبدوا أنّه سقط سهواً من إحدى الفقرات أعلاه .

٨٧

ومنها : ما رواه ابن كثير في تفسيره قال : ( حدثنا شداد بن عمار قال :دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم ، فذكروا علياً رضي‌الله‌عنه فشتموه ، فشتمته معهم ، فلمّا قاموا ، قال لي : شتمت هذا الرجل ؟ قلت : قد شتموه فشتمته معهم ، قال : ألاّ أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قلت : بلى ، قال : أتيت فاطمة (رضي الله عنها) أسألها عن علي رضي‌الله‌عنه ، فقالت : توجّه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجلست أنتظره ، حتى جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه علي وحسن وحسين (رضي الله عنهم) ، آخذاً كل واحد منهما بيده حتى دخل ، فأدنى عليّاً وفاطمة رضي الله عنهما وأجلسهما بين يديه ، وأجلس حسناً وحسيناً رضي الله عنهما كل واحد منهما على فخذه ، ثم لفّ عليهم ثوبه أو قال كساءه ، ثم تلا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الآية : ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وقال : ( اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق ) (١) .

ومنها : ما أخرجه أحمد وغيره عن أُمّ سلمة ، قالت : ( فأخذصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضل الكساء فغشاهم به ، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ، ثم قال :( اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، قالت ـ أم سلمة ـ : فأدخلت رأسي البيت ، فقلت : وأنا معكم يا رسول الله ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّك إلى خير ، إنّك إلى خير ) (٢) .

ومنها : ما عن أُمّ سلمة أيضاً ، قالت : ( فلمّا رآهم مقبلين مدّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يده إلى كساء كان على المنامة ، فمدّه وبسطه ،

ـــــــــــــ

(١) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٢ ، شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ٢ ص ٦٧ .

(٢) مسند أحمد : ج ٦ ص ٢٩٢ ، تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٢ .

٨٨

وأجلسهم عليه ، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله فضمّه فوق رؤوسهم ، وأومأ بيده اليمنى إلى ربه ، فقال :( اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ) (١) .

ومنها : ما جاء كذلك عن أم سلمة ، قالت : فاجتمعوا حول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بساط فجلّلهم نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكساء كان عليه ، ثم قال :( هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط ، قالت : فقلت : يا رسول الله ، وأنا ؟ قالت : فو الله ما أنعم ، وقال :إنّك إلى خير ) (٢) .

ومنها : ما جاء كذلك عن أمّ سلمة ، قالت : ( بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي يوماً إذ قالت الخادمة : إنّ فاطمة وعليّاً بالسدّة ، قالت : فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قومي فتنحّي عن أهل بيتي ) )(٣) .

ومنها : ما عن أمّ سلمة أيضاً ، قالت : ( إنّ هذه الآية نزلت في بيتي( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، قالت : وأنا جالسة على باب البيت ، فقلت يا رسول الله : ألست من أهل البيت ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّك إلى خير ، أنت من أزواج النبي ) (٤) .

ومنها : ما ورد عن عائشة ، قالت : ( لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعى عليّاً وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم ، فألقى عليهم ثوباً فقال :( اللّهمّ

ـــــــــــــ

(١) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٢ ـ ٤٩٣ ، مسند أحمد : ج ٦ ص ٢٩٨ .

(٢) جامع البيان ، الطبري : ج ٢٢ ص ١٢ ـ ١٣ ، تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٣ .

(٣) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٣ .

(٤) جامع البيان : ج ٢٢ ص ١١ ، تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٣ .

٨٩

هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ) ، قالت : فدنوت منهم ، فقلت يا رسول الله : وأنا من أهل بيتك ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :تنحّي فإنّك على خير (١) .

ومنها : ما عن سعد ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حين نزل عليه الوحي ، فأخذ عليّاً وابنيه وفاطمة رضي الله عنهم ، فأدخلهم تحت ثوبه ، ثم قال :( ربّي هؤلاء أهلي وأهل بيتي ) (٢) .

وهذا الأسلوب العملي من أبلغ أساليب الحصر ، لسدّ كل منافذ الالتباس ، حيث تخطّى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دلالات الكلام بحصرهم تحت كساء واحد ، ليكون أبلغ في الحصر وأقوى في الدلالة .

٣ ـ لقد صرّح الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفس الآية التي هي محل البحث تصريحاً لا يبقى فيه مجال للشك والريب ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( نزلت الآية في خمسة ، فيّ ، وفي علي وفاطمة وحسن وحسين ) (٣) .

ومن هنا نجد أنّ كل المذاهب الإسلامية أجمعت على كيفية واقعة الكساء ، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نزل عليه الوحي ( بآية التطهير ) ضمّ الحسنين وأباهما وأُمّهما إليه ، ثم غشّاهم ونفسه بذلك الكساء تمييزاً لهم عن سائر الأبناء والأنفس والنساء ، ومن ثمّ بلّغ الأمة بالآية المباركة وهو على تلك الحال ،

ـــــــــــــ

(١) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٤ .

(٢) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٤ .

(٣) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٦ ص ٦٠٤ ؛ خصائص الوحي المبين ، الحافظ ابن البطريق : ص ١٠٦ ؛ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ٢ ص ٤٠ ، ص ٤٥ ، ص ١٣٧؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٦٧ ؛ ترجمة الإمام الحسن ، ابن عساكر : ص ٦٩ .

٩٠

لكي يقطع الطريق عن كل مَن يطمع بمشاركتهم ، سواء كان من أزواجه أم من الصحابة أم غيرهم ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم في معزل عن الناس كافة ، قال تعالى :( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، فأزاح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحجبهم في كسائه كل ما يطرأ على الأذهان من ريب وشك .

٤ ـ وإمعاناً في التأكيد ولسدّ كل منافذ التشكيك والريب ، أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتلو هذه الآية الكريمة كل يوم على باب بيت فاطمة الزهراء الذي فيه : علي والحسنان وأُمّهماعليهم‌السلام ، بمرأى ومسمع من المسلمين ، وهناك عدد وافر من الروايات التي تثبت ذلك :

منها : ما ورد عن أبي الحمراء قال : رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : رأيت رسول الله إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة رضي الله عنمهما ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( الصلاة الصلاة ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) ، وفي بعض الروايات تسعة أشهر ، وفي بعضها الآخر ، قال نفيع بن حارث : قلت : يا أبا الحمراء مَن كان في البيت ؟ قال : علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام (٢) .

ومنها : عن ابن عباس قال : ( شهدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعة أشهر ، يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول :( السلام عليكم

ـــــــــــــ

(١) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤ ص ٢٩٠ ؛ تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٢ ؛ التاريخ ، البخاري : ج ٩ ص ٢٥ ـ ٢٦ ؛ كني البخاري : ص ٢٥ ـ ٢٦ ؛ أسد الغابة ، ابن الأثير : ج ٩ ص ٦٦ ؛ جامع البيان ، الطبري : ج ٢٢ ص ١٠ ؛ الدّر المنثور : ج ٦ ص ٦٠٦ ؛ فتح القدير ، الشوكاني : ج ٤ ٢٨٠ ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ ص ٧٤ ـ ٧٥ .

(٢) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ٢ ص ٧٤ ، نظم درر السمطين : ص ٢٣٩.

٩١

ورحمة الله وبركاته أهل البيت ، ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) كل يوم خمس مرات )(١) .

ومنها : ما ورد عن أبي بُرزة ، قال : ( صلّيت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعة عشر شهراً ، فإذا خرج من بيته أتى باب فاطمةعليها‌السلام فقال : (السلام عليكم : ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) كل يوم خمس مرات )(٢) .

ومنها : ما رواه ابن كثير في تفسيره عن أنس بن مالك ، قال : ( إنّ رسول الله (صلّى الله تعالى عليه وآله وسلم) كان يمرّ بباب فاطمة (رضي الله عنها) ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر ، يقول (الصلاة يا أهل البيت ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، ثم قال ابن كثير : ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عفان )(٣) .

٥ ـ كذلك من القرائن التي تشهد على حصر أهل البيت بالنبي وعلي وفاطمة والحسنينعليهم‌السلام ، دون غيرهم ، وجود الحشر الكبير من الروايات الدالة على أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصرهم بالخمسةعليهم‌السلام في مواقف أخرى غير حادثة الكساء :

منها : ما ورد عن سعد بن أبي وقاص قال : لمّا نزلت الآية :( قل تعالوا ندعوا ... ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فقال :( اللّهمّ هؤلاء أهلي ) .

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور السيوطي : ج ٦ ص ٦٠٦ .

(٢) انظر مسند أحمد : ج ٣ ص ٢٥٩ ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ : ص ١٣٩ ؛ انظر مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٦٩ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٥٨ ، وقال : هذا حديث الصحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ؛ أسد الغابة ، ابن كثير : ج ٥ ص ٥٢١ ؛ مسند الطيالسي : ص ٢٧٤ ؛ وغيرها من المصادر .

(٣) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٢ ؛ وكذا نقله مسند أحمد : ج ٣ ص ٢٥٩ ص ٢٨٥.

٩٢

ولذا نجد الواحدي يقول بالحرف الواحد إنّ الآية( آية التطهير ) نزلت في خمسة : ( النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين )(١) .

٦ ـ ممّا يدل أيضاً على عدم شمول آية التطهير لكل بني هاشم ، أنّ الآية جاءت بصدد إثبات العصمة للخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام كما سيأتي ، ونحن لم نجد أحداً من بني هاشم أدّعى العصمة لنفسه غير العترة الطاهرة ، ولم تثبت العصمة بالأدلة والبراهين القاطعة إلاّ لهمعليهم‌السلام دون غيرهم .

٧ ـ كذلك من الشواهد الدالة على الحصر ما ورد من الروايات الدالة على أنّ التمسّك بأهل البيتعليهم‌السلام يكون عاصماً عن الضلال ، كما هو مفاد حديث الثقلين :( إنّي تارك ) الذي ورد فيه لفظ أهل البيت ، فكيف يكون كل بني هاشم من أهل البيت الذين أمرنا الله بالاقتداء بهم والتمسّك بهم ؟ مع أنّ في بني هاشم من هو الجاهل والفاسق ومن لا يصلح أن يُتمسك به وبهديه ، بل منهم مَن نزلت في ذمّه وهلاكه سورة قرآنية ، كأبي لهب :( تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ * مَا أَغْنَى‏ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى‏ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِن مَسَدٍ ) (٢) .

وعلى هذا الأساس يتضح أنّ العناية والاهتمام والتأكيد الذي أولاه

ـــــــــــــ

(١) أسباب النزول ، الواحدي : ص ٢٣٩ .

(٢) المسد : ١ ـ ٥ .

٩٣

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان أهل البيتعليهم‌السلام بأسمائهم ، وحصرهم بهذه الأساليب المختلفة من البيان ، مقرونة بأساليب متنوعة من العمل والتصدّي المباشر بالفعل ، فيسمّيهم حيناً بأسمائهم ، ويميّزهم حيناً آخر ، فيقول :(هؤلاء أهل بيتي) أو(اللّهمّ هؤلاء آلي) ، ويلفّهم حيناً ثالثاً بكساء واحد يجلّلهم فيه جميعاً ، لدرجة أنّ أُمّ المؤمنين زوجتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم سلمة تمنّت ، بل طلبت منه أن تكون معهم ، إلاّ أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردّها بلطف ورأفة ، قائلاً لها :إنّك على خير ، وكذا إعلانه بأسمائهم أمام الناس وأمام الملأ واحداً واحداً ، والمواظبة على تكرار هذا الإعلان لستة أشهر أو سبعة أو ثمانية أو تسعة ـ على اختلاف الروايات ـ أمام بيت الزهراءعليها‌السلام في كل يوم خمس مرات في أوقات الصلاة وفي غيرها .

مع أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يفعل ذلك إلاّ لحمكة وقصد ، كل ذلك يكشف عن أمر جليل و كبير له آثاره وأبعاده في تاريخ المسلمين وحياتهم ودينهم فيما بعد .

٨ ـ الملاحظة الجديرة بالذكر أيضاً أنّ الدليل الذي اعتمده القائل بدخول كل بني هاشم في أهل البيتعليهم‌السلام كان معتمده رأياً لزيد بن أرقم ، ولم يكن ابن أرقم في صدد نقل رواية عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّما هو بصدد ذكر رأيه وتحليله الخاص ، حيث أخرج أحمد في مسنده عن زيد ابن أرقم ، قال : ( قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً خطيباً فينا بماء يُدعى خماً ، بين مكة والمدينة ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ووعظ وذكّر ، ثم قال :أمّا بعد ، ألا يا أيّها الناس ، إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي عزّ وجلّ فأجيب ،

٩٤

وإنّي تارك فيكم ثقلين ، أوّلهما كتاب الله عزّ وجلّ فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، قال :وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، فقال له حصين : ومَن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : إنّ نساءه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته مَن حرم الصدقة بعده ، قال : ومَن هم ؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس ، قال : أكل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم )(١) .

ومن الواضح لا يمكن ترجيح تحليل ورأي زيد بن أرقم على تلك النصوص المتضافرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما مارسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أساليب مختلفة للدلالة على أنّ أهل البيتعليهم‌السلام هم الخمسة أصحاب الكساء .

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٤ ص ٣٦٧ .

٩٥

الخلاصة

١ ـ إنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شخّص وحدّد أسماء أهل البيت في آية التطهير ، وهم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، كما في رواية عبد الله بن جعفر المتقدمة ، ثم دعاؤه بـ( اللّهمّ هؤلاء آلي ) الذي لا تخفى دلالته على الحصر في أهل البيتعليهم‌السلام على كل مَن له أدنى معرفة بأساليب العرب في الكلام .

٢ ـ وجود عدد وافر من الروايات الصحيحة من طرق العامة تؤكّد على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع عليّاً وفاطمة والحسن والحسين تحت كساء واحد وقال :( هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ) وهذا أسلوب عملي من أبلغ أساليب الحصر ، لسد كل المنافذ أمام المشككين ، بحيث تجاوزصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دلالات الكلام بهذا العمل ليكون أوقع وآكد في الدلالة .

٣ ـ أجمعت المذاهب الإسلامية على كيفية الواقعة ، وكيف أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكساء ولفّ به الحسنين وأباهما وأُمّهما ، ثم غشّاهم ونفسه بذلك تمييزاً لهم عن سائر الأبناء والأنفس والنساء ، وقد صرّحصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تصريحاً لا يبقى فيه مجال للشك والريب حين قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( نزلت الآية في خمسة : فيّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمة ) .

٤ ـ تأكيداً وإمعاناً في حصر نزول آية التطهير في عليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأتي في كل يوم وفي كل وقت صلاة ولمدّة سبعة أو ثمانية أو تسعة أشهر حسب اختلاف الروايات إلى بابفاطمة عليها‌السلام ويتلو الآية ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) وهذا الأسلوب يعتبر خطّة إعلامية متقنة ، لتأكيد اختصاص آية التطهير بأهل البيت عليهم‌السلام .

٩٦

٥ ـ من الشواهد الأخرى في المقام أيضاً أنّ آية التطهير جاءت بصدد إثبات العصمة لأهل البيتعليهم‌السلام الذين قامت الأدلة والبراهين على عصمتهمعليهم‌السلام ، وفي الوقت ذاته لم نجد أحداً سواء من بني هاشم أم من أزواج النبي ممّن ادعى العصمة لنفسه ، وهذا يُشكّل دليلاً قاطعاً على نزول آية التطهير في أهل البيتعليهم‌السلام .

٦ ـ ما جاء في جملة من الروايات التي أمرنا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتمسّك بأهل البيتعليهم‌السلام ، كحديث الثقلين ونحوه ، فلو كان عنوان أهل البيت يشمل بني هاشم وأزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف يجوز التمسّك بهم للنجاة والفوز في الدار الآخرة مع وجود بعض الفاسقين والكافرين من بني هاشم كأبي لهب وأمثاله .

٧ ـ إنّ دليل القائل بشمول آية التطهير لبني هاشم إنّما هو رأي لزيد ابن أرقم وليس رواية يرويها عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورأي زيد بن أرقم ليس وحياً لكي يكون دليلاً على المقام .

الفصل الثاني: حديث الخلفاء الاثني عشر في كتب أهل السنّة

مدخل

لقد احتلّت مسألة تولّي الخلافة والقيادة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجالاً واسعاً وحيّزاً كبيراً في الفكر والواقع الإسلامي ، حيث كشفت سقيفة بني ساعدة عن الطموحات الواسعة لجملة من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تولّي ذلك المنصب ، كما كشفت أيضاً عن طبيعة الصراع الشديد الذي تجاذب أطرافه المجتمعون من الصحابة آنذاك .

وانبثق عن ذلك الاجتماع قيادات لحكومة سياسية مفاجئة ، اعترض عليها زعماء الأنصار وأتباعهم ، كما غاب عنها كبار الصحابة من المهاجرين ، وفي مقدّمتهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

واستطاعت تلك القيادات الحكومية بتدبير مسبق بينها أن تكسب الموقف ، وتخلق رأياً عامّاً لصالحها ، وتجبر الرافضين على السكوت عن إعلان المعارضة لها .

٩٧

وحيث إنّ النظرية السنية آمنت بمبدأ الإهمال ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهمل مسألة الخلافة ، ولم يضع مخططاً واضحاً لقيادة الأمة بعد وفاته ، كان من الطبيعي أن تكتسب الخلافة شرعيتها في الذهنية السنيّة ممّا انبثق عن السقيفة من حكومة .

وأمّا النظرية الشيعية في مسألة الخلافة ، فهي قائمة على مبدأ التخطيط الإلهي المسبق لقيادة الأمة بعد وفاة نبيّها ، ورفض فكرة الإهمال في مسألة مصيرية في حياة الأمة ، وهي الخلافة .

وإذا كانت النظرية الشيعية قائمة على فكرة التخطيط المسبق لمسألة*

وفي مقام الجواب عن هذا التساؤل نقول :

إنّ القرآن الكريم والسنّة النبويّة حافلان بالبيانات التفصيليّة لرسم معالم الحكومة والخلافة الإلهية بعد النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا نريد الخوض في كل ما ورد في هذا المجال ؛ لأنّ هذا يجرّنا إلى مبحث الإمامة ، ولكن نريد التوقّف قليلاً عند أحد جوانب السنّة النبوية المباركة ، وهو ما تضمّنته من تأكيد على فكرة الاثني عشر خليفة الذين يقومون بالأمر بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتكون عزّة الإسلام باتّباعهم والتمسّك بهم .

وسنحاول في هذا الفصل استعراض أهم الروايات الشريفة التي تضمّنت مبدأ خلافة الاثني عشر خليفة من المصادر السنّية المعتبرة ، والوقوف على أهم التفسيرات والتوجيهات التي أبداها أعلام أهل السنّة حول تلك الأحاديث مع تقييم تلك التفسيرات .

ومن ثمّ ننتقل إلى بيان التفسير الواقعي لتلك الأحاديث ، مدعوماً بالشواهد الواضحة والحقائق الناصعة .

ـــــــــــــ

* الكلام غير متصل مع ما بعده ، ربّما يوجد سقط في طباعة الكتاب [ الشبكة ] .

٩٨

حديث الخلفاء الاثني عشر في كتب أهل السنّة

الشبهة المطروحة حول الحديث

حاول البعض أن يشكّك في فكرة الاثني عشر خليفة قائلاً : إنّ فكرة الاثني عشر التي يدّعيها الشيعة الإمامية ، فكرة يهودية تعود إلى زعيم يهودي قديم ورد في كتاب دانيال ، وأنّ دعوى وجودها في صحيح البخاري ، كذب !! .

وإنّ حديث الخلفاء الاثني عشر الموجود في صحيح مسلم يتكلّم عن أنّ الإسلام يبقي عزيزاً منيعاً في عهدهم ، وأنّ هولاء الأئمّة تجتمع عليهم الأمّة ، كما في سنن أبي داود ، وكل هذه الصفات لا تنطبق على أئمّة الشيعة !!(١) .

وفي مقام الجواب عن هذه الشبهة نقول :

إنّ البعض قد يتنكّر لمبادئه التي أسّسها ، وصحّحها ، واعتمد عليها إذا وجدها تصبّ في مصلحة مَن يخالفه الرأي .

وهذا ما نلمسه عند صاحب الشبهة ، حيث أنكر حديث الاثني عشر خليفة الذي تثبته الصحاح المعتبرة ، التي اعتمد عليها وجعلها أصحّ الكتب بعد القرآن الكريم ؛ وذلك عندما وجده يسجّل رقماً إيجابياً في إثبات حقّانية المذهب الشيعي .

ولا يخفى على القارئ ما في تكذيبه للحديث من إنكار لحقيقة مهمّة يسيراً للكتب الحديثية المعتبرة عند أهل السنّة ، لوجدناها مشحونة بالروايات الصحيحة والصريحة التي نصّت على الاثني عشر خليفة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بمواصفاتهم وخصوصيّاتهم .

ـــــــــــــ

(١) مقتبس من كلام عثمان الخميس على قناة المستقلّة .

٩٩

حديث الاثني عشر في كتب أهل السنّة :

وإليك جملة من المصادر التي نقلت هذه الحقيقة ، المتسالم عليها عند أعلام السنّة :

١ ـ أخرج البخاري وأحمد والبيهقي وغيرهم بسندهم ، عن جابر بن سمرة ، قال : (سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :يكون اثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال :كلّهم من قريش ) (١) .

قال البغوي : هذا حديث متّفق على صحّته(٢) .

٢ ـ وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة ، قال : ( دخلت مع أبي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول :إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ، قال : ثم تكلّم بكلام خفي عليّ ، قال : فقلت لأبي ، ما قال ؟ قال :كلّهم من قريش )(٣) .

٣ ـ وأخرج مسلم أيضاً ، وأحمد ـ واللفظ للأول ـ عن جابر بن سمرة ، قال : ( سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً ، ثم تكلّم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكلمة خفيت عليّ ، فسألت أبي : ماذا قال رسول

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ، كتاب الأحكام : باب ٥١ ، ج ٤ ص ٣٧٥ ح ٧٢٢٢ ـ ٧٢٢٣ ؛ مسند أحمد ، ابن حنبل : ج ٥ ص ٨٧ ص ٩٠ ص ٩٦ ؛ دلائل النبوّة ، البيهقي : ج ٦ ص ٥١٩ .

(٢) شرح السنّة ، البغوي : ج ٧ ص ٤٢٢ ح ٤١٣٢ .

(٣) صحيح مسلم ، النيسابوري : ج ٣ ص ١٤٥٢ ؛ كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش ؛ وقد نقل مسلم هذا الحديث بتسعة طرق .

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

تخصيص الفعل بالإيجاد في وقت دون آخر أو بإيقاعه على وجه دونَ وجه.

ويدلّ على ثبوت الإرادة له - تعالى - بالمعنى المطلق أنّ العالم حادث، فتخصيصُ إيجاده بوقتٍ دونَ ما قبله وما بعده، مع جوازهما، يفتقرُ إلى المخصّص، وليس القدرة، لتساوي نسبتها، ولا العلم لتبعيته، فهو الإرادةُ، ولأنّ تخصيص ما وجد بالإيجاد دونَ غيره من المقدورات يستدعي مخصّصاً هو الإرادةُ.

ويدلّ على إثبات إرادة الفعل منّا أمرُه بالطّاعة، ونهيه عن المعصية، وهما يستلزمان الإرادة والكراهة، خلافاً للأشعريّة الّذين أثبتوا الطلبَ مغايراً للإرادة، لعدم تعقّله، وإلزامُهم بتمهيد عذر السيّد الضّارب عبده للمخالفة إذا أمره مشتركٌ.

المطلب السّادس: في أنّه - تعالى - مُدرِكٌ

اتّفق المسلمون على أنّه - تعالى - سميع بصيرٌ، واختلفوا، فقال أبو الحسين والكعبيّ والأوائل: إنّ معناه علمه بالمسموعات والمبصرات، لاستحالة أن يكونَ هو الإحساسَ بالحواس ولا ما عداه غير العلم، لأنّه غيرُ معقول، وسيأتي أنّه - تعالى - عالم بكلّ معلوم، وللسّمع.

وأثبت الجُبائيّان والأشعريّ والسّيّد المرتضى والخوارزميّ أمراً زائداً على العلم، لأنّ إدراكنا زائدٌ على علمنا؛ للفرق بينَ العلم عندَ المشاهدة وبينه

١٤١

عندَ عدمها. والمقتضي لذلك كونُ المدرك حيّاً، والله - تعالى - حيٌّ، فإدراكه زائد، والمقدّماتُ ضعيفةٌ.

ثمّ استدلّوا على ثبوته بأنّه - تعالى - حيّ، فيصحُّ أن يتّصف بالسّمع والبصر، وكلّ من صحّ اتّصافه بصفة وجب أن يتّصف بها أو بضدّها، وضدّها نقصٌ، وهو على الله - تعالى - مُحال.

والحقّ استنادُ ذلك إلى النّقل، ولا يجبُ صحّةُ اتّصاف الحيّ بالسّمع والبصر، فإنّ أكثرَ الهوامّ والسّمك لا سمعَ لها، والعقربُ والخُلَدُ (1) لا بصرَ لهما. والدّيدان (2) وكثيرٌ من الهوامّ لا سمَ لها ولا بصرَ. فلو لم يمتنع اتّصاف تلك الأنواع بالسّمع والبصر لما خلا جميعُ أشخاصها منهما. (3)

وإذا جاز أن يكونَ بعضُ فصول الأنواع مزيلاً لتلك الصّحة بطلت الكليّة. ولا يجبُ اتّصاف الشّيء بأحد الضّدّين كالشّفاف. نعم يجبُ أن يتصف القابل للصّفة بها أو بعدمها، ونمنع كونَ ضدّهما نقصاً في حقّه تعالى.

والقياسُ باطلٌ، على أنّ حياته - تعالى - مخالفةٌ لحياتنا. ولا يجبُ العموميّةُ، لانتفاء القابليّة، كما أنّ حياتنا مصحّحةٌ للشهوة والنّفرة دونَ حياته تعالى.

____________________

(1) ج: الجراد.

(2) ج: الدّيران.

(3) ج: منها.

١٤٢

المطلب السّابع: في أنّه - تعالى - متكلّمٌ

اتّفق المسلمون على ذلك، لقوله تعالى، ( وَكَلّمَ اللّهُ مُوسَى‏ تَكْلِيماً ) (1) ، ولا دورَ؛ لأنه إثباتٌ لكلامه - تعالى - بإخبار الرّسول المعلوم صدقه بالمعجزة، ولأنّه قادرٌ على كلّ مقدور.

واختلفوا، فعندَ المعتزلة، أنّه خلق في أجسام جماديّة أصواتاً دالّةً على معان مخصوصة، فهو متكلّمٌ بهذا المعنى.

والأشاعرة جوّزوا ذلك، لكن اثبتوا معنىً نفسانيّاً قائماً بذات المتكلّم مغايراً للعلم والإرادة. يدلُّ عليه هذه الحروف والأصواتُ وأنّه قديمٌ في حقّه - تعالى - واحدٌ ليس بأمر ولا نهي ولا خبر؛ لأنّه حيّ يصحّ اتّصافه بالكلام. فلو لم يكن موصوفاً به كان متّصفاً بضدّه، وهو نقصٌ.

ولأنّ أفعاله - تعالى - لمّا جاز عليها التّقدّم والتّأخّرُ أثبتنا الإرادةَ المخصّصةَ، (2) وأفعالُ العباد متردّدةٌ بينَ الحظر والإباحة وغيرهما من الأحكام فلابدّ من مخصّص غير الإرادة، لأنّه قد يأمر بما لا يريدُ وبالعكس، فهو الكلام الّذي هو الطلبُ النّفسانيّ، ولأنّه مَلِك مُطاعٌ، فله الأمرُ والنّهيُ.

اعترضت (3) المعتزلة: بأنّ الاستدلال على الإثبات (4) فرع تصوّر المستدل عليه. وما ذكرتموه غيرُ متصور ويمنع صحة اتّصافه تعالى به،

____________________

(1) النساء: 4/162.

(2) ج: اثبت إرادة مخصوصة.

(3) ألف: اعترض.

(4) ج: إتيان/ ب: إثبات ممنوع وما التزموه.

١٤٣

ويمنع وجوب الاتّصاف بأحدهما وكون الضّدّ نقصاً، بل ثبوته نقصٌ، إذ أمرُ المعدوم ونهيُه وإخباره سفهٌ. والأحكام عقليّةٌ لا سمعيّةٌ فالمُخصّص إمّا الصّفات أو الوجوه والاعتبارات الّتي تقع عليها الأفعال، ويقبح الأمر بما لا يريدُ.

وتمهيدُ العذر في قتل العبد بإيجاد صورةٍ، الأمر، وهو مشترك بين الطلب والإرادة. والمُطاعُ إن عنوا به نفوذَ قدرته في جميع الممكنات فهو حقٌّ، وإن عنوا ما طلبوه منعناه.

المطلب الثّامنُ: في أحكام هذه الصّفات وهي إحدى عشر بحثاً

ألف - ذهب جماعة من المعتزلة والأشاعرة إلى أنّ هذه الصّفات وجوديّةٌ وإلاّ لصحّ حملُها على المعدوم. والملازمةُ ممنوعةٌ، فإنّ كثيراً من العدميّات يمتنعُ حملهُ على المعدوم، وعندَ الأوائل وأبي الحسين أنّها ليست وجوديّةً. وإلاّ لزم تعدّدُ القدماء.

ب - هي نفسُ الذّات في الخارج وإن كانت زائدةً في التّعقّل، وهو اختيارُ الأوائل وأبي الحسين، لما تقدّم، ولأنّ الوجود لو كان زائداً كان ممكناً، لأنّه وصفٌ للماهيّة، فلا يكونُ واجباً، هذا خُلفٌ. ولأنّ مؤثّره إمّا الماهيّةُ لا بشرط الوجود، فالمعدومُ مؤثّر في الموجود أو بشرطه، (1) فيتسلسل (2) أو يدور أو غيرها، فيفتقر إلى الغير.

____________________

(1) ج: لشرطه.

(2) ألف: فتسلسل.

١٤٤

وعندَ جماعة من المعتزلة والأشاعرة أنّها زائدةٌ، للمغايرة بينَ قولنا: واجب الوجود موجودٌ، وبين قولنا: إنّه قادرٌ. وللاستفادة بكلّ منهما، بخلاف قولنا: واجبُ الوجود واجبُ الوجود؛ ولأنّا قد نعلمُ الذّات ونشكّ (1) في الصّفات، وكلّ ذلك يدلٌّ على المغايرة الذّهنيّة.

ج - هذه الصّفات أزليّةٌ وإلاّ لافتقرت إلى مؤثّر، فإن كان ذاته دار، وإن كان غيره افتقر إلى غيره، ولأنّ تأثيره في غيره يستلزم ثبوتها، فهي ثابتة قبل علّتها.

د - هذه الصّفات ذاتيّةٌ عندَ المعتزلة والأوائل، لامتناع استنادها إلى غير ذاته، لما تقدّم، وعندَ الأشعريّة أنّها معلّلةٌ بالمعاني، فهو قادرٌ بقدرة، عالمٌ بعلم، حيّ بحياة، إلى غير ذلك من الصّفات.

قال نفاةُ (الأحوال) منهم إنّ العلمَ نفس العالميّة، والقدرة نفس القادريّة، وهما صفتان زائدتان على الذات وقال مثبتوها: إنّ عالميّته - تعالى - صفةٌ معلّلةٌ بمعنى قائم به، وهو العلم.

هـ - إرادته إمّا نفسُ الدّاعي، كما تقدّم، أو أمرٌ زائدٌ عليه مستندٌ إلى ذاته، كاختيار النّجّار، (2) خلافاً للجمهور. وعند الجبّائيين أنّه مريدٌ بإرادةٍ حادثةٍ لا في محلّ؛ إذ لو كان مريداً لذاته لعمّت إرادته، كالعلم، فيريدُ الضّدّين، أو لإرادةٍ قديمةٍ لزم ثبوتُ القدماء، أو لإرادة حادثة في ذاته كان محلاًّ

____________________

(1) ألف: نشكّل.

(2) ب: كاختيار المختار.

١٤٥

للحوادث، أو في غيره. فإن كان حيّاً رجع حكمها إليه، وإلاّ استحال حلولها فيه، ووجودُ إرادة لا في محلّ غيرُ معقول.

و - خبره - تعالى - صدقٌ، لقبح الكذب عقلاً، فلا يصدر عنه، ولأنّ الكذبَ إن كان قديماً استحال منه الصّدق، والتّالي باطل، للعلم بإمكان صدور الصّدق من العالم بالشّيء. والأخيرُ دليل الأشاعرة ولا يتمّ، لبنائه على أنّ الكلامَ القديمَ هو عين الخبر، وأنّه خبرٌ واحدٌ، ولعدم دلالته على صدق الألفاظ.

ز - قدرته - تعالى - تتعلّقُ بكلّ مقدور، للتّساوي في العلّة الّتي هي الإمكانُ. ومنع الأوائل من صدور اثنين عنه، لأنّه بسيط، ولا يتأتّى في القادر لو صح. ومنع الثّنويّةُ والمجوس من صدور الشّرّ عنه، وإلاّ كان (1) شرّيراً. فعند المجوس فاعلُ الخير يزدانُ وفاعل الشّرّ أهرمن. وعنوا بهما ملكاً وشيطاناً، واللهُ - منزّهٌ عن فعل الخير والشرّ. والمانويّةُ تسند ذلك (2) إلى النّور والظّلمة وكذا الدّيصانيّة.

وعند جميعهم أنّ الخيّر هو الّذي يكون جميع أفعاله خيراً، والشّرّيرَ هو الّذي يكون جميع أفعاله شرّاً. والخيرُ والشّرّ لا يكونان لذاتهما خيراً وشرّاً، بل بالإضافة إلى غيرهما. وإذا أمكن أن يكون شيء واحد بالقياس إلى واحد خيراً وبالقياس إلى غيره شرّاً أمكن أن يكونَ فاعل ذلك الشّيء واحداً.

____________________

(1) ج: لكان.

(2) ج: يستندونهما/ ب: يستند وكذا.

١٤٦

ومنع النّظامُ من قدرته على القبيح، لأنّه محالٌ، لدلالته على الجهل أو الحاجة. والاستحالة من جهة الدّاعي، لا من حيث القدرة.

ومنع عَبّاد من قدرته على ما علم وقوعه أو عدمه لوجوبه أو امتناعه وهو ينفي القدرة، والعلمُ تابعٌ.

ومنع البلخيُّ من قدرته على مثل مقدور العبد؛ لأنه إمّا طاعةٌ أو سفهٌ، وهما وصفان لا يقتضيان المخالفة الذّاتيّة.

ومنع الجُبائيّان من قدرته على عين مقدور العبد، لامتناع اجتماع قدرتين على مقدور واحد؛ لأنّه إن وقع بهما استغنى بكلّ منهما عن الآخر، وإن لم يقع بهما كان المانعُ هو وقوعه بالآخر، فيقع بهما حال ما لا يقعُ بهما وإن وقع بأحدهما لم يكن الآخر قادراً، والأخيرة ممنوعةٌ.

ح - علمُه - تعالى - متعلّقٌ بكلّ معلوم، لأنّه حيّ، فيصحّ أن يعلم كلّ معلوم. فلو اختصّ تعلقه بالبعض افتقر إلى مخصّص، وهو محال ولأنّه يصحُّ أن يعلم كلّ معلوم، فيجب، لأنّها صفةٌ نفسيّةٌ متى صحّت وجبت.

وبيانُ المقدّم، أنّه حيٌّ، وهو يصحّ أن يعلم كلّ معلوم، لأنّ الحيّ هو الّذي لا يستحيل أن يعلم. ونسبةُ الصّحّة إلى الكلّ واحدةٌ.

وبعض الأوائل منع من علمه بذاته، لأنّه إضافةٌ فيستدعي المغايرة. وينتقضُ بعلمنا بأنفسنا.

ومنهم من منع علمه بغيره، لاستحالة حلول صور في ذاته. ويُنتقضُ

١٤٧

بعلم الواحد بنفسه، ولأنّه إضافةٌ، لا صورةٌ، ولأنّ الصّدور (1) عنه أبلغ في الحصول من الصّورة المنتزعة الصّادرة عن العاقل لمشاركة المعقول، ثم تلك الصّورة تعلمُ بذاتها، فهنا أولى.

ومنهم من منع من علمه بالجزئيّات من حيث هي متغيّرةٌ إلاّ على وجه كلّيّ، فلا يعلم أنّ المتغيّر وقع أو سيقع؛ لأنّه عند عدمه إن بقى العلمُ لزم الجهل، وإلاّ كان متغيّراً.

وأجاب بعضهم بأنّ العلم بأنّ الشّيء سيوجد هو غير العلم بالوجود حينَ الوجود.

وهو غلطٌ، لاستدعاء العلم المطابقةَ، بل الحقُّ أنّ التّغيّرَ في الإضافات كتغيّر المقدور المستلزم تغيّر إضافة القدرة، لا القدرة.

ط - وجوبُ وجوده لذاته يقتضي امتناعَ عدمه في وقتٍ مّا. فهو قديمٌ أزليّ باقٍ سرمديٌّ. وبقاؤه لذاته لا لبقاء يقوم به، خلافاً للأشعريّ، وإلاّ افتقر في وجوده إلى غيره، هذا خُلفٌ. ولأنّ بقاءه باق فيتسلسل أو يدور إن بقى بالغير أو بالذّات، وإن بقى لذاته كان أولى بالذّاتيّة.

والتّحقيق أنّ البقاء يراد به امتناع خروج الذّات الثّابتة عن ثبوتها (2) ومفارقة الوجود لأكثر من زمان واحد بعدَ الزّمان الأوّل، والأوّل ثابتٌ في حقّه تعالى، لا زائدَ عليها. والثّاني منتفٍ، (3) لأنّه لا يعقلُ فيما لا يكونُ فانياً. (4)

____________________

(1) ج: المصدور.

(2) ج: ثباتها.

(3) ب: مفتقرٌ.

(4) ب، ج: زمانياً.

١٤٨

كما أنّ الحكم بأنّ الكلّ أعظم من الجزء لا يمكن وقوعه في زمان أو في جميع الأزمنة، كما لا يقال إنّه واقعٌ في مكان أو في جميع الأمكنة. وهو بناءً على أنّ التّغيّر يستدعي الزّمان.

ي - قدرتُه، علمه؛ وإرادته كافيةٌ في الإيجاد، لوجوبه عند اجتماعهما، خلافاً لبعض الحنفيّة، حيث أثبتوا التّكوين صفة أزليّة لله تعالى. والمكوّن محدث، لقوله تعالى: ( إِنّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ ) (1) فـ (كن) متقدّمٌ على (الكون)، وهو المسمّى بالأمر، والكلمة والتّكوين والاختراع والإيجاد والخلق، ولأنّ القدرة مؤثّرةٌ في صحّة وجود المقدور، والتّكوين مؤثّر في نفس وجوده.

وهو غلطٌ، لأنّ التّكوين إن كان قديماً لزم قدم الأثر، لأنّه نسبةٌ، وإن كان محدثاً تسلسل. وقوله (كن) لا يدلّ على إثبات صفة زائدة على القدرة، والقدرةُ لا تأثيرَ لها في صحّة الوجود، لأنّها ذاتيّةٌ للممكن.

يا - أثبت الأشعري (اليد) صفةً وراء القدرة، و(الوجه) صفةً وراء الوجود، و(الاستواء) صفةً أُخرى. وأثبت القاضي (2) إدراكَ الشّمّ والذّوق واللّمس ثلاثَ صفاتٍ. وأثبت عبد الله بن سعيد (القدم) صفةً مغايرةً للبقاء، و

____________________

(1) يس: 36/82.

(2) هو أبو الحسن عبد الجبار بن أحمد المعروف بقاضي القضاة، من أئمة المعتزلة، له مصنّفات منها: شرح الأُصول الخمسة، تنزيه القرآن من المطاعن، المغني، مات سنة 415هـ. الأعلام: 3/273.

١٤٩

(الرّحمة) و(الكرم) و(الرّضا) صفاتٍ غيرَ الإرادة. ولا دليل على شيء من ذلك.

وجزم آخرون بنفي ما زاد على السّبعة، لأنّا كلّفنا بالمعرفة، وإنّما تحصل بمعرفة الصّفات، فلابُدّ من طريق، وليس إلاّ الاستدلال بالآثار والتّنزيه عن النّقصان، وإنّما يدلاّن على السّبعة، ونمنع من التّكليف بكمال المعرفة.

١٥٠

الفصل الثّاني

في الصّفات السّلبيّة

وفيه مطالبُ [اثنا عشر]:

[المطلب] الأوّل: في أنّه - تعالى - ليس بمتحيّز

اتّفق العقلاء عليه، خلافاً للمجسّمة، لأنّ كلّ متحيّز لا ينفكّ عن الحركة أو السّكون، فيكون مُحدَثاً، ولأنّه حينئذ إمّا جسمٌ فيكون مركّباً فيكون حادثاً أو جزءاً لا يتجزّأ، وهو غير معقول، لامتناع اتّصاف مثل ذلك بالقدرة والعلم غير المتناهيين، ولأنّه لو كان جسماً لكان مركّباً. فالعلمُ الحاصل لأحد الجزأين ليس هو الحاصل للآخر، فيتعدد الآلهةُ. والظواهر متأوّلةٌ، وعجزُ الوهم لا يعارضُ القطع العقليّ.

المطلب الثّاني: في أنّه - تعالى - لا يحلّ في غيره

المعقول من الحلول قيامُ موجود بموجود آخر على سبيل التّبعيّة بشرط امتناع قيامه بذاته. وهو محالٌ في حقّ واجب الوجود، ولقضاء العقل بأنّ الغنيّ عن المحلّ يستحيلُ حلوله فيه. فإن كان حالاًّ في الأزل لزم قدم المحلّ، وإن لم يكن تجدّدت الحاجة، ولأنّ حلول الشّيء في غيره إنّما

١٥١

يتصوّر لو كان الحالُّ إنّما يتعيّنُ بواسطة المحلّ، وواجب الوجود لا يتعيّنُ بغيره.

وعندَ بعض النّصارى، أنّه - تعالى - حالٌّ في المسيح. وعند الصّوفيّة أنّه - تعالى - حالٌّ في (1) العارفين. والكلّ محالٌّ، فهو إذن ليس بعرض ولا صورة، لافتقارهما إلى المحلّ.

المطلب الثّالث: في أنّه - تعالى - مخالفٌ لغيره لذاته

ذهب أبو هاشم إلى أنّ ذاته - تعالى - مساويةٌ لسائر الذّوات في الذّاتيّة، ويخالفها بحالة توجبُ الأحوال الأربعة، أعني الحييّة والعالميّة والقادريّة والموجوديّة. وهي الحالة الإلهيّة لأنّ مفهومَ الذّات هو ما يصحّ أن يعلم ويُخبر عنه. وهو غلطٌ؛ لأنّ هذا المفهوم (2) أمرٌ اعتباريٌّ ليس نفسَ الحقائق الثّابتة في الأعيان، بل من المعقولات الثّانية.

ولا يمكن تساوي كلّ الذّوات، لأنّ اختصاصَ بعضها بما يوجب المخالفة إن لم يكن لمرجّح كان ترجيحاً لأحد طرفي الممكن، لا لمرجّح، وإلاّ تسلسل.

____________________

(1) ج: حالٌّ في الأبدان العارفين.

(2) ج: هذا المفهوم ليس أمر اعتباري.

١٥٢

المطلب الرّابع: في أنّه - تعالى - غيرُ مركّب

كلُّ مركّب ممكنٌ، لأنّه يفتقرُ (1) إلى جزئه، وجزؤه غيره، وكلّ مفتقرٍ ممكنٌ، وواجبُ الوجود ليس بممكن، فليس له أجزاءُ ماهيّة، أعني المادّة والصّورة، ولا عقليّة، أعني الجنس والفصل، ولا مقداريّة؛ ولا يتركّب عنه غيره، فليس جنساً ولا فصلاً ولا نوعاً يندرج تحته أفرادٌ، ولا يتركّب عنه غيره، إذ يستحيل أن ينفعل عن غيره.

المطلب الخامس: في أنّه - تعالى - لا يتحدُ بغيره

اتفق العقلاء من المتكلّمين والحكماء إلى (2) امتناع الاتّحاد، إلاّ فرفوريوس والرّئيس في بعض كتبه، لأنّ الشّيئين بعدَ الاتّحاد إن بقيا موجودين فهما اثنان لا واحدٌ، وإن عُدما فلا اتّحادَ، بل حدث ثالثٌ، وإن عُدم أحدهما لم يتّحد المعدوم بالموجود. وهذا حكمٌ عامٌّ في كلّ الماهيّات. نعم قد يقال: الاتّحادُ بالمجاز على صيرورة شيء شيئاً آخر بأن يخلعُ صورته ويلبس الأخرى، كما يقال: صار الماء هواءً؛ أو بأن يحدث للأجزاء مزاج (3) وهيئة زائدة على الآخر كما يقال: صار العفصُ والزّاجُ حِبراً، وهو منفيٌّ (4) عن واجب الوجود - تعالى -؛ لاستحالة خروجه عن

____________________

(1) ج: مفتقر.

(2) ج: على.

(3) ب، ج: امتزاجاً.

(4) ج: منتفٍ.

١٥٣

حقيقته وعدم أمر زائد عليها وامتناع تركّبه من غيره أو معه.

وقالت النّصارى باتّحاد الأقانيم الثّلاثة: الأب والابن وروح القدس، واتّحد ناسوتُ المسيح باللاّهوت.

والصّوفيّةُ قالوا: أنّه - تعالى - يتّحدُ بالعارفين. والكلُّ غيرُ معقول.

المطلب السادس: في أنّه - تعالى - ليس في جهة

اتفق العقلاء عليه إلاّ المجسّمة والكرّاميّة، لأنّه ليس بمتحيّز ولا حالّ في المتحيّز، فلا يكون في جهة بالضّرورة، ولأنّ الكائن في الجهة لا ينفكّ عن الأكوان بالضّرورة، فيكون مُحدَثاً، وواجبُ الوجود ليس بمُحدَث؛ ولأنّ مكانه مساو لسائر الأمكنة، فاختصاصه به ترجيحٌ عن غير مرجّح، ويلزمُ قِدَم المكان أو حلول المجرّد في مكان بعدَ إن لم يكن. وهو غير معقول.

وأصحابُ أبي عبد الله ابن الكرّام ذهب بعضهم إلى أنّه في جهةٍ فوق العرش لا نهاية لها، والبُعد بينه وبينَ العرش غيرُ متناه أيضاً. وقال بعضهم متناهٍ. والكلّ خطأٌ، لما تقدّم، ولأنّ العالم كرةٌ.

المطلب السابع: في استحالة الألم واللذّة عليه تعالى

اتفق العقلاء على استحالة الألم عليه، لأنّه إدراك منافٍ، ولا منافي له تعالى. أمّا اللذّةُ فقد اتفق المسلمون على استحالتها عليه، لأنّ اللذة والألمَ

١٥٤

من توابع اعتدال المزاج وتنافره، ولا مزاجَ له - تعالى -، ولأنّ اللّذّة إن كانت قديمةً وهي داعيةٌ إلى فعل الملتذّ به وجب وجوده قبل وجوده لوجود الدّاعي وانتفاء المانع، وإن كانت حادثةً كان محلاًّ للحوادث. وفيه نظرٌ، لجواز اتّحاد داعي اللذّة والإيجاد.

والأوائل أثبتوا له لذّةً عقليّةً لا بفعله، بل باعتبار علمه بكماله، فإنّ كلّ من تصوّر في نفسه كمالاً ابتهج، كما أنّ من تصوّر نقصاناً في نفسه تألّمَ. ولمّا كان كماله - تعالى - أعظمَ الكمالات، وعلمه بكماله أتمّ العلوم استلزم ذلك أعظمَ اللّذات.

والصّغرى ممنوعةٌ والقياسُ على الشّاهد ضعيفٌ، والإجماع ينفيه.

تذنيبٌ

يستحيل اتّصافه بكلّ كيفيّة مشروطة بالوضع، كالألوان والطّعوم والرّوائح وغيرها في (1) الأعراض، لامتناع انفعاله تعالى.

المطلب الثّامن: في أنّه - تعالى - ليس محلاًّ للحوادث

اتّفق الأكثرُ عليه، خلافاً للكرّاميّة، لامتناع انفعاله في ذاته، فيمتنع التّغيّرُ عليه، ولأنّ الحادث إن كان صفةَ كمال استحال خلوّه عنها أزلاً، (2) وإلاّ

____________________

(1) ج، ب: من.

(2) ب: أوّلاً.

١٥٥

استحال اتّصافُه بها، ولأنّه لو صحّ اتّصافُه به كانت تلك الصّحّةُ لازمةً لذاته، لاستحالة عروضها، (1) وإلاّ تسلسل، فتكونُ أزليّةً. وصحّةُ الاتّصاف بالحادث تستدعي صحّة وجود الحادث أزلاً، (2) وهو محالٌ.

المطلب التاسع: في أنّه - تعالى - غنيُّ

هذا من أظهر المطالب، لأنّه واجب من جميع الجهات، وكلّ ما عداه ممكنٌ محتاجٌ إليه، فلا يُعقل احتياجُه - تعالى - إلى غيره، ولأنّ ذاتَه واجبةٌ، وصفاته نفسُ حقيقته، فيستغني في ذاته وصفاته، ولأنّه - تعالى - ليس محلاًّ للحوادث، وغيره حادثٌ، والإضافات ليست وجوديّةً.

المطلب العاشر: في أنّه غيرُ معلوم للبشر

هذا مذهبُ ضرار والغزاليّ (3) وجميع الأوائل، لأنّ المعلوم منه - تعالى - ليس إلاّ السّلوبَ، مثلُ أنّه ليس بجسم ولا عرض، أو الإضافات مثل أنّه قادرٌ عالمٌ خالقٌ رازقٌ. والحقيقةُ مغايرةٌ لذلك بالضّرورة. وعندَ جماهير المعتزلة والأشاعرة، أنّه - تعالى - معلومٌ، لأنّ وجوده معلوم، وهو نفس حقيقته، ونمنع الصّغرى.

____________________

(1) ج: عدمها.

(2) ب: أوّلاً.

(3) هو أبو حامد محمد بن محمد المعروف بالغزالي، المتوفّى 505هـ.

١٥٦

المطلب الحادي عشر: في استحالة الرّؤية عليه تعالى

الأشاعرة خالفوا جميعَ الفرق في ذلك.

أمّا المعتزلةُ والفلاسفة فظاهرٌ.

وأمّا المجسّمة، فلأنّه لو كان مجرّداً لاستحال رؤيته عندهم.

واتفق العقلاء إلاّ المجسّمة على انتفاء الرّؤية، بسبب الانطباع أو الشّعاع، عنه - تعالى -.

والأشاعرةُ قالوا، إنّا نفرقُ بينَ علمنا حالةَ فتح العين وتغميضها، وليس بالانطباع ولا الشّعاع، فهو راجعٌ إلى حالةٍ أُخرى ثابتةٍ في حقّه تعالى.

والضّرورةُ قاضيةٌ ببطلانه، لانتفاء الجهة، وكلّ مرئيّ (1) مقابلٌ أو في حكمه، ولأنّه لو كان مرئيّاً لرأيناه الآن، لانتفاء الموانع ووجود الشّرائط، إذ ليست هنا إلاّ صحّة كونه مرئيّاً وسلامة الحاسّة، ولقوله تعالى: ( لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ) (2) تمدّح به، لتخلّله بين مدحين، فإثباته نقصٌ، وهو مُحالٌ عليه تعالى، ولقوله: ( لَنْ تَرَانِي ) (3) و(لن) لنفي الأبد، وإذا انتفت في حقّ موسى (عليه السلام) فكذا غيره.

____________________

(1) ألف: كل مراى.

(2) الأنعام: 6/103.

(3) الأعراف: 7/143.

١٥٧

احتجّوا بأنّ الجوهرَ والعرضَ مرئيّان، والحكمَ المشترك لابُدّ له من علّة مشتركة، وليس إلاّ الوجود والحدوث، والأخير لا يصلحُ للعلّيّة، لأنّ جزءه عدميّ، ولقوله تعالى: ( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نّاضِرَةٌ * إِلَى‏ رَبّهَا نَاظِرَةٌ ) (1) ولأنّه - تعالى - علّقها على استقرار الجبل الممكن، لأنّه جسمٌ ولأنّ موسى (عليه السلام) سألها.

والجوابُ: وجودُه - تعالى - حقيقته، وهو مخالفٌ لوجودنا، فلا يجب تساويهما في الأحكام. ونمنعُ احتياج صحّة الرّؤية إلى علّة، إذ لو وجب تعليل كلّ حكمٍ تسلسل، ولأنّها عدميّةٌ، ونمنعُ تساوي صحّة رؤية الجوهر وصحّة رؤية العرض، ويجوز تعليل المشترك بعلّتين مختلفتين، ونمنع الحصرَ بوجود الإمكان، فيجوزُ أن يكونَ علّةً لإمكان الرؤية وإن كان عدميّاً.

والحدوث هو الوجودُ المسبوق، ولا يلزمُ من وجود العلّة وجود المعلول، لجواز التّوقّف على شرط أو حصول مانع. و(إلى) واحدُ (الآلاء)، أو أنّ فيها إضماراً، تقديره: (إلى نِعَم ربّها) والتّعليق على الاستقرار حالةَ الحركة، وهو محال، والسّؤالُ وقع لقوم موسى، لقوله تعالى: ( فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى‏ أَكْبَرَ مِن ذلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً ) (2) .

____________________

(1) القيامة: 75/22 - 23.

(2) النساء: 4/53.

١٥٨

المطلب الثاني عشر: في أنّه - تعالى - واحدٌ

لو كان في الوجود واجبا الوجودِ لكانا مشتركين في هذا المعنى، فإمّا أن يكونَ ذاتياً لهما، أو لأحدهما، أو عارضاً لهما. والأوّلُ يستلزم تركّبَ كلّ منهما، فيكون ممكناً. والثّاني والثالث يستلزم كلّ منهما أن لا يكونَ معروضه في ذاته واجباً.

ولا يجوز أن يكونَ الواجبُ لذاته هو المعنى المشترك خاصّةً، إذ لا وجودَ له في الخارج إلاّ مخصّصاً.

ولا يجوز أن يكونَ المخصّص سلبيّاً، فإنّ سلبَ الغير لا يتحصّلُ إلاّ بعدَ حصول الغير؛ ولأنّ المخالفةَ ممكنةٌ، لأنّ كلّ واحد منهما قادرٌ على جميع المقدورات، فيصحّ أن يقصد أحدهما إلى ضدّ ما قصد (1) الآخرُ، فإن حصل المُرادان، اجتمع الضّدّان، وهو محال، وان عدما كان المانع من مُراد كلّ منهما وجودَ مراد الآخر، فيلزمُ وجودهما وإن وُجِدَ أحدهما فهو الإله؛ وللسّمع.

وقالت الثّنويّةُ بقدم النّور والظلمة وكلّ خير في العالم فمن النّور، وكلّ شر فمن الظلمة، وكلٌّ منهما لا نهايةَ له في الجهات الخمس. والنّورُ حيٌّ عالمٌ والظلمةُ حيّةٌ جاهلةٌ. وسببُ حدوث العالم اختلاط أجزاء من النّور

____________________

(1) ب، ج: قصده.

١٥٩

بأجزاء من الظلمة. وأراد النّورُ الأعظم استخلاصَ تلك الأجزاء من الظلمة. فلم يمكنه إلاّ بخلق هذا العالم وخلق الأجسام النّيّرة فيه، بحيث تستخلصُ بنورها تلك الأجزاء النّورانيّة من الظلمة. فإذا خلصت فنى (1) العالم.

وهذا الكلامُ كلّه خطأ، فإنّ النّورَ عرضٌ لا يقومُ بذاته، والظلمةَ عدميّةٌ، وعدمُ التّناهي مُحالٌ، لما تقدّم.

وقال المجوسُ: إنّ للعالم صانعاً قادراً عالماً حيّاً حكيماً، سمّوه يزدان، وكلّ خير في العالم منه، وأنّه أفكر (2) لو كان لي ضدٌّ في الملك كيف تكونُ حالي معه، فحدث الشّيطانُ من تلك الفكرة، وكلّ شرّ في العالم منه، واسمه اهرمن. وبعضهم قال بقدم الشّيطان وهو ظاهر الفساد أيضاً.

وقالت النّصارى: الباري - تعالى - جوهرٌ واحدٌ ثلاثة أقانيم، أقنوم الأب وهو وجوده، وأُقنومُ الابن وهو علمه، واقنومُ روح القدس، وهو حياته.

فإن أرادوا الصّفات فلا منازعةَ إلاّ في اللّفظ، وإلاّ فهو خطأ، لما تقدّم.

____________________

(1) ج: نفى.

(2) ج: فكر.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361