الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية21%

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
تصنيف: مناظرات وردود
الصفحات: 361

الجزء ١ الجزء ٢
  • البداية
  • السابق
  • 361 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 214024 / تحميل: 8507
الحجم الحجم الحجم
الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية

الأجوبة الوافية في رد شبهات الوهابية الجزء ١

مؤلف:
الناشر: دهكده جهاني آل محمّد (صلّى الله عليه وآله)
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فإنّ ذلك لا يضر ولا يؤثّر في قيمة الحجّة التي أقامها الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على الإمامة ؛ لأنّ تبليغه وبيانه وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو قول الله تعالى .

وممّا يؤكّد هذا الوجه ما أجاب به الإمام الصادقعليه‌السلام بسند معتبر صحيح عندنا ، حينما سأله أبو بصير عن السبب في عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام صريحاً ، عن أبي بصير حيث قال : ( سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، فقال :نزلت في علي بن أبي طالب والحسن والحسين عليهم‌السلام ، فقلت له : إنّ الناس يقولون : فما له لم يسمّ عليّاً وأهل بيتهعليهم‌السلام في كتاب الله عزّ وجلّ ؟ قال : فقال :فقولوا لهم : إنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً حتى كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الذي فسّر ذلك لهم )(١) .

ثالثا : ذكر الوصف أبلغ في التأثير من ذكر الاسم

من الواضح أنّ ذكر الوصف أوقع تأثيراً في تحديد المصداق من ذكر الاسم ؛ لذا ذكر علماء اللغة أنّ اسم العلم ليس أعرف المعارف ، بل الكثير منهم جعل اسم العلم أدنى درجة من أسماء المعرفة ، والسر في ذلك ، كما ينصّ عليه أهل اللغة والبلاغة ، أنّ اسم العلم قد يتوخّى منه معنى الصفة ، فإذا جاء اسم عليّعليه‌السلام في القرآن فقد يحصل إيهام بأنّ المراد منه الصفة أي العالي ، وعلى هذا الأساس بيّن القرآن الكريم المصداق بشكل صريح ، وأنّ الولي هو المتصف بكونه يؤدّي الزكاة وهو راكع( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (٢) ،

ـــــــــــــ

(١) أصول الكافي ، الكليني : ج ١ ص ٢٨٦ ـ ٢٨٧ .

(٢) المائدة : ٥٥ .

٨١

الذي تواترت الروايات من طرق الشيعة والسنّة على أنّ المراد به هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام (١) .

رابعاً : ذكر علي في القرآن يدعو البعض لانتحال اسمه

لو فرضنا أنّ القرآن ذكر الاسم صريحاً فلا يعني حسم الخلاف في ذلك ، بل قد يكون أدعى للخلاف ؛ لأنّه يكون وسيلة وداعية لاستعارة الأسماء والألقاب لذوي النفوس المريضة ، لكي يجعل الاسم منطبقاً عليه ، كما نلمس ذلك واضحاً من انتحال لقب أمير المؤمنين الخاص بعليعليه‌السلام ، والذي هنّأه به عمر بن الخطاب ، كما جاء ذلك في حديث الغدير الذي جاء متضافراً في كتب أهل السنّة(٢) ، حتى وصل الأمر بمعاوية ويزيد أن يلقّبوا أنفسهم بهذا اللقب حتى صار تقليداً معمولاً به فسمّي كل مَن يتولّى الحكم ولو ظلماً وعدواناً بـ ( أمير المؤمنين ) .

خامساً : لو ذُكر اسم علي لحذفه المنافقون

لو فرضنا أن القرآن ذكر اسم عليّعليه‌السلام صريحاً لبادر المنافقون لرفعه وحذفه من الكتاب الكريم فيقع التصرّف والتحريف في القرآن الكريم ، وقد شاء الله سبحانه وتعالى أن يحفظ القرآن الكريم ، حيث قال :( إِنّا نَحْنُ

ـــــــــــــ

(١) جامع البيان ، الطبري : ح ٦ ص ٣٨٩ ـ ٣٩٠ من طريق ابن عباس وعتبة بن حكيم ومجاهد ، الكشاف ، الزمخشري : ج ١ ص ٦٤٩ .

(٢) انظر : مسند أحمد : ج ٤ ص ٢٨١ ؛ المعجم الكبير : ج ٥ ص ٢٠٣ ـ ٢٠٤ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٦ ص ٢٨٢ ؛ ثمار القلوب : ص ٦٣٧ ح ١٠٦٨ ؛ المعيار والموازنة : ص ٢١٢ ؛ وما بعدها ؛ المصنف لأبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٥٠٣ ؛ نظم درر السمطين : ص ١٠٩ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٣ ص ١٣٤ ؛ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٢٠٠ ؛ وغيرها .

٨٢

نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) (١) ، ولا شك أنّ الحكمة الإلهية شاءت حفظ القرآن الكريم من طرقه الطبيعية قدر الإمكان ، كما سوف يتضح ذلك عند الإجابة عن شبهة التحريف .

سادساً : ذكر الاسم لا يعني حسم النزاع

إنّ ذكر الاسم صريحاً في القرآن لا يعني حسم الخلاف في ذلك من جهة أخرى ؛ لأنّنا نجد أنّ كثيراً من الأمور التي ذُكرت في القرآن بصراحة تامّة وقع الخلاف فيها بعد ذلك ، كما في المتعة التي ورد ذكرها في القرآن بكل صراحة ، وذلك في قوله تعالى :( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيَما تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنّ اللهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) (٢) ، ومع ذلك نجد أنّ الخلاف والنزاع وقع فيها فيما بعد ، حيث ادّعي نسخها بقول عمر بن الخطاب .

سابعاً : ذكر الاسم في القرآن داعية لاتهام الشيعة

لو افترضنا أنّ اسم عليعليه‌السلام ذُكر في القرآن ، فليس من البعيد أن يُقال إنّ ذلك من وضع الرافضة ، كما نجد هذا الافتراء واضحاً في الروايات الصريحة الواردة في فضائل أهل البيتعليه‌السلام ، ولا غرابة في ذلك على الذين ختم الله على قلوبهم ، فإنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صرّح باسمهعليه‌السلام على مرأى ومسمع (١٢٠) ألف صحابي ، بشكل لا يشوبه ريب ، ومع ذلك بادر المنافقون إلى إنكاره ورفضه ، وزعم بعضهم أنّ ذلك من الموضوعات .

ـــــــــــــ

(١) الحجر : ٩ .

(٢) النساء : ٢٤ .

٨٣

ثامناً : لا ينبغي التشكيك في إمامة عليعليه‌السلام

على ضوء ما سلف نود أن نلفت نظر المستشكل في إمامة عليعليه‌السلام بعدم ذكر اسمه في القرآن ، إلى أنّه بعد قيام الحجج والبراهين والأدلة القاطعة على الإمامة لا ينبغي التشكيك والترديد وإثارة الشبهات في ذلك ، استناداً إلى شبهات واهية كهذه ، وأن لا نكون كقوم بني إسرائيل ، الذي أخذوا يطلبون من نبي الله موسىعليه‌السلام المزيد من الحجج بعد أن أظهر لهم الأدلة والبراهين على وجود الله تعالى ، حتى أنهم طلبوا من موسى أن يريهم الله تعالى جهرة ، حيث قالوا :( لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى‏ نَرَى اللهَ جَهْرَةً ) (١) .

الخلاصة

في المقدّمة ينبغي الالتفات إلى نقطتين أساسيتين :

الأُولى : إنّ القرآن الكريم تبيان لكل شيء ، لكن ليس باستطاعة أحد معرفة واستخراج هذه المعارف منه ؛ لذا كانت السنّة النبوية مبيّنة ومفصّلة له ، ومن هنا قرن الله تعالى طاعته بطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ، وقوله عزّ وجلّ :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (٣) ، إلى غير ذلك من الآيات .

الثانية :إنّ الله تعالى أمرنا بالأخذ بما بينه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا يجوز الاعتراض على حكم الله أو أي قضاء قضاه الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) البقرة : ٥٥ .

(٢) النساء : ٥٩ .

(٣) الأنفال : ٢٠ .

٨٤

وبعد هذا نقول : إنّ السبب في عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام في القرآن يرجع إلى ما يلي : ـ

أوّلاً : إنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نصّ على إمامة عليعليه‌السلام باسمه الصريح ، ولا فرق في الحجّيّة بين القرآن وقول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تواتر ذلك عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواطن متعددة كما في حديث الغدير وحديث الدار والمنزلة ونحوها ، سيّما أنّ القرآن الكريم لم ترد فيه كثير من الأحكام الأساسية في الإسلام كتفاصيل الصلاة والصيام ونحوها .

ثانياً : نقول : إنّ عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام صريحاً في القرآن يعود لحكمة إلهية اقتضت ذلك ، وما أكثر الأشياء التي يفعلها الله تعالى ويأمر بها من دون إطلاعنا على حكمته في ذلك .

ثالثاً : إنّ ذكر الوصف أبلغ تأثيراً وتأكيداً من ذكر الاسم ، كما هو معروف عند اللغويين ، وقد ذُكر وصف الإمام عليعليه‌السلام في القرآن كما في قوله تعالى :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (١) ، وقد تواترت الروايات بعدم انطباق هذه المواصفات إلاّ على عليعليه‌السلام .

رابعاً : لو فُرض ذكر اسم عليعليه‌السلام في القرآن ؛ لبادر المنافقون لرفعه والتجاوز على القرآن الكريم ، فمن منطلق الحكمة الإلهية في الحفاظ على سلامة القرآن من التحريف لم يذكر اسمهعليه‌السلام فيه .

خامساً : لو افترضنا أنّ اسم عليعليه‌السلام ذُكر في القرآن الكريم ؛ فإنّ ذلك لا يعني حسم الخلاف ، كما هو الحال في آية المتعة الصريحة في مشروعيّتها ، والتي جُسّدت وطُبّقت تطبيقاً عملياً من قِبل الصحابة ، إلاّ أنّ عمر جاء وألغى هذا الحكم القرآني وهدّد كل مَن يمارسه .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٥٥ .

٨٥

سادساً : لو فُرض وجود اسم عليعليه‌السلام في القرآن لقال البعض إنّه من وضع الرافضة .

سابعاً : بعد أن قامت الحجج والبراهين على ولاية عليعليه‌السلام بشكل لا يشوبه ريب ، فلا معنى لمثل هذه المبررات الواهية التي لا أساس لها .

ثامناً : إنّ وجود اسم عليعليه‌السلام في القرآن سيكون داعياً لاستعارته وجعله منطبقاً على بعض القيادات الحكومية ، كما هو الحال في كثير من الألقاب التي خصّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعليعليه‌السلام ، لكنّها نُسبت بعد ذلك إلى غيره ، كما هو الحال في لقب الصدّيق والفاروق وأمير المؤمنين .

آية التطهير لا تختصّ بأئمّة الشيعة

الشبهة :

إنّ أهل البيت في آية التطهير تعني كل مَن يلتقي بالنبي في هاشم .

الجواب :

لقد شدّد القرآن الكريم والسنّة النبوية ، على تعيين المراد من مفهوم أهل البيتعليهم‌السلام في موارد متعددة ، وحسبك ما ورد من الروايات الصحيحة التي تصرّح بأسمائهم على طريقة الحصر واحداً بعد الآخر ، وهم الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام .

ولعلّنا لا نجانب الصواب إذا ما قلنا بأنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان شديد الحرص على تشخيص وحصر أهل البيتعليهم‌السلام ؛ درءاً للتشكيكات التي قد تثار من ذوي النفوس المريضة .

وبالتأمّل في تفاصيل الواقعة نلمس اكتنازها الكثير من الدلائل الواضحة ، التي تثبت حصر أهل البيت في الآية المباركة بالخمسة أصحاب الكساء ، وإليك بعض تلك الشواهد والقرائن الصريحة :

٨٦

تشخيص النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأهل البيت بأسمائهم ، كما في رواية عبد الله بن جعفر ، حيث قال : ( لمّا نظر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى الرحمة هابطة قال :ادعوا لي ، ادعوا لي ، فقالت صفية : مَن يا رسول الله ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :أهل بيتي : عليّاً وفاطمة والحسن والحسين ، فجيء بهم فألقى عليهم النبي كساءه ، ثم رفع يديه ، ثم قال :اللّهم هؤلاء آلي فصلِّ على محمّدٍ وعلى آل محمّد ، وأنزل الله عزّ وجلّ :( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً )

قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، وقد صحّت الرواية على شرط الشيخين ، أنّه علّمهم الصلاة على أهل بيته كما علّمهم الصلاة على آله(١) .

ولا يخفى ما في كلمة :( اللّهمّ هؤلاء آلي ) من الدلالة على حصر أهل البيت في علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ونفي ذلك العنوان عن غيرهم ، كما لا يخفى على كلّ مَن عرف أساليب العرب في الكلام .

٢ ـ* من أجل التأكيد على الحصر وتحديد أهل البيتعليهم‌السلام بأفراد معيّنين نلاحظ أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحصرهم تحت كساء واحد في مواقف متعددة وروايات متضافرة :

منها : ما جاء في رواية أبي سلمة ، حيث قال : فدعا حسناً وحسيناً ، وفاطمة ، فأجلسهم بين يديه ، ودعا عليّاً فأجلسه خلفه فتجلّل هو وهم بالكساء ، ثم قال :( هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ) (٢) .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٤٨ .

(٢) جامع البيان ، الطبري : ج ٢٢ ص ١٢ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٩ ص ٢٦ ؛ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ٢ ص ١١٩ ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ١٣ ص ٢٠٣ .

* لا يوجد ١ ـ قبل هذا الرقم ، يبدوا أنّه سقط سهواً من إحدى الفقرات أعلاه .

٨٧

ومنها : ما رواه ابن كثير في تفسيره قال : ( حدثنا شداد بن عمار قال :دخلت على واثلة بن الأسقع وعنده قوم ، فذكروا علياً رضي‌الله‌عنه فشتموه ، فشتمته معهم ، فلمّا قاموا ، قال لي : شتمت هذا الرجل ؟ قلت : قد شتموه فشتمته معهم ، قال : ألاّ أخبرك بما رأيت من رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قلت : بلى ، قال : أتيت فاطمة (رضي الله عنها) أسألها عن علي رضي‌الله‌عنه ، فقالت : توجّه إلى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فجلست أنتظره ، حتى جاء رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومعه علي وحسن وحسين (رضي الله عنهم) ، آخذاً كل واحد منهما بيده حتى دخل ، فأدنى عليّاً وفاطمة رضي الله عنهما وأجلسهما بين يديه ، وأجلس حسناً وحسيناً رضي الله عنهما كل واحد منهما على فخذه ، ثم لفّ عليهم ثوبه أو قال كساءه ، ثم تلا صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه الآية : ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، وقال : ( اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وأهل بيتي أحق ) (١) .

ومنها : ما أخرجه أحمد وغيره عن أُمّ سلمة ، قالت : ( فأخذصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فضل الكساء فغشاهم به ، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء ، ثم قال :( اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، قالت ـ أم سلمة ـ : فأدخلت رأسي البيت ، فقلت : وأنا معكم يا رسول الله ؟ قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :إنّك إلى خير ، إنّك إلى خير ) (٢) .

ومنها : ما عن أُمّ سلمة أيضاً ، قالت : ( فلمّا رآهم مقبلين مدّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يده إلى كساء كان على المنامة ، فمدّه وبسطه ،

ـــــــــــــ

(١) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٢ ، شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ٢ ص ٦٧ .

(٢) مسند أحمد : ج ٦ ص ٢٩٢ ، تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٢ .

٨٨

وأجلسهم عليه ، ثم أخذ بأطراف الكساء الأربعة بشماله فضمّه فوق رؤوسهم ، وأومأ بيده اليمنى إلى ربه ، فقال :( اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ) (١) .

ومنها : ما جاء كذلك عن أم سلمة ، قالت : فاجتمعوا حول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بساط فجلّلهم نبي اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكساء كان عليه ، ثم قال :( هؤلاء أهل بيتي ، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً ، فنزلت هذه الآية حين اجتمعوا على البساط ، قالت : فقلت : يا رسول الله ، وأنا ؟ قالت : فو الله ما أنعم ، وقال :إنّك إلى خير ) (٢) .

ومنها : ما جاء كذلك عن أمّ سلمة ، قالت : ( بينما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في بيتي يوماً إذ قالت الخادمة : إنّ فاطمة وعليّاً بالسدّة ، قالت : فقال لي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قومي فتنحّي عن أهل بيتي ) )(٣) .

ومنها : ما عن أمّ سلمة أيضاً ، قالت : ( إنّ هذه الآية نزلت في بيتي( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، قالت : وأنا جالسة على باب البيت ، فقلت يا رسول الله : ألست من أهل البيت ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّك إلى خير ، أنت من أزواج النبي ) (٤) .

ومنها : ما ورد عن عائشة ، قالت : ( لقد رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعى عليّاً وفاطمة وحسن وحسين رضي الله عنهم ، فألقى عليهم ثوباً فقال :( اللّهمّ

ـــــــــــــ

(١) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٢ ـ ٤٩٣ ، مسند أحمد : ج ٦ ص ٢٩٨ .

(٢) جامع البيان ، الطبري : ج ٢٢ ص ١٢ ـ ١٣ ، تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٣ .

(٣) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٣ .

(٤) جامع البيان : ج ٢٢ ص ١١ ، تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٣ .

٨٩

هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ) ، قالت : فدنوت منهم ، فقلت يا رسول الله : وأنا من أهل بيتك ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :تنحّي فإنّك على خير (١) .

ومنها : ما عن سعد ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : حين نزل عليه الوحي ، فأخذ عليّاً وابنيه وفاطمة رضي الله عنهم ، فأدخلهم تحت ثوبه ، ثم قال :( ربّي هؤلاء أهلي وأهل بيتي ) (٢) .

وهذا الأسلوب العملي من أبلغ أساليب الحصر ، لسدّ كل منافذ الالتباس ، حيث تخطّى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دلالات الكلام بحصرهم تحت كساء واحد ، ليكون أبلغ في الحصر وأقوى في الدلالة .

٣ ـ لقد صرّح الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفس الآية التي هي محل البحث تصريحاً لا يبقى فيه مجال للشك والريب ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( نزلت الآية في خمسة ، فيّ ، وفي علي وفاطمة وحسن وحسين ) (٣) .

ومن هنا نجد أنّ كل المذاهب الإسلامية أجمعت على كيفية واقعة الكساء ، وأنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نزل عليه الوحي ( بآية التطهير ) ضمّ الحسنين وأباهما وأُمّهما إليه ، ثم غشّاهم ونفسه بذلك الكساء تمييزاً لهم عن سائر الأبناء والأنفس والنساء ، ومن ثمّ بلّغ الأمة بالآية المباركة وهو على تلك الحال ،

ـــــــــــــ

(١) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٤ .

(٢) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٤ .

(٣) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٦ ص ٦٠٤ ؛ خصائص الوحي المبين ، الحافظ ابن البطريق : ص ١٠٦ ؛ شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ٢ ص ٤٠ ، ص ٤٥ ، ص ١٣٧؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٦٧ ؛ ترجمة الإمام الحسن ، ابن عساكر : ص ٦٩ .

٩٠

لكي يقطع الطريق عن كل مَن يطمع بمشاركتهم ، سواء كان من أزواجه أم من الصحابة أم غيرهم ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم في معزل عن الناس كافة ، قال تعالى :( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، فأزاح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحجبهم في كسائه كل ما يطرأ على الأذهان من ريب وشك .

٤ ـ وإمعاناً في التأكيد ولسدّ كل منافذ التشكيك والريب ، أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتلو هذه الآية الكريمة كل يوم على باب بيت فاطمة الزهراء الذي فيه : علي والحسنان وأُمّهماعليهم‌السلام ، بمرأى ومسمع من المسلمين ، وهناك عدد وافر من الروايات التي تثبت ذلك :

منها : ما ورد عن أبي الحمراء قال : رابطت المدينة سبعة أشهر على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : رأيت رسول الله إذا طلع الفجر جاء إلى باب علي وفاطمة رضي الله عنمهما ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( الصلاة الصلاة ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) (١) ، وفي بعض الروايات تسعة أشهر ، وفي بعضها الآخر ، قال نفيع بن حارث : قلت : يا أبا الحمراء مَن كان في البيت ؟ قال : علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام (٢) .

ومنها : عن ابن عباس قال : ( شهدنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تسعة أشهر ، يأتي كل يوم باب علي بن أبي طالب عند وقت كل صلاة فيقول :( السلام عليكم

ـــــــــــــ

(١) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤ ص ٢٩٠ ؛ تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٢ ؛ التاريخ ، البخاري : ج ٩ ص ٢٥ ـ ٢٦ ؛ كني البخاري : ص ٢٥ ـ ٢٦ ؛ أسد الغابة ، ابن الأثير : ج ٩ ص ٦٦ ؛ جامع البيان ، الطبري : ج ٢٢ ص ١٠ ؛ الدّر المنثور : ج ٦ ص ٦٠٦ ؛ فتح القدير ، الشوكاني : ج ٤ ٢٨٠ ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ ص ٧٤ ـ ٧٥ .

(٢) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ٢ ص ٧٤ ، نظم درر السمطين : ص ٢٣٩.

٩١

ورحمة الله وبركاته أهل البيت ، ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) كل يوم خمس مرات )(١) .

ومنها : ما ورد عن أبي بُرزة ، قال : ( صلّيت مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبعة عشر شهراً ، فإذا خرج من بيته أتى باب فاطمةعليها‌السلام فقال : (السلام عليكم : ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) كل يوم خمس مرات )(٢) .

ومنها : ما رواه ابن كثير في تفسيره عن أنس بن مالك ، قال : ( إنّ رسول الله (صلّى الله تعالى عليه وآله وسلم) كان يمرّ بباب فاطمة (رضي الله عنها) ستة أشهر إذا خرج إلى صلاة الفجر ، يقول (الصلاة يا أهل البيت ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) ، ثم قال ابن كثير : ورواه الترمذي عن عبد بن حميد عن عفان )(٣) .

٥ ـ كذلك من القرائن التي تشهد على حصر أهل البيت بالنبي وعلي وفاطمة والحسنينعليهم‌السلام ، دون غيرهم ، وجود الحشر الكبير من الروايات الدالة على أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حصرهم بالخمسةعليهم‌السلام في مواقف أخرى غير حادثة الكساء :

منها : ما ورد عن سعد بن أبي وقاص قال : لمّا نزلت الآية :( قل تعالوا ندعوا ... ) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وفاطمة والحسن والحسين فقال :( اللّهمّ هؤلاء أهلي ) .

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور السيوطي : ج ٦ ص ٦٠٦ .

(٢) انظر مسند أحمد : ج ٣ ص ٢٥٩ ؛ شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ : ص ١٣٩ ؛ انظر مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٦٩ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٥٨ ، وقال : هذا حديث الصحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ؛ أسد الغابة ، ابن كثير : ج ٥ ص ٥٢١ ؛ مسند الطيالسي : ص ٢٧٤ ؛ وغيرها من المصادر .

(٣) تفسير ابن كثير : ج ٣ ص ٤٩٢ ؛ وكذا نقله مسند أحمد : ج ٣ ص ٢٥٩ ص ٢٨٥.

٩٢

ولذا نجد الواحدي يقول بالحرف الواحد إنّ الآية( آية التطهير ) نزلت في خمسة : ( النبي وعلي وفاطمة والحسن والحسين )(١) .

٦ ـ ممّا يدل أيضاً على عدم شمول آية التطهير لكل بني هاشم ، أنّ الآية جاءت بصدد إثبات العصمة للخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام كما سيأتي ، ونحن لم نجد أحداً من بني هاشم أدّعى العصمة لنفسه غير العترة الطاهرة ، ولم تثبت العصمة بالأدلة والبراهين القاطعة إلاّ لهمعليهم‌السلام دون غيرهم .

٧ ـ كذلك من الشواهد الدالة على الحصر ما ورد من الروايات الدالة على أنّ التمسّك بأهل البيتعليهم‌السلام يكون عاصماً عن الضلال ، كما هو مفاد حديث الثقلين :( إنّي تارك ) الذي ورد فيه لفظ أهل البيت ، فكيف يكون كل بني هاشم من أهل البيت الذين أمرنا الله بالاقتداء بهم والتمسّك بهم ؟ مع أنّ في بني هاشم من هو الجاهل والفاسق ومن لا يصلح أن يُتمسك به وبهديه ، بل منهم مَن نزلت في ذمّه وهلاكه سورة قرآنية ، كأبي لهب :( تَبّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبّ * مَا أَغْنَى‏ عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى‏ نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِن مَسَدٍ ) (٢) .

وعلى هذا الأساس يتضح أنّ العناية والاهتمام والتأكيد الذي أولاه

ـــــــــــــ

(١) أسباب النزول ، الواحدي : ص ٢٣٩ .

(٢) المسد : ١ ـ ٥ .

٩٣

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان أهل البيتعليهم‌السلام بأسمائهم ، وحصرهم بهذه الأساليب المختلفة من البيان ، مقرونة بأساليب متنوعة من العمل والتصدّي المباشر بالفعل ، فيسمّيهم حيناً بأسمائهم ، ويميّزهم حيناً آخر ، فيقول :(هؤلاء أهل بيتي) أو(اللّهمّ هؤلاء آلي) ، ويلفّهم حيناً ثالثاً بكساء واحد يجلّلهم فيه جميعاً ، لدرجة أنّ أُمّ المؤمنين زوجتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم سلمة تمنّت ، بل طلبت منه أن تكون معهم ، إلاّ أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ردّها بلطف ورأفة ، قائلاً لها :إنّك على خير ، وكذا إعلانه بأسمائهم أمام الناس وأمام الملأ واحداً واحداً ، والمواظبة على تكرار هذا الإعلان لستة أشهر أو سبعة أو ثمانية أو تسعة ـ على اختلاف الروايات ـ أمام بيت الزهراءعليها‌السلام في كل يوم خمس مرات في أوقات الصلاة وفي غيرها .

مع أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يفعل ذلك إلاّ لحمكة وقصد ، كل ذلك يكشف عن أمر جليل و كبير له آثاره وأبعاده في تاريخ المسلمين وحياتهم ودينهم فيما بعد .

٨ ـ الملاحظة الجديرة بالذكر أيضاً أنّ الدليل الذي اعتمده القائل بدخول كل بني هاشم في أهل البيتعليهم‌السلام كان معتمده رأياً لزيد بن أرقم ، ولم يكن ابن أرقم في صدد نقل رواية عن رسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وإنّما هو بصدد ذكر رأيه وتحليله الخاص ، حيث أخرج أحمد في مسنده عن زيد ابن أرقم ، قال : ( قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوماً خطيباً فينا بماء يُدعى خماً ، بين مكة والمدينة ، فحمد الله تعالى وأثنى عليه ، ووعظ وذكّر ، ثم قال :أمّا بعد ، ألا يا أيّها الناس ، إنّما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربّي عزّ وجلّ فأجيب ،

٩٤

وإنّي تارك فيكم ثقلين ، أوّلهما كتاب الله عزّ وجلّ فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله تعالى واستمسكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، قال :وأهل بيتي أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، فقال له حصين : ومَن أهل بيته يا زيد أليس نساؤه من أهل بيته ؟ قال : إنّ نساءه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته مَن حرم الصدقة بعده ، قال : ومَن هم ؟ قال : هم آل علي وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس ، قال : أكل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم )(١) .

ومن الواضح لا يمكن ترجيح تحليل ورأي زيد بن أرقم على تلك النصوص المتضافرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما مارسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أساليب مختلفة للدلالة على أنّ أهل البيتعليهم‌السلام هم الخمسة أصحاب الكساء .

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٤ ص ٣٦٧ .

٩٥

الخلاصة

١ ـ إنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شخّص وحدّد أسماء أهل البيت في آية التطهير ، وهم علي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام ، كما في رواية عبد الله بن جعفر المتقدمة ، ثم دعاؤه بـ( اللّهمّ هؤلاء آلي ) الذي لا تخفى دلالته على الحصر في أهل البيتعليهم‌السلام على كل مَن له أدنى معرفة بأساليب العرب في الكلام .

٢ ـ وجود عدد وافر من الروايات الصحيحة من طرق العامة تؤكّد على أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جمع عليّاً وفاطمة والحسن والحسين تحت كساء واحد وقال :( هؤلاء أهل بيتي فاذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ) وهذا أسلوب عملي من أبلغ أساليب الحصر ، لسد كل المنافذ أمام المشككين ، بحيث تجاوزصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دلالات الكلام بهذا العمل ليكون أوقع وآكد في الدلالة .

٣ ـ أجمعت المذاهب الإسلامية على كيفية الواقعة ، وكيف أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الكساء ولفّ به الحسنين وأباهما وأُمّهما ، ثم غشّاهم ونفسه بذلك تمييزاً لهم عن سائر الأبناء والأنفس والنساء ، وقد صرّحصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تصريحاً لا يبقى فيه مجال للشك والريب حين قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( نزلت الآية في خمسة : فيّ وفي علي وحسن وحسين وفاطمة ) .

٤ ـ تأكيداً وإمعاناً في حصر نزول آية التطهير في عليّ وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يأتي في كل يوم وفي كل وقت صلاة ولمدّة سبعة أو ثمانية أو تسعة أشهر حسب اختلاف الروايات إلى بابفاطمة عليها‌السلام ويتلو الآية ( إِنّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهّرَكُمْ تَطْهِيراً ) وهذا الأسلوب يعتبر خطّة إعلامية متقنة ، لتأكيد اختصاص آية التطهير بأهل البيت عليهم‌السلام .

٩٦

٥ ـ من الشواهد الأخرى في المقام أيضاً أنّ آية التطهير جاءت بصدد إثبات العصمة لأهل البيتعليهم‌السلام الذين قامت الأدلة والبراهين على عصمتهمعليهم‌السلام ، وفي الوقت ذاته لم نجد أحداً سواء من بني هاشم أم من أزواج النبي ممّن ادعى العصمة لنفسه ، وهذا يُشكّل دليلاً قاطعاً على نزول آية التطهير في أهل البيتعليهم‌السلام .

٦ ـ ما جاء في جملة من الروايات التي أمرنا فيها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتمسّك بأهل البيتعليهم‌السلام ، كحديث الثقلين ونحوه ، فلو كان عنوان أهل البيت يشمل بني هاشم وأزواج النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فكيف يجوز التمسّك بهم للنجاة والفوز في الدار الآخرة مع وجود بعض الفاسقين والكافرين من بني هاشم كأبي لهب وأمثاله .

٧ ـ إنّ دليل القائل بشمول آية التطهير لبني هاشم إنّما هو رأي لزيد ابن أرقم وليس رواية يرويها عن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ورأي زيد بن أرقم ليس وحياً لكي يكون دليلاً على المقام .

الفصل الثاني: حديث الخلفاء الاثني عشر في كتب أهل السنّة

مدخل

لقد احتلّت مسألة تولّي الخلافة والقيادة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مجالاً واسعاً وحيّزاً كبيراً في الفكر والواقع الإسلامي ، حيث كشفت سقيفة بني ساعدة عن الطموحات الواسعة لجملة من صحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في تولّي ذلك المنصب ، كما كشفت أيضاً عن طبيعة الصراع الشديد الذي تجاذب أطرافه المجتمعون من الصحابة آنذاك .

وانبثق عن ذلك الاجتماع قيادات لحكومة سياسية مفاجئة ، اعترض عليها زعماء الأنصار وأتباعهم ، كما غاب عنها كبار الصحابة من المهاجرين ، وفي مقدّمتهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

واستطاعت تلك القيادات الحكومية بتدبير مسبق بينها أن تكسب الموقف ، وتخلق رأياً عامّاً لصالحها ، وتجبر الرافضين على السكوت عن إعلان المعارضة لها .

٩٧

وحيث إنّ النظرية السنية آمنت بمبدأ الإهمال ، وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهمل مسألة الخلافة ، ولم يضع مخططاً واضحاً لقيادة الأمة بعد وفاته ، كان من الطبيعي أن تكتسب الخلافة شرعيتها في الذهنية السنيّة ممّا انبثق عن السقيفة من حكومة .

وأمّا النظرية الشيعية في مسألة الخلافة ، فهي قائمة على مبدأ التخطيط الإلهي المسبق لقيادة الأمة بعد وفاة نبيّها ، ورفض فكرة الإهمال في مسألة مصيرية في حياة الأمة ، وهي الخلافة .

وإذا كانت النظرية الشيعية قائمة على فكرة التخطيط المسبق لمسألة*

وفي مقام الجواب عن هذا التساؤل نقول :

إنّ القرآن الكريم والسنّة النبويّة حافلان بالبيانات التفصيليّة لرسم معالم الحكومة والخلافة الإلهية بعد النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا نريد الخوض في كل ما ورد في هذا المجال ؛ لأنّ هذا يجرّنا إلى مبحث الإمامة ، ولكن نريد التوقّف قليلاً عند أحد جوانب السنّة النبوية المباركة ، وهو ما تضمّنته من تأكيد على فكرة الاثني عشر خليفة الذين يقومون بالأمر بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتكون عزّة الإسلام باتّباعهم والتمسّك بهم .

وسنحاول في هذا الفصل استعراض أهم الروايات الشريفة التي تضمّنت مبدأ خلافة الاثني عشر خليفة من المصادر السنّية المعتبرة ، والوقوف على أهم التفسيرات والتوجيهات التي أبداها أعلام أهل السنّة حول تلك الأحاديث مع تقييم تلك التفسيرات .

ومن ثمّ ننتقل إلى بيان التفسير الواقعي لتلك الأحاديث ، مدعوماً بالشواهد الواضحة والحقائق الناصعة .

ـــــــــــــ

* الكلام غير متصل مع ما بعده ، ربّما يوجد سقط في طباعة الكتاب [ الشبكة ] .

٩٨

حديث الخلفاء الاثني عشر في كتب أهل السنّة

الشبهة المطروحة حول الحديث

حاول البعض أن يشكّك في فكرة الاثني عشر خليفة قائلاً : إنّ فكرة الاثني عشر التي يدّعيها الشيعة الإمامية ، فكرة يهودية تعود إلى زعيم يهودي قديم ورد في كتاب دانيال ، وأنّ دعوى وجودها في صحيح البخاري ، كذب !! .

وإنّ حديث الخلفاء الاثني عشر الموجود في صحيح مسلم يتكلّم عن أنّ الإسلام يبقي عزيزاً منيعاً في عهدهم ، وأنّ هولاء الأئمّة تجتمع عليهم الأمّة ، كما في سنن أبي داود ، وكل هذه الصفات لا تنطبق على أئمّة الشيعة !!(١) .

وفي مقام الجواب عن هذه الشبهة نقول :

إنّ البعض قد يتنكّر لمبادئه التي أسّسها ، وصحّحها ، واعتمد عليها إذا وجدها تصبّ في مصلحة مَن يخالفه الرأي .

وهذا ما نلمسه عند صاحب الشبهة ، حيث أنكر حديث الاثني عشر خليفة الذي تثبته الصحاح المعتبرة ، التي اعتمد عليها وجعلها أصحّ الكتب بعد القرآن الكريم ؛ وذلك عندما وجده يسجّل رقماً إيجابياً في إثبات حقّانية المذهب الشيعي .

ولا يخفى على القارئ ما في تكذيبه للحديث من إنكار لحقيقة مهمّة يسيراً للكتب الحديثية المعتبرة عند أهل السنّة ، لوجدناها مشحونة بالروايات الصحيحة والصريحة التي نصّت على الاثني عشر خليفة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بمواصفاتهم وخصوصيّاتهم .

ـــــــــــــ

(١) مقتبس من كلام عثمان الخميس على قناة المستقلّة .

٩٩

حديث الاثني عشر في كتب أهل السنّة :

وإليك جملة من المصادر التي نقلت هذه الحقيقة ، المتسالم عليها عند أعلام السنّة :

١ ـ أخرج البخاري وأحمد والبيهقي وغيرهم بسندهم ، عن جابر بن سمرة ، قال : (سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :يكون اثنا عشر أميراً ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : إنّه قال :كلّهم من قريش ) (١) .

قال البغوي : هذا حديث متّفق على صحّته(٢) .

٢ ـ وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة ، قال : ( دخلت مع أبي على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول :إنّ هذا الأمر لا ينقضي حتى يمضي فيهم اثنا عشر خليفة ، قال : ثم تكلّم بكلام خفي عليّ ، قال : فقلت لأبي ، ما قال ؟ قال :كلّهم من قريش )(٣) .

٣ ـ وأخرج مسلم أيضاً ، وأحمد ـ واللفظ للأول ـ عن جابر بن سمرة ، قال : ( سمعت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول :لا يزال أمر الناس ماضياً ما وليهم اثنا عشر رجلاً ، ثم تكلّم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بكلمة خفيت عليّ ، فسألت أبي : ماذا قال رسول

ـــــــــــــ

(١) صحيح البخاري ، كتاب الأحكام : باب ٥١ ، ج ٤ ص ٣٧٥ ح ٧٢٢٢ ـ ٧٢٢٣ ؛ مسند أحمد ، ابن حنبل : ج ٥ ص ٨٧ ص ٩٠ ص ٩٦ ؛ دلائل النبوّة ، البيهقي : ج ٦ ص ٥١٩ .

(٢) شرح السنّة ، البغوي : ج ٧ ص ٤٢٢ ح ٤١٣٢ .

(٣) صحيح مسلم ، النيسابوري : ج ٣ ص ١٤٥٢ ؛ كتاب الإمارة ، باب الناس تبع لقريش والخلافة في قريش ؛ وقد نقل مسلم هذا الحديث بتسعة طرق .

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

محمّد البدر، آخر أئمة الزيديّة، فليرجع إلى كتابنا (بحوث في الملل والنحل). (1)

فكما قامت للزيديّة دولة في المغرب واليمن، فهكذا قامت دولة زيديّة في طبرستان بين الأعوام (250 - 360هـ)؛ حيث ظهر الحسن بن زيد بن محمّد بن إسماعيل بن زيد بن الحسين في طبرستان أيّام المستعين الله، وتمكّن من بسط نفوذه على طبرستان وجُرجان، وقام بعده أخوه محمّد بن زيد، ودخل بلاد الديلم عام 277هـ، ثُمَّ ملك طبرستان بعد ذلك الناصر للحق الحسن بن عليّ المعروف بالأطروش، وجاء بعده الحسن بن القاسم، وبعده محمّد بن الحسن بن القاسم المتوفّى 360هـ.

هذه إلمامة موجزة وضعتها أمام القارئ عن ثوّارهم ودولهم.

عقائد الزيديّة

لم يكن زيد الشهيد صاحب نهج كلامي ولا فقهي، فلو كان يقول بالعدل والتوحيد ويكافح الجبر والتشبيه، فلأجل أنّه ورثهما عن آبائه (عليهم السّلام)، وإن كان يفتي في مورد أو موارد، فهو يصدر عن الحديث الّذي يرويه عن آبائه.

نعم، جاء بعد زيد مفكّرون وعاة، وهم بين دعاة للمذهب، أو بناة للدولة في اليمن وطبرستان، فساهموا في إرساء مذهب باسم المذهب الزيدي، متفتّحين في الأُصول والعقائد مع المعتزلة، وفي الفقه وكيفيّة الاستنباط مع الحنفيّة، ولكن الصلة بين ما كان عليه زيد الشهيد في الأُصول والفروع وما أرساه

____________________

(1) بحوث في الملل والنحل: 7/371 - 386.

٢٤١

هؤلاء في مجالي العقيدة والشريعة منقطعة إلاّ في القليل منهما.

ولا أُغالي إذا قلت: إنّ المذهب الزيدي مذهب ممزوج ومنتزع من مذاهب مختلفة في مجالي العقيدة والشريعة، ساقتهم إلى ذلك الظروف السائدة عليهم، وصار مطبوعاً بطابع مذهب زيد، وإن لم يكن له صلة بزيد إلاّ في القسم القليل.

ومن ثَمَّ التقت الزيديّة في العدل والتوحيد مع شيعة أهل البيت جميعاً، إذ شعارهم في جميع الظروف والأدوار رفض الجبر والتشبيه، والجميع في التديّن بذينك الأصلين عيال على الإمام عليّ بن أبي طالب (عليه السّلام)، كما أنّهم التقوا في الأُصول الثلاثة: ـ

1 - الوعد والوعيد.

2 - المنزلة بين المنزلتين.

3 - الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. - مع المعتزلة حيث أدخلوا هذه الأُصول في مذهبهم ورتّبوا عليه:

1 - خلود مرتكب الكبيرة في النار إذا مات بلا توبة، وحرمانه من الشفاعة؛ لأنّها للعدول دون الفسّاق.

2 - الشفاعة؛ بمعنى ترفيع الدرجة، لا الحطّ من الذنوب.

3 - الفاسق في منزلة بين المنزلتين؛ فهو عندهم لا مؤمن ولا كافر بل فاسق.

فاستنتجوا الأمرين الأوّلين من الأصل الأوّل، والثالث من الأصل الثاني.

٢٤٢

وأمّا الأصل الثالث، فهو ليس من خصائص الاعتزال، ولا الزيديّة، بل يشاركهم الإماميّة. هذه عقائدهم في الأُصول.

وأمّا الفروع فقد التفّت الزيديّة حول القياس والاستحسان والإجماع، وجعلوا الثالث بما هو هو حجّة، كما قالوا بحجيّة قول الصحابي وفعله، وبذلك صاروا أكثر فِرق الشيعة انفتاحاً على أهل السنّة.

ولكن العلامة الفارقة والنقطة الشاخصة الّتي تميّز هذا المذاهب عمّا سواه من المذاهب، ويسوقهم إلى الانفتاح على الإماميّة والإسماعيليّة، هو القول بإمامة عليّ والحسنين بالنصّ الجليّ أو الخفيّ عن النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، والقول بأنّ تقدّم غيرهم عليهم كان خطأ وباطلاً.

وها نحن نأتي برؤوس عقائدهم الّتي يلتقون في بعضها مع المعتزلة والإماميّة:

1 - صفاته سبحانه عين ذاته، خلافاً للأشاعرة.

2 - إنّ الله سبحانه لا يُرى ولا تجوز عليه الرؤية.

3 - العقل يدرك حسن الأشياء وقبحها.

4 - الله سبحانه مريد بإرادة حادثة.

5 - إنّه سبحانه متكلّم بكلام، وكلامه سبحانه فعله: وهو الحروف والأصوات.

6 - أفعال العباد ليست مخلوقة لله سبحانه.

7 - تكليف ما يطاق قبيح، خلافاً للمجبّرة والأشاعرة.

8 - المعاصي ليس بقضاء الله.

٢٤٣

9 - الإمامة تجب شرعاً لا عقلاً، خلافاً للإمامية.

10 - النصّ على إمامة زيد والحسنين عند الأكثريّة.

11 - القضاء في فدك صحيح، خلافاً للإماميّة.

12 - خطأ المتقدّمين على عليّ في الخلافة قطعيّ.

13 - خطأ طلحة والزبير وعائشة قطعيّ.

14 - توبة الناكثين صحيحة.

15 - معاوية بن أبي سفيان فاسق لبغيه لم تثبت توبته.

هذه رؤوس عقائد الزيديّة استخرجناها من كتاب (القلائد في تصحيح الاعتقاد)، المطبوع في مقدّمة البحر الزخّار. (1)

فرق الزيديّة:

قد ذكر مؤرّخو العقائد للزيديّة فِرقاً، بين مقتصر على الثلاث، وإلى مفيض إلى ست، وإلى ثمان، منهم: الجاروديّة والسليمانيّة والبتريّة والنعيميّة، إلى غير ذلك من الفِرق، وبما أنّ هذه الفِرق كلّها قد بادت وذهبت أدراج الريح، مع بقاء الزيديّة في اليمن، ولا يوجد اليوم في اليمن بين الزيديّة من المفاهيم الكلاميّة المنسوبة إلى الفِرق كالجاروديّة أو السليمانيّة أو البتريّة أو الصالحيّة إلاّ مفهوم واحد، وهو المفهوم العام الّذي تعرفت عليه، وهو القول بإمامة زيد والخروج

____________________

(1) البحر الزخّار: 52 - 96.

٢٤٤

على الظلمة، واستحقاق الإمامة بالطلب والفضل، لا بالوراثة، مع القول بتفضيل عليّ - كرم الله وجهه - وأولويتّه بالإمامة، وقصرها من بعده في البطنين الحسن والحسين.

وأمّا أسماء تلك الفِرق والعقائد المنسوب إليهم، فلا توجد اليوم إلاّ في بطون الكتب والمؤلَّفات في الفِرق الإسلاميّة كالمِلل والنحل ونحوها، فإذا كان الحال في اليمن كما ذكره الفضيل شرف الدين، فالبحث عن هذه الفِرق من ناحية إيجابيّاتها وسلبيّاتها ليس مهمّاً بعد ما أبادهم الدهر، وإنّما اللاّزم دراسة المفهوم الجامع بين فِرقهم.

٢٤٥

15

الإسماعيليّة

الإسماعيليّة فِرقة من الشيعة القائلة بأنّ الإمامة بالتنصيص من النبيّ أو الإمام القائم مقامه، غير أنّ هناك خلافاً بين الزيديّة والإماميّة والإسماعيليّة في عدد الأئمّة ومفهوم التنصيص.

فالأئمّة المنصوصة خلافتهم وإمامتهم بعد النبيّ عند الزيديّة لا يتجاوز عن الثلاثة: عليّ أمير المؤمنين (عليه السّلام)، والسبطين الكريمين: الحسن والحسين (عليهما السّلام)، وبشهادة الأخير أغلقت دائرة التنصيص وجاءت مرحلة الانتخاب بالبيعة كما تقدم.

وأمّا الأئمّة المنصوصون عند الإماميّة فاثنا عشر إماماً آخرهم غائبهم يظهره الله سبحانه عندما يشاء، وقد حوّل أمر الأُمّة - في زمان غيبته - إلى الفقيه العارف بالأحكام والسنن والواقف على مصالح المسلمين على النحو المقرّر في كتبهم وتآليفهم.

وأمّا الإمامة عند الإسماعيليّة فهي تنتقل عندهم من الآباء إلى الأبناء، ويكون انتقالها عن طريق الميلاد الطبيعي، فيكون ذلك بمثابة نصّ من الأب بتعيين الابن، وإذا كان للأب عدّة أبناء فهو بما أُوتي من معرفة خارقة للعادة يستطيع أن يعرف من هو الإمام الّذي وقع عليه النص، فالقول بأنّ الإمامة عندهم بالوراثة أولى من القول بالتنصيص.

٢٤٦

وعلى كلّ حال فهذه الفِرقة منشقّة عن الشيعة، معتقدة بإمامة إسماعيل بن جعفر بن الإمام الصادق (عليه السّلام)، وإليك نبذة مختصرة عن سيرة إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السّلام) (110 - 145هـ).

الإمام الأوّل للدعوة الإسماعيليّة:

إنّ إسماعيل هو الإمام الأوّل والمؤسّس للمذهب، فوالده الإمام الصادق (عليه السّلام) غنيّ عن التعريف وفضله أشهر من أن يُذكر، وأُمّه فاطمة بنت الحسين بن عليّ بن الحسين الّتي أنجبت أولاداً ثلاثة هم:

1 - إسماعيل بن جعفر.

2 - عبد الله بن جعفر.

3 - أُم فروة.

وكان إسماعيل أكبرهم، وكان أبو عبد الله (عليه السّلام) شديد المحبّة له والبرَّ به والإشفاق عليه، مات في حياة أبيه (عليه السلام) (بالعريض) وحمل على رقاب الرّجال إلى أبيه بالمدينة حتّى دفنه بالبقيع. (1)

استشهاد الإمام الصادق (عليه السّلام) على موته:

كان الإمام الصادق حريصاً على إفهام الشيعة بأنّ الإمامة لم تُكتب لإسماعيل، فليس هو من خلفاء الرسول الاثني عشر الّذين كُتبت لهم الخلافة والإمامة بأمر السماء وإبلاغ الرسول الأعظم.

____________________

(1) إرشاد المفيد: 284.

٢٤٧

ومن الدواعي الّتي ساعدت على بثّ بذر الشبهة والشكّ في نفوس الشيعة في ذلك اليوم؛ هو ما اشتهر من أنّ الإمامة للولد الأكبر، وكان إسماعيل أكبر أولاده، فكانت أماني الشيعة معقودة عليه، ولأجل ذلك تركّزت جهود الإمام الصادق (عليه السّلام) على معالجة الوضع واجتثاث جذور تلك الشبهة وأنّ الإمامة لغيره، فتراه تارة ينصّ على ذلك، بقوله وكلامه، وأُخرى بالاستشهاد على موت إسماعيل وأنّه قد انتقل إلى رحمة الله ولن يصلح للقيادة والإمامة.

وإليك نموذجاً يؤيّد النهج الّذي انتهجه الإمام لتحقيق غرضه في إزالة تلك الشبهة.

روى النعماني عن زرارة بن أعين، أنّه قال: دخلت على أبي عبد الله (عليه السّلام) وعند يمينه سيّد ولده موسى (عليه السّلام) وقدّامه مرقد مغطّى، فقال لي: «يا زرارة جئني بداود بن كثير الرقي وحمران وأبي بصير» ودخل عليه المفضّل بن عمر، فخرجت فأحضرت من أمرني بإحضاره، ولم يزل الناس يدخلون واحداً إثر واحد حتّى صرنا في البيت ثلاثين رجلا.

فلمّا حشد المجلس قال: «يا داود اكشف لي عن وجه إسماعيل»، فكشف عن وجهه، فقال أبو عبد الله (عليه السلام): «يا داود أحيٌّ هو أم ميّت؟» ، قال داود: يا مولاي هو ميّت، فجعل يعرض ذلك على رجل رجل، حتّى أتى على آخر من في المجلس، وانتهى عليهم بأسرهم، وكل يقول: هو ميّت يا مولاي، فقال: «اللّهم اشهد» ثُمَّ أمر بغسله وحنوطه، وإدراجه في أثوابه.

فلمّا فرغ منه قال للمفضّل: (يا مفضّل أحسر عن وجهه)، فحسر عن وجهه، فقال: «أحيُّ هو أم ميّت؟» فقال له: ميّت، قال(عليه السّلام): «اللّهم اشهد عليهم» ، ثُمَّ

٢٤٨

حمل إلى قبره، فلمّا وضع في لحده، قال: «يا مفضّل اكشف عن وجهه»، وقال للجماعة: (أحيّ هو أم ميّت؟)، قلنا له: ميّت، فقال: «اللّهم اشهد، واشهدوا فانّه سيرتاب المبطلون، يريدون إطفاء نور الله بأفواههم - ثُمَّ أومأ إلى موسى - والله متمّ نوره ولو كره المشركون»، ثُمَّ حثونا عليه التراب، ثُمَّ أعاد علينا القول، فقال: «الميّت، المحنّط، المكفّن المدفون في هذا اللحد من هو؟» قلنا: إسماعيل، قال: «اللّهم اشهد». ثُمَّ أخذ بيد موسى (عليه السّلام) وقال: «هو حقّ، والحقّ منه، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها». (1)

هل كان عمل الإمام تغطية لستره؟

إنّ الإسماعيليّة تدّعي أنّ ما قام به الإمام الصادق (عليه السّلام) كان تغطية؛ لستره عن أعين العباسيّين، الّذين كانوا يطاردونه بسبب نشاطه المتزايد في نشر التعاليم الّتي اعتبرتها الدولة العباسيّة منافية لقوانينها. والمعروف أنّه توجّه إلى سلمية ومنها إلى دمشق فعلم به عامل الخليفة، وهذا ما جعله يغادرها إلى البصرة ليعيش فيها متستّراً بقيّة حياته.

مات في البصرة سنة 143هـ، وكان أخوه موسى بن جعفر الكاظم حجاباً عليه، أمّا وليّ عهده محمّد فكان له من العمر أربع عشرة سنة عند موته. (2)

ما ذكره أُسطورة حاكتها يدُ الخيال، ولم يكن الإمام الصادق (عليه السّلام) ولا أصحابه الأجلاّء، ممّن تتلمذوا في مدرسة الحركات السريّة، حتّى يفتعل موت ابنه بمرأى ومسمع من الناس وهو بعد حيّ يرزق، ولم يكن عامل الخليفة

____________________

(1) غيبة النعماني: 327، الحديث 8، ولاحظ؛ بحار الأنوار: 48/21.

(2) عارف تامر: الإمامة في الإسلام: 180.

٢٤٩

بالمدينة المنوّرة بليداً، يكتفي بالتمويه، حتّى يتسلّم المحضر ويبعث به إلى دار الخلافة العبّاسيّة.

والظاهر أنّ إصرارهم بعدم موت إسماعيل في حياة أبيه جعفر الصادق (عليه السّلام)، لأجل تصحيح إمامة ابنه عبد الله بن إسماعيل؛ حتّى يتسنّى له أخذ الإمامة من أبيه الحيّ بعد حياة الإمام الصادق (عليه السّلام).

لكن الحقّ أنّه توفّي أيّام حياة أبيه، بشهادة الأخبار المتضافرة الّتي تعرّفت عليها، وهل يمكن إغفال أُمّة كبيرة وفيهم جواسيس الخليفة وعمّالها؟!، وستْر رحيل إسماعيل إلى البصرة بتمثيل جنازة بطريقة مسرحيّة يُعلن بها موته، فإنّه منهج وأُسلوب السياسيّين المخادعين، المعروفين بالتخطيط والمؤامرة، ومن يريد تفسير فعل الإمام عن هذا الطريق فهو من هؤلاء الجماعة (وكلّ إناء بالّذي فيه ينضح). وأين هذا من وضع الجنازة مرّات وكشف وجهه والاستشهاد على موته وكتابة الشهادة على كفنه؟!

والتاريخ يشهد على أنّه لم يكن لإسماعيل ولا لولَده الإمام الثاني، أيّة دعوة في زمان أبي جعفر المنصور ولا ولَده المهدي العبّاسي، بشهادة أنّ ابن المفضّل كتب كتاباً ذكر فيه صنوف الفِرق، ثُمَّ قرأ الكتاب على الناس، فلم يذكر فيه شيئاً من تلك الفِرقة مع أنّه ذكر سائر الفِرق الشيعيّة البائدة.

والحق إنّ إسماعيل كان رجلاً ثقة، محبوباً للوالد، وتوفّي في حياة والده وهو عنه راض، ولم تكن له أي دعوة للإمامة، ولم تظهر أي دعوة باسمه أيّام خلافة المهدي العبّاسي الّذي توفّي عام 169هـ، وقد مضى على وفاة الإمام الصادق (عليه السّلام) إحدى وعشرون سنة.

٢٥٠

الخطوط العريضة للمذهب الإسماعيلي

إنّ للمذهب الإسماعيلي آراء وعقائداً:

الأُولى: انتماؤهم إلى بيت الوحي والرسالة:

كانت الدعوة الإسماعيليّة يوم نشوئها دعوة بسيطة لا تتبنّى سوى: إمامة المسلمين، وخلافة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) واستلام الحكم من العباسيّين بحجة ظلمهم وتعسّفهم، غير أنّ دعوة بهذه السذاجة لا يُكتب لها البقاء إلاّ باستخدام عوامل تضمن لها البقاء، وتستقطب أهواء الناس وميولهم.

ومن تلك العوامل الّتي لها رصيد شعبي كبير هو ادّعاء انتماء أئمّتهم إلى بيت الوحي والرسالة وكونهم من ذريّة الرسول وأبناء بنته الطاهرة فاطمة الزهراء (عليها السّلام)، وكان المسلمون منذ عهد الرسول يتعاطفون مع أهل بيت النبيّ، وقد كانت محبّتهم وموالاتهم شعار كلّ مسلم واع.

وممّا يشير إلى ذلك أنّ الثورات الّتي نشبت ضد الأُمويّين كانت تحمل شعار حبّ أهل البيت (عليهم السّلام) والاقتداء بهم والتفاني دونهم، ومن هذا المنطلق صارت الإسماعيليّة تفتخر بانتماء أئمّتهم إلى النبيّ (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، حتّى إذا تسلّموا مقاليد الحكم وقامت دولتهم اشتهروا بالفاطميّين، وكانت التسمية يومذاك تهزّ المشاعر وتجذب العواطف بحجّة أنّ الأبناء يرثون ما للآباء من الفضائل والمآثر، وأنّ

٢٥١

تكريم ذريّة الرسول (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم) تكريم له (صلَّى الله عليه وآله وسلَّم)، فشتّان ما بين بيت أُسّس بنيانه على تقوى من الله ورضوانه وبيت أُسّس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم.

الثانية: تأويل الظواهر:

إنّ تأويل الظواهر وإرجاعها إلى خلاف ما يتبادر منها في عرف المتشرّعة هي السمة البارزة الثانية للدعوة الإسماعيليّة، وهي إحدى الدعائم الأساسيّة؛ بحيث لو انسلخت الدعوة عن التأويل واكتفت بالظواهر لم تتميّز عن سائر الفِرق الشيعيّة إلاّ بصرف الإمامة عن الإمام الكاظم (عليه السّلام) إلى أخيه إسماعيل بن جعفر، وقد بنوا على هذه الدعامة مذهبهم في مجالي العقيدة والشريعة، وخصوصاً فيما يرجع إلى تفسير الإمامة وتصنيفها إلى أصناف.

إنّ تأويل الظواهر والتلاعب بآيات الذكر الحكيم وتفسيرها بالأهواء والميول جعل المذهب الإسماعيلي يتطوّر مع تطوّر الزمان، ويتكيّف بمكيّفاته، ولا ترى الدعوة أمامها أي مانع من مماشاة المستجدات وإن كانت على خلاف الشارع أو الضرورة الدينيّة.

الثالثة: تطعيم مذهبهم بالمسائل الفلسفيّة:

إنّ ظاهرة الجمود على النصوص والظواهر ورفض العقل في مجالات العقائد، كانت من أهم ميّزات العصر العبّاسي، هذه الظاهرة ولّدت رد فعل عند أئمّة الإسماعيليّة، فانجرفوا في تيّارات المسائل الفلسفيّة وجعلوها من صميم

٢٥٢

الدّين وجذوره، وانقلب المذهب إلى منهج فلسفي يتطوّر مع تطوّر الزمن، ويتبنّى أُصولاً لا تجد منها في الشريعة الإسلاميّة عيناً ولا أثراً.

يقول المؤرّخ الإسماعيلي المعاصر مصطفى غالب: إنّ كلمة (إسماعيليّة) كانت في بادئ الأمر تدلّ على أنّها من إحدى الفِرق الشيعيّة المعتدلة، لكنّها صارت مع تطوّر الزمن حركة عقليّة تدلّ على أصحاب مذاهب دينيّة مختلفة، وأحزاب سياسيّة واجتماعيّة متعدّدة، وآراء فلسفيّة وعلميّة متنوّعة. (1)

الرابعة: تنظيم الدعوة:

ظهرت الدعوة الإسماعيليّة في ظروف ساد فيها سلطان العبّاسيّين شرق الأرض وغربها، ونشروا في كلِّ بقعة جواسيس وعيوناً ينقلون الأخبار إلى مركز الخلافة الإسلاميّة، ففي مثل هذه الظروف العصيبة لا يُكتب النجاح لكلّ دعوة تقوم ضدّ السلطة إلاّ إذا امتلكت تنظيماً وتخطيطاً متقناً يضمن استمرارها، ويصون دعاتها وأتباعها من حبائل النظام الحاكم وكشف أسرارهم.

وقد وقف الدعاة على خطورة الموقف، وأحسّوا بلزوم إتقان التخطيط والتنظيم، وبلغوا فيه الذروة؛ بحيث لو قُورنت مع أحدث التنظيمات الحزبيّة العصريّة، لفاقتها وكانت لهم القدح المعلّى في هذا المضمار، وقد ابتكروا أساليب دقيقة يقف عليها من سبر تراجمهم وقرأ تاريخهم، ولم يكتفوا بذلك فحسب بل جعلوا تنظيمات الدعوة من صميم العقيدة وفلسفتها.

____________________

(1) تاريخ الدعوة الإسماعيليّة: 14.

٢٥٣

الخامسة: تربية الفدائيّين للدفاع عن المذهب:

إنّ الأقلّية المعارضة من أجل الحفاظ على كيانها لا مناص لها من تربية فدائيّين مضحّين بأنفسهم في سبيل الدعوة؛ لصيانة أئمتهم ودعاتهم من تعرّض الأعداء، فينتقون من العناصر المخلصة المعروفة بالتضحية والإقدام، والشجاعة النادرة، والجرأة الخارقة ويكلّفون بالتضحيات الجسديّة، وتنفيذ أوامر الإمام أو نائبه، وإليك هذا النموذج:

في سنة 500 هـ فكّر فخر الملك بن نظام وزير السلطان سنجر، أن يُهاجم قلاع الإسماعيليّة، فأوفد إليه الحسن بن الصباح أحد فدائيّيه فقتله بطعنة خنجر، ولقد كانت قلاعه في حصار مستمر من قبل السلجوقيّين.

السادسة: كتمان الوثائق:

إنّ استعراض تاريخ الدعوات الباطنيّة السرّيّة وتنظيماتها رهن الوقوف على وثائقها ومصادرها الّتي تنير الدرب لاستجلاء كنهها، وكشف حقيقتها وما غمض من رموزها ومصطلحاتها، ولكن للأسف الشديد أنّ الإسماعيليّة كتموا وثائقهم وكتاباتهم ومؤلّفاتهم وكلّ شيء يعود لهم، ولم يبذلوها لأحد سواهم، فصار البحث عن الإسماعيليّة بطوائفها أمراً مستعصياً، إلاّ أن يستند الباحث إلى كتب خصومهم وما قيل فيهم، ومن المعلوم أنّ القضاء في حقّ طائفة استناداً إلى كلمات مخالفيهم خارج عن أدب البحث النزيه.

٢٥٤

السابعة: الأئمّة المستورون والظاهرون:

إنّ الإسماعيليّة أعطت للإمامة مركزاً شامخاً، وصنّفوا الإمامة إلى رُتب ودرجات، وزوّدوها بصلاحيّات واختصاصات واسعة، غير أنّ المهمَّ هنا الإشارة إلى تصنيفهم الإمام إلى مستور دخل كهف الاستتار، وظاهر يملك جاهاً وسلطاناً في المجتمع، فالأئمّة المستورون هم الّذين نشروا الدعوة سرّاً وكتماناً، وهم:

1 - إسماعيل بن جعفر الصادق (عليه السّلام) (110 - 145هـ).

2 - محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (الحبيب) (132 - 193هـ)، ولد في المدينة المنوّرة وتسلّم شؤون الإمامة واستتر عن الأنظار خشية وقوعه بيد الأعداء. ولقّب بالإمام المكتوم لأنّه لم يعلن دعوته وأخذ في بسطها خفية.

3 - عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (الوافي) (179 - 212هـ)، ولد في مدينة محمّد آباد، وتولّى الإمامة عام 193هـ بعد وفاة أبيه، وسكن السلمية عام 194هـ مصطَحباً بعدد من أتباعه؛ وهو الّذي نظّم الدعوة تنظيماً دقيقاً.

4 - أحمد بن عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (التقي) (198 - 265هـ)، وتولّى الإمامة عام 212هـ، سكن السلمية سرّاً حيث أصبحت مركزاً لنشر الدعوة.

5 - الحسين بن أحمد بن عبد الله بن محمّد بن إسماعيل الملقّب بـ (الرضي) (212 - 289هـ) تولّى الإمامة عام 265هـ، ويقال أنّه اتّخذ عبد الله بن ميمون القدّاح حجّة له وحجاباً عليه.

٢٥٥

الأئمّة الظاهرون:

6 - عبيد الله المهدي (260 - 322هـ) والمعروف بين الإسماعيليّة أنّ عبيد الله المهدي الّذي هاجر إلى المغرب وأسّس هناك الدولة الفاطميّة كان ابتداءً لعهد الأئمّة الظاهرين الّذين جهروا بالدعوة وأخرجوها عن الاستتار.

7 - محمّد بن عبيد الله القائم بأمر الله (280 - 334هـ)، ولد بالسلمية، ارتحل مع أبيه عبيد الله المهدي إلى المغرب وعهد إليه بالإمامة من بعده.

8 - إسماعيل المنصور بالله (303 - 346هـ)، ولد بالقيروان، تسلّم شؤون الإمامة بعد وفاة أبيه سنة 334هـ.

9 - معد بن إسماعيل المعزّ لدين الله (319 - 365هـ)، مؤسس الدولة الفاطميّة في مصر.

10 - نزار بن معد العزيز بالله (344 - 386هـ)، ولي العهد بمصر سنة 365هـ، واستقلّ بالأمر بعد وفاة أبيه، وكانت خلافته إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ونصفاً.

11 - منصور بن نزار الحاكم بأمر الله (375 - 411هـ)، بويع بالخلافة سنة 386هـ وكان عمره أحد عشر عاماً ونصف العام، وهو من الشخصيّات القليلة الّتي لم تتجلّ شخصيّته بوضوح، وقام بأعمال إصلاحيّة زعم مناوئوه أنّها من البدع.

وأمّا عن مصير الحاكم، فمجمل القول فيه أنّه فُقد في سنة 411هـ، ولم يُعلم مصيره، وحامت حول كيفيّة اغتياله أساطير لا تتلاءم مع الحاكم المقتدر.

٢٥٦

وبعد اختفائه انشقّت فِرقة من الإسماعيليّة ذهبت إلى إلوهيّة الحاكم وغيبته، وهم المعروفون اليوم بـ (الدروز) يقطنون لبنان.

12 - عليّ بن منصور الظاهر لإعزاز دين الله (395 - 427هـ)، بويع بالخلافة وعمره ستة عشر عاماً، وشنّ حرباً على الدروز محاولاً إرجاعهم إلى العقيدة الفاطميّة الأصيلة.

13 - معد بن عليّ المستنصر بالله (420 - 487هـ)، بويع بالخلافة عام 427هـ، وكان له من العمر سبعة أعوام، وقد ظلّ في الحكم ستّين عاماً، وهي أطول مدّة في تاريخ الخلافة الإسلاميّة.

إلى هنا تمّت ترجمة الأئمّة الثلاثة عشر الّذين اتّفقت كلمة الإسماعيليّة على إمامتهم وخلافتهم، ولم يشذّ منهم سوى الدروز الّذين انشقوا عن الإسماعيليّة في عهد خلافة الحاكم بأمر الله، وصار وفاة المستنصر بالله سبباً لانشقاق آخر وظهور طائفتين من الإسماعيليّة، بين مستعلية تقول بإمامة أحمد المستعلي بن المستنصر بالله، ونزاريّة تقول بإمامة نزار بن المستنصر.

وسنأتي بالحديث عن الإسماعيليّة المستعلية والنزاريّة فيما يلي.

٢٥٧

الإسماعيليّة المستعلية

صارت وفاة المستنصر بالله سبباً لانشقاق الإسماعيليّة مرّة ثانية - بعد انشقاق الدروز في المرّة الأُولى - فمنهم من ذهب إلى إمامة أحمد المستعلي بن المستنصر بالله، ومنهم من ذهب إلى إمامة نزار من المستنصر بالله، وإليك الكلام في أئمّة المستعلية في هذا الفصل مقتصرين على أسمائهم وتاريخ ولادتهم ووفاتهم:

1 - الإمام أحمد بن معد بن عليّ المستعلي بالله (467 - 495هـ).

2 - الإمام منصور بن أحمد الآمر بأحكام الله (490 - 524هـ).

قال ابن خلّكان: مات الآمر بأحكام الله ولم يعقب، وربّما يقال: أنّ الآمر مات وامرأته حامل بالطيّب. فلأجل ذلك عهد الآمر بأحكام الله الخلافة إلى الحافظ، الظافر، الفائز، ثُمَّ إلى العاضد، وبما أنّ هؤلاء لم يكونوا من صلب الإمام السابق، بل كانوا من أبناء عمّه صاروا دعاة؛ حيث لم يكن في الساحة إمام، ودخلت الدعوة المستعلية بعد اختفاء الطيّب بالستر، وما تزال تنتظر عودته، وتوقّفت عن السير وراء الركب الإمامي واتّبعت نظام الدعاة المطلقين.

3 - الداعي عبد المجيد بن أبي القاسم محمّد بن المستنصر الحافظ لدين الله (467 - 544هـ).

4 - الداعي إسماعيل بن عبد المجيد الظافر بأمر الله (527 - 549 هـ).

٢٥٨

5 - الداعي عيسى بن إسماعيل الفائز بنصر الله (544 - 555هـ).

6 - عبد الله بن يوسف العاضد لدين الله (546 - 567هـ).

ثُمَّ إنّ العاضد فوّض الوزارة إلى صلاح الدين الأيّوبي الّذي بذل الأموال على أصحابه وأضعف العاضد باستنفاد ما عنده من المال، فلم يزل أمره في ازدياد وأمر العاضد في نقصان، حتّى تلاشى العاضد وانحلّ أمره، ولم يبق له سوى إقامة ذكره في الخطبة، وتتبّع صلاح الدين جُند العاضد، وأخذ دور الأمراء وإقطاعاتهم فوهبها لأصحابه، وبعث إلى أبيه وإخوته وأهله، فقدموا من الشام عليه، وعزل قُضاة مصر الشيعة، واختفى مذهب الشيعة إلى أنّ نُسي من مصر، وقد زادت المضايقات على العاضد وأهل بيته، حتّى مرض ومات وعمره إحدى وعشرون سنة إلاّ عشرة أيام، وهو آخر الخلفاء الفاطميّين بمصر، وكانت مدّتهم بالمغرب ومصر منذ قام عبيد الله المهدي إلى أن مات العاضد 272 سنة، منها بالقاهرة 208 سنين.(1)

تتابع الدعاة عند المستعلية:

قد عرفت أنّ ركب الإمامة قد توقّف عند المستعلية وانتهى الأمر إلى الدعاة الّذين تتابعوا إلى زمان 999هـ، وعند ذلك افترقت المستعلية إلى فِرقتين: داوديّة، وسليمانيّة، وذلك بعد وفاة الداعي المطلق داود بن عجب شاه، انتخبت مستعلية كجرات داود بن قطب شاه خلفاً له، ولكن اليمانيّين عارضوا ذلك وانتخبوا داعياً آخر، يُدعى سليمان بن

____________________

(1) انظر الخطط المقريزيّة: 1/358 - 359.

٢٥٩

الحسن، ويقولون: إنّ داود قد أوصى له بموجب وثيقة ما تزال محفوظة.

إنّ الداعي المطلق للفِرقة الإسماعيليّة المستعلية الداوديّة اليوم هو طاهر سيف الدّين، ويُقيم في بومباي الهند، أمّا الداعي المطلق للفِرقة المستعلية السليمانيّة فهو عليّ بن الحسين، ويقيم في مقاطعة نجران بالحجاز. (1)

جناية التاريخ على الفاطميّين:

لاشكّ أنّ كلّ دولة يرأسها غير معصوم لا تخلو من أخطاء وهفوات، وربّما تنتابها بين آونة وأُخرى حوادث وفتن تضعضع كيانها وتشرفها على الانهيار.

والدولة الفاطميّة غير مستثناة عن هذا الخط السائد؛ فقد كانت لديها زلاّت وعثرات، إلاّ أنّها قامت بأعمال ومشاريع كبيرة لا تقوم بها إلاّ الدولة المؤمنة بالله سبحانه وشريعته، كالجامع الأزهر الّذي ظلّ عبر الدهور يُنير الدرب لأكثر من ألف سنة، كما أنّهم أنشأوا جوامع كبيرة ومدارس عظيمة مذكورة في تاريخهم، وبذلك رفعوا الثقافة الإسلاميّة إلى مرتبة عالية، وتلك الأعمال جعلت لهم في قلوب الناس مكانة عالية.

غير أنّا نرى أنّ أكثر المؤرّخين يصوّرها بأنّها من أكثر العصور ظلاماً في التاريخ؛ شأنها في ذلك شأن سائر الفراعنة، وليس هذا إلاّ حدسيّات وتخمينات أخذها أصحاب أقلام السِّير والتاريخ من رُماة القول على عواهنه دون أن يُمعنوا فيه.

____________________

(1) عارف تامر: الإمامة في الإسلام: 162.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361