رسالة المحقق الكركي الجزء ١

رسالة المحقق الكركي16%

رسالة المحقق الكركي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 230

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 230 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44383 / تحميل: 5487
الحجم الحجم الحجم
رسالة المحقق الكركي

رسالة المحقق الكركي الجزء ١

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

وباقي الصلوات المندوبات مذكورة في كتب الاصحاب من أراد فيطلب من هناك.وكل النوافل ركعتان بتشهد وتسليم، الا الوتر فانها ركعة، وصلاة الاعرابي فانها أربع ركعات.وليكن هذا آخر ما أوردناه في هذه الرسالة، والحمد لله الذي وفق لاتمامها وختم الحسنى في افتتاحها واختتامها، وأنا أتضرع اليه بخاصته وخالصته محمد وأطائب عترته، مع ما أنا عليه من الاعتراف بالعجز والتقصير، والافتقار إلى وجوده المطلق في الجليل والحقير، أن يجعل ما بقى من أيام هذه المهلة مقصورا على مافيه رضاه، مصروفا فيما يحبه ويرضاه.وفرغ من تسويدها مؤلفهما العبد المذنب الجاني علي بن عبد العالي، وسط نهار الخميس تقربا إلى الله، عاشر شهر جمادي الاولى سنة سبع عشر وتسعمائة من الهجرة النبوية المصطفوية عليه أفضل الصلاة واكمل التحية بمشهد سيدي ومولاي ثامن الائمة الاطهار أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه وعلى آبائه وأولاده المعصومين أفضل الصلاة والسلام حامدا ومصليا.

٨١

(٣) رسالة صلاة الجمعة

٨٢

٨٣

بعد حمد الله على سوابغ نعمة الغامرة(١) ، والصلاة والسلام على حبيبه محمد وعترته الطاهرة، فقد طال تكرار سؤال المترددين الي عن حال شرعية صلاة الجمعة في هذه الازمان، التي مني أهلها بغيبة الامام عليه صلوات الله الحي القيوم، وانها على تقدير الشرعية ما الذي يعتبر لصحتها واجزائها عن صلاة الظهر، وأظهروا عندي في مرات(٢) كثيرة أن الناس في ذلك كالمتحيرين لا يدرون ما يصنعون، ولا يعلمون أي طريق يسلكون.فلما رأيت أن الامر قد تفاقم، والخلف والخلاف قد تراكم سألت الله الخيرة في املاء جملة من القول لتحقيق الحق في هذه المسالة، على وجه أرجو من التوفيقات الالهية أن ينكشف بها القناع ويزول بها اللبس، متضرعا اليه سبحانه أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وموجبة لثوابه الجسيم، وحين أجلت الرؤية في ما لابد منه لايضاح لاصواب خطر لي أن أضعها على ثلاثة أبواب:

____________________

(١) الغمر: الماء الكثير، الصحاح ٢: ٧٧٢ " غمر ".

(٢) في " ش ": مراتب.

(*)

٨٤

الباب الاول في المقدمات، وهى ثلاثة:

الاولى:

اختلف علماء الاصول في أن الوجوب اذا رفع هل يبقى الجواز أم لا؟ وتحرير محل النزاع: أنه اذا ثبت الوجوب بدليل شرعي في محل، ثم رفع بدليل آخر عن ذلك المحل هل يبقى الجواز ثابتا فيه، حيث أن الدليل الدال على الوجوب دل على شيئين: الوجوب، والجواز، والدليل الرافع له انما يرفع الوجوب خاصة؟ بكل من القولين قال جمع من العلماء: أما القائلون ببقاء الجواز(١) فاحتجوا بأن المقتضي للجواز موجود، والمانع منه منتف فوجب القول بتحققه.

أما الاول: فلان الامر الدال على الوجوب متحقق، لانه المفروض، والوجوب ماهية مركبة من الاذن في الفعل والمنع من الترك، فيكون مقتضيا لهما ضرورة كون المقتضي للمركب مقتضيا لكل جزء من أجزائه، لامتناع تحقق المركب من دون تحقق الاجزاء.

وأما الثاني: فلان الموانع كلها منتفية بحكم الاصل، ما عدا رفع الوجوب وهو غير صالح للمانعية، لانه انما يقتضي رفع الوجوب الذي قد علمت تركبه من الجزأين، ورفع المركب قد يكون برفع جميع الاجزاء، وقد يكون برفع أحدها، فهو أعم من كل منها، والعام لا يدل على خاص معين، فاذا لا دلالة لرفع الوجوب

____________________

(١) ذهب اليه جمع من الاصوليين منهم: محب الله بن عبد الشكور في فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت ١: ١٠٣، والقاضى البيضاوى في منهاج الاصول المطبوع بمتن الابهاج في شرح المنهاج ١: ١٢٦.ولمزيد الاطلاع أنظر: القوانين للميرزا أبو القاسم القمى ١: ١٢٧.

(*)

٨٥

على رفع الجواز.قيل عليه: بعد رفح المركب لا يعلم بقاء الجواز، لان رفع المركب قد يكون برفع الجزأين معا، والمقتضى منسوخ فلا يقطع ببقاء مقتضاه.

ورد: بأن بقاء الجواز متحقق لتحقق مقتضيه أولا، والاصل استمراره فلا يرفع بالاحتمال، والمنسوخ انما هو الوجوب لا نفس الامر المقتضي للجواز، فلا نقطع بعدم بقائه، للاكتفاء في رفع الوجوب برفع المنع من الترك، وعدم القطع ببقاء مقتضي الامر غير قادح، لان المدعى ظهور بقائه لا القطع به.

والتحقيق: أن جواز المدلول عليه بالامر الدال على الوجوب هو الجنس - أعني: الاذن في الفعل - لا الجواز الذي معناه استواء الطرفين، وذلك أمر كلي لا تحقيق له الا في ضمن فرد من أفراده الاربعة، أعني: الوجوب والندب والكراهة والاباحة.وبعد رفع الوجوب يمتنع بقاء الجواز المدلول عليه بالامر تضمنا، لامتناع تحقق الكلي لا في ضمن فرد من أفراده.والجواز الذي معناه استواء الطرفين لم يدل عليه دليل أصلا، اذ لا يلزم من ثبوت الوجوب ثبوته، كما لا يلزم من رفعه رفعه ولا ثبوته فينتفي بحكم الاصل، وحينئذ فيقطع بانتفاء ذلك الجواز.اذا عرفت ذلك فقوله في الجواب: (بقاء الجواز متحقق لتحقق مقتضيه) ان أراد به: الجواز الذي هو الامر الكلي فهو فاسد، لان بقاء‌ه بعد انتفاء الوجوب ممتنع، لان تحققه انما كان ضمنا، وذلك يقتضي بقاء‌ه بعد انتفاء الجزء الاخر، بل انتفاء ذلك الجزء يقتضي انتفاء‌ه ان لم يدل دليل على تقييده بجزء آخر، والفرض أن لا دليل يدل على ذلك أصلا.وان أراد الجواز بالمعنى الاخر فظاهر بطلانه.وأما القائلون بعدم بقاء الجواز(١) فاحتجوا بأن الجواز الذي هو جزء من

____________________

(١) منهم: الشيخ حسن بن زين الدين الشهيد الثانى في معالم العلماء وملاذ المجتهدين: (*)

٨٦

مفهوم الوجوب هو الجواز بالمعنى الاعم كما عرفت، لامتناع ذلك في الاخص، وتقومه بالفصل الذي هو المنع من الترك، فاذا ارتفع ارتفع لاستحالة بقائه منفكا عن فصل.قيل عليه: نمنع استلزام ارتفاع هذا الفصل ارتفاع الجنس لتقومه بفصل عدم المنع من الترك، لان ارتفاع المنع من الترك - الذي هو فصل الوجوب - يقتضي ثبوت عدم المنع منه، فيقوم به الجنس لاحتياجه إلى فصل ما، لا إلى فصل معين.وجوابه: ان ارتفاع المنع من الترك قد يكون برفع كل من الجزأين، وقد يكون برفع الحرج بالترك خاصة.فارتفاعه أعم من كل منهما، ولا دلالة للعام على الخاص، فلم يتحقق فصل عدم الحرج بالترك، وحكم الاصل يقتضي نفيه فينتفي الجواز، وهذا هو الحق.

المقدمة الثانية:

اتفق أصحابنا رضوان الله عليهم على أن الفقيه العدل الامامي الجامع لشرائط الفتوى، المعبر عنه بالمجتهد في الاحكام الشرعية نائب من قبل أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل - وربما استثنى الاصحاب القتل والحدود مطلقا - فيجب التحاكم اليه، والانقياد إلى حكمه، وله أن ييع مال المتنع من أداء الحق ان احتيج اليه، ويلي أموال الغياب والاطفال والسفهاء والمفلسين، ويتصرف على المحجور عليهم، إلى آخر ما يثبت للحاكم المنصوب من قبل الامامعليه‌السلام .

____________________

٩٠، وأبوحامد محمد بن محمد الغزالى في المستصفى من علم الاصول ١: ٧٣، ومحمد بن نظام الدين محمد الانصارى في فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت ١: ١٠٣، والعلامة الحلى في نهاية الاصول (مخطوط) البحث الرابع أحكام الوجوب ورقة ٩١، وعلى بن عبد الكافى السبكى في الابهاج في شرح المنهاج ١: ١٢٦، ولمزيد الاطلاع أنظر: القوانين للميرزا أبوالقاسم القمى ١: ١٢٧.

(*)

٨٧

والاصل فيه ما رواه الشيخ في التهذيب باسناد إلى عمر بن حنظلة، عن مولانا الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام أنه قال: " أنظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما، فاذا حكم بحكمنا ولم يقبله منه فانما بحكم الله استخف وعلينا رد، وهو راد على الله، وهو على حد الشرك بالله، واذا اختلفا فالحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما "(١) ، وفى معناه أحاديث كثيره(٢) .وقد استخرج الاصحاب الاوصاف المعتبرة في الفقيه المجتهد من هذا الحديث ونحوه، وضبطوها في ثلاثة عشر شيئا (سيأتي بيانها انشاء الله تعالى في آخر الرسالة)(٣) .والمقصود من هذا الحديث هنا: أن الفقيه الموصوف بالاوصاف المعينة، منصوب من قبل أئمتناعليهم‌السلام ، ناتب عنهم في جميع ما للنيابة فيه مدخل بمقتضى قوله: " فاني قد جعلته عليكم حاكما "، وهذه استنابة على وجه كلي.ولا يقدح كون ذلك في زمن الصادقعليه‌السلام ، لان حكمهم وأمرهمعليهم‌السلام واحد كما دلت عليه أخبار أخرى، ولا كون الخطاب لاهل ذلك العصر، لان حكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والامامعليه‌السلام على الواحد حكم على الجماعة بغير تفاوت كما ورد في حديث آخر(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٦: ٣٠١ حديث ٨٤٥.

(٢) انطر: الفقيه ٣: ٢ حديث ١، التهذيب ٦: ٢١٩ حديث ٥١٦.

(٣) في نسخة " ض ": من أراد معرفتها فليرجع إلى مضانها من كتب الاصحاب.

(٤) عوالى اللالى ١: ٤٥٦ حديث ١٩٧ و ٢: ٩٨ حديث ٢٧٠ وفيه: قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " حكمى على الواحد حكمى على الجوامع ".وروى الترمذى في سنه ٤: ١٥١ كتاب السير(٢)(٢) باب ما جاء في بيعة النساء(٣)(٧) حديث ١٥٩٧ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: " انما قولى لمائة امرأة كقولى لامرأة واحدة "، ورواه الدارقطنى (*)

٨٨

المقدمة الثالثة:

يشترط لصلاة الجمعة وجود الامام المعصوم أو نائبه، وعلى ذلك اجماع علمائنا قاطبة، وممن نقل الاجماع على ذلك من متأخري أصحابنا: المحقق نجم الدين بن سعيد في المعتبر(١) ، والعلامة المتبحر جمال الدين ابن المطهر في كنبه كالتذكرة(٢) وغيرها(٣) ، وشيخنا الشهيد في الذكرى(٤) ، وبعد التتبع الصادق تظهر حقية ما نقلوه، والاصل في ذلك قبل الاجماع الاتفاق على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعين لامامة الجمعة - وكذا الخلفاء بعده - كما يعين للقضاء(٥) ، وكما لا يصح أن ينصب الانسان نفسه قاضيا من دون اذن الامام فكذا امام الجمعة، وليس هذا قياسا بل استدلال بالعمل المستمر في الاعصار، فمخالفته خرق للاجماع.وينبه على ذلك ما روي عن أهل البيتعليهم‌السلام من عدة طرق، منها رواية محمد بن مسلم قال: " لا تجب الجمعة على أقل من سبعة: الامام، وقاضيه ومدع حقا، ومدعى عليه، وشاهدان، ومن يضرب الحدود بين يدي الامام "(٦) ، وفي

____________________

في سننه ٤: ١٤٧ حديث ١٦ كتاب المكاتب (النوادر)، والشوكانى في نيل الاوطار ١: ٣٠، والشهيد في الاربعون حديثا: ٢٣.

(١) المعتبر ٢: ٢٧٩.

(٢) التذكرة ١: ١٤٤.

(٣) تحرير الاحكام ١: ٤٣، منتهى المطلب ١: ٣١٧، نهاية الاحكام ٢: ١٣.

(٤) الذكرى: ٢٣٠.

(٥) انظر: السنن الكبرى للبيهقى ٣: ١٢٣، مصنف ابن شيبة ٢: ٢١٣، كنز العمال ٧: ٦٠٠ حديث ٢٠٤٥٣.

(٦) روى الشيخ الصدوقرحمه‌الله في الفقيه ١: ٢٦٧ حديث ١٢٢٢ عن محمد بن مسلم عن أبى جعفرعليه‌السلام قال: " تجب الجمعة على سبعة نفر من المؤمنين، ولا تجب على أقل منهم: الامام، وقاضيه، ومدعيا حق، وشاهدان، والذى يضرب الحدود بين يدى الامام ".وروى الشيخ الطوسىرحمه‌الله في التهذيب ٣: ٢٠ حديث ٧٥، والاستبصار ١: ٤١٨ (*)

٨٩

هذا دلالة على اشتراط الامام.

قال في التذكرة: ولانه اجماع أهل الاعصار، فانه لا يقيم الجمعة في كل عصر الا الائمة(١) .

اذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا كلام بين الاصحاب في اشتراط الجمعة بالامام أو نائيه، انما الكلام في اشتراط كون النائب منصوبا بخصوصه أو يكفي نصبه ولو علي وجه كلي حيث يتعذر غيره، وأكثر الاصحاب على الثاني، وسيأتي لذلك مزيد تحقيق انشاء الله.

الباب الثانى: اختلف أصحابنا في حكم صلاة الجمعة

حال غيبة الامامعليه‌السلام على قولين بعد انعقاد الاجماع منهم، ومن كافة أهل الاسلام على وجوبها بشرائطها حال ظهوره(٢) :

الاول: القول بجواز فعلها اذا اجتمعت باقي الشرائط، وهو المشهور بين الاصحاب، وبه قال الشيخرحمه‌الله في النهاية والخلاف(٣) ، وأبوالصلاح(٤) ، والمحقق في المعتبر وغيره(٥) ، والعلامة في المختلف وغيره(٦) ، وشيخنا الشهيد(٧)

____________________

حديث ١٦٠٨ عن محمد بن مسلم عن أبى جعفرعليه‌السلام قال: " تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، ولا تجب على أقل منهم: الامام، وقاضيه، والمدعى حقا، والمدعى عليه والشاهدان، والذى يضرب الحدود بين يدى الامام ".

(١) التذكرة ١: ١٤٤.

(٢) في " ش " وجوده.

(٣) النهاية: ١٠٧، الخلاف ١: ٦٧٦ مسألة ٣٩٧ كتاب الصلاة.

(٤) الكافى في الفقه: ١٥١.

(٥) المعتبر ٢: ٢٩٧، شرائع الاسلام ١: ٩٨، المختصر النافع: ٣٦.

(٦) المختلف: ١٠٨، نهاية الاحكام ٢: ١٤.

(٧) الذكرى: ٢٣١.

(*)

٩٠

وجمع من المتأخرين(١) ، وهو الاقوى، وتدل عليه وجوه: الاول: قوله تعالى: " اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع "(٢) ، ووجه الدلالة: انه علق الامر بالسعي إلى الذكر المخصوص، وهو الجمعة أو الخطبة اتفاقا بالنداء للصلاة وهو الاذان لها، وليس النداء شرطا اتفاقا، والامر للوجوب كما تقرر في موضعه، فيجب السعي لها حينئذ، ووجوبه يقتضي وجوبها، ولا ريب أن الامر بالسعي انما هو حال اجتماع الشرائط من العدد والخطبتين وغيرهما.

فان قيل: المدعى هو شرعية الجمعة حال الغيبة، والاية انما تدل عليها في الجملة فلا يثبت المدعى.

قلنا: لا ريب أن المراد بالامر هنا التكرار وان لم يكن مستفادا من لفظ الامر فانه لا يدل بنفسه على وحدة ولا تكرار، اذ هو مستفاد بدليل من خارج، للاجماع على أنه لا يكفي للامتثال في الجمعة فعلها مرة أو مرات بل دائما، وذلك يتناول زمان الغيبة.

فان قيل: المدعى جواز فعل الجمعة زمان الغيبة، والذي دل عليه دليلكم هو الوجوب مطلقا المقتضي لوجوبهما حينئذ.

____________________

(١) قال السيد محمد جواد الحسينى العاملى في مفتاح الكرامة ٣: ٦٢: وأما القول الرابع وهو الوجوب تخييرا من دون اشتراط الفقيه، ويعبر عنه بالجواز تارة، وبالاستحباب أخرى فهو المشهور كما في التذكرة وغاية المراد، ومذهب المعظم كما في الذكرى، والاكثر كما في الروض والمقاصد العلية والماحوزية ورياض المسائل، وهو خيرة النهاية والمبسوط والمصباح وجامع الشرائع والشرائع والنافع والمعتبر والتخليص وحواشى الشهيد والبيان وغاية المراد كما سمعت، والموجز الحاوى والمقتصر وتعليق الارشاد والميسية والروض والروضة.

(٢) الجمعة: ٩.

(*)

٩١

قلنا: ليس المراد بالجواز هنا معناه الاخص وهو ما استوى طرفا فعله وتركه لامتناع ذلك في العبادات، فان العبادة تستدعي رجحانا لتفعل كونها قربة، وكون الاخلاص معتبرا في نيتها والثواب مترتبا على فعلها، وانما المراد به معناه الاعم - أعني مطلق الاذان في الفعل شرعا - وذلك جنس للوجوب والندب وقسميهما.

فان قيل: أي الاقسام الاربعة مراد؟ قلنا: معلوم انتفاء الاباحة والكراهة وكذا الندب، للاجماع على أن الجمعة حيث تشرع تجزئ عن الظهر، ويمتنع التعبد بهما معا، لامتناع الجمع بين البدل ومبدله، فلم يبق الا الوجوب التخييري بينها وبين الجمعة، فالجواز المدعى في معنى الوجوب.

فان قيل: لم آثرتم التعبير بالجواز على الوجوب؟ قلنا: لوجهين: أحدهما: ان التعبير بالوجوب يوهم اراده الحتم.

والثاني: ان مناط الخلاف هو الشرعية حالنئذ وعدمها ومعنى الشرعية: الاذن في الفعل شرعا، فاذا مناط الخلاف هو الجواز وعدمه، فلو عبر بغيره لم يقع الموقع.فان قيل: قد عبر بعض الفقهاء باستحباب الجمعة حال الغيبة.قلنا: هو صحيح وان كان التعبير بالجواز أولى، لما نبهنا عليه، ووجه الصحة: ان الوجوب التخييري لا ينافيه الاستحباب العيني، لان أحد فردي الواجب قد يكون أفضل من الفرد الاخر، فيكون مستحبا بالنسبة اليه، فيستحب اختياره.فان قيل: دليلكم يقتضي الوجوب العيني الحتمي، والمدعى هو الوجوب التخييري فلم يتلاقيا.قلنا: أجمع علماؤنا الامامية رضوان الله عليهم طبقة بعد طبقة، من عصر أئمتناعليهم‌السلام

٩٢

إلى عصرنا هذا على انتفاء الوجوب العيني عن الجمعة حال غيبة الامامعليه‌السلام وعدم تصرفه ونفوذ أحكامه، ولعل السر فيه أن اجتماع الناس كافة في مكان واحد لفعل الجمعة - كما هو الواجب في كل بلد - مناط التنازع والتجاذب، فمع عدم ظهور الامام ونفوذ أحكامه ربما كان مثار الشر والفساد فلم يحسن الامر به مطلقا.ويومئ إلى ذلك ما رواه طلحة بن زيد، عن أبيه، عن عليعليه‌السلام قال: " لا جمعة الا في مصر تقام فيه الحدود "(١) وان كان في الحديث ضعف، وحيث كان كذلك لم يكن عموم الاية بالوجوب الحتمي في الازمان الشامل لزمان الغيبة المستفاد من التكرار، الذي دل الاجماع على كونه مرادا بالامر ثابتا، بل الثابت عمومها مطلق الوجوب الصادق بالوجوب الحتمي حالنئذ وهو المدعى.واعترض شيخنا في شرح الارشاد على الاحتجاج بالاية على جواز الجمعة حال الغيبة أو استحبابها: بأنه يحتمل أن يرد ب‍ " نودي ": نداء خاص، وقرينته الامر بالسعي(٢) .

يعني: يحتمل ارادة النداء حال وجود الامامعليه‌السلام بقرينة الامر بالسعي الدال على الوجوب في زمان الغيبة.وجوابه: ان الوجوب ثابت في زمان الغيبة وغيره كما قررناه، لان الوجوب التخييري وجوب فلا اشكال.

الثاني: الاخبار: فمنها صحيحة زرارة، قال: حدثنا أبوعبداللهعليه‌السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدوا عليك، فقال: " لا، انما عنيت عندكم "(٣) .

____________________

(١) التهذيب ٣: ٢٣٩ حديث ٦٣٩، الاستبصار ١: ٤٢٠ حديث ١٦١٧.

(٢) غاية المراد: ٢٦.

(٣) التهذيب ٣: ٢٣٩ حديث ٦٣٥، الاستبصار ١: ٤٢٠ حديث ١٦١٤.

(*)

٩٣

ومنها موثقة زرارة، عن عبدالملك، عن الباقر عليه السام قال: " مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله "، قال: قلت: كيف أصنع، قال، قال: " صلوا جماعة "(١) يعني الجمعة.ومنها صحيحة عمر بن يزيد، عن الصادقعليه‌السلام قال: " اذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة "(٢) .ومنها صحيحة منصور، عن الصادقعليه‌السلام قال: " يجمع القوم يوم الجمعة اذا كانوا خمسة فما زاد، فان كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم، والجمعة واجبة على كل أحد، لا يعذر الناس فيها الا خمسة "(٣) الحديث.واعترض شيخنا في شرح الارشاد على الحديثين الاولين: بأنه يجوز استناد الجواز فيهما إلى اذن الامام وهو يستلزم نصب نائب، لانه من باب المقدمة.قال: ونبه عليه العلامة في نهايته بقوله: لما أذنا لزرارة وعبد الملك جاز لوجود المقتضى وهو اذن الامام(٤) .

وجوابه: ان تجويز فعل أو ايجابه من الامامعليه‌السلام لاهل عصره لا يكون مقصورا عليهم، لان حكمهعليه‌السلام على الواحد حكمه على الجماعة، كما في قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سئل عن القصر: " انما هي صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته "، فان ذلك غير مقصور على السائل، ولا على أهل عصره قلعا، فتجويز الامامعليه‌السلام فعل الجمعة لاهل عصره مع عدم نفوذ أحكامه وتصرفاته يكون أذنا لهم ولغيرهم، ولا يلزم إلى نصب نائب من باب المقدمة كما ذكره،

____________________

(١) التهذيب ٣: ٢٣٩ حديث ٦٣٨، الاستبصار ١: ٤٢٠ حديث ١٦١٦.

(٢) التهذيب ٣: ٢٤٥ حديث ٦٦٤، الاستبصار ١: ٤١٨ حديث ١٦٠٧.

(٣) التهذيب ٣: ٢٣٩ حديث ٦٣٦، الاستبصار ١: ٤١٩ حديث ١٦١٠.

(٤) النهاية ٢: ١٤، غاية المراد: ٢٦.

(*)

٩٤

لانه حينئذ لا يكون خاصا، والعام غير متوقف على نصبهم، لما عرفت من أن الامام قد نصب نائبا على وجه العموم بقولهعليه‌السلام : " فانه قد جعلته عليكم حاكما "، وهذا لا يختلف فيه عصره وعصرنا.ويظهر من قول زرارةرحمه‌الله : حدثنا أبوعبداللهعليه‌السلام ، ومن قول الباقرعليه‌السلام لعبد الملك: " مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله تعالى ! " أن ذلك ليس على طريق الوجوب الحتمي العيني، وان كان قولهعليه‌السلام : " فريضة فرضها الله تعالى " يدل على الوجوب في الجملة، وما ذاك الا لان زمانه وزمان الغيبة لا يختلفان، لاشتراكهما في المنع من التصرف وتنفيذ الاحكام الذي هو المطلوب الاقصى من الامام، ولو لا ذلك لم يكن نصبه للحاكم حينئذ متناولا لعصرنا وما قبله وما بعده، وأي فرق بين الحكمين حتى يجعل أحدهما مقصورا على عصرهعليه‌السلام والاخر عاما في كل زمان؟ وعند التأمل الصادق لهذين الحديثين تتضح دلالتهما على مشروعية فعل الجمعة وان لم تجب حتما، اذ لو كان الوجوب حتما لكان حقه أن يأمر ويزجر وينكر على التاركين كمال الانكار.والعجب أن الاصحاب لم يقصروا نصب الحاكم على الوجه الذي عرفته على من سمع ذلك في زمنهمعليهم‌السلام ، واعترضوا بعمومه لكل زمان، وهنا اختلفوا وصار بعضهم إلى تجويز قصر الاذن على أهل عصرهمعليهم‌السلام ! واعترضرحمه‌الله على الحديثين الاخرين بأنهما مطلقان، والمطلق محول على المقيد(١) .وجوابه: القول بالموجب، فانهما مقيدان بوجود الامام أو من يقوم مقامه، فيدلان حينئذ على مطلق وجوب الجمعة مع الشرائط المذكورة وان تحتمت مع ظهورهعليه‌السلام ، لما عرفت سابقا من انتفاء الوجوب الحتمي حال الغيبة باجماعنا.

____________________

(١) غاية المراد: ٢٦.

(*)

٩٥

الثالث: استصحاب الحال، فان الاجماع من جميع أهل الاسلام على وجوب الجمعة(١) حال ظهور الامامعليه‌السلام بشرط حضوره أو نائبه ثابت، فيستصحب إلى زمان الغيبة إلى أن يحصل الدليل الناقل وهو منتف.فان قيل: شرط ظهور الامام فينتفي.قلنا: ممنوع، ولم لا يجوز أن يكون شرطا لتحتم الوجوب، فيختص بالانتفاء بانتفائه.فان قيل: يلزم بحكم الاستصحاب القول بالوجوب العيني.

قلنا: هناك أمران، أحدهما:

أصل الوجوب في الجملة،

والثاني: تحتمه وتعين الفعل، والذي يلزم استصحابه هو الاول دون الثاني، لما عرفت من أن تحتم الوجوب مشروط بظهور الامام اجماعا منا، فاذا انتفى شرط كيف يستصحب.فان قيل: فيلزم بمقتضى الاستصحاب شرعية الجمعة حال الغيبة وان لم يكن من له النيابة حاضرا.قلنا: لم ينعقد الاجماع على وجوبها حال ظهورهعليه‌السلام مطلقا، بل يشترط حضوره أو نائبه اجماعا منا، فهذا هو الذي يلزم استصحابه دون ما عداه، ويزيده بيانا أن اشتراط الجمعة بالامام أو نائبه اجماعي كما عرفت، فان كان شرط الصحة فظاهر، وان كان شرط الوجوب فاذا انتفي لم يلزم بقاء الجواز كما عرفته، على أن بقاء الجواز هنا لم يعقل وان جوزناه في مواضع أخرى، لان الجواز الثابت هو الجواز بالمعنى الاخص، لان الفصل المقيد للجنس - وهو عدم الحرج الذي يقتضي فصل الوجوب - لا يستلزم رجحانا ليصدق الاستحباب، لعدم استلزام الاعم الاخص، ولانتفائه بالاصل وبانتفاء ما يقتضيه، والجواز بالمعنى الاخص لا ينتظم مع العبارة.

____________________

(١) في نسخة " ش ": وجوپ الجمعة في الجملة.

(*)

٩٦

واعلم أن شيخنا الشهيد قال في شرح الارشاد بعد أن اعترض على دلائل المجوزين بما حكيناه سابقا: والمعتمد في ذلك أصالة الجواز، وعموم الاية، وعدم دليل مانع(١) .هذا كلامه، وهو استدلال عجيب، فان أصالة الجواز لا يستدل بها على فعل شئ من العبادات، اذ كون الفعل قربة وراجحا بحيث يتعبد به توقيفي يحتاج إلى اذن الشارع، وبدونه يكون بدعة، واما الاية فلا عموم لها، واطلاقها مقيد بحصول الشرائط باتفاق أهل الاسلام، ومن الشرائط حضور الامام أو نائبه اجماعا منا، وأما عدم الدليل المانع فلا يقتضي الجواز، اذ لابد من كون المجوز موجود.القول الثانى: المنع من صلاة الجمعة حال الغيبة ونفي شرعيتها، وهو المنقول عن المرتضى في المسائل الميافارقيات ظاهرا(٢) وعن سلار(٣) وابن ادريس صريحا(٤) ، واختاره العلامة في المنتهى(٥) وقال في الذكرى: انه متوجه بعد أن أفتى بالجواز(٦) ، وذلك يقتضي اضطراب كلامه في حكمها، واحتجوا على ذلك بوجوه: الاول: شرط انعقاد الجمعة الامام أو من نصبه لذلك اتفاقا، وفي حال الغيبة الشرط منتف فينتفي الانعقاد، لامتناع ثبوت المشروط مع انتفاء الشرط.وأجاب في المختلف بمنع الاجماع على خلاف صور النزاع، وبالقول

____________________

(١) غاية المراد: ٢٦،.

(٢) جواب المسائل الميافارقيات (ضمن رسائل الشريف المرتضى) المجموعة الاولى: ٢٧٢.

(٣) المراسم: ٧٧.

(٤) السرائر: ٦٣.

(٥) منتهى المطلب ١: ٣٣٦.

(٦) الذكرى: ٢٣١.

(*)

٩٧

بالموجب، فان الفقيه المأمون منصوب من قبل الامام، ولهذا تمضي أحكامه وتجب مساعدته على اقامة الحدود والقضاء بين الناس(١) .لا يقال: الفقيه منصوب للحكم والافتاء، والصلاة أمر خارج عنهما.

لانا نقول: هذا في غاية السقط، لان الفقيه منصوب من قبلهمعليهم‌السلام حاكما في جميع الامور الشرعية، كما علمته في المقدمة.

الثاني: ان الظهر ثابتة في الذمة بيقين، فلا يبرأ الملكف الا بفعلها.وأجاب أيضا بأن اليقين منتف بما ذكرناه، يعني من الدلائل الدالة على مشروعية الجمعة(٢) .وأجاب في شرح الارشاد بأنه يكفي في البراء‌ة الظن الشرعي، والا لزم التكليف بما لا يطاق(٣) .وفي هذا الجواب اعتارف بوجوب الظهر، والاولى في الجواب منع تيقن وجوب الظهر في محل النزاع، وكيف وهو المتنازع.! فيكون الاحتجاج به مصادرة.

الثالث: ذكره شيخنا في الذكرى فقال - بعد أن حكى القول بالمنع ودليل القائلين به - وهذا القول متوجه، والالزم وجوب العيني، وأصحاب القول الاول - يعنى المجوزين - لا يقولون به(٤) .

وحاصله: انه لو جاز فعل الجمعة حال الغيبة - كما قال المجوزون - لزم وجوبها عينا فلا يجوز فعل الظهر، والثاني باطل باتفاقنا.وبيان الملازمة: ان الدلائل الدالة على الجواز دالة على الوجوب عينا، فان

____________________

(١) المختلف: ١٠٩.

(٢) المختلف: ١٠٩.

(٣) غاية المراد: ٢٦.

(٤) الذكرى: ٢٣١.

(*)

٩٨

اعتبرت ادلالتها لزم القول بالوجوب، ولان الجمعة لم تشرع الا واجبة عينا، فمتى ساغ فعلها لزم وجوبها كذلك.هذا اقصى ما يقال في توجيهه، وضعف هذا الاستدلال أظهر من أن يحتاج إلى البيان، فان الدلائل الدالة على الجواز دالة على الوجوب في الجملة لا على الوجوب عينا، ونحن نقول بموجبه، وكون الجمعة لم تشرع الا واجبة عينا ليس أمرا زائد على محل النزاع فالمطالبة بالبيان بحالها.فان قيل: المتبادر من الوجوب هو العيني لا التخييري.قلنا: ان اريد كونه لا يستعمل فيه حقيقة فمعلوم بطلانه، واذا اريد كون العيني أكثر في الاستعمال فمسلم، لكن ذلك لا يمنع من الحمل عليه، على أنا نحمله على الوجوب في الجملة أعم من كل منهما، وهو الموضوع الحقيقي وحينئذ فيتم المراد، لاسيما وقد أجمعنا على امتناع ارادة العيني، للاجماع على نفيه حال الغيبة، وصحيحة زرارة(١) وموثقة عبد الملك(٢) تنبهان على ذلك.واعلم أن من الاصحاب من بنى القولين في السمألة على أن الامام هل هو شرط الصحة أو شرط الوجوب؟ فان أصل الاشتراط لاخلاف فيه، فان كان شرط الصحة امتنع فعل الجمعة حال الغيبة كما يقول ابن ادريس(٣) والجماعة(٤) ، وان شرط الوجوب لم يمتنع، اذ اللازم انتفاؤه حينئذ هو الوجوب خاصة، وأول من أشار إلى هذا البناء شيخنا الشهيد في الذكرى، فانه قال - بعد حكاية القول بالمنع عن ابن ادريس والجماعة -: وهو القول الثاني من القولين، بناء‌ا على أن اذن

____________________

(١) التهذيب ٣: ٢٣٩ حديث ٦٣٥، الاستبصار ١: ٤٢٠ حديث ١٦١٤.

(٢) التهذيب ٣: ٢٣٩ حديث ٦٣٨، الاستبصار ١: ٤٢٠ حديث ١٦١٦.

(٣) السرائر: ٦٣.

(٤) السيد المرتضى في جواب المسائل الميافارقيات (ضمن رسائل الشريف المرتضى) المجموعة الاولى: ٢٧٢، وسلار في المراسم: ٧٧، والعلامة في المنتهى ١: ٣٣٦.

(*)

٩٩

الامام شرط الصحة وهو مفقود(١) .وتبعه تلميذه المقداد في شرح النافع قال فيه: ومبنى الخلاف أن حضور الامام هل يشترط في ماهية الجمعة ومشروعيتها أم في وجوبها؟ فابن ادريس على الاول، وباقي الاصحاب على الثاني وهو أولى، لان الفقيه المأمون كما تنفذ أحكامه حال الغيبة كذا يجوز الاقتداء به في الجمعة(٢) ، هذا كلامه.وما أشار اليه شيخنا من البناء لا يخلو: اما أن يراد بالاذن فيه: الاذن مطلقا، أو الاذن الخاص وهو الصادر من الامامعليه‌السلام لشخص معين، والاول منظور فيه، فان اذن الاما في الجملة متى ثبت كونه شرطا للجمعة لزم عدم مشروعيتها بانتفائه، سواء كان شرطا لصحتها أو لوجوبها، أما اذا كان شرط الصحة فظاهر، وأما اذا كان شرط الوجوب، فلان انتفاء الوجوب لانتفاء الشرط لا يلزم منه ثبوت الجواز لوجوه: الاول: ما سبق بيانه في المقدمة من أن الوجوب اذا رفع لا يبقى الجواز.

الثاني: ان الجواز(٣) بمعنى الاباحة لا يتصور في العبادة، واثبات الاستحباب بغير مثبت باطل، ومع ذلك لا قائل بواحد منها من أهل الاسلام.

الثالث: ان وجوب الجمعة اذا اختص بحال الاذن اقتضى كون الدلائل الدالة على فعلها مختصة بحال الاذن، لبطلان ما خالفها، وحينئذ فحال عدم الاذن لا يدل عليه بوجوب ولا اباحة، فلا يقال فيه ارتفع الوجوب فيبقى الجواز، لان متعلق الوجوب والجواز يعتبر اتحاده ليتأتى فيه ذلك، وهو منتف هنا.

وأيضا فان بناء الجواز حال الغيبة على الاذن في الجملة شرط الوجوب لا يستقيم، لان ذلك يقتضى الوجوب حال الغيبة، لتحقق الشرط بوجود الفقيه، ولا قائل به.

____________________

(١) الذكرى: ٢٣١.

(٢) التنقيح الرائح لمخنصر الشرائع ١: ٢٣١.

(٣) في " ش ": الوجوب.

(*)

١٠٠

فان قيل: جاز ان يكون المراد بالوجوب المشروط بالامام هو العيني، فاذا انتفى لانتفاء الشرط لم يلزم انتفاء الوجوب التخييري.قلنا: لا يلزم انتفاؤه اذا ثبت الا انه لا مثبت له حينئذ، لان الوجوب العيني اذا جعلت دلائل وجوب الجمعة من الاية والحديث مقصورة عليه لم يكن على ماسواه دليل.فان قيل: يمكن أن يراد بالاية والحديث الوجوب العيني في حال ظهور الامام، والتخييري في حال غيبته.قلنا: يمتنع فهم ذلك من اللفظ وبقبح ارادته منه، ومع ذلك فمجرد امكان ارادته عقلا لا يقتضى ارادته.واقصى ما يقال في تفسير الاية: ان الامر اما أن يكون الوجوب العيني، أو الوجوب في الجملة أعم منه ومن التخييرى، ولما دل الاجماع على نفي العيني زمان الغيبة امتنع حمل الاية عليه، وتعين الحمل على الوجوب في الجملة.وأيضا فان بناء القول بالمنع من الجمعة حال الغيبة على كون الاذن مطلقا - وان لم يكن على وجه خاص - شرط الصحة لا يستقيم، لان هذا البناء يقتضي الجواز حال الغيبة، وقد عرفت أن الفيه المأمون الجامع للشرائط مأذون له بوجه كلي، وكيف يبني الشئ على ما ينافيه؟ هذا اذا اريد المعنى الاول.وان اريد الثاني - أعني الاذن الخاص - صح البناء، لانه اذا ثبت كونه شرطا للصحة لزم نفيها حال الغيبة لامحالة، وان كان شرط الوجوب لا يلزم نفيها حالئذ، لان الوجوب المشروط بالاذن الخاص انما هو العيني اتفاقا، وشرط الصحة في تلك الحالة وهو الاذن في الجملة متحقق، والظاهر أن هذا هو المراد، بل كاد يكون قطعيا، لان بناء الشئ على ما ينافيه في كلام شيخنا الشهيد مع كمال تحققه ودقة نظره من أبعد الاشياء.

١٠١

وانما أوردنا الكلام كما ترى ليتضح أن المراد ما ذكرناه، وما ذكره المقدادرحمه‌الله من البناء غير مستقيم، لان حضور الامامعليه‌السلام اذا اريد به ظهوره توسعا، وتجوزا اذا اريد حضوره أو حضور نائبه الخاص اكتفاء لوضوحه، واريد بالوجوب المشروط على الشق الثاني الوجوب الحتمي لم يخرج عن كلام الشهيد.الا أن قوله: وهو اولى، لان الفقيه إلى آخره خال من الربط، اذا لا يلزم من نفوذ الاحكام الفقهية إلى آخره كون الاولى اشتراط الوجوب بحضور الامام دون صحة الجمعة.ولو قيل في البناء: شرط الجمعة: اما اذن الامامعليه‌السلام على وجه خاص، أو مطلقا، فعلى الاول يتخرج المنع، وعلى الثاني الجواز، وكما دل الدليل على اعتبار الاذن في الجملة حيث يتعذر الاذن الخاص، كان الاصح من القولين الجواز فكان أجود.وانما قلنا ذلك، لان اشتراط الجمعة بالامام أو نائبه اجماعي كما عرفت، ومع ظهورهعليه‌السلام وتمكنه لابد من الاستنابة صريح الاجماع.

تنبيه:

قد علم مما قدمناه أنه ليس المراد بجواز الجمعة حال الغيبة أو استحبابها ايقاعها كذلك، لامتناعه من وجوه، فان الاباحة لا تنتظم مع العبادة، وارادتها مع ذلك ارادة الاستحباب باطل، لعدم دليل يدل على واحد منهما، والبدلية على كلا(١) التقديرين متعذرة، والجمع بين الجمعة والظهر استقلال غير مشروع اتفاقا، فلم يبق الا ارادة الجواز بمعنى السائغ، وهو جنس للوجوب كما عرفت، أو الاستحباب العينى فانه يجامع الوجوب التخييري كما سبق.اذا عرفت ذلك فقد قال شيخنا في الذكرى في تحقيق ما يراد بالاستحباب هنا:

____________________

(١) في نسخة " ض ": أحد.

(*)

١٠٢

فالاستحباب انما هو في الاجتماع، أو بمعنى أنه أفضل الامرين الواجبين على التخيير(١) .هذا كلامه، والمعنى الثاني هو الصواب فان استحباب الاجتماع مع وجوب الفعل ليس بجيد.

الباب الثالث: في أن الجمعة لا تشرع حال الغيبة

الا مع حضور الفقيه الجامع للشرائط،

وكونه اماما.قد علم مما مضى أن اجماع الامامية في كل عصر على اشتراط الجمعة بالامام أو نائبه واقع، وأشرنا إلى أن كبراء الاصحاب قد نقلو ذلك صريحا، فممن نقله المحقق نجم الدين بن سعيد في المعتبر، قال في بيان سياق شروط الجمعة - وقد عد منها السلطان العادل أو نائبه -: وهو قول علمائنا(٢) .ومن الناقلين له العلامة في كتبه، قال في التذكرة مسألة: يشترط في وجوب الجمعة السلطان أو نائبه عند علمائنا أجمع.

ثم قال: مسألة: أجمع علماؤنا كافة على اشتراط عدالة السلطان، وهو الامام المعصوم أو من يأمره بذلك(٣) .ومنهم شيخنا المدقق الشهيد، قال في الذكرى: وشروطها - يعني الجمعة -: السلطان وهو الامام المعصوم أو نائبه اجماعا منا(٤) .والتصريح بذلك في باقي عبارات الاصحاب أمر ظاهر لا حاجة إلى التطويل بنقل جميعها، وأنت تعلم أن ثبوت الاجماع يكفي فيه شهادة الواحد فما ظنك بهؤلاء الاثبات.

____________________

(١) الذكرى: ٢٣١.

(٢) المعتبر ٢: ٢٧٩.

(٣) التذكرة ١: ١٤٤.

(٤) الذكرى: ٢٣٠.

(*)

١٠٣

وحينئذ نقول: اذا ثبت كون الاجماع واقعا على اشتراط الامام أو نائبه في وجوب الجمعة امتنع وجوبها بدون الشرط، فاذا أمكن النائب الخاص تعين، لان النيابة على الوجه الخاص مقدمة على النيابة العامة، وانما يصار إلى الثانية مع تعذر الاولى، ولا ريب أن مشروعية الجمعة حال الغيبة انما هو بطريق الوجوب تخيرا، كما عرفته غير مرة فيتناوله الاشتراط المذكور.فان قيل: لم لا يجوز أن يكون المراد كون المشروط بالامام أو نائبه هو وجوبها عينا حتما، بل هو المتبادر إلى الافهام من معنى الوجوب؟ قلنا: الوجوب مفهوم كلي يصدق على الحتمي والتخييري، والمضيق والموسع، والعيني والكفائي.وكل من عرف اصطلاح الفقهاء والاصوليين علم ذلك قطعا على وجه لا يرتاب فيه، ويؤيده أنه يقبل القسمة إلى الاقسام كلها، ومورد القسمة يجب اشتراكه بين الاقسام، فاذا علق حكم بالوجوب وجبت أجزاؤه على الماهية الكلية، أعني مفهوم الوجوب المضاف إلى الجمعة مطلقا، ولا يجوز حمله بعض الافراد دون بعض الابدليل يدل عليه، وبدون ذلك يمتنع شرعا، فمن عمد إلى ما نقله الاصحاب من الاجماع الذي حكيناه موحمله على فرد مخصوص من أفراد الوجوب - والحال ما قدمناه - كان كمن حمل قولهعليه‌السلام : " مفتاح الصلاة الطهور "(١) على الصلاة الواجبة أو اليومية مثلا، لانها أشيع وأكثر دورانا على لسان أهل الشرع، وكفاه بذلك عارا وافتراء.ويزيد ذلك بيانا أن أجلة الاصحاب صرحوا في كتبهم بكون الفقيه الجامع

____________________

(١) الفقيه ١: ٢٣ حديث ٦٨، سنن أبى داود ١: ١٦ حديث ٦١ باب: فرض الوضوء، سنن الترمذى ١: ٨ حديث ٣ باب: ما جاء أن مفتاح الصلاة الطهور، سنن ابن ماجة ١: ١٠١ حديث ٢٧٥ ٢٧٦ باب: مفتاح الصلاة الطهور، سنن الدارمى ١: ١٧٥ باب: مفتاح الصلاة الطهور، مسند أحمد بن حنبل ١: ١٢٩.

(*)

١٠٤

للشرائط معتبرا حال الغيبة، وهم الذين نقلوا الينا الاجماع في هذه المسألة وغيرها ومعتمدنا في الادلة النقلية انما هو نقلهم، ولا ريب أنهم أعرف بموقع الاجماع وأعلم بما نقلوه، فلو كان الاجماع واقعا على خلاف المدعى لكانوا أحق بمتابعته وأبعد عن مخالفته.ويحقق ما قلناه ما ذكره علم المتقدمين وعلامة المتأخرين في المختلف لما ذكر احتجاج المخالف بوجهين: أحدهما: ان من شرط انعقاد الجمعة الامام أو من نصبه، وباننفاء الشرط ينتفي المشروط قطعا إلى آخر احتجاجهم قال: والجواب عن الاول بمنع الاجماع على خلاف صورة النزاع، وأيضا فانا نقول بموجبه، لان الفقيه المأمون منصوب من قبل الامام، ولهذا تمضي أحكامه وتجب مساعدته على اقامة الحدود والقضاء بين الناس(١) .هذا كلامه، وحاصله: انه أجاب عن دليل الخصم - ان الاشتراط المذكور ثابت اجماعا، وهو يقتضي عدم المشروعية في الغيبة - بجوابين:

أحدهما: انا نمنع ثبوت الاجماع على عدم مشروعيه الجمعة حال الغيبة.وقد بينا الدليل الدال على المشروعية حينئذ فيجب العمل به، لعدم المنافي، والاشتراط المذكور ان أدعي على وجه ينافي فعلها حال الغيبة منعناه، والا لم يضرنا.

الثاني: القول بالموجب، وهو بفتح الجيم معناه: تسليم الدليل مع بقاء، النزاع، وحاصله: الاعتراف بصحة الدليل على وجه لا يلزم منه تسليم المتنازع فيه.

وتقريره: ان اشتراط الجمعة بالامام أو من نصبه حق، ولا يلزم عدم صحتها حال الغيبة، لان الشرط حينئذ حاصل، فان الفقيه المأمون منصوب من قبل الامام ولهذا تمضي أحكامه، ويقيم الحدود، ويقضي بين الناس، وهذه الاحكام مشروطة بالامام أو من نصبه قطعا بغير خلاف، فلو لا أن الفقيه المذكور منصوب من قبل

____________________

(١) المختلف: ١٠٩.

(*)

١٠٥

الامام لجميع المناصب الشرعية لما صحت منه الاحكام المذكورة قطعا، وقد علمت بجميع ذلك في المقدمة الثانية.

والمراد بالفقيه: هو الجامع لشرائط الفتوى المعبر عنه بالمجتهد، عبارة يتوهم سامعها لقلة لفظها سهولة معناها، وانما أوقعه في هذا الغلط شدة الانحطاط عن مرتبتها(١) ، وسنذكر تلك الشرائط عما قريب انشاء الله تعالى.ولا ريب أن من تأمل هذا الكلام وفهم معناه علم من سوقه أن اشتراط الجمعة حال الغيبة أمر محقق مفروغ منه، كاشتراطها بالامام أو منصوبه الخاص حال ظهوره على وجه لا يتخالج خواطر ذوي الالباب فيه الشك.وقريب مما ذكره في المختلف كلام شيخنا في شرح الارشاد، فانه قال في حكاية دليل المخالف على عدم الشرعية: لان الشرط الامام أو نائبه، والمشروط عدم عند عدم الشرط.أما الصغرى فلرواية محمد بن مسلم عن أبي جعفرعليه‌السلام : " تجب الجمعة على سبعة نفر، ولا تجب على أقل منهم: الامام، وقاضيه "(٢) ثم.ساق الحديث إلى آخره، قال: وأما الكبرى فلما تقرر في الاصول.ويشكل بأنه نفي الوجوب، ولا يلزم منه نفي الجواز المتنازع، ثم نقول: الفقيه منصوب من قبل الامام لوجوب الترافع اليه(٣) .هذا كلامه.أما الاشكال الذي أبداه فغير متجه، لان نفي الوجوب وان لم يستلزم نفي الجواز بنفسه الا أنه يلزم بوجه آخر وهو انتفاء مثبته، نعم جوابه الثاني - أعني القول بالموجب - صحيح في موضعه، فان الشرط حاصل، لان الشرط هو الامام أو منصوبه اتفاقا.

____________________

(١) في " ش ": مرتقاها.

(٢) الفقيه ١: ٢٦٧ حديث ١٢٢٢، التهذيب ٣: ٢٠ حديث ٧٥، الاستبصار ١: ٤١٨ حديث ١٦٠٧.

(٣) غاية المراد: ٢٦.

(*)

١٠٦

وبمعنى ما في المختلف أجاب المقداد في شرح النافع(١) ، وكذا ابن فهد في شرحه له(٢) .فأما المقداد فقال في مبنى الخلاف: ان حضور الامام هل هو شرط في ماهية الجمعة ومشروعيتها، أم في وجوبها؟ فابن ادريس على الاول(٣) ، وباقي الاصحاب على الثاني وهو أولى، لان الفقيه المأمون كما تنفذ أحكامه حال الغيبة كذا يجوز الاقتداء به في الجمعة(٤) ، هذا كلامه.وقد عرفت ما فيه سابقا، لكن الغرض منه هنا بيان تصريحه باشتراط الفقيه المأمون في الجمعة، ومن سياق عبارته يعلم أن اشتراط الفقيه أمر محقق لا شك فيه.وأما ابن فهد فان عبارته في شرح النافع هي عبارة المختلف بعينها من غير زيادة ولا نقصان(٥) ، وقد حكينا عبارة المختلف فلا حاجة إلى التكرار بغير فائدة، فهذه العبارة المذكورة مصرحة بالاشتراط.ومما هو في حكم الصريح عبارة التذكرة فانه قال فيها: مسألة: وهل للفقهاء المؤمنين حال الغيبة والتمكن من الاجتماع والخطبتين صلاة الجمعة؟ أطبق علمائنا على عدم الوجوب، لانتقاء الشرط وهو ظهور الاذن من الامامعليه‌السلام ، واختلفوا في استحباب اقامة الجمعة فالمشهور ذلك(٦) .هذا كلامه.ومراده بعدم الوجوب هو الحتمي، لان الاستحباب لا يراد به ايقاع الجمعة

____________________

(١) التنقيح الرائع لمختصر الشرائع ١: ٢٣١.

(٢) المهذب البارع في شرح مختصر النافع ١: ٤١٤.

(٣) السرائر: ٦٣.

(٤) التنقيح الرائع لمختصر الشرائع ١: ٢٣١.

(٥) المختلف ١٠٩، المهذب البارع في شرح مختصر النافع ١: ٤١٤.

(٦) التذكرة ١: ١٤٥.

(*)

١٠٧

مستحبة كما عرفته، فلابد من حمل الوجوب المنفي على ما ذكرناه.

وقوله: لانتفاء الشرط وهو ظهور الاذن من الامامعليه‌السلام مراده به: الاذن الخاص، لان الفقيه مأذون له على وجه العموم، وهو قد فرض المسألة من أرلها في أنه هل للفقهاء فعلها أم لا، فلو لم يرد بالاذن ما قلناه لتدافع كلامه.ومراده بالفقهاء أن كل واحد منهم هل له أن يجمع بجماعة استقلالا أم لا؟ كما هو ظاهر، ومن نظر إلى تصويره المسألة بعين التحقيق علم أن اعتبار الفقيه في الجمعة ليس موضع كلام، انما الكلام في أنها هل تشرع معه أم لا.وقريب من هذه العبارة عبارة شيخنا في الدروس فانه قال فيها: تجب صلاة الجمعة ركعتين بدلا عن الظهر بشرط الامام أو نائبه، وفي الغيبة يجمع الفقهاء مع الامن وتجزئ عن الظهر على الاصح(١) .اذا عرفت ذلك فاعلم أنه لو كان اشتراط الجمعة بالفقيه حال الغيبة موضع خلاف الاصحاب، مع ما تلوناه من الدلائل، وما حكيناه من عبارات كبراء الاصحاب المصرحة بالاشتراط، لكان اللازم بحكم الدليل الانقياد إلى ما قالوه والمصير إلى ما نقلوه، فكيف ولا نعلم أن أحدا من العلماء الامامية في عصر من الاعصار صرح بكون الجمعة في حال الغيبة واجبة حتما مطلقا أو تخييرا بدون حضور الفقيه، فالاجتراء على المخالفة في واحد من الامرين عنوان الجرأة على الله سبحانه، وعدم التحرج من القول عليه، وآية الجهل الصرف في سلوك مناهج الشريعة المصطفوية المطهرة أعاذنا الله من ذلك بمنه وكرمه.وقديما آنست من بعض الفضلاء أن عبارة الذكرى تدل على أن الفقيه المذكور ليس شرطا لمشروعية الجمعة الغيبة، فرددت ذلك وأعلمته أنه خلاف الاجماع، والعبارة لا تقتضي ما ذكره، ونحن نذكر العبارة ونحقق ما فيها بعون الله تعالى.

____________________

(١) الدروس: ٤١.

(*)

١٠٨

قال في سياق شروط النائب:

التاسع: اذن الامام، كما كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يأذن لائمة الجمعات، وأمير المؤمنينعليه‌السلام بعده، وعليه اطباق الامامية، هذا مع حضور الامامعليه‌السلام ، وأما مع غيبته كهذا الزمان ففي انعقادها قولان، أصحهما - وبه[ قال ] معظم الاصحاب - الجواز اذا أمكن الاجتماع والخطبتان، ويعلل بأمرين:

أحدهما: ان الاذن حاصل من الائمة الماضين فهو كالاذن من امام الوقت، وساق الكلام إلى أن قال: ولان الفقهاء حال الغيبة يباشرون ما هو أعظم من ذلك بالاذن كالحكم والافتاء، فهذا اولى.

والثاني: أن الاذن انما يعتبر مع امكانه، أما مع عدمه فيسقط اعتباره ويبقى عموم القرآن والاخبار خاليا عن المعارض.ثم أورد صحيحتي عمر بن يزيد(١) ومنصور(٢) السالفتين واحتج باطلاقهما واطلاق غيرهما من الاخبار، ثم قال: والتعليلان حسنان والاعتماد على الثاني(٣) .هذا آخر كلامه والمقتضي لحصول الوهم فيه ثلاثة أشياء:

الاول: انه جعل بناء التعليل الثاني على سقوط اعتبار اذن الامام في الجمعة حيث لا يمكن، وجعل الاعتماد على هذا التعليل، واذا سقط اعتباره لم يحتج إلى وجود الفقيه المأمون، لان الباعث على اعتبار وجوده هو كون الاذن من الامام شرطا للصلاة.

الثاني: انه اعتبر في أحد التعليلين ضرورة الجمعة عن الفقهاء حال الغيبة ولم يعتبره في الثاني، فلولا أن المراد عدم اعتبار الفقيه لمشروعيته لكان التعليلان شيئا

____________________

(١) التهذيب ٣: ٢٤٥ حديث ٦٦٤، الاستبصار ١: ٤١٨ حديث ١٦٠٧.

(٢) التهذيب ٣: ٢٣٩ حديث ٦٣٦، الاستبصار ١: ٤١٩ حديث ١٦١٠.

(٣) الذكرى: ٢٣١.

(*)

١٠٩

واحدا لا شيئين.

الثالث: انه احتج بعموم القرآن - يعني اطلاقه واطلاق الاخبار - وذلك يقتضي عدم الاشتراط المذكور، لمنافاة الاطلاق الاشتراط.ولا يخفى على ذوي الطباع السليمة ضعف هذه الخيالات، وفساد هذه الاوهام: أما الاول، فلان المراد بالاذن الذي بنى التعليل الثاني على سقوط اعتباره مع عدم امكانه: هو الاذن الخاص دون الاذن مطلقا، ولا يلزم من سقوط اعتبار الاذن الخاص سقوط اعتبار الاذن مطلقا.ويدل على أن المراد الاذن الخاص ما سبق من كلامه قبل هذا، وما ذكره بعده.فأما سبق فقوله: ان اشتراط الجمعة بالامام أو نائبه اجماعي، وحينئذ فلا يعقل سقوط الاذن مطلقا، لمنافاة الاجماع له(١) .

وقوله: ويعلل بأمرين:

أحدهما: ان الاذن حاصل من الائمة الماضبن فهو كالاذن من امام الوقت، فان مقتضاه ان الاذن من الائمة الماضين قائم مقام الاذن من امام العصر حيث أنه معتبر وشرط، فاذا قوبل التعليل الثاني بهذا التعليل، وبني على عدم اعتبار الاذن تبادر إلى الفهم بغير شك الاذن الخاص.وأما ذكره بعده فقوله عند ما حكى قول المانعين من الجمعة في حال الغيبة - وهو القول الثاني من القولين - بناء‌ا على أن اذن الامام شرط الصحة وهو مفقود(٢) ، فان المراد بالاذن، هو الاذن الخاص كما حققناه فيما مضى، واذا جعل بناء قول المانعين على كون الاذن شرطا فالمناسب أن يبني قول المجوزين على أن ذلك الاذن غير شرط، ولو سلم فيكفي لعدم تحقق المخالفة احتمال ارادته.فان قيل: ما ذكرتم من أن سقوط اعتبار الاذن الخاص لا يستلزم سقوط اعتبار

____________________

(١) الذكرى: ٢٣٠.

(٢) الذكرى: ٢٣١.

(*)

١١٠

الاذن مطلقا حق، لكن كما لا يستلزم سقوطه مطلقا لا يستلزم ثبوته في الجملة، فمن أين يستفاد اشتراط الفقيه في محل النزاع؟ قلنا: قد علم أنه أسلف في أول كلامه أن اشتراط وجوب الجمعة بالامام أو نائبه اجماعي فيلزم منه اشتراط الفقيه في الغيبة، لما ثبت من كونه نائبا.فان قيل: فما الذي يكون حاصل التعليل الثاني حينئذ؟ قلنا: حاصله أن اذن الامام الذي ادعى المانع كونه شرطا للجمعة انما نقول بشرطيته الامكان لا مطلقا اذ لا دليل يدل على الاطلاق، فاذا تعذر سقط وبقى وجوب الاذن في الجملة مستفادا من الاجماع.فان قيل: فما الفرق بين التعليلين حينئذ؟ قلنا: الفرق بينهما أن التعليل الاول فيه اعتراف باشتراط اذن الامام مطلقا على كل حال، وفي حال الغيبة يكتفى عنه بما يقوم يقوم مقامه، وهو الاذن في الجملة.والتعليل الثاني حاصله نفي اشتراط اذن الامام مع عدم الامكان، واشتراط الفقيه ان لم يكن لازما عن هذا لكنه يثبت بمقتضي الاجماع السابق.وكيف قدر فلا يلزم أن يكون ما في الذكرى خلافا لما عليه الاصحاب لامرين: أحدهما: انه قد اضطرب رأيه في الفتوى، حيث انه عند حكاية قول المانعين قال: وهذا القول متجه..إلى آخره(١) ، وظاهره رجحان هذا القول الثاني.

الثاني: ان عبارة الدروس(٢) على خلاف ذلك وهي بعد الذكرى، وسمعنا كثيرا من بعض أشياخنارحمهم‌الله : انهرحمه‌الله كان يقول: خذوا عني ما في الدروس، فلا مجال لمتعنت أن يجعل ذلك قولا يخالف ما عليه الاصحاب.وبما ذكرناه من البيان اتضح بطلان الوهم الثاني ايضا.

____________________

(١) الذكرى: ٢٣١.

(٢) الدروس: ٤١.

(*)

١١١

وأما الثالث، فلان عموم القرآن والاخبار انما يريد به في مقابل ما يدعيه الخصم من اشتراط الجمعة بالاذن الخاص في زمان الغيبة، فهو عموم اضافي، لامتناع ارادة العموم مطلقا، للاتفاق على اشتراط العدد والخطبتين والجماعة، وذلك مقيد للاطلاق وان لم يكن مذكورا فانه مراد كما في قوله تعالى: " اذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا "(١) ، فان التقدير، اذا قمتم محدثين، لثبوت أنهصلى‌الله‌عليه‌وآله صلى الخمس بطهارة واحدة وقال: " انما أردت أن اعلمكم "(٢) ، وحيث اجريت الاية على الاطلاق بالاضافة إلى المتنازع فيه، لعدم ما يوجب التقييد لا يلزم أن لا يكون مقيده بما دل الدليل على التقييد به من اعتبار النائب في الغيبة.وينبه على أن مراده ما قلناه: انه في شرح الارشاد بعد أن رد استدلال المانعين بالقول بموجب دليلهم من حيث أن الفقيه منصوب من قبل الامام، احتج في آخر البحث على الجواز بعموم الاية(٣) ، فلولا أن مراده بالعموم ما قلناه لتنافي أول كلامه وآخره.

خاتمة وارشاد

هذا أو ان بيان أوصاف الفقيه النائب في زمان الغيبة، الموعود بذكرها في المقدمة الثانية، وقد سبق أنها ثلاثة عشر:

الاول: الايمان، لان العدالة شرط كما سنبين، وغير المؤمن لا يكون عدلا،

____________________

(١) المائدة: ٦.

(٢) صحيح مسلم ١: ٢٣٢ حديث ٢٧٧، سنن أبى داود: ٤٤ حديث ١٧١ و ١٧٢، سنن الترمذى ١: ٨٩ حديث ٦١، سنن ابن ماجة ١: ٧٠ حديث ٥١٠ و ٥١١، سنن النسائى ١: ٨٥ باب الوضوء لكل صلاة، مسند أحمد بن حنبل ٣: ١٣٢ و ١٣٣ وغيرها و ٥: ٣٥٠ و ٣٥٨.

(٣) غاية المراد: ٢٦.

(*)

١١٢

واليه الاشارة بقولهعليه‌السلام في حديث عمر بن حنظلة السابق: " منكم "(١) .

الثاني: العدالة، لوجوب التثبت عند خبر الفاسق، واليه الاشارة بقولهعليه‌السلام : " اعدلهما "(٢) .

الثالث: العلم بالكتاب.

الرابع: العلم بالسنة.لا على معنى أن يعلم الجميع، بل لابد منه في درك الاحكام، ولا يشترط حفظ ذلك، بل أهلية التصرف، بحيث اذا راجع أصلا معتمدا أمكنه الوقوف على ما هو بصدده.

الخامس: العلم بالاجماع، لانه أحد المدارك، وللتحرز من الفتوى بخلافه.

السادس: العلم بالقواعد الكلامية التي تستمد منها الاصول والاحكام.

السابع: العلم بشرائط الحد والبرهان، لامتناع الاستدلال من دونه.

الثامن: العلم باللغة والنحو والصرف، لا بالجميع بل المحتاج اليه على وجه يقتدر على التصرف اذا راجع.

التاسع: العلم بالناسخ والمنسوخ وأحكامهما، وكذا أحكام الاوامر والنواهي والعموم والخصوص، والاطلاق والتقييد، والاجمال والبيان، والعلم بمقتضى اللفظ شرعا وعرفا ولغة، ونحو ذلك مما يتوقف عليه فهم الخطاب، ككون المراد مقتضى اللفظ ان تجرد عن القرينة، وما دلت عليه على تقدير وجودها.

العاشر: أن يعلم أحوال التعارض والترجيح.

الحادي عشر: العلم بالجرح والتعديل وأحوال الرواة، وتكفي فيه شهادة من يعتمد عليه من الاولين، وقد اشتمل على ذلك الكتب المعتمدة في الحديث والرجال، ونقح الفقهاء جملة من ذلك في الكتب الفقهية.

____________________

(١) الكافى ١: ٦٧ حديث ١٠ باب اختلاف الحديث و ٧: ٤١٢ حديث ٥ باب كراهية الارتفاع إلى قضاة الجور، التهذيب ٦: ٣٠١ حديث ٨٤٥.

(٢) المصادر السابقة.

(*)

١١٣

الثاني عشر: أن له نفسا قدسية وملكة نفسانية يقتدر معها على اقتناص الفروع من الاصول، ورد الجزئيات إلى قواعدها، وتقوية القوي، وتضعيف الضعيف، والترجيع في موضع التعارض، فلا يكفي العلم بالامور السالفة بدون الملكة المذكورة، وكذا لا يكفي الاطلاع على استدلال الفقهاء وفهم كلامهم من دون أن يكون موصوفا بما ذكرنا، بحيث ينفق مما اتاه الله ولا يكون كلا على من سواه.ولابد في ذلك من ممارسة أهل الصنعة، واقتباس التدرب في ذلك منهم، وظهور الاستقامة على فحات أحواله بينهم على وجه لا يكاد يدفع، فلا يجوز لمن يخاف عذاب الاخرة وتتلون وجنتاه بالحياء أن يقدم على القول على الله ورسوله وأئمته صلوات الله عليه وعليهم لمجرد اعتقاده في نفسه فهم المراد، وظنه سلوك تهج السداد، ومطالعة عبارات الاولين، فان خياطة ثوب واصلاح طعام مع كونه من الامور الحسية لا يتم بدون التوفيق، فما ظنك بالشريعة المطهرة التي قرع نبينا وامامنا صلوات الله عليهما وآلهما لاجلها رؤوس جماجم قريش، وأضرب عن كونهم واسطة قلادة الرحم، والمتحرمين بحرمة ذلك الحرم.ومن خفي عليه ما قلناه فليستمع إلى قولهعليه‌السلام : " خذ العلم من أفواه الرجال "(١) ، وقولهعليه‌السلام : " لا يغرنكم الصحفيون "(٢) أي: الذين يأخذون علمهم من الصحف والدفاتر.

____________________

(١) ذكره العلامة في البحث الثالث من المقدمة من كتاب تحرير الاحكام ١: ٣، ورواه الاحسائى في عوالى اللالى ٤: ٨٧ حديث ٦٨، وعنه في بحار الانوار ٢: ١٠٥ حديث ٦٤ باب: من يجوز أخذ العلم منه ومن لا يجوز، وسفينة البحار ٢: ١٧.

(٢) ذكره العلامة في البحث الثالث من المقدمة من كتاب تحرير الاحكام ١: ٣، ورواه الاحسائى في عوالى اللالى ٢: ٨٧ حديث ٦٩، وعنه في بحار الانوار ٢: ٥ ١٠ حديث ٦٥ باب: من يجوز أخذ العلم منه ومن لا يجوز، وسفينة البحار ٢: ١٧.

(*)

١١٤

وليتنبه المقتحم لجة الهلكة بالتوثب على هذه المنزلة أنه قائل على الله، فاما مع كمال البصيرة واليقين، واما من الافتراء عليه سبحانه[ فهو ] في خسران مبين بدليل قوله تعالى: " قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون "(١) .وتعلل ذوي الاوهام الفاسدة بقول أكثر العلماء بجواز تجزؤ الاجتهاد كتعلل العليل بما لا يشفيه، فان المراد بتجزؤ الاجتهاد: القدرة على الاستنباط بالملكة المذكورة في بعض أبواب الفقه ومسائله دون بعض، بعد العلم بالامور المذكورة كلها على الوجه المعتبر - ان أمكن وقوع هذا الفرض - إلى أن يسمع أو يرى من يفهم كلام العلماء دليل مسألة فيحسن من نفسه رجحانه والاذعان إلى قبوله، فان ذلك مشترك بين هؤلاء وبين كثير من صلحاء عجائز أهل الاسلام مع تحاشهن عن الثلوث بالجرأة على الله إلى هذا المقام والى هذه الامور المذكورة كلها وقعت الاشارة بقولهعليه‌السلام : " وروى حديثنا وعرف أحكامنا "، فان معرفة الاحكام بدون ذلك ممتنع، ويستفاد منه أن وصف النيابة لا يثبت للمتجزئ فان الاضافة في الجميع تفيد الععوم، والمراد معرفتها باعتبار التهيؤ والاستعداد القريب.

الثالث عشر: أن يكون حافظا، بحيث لا يغلب عليه النسيان فيختل تصرفه في الصناعة لتعذر درك الاحكام حينئذ، وليس المراد عدم عرض النسيان كما هو ظاهر فان السهو كالطبيعة الثابتة للانسان، وما أحسن ما قيل: أول ناس أول الناس.وها هنا نجس عنان اليراعة حامدين الله سبحانه، مصلين على حبيبه وصفوته محمد وأطايب عترته، ومن وقف على ما أفدناه في هذه المسألة المهمة، فليتنبه إلى ما أودعناه في مطاوي عبارتها من الفوائد العلمية والنصائح الدينية، وليجعل محط نظره في مطالعتها وملاحظتها، بل في جميع حالاته هو قصد وجه الله العظيم،

____________________

(١) يونس: ٦٠.

(*)

١١٥

وليعلم أن أيام هذه المهلة عما قليل ينصرم، فاما نعيم لا يفنى، واما إلى سوء الحميم.وفرغ من تسويدها مؤلفها العبد المعترف بذنوبه وعيوبه علي بن عبد العالي تجاوز الله عن اساء‌ته، وحشره في زمرة مواليه وساداته، سادس شهر محرم الحرام افتتاح سنة احدى وعشرين وتسعمائة حامدا مصليا عودا على بدء.

١١٦

(٤) رسالة صيغ العقود والايقاعات

١١٧

١١٨

الحمد لله حمدا كثيرا كما هو أهله، والصلاة والسلام على رسوله محمد وآله.أما بعد، فهذه جملة كافلة ببيان، صيغ العقود والايقاعات، اذ كان لابد من معرفتها لمن احتاج إلى شئ منها من المكلفين، لتوقف حصول الامور المطلوبة منها شرعا على الاتيان بها على الوجه المعتبر، الذي ثبت كونه مثمرا لحصولها دون غيره من الوجوه.فان نقل الملك من عين أو منفعة، واباحة الفرج، وقطع سلطنة النكاح، والتزام الذمة البريئة بشئ من الحقوق، واسقاط ما في الذمة انما يكون بالطريق المعين لذلك شرعا، دون مجرد القصد والتراضي من المتعاملين والمتناكحين.ألا ترى أن المرأة لو رضيت بالوطء لم يحل ذلك وان كانت خلية من موانع النكاح، وصاحب المال لو قصد نقله إلى غيره لم يكف ذلك ولم ينتقل المال عن ملك المالك، وكذا لو أتى كل منهما بغير اللفظ المعين لذلك شرعا " تلك حدود الله فلا تعتدوها "(١) .واعلم أن العقد صيغة شرعية لابد لها من متخاطبين ولو بالقوة، يترتب عليها

____________________

(١) البقرة: ٢٢٩.

(*)

١١٩

نقل ملك، أو سقوط حق، أو حل فرج، أو تسلط على تصرف.

والعقود: عقد البيع، والقرض، والرهن، والصلح، والضمان، والحوالة، والكفالة، والوديعة، والعارية، والوكالة، والسبق والرمي، والجعالة، والشركة، والمضاربة والاجارة، والمزارعة، والمساقاة، والهبة، والصدقة، والعمرى، والتحبيس، والوقف، والوصية، والنكاح، والكتابة، وفي حكم ذلك الخلع والمبارات.

والعقد على ثلاثة أصناف: لازم من الطرفين باعتبار أصله: وهو الذي لا يتسلط على فسخه الا بسبب أجنبي وذلك: البيع، والصلح، والضمان، والحوالة، والكفالة، والاجارة، والمزارعة والمساقاة، والصدقة، والعمرى، والتحبيس، والوقف، والنكاح.

لازم من أحدهما خاصة: وهو الذي لا يتسلط على فسخه من طرف اللزوم الا بسبب أجنبي، وذلك: الرهن، فانه لازم من طرف الراهن جائز من طرف المرتهن، ويلامحه الخلع والمبارات، فان الزوجة لما كان لها الرجوع في البدل، وكان للزوج الرجوع معه فهو في قوة الفسخ، فهو لازم من طرفه جائز من طرفها.وغير لازم من أحدهما: وهو الجائز في أصله، وحكمه تسلط كل منهما على الفسخ، وقد يعرض له اللزوم بنذر وما جرى مجراه، وهو باقي العقود.والايقاع: صيغة شرعية يكفي فيها الواحد، يترتب عليها قطع وصلة، أو نقل ملك، أو استحقاق حق أو عقوبة، أو سقوط ذلك.

والايقاعات: الطلاق، والرجعة، والظهار، والايلاء، واللعان، والعتق، والتدبير،

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230