رسالة المحقق الكركي الجزء ١

رسالة المحقق الكركي0%

رسالة المحقق الكركي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 230

رسالة المحقق الكركي

مؤلف: الشيخ علي بن الحسين الكركي
تصنيف:

الصفحات: 230
المشاهدات: 42208
تحميل: 4718


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 230 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42208 / تحميل: 4718
الحجم الحجم الحجم
رسالة المحقق الكركي

رسالة المحقق الكركي الجزء 1

مؤلف:
العربية

وباقي الصلوات المندوبات مذكورة في كتب الاصحاب من أراد فيطلب من هناك.وكل النوافل ركعتان بتشهد وتسليم، الا الوتر فانها ركعة، وصلاة الاعرابي فانها أربع ركعات.وليكن هذا آخر ما أوردناه في هذه الرسالة، والحمد لله الذي وفق لاتمامها وختم الحسنى في افتتاحها واختتامها، وأنا أتضرع اليه بخاصته وخالصته محمد وأطائب عترته، مع ما أنا عليه من الاعتراف بالعجز والتقصير، والافتقار إلى وجوده المطلق في الجليل والحقير، أن يجعل ما بقى من أيام هذه المهلة مقصورا على مافيه رضاه، مصروفا فيما يحبه ويرضاه.وفرغ من تسويدها مؤلفهما العبد المذنب الجاني علي بن عبد العالي، وسط نهار الخميس تقربا إلى الله، عاشر شهر جمادي الاولى سنة سبع عشر وتسعمائة من الهجرة النبوية المصطفوية عليه أفضل الصلاة واكمل التحية بمشهد سيدي ومولاي ثامن الائمة الاطهار أبي الحسن علي بن موسى الرضا عليه وعلى آبائه وأولاده المعصومين أفضل الصلاة والسلام حامدا ومصليا.

٨١

(٣) رسالة صلاة الجمعة

٨٢

٨٣

بعد حمد الله على سوابغ نعمة الغامرة(١) ، والصلاة والسلام على حبيبه محمد وعترته الطاهرة، فقد طال تكرار سؤال المترددين الي عن حال شرعية صلاة الجمعة في هذه الازمان، التي مني أهلها بغيبة الامام عليه صلوات الله الحي القيوم، وانها على تقدير الشرعية ما الذي يعتبر لصحتها واجزائها عن صلاة الظهر، وأظهروا عندي في مرات(٢) كثيرة أن الناس في ذلك كالمتحيرين لا يدرون ما يصنعون، ولا يعلمون أي طريق يسلكون.فلما رأيت أن الامر قد تفاقم، والخلف والخلاف قد تراكم سألت الله الخيرة في املاء جملة من القول لتحقيق الحق في هذه المسالة، على وجه أرجو من التوفيقات الالهية أن ينكشف بها القناع ويزول بها اللبس، متضرعا اليه سبحانه أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وموجبة لثوابه الجسيم، وحين أجلت الرؤية في ما لابد منه لايضاح لاصواب خطر لي أن أضعها على ثلاثة أبواب:

____________________

(١) الغمر: الماء الكثير، الصحاح ٢: ٧٧٢ " غمر ".

(٢) في " ش ": مراتب.

(*)

٨٤

الباب الاول في المقدمات، وهى ثلاثة:

الاولى:

اختلف علماء الاصول في أن الوجوب اذا رفع هل يبقى الجواز أم لا؟ وتحرير محل النزاع: أنه اذا ثبت الوجوب بدليل شرعي في محل، ثم رفع بدليل آخر عن ذلك المحل هل يبقى الجواز ثابتا فيه، حيث أن الدليل الدال على الوجوب دل على شيئين: الوجوب، والجواز، والدليل الرافع له انما يرفع الوجوب خاصة؟ بكل من القولين قال جمع من العلماء: أما القائلون ببقاء الجواز(١) فاحتجوا بأن المقتضي للجواز موجود، والمانع منه منتف فوجب القول بتحققه.

أما الاول: فلان الامر الدال على الوجوب متحقق، لانه المفروض، والوجوب ماهية مركبة من الاذن في الفعل والمنع من الترك، فيكون مقتضيا لهما ضرورة كون المقتضي للمركب مقتضيا لكل جزء من أجزائه، لامتناع تحقق المركب من دون تحقق الاجزاء.

وأما الثاني: فلان الموانع كلها منتفية بحكم الاصل، ما عدا رفع الوجوب وهو غير صالح للمانعية، لانه انما يقتضي رفع الوجوب الذي قد علمت تركبه من الجزأين، ورفع المركب قد يكون برفع جميع الاجزاء، وقد يكون برفع أحدها، فهو أعم من كل منها، والعام لا يدل على خاص معين، فاذا لا دلالة لرفع الوجوب

____________________

(١) ذهب اليه جمع من الاصوليين منهم: محب الله بن عبد الشكور في فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت ١: ١٠٣، والقاضى البيضاوى في منهاج الاصول المطبوع بمتن الابهاج في شرح المنهاج ١: ١٢٦.ولمزيد الاطلاع أنظر: القوانين للميرزا أبو القاسم القمى ١: ١٢٧.

(*)

٨٥

على رفع الجواز.قيل عليه: بعد رفح المركب لا يعلم بقاء الجواز، لان رفع المركب قد يكون برفع الجزأين معا، والمقتضى منسوخ فلا يقطع ببقاء مقتضاه.

ورد: بأن بقاء الجواز متحقق لتحقق مقتضيه أولا، والاصل استمراره فلا يرفع بالاحتمال، والمنسوخ انما هو الوجوب لا نفس الامر المقتضي للجواز، فلا نقطع بعدم بقائه، للاكتفاء في رفع الوجوب برفع المنع من الترك، وعدم القطع ببقاء مقتضي الامر غير قادح، لان المدعى ظهور بقائه لا القطع به.

والتحقيق: أن جواز المدلول عليه بالامر الدال على الوجوب هو الجنس - أعني: الاذن في الفعل - لا الجواز الذي معناه استواء الطرفين، وذلك أمر كلي لا تحقيق له الا في ضمن فرد من أفراده الاربعة، أعني: الوجوب والندب والكراهة والاباحة.وبعد رفع الوجوب يمتنع بقاء الجواز المدلول عليه بالامر تضمنا، لامتناع تحقق الكلي لا في ضمن فرد من أفراده.والجواز الذي معناه استواء الطرفين لم يدل عليه دليل أصلا، اذ لا يلزم من ثبوت الوجوب ثبوته، كما لا يلزم من رفعه رفعه ولا ثبوته فينتفي بحكم الاصل، وحينئذ فيقطع بانتفاء ذلك الجواز.اذا عرفت ذلك فقوله في الجواب: (بقاء الجواز متحقق لتحقق مقتضيه) ان أراد به: الجواز الذي هو الامر الكلي فهو فاسد، لان بقاء‌ه بعد انتفاء الوجوب ممتنع، لان تحققه انما كان ضمنا، وذلك يقتضي بقاء‌ه بعد انتفاء الجزء الاخر، بل انتفاء ذلك الجزء يقتضي انتفاء‌ه ان لم يدل دليل على تقييده بجزء آخر، والفرض أن لا دليل يدل على ذلك أصلا.وان أراد الجواز بالمعنى الاخر فظاهر بطلانه.وأما القائلون بعدم بقاء الجواز(١) فاحتجوا بأن الجواز الذي هو جزء من

____________________

(١) منهم: الشيخ حسن بن زين الدين الشهيد الثانى في معالم العلماء وملاذ المجتهدين: (*)

٨٦

مفهوم الوجوب هو الجواز بالمعنى الاعم كما عرفت، لامتناع ذلك في الاخص، وتقومه بالفصل الذي هو المنع من الترك، فاذا ارتفع ارتفع لاستحالة بقائه منفكا عن فصل.قيل عليه: نمنع استلزام ارتفاع هذا الفصل ارتفاع الجنس لتقومه بفصل عدم المنع من الترك، لان ارتفاع المنع من الترك - الذي هو فصل الوجوب - يقتضي ثبوت عدم المنع منه، فيقوم به الجنس لاحتياجه إلى فصل ما، لا إلى فصل معين.وجوابه: ان ارتفاع المنع من الترك قد يكون برفع كل من الجزأين، وقد يكون برفع الحرج بالترك خاصة.فارتفاعه أعم من كل منهما، ولا دلالة للعام على الخاص، فلم يتحقق فصل عدم الحرج بالترك، وحكم الاصل يقتضي نفيه فينتفي الجواز، وهذا هو الحق.

المقدمة الثانية:

اتفق أصحابنا رضوان الله عليهم على أن الفقيه العدل الامامي الجامع لشرائط الفتوى، المعبر عنه بالمجتهد في الاحكام الشرعية نائب من قبل أئمة الهدى صلوات الله وسلامه عليهم في حال الغيبة في جميع ما للنيابة فيه مدخل - وربما استثنى الاصحاب القتل والحدود مطلقا - فيجب التحاكم اليه، والانقياد إلى حكمه، وله أن ييع مال المتنع من أداء الحق ان احتيج اليه، ويلي أموال الغياب والاطفال والسفهاء والمفلسين، ويتصرف على المحجور عليهم، إلى آخر ما يثبت للحاكم المنصوب من قبل الامامعليه‌السلام .

____________________

٩٠، وأبوحامد محمد بن محمد الغزالى في المستصفى من علم الاصول ١: ٧٣، ومحمد بن نظام الدين محمد الانصارى في فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت ١: ١٠٣، والعلامة الحلى في نهاية الاصول (مخطوط) البحث الرابع أحكام الوجوب ورقة ٩١، وعلى بن عبد الكافى السبكى في الابهاج في شرح المنهاج ١: ١٢٦، ولمزيد الاطلاع أنظر: القوانين للميرزا أبوالقاسم القمى ١: ١٢٧.

(*)

٨٧

والاصل فيه ما رواه الشيخ في التهذيب باسناد إلى عمر بن حنظلة، عن مولانا الصادق جعفر بن محمدعليهما‌السلام أنه قال: " أنظروا إلى من كان منكم قد روى حديثنا، ونظر في حلالنا وحرامنا، وعرف أحكامنا فارضوا به حكما فاني قد جعلته عليكم حاكما، فاذا حكم بحكمنا ولم يقبله منه فانما بحكم الله استخف وعلينا رد، وهو راد على الله، وهو على حد الشرك بالله، واذا اختلفا فالحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما في الحديث وأورعهما "(١) ، وفى معناه أحاديث كثيره(٢) .وقد استخرج الاصحاب الاوصاف المعتبرة في الفقيه المجتهد من هذا الحديث ونحوه، وضبطوها في ثلاثة عشر شيئا (سيأتي بيانها انشاء الله تعالى في آخر الرسالة)(٣) .والمقصود من هذا الحديث هنا: أن الفقيه الموصوف بالاوصاف المعينة، منصوب من قبل أئمتناعليهم‌السلام ، ناتب عنهم في جميع ما للنيابة فيه مدخل بمقتضى قوله: " فاني قد جعلته عليكم حاكما "، وهذه استنابة على وجه كلي.ولا يقدح كون ذلك في زمن الصادقعليه‌السلام ، لان حكمهم وأمرهمعليهم‌السلام واحد كما دلت عليه أخبار أخرى، ولا كون الخطاب لاهل ذلك العصر، لان حكم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والامامعليه‌السلام على الواحد حكم على الجماعة بغير تفاوت كما ورد في حديث آخر(٤) .

____________________

(١) التهذيب ٦: ٣٠١ حديث ٨٤٥.

(٢) انطر: الفقيه ٣: ٢ حديث ١، التهذيب ٦: ٢١٩ حديث ٥١٦.

(٣) في نسخة " ض ": من أراد معرفتها فليرجع إلى مضانها من كتب الاصحاب.

(٤) عوالى اللالى ١: ٤٥٦ حديث ١٩٧ و ٢: ٩٨ حديث ٢٧٠ وفيه: قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : " حكمى على الواحد حكمى على الجوامع ".وروى الترمذى في سنه ٤: ١٥١ كتاب السير(٢)(٢) باب ما جاء في بيعة النساء(٣)(٧) حديث ١٥٩٧ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله انه قال: " انما قولى لمائة امرأة كقولى لامرأة واحدة "، ورواه الدارقطنى (*)

٨٨

المقدمة الثالثة:

يشترط لصلاة الجمعة وجود الامام المعصوم أو نائبه، وعلى ذلك اجماع علمائنا قاطبة، وممن نقل الاجماع على ذلك من متأخري أصحابنا: المحقق نجم الدين بن سعيد في المعتبر(١) ، والعلامة المتبحر جمال الدين ابن المطهر في كنبه كالتذكرة(٢) وغيرها(٣) ، وشيخنا الشهيد في الذكرى(٤) ، وبعد التتبع الصادق تظهر حقية ما نقلوه، والاصل في ذلك قبل الاجماع الاتفاق على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعين لامامة الجمعة - وكذا الخلفاء بعده - كما يعين للقضاء(٥) ، وكما لا يصح أن ينصب الانسان نفسه قاضيا من دون اذن الامام فكذا امام الجمعة، وليس هذا قياسا بل استدلال بالعمل المستمر في الاعصار، فمخالفته خرق للاجماع.وينبه على ذلك ما روي عن أهل البيتعليهم‌السلام من عدة طرق، منها رواية محمد بن مسلم قال: " لا تجب الجمعة على أقل من سبعة: الامام، وقاضيه ومدع حقا، ومدعى عليه، وشاهدان، ومن يضرب الحدود بين يدي الامام "(٦) ، وفي

____________________

في سننه ٤: ١٤٧ حديث ١٦ كتاب المكاتب (النوادر)، والشوكانى في نيل الاوطار ١: ٣٠، والشهيد في الاربعون حديثا: ٢٣.

(١) المعتبر ٢: ٢٧٩.

(٢) التذكرة ١: ١٤٤.

(٣) تحرير الاحكام ١: ٤٣، منتهى المطلب ١: ٣١٧، نهاية الاحكام ٢: ١٣.

(٤) الذكرى: ٢٣٠.

(٥) انظر: السنن الكبرى للبيهقى ٣: ١٢٣، مصنف ابن شيبة ٢: ٢١٣، كنز العمال ٧: ٦٠٠ حديث ٢٠٤٥٣.

(٦) روى الشيخ الصدوقرحمه‌الله في الفقيه ١: ٢٦٧ حديث ١٢٢٢ عن محمد بن مسلم عن أبى جعفرعليه‌السلام قال: " تجب الجمعة على سبعة نفر من المؤمنين، ولا تجب على أقل منهم: الامام، وقاضيه، ومدعيا حق، وشاهدان، والذى يضرب الحدود بين يدى الامام ".وروى الشيخ الطوسىرحمه‌الله في التهذيب ٣: ٢٠ حديث ٧٥، والاستبصار ١: ٤١٨ (*)

٨٩

هذا دلالة على اشتراط الامام.

قال في التذكرة: ولانه اجماع أهل الاعصار، فانه لا يقيم الجمعة في كل عصر الا الائمة(١) .

اذا عرفت ذلك فاعلم أنه لا كلام بين الاصحاب في اشتراط الجمعة بالامام أو نائيه، انما الكلام في اشتراط كون النائب منصوبا بخصوصه أو يكفي نصبه ولو علي وجه كلي حيث يتعذر غيره، وأكثر الاصحاب على الثاني، وسيأتي لذلك مزيد تحقيق انشاء الله.

الباب الثانى: اختلف أصحابنا في حكم صلاة الجمعة

حال غيبة الامامعليه‌السلام على قولين بعد انعقاد الاجماع منهم، ومن كافة أهل الاسلام على وجوبها بشرائطها حال ظهوره(٢) :

الاول: القول بجواز فعلها اذا اجتمعت باقي الشرائط، وهو المشهور بين الاصحاب، وبه قال الشيخرحمه‌الله في النهاية والخلاف(٣) ، وأبوالصلاح(٤) ، والمحقق في المعتبر وغيره(٥) ، والعلامة في المختلف وغيره(٦) ، وشيخنا الشهيد(٧)

____________________

حديث ١٦٠٨ عن محمد بن مسلم عن أبى جعفرعليه‌السلام قال: " تجب الجمعة على سبعة نفر من المسلمين، ولا تجب على أقل منهم: الامام، وقاضيه، والمدعى حقا، والمدعى عليه والشاهدان، والذى يضرب الحدود بين يدى الامام ".

(١) التذكرة ١: ١٤٤.

(٢) في " ش " وجوده.

(٣) النهاية: ١٠٧، الخلاف ١: ٦٧٦ مسألة ٣٩٧ كتاب الصلاة.

(٤) الكافى في الفقه: ١٥١.

(٥) المعتبر ٢: ٢٩٧، شرائع الاسلام ١: ٩٨، المختصر النافع: ٣٦.

(٦) المختلف: ١٠٨، نهاية الاحكام ٢: ١٤.

(٧) الذكرى: ٢٣١.

(*)

٩٠

وجمع من المتأخرين(١) ، وهو الاقوى، وتدل عليه وجوه: الاول: قوله تعالى: " اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع "(٢) ، ووجه الدلالة: انه علق الامر بالسعي إلى الذكر المخصوص، وهو الجمعة أو الخطبة اتفاقا بالنداء للصلاة وهو الاذان لها، وليس النداء شرطا اتفاقا، والامر للوجوب كما تقرر في موضعه، فيجب السعي لها حينئذ، ووجوبه يقتضي وجوبها، ولا ريب أن الامر بالسعي انما هو حال اجتماع الشرائط من العدد والخطبتين وغيرهما.

فان قيل: المدعى هو شرعية الجمعة حال الغيبة، والاية انما تدل عليها في الجملة فلا يثبت المدعى.

قلنا: لا ريب أن المراد بالامر هنا التكرار وان لم يكن مستفادا من لفظ الامر فانه لا يدل بنفسه على وحدة ولا تكرار، اذ هو مستفاد بدليل من خارج، للاجماع على أنه لا يكفي للامتثال في الجمعة فعلها مرة أو مرات بل دائما، وذلك يتناول زمان الغيبة.

فان قيل: المدعى جواز فعل الجمعة زمان الغيبة، والذي دل عليه دليلكم هو الوجوب مطلقا المقتضي لوجوبهما حينئذ.

____________________

(١) قال السيد محمد جواد الحسينى العاملى في مفتاح الكرامة ٣: ٦٢: وأما القول الرابع وهو الوجوب تخييرا من دون اشتراط الفقيه، ويعبر عنه بالجواز تارة، وبالاستحباب أخرى فهو المشهور كما في التذكرة وغاية المراد، ومذهب المعظم كما في الذكرى، والاكثر كما في الروض والمقاصد العلية والماحوزية ورياض المسائل، وهو خيرة النهاية والمبسوط والمصباح وجامع الشرائع والشرائع والنافع والمعتبر والتخليص وحواشى الشهيد والبيان وغاية المراد كما سمعت، والموجز الحاوى والمقتصر وتعليق الارشاد والميسية والروض والروضة.

(٢) الجمعة: ٩.

(*)

٩١

قلنا: ليس المراد بالجواز هنا معناه الاخص وهو ما استوى طرفا فعله وتركه لامتناع ذلك في العبادات، فان العبادة تستدعي رجحانا لتفعل كونها قربة، وكون الاخلاص معتبرا في نيتها والثواب مترتبا على فعلها، وانما المراد به معناه الاعم - أعني مطلق الاذان في الفعل شرعا - وذلك جنس للوجوب والندب وقسميهما.

فان قيل: أي الاقسام الاربعة مراد؟ قلنا: معلوم انتفاء الاباحة والكراهة وكذا الندب، للاجماع على أن الجمعة حيث تشرع تجزئ عن الظهر، ويمتنع التعبد بهما معا، لامتناع الجمع بين البدل ومبدله، فلم يبق الا الوجوب التخييري بينها وبين الجمعة، فالجواز المدعى في معنى الوجوب.

فان قيل: لم آثرتم التعبير بالجواز على الوجوب؟ قلنا: لوجهين: أحدهما: ان التعبير بالوجوب يوهم اراده الحتم.

والثاني: ان مناط الخلاف هو الشرعية حالنئذ وعدمها ومعنى الشرعية: الاذن في الفعل شرعا، فاذا مناط الخلاف هو الجواز وعدمه، فلو عبر بغيره لم يقع الموقع.فان قيل: قد عبر بعض الفقهاء باستحباب الجمعة حال الغيبة.قلنا: هو صحيح وان كان التعبير بالجواز أولى، لما نبهنا عليه، ووجه الصحة: ان الوجوب التخييري لا ينافيه الاستحباب العيني، لان أحد فردي الواجب قد يكون أفضل من الفرد الاخر، فيكون مستحبا بالنسبة اليه، فيستحب اختياره.فان قيل: دليلكم يقتضي الوجوب العيني الحتمي، والمدعى هو الوجوب التخييري فلم يتلاقيا.قلنا: أجمع علماؤنا الامامية رضوان الله عليهم طبقة بعد طبقة، من عصر أئمتناعليهم‌السلام

٩٢

إلى عصرنا هذا على انتفاء الوجوب العيني عن الجمعة حال غيبة الامامعليه‌السلام وعدم تصرفه ونفوذ أحكامه، ولعل السر فيه أن اجتماع الناس كافة في مكان واحد لفعل الجمعة - كما هو الواجب في كل بلد - مناط التنازع والتجاذب، فمع عدم ظهور الامام ونفوذ أحكامه ربما كان مثار الشر والفساد فلم يحسن الامر به مطلقا.ويومئ إلى ذلك ما رواه طلحة بن زيد، عن أبيه، عن عليعليه‌السلام قال: " لا جمعة الا في مصر تقام فيه الحدود "(١) وان كان في الحديث ضعف، وحيث كان كذلك لم يكن عموم الاية بالوجوب الحتمي في الازمان الشامل لزمان الغيبة المستفاد من التكرار، الذي دل الاجماع على كونه مرادا بالامر ثابتا، بل الثابت عمومها مطلق الوجوب الصادق بالوجوب الحتمي حالنئذ وهو المدعى.واعترض شيخنا في شرح الارشاد على الاحتجاج بالاية على جواز الجمعة حال الغيبة أو استحبابها: بأنه يحتمل أن يرد ب‍ " نودي ": نداء خاص، وقرينته الامر بالسعي(٢) .

يعني: يحتمل ارادة النداء حال وجود الامامعليه‌السلام بقرينة الامر بالسعي الدال على الوجوب في زمان الغيبة.وجوابه: ان الوجوب ثابت في زمان الغيبة وغيره كما قررناه، لان الوجوب التخييري وجوب فلا اشكال.

الثاني: الاخبار: فمنها صحيحة زرارة، قال: حدثنا أبوعبداللهعليه‌السلام على صلاة الجمعة حتى ظننت أنه يريد أن نأتيه، فقلت: نغدوا عليك، فقال: " لا، انما عنيت عندكم "(٣) .

____________________

(١) التهذيب ٣: ٢٣٩ حديث ٦٣٩، الاستبصار ١: ٤٢٠ حديث ١٦١٧.

(٢) غاية المراد: ٢٦.

(٣) التهذيب ٣: ٢٣٩ حديث ٦٣٥، الاستبصار ١: ٤٢٠ حديث ١٦١٤.

(*)

٩٣

ومنها موثقة زرارة، عن عبدالملك، عن الباقر عليه السام قال: " مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله "، قال: قلت: كيف أصنع، قال، قال: " صلوا جماعة "(١) يعني الجمعة.ومنها صحيحة عمر بن يزيد، عن الصادقعليه‌السلام قال: " اذا كانوا سبعة يوم الجمعة فليصلوا في جماعة "(٢) .ومنها صحيحة منصور، عن الصادقعليه‌السلام قال: " يجمع القوم يوم الجمعة اذا كانوا خمسة فما زاد، فان كانوا أقل من خمسة فلا جمعة لهم، والجمعة واجبة على كل أحد، لا يعذر الناس فيها الا خمسة "(٣) الحديث.واعترض شيخنا في شرح الارشاد على الحديثين الاولين: بأنه يجوز استناد الجواز فيهما إلى اذن الامام وهو يستلزم نصب نائب، لانه من باب المقدمة.قال: ونبه عليه العلامة في نهايته بقوله: لما أذنا لزرارة وعبد الملك جاز لوجود المقتضى وهو اذن الامام(٤) .

وجوابه: ان تجويز فعل أو ايجابه من الامامعليه‌السلام لاهل عصره لا يكون مقصورا عليهم، لان حكمهعليه‌السلام على الواحد حكمه على الجماعة، كما في قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد سئل عن القصر: " انما هي صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته "، فان ذلك غير مقصور على السائل، ولا على أهل عصره قلعا، فتجويز الامامعليه‌السلام فعل الجمعة لاهل عصره مع عدم نفوذ أحكامه وتصرفاته يكون أذنا لهم ولغيرهم، ولا يلزم إلى نصب نائب من باب المقدمة كما ذكره،

____________________

(١) التهذيب ٣: ٢٣٩ حديث ٦٣٨، الاستبصار ١: ٤٢٠ حديث ١٦١٦.

(٢) التهذيب ٣: ٢٤٥ حديث ٦٦٤، الاستبصار ١: ٤١٨ حديث ١٦٠٧.

(٣) التهذيب ٣: ٢٣٩ حديث ٦٣٦، الاستبصار ١: ٤١٩ حديث ١٦١٠.

(٤) النهاية ٢: ١٤، غاية المراد: ٢٦.

(*)

٩٤

لانه حينئذ لا يكون خاصا، والعام غير متوقف على نصبهم، لما عرفت من أن الامام قد نصب نائبا على وجه العموم بقولهعليه‌السلام : " فانه قد جعلته عليكم حاكما "، وهذا لا يختلف فيه عصره وعصرنا.ويظهر من قول زرارةرحمه‌الله : حدثنا أبوعبداللهعليه‌السلام ، ومن قول الباقرعليه‌السلام لعبد الملك: " مثلك يهلك ولم يصل فريضة فرضها الله تعالى ! " أن ذلك ليس على طريق الوجوب الحتمي العيني، وان كان قولهعليه‌السلام : " فريضة فرضها الله تعالى " يدل على الوجوب في الجملة، وما ذاك الا لان زمانه وزمان الغيبة لا يختلفان، لاشتراكهما في المنع من التصرف وتنفيذ الاحكام الذي هو المطلوب الاقصى من الامام، ولو لا ذلك لم يكن نصبه للحاكم حينئذ متناولا لعصرنا وما قبله وما بعده، وأي فرق بين الحكمين حتى يجعل أحدهما مقصورا على عصرهعليه‌السلام والاخر عاما في كل زمان؟ وعند التأمل الصادق لهذين الحديثين تتضح دلالتهما على مشروعية فعل الجمعة وان لم تجب حتما، اذ لو كان الوجوب حتما لكان حقه أن يأمر ويزجر وينكر على التاركين كمال الانكار.والعجب أن الاصحاب لم يقصروا نصب الحاكم على الوجه الذي عرفته على من سمع ذلك في زمنهمعليهم‌السلام ، واعترضوا بعمومه لكل زمان، وهنا اختلفوا وصار بعضهم إلى تجويز قصر الاذن على أهل عصرهمعليهم‌السلام ! واعترضرحمه‌الله على الحديثين الاخرين بأنهما مطلقان، والمطلق محول على المقيد(١) .وجوابه: القول بالموجب، فانهما مقيدان بوجود الامام أو من يقوم مقامه، فيدلان حينئذ على مطلق وجوب الجمعة مع الشرائط المذكورة وان تحتمت مع ظهورهعليه‌السلام ، لما عرفت سابقا من انتفاء الوجوب الحتمي حال الغيبة باجماعنا.

____________________

(١) غاية المراد: ٢٦.

(*)

٩٥

الثالث: استصحاب الحال، فان الاجماع من جميع أهل الاسلام على وجوب الجمعة(١) حال ظهور الامامعليه‌السلام بشرط حضوره أو نائبه ثابت، فيستصحب إلى زمان الغيبة إلى أن يحصل الدليل الناقل وهو منتف.فان قيل: شرط ظهور الامام فينتفي.قلنا: ممنوع، ولم لا يجوز أن يكون شرطا لتحتم الوجوب، فيختص بالانتفاء بانتفائه.فان قيل: يلزم بحكم الاستصحاب القول بالوجوب العيني.

قلنا: هناك أمران، أحدهما:

أصل الوجوب في الجملة،

والثاني: تحتمه وتعين الفعل، والذي يلزم استصحابه هو الاول دون الثاني، لما عرفت من أن تحتم الوجوب مشروط بظهور الامام اجماعا منا، فاذا انتفى شرط كيف يستصحب.فان قيل: فيلزم بمقتضى الاستصحاب شرعية الجمعة حال الغيبة وان لم يكن من له النيابة حاضرا.قلنا: لم ينعقد الاجماع على وجوبها حال ظهورهعليه‌السلام مطلقا، بل يشترط حضوره أو نائبه اجماعا منا، فهذا هو الذي يلزم استصحابه دون ما عداه، ويزيده بيانا أن اشتراط الجمعة بالامام أو نائبه اجماعي كما عرفت، فان كان شرط الصحة فظاهر، وان كان شرط الوجوب فاذا انتفي لم يلزم بقاء الجواز كما عرفته، على أن بقاء الجواز هنا لم يعقل وان جوزناه في مواضع أخرى، لان الجواز الثابت هو الجواز بالمعنى الاخص، لان الفصل المقيد للجنس - وهو عدم الحرج الذي يقتضي فصل الوجوب - لا يستلزم رجحانا ليصدق الاستحباب، لعدم استلزام الاعم الاخص، ولانتفائه بالاصل وبانتفاء ما يقتضيه، والجواز بالمعنى الاخص لا ينتظم مع العبارة.

____________________

(١) في نسخة " ش ": وجوپ الجمعة في الجملة.

(*)

٩٦

واعلم أن شيخنا الشهيد قال في شرح الارشاد بعد أن اعترض على دلائل المجوزين بما حكيناه سابقا: والمعتمد في ذلك أصالة الجواز، وعموم الاية، وعدم دليل مانع(١) .هذا كلامه، وهو استدلال عجيب، فان أصالة الجواز لا يستدل بها على فعل شئ من العبادات، اذ كون الفعل قربة وراجحا بحيث يتعبد به توقيفي يحتاج إلى اذن الشارع، وبدونه يكون بدعة، واما الاية فلا عموم لها، واطلاقها مقيد بحصول الشرائط باتفاق أهل الاسلام، ومن الشرائط حضور الامام أو نائبه اجماعا منا، وأما عدم الدليل المانع فلا يقتضي الجواز، اذ لابد من كون المجوز موجود.القول الثانى: المنع من صلاة الجمعة حال الغيبة ونفي شرعيتها، وهو المنقول عن المرتضى في المسائل الميافارقيات ظاهرا(٢) وعن سلار(٣) وابن ادريس صريحا(٤) ، واختاره العلامة في المنتهى(٥) وقال في الذكرى: انه متوجه بعد أن أفتى بالجواز(٦) ، وذلك يقتضي اضطراب كلامه في حكمها، واحتجوا على ذلك بوجوه: الاول: شرط انعقاد الجمعة الامام أو من نصبه لذلك اتفاقا، وفي حال الغيبة الشرط منتف فينتفي الانعقاد، لامتناع ثبوت المشروط مع انتفاء الشرط.وأجاب في المختلف بمنع الاجماع على خلاف صور النزاع، وبالقول

____________________

(١) غاية المراد: ٢٦،.

(٢) جواب المسائل الميافارقيات (ضمن رسائل الشريف المرتضى) المجموعة الاولى: ٢٧٢.

(٣) المراسم: ٧٧.

(٤) السرائر: ٦٣.

(٥) منتهى المطلب ١: ٣٣٦.

(٦) الذكرى: ٢٣١.

(*)

٩٧

بالموجب، فان الفقيه المأمون منصوب من قبل الامام، ولهذا تمضي أحكامه وتجب مساعدته على اقامة الحدود والقضاء بين الناس(١) .لا يقال: الفقيه منصوب للحكم والافتاء، والصلاة أمر خارج عنهما.

لانا نقول: هذا في غاية السقط، لان الفقيه منصوب من قبلهمعليهم‌السلام حاكما في جميع الامور الشرعية، كما علمته في المقدمة.

الثاني: ان الظهر ثابتة في الذمة بيقين، فلا يبرأ الملكف الا بفعلها.وأجاب أيضا بأن اليقين منتف بما ذكرناه، يعني من الدلائل الدالة على مشروعية الجمعة(٢) .وأجاب في شرح الارشاد بأنه يكفي في البراء‌ة الظن الشرعي، والا لزم التكليف بما لا يطاق(٣) .وفي هذا الجواب اعتارف بوجوب الظهر، والاولى في الجواب منع تيقن وجوب الظهر في محل النزاع، وكيف وهو المتنازع.! فيكون الاحتجاج به مصادرة.

الثالث: ذكره شيخنا في الذكرى فقال - بعد أن حكى القول بالمنع ودليل القائلين به - وهذا القول متوجه، والالزم وجوب العيني، وأصحاب القول الاول - يعنى المجوزين - لا يقولون به(٤) .

وحاصله: انه لو جاز فعل الجمعة حال الغيبة - كما قال المجوزون - لزم وجوبها عينا فلا يجوز فعل الظهر، والثاني باطل باتفاقنا.وبيان الملازمة: ان الدلائل الدالة على الجواز دالة على الوجوب عينا، فان

____________________

(١) المختلف: ١٠٩.

(٢) المختلف: ١٠٩.

(٣) غاية المراد: ٢٦.

(٤) الذكرى: ٢٣١.

(*)

٩٨

اعتبرت ادلالتها لزم القول بالوجوب، ولان الجمعة لم تشرع الا واجبة عينا، فمتى ساغ فعلها لزم وجوبها كذلك.هذا اقصى ما يقال في توجيهه، وضعف هذا الاستدلال أظهر من أن يحتاج إلى البيان، فان الدلائل الدالة على الجواز دالة على الوجوب في الجملة لا على الوجوب عينا، ونحن نقول بموجبه، وكون الجمعة لم تشرع الا واجبة عينا ليس أمرا زائد على محل النزاع فالمطالبة بالبيان بحالها.فان قيل: المتبادر من الوجوب هو العيني لا التخييري.قلنا: ان اريد كونه لا يستعمل فيه حقيقة فمعلوم بطلانه، واذا اريد كون العيني أكثر في الاستعمال فمسلم، لكن ذلك لا يمنع من الحمل عليه، على أنا نحمله على الوجوب في الجملة أعم من كل منهما، وهو الموضوع الحقيقي وحينئذ فيتم المراد، لاسيما وقد أجمعنا على امتناع ارادة العيني، للاجماع على نفيه حال الغيبة، وصحيحة زرارة(١) وموثقة عبد الملك(٢) تنبهان على ذلك.واعلم أن من الاصحاب من بنى القولين في السمألة على أن الامام هل هو شرط الصحة أو شرط الوجوب؟ فان أصل الاشتراط لاخلاف فيه، فان كان شرط الصحة امتنع فعل الجمعة حال الغيبة كما يقول ابن ادريس(٣) والجماعة(٤) ، وان شرط الوجوب لم يمتنع، اذ اللازم انتفاؤه حينئذ هو الوجوب خاصة، وأول من أشار إلى هذا البناء شيخنا الشهيد في الذكرى، فانه قال - بعد حكاية القول بالمنع عن ابن ادريس والجماعة -: وهو القول الثاني من القولين، بناء‌ا على أن اذن

____________________

(١) التهذيب ٣: ٢٣٩ حديث ٦٣٥، الاستبصار ١: ٤٢٠ حديث ١٦١٤.

(٢) التهذيب ٣: ٢٣٩ حديث ٦٣٨، الاستبصار ١: ٤٢٠ حديث ١٦١٦.

(٣) السرائر: ٦٣.

(٤) السيد المرتضى في جواب المسائل الميافارقيات (ضمن رسائل الشريف المرتضى) المجموعة الاولى: ٢٧٢، وسلار في المراسم: ٧٧، والعلامة في المنتهى ١: ٣٣٦.

(*)

٩٩

الامام شرط الصحة وهو مفقود(١) .وتبعه تلميذه المقداد في شرح النافع قال فيه: ومبنى الخلاف أن حضور الامام هل يشترط في ماهية الجمعة ومشروعيتها أم في وجوبها؟ فابن ادريس على الاول، وباقي الاصحاب على الثاني وهو أولى، لان الفقيه المأمون كما تنفذ أحكامه حال الغيبة كذا يجوز الاقتداء به في الجمعة(٢) ، هذا كلامه.وما أشار اليه شيخنا من البناء لا يخلو: اما أن يراد بالاذن فيه: الاذن مطلقا، أو الاذن الخاص وهو الصادر من الامامعليه‌السلام لشخص معين، والاول منظور فيه، فان اذن الاما في الجملة متى ثبت كونه شرطا للجمعة لزم عدم مشروعيتها بانتفائه، سواء كان شرطا لصحتها أو لوجوبها، أما اذا كان شرط الصحة فظاهر، وأما اذا كان شرط الوجوب، فلان انتفاء الوجوب لانتفاء الشرط لا يلزم منه ثبوت الجواز لوجوه: الاول: ما سبق بيانه في المقدمة من أن الوجوب اذا رفع لا يبقى الجواز.

الثاني: ان الجواز(٣) بمعنى الاباحة لا يتصور في العبادة، واثبات الاستحباب بغير مثبت باطل، ومع ذلك لا قائل بواحد منها من أهل الاسلام.

الثالث: ان وجوب الجمعة اذا اختص بحال الاذن اقتضى كون الدلائل الدالة على فعلها مختصة بحال الاذن، لبطلان ما خالفها، وحينئذ فحال عدم الاذن لا يدل عليه بوجوب ولا اباحة، فلا يقال فيه ارتفع الوجوب فيبقى الجواز، لان متعلق الوجوب والجواز يعتبر اتحاده ليتأتى فيه ذلك، وهو منتف هنا.

وأيضا فان بناء الجواز حال الغيبة على الاذن في الجملة شرط الوجوب لا يستقيم، لان ذلك يقتضى الوجوب حال الغيبة، لتحقق الشرط بوجود الفقيه، ولا قائل به.

____________________

(١) الذكرى: ٢٣١.

(٢) التنقيح الرائح لمخنصر الشرائع ١: ٢٣١.

(٣) في " ش ": الوجوب.

(*)

١٠٠