رسالة المحقق الكركي الجزء ٢

رسالة المحقق الكركي0%

رسالة المحقق الكركي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 271

رسالة المحقق الكركي

مؤلف: الشيخ علي بن الحسين الكركي
تصنيف:

الصفحات: 271
المشاهدات: 28677
تحميل: 5259


توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 271 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 28677 / تحميل: 5259
الحجم الحجم الحجم
رسالة المحقق الكركي

رسالة المحقق الكركي الجزء 2

مؤلف:
العربية

٤١

اشتهر على ألسنة بعض الطلبة أن من لا يعرف جميع ما يجب عليه لا يسوغ له القصر في سفره في صوم ولاصلاة، وهذا الكلام مع فساده اذا اخذ على اطلاقه في غاية القبح والشناعة.

اما أولا: فلان ذلك لم يسمع في شي ء من الاخبار، ولا في كلام أحد من علماء الامصار على تكرار الاعصار، بل المسموع اذنهم في القصر للعوام وغيرهم من غير فرق.ولو فرق أحدهم لاشتهر كما اشتهر غيره.

واما ثانيا: فلان المنع المذكور يتطرق إلى طلبة العلم بل إلى أكابرهم سيما أهل عصرنا هذا، فان أحدا منهم لا يكاد نجده موفيا بما يجب عليه تحصيله.فان المقلد لابد أن يعرف جميع الواجبات ويأخذها عمن له أهلية الفتوى ومن له أهلية الاجتهاد، ولابد أن يترقى ويتوسع إلى أن يحصل جميع الواجبات الكفائية.وهذا أمر لا يكاد يوجد ولا يتحقق، فان أحدا لا يخلو من التقصير في التحصيل وحينئذ فيلزم المنع من القصر بالكلية، وهو معلوم البطلان.

٤٢

واما ثالثا: فلان الممنوع من القصر في سفره بالسبب المذكور يجب أن يكون ممنوعا من جميع الواجبات، بل ومن المستحبات والواجبات الغير المضيقة.وحينئذ فيحرم على غيره مخالطته بنحو البيع والشراء والمحاورات العرفية والحكايات وامثالها، لما فيه من المعاونة على الاثم والعدوان.بل يحرم السلام عليه لما انه يقتضي تشاغله بالرد، ويحرم ايضا الوقوف مع الجماعة في الصلوات على الوجه المنافي لكمال التشاغل.ولم نسمع من أحد من العلماء الذين عاصرناهم، ولا عمن تقدم في الاعصر الماضية منع القوام من الجلوس في السوق، والتشاغل بالبيع والشراء، و غيرهما من الامور المباحة، بل اكثر من يتولى ذلك هم القوام ورأينا يحثونهم على ملازمة المساجد لصلاة الجمعة، وفي الوقت سعة ويشتغلون بالمستحبات.والحاصل ان السفر المذكور ان كان حراما فالاشياء المذكورة كلها كذلك بل أولى فما المقتضي لقصر الاستنباط والتدوين على هذا الفرد.

واما رابعا: فلان هذا الحكم انما يتحقق اذا كانت المعرفة للواجبات في السفر ممكنة، وامكن العود أو الوصول إلى موضع يحصل فيه القيام بالواجب، فلا يكون اطلاق كون الجهل مانعا من القصر في السفر صحيحا.

واما خامسا: فلان اطلاق النصوص بالقصر لكل مسافر موجودة كثيرة لاتكاد تحصر.والعموم والاطلاق انما يخصه ويقيده الدليل الشرعي ولا دليل شرعي يدل على ذلك خصوصا، واقرار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله والائمةعليهم‌السلام على القصر موجود، وقولهعليه‌السلام : " انما هي صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته "

٤٣

خطاب لاهل عصره وغيرهم من المكلفين.فكيف يسوغ بعد امتثال هذه الامور وتراخي الضر منه لاحد من الناس خصوصا امتثال أهل عصرنا أن يقترح من عند نفسه امثال هذه الاقتراحات، التي لو نوقش لوجدها عائدة عليه بأقبح شناع، والله سبحانه اعلم بحقائق الاحكام.

٤٤

(١٤) رسالة في السجود على التربة المشوية

٤٥

٤٦

الحمد لله حمدا كثيرا كما هو اهله، والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله الطاهرين.

وبعد، فلما شاع واشتهر أن في هذا العصر من اظهر القول بمنع السجود في الصلاة على التربة الشريفة الحسينية - على من شرفت بنسبتها اليه أفضل الصلاة والسلام - اذا شويت بالنار.وتمادى في ذلك عمل كثير من العامة بمقالته، وتركوا ما هو المعروف في المذهب المتناقل بين العلماء المحققين، عصرا بعد عصر، وخلفا بعد سلف، وطبقة بعد طبقة، من جواز السجود عليها، والخروج من عهدة التكليف بفعل الصلاة على ذلك الوجه.وطرق السمع أن جمعا من الفضلاء ينكرون هذه المقالة وبزرون على قائلها ويودون أن لو كان في هذا الباب من الدلائل الشرعية، والحجج الفقهية جملة مجموعة الاطراف في مظنه، يرجع اليها ويعول عليها، ويستمسك الطالبون بالحق بها، ويحنون على من اقحتم هذه اللجة وألقى نفسه في هذه المهلكة بما اودع

٤٧

في مطاويها، مما تذعن له قلوب العلماء العاملين ولا تمجه اذان السامعين المنصفين، شرعت في تحقيق الحق في ذلك على الوجه المطلوب، مستعينا بالله سبحانه ومتوكلا عليه، وهو حسبي ونعم الوكيل، فأقول وبالله التوفيق: لا نعرف خلافا بين اصحابنا الامامية رضوان الله عليهم، بل بين المسلمين، في أن التربة الشريفة الحسينية صلوات الله على مشرفها، يجوز السجود عليها، سواء شويت بالنار أم لا.أما غير اصحابنا فظاهر، لانهم يجوزون السجود على كل شئ طاهر.وأما اصحابنا فانا لم نقف لاحد من المعتبرين في ذلك على منع، نعم سلار في رسالته حكم بكراهية السجود على التربة المشوية(١) ، وسيأتي انشاء الله بيان ضعفه.وباقي اصحابنا اطلقوا القول بجواز السجود على الارض واجزائها وبعضهم اطلق القول باستحباب السجود على التربة المقدسة.فالمذهب هو القول بالجواز لامحالة، والقول بالمنع من المشوية خارج عن مقالة علماء أهل البيتعليهم‌السلام ، بل عما عليه جميع أهل الاسلام.وأما القول بكراهية السجود على المشوية فهو قول ضعيف مرغوب عنه، والقائل به هوسلار والمختار خلافه.فيقع الكلام في مقامين:

أحدهما: في الاستدلال على الجواز، وبيان فساد القول بالمنع.

والثاني: بيان عدم الكراهية، وضعف القول بها.

أما الاول فلا بد في تحقيقه من مقدمة وهي: ان الدلائل الشرعية، منها العام والمطلق والاستصحاب، وماجرى مجراها مما يدل بظاهره، ولا شك في حجيتها ووجوب التمسك بها.ولا فرق بينها وبين الدال على الحكم نصا في اصل الحجة

____________________

١ - المراسم: ٦٦.

(*)

٤٨

وان كان النص مقدما عليها عند التعارض، ولا شبهة في هذه الاحكام عند المحققين من الاصوليين، فلا جرم متى وجد في المسألة دليل على حكم يدل بعمومه أو باطلاقه وما جرى في مجراهما وجب التمسك به، ولم يجز العدول عنه، فان المقام انما يعدل عن عمومه بمخصص، والمطلق بمقيد.

اذا عرفت ذلك فاعلم انه يدل على ما ادعيناه وجوه:

أحدها: الاصل، ووجه الاستدلال به أن الاوامر الواردة بالسجود تقتضي جواز السجود على كل شئ، الا ما ورد المنع منه شرعا، وذلك لان السجود هو موضع الجبهة على الارض، وماجرى مجراها في تمكين الجبهة عليه، فاطلاق الامر به طلب للماهية لا بقيد، فيتحقق الامتثال بالاتيان بها في ضمن أي فرد كان من افرادها.ويجب التمسك بهذا الاطلاق لا محالة، الا في ما دل الشرع على المنع من السجود عليه، فقيد الاطلاق في محل المنع، ويبقى ماعداه على حكمه، كما دلت عليه القوانين الاصولية.ولاشك انه لم يرد في الشرع نص يقتضي المنع من السجود على التربة المشوية، فيقتضي تقييد الاطلاق في هذا الفرد، فيكون السجود عليه مجزئا.واذا أردت صورة الدليل بخصوصها قلت: السجود على التربة المشوية مأمور به، وكل مأمور به ففعله مخرج عن عهدة التكليف.وبيان الاولى مما سبق، وبيان الثانية مقرر في الاصول.

فان قلت: المعروف بين الاصوليين والفقهاء أن الاصل هو البراء‌ة الاصلية، ولا مجال للاستدلال به في الامور المحتاجة إلى التوقف شرعا.

قلنا: بل الاصل عندهم يقع على معان اربعة، أحدها القاعدة الكلية الشرعية، كما نص عليه المحقق في شرح اصول ابن الحاجب.

٤٩

الثاني: الاستصحاب وهو على وجهين:

أحدهما: استصحاب الحكم المنصوص، وبيانه: ان النصوص وردت بجواز السجود على التربة الحسينية قبل أن تشوى، فيجب استصحاب هذا الحكم بعد شيها، لانتفاء الناقل شرعا، فان الاستصحاب حجة ومستعمل ما لم يرد من الشرع ناقل.

وثانيهما: استصحاب الحكم المجمع عليه إلى موضع النزاع، وبيانه: ان الاجماع واقع على جواز السجود على التربة قبل ان تشوى، فيستصحب حكمه إلى موضع النزاع، وهو ما اذا شويت، لانتفاء الناقل شرعا من نص أو اجماع، والاستصحاب حجة كما قدمناه.

فان قلت: الناقل حصول الاستحالة في المشوية المخرجة لها عن كونها ارضا.

قلنا: سنبين انشاء الله تعالى فساد هذه الدعوى، وتحقيق أن ذلك من الاوهام الفاسدة الناشئة عن عدم الاحاطة بمعنى الاستحالة، وعدم الفرق بين الشئ وما فيه ملامحة له توهم انه هو.

الثالث: الاجماع من علمائنا بل من جميع المسلمين على جواز السجود على التربة المتنازع فيها.

وتحقيقه: انا بعد التتبع الصادق لكلام الاصحاب، الذين هم أهل الحل والعقد، في كتبهم المختصة بالفتاوى، وكتب الاستدلال، وما افروده من الكتب لنقل الخلاف لم نجد في كلام أحد منهم تصريحا ولا تلويحا بالمنع من السجود على المشوية، ولا نقل ناقل منهم عن أحد العلماء في طبقة من الطبقات، ولا في عصر من الاعصار القول بالمنع منه، مع تتبعهم لنقل الخلاف النادر في المسائل النادرة وتصديهم لتوجيهه أو رده، والمتنازع فيه من الامور الشائعة التي تعم بها البلوى، ولا ينفك منها اكثر الناس.

٥٠

وقد صرح بعض الاصحاب فيه بالكراهية، فلو كان لاحد منهم قول بالمنع لتوفرت الدواعي على نقله لا محالة، فاذا انتفى وجدان الخلاف في مظانه بعد التتبع الصادق كان ذلك دليلا على العدم، فيجب التمسك به كما اذا تتبع الفقيه مظان النص في المسألة فلم يجد شيئا، فان ذلك كاف في الحكم بأن المسألة لانص فيها وان تطرق احتمال وجوده في بعض الكتب التي لم يتفق وقوفه عليها، فان ذلك نادر، واحتمال النادر لا اعتبار به بعد التتبع الصادق قطعا.وأيضا فان من ترجح عنده قول في مسألة الدليل اشترط لصحته أن يكون له سلف في القول به، حذرا من خرق الاجماع، الا أن يكون من الفروع المتجددة التي لم يجر فيها للفقهاء خوض، كما هو مقرر في الاصول، فيمتنع القول بالمنع ها هنا، لانتفاء قائل به في السلف، وظاهر الجميع القول بالجواز كما حققناه.وان شئت سقت دليل الاجماع بوجه آخر، وهو ان عمل السبح وغيرها من التربة الحسينية على مشرفها الصلاة والسلام، من أعصر أئمتناعليهم‌السلام إلى عصرنا هذا، وفي سائر الاعصر التي مرت على الناس فيما بين اذنيك، وفي كل عصر وكل قطر جمع من اكابر علماء الامامية ومحقيقهم، والغالب في علمنا أن تشوى بالنار طلبا لتصلبها وصيانتها عن التفتت والانتشار، وسهولة تطهيرها بالقليل والكثير لو عرض لها ما يوجب ذلك.وهذا أمر شائع شهير معلوم لكل عاقل لاينكره أحد، ولم تزل الناس في كل طبقة يسجدون عليها ويتناقلونها من قطر إلى قطر، ولم ينكر ذلك أحد، ولم ينه عنه ناه، ولم ينقل ناقل منع أحد منه ولا انكاره لفعله، مع انه مما عمت به البلوى وكثر وقوعه واشتهر بينهم فعله.ولو كان السجود عليه ممنوعا منه عندهم أو عند أحد منهم لنهوا عنه وانكروا على فاعله، فيكون اطباقهم على التقرير على فعله اجماعا منهم على الجواز، واقل

٥١

مراتب هذا الاجماع أن يكون اجماعا سكوتيا، وهو حجة عند جمع من الاصوليين.

الرابع: النصوص الدالة على السجود على الارض، مثل ما رواه الفضل بن عبدالملك عن أبي عبداللهعليه‌السلام : " لا تسجد الا على الارض، أو ما انبتته الارض، الا القطن والكتان "(١) .وقريب منه ما رواه عبدالرحمن بن أبي عبدالله عنهعليه‌السلام (٢) .وروى هشام بن الحكم عنهعليه‌السلام : " السجود لا يجوز الا على الارض، أو على ما انبتت الارض، الا ما اكل ولبس "(٣) .

وجه الاستدلال بها: انهعليه‌السلام عين للسجود الارض، والتربة المشوية ارض قطعا، كما أن غير المشوية أرض لوجوه:

الاول: ان التربة يصح تقسيمها اليها فيقال: التربة اما مشوية أو غير مشوية، وصحة التقسيم دليل الصدق، لان مورد القسمة يجب صدقه على كل من القسمين واشتراكه بينهما.

الثاني: حسن الاستفهام عن كل من الامرين، فيقال: اذا قال قائل: هذه تربة فانه يحسن أن يقال: هي تربة مشوية أو غير مشوية؟ وحسن الاستفهام دليل الحقيقة.

الثالث: يتبادر إلى الفهم عند اطلاق لفظ التربة الحسينية المعنى الاعم الصادق على المشوية وغيرها، ومبادرة المعنى إلى الفهم عند اطلاق اللفظ دليل الحقيقة.

الرابع: ان المشوية لو خرجت عن كونها تربة، لكان الحالف أن لا يمس تربة

____________________

١ - الكافى ٣: ٣٣٠ حديث ١ باب مايسجد عليه وما يكره، التهذيب ٢: ٣٠٣ حديث ١٢٢٥.

٢ - الكافى ٣: ٣٣٢ حديث ١١ باب ما يسجد عليه وما يكره، التهذيب ٢: ٣٠٥ حديث ١٢٣٤.

٣ - الفقيه ١: ١٧٧ حديث ٨٤٠، التهذيب ٢: ٢٠٢ حديث ٩٢٥.

(*)

٥٢

الحسينعليه‌السلام بنجاسة لا يحنث لو مس المشوية بها، وهو باطل قطعا.

ولكان الحالف أن يأكل منها في موضع الجواز لا يبرأ بأكل المشوية، ولكان المسلم اليه في التربة الحسينية لا يبرأ بتسليم المشوية.وكذا الناذر أن يعطي لغيره تربة الحسينعليه‌السلام لايبرأ باعطاء المشوية، وبطلانها ظاهر.

الخامس: لو حلف السيد أن لا يضرب عبده الا عند مخالفته، فأمره باحضار تربة الحسينعليه‌السلام فاحضر المشوية منها لم يحنث بضربه، لوجود المخالفة لو خرجت عن كونها تربة.والتالي باطل قطعا.

واذا صدق اسم النزم عليها وجب أن يصدق عليها اسم الارض، فيتعلق بها حكم جواز السجود.وما يتوهمه الضعفاء من أن الخزف والاجر، وان كان في الاصل من اجزاء الارض لكنهما قد خرجا بالطبخ، لانه قد حدث عليها اسم آخر جديد، من الاوهام الفاسدة، لان مجرد حدوث الاسم لا يقتضي المباينة في كل صورة، فانه وان كان يقتضيا في مثله ما اذا احرق التراب فصار رمادا، فان مفهوم كل من الارض والرماد متباينان تباينا كليا، الا أنه في بعض الصور لا يقتضيها كما في الحجر، فانه في الاصل تراب تصلب بواسطة الشمس فحدث له اسم الحجر، ولم يخرج بذلك عن كونه ارضا بالاتفاق، وانما هو صنف من اصنافها، غاية ما في الباب انه كان ترابا فخرج عن هذا الصنف من الارض إلى صنف آخر.وكذا الرمل وأرض النورة والجص، فيكون بغير الصفة والاسم هاهنا، في قبيل الاختلاف بين الماهية وصنفها، وأصل التصادق معه موجود، فان الماهيات أعم من صنفها مطلقا على ما هو معلوم والاختلاف الحادث للخزف والاخر من هذا القبيل، فهما صنفان من اصناف الارض يصدق عليهما دون العكس، وسيأتي انشاء الله تعالى لهذا الكلام مزيد

٥٣

تحقيق.

الخامس: ما رواه ابن بابويه في الفقيه عن الصادقعليه‌السلام : " السجود على طين قبر الحسينعليه‌السلام ينور إلى الارض السابعة، ومن كانت معه سبحة من طين قبر الحسينعليه‌السلام كتب مسبحا بها "(١) .وما رواه الشيخ عن معاوية بن عمار قال: كان لابي عبداللهعليه‌السلام خريطة ديباج صفراء فيها تربة أبي عبداللهعليه‌السلام ، وكان اذا حضرة الصلاة صبه على سجادة وسجد عليه، ثم قال: السجود على تربة أبى عبداللهعليه‌السلام يخرق الحجب السبع(٢) .وجه الاستدلال أن الطين هاهنا لا يرد به المبتل قطعا اتفاقا بل الجاف، فيصدق على المشوي وغيره.وكذا التربة الواردة في الحديث الثاني، للوجوه السابقة، فان تقسيمه اليهما صحيح، فيقال: الطين الجاف اما مشوي أو غيره، ويحسن الاستفهام عن كل منهما، وكل من صحة التقسيم وحسن الاستفهام دليل الحقيقة.وكذا باقي الوجوه، فانه حيث كان المراد بالطين هنا لو حلف أن لا يمس طين قبر الحسينعليه‌السلام بنجاسة يحنث لو مس بها الطين الجاف المشوي، وذلك دليل الصدق.وأيضا " فان قولهعليه‌السلام : " ومن كان معه سبحة من طين قبرهعليه‌السلام " يدل على ذلك، لان " من " في مثل هذا التركيب يناسب أن تكون تبعيضية، وحيث كان السبحة بعض الطين وانما تتخذ غالب مشوية، فيندرج في لفظ الحديث المشوي، فيكون شاملا له باطلاقه دالا على جواز السجود عليه.ومما يدل على أن المراد بطين قبر الحسينعليه‌السلام التربة اليابسة ما روي

____________________

١ - الفقيه ١: ١٧٤ حديث ٧٢٥.

٢ - المصباح: ٥١١.

(*)

٥٤

عن أبي عبداللهعليه‌السلام انه قال في طين قبر الحسينعليه‌السلام " الشفاء من كل داء وهو الدواء الاكبر "(١) فانه لايراد الا التربة مطلقا.وفي مرسلة عنهعليه‌السلام : " يؤخذ طين قبر الحسينعليه‌السلام من عند القبر إلى سبعين ذراعا "(٢) .

وعن أبي الحسن موسى بن جعفرعليه‌السلام : " لا نستغني شيعتنا عن أربع وثلاثين خرزة يصلي عليها، وخاتم يتختم به، وسوا ك به، وسبحة من طين قبر أبي عبداللهعليه‌السلام فيها ثلاث وثلاثون حبة، متى قلبها فذكر الله كتب له بكل حبة اربعون حسنة، واذا قلبها ساهيا يعبث بها كتب له عشرون حسنة "(٣) .

وعن محمدبن عبدالله بن جعفر الحميري قال: كتب إلى الفقيه أسأله هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر، وهل فيه فضل؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت " فسبح به فما من شئ من التسبيح افضل منه، ومن فضله أن المسبح ينسى التسبيح ويدير السبحة فيكتب له ذلك التسبيح"(٤) .

وعن محمد بن عبدالله المذكور قال: كتبت إلى الفقيه أسأله عن طين القبر يوضع مع الميت في قبره هل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت: " يوضع مع الميت في قبره " الحديث(٥) .

وروى العلامة في التذكرة أن الصادقعليه‌السلام أمر بوضع شئ من تربة الحسينعليه‌السلام مع المرأة التي قذفتها الارض مرارا بعد موتها ودفنها، ففعل

____________________

١ - التهذيب ٦: ٧٤ حديث ١٤٢.

٢ - التهذيب ٦: ٧٤ حديث ١٤٤.

٣ - التهذيب ٦: ٧٥ حديث ١٤٧.

٤ - التهذيب ٦: ٧٥ حديث ١٤٨.

٥ - التهذيب ٦: ٧٦ حديث ١٤٩.

(*)

٥٥

ذلك فاستقرت(١) .فهذه الاخبار وماجرى مجراها يدل على أن المراد من طين قبر الحسينعليه‌السلام هو التربة الشريفة حين جفافها.ويدل على أن السبحة يقع عليها اسم التربة ولطين أيضا.

فان قول الاولى: هل يجوز أن يسبح الرجل بطين القبر؟ وقولهعليه‌السلام " فسبح " إلى آخر الحديث صريح في ذلك، فهو من الاستعمالات الشائعة.وحينئذ فيكون اسم التربة واسم الطين من الاستعمالات الحاصله في كلامهمعليهم‌السلام واقعة على التربة المشوية، فانهمعليهم‌السلام قد اطلقوا ذلك على السبحة وهي لا تكون غالبا الا مشوية، واتخاذها غير مشوية لايكاد يوجد الا نادرا.فتكون هذه الاستعمالات كلها حجة على أن الطين الواقع في قولهعليه‌السلام : " السجود على قبر الحسين ينور الارض السابعة " صادق على التربة المشوية.وأيضا فان هذا متبادر من اسم التربة إلى افهام اهل العرف، فيكون الحديث حجة متمسكا في جواز السجود على التربة المشوية، وفي ثبوت الفضل فيها كغيرها.فهذه الوجوه كل واحد منها حجة كافية في التمسك، فما ظنك بجملتها.اذا تقرر هذا فاعلم أنه لايكاد يوجد ما يتمسك به في هذا الباب لمن توهم عدم جواز السجود على التربة المشوية، الا تخيل أنها بالطبخ قد استحالت وخرجت عن اسم الارض وكانت بالرماد والدخان كالخزف والاجر.ولو لا ذلك لم يحكم بكل منها بالطبخ لو كانا نجسين.والدليل على استحالتهما بالبطخ ان صورتهما النوعية قد تغيرت، فانه قد حدث لهما بالطبخ تصلب لم يكن، وحدث لهما لون مخصوص وكيفية لم تكن، وخرجا عن مشابهة اجزاء الارض، وحدث لهما اسم جديد.

____________________

١ - التذكرة ١: ٥٤ (*)

٥٦

والاجل ذلك منع من حكم تطهير هما بالطبخ في التيمم عليهما، نظرا إلى حصول الاستحالة المذكورة.

ومتى تحقق حصول الاستحالة عن كونهما ارضا امتنع القول بجواز السجود على التربة المشوية.هذا نهاية ما يمكن أن يوجه به كلام هذا المانع، وهو توجيه فاسد، وكلام ردئ لا يكاد يحفل به ويرد جوابه، والكلام عليه في مواضع:

الاول: ان الخزف والاجر اذا كان طينهما نجس يطهران، وللاصحاب في ذلك قولان، احدهما قول الشيخ ومن تابعه، والمشهور العدم، وقد حكى العلامة في المنتهى عن الشيخ الاستدلال على الطهارة بما رواه الحسن بن محبوب قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن الجص يوقد عليه بالعذرة وعظام الموتى، ويجصص به المسجد ويسجد عليه، فكتب الي بخطه: " ان الماء والنار قد طهراه "(١) ولا دلالة فيها على المدعى.أما أولا، فأن ظاهرها أن المسؤول عن طهارته هو العذرة وعظام الموتى، وذلك لان صريحها السؤال عن الجص من حيث انه يوقد بالعذرة والعظام فيختلطان وهو يرجع إلى ما قلناه، ولانتفاء ما يدل على أن الجص (تحصل) له النجاسة بهما وبغيرهما.وحينئذ نقول بالموجب ويبقى النزاع بحاله، فان العذرة والعظام اذا احترقا وصارا رمادا حصل فيهما الاستحالة المطهرة لا محالة.

وأي دلالة في ذلك على طهارة الخزف والاجر النجسين بالطبخ، على انه لو قدر أن المسؤول عنه الجص الذي تنجس قبل الاحتراق يتوجه على الحديث القول بالموجب ايضا، لصيرورته بالاحتراق رمادا أيضا، وليس هو من محل النزاع في شئ.

____________________

(١) الكافي ٣: ٣٣٠ حديث ٣ باب ما يستحب عليه وما يكره، الفقيه ١: ١٧٥ حديث ٨٧٩، التهذيب ٢: ٢٣٥ حديث ٩٢٨.

(*)

٥٧

وأما ثانيا، فلان الماء المذكور في الحديث هو ما يحل به الجص، وحمله على ما عداه للجفاف بالشمس بعيد منتف، وقد طعن في المنتهى بهذا الاشكال،(١) وتقدمه في ذلك صاحب المعتبر.(٢) وفي التذكرة علل قول الشيخ بالطهارة بأن النار قد أحالت الاجزاء الرطبة.(٣) وضعف هذا الاستدلال معلوم، لورود المنع على الكبرى.

وفي الذكري: استدل الشيخ بأن الاجر يجرى مجرى الرماد، وليس في شئ من هذا الكلام تصريح بدعوى الاستحالة.ولا شبهة في أن ادعاها فاسد فان الاستحالة التي علم من الشارح تطهير النجس بها في مواضع هي الاستحالة الماهية بحيث تصير ماهية اخرى، وتتغير الصورة النوعية بحيث تخرج عن ذلك النوع إلى نوع آخر، ويجب لها بذلك اسم مفهوم متباين لمفهوم الاسم الذي كان معلقا عليها قبل ذلك، كما في استحالة العذرة والميتة دودا، والعلقة مضغة، والخمر خلا والعلف النجس روثا لحيوان مأكول، والعظم النجس رمادا على ما سبق في الحديث المتقدم، وماجرى هذا المجرى.(٤) فان الدود نوع آخر وماهية اخرى غير ماهية العذرة والميتة، وبين هاتين الماهيتين تباين كلي قطعا، وكذا الخمر والخل والعلقة والمضغة، والاعيان النجسة والرماد والدخان، إلى آخر ما ذكر.وليس مطلق التغير استحالة تقتضي حصول الطهارة في النجس اذا بقيت الماهية بحالها، كما اذا تغير صنف من اصناف الماهية فصار صنفا آخر والماهية

____________________

(١) المنتهى ١: ٢٥٣.

(٢) المعتبر ٢: ١١٥.

(٣) التذكرة ١: ٩١.

(٤) الذكرى: ١٥.

(*)

٥٨

بحالها فيهما، مثل المدر فانه طين عرض له اليبوسة فخرج عن كونه ترابا وطينا الي كونه مدرا، ولم يخرج عن كونه أرضا(١) اصناف للارض هي الماهية وثبوتها في كل من الثلاثة يتحقق.وانما كانت الاستحالة بالمعنى

الاول: مطهرة في جميع صور تحققها عند من قال به دون الثاني، للنص والاجماع في كثير من صورها، والاحتجاج في الحكم بالتنجس قد علقه الشارع بذلك الاسم الخاص والماهية الخاصة، وقد انتفى كل منهما، وحدث له ماهية أخرى واسم آخر، فلا يبقى حكم النجاسة بعد زوال متعلقة لامتناع بقاء الحكم بعد زوال محله.بخلاف الاستحالة بالمعنى الثاني، لبقاء الماهية بحالها وان تغير الصنف إلى صنف آخر، فيجب أن يبقى الحكم بالنجاسة عملا بالاستصحاب، وتغير الطين إلى الخزف والاجر من هذا القبيل، فان ماهية الارض موجودة فيهما.وان تغيرت صورة التراب والطين إلى صورة الخزف والاجر بسب الطبخ فلا يكون المقتضي للتطهير حاصلا.واعلم أن تغير التراب إلى الخزف والاجر بتغيره في صيرورته حجرا، بسبب اكتساب الرطوبة واللزوجة، وتأثير الشمس فيه كما اشرنا اليه سابقا، ولا شك انه لم يخرج بذلك عن كونه أرضا، لا ينكر ذلك احدا، وانما وقع النزاع في جواز التيمم بين المحققين من حيث الاختلاف في وقوع اسم الصعيد عليه المأمور بالتيمم به في الاية الشريفة، ولم ينازع احدا في جواز السجود عليه، ولو خرج عن كونه ارضا لم يجزء السجود عليه مطلقا.ولا يخفى أن الذي يمنع من السجود على الخزف والاجر يلزمه أن يمنع من السجود على الحجر بطريق أولى، لان التغير فيه أشد.

الثاني: المنع من التيمم على الخزف والاجر، ولا نعرف قائلا بالمنع مطلقا

____________________

(١) ورد هنا كلمة غير مقروء‌ة.

(*)

٥٩

الا ما يحكى عن ابن الجنيد.(١) وأما الشيخ في النهاية،(٢) والمفيد،(٣) وابن ادريس(٤) فانهم شرطوا في جواز التيمم به أو بالحجر عدم التراب.وصرح الشيخ في المبسوط والخلاف بالجواز تحتما بكون ذلك ارضا(٥) ، حكاه عنه وعن المرتضى شيخنا في الذكرى.(٦) ولو كان الحكم بطهارة الاجر بالطبخ لو كان نجسا لاستحالته وخروجه عن كونه ارضا، امتنع القول بجواز التيمم اختيارا واضطرارا، فوضح انه لم يخرج عن كونه ارضا، كما لم يخرج الحجر والرمل وارض النورة والجص، وانما هذه اوصاف للارض حدث لها ما اخرجها عن كونه ترابا إلى هذه الاشياء، فيبقى حكم الارض ثابتا لها.

وقد صرح العلامة في النهاية في باب اسم هذا التعليل، نعم في صدق اسم الصعيد عليها خلاف بين أهل اللغة فان في تفسيره قولان:

أحدهما: انه التراب الخالص.

والثاني: انه وجه الارض مطلقا.(٧) فعلى الثاني يعمها دون الاول، ويؤيد الثاني قوله تعالى: " فتصبح صعيدا زلقا "(٨) والمراد بالزلق الاملس الذي تزلق عليه الاقدام، والاصل في الاطلاق

____________________

(١) نقله عنه العلامة في المختلف: ٤٨.

(٢) النهاية: ٤٩.

(٣) المقنعة: ٨.

(٤) السرائر: ٢٦.

(٥) المبسوط ١: ٣١، الخلاف ١: ١٦ مسألة ٧ ٧ كتاب الطهارة.

(٦) الذكرى: ٢١.

(٧) نهاية الاحكام ١: ١٩٨.

(٨) الكهف: ٤٠.

(*)

٦٠