رسالة المحقق الكركي الجزء ٣

رسالة المحقق الكركي18%

رسالة المحقق الكركي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 319

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 319 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40615 / تحميل: 5528
الحجم الحجم الحجم
رسالة المحقق الكركي

رسالة المحقق الكركي الجزء ٣

مؤلف:
العربية

رسالة المحقق الكركي الجزء الثالث

تأليف

الشيخ علي بن الحسين الكركي

المتوفى سنة ٩٤٠ ه‍

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنينعليهما‌السلام للتراث والفكر الإسلامي

بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى

قريبة إنشاء الله تعالى.

٢

(٣٠) رسالة طريق استنباط الاحكام

٣

٤

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الفتاح على المجاهدين بالفتح المبين، المبين المسالك لسلوك السالكين، والصلاة والسلام على السفير، وآله أئمة التدبير.

أما بعد، فقد سألتما أعزكما الله بطاعته، وألهمكما سلوك طريق هدايته، وأو صلكما إلى ادراك منهج التحقيق بعنايته تبيين كيفية سلوك المجتهد في استنباط الاحكام، واستخراج الحوادث عن الادلة، بطريق الاختصار، مما أخذناه مشافهة، فسارعت إلى الاجابة، مستعينا بالله، ومتوكلا عليه.

فأقول: الطريق الموصلة إلى الاحكام عندنا أربعة:

الكتاب، والسنة متواترة وآحادا والاجماع، وأدلة العقل.

أما الكتاب: فمنه نص وظاهر، وهما معا دليلان، ويحتاج في ذلك إلى: معرفة دلالات الالفاظ، والمحكم والمتشابه، والحقيقة والمجاز، والامر والنهي، والعام والخاص، والمطلق والمقيد، والمجمل والمبين، والظاهر والمؤول، والناسخ والمنسوخ ويرجع في معرفة هذه العوارض إلى علم الاصول، فإنه مستوفى فيه بالنسبة إلى الامور الكلية.

٥

[وبالنسبة إلى الجزئيات المستنبطة يراجع الآيات المشهورة بالخمسمائة، التي هي مدار الفقه.ويكتفى فيها بأحد الكتب الثلاثة التي عملت لتلك: أما كتاب الراوندي.أو كتاب الشيخ البارع أحمد بن متوج (منهاج الهداية).أو كتاب الشيخ المقداد (كنز العرفان) وهو أحسن الثلاثة، لاشتماله]

٦

[على المباحث المذكورة بالنسبة إلى كل آية.وما ذكر فيه من اختلاف أقوال المفسرين يحتاج الناظر فيها إلى قوة الترجيح لبعضها، ومعرفة الاقرب منها إلى المعنى الذى يقتضيه وضع اللفظ.فإن أريد التوسع فليراجع كتب التفسير المطولة، وإن اكتفى بما ذكره في كتابه فهو طريق للمبتدى هنا.

وأما السنة: فيحتاج الاستنباط منها ومعرفة دلالتها على الاحكام، إلى معرفة عوارض الالفاظ المذكورة، ويراجع فهيا علم الاصول كما قلنا.فالمتواتر منها طريق ضروري، وتختلف أحواله بالنسبة إلى الاشخاص باختلاف وصول التواتر إليهم وعدمه.

والآحاد: إما مشهور: وهو مازاد رواته على الثلاثة، ويسمى المستفيض.وحكمه كالمتواتر في وجوب العمل.ويختلف أيضا حاله كاختلاف المتواتر، ويكتفي بمعرفة المشهور هنا بمراجعة الكتب والمصنفات الفقهية والحديثية.]

٧

[وإما غير مشهور: وهو عند اصحابنا أربعة أقسام: صحيح: وهو ما رواه العدل المعلوم العدالة الصحيح المذهب، بطريق عدول، هكذا متصلا إلى المعصومعليه‌السلام .

وموثق: وهو ما رواه العدل الغير المرضي في دينه المأمون تعمد الكذب، أو كان في الطريق من هو كذلك.

وضعيف: وهو مروي الامامي غير الموثق أو الفاسق.

ولا يعمل أصحابنا من المراسيل إلا بما عرف أن مرسله لا يرسل إلا عن ثقة كابن أبي عمير، وأبي بصير، وابن بزيع، وزرارة بن أعين وأحمد بن]

٨

[أبي نصر البزنطي، ونظرائهم ممن نص عليه علماء الاصحاب.والذي أخذناه بالمشافهة في مراسيل المتأخرين من أصحابنا: العمل بمراسيل الشيخ جمال الدين، وولده، ومراسيل الشيخ المقداد، والشيخ أحمد]

٩

[بن فهد.لا مراسيل الشهيد، ولا الشيخ نجم الدين.]

١٠

[فإذا تعارض هذه الاخبار قدم الصحيح، فإذا له، وبعده الموثق، ولا يعمل بالضعيف.وكيفية معرفة هذه الصفات بمراجعة الروايات، والاطلاع على أحوال رجالها، وهو مما يصعب على المبتدئ، وإن كان العلماء قد نصوا على الاكتفاء في الجرح والتعديل بما نص من تقدمنا من المجتهدين، كما أشار إليه في (الخلاصة)، وابن داود في كتابه.وهنا طريق أسهل منه، وهو أن الشيخ جمال الدين قد (ألف) في ذلك، واستعمل في كتبه خصوصا (المختلف) أن يذكر الصحيح بوصفه، والحسن بوصفه، والموثق كذلك، ويترك الضعيف بغير علامة، وهو علامة ضعفه.

وذكر في الخلاصة: أن الطريق في كتاب (الاستبصار) و (التهذيب) و (من لا يحضره الفقيه) إلى فلان صحيح، وإلى فلان حسن، وإلى فلان موثق، وإلى فلان ضعيف.وجعل ذلك دستورا يرجع إليه، فيكتفي المبتدئ في معرفة صفات هذه الروايات الاربع بالرجوع إلى هذا الدستور الذي اعتمده.ومن تأخر عنه كلهم اعتمدوا على هذا الطريق، كالشيخ فخر الدين في (الايضاح)، والسيد ضياء الدين في شرحه للقواعد، والشهيد في كتبه]

١١

[خصوصا (الذكرى) و (شرح الارشاد).والشيخ أحمد بن فهد في (مهذبه)، والشيخ المقداد في (تنقيحه).

ومن اصول أصحابنا التي أشير الينا بالمشافها العمل برواياتها وبرواياتها كتاب (الكافي) للشيخ محمد بن يعقوب الكليني، وكتاب (من لا يحضره الفقيه) للصدوق ابن بابويه، وكتاب (التهذيب) و (الاستبصار) للشيخ أبي جعفر الطوسي.]

١٢

[ومن كتب الادلة: كتاب (المختلف) و (التذكرة) للشيخ جمال الدين، وكتاب (الايضاح) لولده، وكتاب (المهذب) للشيخ أحمد بن فهد، وكتاب (التنقيح) للشيخ المقداد ومن كتب الرجال: كتاب (الخلاصة)، و (كتاب ابن داود).والدستور الذي اعتمده العلامة في (الخلاصة) مغن عن مطالعة كتب الرجال.

أما الاجماع: فلا بد فيه من معرفة شرائطه وأحكامه على ما بحث فيه أهل الاصول.وأما معرفة وقوعه على الاحكام أو عدم وقوعه، فإن ذلك لابد منه، وهو الذي أشاروا إليه في قولهم: إن من جملة شرائط الاجتهاد معرفة مسائل الخلاف والوفاق لئلا يعتنى بما يخالفه.

والذي سمعناه بالمشافهة: الاكتفاء في معرفته: إما بالبحث والتفتيش في كتب العلماء في الحوادث التي وقع البحث فيها في تصانيفهم.فإن وجد أقوالهم متضافرة على حكم الحادثة حكم به، وإلا حكم بالاختلاف.أو بالوقوف على رواية بعض العلماء المشهورين بوقوع الاجماع على حكم الحادثة، فيكون الاجماع عنده منقولا بخبر الواحد، وهو حجة في الاصول.وكذلك هذا طريق معرفة المشهور من الروايات والفتاوى، وكون الحكم مثلا مما قال به الاكثر، فإنه أيضا من جملة المرجحات في باب أحوال الترجيح.]

١٣

[وأما أدلة العقل فأقول: اما أدلة المنطوق ثم تتبعها دلالة مفهوم الموافقة، وبعدها مفهوم المخالفة على القول بالعمل بدليل الخطاب.

ومنها: البراء‌ة الاصلية، يعتمد عليها ما لم يجد ما ينقل عنها من الادلة السمعية ومنها: الاستصحاب على القول بحجيته والتمسك بالبراء‌ة، فإنه يستصحب الحال الاول ما لم يجد من الادلة ما تحيل عنه.

ومنها: اتحاد طريق المسألتين، وهو فرع من فروع الاستصحاب يخالفه في بعض الاحكام، (كما هو) مقرر في الاصول.

ومنها: تعدية الحكم من المنطوق إلى المسكوت الذي هو القياس، وقد وقع فيه الخلاف: فمتقدمو أصحابنا لا يعملون بشئ (منه).والمتأخرون عملوا بما نص على علة حكم الاصل: إما بنص، أو ايماء، على ما تقرر في الاصول.

فالعامل به يحتاج إلى معرفة هذا النوع من القياس، ومعرفة الخلاص عن المبطلات للعلة فيه، والتخلص من الاسئلة الواردة عليه على ما بين في الاصول.ومن لا يعمل به لا يحتاج إلى ذلك، على ما أشاروا إليه في كتبهم.

ودليلنا على العمل بهذه الادلة: ما روي صحيحا عن الصادقعليه‌السلام ، رواه الشيخ المقداد في (تنقيحه): أنه قال: (علينا أن نلقي إليكم الاصول وعليكم أن تفرعوا) وهو دليل على وجوب الاجتهاد أيضا.اذا عرفت ذلك، فاعلم انه قد يقع لبعض عدم معرفة الفرق بين ما هو محل الرواية، وما هو محل الفتوى الذي نهى عن التقليد فيه للاموات في قول العلماء:]

١٤

[إن الميت لا قول له.فنقول: كل ما هو نص في الكتاب، أو في السنة المتواترة أو الآحاد الصحيحة، فهو مأخوذ بالرواية، وليس هو محل الفتوى المحتاج إليه إلى التقليد، فلا يكون من المنهي عن أخذه من الاموات.وكذلك كل ما هو مشهور بين علماء الطائفة من الروايات والفتوى التي قال بها اكثرهم، وإن وقع فيها خلاف شاذ فإنه أيضا مأخوذ بالرواية، وليس هو محلالفتوى المنهي عن أخذه عن الاموات.

وكذلك كل ما هو مجمع عليه، أما عند مجموع الامة، أو عند الطائفة المحقة، مما عرف وقوع الاجماع فيه بالطريقين المذكورين منا فإنه يؤخذ أيضا بالرواية، وليس هو محل الفتوى المنهي عن أخذه من الاموات.وما سوى ذلك مما وقع النزاع فيه بين المجتهدين من المسائل الخلافية التي (هي) كالاصول بالنسبة إلى فروع الفقه التي حاصلها وأكثرها مضبوط في (مختلف) العلامة، وهي وإن كان بعض الخلافيات المذكورة فيه مما يعد في الشذوذ، لاشتهار الفتوى بخلافه، ويعرف باستقراء مصنفات الاصول من كتب الادلة، وكتب الفروع المجردة.أو كان (من) الفروع التي فرعها من تأخر عن العلامة من المجتهدين بعده، كالشهيد ومن تأخر منه، فإنه محل الفتوى الذي نهي عن العمل به.وروايته باعتبار معرفة مذاهب المجتهدين فيه ليحكي أقوالهم، ويعرف كيفية تصرفهم في الحوادث، ليفطن في معرفة كيفيات الاستنباط، والاستعانة بالسلوك في طرقهم على الاستدلال، فلم يمنع منه أحد.وإنما منعوا من رواية ذلك ليعمل به، فإن الواجب على العامي في هذه الحوادث في العمل بها:]

١٥

[الرجوع إلى المفتي، ولا يصدق على الميت أنه مفتي، لا حقيقة ولا مجازا، ولم يكلف العامي شيئا سوى ذلك، أو أخذ الحكم عن الدليل على رأي من أوجب الاجتهاد على الاعيان ولا طريق ثالث باجماع الامامية.وأما كيفية التصرف في الحوادث التي هي محل الفتوى على ما سمعناه مشافهة: إن الحادثة المبحوث عنها: إما أن تكون من الحوادث التي حدثت في الازمنة السالفة، وبحث المجتهدون فيها، فيكتفي الباحث فيها بالاطلاع على أقوال المجتهدين فيها وأدلتهم التي جعلها كل واحد منهم حجة على مذهبه، فينظر فيها، ويرجع منها ما يظهر له فيه المرجح، بأن يظهر له سلامة بعضها، من السؤال، وورود السؤال على البعض الآخر.أو يرد له السؤال على كل واحد منها، ولا يظهر له وجه مرجح، ولا يقوم له دليل على وجه مخالف لما ذهبوا إليه، وهو محل الوقف الذي استعمله اكثر المجتهدين في كثير من المسائل حتى يظهر له مرجح: إما لواحد من تلك الاقوال، أو دليل على وجه آخر.وإن كانت من الحوادث الواقعة في زمانه: فإن كانت من الجزئيات الداخلة تحت كليات المسائل التي وقع البحث فيهامن المجتهدين، فعليه أن يدخل تلك الجزئيات تحت ذلك الكلي، ويكون البحث فيها راجعا إلى البحث في ذلك الكلي، ويتصرف فيها كتصرفه في الحوادث المتقدمة المبحوث فيها.وادخال هذا الناظر تلك الجزئيات تحت ذلك الكلي، واجراء البحث فيها على ما أجرى في ذلك الكلي هو محل الاجتهاد، الذي لا يصح التصرف فيه لغير الجامع لشرائطه.وإن لم تكن داخلة تحت شئ من الكليات المبحوث فيهامن المتقدمين،]

١٦

واختصت بالوقوع في زمانه، بحث فيها، وتصرف فيها كتصرف المتجهدين في الحوادث المتقدمة بمراجعته للاصول، بأن ينسبها إلى أحد الادلة المقررة، فيستنبط حكمها من ذلك الدليل.

وإلى هذا القسم الاشارة في قولهم: يشترط أن يكون ذا قوة يتمكن بها من استخراج الفروع من الاصول.هذا آخر ما أردنا الاشارة إليه من كيفية الطرق الموصلة إلى استنباط الاحكام، ومعرفة الحوادث على ما سمعناه مشافهة من أساتيذنا (رضوان الله عليهم وجزاهم أفضل الجزاء)، وهو الطريق المشهور في كتب الاصحاب.واقتصرنا منه على هذا القدر لما شرطناه من الاختصار، فمن أراد الاستيفاء فعليه بمطالعة كتب الاصحاب الاصولية والفقهية، والتفتيش عن ذلك من مظانه، يجده مستوفى إن شاء الله تعالى.والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين وسلم تسليما كثيرا.تمت الرسالة من مصنفات خاتم المجتهدين وز بدة المتأخرين علي بن عبدالعاليرحمه‌الله تعالى.

١٧

(٣١) حاشية على ميراث المختصر النافع

١٨

الحمد لله المنعم بسوابغ الانعام، والمتفضل بالايادي...قول المصنفرحمه‌الله : المقدمة الثالثة في السهام: وهي ستة.المراد بها هنا السهام المذكورة في القرآن (وهي) منحصرة في ستة: النصف، والربع، والثمن، والثلثان، والثلث، والسدس.وقد يقال في حصره: النصف ونصفه ونصف نصفه، والثلثان ونصفها ونصف نصفها.

قوله: والنصف يجتمع مع مثله.مثل الزوج والاخت لكل واحد النصف.

قوله: ومع الربع.أي: النصف مع الربع، مثل البنت والزوج، أو الاخت والزوجة.]

١٩

[قوله: والثمن.أي: النصف مع الثمن، مثل البنت والزوجة.

قوله: والثلث.أي: النصف مع الثلث، مثل الزوج والام.

قوله: والسدس.أي: النصف مع السدس، مثل البنت والابوين أو أحد الابوين.

قوله: ولا يجتمع الربع مع الثمن.لان الربع سهم الزوج مع الولد، الثمن سهم الزوجة.أولان الربع سهم الزوجة بدون الولد، والثمن نصيبها مع الولد قوله: ويجتمع الربع مع الثلثين.مثل الزوج والبنتين، أو الزوجة مع الاختين.

قوله: والثلث.أي: يجتمع الربع مع الولد.

قوله: ويجتمع الربع مع الثلثين.مثل الزوج والبنتين، أو الزوجة مع الاختين.

قوله: والثلث أي: يجتمع الربع مع الثلث، مثل الزوجة والام.]

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

يبغضني إلّا منافق ولا يُحبّني إلّا مؤمن.١

وقد أعرب عن ذلك الإمام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام في خطبته في جامع دمشق، عند ما صعد المنبر وعرَّف نفسه فحمد الله وأثنىٰ عليه، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب، ثمّ قال:

« أيّها الناس أُعطينا ستّاً وفُضِّلنا بسبع، أُعطينا: العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبَّة في قلوب المؤمنين ».٢

ولا عجب في أنّه تبارك وتعالى سمّاهم كوثراً أي الخير الكثير، وقال:( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) قال الرازي: الكوثر: أولاده، لأنّ هذه السورة إنّما نزلت ردّاً على من عابهعليه‌السلام بعدم الأولاد، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيتعليهم‌السلام ، ثم العالم ممتلئ منهم ولم يبق من بني أُميّة في الدنيا أحد يُعبأ به، ثمّ انظر كم كان فيها من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضاعليهم‌السلام .٣

إنّ محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام لم تكن محبة نابعة من حبّه لنسَبه بل كان واقفاً على ما يبلغ إليه ولده الحسينعليه‌السلام في الفضل والكمال والشهادة في سبيله، ونجاة الأُمّة من مخالب الظلم، والثورة على الظلم والطغيان، وهناك كلام للعلّامة المجلسي يقول :

إنّ محبة المقربين لأولادهم وأقربائهم وأحبّائهم ليست من جهة الدواعي

__________________

١. مسند أحمد: ١ / ٨٤، إلى غير ذلك من المصادر المتوفرة.

٢. بحار الأنوار: ٤٥ / ١٣٨.

٣. تفسير الفخر الرازي: ٣٢ / ١٢٤.

٢٢١

النفسانية والشهوات البشرية، بل تجرّدوا عن جميع ذلك وأخلصوا حُبَّهم، و وُدَّهم لله. وحُبّهم لغير الله إنّما يرجع إلى حبهم له، ولذا لم يحب يعقوب من سائر أولاده مثل ما أحبّ يوسفعليه‌السلام منهم، ولجهلهم بسبب حبّه له نسبوه إلى الضلال، وقالوا: نحن عصبة، ونحن أحقّ بأن نكون محبوبين له، لأنّا أقوياء على تمشية ما يريده من أُمور الدنيا، ففرط حبّه يوسف إنّما كان لحب الله تعالى له واصطفائه إيّاه فمحبوب المحبوب محبوب.١

__________________

١. سفينة البحار: ١ / ٤٩٦، مادة حبب.

٢٢٢

من سمات أهل البيت:

٣

استجابة دعائهم :

الابتهال إلى الله وطلب الخير منه أو طلب دفع الشرِّ ومغفرة الذنوب، أمر مرغوب، يقوم به الإنسان تارة بنفسه، وأُخرى يتوصل إليه بدعاء الغير.

واستجابة الدعاء رهن خرق الحجب والوصول إليه سبحانه، حتى يكون الدعاء مصداقاً لقوله سبحانه:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ١ وليس كلّ دعاء مستجاباً وصاعداً إليه سبحانه، فانّ لاستجابة الدعاء شروطاً مختلفة قلّما تجتمع في دعاء الإنسان العادي.

نعم هناك أُناس مطهّرون من الذنوب يكون دعاؤهم صاعداً إلى الله سبحانه ومستجاباً قطعاً، ولذلك حثَّ سبحانه المسلمين على التشرّف بحضرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلب الاستغفار منه، قال سبحانه:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) .٢

وقال سبحانه:( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ

__________________

١. غافر: ٦٠.

٢. آل عمران: ٦٥.

٢٢٣

وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ) .١

ولذلك طلب أبناء يعقوب من أبيهم أن يستغفر لهم كما يحكيه قوله سبحانه:( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) .٢

ويظهر ممّا جرى بين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووفد نجران من المحاجَّة والمباهلة أنّ أهل البيت إذا أمَّنوا علىٰ دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُستجاب دعاءه، فقد وفد نصارى نجران على الرسول وطلبوا منه المحاجَّة، فحاجَّهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببرهان عقلي تشير إليه الآية المباركة:( إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فيَكُونُ ) .٣

فقد قارعهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا البيان البليغ الذي لا يرتاب فيه ذو مرية، حيث كان نصارىٰ نجران يحتجّون ببنوّة المسيح بولادته بلا أب فوافاهم الجواب: « بأنّ مثل المسيح كمثل آدم، إذ لم يكن للثاني أب ولا أُمّ مع أنّه لم يكن ابناً لله سبحانه » وأولى منه أن لا يكون المسيح ابناً له.

ولـمّا أُفحموا في المحاجَّة التجأوا إلى المباهلة والملاعنة، وهي وإن كانت دائرة بين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجال النصارى، لكن عمَّت الدعوة للأبناء والنساء، للدلالة على اطمئنان الداعي بصدق دعوته وكونه على الحقّ، وذلك لما أودع الله سبحانه في قلب الإنسان من محبة الأولاد والشفقة عليهم، فتراه يقيهم بنفسه ويركب الأهوال والاخطار دونهم، ولذلك قدَّم سبحانه في الآية المباركة الأبناء على النساء، وقال:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ

__________________

١. المنافقون: ٥.

٢. يوسف: ٩٧.

٣. آل عمران: ٥٩.

٢٢٤

أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) .١

وإنَّ إتيانه سبحانه بلفظ الأبناء بصيغة الجمع يعرب عن أنّ طرف الدعوى لم يكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده بل أبناؤه ونساؤه، ولذلك عدَّتهم الآية نفس النبي ونساء النبي وأبناءه من بين رجال الأُمة ونسائهم وأبنائهم.

ثمّ إنّ المفسرين قد ساقوا قصة المباهلة بشكل مبسوط منهم صاحب الكشّاف، قال: لـمـّا دعاهم إلى المباهلة، قالوا: حتى نرجع وننظر.

فلّما تخالوا قالوا للعاقب، وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى ؟ فقال: والله لقد عرفتم يامعشر النصارى أنّ محمّداً نبيّ مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيّاً قطُّ، فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكنّ، فإن أبيتم إلّا إِلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

فأتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه، وعليٌّ خلفها، وهو يقول: « إذا أنا دعوت فأمِّنوا ».

فقال أُسقف نجران: يا معشر النصارى ! إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يُزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتُهلكوا، ولا يبقىٰ على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرّك على دينك، ونثبت على ديننا. قال: « فإذا أبيتم المباهلة، فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم ».

__________________

١. آل عمران: ٦١.

٢٢٥

فأبوا. قال: « فإنّي أُناجزكم »، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا، ولا تخيفنا، ولا تردُّنا عن ديننا، على أن نؤدّي إليك كلّ عام ألفي حلّة، ألف في صفر، وألف في رجب، وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك.

وقال: « والذي نفسي بيده أنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا ».

وعن عائشة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ فاطمة، ثمّ عليٌّ، ثمّ قال:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) .١

الشاهد على استجابة دعائهم أمران:

أ: قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أنا دعوت فأمّنوا، فكان دعاء النبي يصعد بتأمينهم، وأيُّ مقام أعلى وأنبل من أن يكون دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاعداً بفضل دعائهم.

ب: قول أُسقف نجران: « إنّي لأرىٰ وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها » والضمير يرجع إلى الوجوه، أي لأزاله بدعائهم أو لأزاله بالقسم على الله بهم، وقد أيَّد القول الثاني ابن البطريق في « العمدة » حيث قال: المباهلة بهم تصدق دعوى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، فقد صار إبطال محاجَّة أهل نجران في القرآن الكريم بالقسم على الله بهم.٢

__________________

١. الكشّاف: ١ / ٣٢٦ - ٣٢٧، ط عام ١٣٦٧ ه‍.

٢. العمدة: ٢٤٣.

٢٢٦

وقد تركت مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته أثراً بالغاً في نفوس المسلمين، يشهد عليها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما يمنعك أن تسبَّ أباتراب ؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، فلن أسبَّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم.

سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه، فقال له عليُّ: يا رسول الله، خلّفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي ؟

وسمعته يوم خيبر، يقول: لأُعطينّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله.

قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليّاً، فأُتي به أرمد العين، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح الله على يديه.

ولما نزلت هذه الآية:( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) دعا رسول الله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: أللّهم هؤلاء أهل بيتي.١

__________________

١. صحيح مسلم: ٧ / ١٢٠، باب فضائل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

٢٢٧

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٤

ابتغاء مرضاة الله تعالى ٰ

الإنسان الكامل، هو الذي لا يفعل شيئاً ولا يتركه إلّا لابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالى، فيصل في سلوكه ورياضاته الدينيَّة إلىٰ مكان تفنىٰ فيه كلّ الدوافع والحوافز إلّا داع واحد وهو طلب رضا الله تبارك وتعالى، فإذا بلغ هذه الدرجة فقد بلغ الذروة من الكمال الإنساني، وربَّما يبلغ الإنسان في ظل الرضا درجة لا يتمنّى وقوع ما لم يقع، أو عدم ما وقع، وإلى ذلك المقام يشير الحكيم السبزواري بما في منظومته:

وبهجة بما قضى الله رضا

وذو الرضا بما قضى ما اعترضا

أعظم باب الله، في الرضا وُعي١

وخازن الجنّة رضواناً دُعي

فقرا على الغنى صبورٌ ارتضى

وذان سيّان لصاحب الرضا

عن عارف عُمّر سبعين سنة

إن لم يقل رأساً لأشيا كائنة

يا ليت لم تقع ولا لما ارتفع

مما هو المرغوب ليته وقع٢

__________________

١. إشارة إلى ما روي أنّ الرضا باب الله الأعظم.

٢. شرح منظومة السبزواري: ٣٥٢.

٢٢٨

وممَّن يمثل ذلك المقام في الأُمّة الإسلامية هو إمام العارفين وسيد المتّقين عليٌّ أمير المؤمنينعليه‌السلام فهو في عامَّة مواقفه، في جهاده ونضاله، وعزلته وقعوده في بيته، وفي تسنّمه منصَّة الخلافة بإصرار من الأُمّة، فهو في كلّ هذه الأحوال والمواقف، لا همّ له إلّا طلب رضوانه تعالى.

وقد صرح الإمام بذلك عندما طلب منه تسلّم مقاليد الخلافة، فقال: « أما والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألّا يقارُّوا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ».١

وقد تجلّت هذه الخصلة في عليٍّعليه‌السلام حين مبيته في فراش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

روى المحدّثون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لـمّا أراد الهجرة خلّف عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بمكّة لقضاء ديونه وردّ الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له: يا عليُّ اتَّشح ببردي الحضرمي الأخضر، ثمّ نم على فراشي، فانّه لا يخلص إليك منهم مكروه، إن شاء الله عزّ وجلّ، ففعل ذلكعليه‌السلام فأوحى الله عزّ وجلّ إلى جبرئيل وميكائيلعليهما‌السلام إنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟، فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله عزّ وجلّ إليهما: ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنام على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه.

__________________

١. نهج البلاغة: الخطبة ٣.

٢٢٩

فقال جبرئيل: بَخٍّ بَخٍّ مَن مثلك يابن أبي طالب ؟ يباهي الله بك الملائكة، فأنزل الله تعالى على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو متوجِّه إلى المدينة في شأن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ ) .١

وقد نقل غير واحد نزول الآية في حقّ عليٍّعليه‌السلام .

وقال ابن عباس: أنشدني أمير المؤمنين شعراً قاله في تلك الليلة:

وقيت بنفسي من وطئ الحصا

وأكرم خلق طاف بالبيت والحجر

وبتُّ أُراعي منهم ما يسوءني

وقد‌صبَّرت نفسي على‌القتل والأسر

وبات رسول الله في الغار آمناً

ومازال في حفظ الإله وفي الستر٢

وإلى هذه الفضيلة الرابية وغيرها يشير حسّان بن ثابت في شعره عند مدح عليٍّعليه‌السلام :

من ذا بخاتمه تصدَّق راكعا

وأسرّها في نفسه إسرارا

من كان بات على فراش محمّد

ومحمد اسرى يؤم الغارا

من كان في القرآن سمّي

في تسع آيات تلين غزارا٣

محاولة طمس الحقيقة لولا

إنّ عظمة هذه الفضيلة وأهميّة هذا العمل التضحويّ العظيم، دفعت بكبار علماء الإسلام إلى اعتبارها واحدة من أكبر فضائل الإمام عليّعليه‌السلام، وإلى أن

__________________

١. البقرة: ٢٠٧.

٢. شواهد التنزيل: ١ / ١٣٠ ؛ أُسد الغابة: ٤ / ٢٥.

٣. سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواصّ: ٢٥، ط عام ١٤٠١ ه‍.

٢٣٠

يَصِفُوا بها عليّاً بالفداء والبذل والإيثار، وإلى أن يعتبروا نزول الآية المذكورة في شأنه من المسلّمات، كلّ ما بلغ الحديث في التفسير والتاريخ إليها.١

إنّ هذه الحقيقة لا تنسي أبداً، فإنّه من الممكن إخفاء وجه الواقع والتعتيم عليه بعض الوقت إلّا أنّه سرعان ما تمزّق أشعةُ الحقيقة الساطعة حجبَ الأوهام، وتخرج شمس الحقيقة من وراء الغيوم.

إنّ معاداة معاوية لأهل بيت النبوّة وبخاصّة للإمام أمير المؤمنين عليٍّعليه‌السلام ممّا لا يمكن النقاش فيه.

فقد أراد هذا الطاغية من خلال تطميع بعض صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يلوّث صفحات التاريخ اللّامعة ويخفي حقائقه بوضع الأكاذيب، ولكنّه لم يحرز في هذا السبيل نجاحاً.

فقد عمد « سمرة بن جندب » الذي أدرك عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ انضمّ بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بلاط معاوية بالشام، عمد إلى تحريف الحقائق مقابل أموال أخذها من الجهاز الأموي، الحاقد على أهل البيت.

فقد طلب منه معاوية بإصرار أن يرقى المنبر ويكذّب نزول هذه الآية في شأن عليٍّعليه‌السلام، ويقول للناس أنّها نزلت في حقّ قاتل عليٍّ ( أي عبد الرحمٰن بن ملجم المرادي )، ويأخذ في مقابل هذه الأُكذوبة الكبرى، وهذا الاختلاق الفضيع - الذي أهلك به دينه ـ، مائة ألف درهم.

فلم يقبل « سمرة » بهذا المقدار ولكن معاوية زاد له في المبلغ حتى بلغ أربعمائة ألف درهم، فقبل الرجل بذلك، فقام بتحريف الحقائق الثابتة، مسوَّداً

__________________

١. الغدير: ٢ / ٤٨.

٢٣١

بذلك صفحته السوداء أكثر من ذي قبل، وذلك عندما رقى المنبر وفعل ما طلب منه معاوية.١

وقبل السامعون البسطاء قوله، ولم يخطر ببال أحد منهم أبداً أنّ ( عبد الرحمٰن بن ملجم ) اليمنيّ لم يكن يوم نزول الآية في الحجاز بل لعلّه لم يكن قد وُلِد بعد آنذاك. فكيف يصحّ ؟!

ولكن الحقيقة لا يمكن أن تخفى بمثل هذه الحجب الواهية، ولا يمكن أن تُنسىٰ بمثل هذه المحاولات العنكبوتية الرخيصة.

فقد زالت حكومة معاوية وهلك أعوانها، واندثرت آثار الاختلاق والافتعال الذي وقع في عهدها المشؤوم، وطلعت شمس الحقيقة من وراء حُجبُ الجهل والافتراء مرة أُخرى، واعترف أغلبُ المفسِّرين الأجلّة والمحدّثين الأفاضل - في العصور والأدوار المختلفة - بأنّ الآية المذكورة نزلت في « ليلة المبيت » في بذل عليٍّعليه‌السلام ومفاداته النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه.

__________________

١. لاحظ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ٤ / ٧٣.

٢٣٢

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٥

الإيثار

إنّه سبحانه تبارك وتعالى وصف الإيثار في كتابه الكريم، وهو من صفات الكرام حيث يقدِّمون الغير على أنفسهم، يقول سبحانه في وصف الأنصار:( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) .١

كما أنّه سبحانه أمر بالوفاء بالنذر، قال سبحانه:( مَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ ) ٢ ، وقال سبحانه:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) .٣

وفي الوقت نفسه ندب إلى الخوف من عذابه، يقول سبحانه:( يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ) ٤ وقال سبحانه:( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ

__________________

١. الحشر: ٩.

٢. البقرة: ٢٧٠.

٣. الحجّ: ٢٩.

٤. النور: ٣٧.

٢٣٣

أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) .١

ما ذكرنا من الصفات الثلاث هي من أبرز الصفات التي يتحلّىٰ بها أولياؤه سبحانه، ونجد هذه الصفات مجتمعة في أهل البيتعليهم‌السلام في سورة واحدة، يقول سبحانه:

( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا *وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا *إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا *إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ) .٢

فقوله سبحانه:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ ) إشارة إلى إيثارهم الغير على أنفسهم، والضمير في( عَلَىٰ حُبِّهِ ) يرجع إلى الطعام أي انّهم مع حبّهم للطعام قدَّموا المسكين على أنفسهم، كما أنّ قوله:( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) إشارة إلى صلابتهم في طريق إقامة الفرائض.

ثمّ قوله:( وَيَخَافُونَ يَوْمًا ) إشارة إلى خوفهم من عذابه سبحانه يوم القيامة.

وقد نقل أكثر المفسرين لو لم نقل كلّهم، أنّ الآيات نزلت في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام .

روي عن ابن عباس ( رض ) أنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام مرضا فعادهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أُناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك، فنذر عليٌّ وفاطمة وفضّة جاريةٌ لهما، إن شفاهما الله تعالى أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا وما

__________________

١. الرعد: ٢١.

٢. الإنسان: ٧ - ١٠.

٢٣٤

معهم شيء، فاستقرض عليٌّعليه‌السلام من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص علىٰ عددهم ووضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل، فقال: السّلام عليكم أهل بيت محمّد مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلّا الماء وأصبحوا صائمين.

فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، وجاءهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ عليٌّعليه‌السلام بيد الحسن والحسينعليهما‌السلام ودخلوا على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا أبصرهم، وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك.

فنزل جبرئيلعليه‌السلام وقال: خذها يا محمّد هنّأك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة.١

روى السيوطي في الدر المنثور، وقال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ ) الآية، قال: نزلت هذه الآية في عليِّ بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .٢

ورواه الثعلبي في تفسيره، وقال: نزلت في عليِّ بن أبي طالب وفاطمةعليهما‌السلام وفي جاريتهما فضّة، ثمّ ذكر القصّة على النحو الذي سردناه لكن بصورة مبسطة.

وقال: وذهب محمّد بن علي صاحب الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه

__________________

١. الكشّاف: ٣ / ٢٩٧ ؛ تفسير الفخر الرازي: ٣٠ / ٢٤٤.

٢. الدّر المنثور: ٨ / ٣٧١، تفسير سورة الإنسان.

٢٣٥

المعروف بـ‍ « البلغة » انّهمعليهم‌السلام نزلتعليهم‌السلام مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيّام، وحديث المائدة ونزولها عليهم في جواب ذلك مذكور في سائر الكتب.١

وقد سرد سبب نزول هذه الآية في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام غير واحد من أئمّة الحديث.٢

__________________

١. العُمدة: ٢ / ٤٠٧ - ٤١٠.

٢. شواهد التنزيل: ٢ / ٤٠٥ - ٤٠٨ ؛ أُسد الغابة: ٥ / ٥٣٠ ؛ مناقب ابن المغازلي: ٢٧٢.

٢٣٦

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٦

هم خير البريّة

إنّ خير الناس في منطق القرآن الكريم من آمن بالله ورسوله وعرف خالقه ومنعمه، وقد قال سبحانه:( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ ) .١

وهذه الصفات المذكورة في الآية تجدها، متمثلة في أهل البيتعليهم‌السلام شهد على ذلك سيرتهم، ولذلك صاروا خير البرية.

أخرج الطبري في تفسير قوله سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) .٢ باسناده عن أبي الجارود، عن محمد بن علي، قال: قال

__________________

١. البقرة: ١٧٧.

٢. البيّنة: ٧.

٢٣٧

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: « أنت يا عليُّ وشيعتك ».١

روى الخوارزمي عن جابر قال: كنّا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل عليّ بن أبي طالب، فقال رسول الله: « قد أتاكم أخي » ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثمّ قال: « والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة »، ثمّ قال: « إنّه أوّلكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعيّة، وأقسمكم بالسويّة، وأعظمكم عند الله مزيّة »، قال: وفي ذلك الوقت نزلت فيه:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ، وكان أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أقبل عليٌّ، قالوا: قد جاء خير البرية.٢

وروى أيضاً من طريق الحافظ ابن مردويه، عن يزيد بن شراحيل الأنصاري، كاتب عليّعليه‌السلام، قال: سمعت عليّاً يقول: « حدَّثني رسول الله وأنا مُسْنده إلى صدري، فقال أي عليّ ! ألم تسمع قول الله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ؟ أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأُمم للحساب تُدعون غرّاً محجّلين ».٣

وأرسل ابن الصباغ المالكي في فصوله عن ابن عباس، قال: لـمّا نزلت هذه الآية، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليٍّعليه‌السلام: « أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة، أنت وهم راضين مرضيين، ويأتي أعداؤك غضاباً مقمحين ».٤

__________________

١. تفسير الطبري: ٣٠ / ١٤٦.

٢. المناقب للخوارزمي: ١١١ برقم ١٢٠.

٣. المناقب للخوارزمي: ٢٦٥ برقم ٢٤٧.

٤. الفصول: ١٢٢.

٢٣٨

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٧

أهل البيتعليهم‌السلام ورثة الكتاب

اختلفت الأُمّة الإسلامية بعد رحيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر الخلافة - وإن كان اللائق بها عدم الاختلاف فيها، للنصوص الصحيحة الصادرة عنه في مختلف الموارد - وقد استقصينا البحث فيها في مبحث الإمامة من هذا الجزء.

والذي نركِّز عليه في هذا البحث هو تبيين المرجع العلمي بعد رحيله - سواء أكانت الخلافة لمن نصَّ عليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الغدير أو من اختاره بعض الصحابة في سقيفة بني ساعدة ـ.

والمراد من المرجع العلمي مَن ترجع إليه الأُمّة في أُصول الدين وفروعه، ويصدر عنهم في تفسير القرآن وتبيين غوامضه، ويستفهم منه أسئلة الحوادث المستجدَّة.

يقول سبحانه:( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ *ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ

٢٣٩

الْكَبِيرُ ) .١

المراد من الكتاب في قوله:( أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ) هو القرآن بلا شكّ وكونه حقّاً لأجل براهين قطعية تُثبت أنّه منزل من ربّه فانّ قوانينه تنسجم مع الفطرة الإنسانية، والقصص الواردة فيها مصونة من الأساطير، والمجموع خالٍ من التناقض إلى غير ذلك من القرائن الدالة على أنّه حقّ. ومع ذلك هو مصدِّق لما بين يدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكتاب السماوي.

هذا هو مفاد الآية الأُولى.

ثمّ إنّه سبحانه يقول:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) المراد من الكتاب هو القرآن: لأنَّ اللاّم للعهد الذكري أي الكتاب المذكور في الآية المتقدمة، والوراثة عبارة عمّا يستحصله الإنسان بلا مشقة وجهد، والوارث لهذا الكتاب هم الذين أُشير إليهم بقوله:( الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) ، فلو قلنا بأنّ« من » للتبيين فيكون الوارث هو الأُمة الإسلامية جميعاً، ولو قلنا: إنّ« مِن » للتبعيض فيكون الوارث جماعة خاصة ورثوا الكتاب.

والظاهر هو التبيين كما في قولنا:( وَسَلامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ) .٢

ولكن الأُمة الإسلامية صاروا على أقسام ثلاثة:

أ: ظالم لنفسه: الَّذين قصَّروا في وظيفتهم في حفظ الكتاب والعمل بأحكامه، وفي الحقيقة ظلموا أنفسهم، فلذلك صاروا ظالمين لأنفسهم.

ب: مقتصد: الذين أدُّوا وظيفتهم في الحفظ والعمل لكن لا بنحو كامل

__________________

١. فاطر: ٣١ - ٣٢.

٢. النمل: ٥٩.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319