رسالة المحقق الكركي الجزء ٣

رسالة المحقق الكركي25%

رسالة المحقق الكركي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 319

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 319 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40626 / تحميل: 5531
الحجم الحجم الحجم
رسالة المحقق الكركي

رسالة المحقق الكركي الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

[عشرة رضعة هل تحققت قبل هذا الزمان أو بعده، فليس هناك أصل يرجع إليه.

الثالث: لا يبعد أن يستشكل بأنه استصحاب الحال إنما يتصور في أمر محدود يقبل الزيادة والنقصان، وأما الامر المحدود كالحولين مما اذا استصحبنا آخره تنقص أوله، فلا نسلم تحقق الاستصحاب فيه، هذا محصل كلام لرسالة.واعلم أنه الاباحة المستفادة من كلام المصنف ليس الاباحة المقابلة للاستحباب، بل الاباحة تشتمل السنة، وحينئذ نقول: الآيات الدالة على اباحة النكاح واستحبابه في الاجنبية شامل لما وقع الشك في رضاعها، وليس الكلام في الاباحة الاصلية.وأما تعريف الاستصحاب كما وقع في كتب الاصول شامل للامر المحدود بلا ريب، وعدم الاعتبار في بعض المواد لعله لنص أو أمر آخر.

المسألة العاشرة

ولو أوصى له ببنته فمات قبل القبول وخلف أخا فقبل، عتقت ولم يرث، وإلا لحجب الاخ فيبطل القبول فيبطل العتق.وفي الرسالة يرد عليه أن قوله فيبطل العتق ممنوع، إذالمعتبر في القبول كونه وارثا حال القبول، أي الارث الظاهري.وفي الرسالة أن المصنفرحمه‌الله صرح بذلك في أول الوصايا، ولا شك انه لو لا القبول كان الوارث هو الاخ.ولو اعبر في القبول الوارث في نفس الامر يتوجه اشكال لا مدفع عنه على القول بأن القبول كاشف كما هو مذهب المصنف، وذلك لانه يلزم اجتماع النقيضين، لان الوارث في نفس الامر منحصر في البنت والاخ، وكل منهما إن كان وارثا يلزم أن لا يكون وارثا، وإن لم]

١٠١

[يكن وارثا يلزم أن يكون وارثا.

بيان ذلك: أن الاخ إن كان وارثا في نفس الامر فبقبوله انكشف تمام الوصية، فانكشف أن العتق كان صحيحا من وقت الموت، فانكشف أنها هي الوارث فلا يكون الاخ وارثا، وإن لم يكن وارثا فالوارث هو البنت، فلا اعتبار لقبول الاخ، فلا تنعتق البنت، لانه موقوف على القبول الصحيح، فلا تكون البنت وارثة، فيكون الاخ وارثا إذالوارث منحصر فيهما.واذا قلنا أن الوارث في نفس الامر هو البنت و الظاهري هو الاخ، وقلنا إن المعتبر هو قبول الوراث الظاهري، لا يلزم الحجب المذكور ولا اجتماع النقيضين، انتهى.واعلم أن المصنفقدس‌سره اختار في التذكرة أن العين الموصى به تدخل في ملك الموصى له متزلزلا، فإن قبله استقر عليه، وإن رده انتقل إلى الوارث.فإن قلنا إن الاستقرار لابد منه في انعتقال البنت، ولم يحصل من أبيها قبول موجب للاستقرار، وحصل من أخيه القبول الموجب للاستقرار المستلزم للعتق، ولا يلزم اجتماع النقيضين ولا الحجب، لان القبول من الاخ ليس كاشفا محضا.وهذا أقرب إلى الصواب من القول بالكاشف المحض، فإنه مما لا وجه له، لانه اذا أوصى ضشخص ببنته له فمات قبل القبول وقبل الاخ احدهما ورد الآخر، لا يخلو إما أن يقال ببطلان عتق المردود وقبول عتق المقبول، أولا.فإن قيل به يلزم الترجيح من غير مرجح، فإن لا سبق لعتق المقبول إلا الوصية والقبول، والقبول لا مدخل له، فنفى عتق كليهما، وإلا يلزم الترجيح من غير مرجح.وإن قلنا بعدم عتقهما يلزم أن لا يكون القبول كاشفا، بل نقول الحكم بكاشفية القبول يقتضي الحكم بأن البنت اعتقت بالوصية اذا علمت صحت الوصية]

١٠٢

[إن قلت: الوصية تكون صحيحة وتكون غير صحيحة، والقبول يكشف عن ذلك.

قلت: في صورة تكون الوصية بالبنتين مرة كما قلنا يلزم المحذور، وأيضا الاصل في الوصية الصحة، فيحكم بمجرد الوصية بالعتق، إلا أن يقال باختيار حرية الاثنين بعد كشف عتق احدهما بالكاشف، فإنه حينئذ يحكم بكشف عتق الاخرى أيضا، فإن الكشف عن إحداهما هو الكشف عنالاخرى.وفيه أنه اذا قال المعتق حال القبول: ما أرد كلتيهما ولا أقبل كلتيهما، وفسر برد إحداهما وقبول الاخرى معينا، فحينئذ لا يمكن أن يجعل الرد كاشفا عن عدم عتقهما، ولا القبول كاشفا عن عتقهما.ثم اعلم أنهم اختلفوا في أن ملك الموصى له متى يحصل، قال الشهيدقدس‌سره في الدروس: اذا كان موت الموصى له بعد موت الموصى، ففي دخول العين الموصى به في ملك الموصى له وجهان، مبنيان على أن الملك يحصل للموصى له بوفاة الموصى متزلزلا، فإن قبله استقر عليه، وإن رده انتقل إلى الوراث، كما أن التركة تنتقل بالوفاة إلى الورثة أو بالوفاة والقبول، أو يكون القبول كاشفا.فعلى الاول وهو ظاهر فتوى الشيخ وابن الجنيد، وتصريح التذكرة، يدخل في ملك الميت ويلزمه أحكامه من قضاء ديونه ووصاياه، والعتق عليه لو كان ممن ينعتق عليه والارث أيضا.والشيخ يمنع من الارث، وإلا اعتبر قبوله فيدور.واجيب بأن المعتبر قبول الوارث في الحال وكذا على الثالث، وعلى الثاني لا يدخل.]

١٠٣

[هذا كلام الدروس، ويفهم منه ما قاله السيد الايد إلا قليلا.ثم إنه قال صاحب التنقيح: اختلف في ملك الموصى له متى يحصل، قال الشيخ في المبسوط والخلاف يحصل بالموت، وهو قول الشافعية فإنهم قالوا: يدخل في ملك الموصى له بغير اختياره كالميراث، فالقبول كاشف.

وقال ابن ادريس: إنه يدخل في ملك الموصى له بالموت والقبول معا، وحكاه الشيخ في المبسوط قولا ثالثا حكاه عن بعضهم، أنه يكون مراعى إن قبل الموصى له علمنا أنه انتقل اليه بالموت انتقالا غير مستقر وبالقبول استقر، وإن لم يقبل علمنا أنه انتقل بالموت إلى الوارث.واختار المحقق في الشرائع الثاني، واختار العلامة في المختلف والقواعد الاول، وفي التذكرة الثالث.هذه عبارة التنقيح، والاختلاف بين الدروس والتنقيح فيما نقلا ظاهر.

ثم نقول: يفهم من الكتابين أن قول العلامة في التذكرة بأن الملك المتزلزل يحصل بالوصية وبالقبول يحصل الاستقرار، فحيئنذ إن قلنا إن الموصى له لما لم يقبل ومات وكان العين الموصى به في ملكه متزلزلا، فإذا قبل الوراث استقر فانعتقت البنت، لانها لما دخلت في ملك أبيها متزلزلة، فإن سلمنا عتقها متزلزلا فإذا قبل الاخر استقر الملك المتزلزل بالقبول، فقبول الوارث في الحال ليس كاشفا محضا عن الملك، بل كاشف عن لزوم الملك الموجب للعتق،]

١٠٤

[فحينئذ لا يلزم ما أورده السيد الايد من المحال.ثم اعلم أن الحق ان جعل القبول كاشفا محضا باطل، وكذا جعله سببا للملك.أما جعله كاشفا محضا، لما ذكرنا، وأما جعله سببا للملك، فلان الله تعالى جعل الارث بعد الوصية، فلو لم تنتقل إلى الموصى له بقي بلا مالك، لان الميت زال ملكه بالموت وليس ملكا للوارث، وإلا لتلقى الموصى له الملك عنه، وهو باطل اجماعا، فبقي الحق أن القبول علة لا ستقرار الملك، كيف لا، ولو جعلناه كاشفا كما فعله بعض علمائنا والشافعية بالدليل المذكور يلزم أن يكون القبول لغوا، إذ الدليل المذكور يكفي في العلم بالانتقال، وهو ظاهر.

إن قلت: يمكن أن يكون المراد من قوله تعالى:.

من بعد وصية وصية كاملة مقبولة، فحينئذ يكون الملك قبل القبول للورثة.

قلت: فحينئذ يكون بعد القبول منتقلا من الورثة، مع أنه خلاف الاجماع كما صرح صاحب الكنز.

إن قلت: كلام السيد الايد في الرسالة مبني على الكاشفية المحضة، كما نقل عن المصنف، فيصح كلامه الزاما للمصنف.

قلت: المصنف اذا قالك الكاشف أراد مقابل السبب، فهو شاملف لما يكون القبول سببا للزوم.

سلمنا لكن المسائل الفقهية ليس مناطها الا لزام، فإنها للعمل ولا يصح العمل بالالزام، فنقول: إن الحق فيها إما عدم انعتاق البنت على تقدير أن لا ينقل الملك إلى الموصى له، أو العتق كما قلنا، فتأمل.

المسألة الحادية عشرة

عمل بعض السادة العلماء الاتقياء المشار إليهم رسالة منفردة، في بيان أن]

١٠٥

[الغائب عن زوجته اذا طلق زوجته عالما بحيضها يصح طلاقها، قال مسألة: الغائب اذا خرج عن زوجته في طهر قد قربها فيه، وطلق بعد الطهر الثاني عالما بأنها حائض، هل يصح طلاقها أم لا؟ صرح الشارح العلامة فخر الدين في شرح القواعد بصحته، واستدل على ذلك بأنه فيه جمعا بين الاخبار.واعترض عليه شيخ المؤمنين أدام الله فوائده بقوله: وما استدل به مردود، لان الاخبار بعضها دل على جواز التطليق على كل حال، وبعضها دل على اعتبار مدة التربص، و هي ما يظن معها كونها طاهرا وقت الطلاق، فيخص العموم بأن زوجة الغائب إنما يجوز طلاقها اذا غلب على الظن بمضي المدة المذكورة كونها طاهرا وقت الطلاق، فكأنهعليه‌السلام قال: وزوجة الغائب على كل حال اذا غلب على الظن كونها طاهرا طهرا لم يقربها فيه، وحينئذ فلا دلالة فيها على ما يدعيه.

فإن قيل: يمكن الجمع بين الاخبار بوجه آخر، وهو أن يقال: الاخبار الدالة على التربص دلت على اعتبار المدة المذكورة من غير تقييد بكونها طاهرا وقت الطلاق وعدمه، فيقيد بذلك عموم الاخبار العامة تصير زوجة الغائب على كل حال اذا تربص بها المدة التي تنتقل معها من طهر إلى آخر، وحيئنذ فيعم ذلك ما اذا علم حيضها حين الطلاق بعد الطهر الثاني.

قلنا: هذا مردود بوجوه:

الاول: انه اذا دار الحال في التقدير في النصوص بين أمرين أو امور، وجب تقدير ما كان ألصق بالمقام، واللائح أن اعتبار الطهارة ألصق، وذلك لان زوجة الغائب لما اعتبر فيها الاستبراء وظن الانتقال عن الحيض إلى الطهر، ولم]

١٠٦

[يكتف بظن الانتقال إلى الحيض، أفاد ذلك أن أحكام زوجة الحاضر لا حقة بها، لكن لخفاء حالها بسبب البعد اكتفي عن معرفة حالها بحسب الواقع بما يفيد معرفة عادتها.

الثاني: انا لو سلمنا أن كلا من التقديرين ممكن، فلابد من مرجح بعين التقدير الآخر الذي يبقى معه العموم، ليخص به عمومات الكتاب والسنة الدالة على المنع من طلاق الحائض، ولا ريب أن ليس هناك مرجح، ومع انتفائه فكيف يجوز فيه الاقدام على الحاكم بجواز طلاق من يعلم كونها حائضا، مع قيام الدلائل الدالة على المنع وانتفاء المعارض، ولا ريب أن الاقدام على حل ما دل ظاهر الكتاب والسنة على تحريمه بمثل هذا التمحل على شفا.

الثالث: انه لو جمع بين الاخبار بالطريق الذي يدل على مدعاه، لزمه القول بأن من علم الحض بعد الطهر الاول يجب الحكم بصحة طلاقه، لتناول العموم لهذا الفرد بزعمه.

فإن قيل: هذا الفرد خرج بالاجماع.

قلنا: أي اجماع يدعى والمفيد وجماعة يجوزون طلاق الغائب مطلقا.إذا عرفت ذلك فاعلم أن القول بصحة الطلاق على هذا الوجه قول عري عن الدليل، بعيد عن الاحتياط، مشتمل على ارتكاب تخصيص عمومات الكتاب والسنة بما ليس بشئ، وإنما هو وهم محض وخيال واه، وعبارات الاصحاب مشعرة بخلاف ما ذكره.

قال في القواعد: ولو خرج مسافرا في طهر لم يقربها فيه صح طلاقها وإن صادق الحيض، والمفهوم من المصادفة عدم العلم.

وفي التحرير: ولو طلق غير المدخول بها[أو الحامل]، أو التي غاب عنها]

١٠٧

[قدرا يعلم انتقالها من طهر إلى آخر، جاز طلاقها مطلقا وإن اتفق في الحيض.والمفهوم من الاتفاق نحو المفهوم من المصادفة.

وفي الشرائع: أما لو انقضى من غيبته ما يعلم انتقالها من طهر إلى آخر ثم طلق صح ولو اتفق في الحيض.وليس يحضرني في عبارة أحد من المعتبرين التصريح بالجواز مع العلم بالحيض.انتهى.

قال السيد التقي الزكي هنا مقامان:

الاول.ما يتعلق بكلام الشيخ سلمه الله تعالى.

والثاني: ما يتعلق بكلام الشارح العلامة.

أما ما يتعلق بكلام الشيخ فقوله: بعضها دل على اعتبار مدة التربص، وهي ما يظن معها كونها طاهرا وقت الطلاق إلى آخره.

فيرد عليه أنه ليس في الروايات الخاصة شئ يدل على أنه لابد في صحة الطلاق من كونها طاهرا وقت الطلاق، غاية ما يدل عليه هو الانتقال من طهر إلى آخر، أعم من أن تكون طاهرا وقت الطلاق أم لا.وأما الوجوه التي ذكرها الشيخ ففيها أن الروايات الخاصة لو دلت على الانتقال من طهر إلى آخر لا تدل إلا على مجرد الانتقال، أعم من أن تكون طاهرا وقت الطلاق أو حائضا، فحينئذ تخص الروايات العامة بمقدار دلالتها، لا بشئ لا تدل الروايات الخاصة عليه، والتقييد بأمر زائد يحتاج إلى دليل، فعلى هذا اندفع الوجهان الاولان.وأما اندفاع الثالث فظاهر، لانه بعد ما اعتبر الانتقال على الوجه المخصوص، لا يلزمه القول بأن من علم بالحيض بعد الطهر الاول يلزمه الحكم بصحة طلاقه]

١٠٨

[وأما قوله في القواعد: وإن صادق إنما هو في مسألة أخرى.

وأيضا يفهم من قوله: وإن صادق، انه يجوز التطليق مع عدم العلم، ولا يستلزم عدم الجواز مع العلم بالحيض.أما المقام الثاني هو متعلق كلام الشارح العلامة، وهو أنه إذا صححنا الطلاق عملنا بالروايات العامة والخاصة بعد الجمع بينهما، وهو ما ذكره الشيخ العلامة من أن الاخبار الدالة على وجوب التربص مدة ليصح الطلاق، لا يصح اجراؤها على ظاهرها من الاختلاف والتنافي ولا اطراح بعضها، فلم يبق إلا الجمع بينها بالحمل على أن المراد مراعاة زمن يعلم الزوج الغائب حصول الحيض بعد طهر الجماع والانتقال عنه إلى الطهر، وأن الاختلاف منزل على اختلاف عادات النساء في حصول الحيض باعتبار شهرا أو ثلاثة اشهر أو خمسة أو ستة، فقد اشركت أخبار التربص في أن الانتقال من طهر إلى آخر شرط صحة الطلاق من الغائب، ولو ظنا مستفادا من عادة المرأة إن كانت معلومة، وإلا فمن غالب عادات النساء.ولا ريب أن ما اشتركت فيه هذه الاخبار مخصص بعموم الخبرين الدالين على جواز تطليق زوجة الغائب على كل حال، ولا شك أيضا أن الخبرين المخصصين يخصصان عموم المنع من طلاق الحائض، فيصح الطلاق المذكور.فخلاصة الكلام أن الدلائل الدالة على عموم المنع من طلاق الحائض مخصصة بالخبرين الدالين على جواز تطليق زوجة الغائب على كل حال، والخبران المذكوران مخصصان بالاخبار الدالة على التربص، ولا محذور في ذلك، والقول بأن الخبرين المذكورين لما لم يكن ظاهرهما مرادا لم يمكن التخصيص بوجه من الوجوه محل منع، نعم كلام الشارح العلامة مجمل، ما ذكر شيئا يدل مفصلا على المعنى المراد، لكن لا مانع من حمله على ما ذكرنا، انتهى.]

١٠٩

[اعلم أن علماء التفسير كلما في التنقيح قالوا: إن المراد بقوله تعالى: (طلقوهن لعتدهن) ايقاع الطلاق في الطهر الذي لا جماع فيه.وظاهر الآية كظاهر الاحاديث الدالة على ايقاع الطلاق في الطهرلا يختص بالحاضر، فحينئذ اذا نظرنا إلى الروايات الواقعة في الغائب وجمعناها مع الروايات الواقعة في ايقاع الطلاق في الطهر الذي لاجماع فيه، يظهر تحريم الطلاق مع العلم بالحيض كما قاله الشيخ سلمه الله.لكن ظاهر كلام الاصحاب استثناء الغائب زوجها عن الآية، وكذا عن الاحاديث، فحينئذ لا يصح الاستدلال بالآية على حال الغائب.وأيضا من قال بالتربص كالشيخ في النهاية قال: إذا غاب عنها في طهر قد قربها فيه بجماع لا يطلقها حتى تمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر، ثم يطلقها بعد ذلك أي وقت شاء يدل كلامه على أن العلم بالحيض لا ينافي الطلاق.وصاحب التنقيح تصدى لجمع الروايات بوجه آخر، وهو أن ما يدل على الوجوب فالامر فيه للاستحباب، وما دل على الحرمة فالنهي فيه للكراهة.فيتخلص ان الطلاق مطلقا واقع، سواء كان عالما بالحيض اولا، إلا أنه يفهم من كلام التنقيح أن المراد بالغيبة: الغيبة التي يمتنع وصول خبر الزوجة إلى الزوج فلا يعلم حالها، إلا أن يراد بالعلم الظن بحيضها باعتبار عادتها أو غالب عادات النساء.في كنز العرفان قوله تعالى: (طلقوهن لعدتن) أي لوقت عدتهن، لان الكلام للتأقيت.وفيه دلالة على وجوب ايقاع الطلاق في اطهر، لان الاقراء هي الاطهار لما يجئ، وهو مذهب أصحابنا والشافعي، لكن عندنا فو فعل]

١١٠

[خلاف ذلك بطل، وعند الشافعي وباقي الفقهاء فعل حراما وصح طلاقه.أما الحرمة، فلان الامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده.وأما الصحة، فلان النهي لا يستلزم الفساد.ونحن نمنع الثانية، فإن النهي عن نفس الطلاق، وقد تقدم أن عند المحققين أن النهي عن نفس الشئ أو جزئه أو لازمه يدل على الفساد.

ثم ان هذا العموم مخصوص بأمرين:

أحدهما: غير المدخول بها.

وثانيهما: الغائب عنها زوجها غيبة يعلم انتقالها من طهر إلى آخر، أو خرج عنها في طهر لم يقربها فيه بجماع، فإن هاتين يصح طلاقهما من غير تحريم، وعلى ذلك اجماع أصحابنا وتظافر أخبارهم، ويدل على الاولى آية الاحزاب على ما سيأتي، انتهى.فظاهر الاستثناء يقتضي وقوع الطلاق في الغائب عنها زوجها مع العلم بالحيض.

واعلم أن للروايات احتمالات:

أولها: أن يكون الطلاق في الغائب عنها زوجها مشروطا بالعلم بالطهر، بوجه يمكن علم الزوج بعادة الزوجة أو عادات النساء.

ثانيها: أنه يكتفي بعدم العلم، لان الغائب لا يقدر على ضبط حال المرأة، مع أن نظر الشرع إلى عدم وقوع الطلاق في وقت الحيض.

والغائب عن الزوجة لما لم يتيسر له غالبا العلم بحال الزوة من طهرها وحيضها، اقيم عدم علمها مقام العلم، فصار مدة التربص ما يظن معها انتقال المرأة من طهر إلى آخر مع عدم العلم بكونها حائضا، سواء ظن طهرها أولا.والعمومات الدالة على اعتبار الطهر تحفظ بقدر الامكان، فلا يقع الطلاق حال العلم بالحيض.]

١١١

[وهذا غير ما اعتبر الشيخ سلمه الله في مدة التربص، وغير كلام الايضاح على ما فصله السيد تلميذ الشيخ، لان ما قاله الشيخ يشترط فيه الظن بالطهر، وما قال تلميذه يجامع العلم بالحيض بخلاف ما ذكرنا.فإذا فسرنا التربص بمدة يعلم انتقالها عن طهر إلى آخر من غير علم بحيضها وطهرها، فحينئذ يلائم لفظ المصادفة والاتفاق.

ثالثها: أن يحمل بما حمله صاحب الايضاح وأيده السيد الايد.

رابعها: أن تحمل الروايات الدالة على اعتبار مدة التربص في الغائب عنها زوجها عل يالاستحباب، والاحوط الاول، والباقي جائز على ما يفهم من قول أبي الصلاح وغيره المنقول في المختلف، فإن ظاهره يدل على أن الغائب عنها زوجها غير مكلف بضبط حال المرأة، وقول باقي الاصحاب المذكور فيالمختلف يشعر بذلك، ويظهر ذلك بعد المراجعة إلى أقوالهم.ثم إن قول صاحب الكنز حيث استدل بالنهي عن نفس الطلاق، منظور فيه، لان الصحة في غير العبادات ترتب الاثر، والنهي لا يقتضي عدم الترتيب فالحق الاستدلال بالاجماع.بقي هنا كلام، وهو أن كلام الشيخ سلمه الله وإن كان يقرب إلى الاحتياط، لكنه يخالف ظاهر الاجماع المنقول في الكنز، والاخبار المتظافرة على ماقاله، لان مقتضى ظاهر الاجماع أن لا يتحقق التحريم في الغائب زوجها في الصورتين، وكلام الشيخ سلمه الله يقتضي تحقق التحريم في طلاق الغائب زوجها في غير الطهر.

إن قلت: فرق بين الغائب عنها زوجها والحاضر، فإن طلاق الحاضر لو]

١١٢

[صادق الحيض يبطل بخلاف الغائب عنها زوجها.

قلت: لا مدخل لهذا الفرق، فإن الاجماع يقتضي عدم التحريم في غير الطهر إلا في الحاضر، وليس ذلك بحرام في الغائب زوجها عنها، لا أنه لا يقع الطلاق، أو يقع وبينهما فرق ظاهر.وحينئذ نقول على قول الشيخ سلمه الله: لا وجه لاستنثناء الغائب عنها زوجها عن الآية، فإن قوله تعالى: (لعدتهن) يشمل العلم والظن، لكن ينافي ما يقتضيه الاجماع المذكور في الكنز قول صاحب التنقيح حيث قال: المحبوس عن زوجته كالغائب في طلاق الزوجة، هذا قول الشيخ، وتبعه ابن حمزة والقاضي، والمستند رواية عبدالرحمن بن الحجاج عن الكاظمعليه‌السلام .ومنعه ابن ادريس، إذ الاصل بقاء الزوجية، ولا دليل على وقوع هذا الطلاق اذا اتفق في زمان الحيض وهي مدخول بها، وحمله على الغائب قياس، واختار العلامة الاول مستدلال بوجود المقتضي لوقوع الطلاق، وهو الصيغة الصادرة من أهلها، وانتفاء المعارض، إذ هو ليس إلا الوقوع في الحيض، وهو غير معلوم بل مظنون العدم، إذ التقدير ذلك.وفيه نظر، لانا نمنع وجود المقتضي، فإن وجود الصيغة من أهلها غير كاف بل لابد من وقوعها في محلها، وهي المرأة الخالية من الحيض اذا كانت مدخولا بها، وذلك غير حاصل، إذ الفرض أن الخلو من الحيض غير معلوم بل غايته أنه]

١١٣

[مظنون، والظن غير كاف إلا في الغائب، للاجماع عليه، فحمله عليه قياس.والرواية يمكن حملها عى العلم بمصادفة الطلاق الطهر، وأما مع عدم العلم بالمصادفة فلا يتهجم على اباحة الفروج لخبر الواحد المحتمل للصدق متنا ودلالة، فالاحوط اذا ما قاله ابن ادريس.هذا كلام التنقيح، وهو يدل على اعتبار الخلو عن الحيض في الطلاق، إلا أنه يكفي الظن في المختلف.

قال الشيخ في النهاية: ومتى كان للرجل زوجة معه في البلد غير أنه لا يصل اليها فهو بمنزلة الغائب عن زوجته، فإذا أراد طلاقها فليصبر إلى أن يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ثم يطلقها إن شاء.

وتبعه ابن البراج، وابن حمزة.

وقال ابن ادريس: الذي يقتضيه اصول مذهبنا واجماعنا منعقد عليه، أنه لا يجوز للحاضر أن يطلق زوجته المدخول بها وهي حائض بغير خلاف.وحمل الحاضرة في البلد على تلك قياس، فهو باطل عندنا، والاصل الزوجية، فمن أوقع الطلاق يحتاج إلى دليل.وما ذكره شيخنا خبر واحد أورده ايراد الاعتقاد، كما أورد أمثاله مما لا يعمل عليه ولا يعرج إليه، ولو لا اجماعنا على طلاق الغائب وإن كانت زوجته حائضا لما صح، فلا نتعداه ونتخطاه.والمعتمد ما قاله الشيخ.لنا أن المقتضي معلوم الثبوت، والمعارض لا يظن ثبوته بل يظن عدمه، فثبت الحكم.أما وجود المقتضي، فلان لفظ الطلاق موضوع شرعا للبينونة وسبب تام]

١١٤

[فيها، وقد وجد.أما انتفاء المعارض فليس إلا الحيض، وهو غير معلوم الثبوت بل مظنون العدم، إذالتقدير ذلك.وأما ثبوت الحكم عند ذلك فهو ظاهر، لان المقتضي لجواز تطليق الغائبة وهو خفاء حالها عنه مع غلبة ظنه بالانتقال من طهر المواقعة إلى غيره موجود هنا، وثوبت العلة يستلزم ثبوت الحكم، ولا نرجع إلى القياس بل إلى ما جعله الشارع علة.وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبدالرحمان بن الحجاج قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة سرا من أهلها وهي في منزل أهلها، وقد أراد أن يطلقها وليس يصل اليها فيعلم طمثها اذا طمثت، ولا يعلم طهرها اذا طهرت، قال:

فقال:.هذا مثل الغائب عن أهله يطلقها بالاهلة والشهور)

قلت: أرايت إن كان تصل إليها الاخبار ولا تصل إليه فيعلم حالها كيف يطلقها؟ قال: (اذا مضى شهر لا يصل اليها فيه ويطلقها اذا نظر إلى غرة الشهر الآخر بشهود، ويكتب الشهر الذي يطلقها فيه، ويشهد على طلاقها رجلين، فإذا مضى ثلاثة اشهر فقد بانت منه وهو خاطب من الخطاب، وعليه نفقتها في الثلاثة الاشهر التي تعتد فيها).وهذا نص في الباب، واذا وافق المعنى المعقول الحديث الصحيح المنقول واشتهر بين الجماعة العمل به كان معينا.انتهى.

وتلخيص ما قال ابن ادريس: أن اصول مذهبنا والاجماع المنعقد على أن طلاق الحاضرة لا يقع هي حائض، يقتضيان عدم وقوع طلاق الحاضر الذي]

١١٥

[لا يصل خبرها إلى زوجها، والغائب عنها زوجها إنما حكم بصحة طلاقها وهي حائض للاجماع، فحينئذ لا يصح قياس بعض أقسام الحاضرة أعني التي لا يصل خبرها إلى زوجها على الغائبة، فإن القياس باطل عندنا.وأيضا الاجماع المنعقد في الحاضرة مطلقا يأبى عنه.وملخص ما قال العلامة على أن المختار قول الشيخ دليلان: الاول: إن المقتضي للطلاق هو الصيغة الصادرة من أهلها الدالة على البينونة، والمانع من الوقوع وقوع الطلاق في غير الطهر، والمقتضي متحقق، والمانع غير معلوم التحقق بل مظنون العدم، إذ الاصل عدم حين عدم العلم، فإذا تحقق المقتضي والاصل عدم المانع فيحكم بوقوع الطلاق الدليل الثاني: إن الغائب بسبب خفاء الزوجة عنه وظن الانتقال، جوز طلاقه في غير الطهر، وعلم من الشرع علية الخفاء المذكور، لصحة الطلاق المذكور، واشتراك العلة معلوم في القسم المذكور من الحاضرة، فقد تحقق اشتراك الحكم، فصح طلاق الحاضرة التى لا يصل خبرها إلى زوجها.والحديث الصحيح نص في صحة طلاق القسم المذكور، وتأكد بالشهرة في عمل الاصحاب.

فتلخص من جميع ذلك أن المعتد ما قاله الشيخ وإن كان بعض المقدمات مدخولا، فإنه لا يضر ذلك في حصول المطلوب من الدليلين، والحديث الصحيح، فإن اجتماع الادلة كثيرا ما يفيد المطلوب سيما في المسائل الفقهية.اذا علمت ذلك فاعلم أن المتلخص من كلام العلامة إما عدم تسليم الاجماع فيما هو الحاضر حقيقة وحكما، أو انه لا يتقيد باتباع أمثال ذلك الاجماع، فإنه كثيرا ما خالف الدليل مثل هذا الاجماع.وأيضا يفهم أن عدم العلم بوقوع الطلاق في الحيض كاف في وقوع الطلاق في الحاضرة، ولا يحتاج إلى العلم بالعدم، ويفهم من ذلك أن العلم بالحيض]

١١٦

[ينافي الطلاق.وصاحب التنقيح زعم أن خلاصة الدليل الاول أن المقتضي وهو الصيغة متحقق، ورفع المانع حاصل، والظن بالخلو عن الحيض كاف في الغائب عنها زوجها، فكذا في القسم المذكور من الحاضرة.فأورد عليه بأنا نمنع وجود المقتضي، لان وجود الصيغة من أهلها غير كاف، بل لابد من وقوعها في محلها، وهي المرأة الخالية من الحيض اذا كانت مدخولا بها، وذلك غير حاصل، إذ الفرض أن الخلو من الحيض غير معلوم بل غايته انه مظنون، والظن غير كاف إلا في الغائب للاجماع عليه، فحمله عليه قياس.هذا كلامه.وقد علمت تحرير الدليل وانه ليس قياسا.وأيضا المصنف قال: إن المقتضي نفس الصيغة، ولا معنى لضم خلو الحيض الذي هو رفع المانع مع عدم المقتضي، وهو ظاهر.ثم إن دعوى الاجماع بأن الظن بخلو الغائبة عن الحيض كفاية في الطلاق غير مسلم، نعم كلام العلامة بل مظنون العدم إن التقدير ذلك يشعر بوقوع الطلاق عند الظن بعدم الحيض، وذلك لا يقتضي مدخلية في طلاق الغائبة لظن الخلو.نعم يفرق بين الغائبة والحاضرة حقيقة وحكما، بأن الغائبة لو وقع طلاقها في الحيض يصح، بخلاف الحاضرة المذكورة فإن يبطل، فإن وقوع الطلاق في الحاضر معتبر في الطهر دون الغائب وما في حكمه.ثم اعلم أن المستفاد من استدلالات العلامة أن مدار علية الطلاق على الخفاء والانتقال من طهر إلى آخر، ولم يعتبر فيه الظن بخلو المرأة عن الحيض، إذ لو كان معتبرا عنده لابد من ضمه أيضا، فعلم أن العلم بالحيض غير ضار في الطلاق في الغائب، لكن تأبى عن ذلك بعض كلماته.بقي أنه يمكن نقض الدليل بطلاق الحاضرة اذا طلقت بمجرد الظن بعدم الحيض، فإنه يجري في الدليل فيها بأن يقال: المقتضي متحقق، والمانع غير]

١١٧

[معلوم الثبوت إلا أن تلاحظ الرواية أيضا في الدليل فتأمل.لكن اذا جعلنا الدليل مجموع ما قال لا يضر النقض كثيرا.

ثم إن صاحب التنقيح قال: يحتمل حمل الرواية على العلم بمصادفة الطلاق الطهر، وأما مع عدم العلم بالمصادفة فلا نتهجم على اباحة الفروج بخبر الواحد، إلى آخر ما قال.

وفيه: إن هذا الاحتمال بعد العلم بصحة الخبر وعمل الاصحاب والشهرة لا يعتبر أصلا، وأيضا العلم بالمصادفة مع ظن الخلو حال الطلاق مذهب ثالث لم يقل به أحد، وانه مخالف للاجماع.ثم ان عبارة ابن ادريس حيث قال: وهي حائض من غير اعتبار المصادفة، تدل على صحة اجتماع الطلاق مع العلم بالحيض.فظهر مما قلنا أن صاحب التنقيح بمجرد حمل الدليل الاول على ما زعمه ونظر فيه زعم أولوية مذهب ابن ادريس دون الشيخ، وهذا عجيب.ثم اعلم ان دعوى الاجماع على بطلان القول بطلاق الغائب، العالم بالحيض بعد الطهر الذي قربها فيه بلا فصل حال الطلاق بشرط الانتقال من الطهر إلى الحى المذكور ممكن بأن يقال: إن الفريقين أعني من قال بصحة طلاق الغائب مطلقا، ومن قال باعتبار التربص لا يعتبران الانتقال من طهر قربها إلى الحيض الذي بعده، لان من قال بصحة الطلاق مطلقا لا يقول باشتراط الانتقال من الطهر الذي قربها فيه إلى الحيض الذي بعده، ومن قال بالتربص يقول باشتراط الانتقال من طهر إلى آخر، فيكون القول باشتراط الانتقال من طهر إلى الحيض الذي بعده خلاف الاجماع.وعلى ما مهدنا يقوى في الجملة قول الايضاح، ومن يحذو حذوه.]

١١٨

[ويمكن أن يقال: إن خلاف المفيد لا يضر في تحقق الاجماع في عصر آخر بعده، لكن اثبات هذا الاجماع مشكل.

إن قلت: كلامنا في نفس ايقاع الطلاق في الحيض الذي بعد الطهر الذي قربها فيه بأنه ليس خلاف الاجماع، فإن المفيد وجمعا من أصحابنارحمهم‌الله قالوا بوقوع الطلاق فيه، فلا يكون خلاف الاجماع.

قلت: من قال بالتربص اذا قال بصحة الطلاق في الحيض الذي بعد الطهر الذي قربها فيه، كأنه قال باشتراط الانتقال أعم من أن يكون من طهر قربها فيه إلى الحيض الاول أو طهر آخر.

وهذا التعميم باعتبار الانتقال إلى الحيض خلاف الاجماع، فإنه لا يتقيد به من قال بعدم التربص، ولا يقول به من قال بالتربص كما أشرنا، فخلاف الاجماع ليس باعتبار ايقاع هذا الفرد من الطلاق، بل في اعتبار الانتقال الشامل لهذا الفرد فافهم.

المسألة الثانية عشرة

في اثبات الغرض في أفعال الله تعالى اعلم أن أهل الملل قاطبة قالوا باختياره، وبأن فعله معلل بالغرض، إذ لو لم يفعل للعلم بالفائدة لكان فعله عبثا، والفطرة الصحيحة تحكم بذلك وتشهد بذلك الروايات.غير أن الاشاعرة وافقوا الحكماء في أن أفعاله ليست معللة بالغرض لوجهين على ما سيجئ.

وإنما قلنا أنهم وافقوا الحكماء، فإن الحكماء وإن قالوا بأن أفعال الله تعالى معللة بالغرض، صرحوا بأن غرض فعله وغايته إنما هو ذاته تعالى.

والمتأخرون من الحكماء قالوا: إن ما اشتهر أن الغاية مترتبة على الفعل في]

١١٩

[الوجود العيني بالغايات المتكونة، وأما غاية فعل يكون أعلى من الكون ليس يترتب على الفعل.ومآل هذا الكلام أن فاعليته تعالى تتم بذاته لا بواسطة أمر آخر كما في الممكنات، فإن تصور الغايات يتم فاعليتها في الافعال الاختيارية، فيكون الصانع تعالى بهذا الاعتبار غاية، وهذا يرجع كما قالوا في الصفات بأن الذات تفيد فائدة الصفة الزائدة، فكذا تفيد فائدة الغرض الزائد في تكميل فاعليته إلى نفي الغرض وحصول ما هو الغرض من الغرض.هذا كلام بعض المحققين، وفيه بحث فإن تكميل فاعليته ذاته بذاته إنما يظهر في الفعل التقديم، أما الحادث لابد وأن يحتاج إلى آمر آخر.

ويمكن أن يقال: إن فائدة نفس الغرض يحصل بنفس الذات، وأما مدخلية باقي الامور كالشرط لاكلام لنا فيه فتأمل.

ويمكن أن يقال: إن الحكماء يثبتون الغرض في فعله تعالى، فإنه كما لا يقال: إنهم ينكرون علمه تعالى وسائر صفاته، لا يقال بانكار هم الغرض.وكيف يصح ذلك من المعتزلة القائلين بعينية الصفات، فيحتمل القول بموافقة الحكماء للمعتزلة في اثبات الغرض، لكن هذا المعنى لا ينكره الاشاعرة، فعلم أن النزاع في الغرض الزائد.وأما الصوفيه قالوا باثبات الغرض في أفعاله تعالى.اذا علمت ذلك فنرجع إلى ما كنا فيه: قال لاسيد الشريفقدس‌سره في رسالة ألفها في نفي الغرض عن فعله تعالى: أفعاله تعالى ليست معللة بالغرض لوجهين: احداهما: إن من كان فاعلا لغرض فلابد وأن يكون وجود ذلك الغرض أولى بالقياس إليه من غيره، وإلا لم يصح أن يكون غرضا له، وفيكون الفاعل مستفيدا بتلك الاولوية مستكملا بغيره تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

لا يقال: إنما تلزم الاستفادة والاستلزام اذا كانت المنفعة راجعة إلى]

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ولعلّ هذه الجملة إشارة إلى القيامة الوارد ذكرها آنفا ، أو أنّها إشارة إلى القرآن ، لأنّه ورد التعبير عنه بـ «الحديث» في بعض الآيات كما في الآية ٣٤ من سورة الطور ، أو أنّ المراد من «الحديث» هو ما جاء من القصص عن هلاك الأمم السابقة أو جميع هذه المعاني.

ثمّ يقول مخاطبا :( وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سامِدُونَ ) أي في غفلة مستمرّة ولهو وتكالب على الدنيا ، مع أنّه لا مجال للضحك هنا ولا الغفلة والجهل ، بل ينبغي أن يبكى على الفرص الفائتة والطاعات المتروكة ، والمعاصي المرتكبة ، وأخيرا فلا بدّ من التوبة والرجوع إلى ظلّ الله ورحمته!

وكلمة سامدون مشتقّة من سمود على وزن جمود ـ ومعناه اللهو والانشغال ورفع الرأس للأعلى تكبّرا وغرورا ، وهي في أصل استعمالها تطلق على البعير حين يرفل في سيره ويرفع رأسه غير مكترث بمن حوله.

فهؤلاء المتكبّرون المغرورون كالحيوانات همّهم الأكل والنوم ، وهم غارقون باللذائذ جاهلون عمّا يحدق بهم من الخطر والعواقب الوخيمة والجزاء الشديد الذي سينالهم.

ويقول القرآن في آخر آية من الآيات محلّ البحث ـ وهي آخر آية من سورة النجم أيضا ـ بعد أن بيّن أبحاثا متعدّدة حول إثبات التوحيد ونفي الشرك :( فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ) .

فإذا أردتم أن تسيروا في الصراط المستقيم والسبيل الحقّ فاسجدوا لذاته المقدّسة فحسب ، إذ لله وحده تنتهي الخطوط في عالم الوجود ، وإذا أردتم النجاة من العواقب الوخيمة التي أصابت الأمم السالفة لشركهم وكفرهم فوقعوا في قبضة عذاب الله ، فاعبدوا الله وحده.

الذي يجلب النظر ـ كما جاء في روايات متعدّدة ـ أنّ النّبي عند ما تلا هذه الآية وسمعها المؤمنون والكافرون سجدوا لها جميعا.

٢٨١

ووفقا لبعض الرّوايات أن الوحيد الذي لم يسجد لهذه الآية عند سماعها هو «الوليد بن المغيرة» [لعلّه لم يستطع أن ينحني للسجود] فأخذ قبضة من التراب ووضعها على جبهته فكان سجوده بهذه الصورة.

ولا مكان للتعجّب أن يسجد لهذه الآية حتى المشركون وعبدة الأصنام ، لأنّ لحن الآيات البليغ من جهة ، ومحتواها المؤثّر من جهة اخرى وما فيها من تهديد للمشركين من جهة ثالثة ، وتلاوة هذه الآيات على لسان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المرحلة الاولى من نزول الآيات عن لسان الوحي من جهة رابعة كلّ هذه الأمور كان لها دور في التأثير والنفوذ إلى القلوب حتّى أنّه لم يبق أيّ قلب إلّا اهتزّ لجلال آيات الله وألقى عنه. ستار الضلال وحجب العناد ـ ولو مؤقتا ـ ودخله نور التوحيد المشعّ!.

وإذا تلونا الآية ـ بأنفسنا ـ وأنعمنا النظر فيها بكلّ دقّة وتأمّل وحضور قلب وتصوّرنا أنفسنا أمام النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي جوّ نزول الآيات وبقطع النظر ـ عن اعتقادنا الإسلامي ـ نجد أنفسنا ملزمين على السجود عند تلاوتنا لهذه الآية وأنّ نحني رؤوسنا إجلالا لربّ الجلال!

وليست هذه هي المرّة الاولى التي يترك القرآن بها أثره في قلوب المنكرين ويجذبهم إليه دون اختيارهم ، إذ ورد في قصّة «الوليد بن المغيرة» أنّه لمّا سمع آيات فصّلت وبلغ النّبي (في قوله) إلى الآية :( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ ) قام من مجلسه واهتزّ لها وجاء إلى البيت فظنّ جماعة من المشركين أنّه صبا إلى دين محمّد.

فبناء على هذا ، لا حاجة أن نقول بأنّ جماعة من الشياطين أو جماعة من المشركين الخبثاء حضروا عند النّبي ولمّا سمعوا النّبي يتلو الآية :( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ) بسطوا ألسنتهم وقالوا : تلك الغرانيق العلى!! ولذلك انجذب المشركون لهذه الآيات فسجدوا أيضا عند تلاوة النّبي آية السجدة!

٢٨٢

لأنّنا كما أشرنا آنفا في تفسير هذه الآيات. انّ الآيات التي تلت هذه الآيات عنّفت المشركين ولم تدع مجالا للشكّ والتردّد والخطأ لأي أحد (في مفهوم الآية) [لمزيد الإيضاح يراجع تفسير الآيتين ١٩ و٢٠ من هذه السورة].

وينبغي الالتفات أيضا إلى أنّ الآية الآنفة يجب السجود عند تلاوتها ، ولحن الآية التي جاءت مبتدئة بصيغة الأمر ـ والأمر دالّ على الوجوب ـ شاهد على هذا المعنى.

وهكذا فإنّ هذه السورة ثالثة السور الوارد فيها سجود واجب ، أي هي بعد سورة الم السجدة ، وحم السجدة وإن كان بعضهم يرى بأنّ أوّل سورة فيها سجود واجب نزلت على النّبي من الناحية التاريخية ـ هي هذه السورة.

اللهمّ أنر قلوبنا بأنوار معرفتك لئلّا نعبد سواك شيئا ولا نسجد إلّا لك.

اللهمّ إنّ مفاتيح الرحمة والخير كلّها بيد قدرتك ، فارزقنا من خير مواهبك وعطاياك ، أي رضاك يا ربّ العالمين.

اللهمّ ارزقنا بصيرة في العبر ـ لنعتبر بالأمم السالفة وعاقبة ظلمها وأن نحذر الاقتفاء على آثارهم

آمين يا ربّ العالمين.

* * *

انتهت سورة النجّم

٢٨٣
٢٨٤

سورة

القمر

مكّية

وعدد آياتها خمس وخمسون آية

٢٨٥
٢٨٦

«سورة القمر»

محتوى السورة :

تحوي هذه السّورة خصوصيات السور المكيّة التي تتناول الأبحاث الأساسيّة حول المبدأ والمعاد ، وخصوصا العقوبات التي نزلت بالأمم السالفة ، وذلك نتيجة عنادهم ولجاجتهم في طريق الكفر والظلم والفساد ممّا أدّى بها الواحدة تلو الاخرى إلى الابتلاء بالعذاب الإلهي الشديد ، وسبّب لهم الدمار العظيم.

ونلاحظ في هذه السورة تكرار قوله تعالى :( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) وذلك بعد كلّ مشهد من مشاهد العذاب الذي يحلّ بالأمم لكي يكون درسا وعظة للمسلمين والكفّار.

ويمكن تلخيص أبحاث هذه السورة في عدّة أقسام هي :

١ ـ تبدأ السورة بالحديث عن قرب وقوع يوم القيامة ، وموضوع شقّ القمر ، وإصرار وعناد المخالفين في إنكار الآيات الإلهيّة.

٢ ـ والقسم الثاني يبحث بتركيز واختصار عن أوّل قوم تمرّدوا على الأوامر الإلهيّة ، وهم قوم نوح ، وكيفيّة نزول البلاء عليهم.

٣ ـ أمّا القسم الثالث فإنّه يتعرّض إلى قصّة قوم «عاد» وأليم العذاب الذي حلّ بهم.

٤ ـ وفي القسم الرابع تتحدّث الآيات عن قوم «ثمود» ومعارضتهم لنبيّهم صالحعليه‌السلام وبيان معجزة الناقة ، وأخيرا ابتلاؤهم بالصيحة السماوية.

٥ ـ تتطرّق الآيات بعد ذلك إلى الحديث عن قوم «لوط» ضمن بيان واف

٢٨٧

لانحرافهم الأخلاقي ثمّ عن السخط الإلهي عليهم وابتلائهم بالعقاب الرّباني.

٦ ـ وفي القسم السادس تركّز الآيات الكريمة ـ بصورة موجزة ـ الحديث عن آل فرعون ، وما نزل بهم من العذاب الأليم جزاء كفرهم وضلالهم.

٧ ـ وفي القسم الأخير تعرض مقارنة بين هذه الأمم ومشركي مكّة ومخالفي الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمستقبل الخطير الذي ينتظر مشركي مكّة فيما إذا استمرّوا على عنادهم وإصرارهم في رفض الدعوة الإلهيّة.

وتنتهي السورة ببيان صور ومشاهد من معاقبة المشركين ، وجزاء وأجر المؤمنين والمتّقين.

وسورة القمر تتميّز آياتها بالقصر والقوّة والحركية.

وقد سمّيت هذه السورة بـ (سورة القمر) لأنّ الآية الاولى منها تتحدّث عن شقّ القمر.

فضيلة تلاوة سورة القمر :

ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :

«من قرأ سورة اقتربت الساعة في كلّ غبّ بعث يوم القيامة ووجهه على صورة القمر ليلة البدر ، ومن قرأها كلّ ليلة كان أفضل وجاء يوم القيامة ووجهه مسفر على وجوه الخلائق»(١) .

ومن الطبيعي أن تكون النورانية التي تتّسم بها هذه الوجوه تعبيرا عن الحالة الإيمانية الراسخة في قلوبهم نتيجة التأمّل والتفكّر في آيات هذه السورة المباركة والعمل بها بعيدا عن التلاوة السطحية الفارغة من التدبّر في آيات الله.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ (بداية سورة القمر).

٢٨٨

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) )

التّفسير

شقّ القمر!!

يتناول الحديث في الآية الاولى حادثتين مهمّتين :

أحدهما : قرب وقوع يوم القيامة ، والذي يقترن بأعظم تغيير في عالم الخلق ، وبداية لحياة جديدة في عالم آخر ، ذلك العالم الذي يقصر فكرنا عن إدراكه نتيجة محدودية علمنا واستيعابنا للمعرفة الكونية.

والحادثة الثانية التي تتحدّث الآية الكريمة عنها هي معجزة انشقاق القمر العظيمة التي تدلّل على قدرة البارئعزوجل المطلقة ، وكذلك تدلّ ـ أيضا ـ على صدق دعوة الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال تعالى :( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) .

٢٨٩

وجدير بالذكر أنّ سورة النجم التي أنهت آياتها المباركة بالحديث عن يوم القيامة( أَزِفَتِ الْآزِفَةُ ) تستقبل آيات سورة القمر بهذا المعنى أيضا ، ممّا يؤكّد قرب وقوع اليوم الموعود رغم أنّه عند ما يقاس بالمقياس الدنيوي فقد يستغرق آلاف السنين ويتوضّح هذا المفهوم ، حينما نتصوّر مجموع عمر عالمنا هذا من جهة ، ومن جهة اخرى عند ما نقارن جميع عمر الدنيا في مقابل عمر الآخرة فانّها لا تكون سوى لحظة واحدة.

إنّ اقتران ذكر هاتين الحادثتين في الآية الكريمة : «انشقاق القمر واقتراب الساعة» دليل على قرب وقوع يوم القيامة ، كما ذكر ذلك قسم من المفسّرين حيث أنّ ظهور الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو آخر الأنبياء ـ قرينة على قرب وقوع اليوم المشهود قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بعثت أنا والساعة كهاتين»(١) مشيرا إلى إصبعيه الكريمين.

ومن جهة اخرى ، فإنّ انشقاق القمر دليل على إمكانية اضطراب النظام الكوني ، ونموذج مصغّر للحوادث العظيمة التي تسبق وقوع يوم القيامة في هذا العالم ، حيث اندثار الكواكب والنجوم والأرض يعني حدوث عالم جديد ، استنادا إلى الرّوايات المشهورة التي ادّعى البعض تواترها.

قال ابن عبّاس : اجتمع المشركون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : إن كنت صادقا فشقّ لنا القمر فلقتين ، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن فعلت تؤمنون؟» قالوا : نعم ، وكانت ليلة بدر فسأل رسول الله ربّه أن يعطيه ما قالوا ، فانشقّ القمر فلقتين ورسول الله ينادي : «يا فلان يا فلان ، اشهدوا»(٢) .

ولعلّ التساؤل يثار هنا عن كيفية حصول هذه الظاهرة الكونية : (انشقاق هذا الجرم السماوي العظيم) وعن مدى تأثيره على الكرة الأرضية والمنظومة

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ٢٩ ، ص ٢٩.

(٢) ذكر في مجمع البيان وكتب تفسير اخرى في هامش تفسير الآية مورد البحث.

٢٩٠

الشمسية ، وكذلك عن طبيعة القوّة الجاذبة التي أعادت فلقتي القمر إلى وضعهما السابق ، وعن كيفيّة حصول مثل هذا الحدث؟ ولماذا لم يتطرّق التاريخ إلى ذكر شيء عنه؟ بالإضافة إلى مجموعة تساؤلات اخرى حول هذا الموضوع والتي سنجيب عليها بصورة تفصيليّة في هذا البحث إن شاء الله.

والنقطة الجديرة بالذكر هنا أنّ بعض المفسّرين الذين تأثّروا بوجهات نظر غير سليمة ، وأنكروا كلّ معجزة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدا القرآن الكريم ، عند ما التفتوا إلى وضوح الآية الكريمة محلّ البحث والرّوايات الكثيرة التي وردت في كتب علماء الإسلام في هذا المجال ، واجهوا عناءا في توجيه هذه المعجزة الربّانية ، وحاولوا نفي الظاهرة الإعجازية لهذا الحادث

والحقيقة أنّ مسألة «انشقاق القمر» كانت معجزة ، والآيات اللاحقة تحمل الدلائل الواضحة على صحّة هذا الأمر كما سنرى ذلك إن شاء الله.

لقد كان جديرا بهؤلاء أن يصحّحوا وجهات نظرهم تلك ، ليعلموا أنّ للرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معجزات عديدة أيضا.

وإذا أريد الاستفادة من الآيات القرآنية لنفي المعجزات فإنّها تنفي المعجزات المقترحة من قبل المشركين المعاندين الذين لم يقصدوا قبول دعوة الحقّ من أوّل الأمر ولم يستجيبوا للرسول الأكرم بعد إنجاز المعجز ، لكن المعجزات التي تطلب من الرّسول من أجل الاطمئنان إلى الحقّ والإيمان به كانت تنجز من قبله ، ولدينا دلائل عديدة على هذا الأمر في تأريخ حياة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

يقول سبحانه :( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) .

والمراد من قوله تعالى «مستمر» أنّهم شاهدوا من الرّسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معجزات عديدة ، وشقّ القمر هو استمرار لهذه المعاجز ، وأنّهم كانوا يبرّرون إعراضهم عن الإيمان وعدم الاستسلام لدعوة الحقّ وذلك بقولهم : إنّ هذه المعاجز كانت «سحر مستمر».

٢٩١

وهنالك بعض المفسّرين من فسّر «مستمر» بمعنى «قوي» كما قالوا : (حبل مرير) أي : محكم ، والبعض فسّرها بمعنى : الطارئ وغير الثابت ، ولكن التّفسير الأنسب هو التّفسير الأوّل.

أمّا قوله تعالى :( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ) فإنّه يشير إلى سبب مخالفتهم وعنادهم وسوء العاقبة التي تنتظرهم نتيجة لهذا الإصرار.

إنّ مصدر خلاف هؤلاء وتكذيبهم للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تكذيب معاجزه ودلائله ، وكذلك تكذيب يوم القيامة ، هو اتّباع هوى النفس.

إنّ حالة التعصّب والعناد وحبّ الذات لم تسمح لهم بالاستسلام للحقّ ، ومن جهة اخرى فإنّ المشركين ركنوا للملذّات الرخيصة بعيدا عن ضوابط المسؤولية ، وذلك إشباعا لرغباتهم وشهواتهم ، وكذلك فإنّ تلوّث نفوسهم بالآثام حال دون استجابتهم لدعوة الحقّ ، لأنّ قبول هذه الدعوة يفرض عليهم التزامات ومسئوليات الإيمان والاستجابة للتكاليف

نعم إنّ هوى النفس كان وسيبقى السبب الرئيسي في إبعاد الناس عن مسير الحقّ

وبالنسبة لقوله تعالى :( وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ) ، يعني أنّ كلّ إنسان يجازى بعمله وفعله ، فالصالحون سيكون مستقرّهم صالحا ، والأشرار سيكون مستقرّهم الشرّ.

ويحتمل أن يكون المراد في هذا التعبير هو أنّ كلّ شيء في هذا العالم لا يفنى ولا يزول ، فالأعمال الصالحة أو السيّئة تبقى مع الإنسان حتّى يرى جزاء ما فعل.

ويحتمل أن يكون تفسير الآية السابقة أنّ الأكاذيب والاتّهامات لا تقوى على الاستمرار الأبدي في إطفاء نور الحقّ والتكتّم عليه ، حيث إنّ كلّ شيء (خير أو شرّ) يسير بالاتّجاه الذي يصبّ في المكان الملائم له ، حيث إنّ الحقّ سيظهر وجهه الناصح مهما حاول المغرضون إطفاءه ، كما أنّ وجه الباطل القبيح سيظهر قبحه كذلك ، وهذه سنّة إلهيّة في عالم الوجود.

٢٩٢

وهذه التفاسير لا تتنافى فيما بينها ، حيث يمكن جمعها في مفهوم هذه الآية الكريمة.

* * *

بحوث

١ ـ شقّ القمر معجزة كبيرة للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع ذلك فإنّ بعض الأشخاص السطحيين يصرّون على إخراج هذا الحادث من حالة الإعجاز ، حيث قالوا : إنّ الآية الكريمة تحدّثنا فقط عن المستقبل وعن أشراط الساعة ، وهي الحوادث التي تسبق وقوع يوم القيامة

لقد غاب عن هؤلاء أنّ الأدلّة العديدة الموجودة في الآية تؤكّد على حدوث هذه المعجزة ، ومن ضمنها ذكر الفعل (انشقّ) بصيغة الماضي ، وهذا يعني أنّ (أشقّ القمر) شيء قد حدث كما أنّ قرب وقوع يوم القيامة قد تحقّق ، وذلك بظهور آخر الأنبياء محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

بالإضافة إلى ذلك ، إن لم تكن الآية قد تحدّثت عن وقوع معجزة ، فلا يوجد أي تناسب أو انسجام بينها وبين ما ورد في الآية اللاحقة حول افترائهم على الرّسول بأنّه (ساحر) وكذلك قوله :( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ) والتي تخبر الآية هنا عن تكذيبهم للرسالة والرّسول ومعاجزه.

إضافة إلى ذلك فإنّ الرّوايات العديدة المذكورة في الكتب الإسلامية ، والتي بلغت حدّ التواتر نقلت وقوع هذه المعجزة ، وبذلك أصبحت غير قابلة للإنكار.

ونشير هنا إلى روايتين منها :

الاولى : أوردها الفخر الرازي أحد المفسّرين السنّة ، والاخرى للعلّامة الطبرسي أحد المفسّرين الشيعة.

يقول الفخر الرازي : «والمفسّرون بأسرهم على أنّ المراد أنّ القمر انشقّ

٢٩٣

وحصل فيه الإنشقاق ، ودلّت الأخبار على حديث الإنشقاق ، وفي الصحيح خبر مشهور رواه جمع من الصحابة والقرآن أدلّ دليل وأقوى مثبت له وإمكانه لا يشكّ فيه ، وقد أخبر عنه الصادق فيجب إعتقاد وقوعه»(١) .

أمّا عن نظرية بطليموس والقائلة بأنّ (الأفلاك السماوية ليس بإمكانها أن تنفصل أو تلتئم) فإنّها باطلة وليس لها أي أساس أو سند علمي ، حيث إنّه ثبت من خلال الأدلّة العقليّة أنّ انفصال الكواكب في السماء أمر ممكن.

ويقول العلّامة الطبرسي في (مجمع البيان) : لقد أجمع المفسّرون والمحدّثون سوى عطاء والحسين والبلخي الذين ذكرهم ذكرا عابرا ، أنّ معجزة شقّ القمر كانت في زمن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ونقل أنّ حذيفة ـ وهو أحد الصحابة المعروفين ـ ذكر قصّة شقّ القمر في جمع غفير في مسجد المدائن ولم يعترض عليه أحد من الحاضرين ، مع العلم أنّ كثيرا منهم قد عاصر زمن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ونقل هذا الحديث في هامش الآية المذكورة في الدرّ المنثور والقرطبي).

وممّا تقدّم يتّضح جيّدا أنّ مسألة شقّ القمر أمر غير قابل للإنكار ، سواء من الآية نفسها والقرائن الموجودة فيها ، أو من خلال الأحاديث والرّوايات ، أو أقوال المفسّرين ، ومن الطبيعي أن تطرح أسئلة اخرى حول الموضوع سنجيب عنها إن شاء الله فيما بعد.

٢ ـ مسألة شقّ القمر والعلم الحديث :

السؤال المهمّ المطروح في هذا البحث هو : هل أنّ الأجرام السماوية يمكنها أن تنفصل وتنشقّ؟ وما موقف العلم الحديث من ذلك؟

__________________

(١) التّفسير الكبير ، الفخر الرازي ، ج ٢٩ ، ص ٢٨ ، أوّل سورة القمر.

٢٩٤

وللإجابة على هذا السؤال وبناء على النتائج التي توصّل إليها العلماء الفلكيون ، فإنّ مثل هذا الأمر في نظرهم ليس بدرجة من التعقيد بحيث يستحيل تصوّره إنّ الاكتشافات العلمية التي توصّل إليها الباحثون تؤكّد أنّ مثل هذه الحوادث مضافا إلى أنّها ليست مستحيلة فقد لوحظت نماذج عديدة من هذا القبيل ولعدّة مرّات مع اختلاف العوامل المؤثّرة في كلّ حالة.

وبعبارة اخرى : فقد لوحظ أنّ مجموعة انفجارات وانشقاقات قد وقعت في المنظومة الشمسية ، بل في سائر الأجرام السماوية.

ويمكن ذكر بعض النماذج كشواهد على هذه الظواهر

أ ـ ظهور المنظومة الشمسية :

إنّ هذه النظرية المقبولة لدى جميع العلماء تقول : إنّ جميع كرات المنظومة الشمسية كانت في الأصل جزءا من الشمس ثمّ انفصلت عنها ، حيث أصبحت كلّ واحدة منها تدور في مدارها الخاصّ بها غاية الأمر هناك كلام في السبب لهذا الانفصال

يعتقد (لا پلاس) أنّ العامل المسبّب لانفصال القطع الصغيرة من الشمس هي : (القوّة الطاردة) التي توجد في المنطقة الإستوائية لها ، حيث أنّ الشمس كانت تعتبر ولحدّ الآن كتلة ملتهبة ، وضمن دورانها حول نفسها فإنّ السرعة الموجودة في المنطقة الإستوائية لها تسبّب تناثر بعض القطع منها في الفضاء ممّا يجعل هذه القطع تدور حول مركزها الأصلي (الشمس).

ولكن العلماء الذين جاءوا بعد (لا پلاس) توصّلوا من خلال تحقيقاتهم إلى فرضية اخرى تقول : إنّ السبب الأساس لحدوث الانفصال في الأجرام السماوية عن الشمس هو حالة المدّ والجزر الشديدين التي حدثت على سطح الشمس نتيجة عبور نجمة عظيمة بالقرب منها.

٢٩٥

الأشخاص المؤيّدون لهذه النظرية الذين يرون أنّ الحركة الوضعية للشمس في ذلك الوقت لا تستطيع أن تعطي الجواب الشافعي لأسباب هذا الانفصال ، قالوا : إنّ حالة المدّ والجزر الحاصلة في الشمس أحدثت أمواجا عظيمة على سطحها. كما في سقوط حجر كبير في مياه المحيط ، وبسبب ذلك تناثرت قطع من الشمس الواحدة تلو الاخرى إلى الخارج ، ودارت ضمن مدار الكرة الامّ (الشمس).

وعلى كلّ حال فإنّ العامل المسبّب لهذا الانفصال أيّا كان لا يمنعنا من الإعتقاد أنّ ظهور المنظومة الشمسية كان عن طريق الإنشقاق والانفصال.

ب ـ (الأستروئيدات):

الأستروئيدات : هي قطع من الصخور السماوية العظيمة تدور حول المنظومة الشمسية ، ويطلق عليها في بعض الأحيان بـ (الكرات الصغيرة) و (شبه الكواكب السيارة) يبلغ قطر كبراها (٢٥) كم ، لكن الغالبية منها أصغر من ذلك.

ويعتقد العلماء أنّ «الأستروئيدات» هي بقايا كوكب عظيم كان يدور في مدار بين مداري المريخ والمشتري تعرّض إلى عوامل غير واضحة ممّا أدّى إلى انفجاره وتناثره.

لقد ثمّ اكتشاف ومشاهدة أكثر من خمسة آلاف من (الأستروئيدات) لحدّ الآن ، وقد تمّ تسمية عدد كثير من هذه القطع الكبيرة ، وتمّ حساب حجمها ومقدار ومدّة حركتها حول الشمس ، ويعلّق علماء الفضاء أهميّة بالغه على الأستروئيدات ، حيث يعتقدون أنّ بالإمكان الاستفادة منها في بعض الأحيان كمحطّات للسفر إلى المناطق الفضائية النائية.

كان هذا نموذج آخر لانشقاق الأجرام السماوية.

٢٩٦

ج ـ الشهب :

الشهب : أحجار سماوية صغيرة جدّا ، حتّى أنّ البعض منها لا يتجاوز حجم (البندقة) ، وهي تسير بسرعة فائقة في مدار خاصّ حول الشمس وقد يتقاطع مسيرها مع مدار الأرض أحيانا فتنجذب إلى الأرض ، ونظرا لسرعتها الخاطفة التي تتميّز بها ـ تصطدم بشدّة مع الهواء المحيط بالأرض ، فترتفع درجة حرارتها بشدّة فتشتعل وتتبيّن لنا كخطّ مضيء وهّاج بين طبقات الجوّ ويسمّى بالشهاب.

وأحيانا نتصوّر أنّ كلّ واحدة منها تمثّل نجمة نائية في حالة سقوط ، إلّا أنّها في الحقيقة عبارة عن شهاب صغير مشتعل على مسافة قريبة يتحوّل فيما بعد إلى رماد.

ويلتقي مداري الشهب والكرة الأرضية في نقطتين هما نقطتا تقاطع المدارين وذلك في شهري (آب وكانون الثاني) حيث يصبح بالإمكان رؤية الشهب بصورة أكثر في هذين الشهرين.

ويقول العلماء : إنّ الشهب هي بقايا نجمة مذنّبة انفجرت وتناثرت أجزاؤها بسبب جملة عوامل غير واضحة وهذا نموذج آخر من الإنشقاق في الأجرام السماوية.

وعلى كلّ حال ، فإنّ الإنفجار والإنشقاق في الكرات السماوية ليس بالأمر الجديد ، وليس بالأمر المستحيل من الناحية العلمية ، ومن هنا فلا معنى حينئذ للقول بأنّ الإعجاز لا يمكن أن يتعلّق بالحال.

هذا كلّه عن مسألة الإنشقاق.

أمّا موضوع رجوع القطعتين المنفصلتين إلى وضعهما الطبيعي السابق تحت تأثير قوى الجاذبية التي تربط القطعتين فهو الآخر أمر ممكن.

ورغم أنّ الإعتقاد السائد قديما في علم الهيئة القديم طبق نظرية (بطليموس) واعتقاده بالأفلاك التسعة التي هي بمثابة قشور البصل في تركيبها ـ الواحدة على

٢٩٧

الاخرى ـ فأيّ جسم لا يستطيع أن يخترقها صعودا أو نزولا ، ولذلك فانّ أتباع هذه النظرية ينكرون المعراج الجسماني واختراقه للأفلاك التسعد ، كما أنّه لا يمكن وفقا لهذه النظريات انشقاق القمر ، ومن ثمّ التئامه ، ولذلك أنكروا مسألة شقّ القمر ، ولكن اليوم أصبحت فرضية (بطليموس) أقرب للخيال والأساطير منها للواقع ، ولم يبق أثر للأفلاك التسعة ، وأصبحت الأجواء لا تساعد لتقبّل مثل هذه الآراء.

وغني عن القول أنّ ظاهرة شقّ القمر كانت معجزة ، ولذا فإنّها لم تتأثّر بعامل طبيعي اعتيادي ، والشيء الذي يراد توضيحه هنا هو بيان إمكانية هذه الحادثة ، لأنّ المعجزة لا تتعلّق بالأمر المحال.

٣ ـ شقّ القمر تاريخيّا :

لقد طرح البعض من غير المطّلعين إشكالا آخر على مسألة شقّ القمر ، حيث ذكروا أنّ مسألة شقّ القمر لها أهميّة بالغة ، فإذا كانت حقيقيّة فلما ذا لم تذكر في كتب التأريخ؟

ومن أجل أن تتوضّح أهميّة هذا الإشكال لا بدّ من الإلمام والدراسة الدقيقة لمختلف جوانب هذا الموضوع ، وهو كما يلي :

أ ـ يجب الالتفات إلى أنّ القمر يرى في نصف الكرة الأرضية فقط ، وليس في جميعها ، ولذا فلا بدّ من إسقاط نصف مجموع سكّان الكرة الأرضية من إمكانية رؤية حادثة شقّ القمر وقت حصولها.

ب ـ وفي نصف الكرة الأرضية التي يرى فيها القمر فإنّ أكثر الناس في حالة سبات وذلك لحدوث هذه الظاهرة بعد منتصف الليل.

ج ـ ليس هنالك ما يمنع من أن تكون الغيوم قد حجبت قسما كبيرا من السماء ، وبذلك يتعذّر رؤية القمر لسكّان تلك المناطق.

٢٩٨

د ـ إنّ الحوادث السماوية التي تلفت انتباه الناس تكون غالبا مصحوبة بصوت أو عتمة كما في الصاعقة التي تقترن بصوت شديد أو الخسوف والكسوف الكليين الذي يقترن كلّ منها بانعدام الضوء تقريبا ولمدّة طويلة.

لذلك فإنّ الحالات التي يكون فيها الخسوف جزئيا أو خفيفا نلاحظ أنّ الغالبية من الناس لم تحط به علما ، اللهمّ إلّا عن طريق التنبيه المسبق عنه من قبل المنجّمين ، بل يحدث أحيانا خسوف كلّي وقسم كبير من الناس لا يعلمون به.

لذا فإنّ علماء الفلك الذين يقومون بر صد الكواكب أو الأشخاص الذين يتّفق وقوع نظرهم في السماء وقت الحادث هم الذين يطّلعون على هذا الأمر ويخبرون الآخرين به.

وبناء على هذا ونظرا لقصر مدّة المعجزة (شقّ القمر) فلن يكون بالمقدور أن تلفت الأنظار إليها على الصعيد العالمي ، خصوصا وأنّ غالبية الناس في ذلك الوقت لم تكن مهتّمة بمتابعة الأجرام السماوية.

ه ـ وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الوسائل المستخدمة في تثبيت نشر الحوادث التأريخية في ذلك الوقت ، ومحدودية الطبقة المتعلّمة ، وكذلك طبيعة الكتب الخطيّة التي لم تكن بصورة كافية كما هو الحال في هذا العصر حيث تنشر الحوادث المهمّة بسرعة فائقة بمختلف الوسائل الإعلامية في كلّ أنحاء العالم عن طريق الإذاعة والتلفزيون والصحف كلّ هذه الأمور لا بدّ من أخذها بنظر الإعتبار في محدودية الاطلاع على حادثة (شقّ القمر).

ومع ملاحظة هذا الأمر والأمور الاخرى السابقة فلا عجب أبدا من عدم تثبيت هذه الحادثة في التواريخ غير الإسلامية ، ولا يمكن اعتبار ذلك دليلا على نفيها.

٢٩٩

٤ ـ تأريخ وقوع هذه المعجزة :

من الواضح أنّه لا خلاف بين المفسّرين ورواة الحديث حول حدوث ظاهرة شقّ القمر في مكّة وقبل هجرة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكن الذي يستفاد من بعض الرّوايات هو أنّ حدوث هذا الأمر كان في بداية بعثة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) . في حين يستفاد من البعض الآخر أنّ حدوث هذا الأمر قد وقع قرب هجرة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي آخر عهده بمكّة ، وكان استجابة لطلب جماعة قدموا من المدينة لمعرفة الحقّ وأتباعه ، إذ أنّهم بعد رؤيتهم لهذه المعجزة آمنوا وبايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العقبة(٢) .

ونقرأ في بعض الرّوايات أيضا أنّ سبب اقتراح شقّ القمر كان من أجل المزيد من الاطمئنان بمعاجز الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّها لم تكن سحرا لأنّ السحر عادة يكون في الأمور الأرضية(٣) . ومع ذلك فإنّ قسما من المتعصّبين والمعاندين لم يؤمنوا برغم مشاهدتهم لهذا الإعجاز ، وتتعلّلوا بأنّهم ينتظرون قوافل الشام واليمن ، فإنّ أيّدوا هذا الحادث ورؤيتهم له آمنوا ومع إخبار المسافرين لهم بذلك ، إلّا أنّهم بقوا مصرّين على الكفر رافضين للإيمان(٤) .

والنقطة الأخيرة الجديرة بالذكر أنّ هذه المعجزة العظيمة والكثير من المعاجز الاخرى ذكرت في التواريخ والرّوايات الضعيفة مقترنة ببعض الخرافات والأساطير ، ممّا أدّى إلى حصول تشويش في أذهان العلماء بشأنها ، كما في نزول قطعة من القمر إلى الأرض. لذا فإنّ من الضروري فصل هذه الخرافات وعزلها بدقّة وغربلة الصحيح من غيره ، حتّى تبقى الحقائق بعيدة عن التشويش ومحتفظة بمقوّماتها الموضوعية.

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ١٧ ، ص ٣٥٤ حديث (٨).

(٢) بحار الأنوار ، ج ١٧ ، ص ٣٥٢ حديث (١).

(٣) بحار الأنوار ، ج ١٧ ، ص ٣٥٥ حديث (١٠).

(٤) الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ١٢٣.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319