رسالة المحقق الكركي الجزء ٣

رسالة المحقق الكركي0%

رسالة المحقق الكركي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 319

رسالة المحقق الكركي

مؤلف: الشيخ علي بن الحسين الكركي
تصنيف:

الصفحات: 319
المشاهدات: 38958
تحميل: 4843


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 319 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38958 / تحميل: 4843
الحجم الحجم الحجم
رسالة المحقق الكركي

رسالة المحقق الكركي الجزء 3

مؤلف:
العربية

[عشرة رضعة هل تحققت قبل هذا الزمان أو بعده، فليس هناك أصل يرجع إليه.

الثالث: لا يبعد أن يستشكل بأنه استصحاب الحال إنما يتصور في أمر محدود يقبل الزيادة والنقصان، وأما الامر المحدود كالحولين مما اذا استصحبنا آخره تنقص أوله، فلا نسلم تحقق الاستصحاب فيه، هذا محصل كلام لرسالة.واعلم أنه الاباحة المستفادة من كلام المصنف ليس الاباحة المقابلة للاستحباب، بل الاباحة تشتمل السنة، وحينئذ نقول: الآيات الدالة على اباحة النكاح واستحبابه في الاجنبية شامل لما وقع الشك في رضاعها، وليس الكلام في الاباحة الاصلية.وأما تعريف الاستصحاب كما وقع في كتب الاصول شامل للامر المحدود بلا ريب، وعدم الاعتبار في بعض المواد لعله لنص أو أمر آخر.

المسألة العاشرة

ولو أوصى له ببنته فمات قبل القبول وخلف أخا فقبل، عتقت ولم يرث، وإلا لحجب الاخ فيبطل القبول فيبطل العتق.وفي الرسالة يرد عليه أن قوله فيبطل العتق ممنوع، إذالمعتبر في القبول كونه وارثا حال القبول، أي الارث الظاهري.وفي الرسالة أن المصنفرحمه‌الله صرح بذلك في أول الوصايا، ولا شك انه لو لا القبول كان الوارث هو الاخ.ولو اعبر في القبول الوارث في نفس الامر يتوجه اشكال لا مدفع عنه على القول بأن القبول كاشف كما هو مذهب المصنف، وذلك لانه يلزم اجتماع النقيضين، لان الوارث في نفس الامر منحصر في البنت والاخ، وكل منهما إن كان وارثا يلزم أن لا يكون وارثا، وإن لم]

١٠١

[يكن وارثا يلزم أن يكون وارثا.

بيان ذلك: أن الاخ إن كان وارثا في نفس الامر فبقبوله انكشف تمام الوصية، فانكشف أن العتق كان صحيحا من وقت الموت، فانكشف أنها هي الوارث فلا يكون الاخ وارثا، وإن لم يكن وارثا فالوارث هو البنت، فلا اعتبار لقبول الاخ، فلا تنعتق البنت، لانه موقوف على القبول الصحيح، فلا تكون البنت وارثة، فيكون الاخ وارثا إذالوارث منحصر فيهما.واذا قلنا أن الوارث في نفس الامر هو البنت و الظاهري هو الاخ، وقلنا إن المعتبر هو قبول الوراث الظاهري، لا يلزم الحجب المذكور ولا اجتماع النقيضين، انتهى.واعلم أن المصنفقدس‌سره اختار في التذكرة أن العين الموصى به تدخل في ملك الموصى له متزلزلا، فإن قبله استقر عليه، وإن رده انتقل إلى الوارث.فإن قلنا إن الاستقرار لابد منه في انعتقال البنت، ولم يحصل من أبيها قبول موجب للاستقرار، وحصل من أخيه القبول الموجب للاستقرار المستلزم للعتق، ولا يلزم اجتماع النقيضين ولا الحجب، لان القبول من الاخ ليس كاشفا محضا.وهذا أقرب إلى الصواب من القول بالكاشف المحض، فإنه مما لا وجه له، لانه اذا أوصى ضشخص ببنته له فمات قبل القبول وقبل الاخ احدهما ورد الآخر، لا يخلو إما أن يقال ببطلان عتق المردود وقبول عتق المقبول، أولا.فإن قيل به يلزم الترجيح من غير مرجح، فإن لا سبق لعتق المقبول إلا الوصية والقبول، والقبول لا مدخل له، فنفى عتق كليهما، وإلا يلزم الترجيح من غير مرجح.وإن قلنا بعدم عتقهما يلزم أن لا يكون القبول كاشفا، بل نقول الحكم بكاشفية القبول يقتضي الحكم بأن البنت اعتقت بالوصية اذا علمت صحت الوصية]

١٠٢

[إن قلت: الوصية تكون صحيحة وتكون غير صحيحة، والقبول يكشف عن ذلك.

قلت: في صورة تكون الوصية بالبنتين مرة كما قلنا يلزم المحذور، وأيضا الاصل في الوصية الصحة، فيحكم بمجرد الوصية بالعتق، إلا أن يقال باختيار حرية الاثنين بعد كشف عتق احدهما بالكاشف، فإنه حينئذ يحكم بكشف عتق الاخرى أيضا، فإن الكشف عن إحداهما هو الكشف عنالاخرى.وفيه أنه اذا قال المعتق حال القبول: ما أرد كلتيهما ولا أقبل كلتيهما، وفسر برد إحداهما وقبول الاخرى معينا، فحينئذ لا يمكن أن يجعل الرد كاشفا عن عدم عتقهما، ولا القبول كاشفا عن عتقهما.ثم اعلم أنهم اختلفوا في أن ملك الموصى له متى يحصل، قال الشهيدقدس‌سره في الدروس: اذا كان موت الموصى له بعد موت الموصى، ففي دخول العين الموصى به في ملك الموصى له وجهان، مبنيان على أن الملك يحصل للموصى له بوفاة الموصى متزلزلا، فإن قبله استقر عليه، وإن رده انتقل إلى الوراث، كما أن التركة تنتقل بالوفاة إلى الورثة أو بالوفاة والقبول، أو يكون القبول كاشفا.فعلى الاول وهو ظاهر فتوى الشيخ وابن الجنيد، وتصريح التذكرة، يدخل في ملك الميت ويلزمه أحكامه من قضاء ديونه ووصاياه، والعتق عليه لو كان ممن ينعتق عليه والارث أيضا.والشيخ يمنع من الارث، وإلا اعتبر قبوله فيدور.واجيب بأن المعتبر قبول الوارث في الحال وكذا على الثالث، وعلى الثاني لا يدخل.]

١٠٣

[هذا كلام الدروس، ويفهم منه ما قاله السيد الايد إلا قليلا.ثم إنه قال صاحب التنقيح: اختلف في ملك الموصى له متى يحصل، قال الشيخ في المبسوط والخلاف يحصل بالموت، وهو قول الشافعية فإنهم قالوا: يدخل في ملك الموصى له بغير اختياره كالميراث، فالقبول كاشف.

وقال ابن ادريس: إنه يدخل في ملك الموصى له بالموت والقبول معا، وحكاه الشيخ في المبسوط قولا ثالثا حكاه عن بعضهم، أنه يكون مراعى إن قبل الموصى له علمنا أنه انتقل اليه بالموت انتقالا غير مستقر وبالقبول استقر، وإن لم يقبل علمنا أنه انتقل بالموت إلى الوارث.واختار المحقق في الشرائع الثاني، واختار العلامة في المختلف والقواعد الاول، وفي التذكرة الثالث.هذه عبارة التنقيح، والاختلاف بين الدروس والتنقيح فيما نقلا ظاهر.

ثم نقول: يفهم من الكتابين أن قول العلامة في التذكرة بأن الملك المتزلزل يحصل بالوصية وبالقبول يحصل الاستقرار، فحيئنذ إن قلنا إن الموصى له لما لم يقبل ومات وكان العين الموصى به في ملكه متزلزلا، فإذا قبل الوراث استقر فانعتقت البنت، لانها لما دخلت في ملك أبيها متزلزلة، فإن سلمنا عتقها متزلزلا فإذا قبل الاخر استقر الملك المتزلزل بالقبول، فقبول الوارث في الحال ليس كاشفا محضا عن الملك، بل كاشف عن لزوم الملك الموجب للعتق،]

١٠٤

[فحينئذ لا يلزم ما أورده السيد الايد من المحال.ثم اعلم أن الحق ان جعل القبول كاشفا محضا باطل، وكذا جعله سببا للملك.أما جعله كاشفا محضا، لما ذكرنا، وأما جعله سببا للملك، فلان الله تعالى جعل الارث بعد الوصية، فلو لم تنتقل إلى الموصى له بقي بلا مالك، لان الميت زال ملكه بالموت وليس ملكا للوارث، وإلا لتلقى الموصى له الملك عنه، وهو باطل اجماعا، فبقي الحق أن القبول علة لا ستقرار الملك، كيف لا، ولو جعلناه كاشفا كما فعله بعض علمائنا والشافعية بالدليل المذكور يلزم أن يكون القبول لغوا، إذ الدليل المذكور يكفي في العلم بالانتقال، وهو ظاهر.

إن قلت: يمكن أن يكون المراد من قوله تعالى:.

من بعد وصية وصية كاملة مقبولة، فحينئذ يكون الملك قبل القبول للورثة.

قلت: فحينئذ يكون بعد القبول منتقلا من الورثة، مع أنه خلاف الاجماع كما صرح صاحب الكنز.

إن قلت: كلام السيد الايد في الرسالة مبني على الكاشفية المحضة، كما نقل عن المصنف، فيصح كلامه الزاما للمصنف.

قلت: المصنف اذا قالك الكاشف أراد مقابل السبب، فهو شاملف لما يكون القبول سببا للزوم.

سلمنا لكن المسائل الفقهية ليس مناطها الا لزام، فإنها للعمل ولا يصح العمل بالالزام، فنقول: إن الحق فيها إما عدم انعتاق البنت على تقدير أن لا ينقل الملك إلى الموصى له، أو العتق كما قلنا، فتأمل.

المسألة الحادية عشرة

عمل بعض السادة العلماء الاتقياء المشار إليهم رسالة منفردة، في بيان أن]

١٠٥

[الغائب عن زوجته اذا طلق زوجته عالما بحيضها يصح طلاقها، قال مسألة: الغائب اذا خرج عن زوجته في طهر قد قربها فيه، وطلق بعد الطهر الثاني عالما بأنها حائض، هل يصح طلاقها أم لا؟ صرح الشارح العلامة فخر الدين في شرح القواعد بصحته، واستدل على ذلك بأنه فيه جمعا بين الاخبار.واعترض عليه شيخ المؤمنين أدام الله فوائده بقوله: وما استدل به مردود، لان الاخبار بعضها دل على جواز التطليق على كل حال، وبعضها دل على اعتبار مدة التربص، و هي ما يظن معها كونها طاهرا وقت الطلاق، فيخص العموم بأن زوجة الغائب إنما يجوز طلاقها اذا غلب على الظن بمضي المدة المذكورة كونها طاهرا وقت الطلاق، فكأنهعليه‌السلام قال: وزوجة الغائب على كل حال اذا غلب على الظن كونها طاهرا طهرا لم يقربها فيه، وحينئذ فلا دلالة فيها على ما يدعيه.

فإن قيل: يمكن الجمع بين الاخبار بوجه آخر، وهو أن يقال: الاخبار الدالة على التربص دلت على اعتبار المدة المذكورة من غير تقييد بكونها طاهرا وقت الطلاق وعدمه، فيقيد بذلك عموم الاخبار العامة تصير زوجة الغائب على كل حال اذا تربص بها المدة التي تنتقل معها من طهر إلى آخر، وحيئنذ فيعم ذلك ما اذا علم حيضها حين الطلاق بعد الطهر الثاني.

قلنا: هذا مردود بوجوه:

الاول: انه اذا دار الحال في التقدير في النصوص بين أمرين أو امور، وجب تقدير ما كان ألصق بالمقام، واللائح أن اعتبار الطهارة ألصق، وذلك لان زوجة الغائب لما اعتبر فيها الاستبراء وظن الانتقال عن الحيض إلى الطهر، ولم]

١٠٦

[يكتف بظن الانتقال إلى الحيض، أفاد ذلك أن أحكام زوجة الحاضر لا حقة بها، لكن لخفاء حالها بسبب البعد اكتفي عن معرفة حالها بحسب الواقع بما يفيد معرفة عادتها.

الثاني: انا لو سلمنا أن كلا من التقديرين ممكن، فلابد من مرجح بعين التقدير الآخر الذي يبقى معه العموم، ليخص به عمومات الكتاب والسنة الدالة على المنع من طلاق الحائض، ولا ريب أن ليس هناك مرجح، ومع انتفائه فكيف يجوز فيه الاقدام على الحاكم بجواز طلاق من يعلم كونها حائضا، مع قيام الدلائل الدالة على المنع وانتفاء المعارض، ولا ريب أن الاقدام على حل ما دل ظاهر الكتاب والسنة على تحريمه بمثل هذا التمحل على شفا.

الثالث: انه لو جمع بين الاخبار بالطريق الذي يدل على مدعاه، لزمه القول بأن من علم الحض بعد الطهر الاول يجب الحكم بصحة طلاقه، لتناول العموم لهذا الفرد بزعمه.

فإن قيل: هذا الفرد خرج بالاجماع.

قلنا: أي اجماع يدعى والمفيد وجماعة يجوزون طلاق الغائب مطلقا.إذا عرفت ذلك فاعلم أن القول بصحة الطلاق على هذا الوجه قول عري عن الدليل، بعيد عن الاحتياط، مشتمل على ارتكاب تخصيص عمومات الكتاب والسنة بما ليس بشئ، وإنما هو وهم محض وخيال واه، وعبارات الاصحاب مشعرة بخلاف ما ذكره.

قال في القواعد: ولو خرج مسافرا في طهر لم يقربها فيه صح طلاقها وإن صادق الحيض، والمفهوم من المصادفة عدم العلم.

وفي التحرير: ولو طلق غير المدخول بها[أو الحامل]، أو التي غاب عنها]

١٠٧

[قدرا يعلم انتقالها من طهر إلى آخر، جاز طلاقها مطلقا وإن اتفق في الحيض.والمفهوم من الاتفاق نحو المفهوم من المصادفة.

وفي الشرائع: أما لو انقضى من غيبته ما يعلم انتقالها من طهر إلى آخر ثم طلق صح ولو اتفق في الحيض.وليس يحضرني في عبارة أحد من المعتبرين التصريح بالجواز مع العلم بالحيض.انتهى.

قال السيد التقي الزكي هنا مقامان:

الاول.ما يتعلق بكلام الشيخ سلمه الله تعالى.

والثاني: ما يتعلق بكلام الشارح العلامة.

أما ما يتعلق بكلام الشيخ فقوله: بعضها دل على اعتبار مدة التربص، وهي ما يظن معها كونها طاهرا وقت الطلاق إلى آخره.

فيرد عليه أنه ليس في الروايات الخاصة شئ يدل على أنه لابد في صحة الطلاق من كونها طاهرا وقت الطلاق، غاية ما يدل عليه هو الانتقال من طهر إلى آخر، أعم من أن تكون طاهرا وقت الطلاق أم لا.وأما الوجوه التي ذكرها الشيخ ففيها أن الروايات الخاصة لو دلت على الانتقال من طهر إلى آخر لا تدل إلا على مجرد الانتقال، أعم من أن تكون طاهرا وقت الطلاق أو حائضا، فحينئذ تخص الروايات العامة بمقدار دلالتها، لا بشئ لا تدل الروايات الخاصة عليه، والتقييد بأمر زائد يحتاج إلى دليل، فعلى هذا اندفع الوجهان الاولان.وأما اندفاع الثالث فظاهر، لانه بعد ما اعتبر الانتقال على الوجه المخصوص، لا يلزمه القول بأن من علم بالحيض بعد الطهر الاول يلزمه الحكم بصحة طلاقه]

١٠٨

[وأما قوله في القواعد: وإن صادق إنما هو في مسألة أخرى.

وأيضا يفهم من قوله: وإن صادق، انه يجوز التطليق مع عدم العلم، ولا يستلزم عدم الجواز مع العلم بالحيض.أما المقام الثاني هو متعلق كلام الشارح العلامة، وهو أنه إذا صححنا الطلاق عملنا بالروايات العامة والخاصة بعد الجمع بينهما، وهو ما ذكره الشيخ العلامة من أن الاخبار الدالة على وجوب التربص مدة ليصح الطلاق، لا يصح اجراؤها على ظاهرها من الاختلاف والتنافي ولا اطراح بعضها، فلم يبق إلا الجمع بينها بالحمل على أن المراد مراعاة زمن يعلم الزوج الغائب حصول الحيض بعد طهر الجماع والانتقال عنه إلى الطهر، وأن الاختلاف منزل على اختلاف عادات النساء في حصول الحيض باعتبار شهرا أو ثلاثة اشهر أو خمسة أو ستة، فقد اشركت أخبار التربص في أن الانتقال من طهر إلى آخر شرط صحة الطلاق من الغائب، ولو ظنا مستفادا من عادة المرأة إن كانت معلومة، وإلا فمن غالب عادات النساء.ولا ريب أن ما اشتركت فيه هذه الاخبار مخصص بعموم الخبرين الدالين على جواز تطليق زوجة الغائب على كل حال، ولا شك أيضا أن الخبرين المخصصين يخصصان عموم المنع من طلاق الحائض، فيصح الطلاق المذكور.فخلاصة الكلام أن الدلائل الدالة على عموم المنع من طلاق الحائض مخصصة بالخبرين الدالين على جواز تطليق زوجة الغائب على كل حال، والخبران المذكوران مخصصان بالاخبار الدالة على التربص، ولا محذور في ذلك، والقول بأن الخبرين المذكورين لما لم يكن ظاهرهما مرادا لم يمكن التخصيص بوجه من الوجوه محل منع، نعم كلام الشارح العلامة مجمل، ما ذكر شيئا يدل مفصلا على المعنى المراد، لكن لا مانع من حمله على ما ذكرنا، انتهى.]

١٠٩

[اعلم أن علماء التفسير كلما في التنقيح قالوا: إن المراد بقوله تعالى: (طلقوهن لعتدهن) ايقاع الطلاق في الطهر الذي لا جماع فيه.وظاهر الآية كظاهر الاحاديث الدالة على ايقاع الطلاق في الطهرلا يختص بالحاضر، فحينئذ اذا نظرنا إلى الروايات الواقعة في الغائب وجمعناها مع الروايات الواقعة في ايقاع الطلاق في الطهر الذي لاجماع فيه، يظهر تحريم الطلاق مع العلم بالحيض كما قاله الشيخ سلمه الله.لكن ظاهر كلام الاصحاب استثناء الغائب زوجها عن الآية، وكذا عن الاحاديث، فحينئذ لا يصح الاستدلال بالآية على حال الغائب.وأيضا من قال بالتربص كالشيخ في النهاية قال: إذا غاب عنها في طهر قد قربها فيه بجماع لا يطلقها حتى تمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر، ثم يطلقها بعد ذلك أي وقت شاء يدل كلامه على أن العلم بالحيض لا ينافي الطلاق.وصاحب التنقيح تصدى لجمع الروايات بوجه آخر، وهو أن ما يدل على الوجوب فالامر فيه للاستحباب، وما دل على الحرمة فالنهي فيه للكراهة.فيتخلص ان الطلاق مطلقا واقع، سواء كان عالما بالحيض اولا، إلا أنه يفهم من كلام التنقيح أن المراد بالغيبة: الغيبة التي يمتنع وصول خبر الزوجة إلى الزوج فلا يعلم حالها، إلا أن يراد بالعلم الظن بحيضها باعتبار عادتها أو غالب عادات النساء.في كنز العرفان قوله تعالى: (طلقوهن لعدتن) أي لوقت عدتهن، لان الكلام للتأقيت.وفيه دلالة على وجوب ايقاع الطلاق في اطهر، لان الاقراء هي الاطهار لما يجئ، وهو مذهب أصحابنا والشافعي، لكن عندنا فو فعل]

١١٠

[خلاف ذلك بطل، وعند الشافعي وباقي الفقهاء فعل حراما وصح طلاقه.أما الحرمة، فلان الامر بالشئ يستلزم النهي عن ضده.وأما الصحة، فلان النهي لا يستلزم الفساد.ونحن نمنع الثانية، فإن النهي عن نفس الطلاق، وقد تقدم أن عند المحققين أن النهي عن نفس الشئ أو جزئه أو لازمه يدل على الفساد.

ثم ان هذا العموم مخصوص بأمرين:

أحدهما: غير المدخول بها.

وثانيهما: الغائب عنها زوجها غيبة يعلم انتقالها من طهر إلى آخر، أو خرج عنها في طهر لم يقربها فيه بجماع، فإن هاتين يصح طلاقهما من غير تحريم، وعلى ذلك اجماع أصحابنا وتظافر أخبارهم، ويدل على الاولى آية الاحزاب على ما سيأتي، انتهى.فظاهر الاستثناء يقتضي وقوع الطلاق في الغائب عنها زوجها مع العلم بالحيض.

واعلم أن للروايات احتمالات:

أولها: أن يكون الطلاق في الغائب عنها زوجها مشروطا بالعلم بالطهر، بوجه يمكن علم الزوج بعادة الزوجة أو عادات النساء.

ثانيها: أنه يكتفي بعدم العلم، لان الغائب لا يقدر على ضبط حال المرأة، مع أن نظر الشرع إلى عدم وقوع الطلاق في وقت الحيض.

والغائب عن الزوجة لما لم يتيسر له غالبا العلم بحال الزوة من طهرها وحيضها، اقيم عدم علمها مقام العلم، فصار مدة التربص ما يظن معها انتقال المرأة من طهر إلى آخر مع عدم العلم بكونها حائضا، سواء ظن طهرها أولا.والعمومات الدالة على اعتبار الطهر تحفظ بقدر الامكان، فلا يقع الطلاق حال العلم بالحيض.]

١١١

[وهذا غير ما اعتبر الشيخ سلمه الله في مدة التربص، وغير كلام الايضاح على ما فصله السيد تلميذ الشيخ، لان ما قاله الشيخ يشترط فيه الظن بالطهر، وما قال تلميذه يجامع العلم بالحيض بخلاف ما ذكرنا.فإذا فسرنا التربص بمدة يعلم انتقالها عن طهر إلى آخر من غير علم بحيضها وطهرها، فحينئذ يلائم لفظ المصادفة والاتفاق.

ثالثها: أن يحمل بما حمله صاحب الايضاح وأيده السيد الايد.

رابعها: أن تحمل الروايات الدالة على اعتبار مدة التربص في الغائب عنها زوجها عل يالاستحباب، والاحوط الاول، والباقي جائز على ما يفهم من قول أبي الصلاح وغيره المنقول في المختلف، فإن ظاهره يدل على أن الغائب عنها زوجها غير مكلف بضبط حال المرأة، وقول باقي الاصحاب المذكور فيالمختلف يشعر بذلك، ويظهر ذلك بعد المراجعة إلى أقوالهم.ثم إن قول صاحب الكنز حيث استدل بالنهي عن نفس الطلاق، منظور فيه، لان الصحة في غير العبادات ترتب الاثر، والنهي لا يقتضي عدم الترتيب فالحق الاستدلال بالاجماع.بقي هنا كلام، وهو أن كلام الشيخ سلمه الله وإن كان يقرب إلى الاحتياط، لكنه يخالف ظاهر الاجماع المنقول في الكنز، والاخبار المتظافرة على ماقاله، لان مقتضى ظاهر الاجماع أن لا يتحقق التحريم في الغائب زوجها في الصورتين، وكلام الشيخ سلمه الله يقتضي تحقق التحريم في طلاق الغائب زوجها في غير الطهر.

إن قلت: فرق بين الغائب عنها زوجها والحاضر، فإن طلاق الحاضر لو]

١١٢

[صادق الحيض يبطل بخلاف الغائب عنها زوجها.

قلت: لا مدخل لهذا الفرق، فإن الاجماع يقتضي عدم التحريم في غير الطهر إلا في الحاضر، وليس ذلك بحرام في الغائب زوجها عنها، لا أنه لا يقع الطلاق، أو يقع وبينهما فرق ظاهر.وحينئذ نقول على قول الشيخ سلمه الله: لا وجه لاستنثناء الغائب عنها زوجها عن الآية، فإن قوله تعالى: (لعدتهن) يشمل العلم والظن، لكن ينافي ما يقتضيه الاجماع المذكور في الكنز قول صاحب التنقيح حيث قال: المحبوس عن زوجته كالغائب في طلاق الزوجة، هذا قول الشيخ، وتبعه ابن حمزة والقاضي، والمستند رواية عبدالرحمن بن الحجاج عن الكاظمعليه‌السلام .ومنعه ابن ادريس، إذ الاصل بقاء الزوجية، ولا دليل على وقوع هذا الطلاق اذا اتفق في زمان الحيض وهي مدخول بها، وحمله على الغائب قياس، واختار العلامة الاول مستدلال بوجود المقتضي لوقوع الطلاق، وهو الصيغة الصادرة من أهلها، وانتفاء المعارض، إذ هو ليس إلا الوقوع في الحيض، وهو غير معلوم بل مظنون العدم، إذ التقدير ذلك.وفيه نظر، لانا نمنع وجود المقتضي، فإن وجود الصيغة من أهلها غير كاف بل لابد من وقوعها في محلها، وهي المرأة الخالية من الحيض اذا كانت مدخولا بها، وذلك غير حاصل، إذ الفرض أن الخلو من الحيض غير معلوم بل غايته أنه]

١١٣

[مظنون، والظن غير كاف إلا في الغائب، للاجماع عليه، فحمله عليه قياس.والرواية يمكن حملها عى العلم بمصادفة الطلاق الطهر، وأما مع عدم العلم بالمصادفة فلا يتهجم على اباحة الفروج لخبر الواحد المحتمل للصدق متنا ودلالة، فالاحوط اذا ما قاله ابن ادريس.هذا كلام التنقيح، وهو يدل على اعتبار الخلو عن الحيض في الطلاق، إلا أنه يكفي الظن في المختلف.

قال الشيخ في النهاية: ومتى كان للرجل زوجة معه في البلد غير أنه لا يصل اليها فهو بمنزلة الغائب عن زوجته، فإذا أراد طلاقها فليصبر إلى أن يمضي ما بين شهر إلى ثلاثة أشهر ثم يطلقها إن شاء.

وتبعه ابن البراج، وابن حمزة.

وقال ابن ادريس: الذي يقتضيه اصول مذهبنا واجماعنا منعقد عليه، أنه لا يجوز للحاضر أن يطلق زوجته المدخول بها وهي حائض بغير خلاف.وحمل الحاضرة في البلد على تلك قياس، فهو باطل عندنا، والاصل الزوجية، فمن أوقع الطلاق يحتاج إلى دليل.وما ذكره شيخنا خبر واحد أورده ايراد الاعتقاد، كما أورد أمثاله مما لا يعمل عليه ولا يعرج إليه، ولو لا اجماعنا على طلاق الغائب وإن كانت زوجته حائضا لما صح، فلا نتعداه ونتخطاه.والمعتمد ما قاله الشيخ.لنا أن المقتضي معلوم الثبوت، والمعارض لا يظن ثبوته بل يظن عدمه، فثبت الحكم.أما وجود المقتضي، فلان لفظ الطلاق موضوع شرعا للبينونة وسبب تام]

١١٤

[فيها، وقد وجد.أما انتفاء المعارض فليس إلا الحيض، وهو غير معلوم الثبوت بل مظنون العدم، إذالتقدير ذلك.وأما ثبوت الحكم عند ذلك فهو ظاهر، لان المقتضي لجواز تطليق الغائبة وهو خفاء حالها عنه مع غلبة ظنه بالانتقال من طهر المواقعة إلى غيره موجود هنا، وثوبت العلة يستلزم ثبوت الحكم، ولا نرجع إلى القياس بل إلى ما جعله الشارع علة.وما رواه الشيخ في الصحيح عن عبدالرحمان بن الحجاج قال: سألت أبا الحسنعليه‌السلام عن رجل تزوج امرأة سرا من أهلها وهي في منزل أهلها، وقد أراد أن يطلقها وليس يصل اليها فيعلم طمثها اذا طمثت، ولا يعلم طهرها اذا طهرت، قال:

فقال:.هذا مثل الغائب عن أهله يطلقها بالاهلة والشهور)

قلت: أرايت إن كان تصل إليها الاخبار ولا تصل إليه فيعلم حالها كيف يطلقها؟ قال: (اذا مضى شهر لا يصل اليها فيه ويطلقها اذا نظر إلى غرة الشهر الآخر بشهود، ويكتب الشهر الذي يطلقها فيه، ويشهد على طلاقها رجلين، فإذا مضى ثلاثة اشهر فقد بانت منه وهو خاطب من الخطاب، وعليه نفقتها في الثلاثة الاشهر التي تعتد فيها).وهذا نص في الباب، واذا وافق المعنى المعقول الحديث الصحيح المنقول واشتهر بين الجماعة العمل به كان معينا.انتهى.

وتلخيص ما قال ابن ادريس: أن اصول مذهبنا والاجماع المنعقد على أن طلاق الحاضرة لا يقع هي حائض، يقتضيان عدم وقوع طلاق الحاضر الذي]

١١٥

[لا يصل خبرها إلى زوجها، والغائب عنها زوجها إنما حكم بصحة طلاقها وهي حائض للاجماع، فحينئذ لا يصح قياس بعض أقسام الحاضرة أعني التي لا يصل خبرها إلى زوجها على الغائبة، فإن القياس باطل عندنا.وأيضا الاجماع المنعقد في الحاضرة مطلقا يأبى عنه.وملخص ما قال العلامة على أن المختار قول الشيخ دليلان: الاول: إن المقتضي للطلاق هو الصيغة الصادرة من أهلها الدالة على البينونة، والمانع من الوقوع وقوع الطلاق في غير الطهر، والمقتضي متحقق، والمانع غير معلوم التحقق بل مظنون العدم، إذ الاصل عدم حين عدم العلم، فإذا تحقق المقتضي والاصل عدم المانع فيحكم بوقوع الطلاق الدليل الثاني: إن الغائب بسبب خفاء الزوجة عنه وظن الانتقال، جوز طلاقه في غير الطهر، وعلم من الشرع علية الخفاء المذكور، لصحة الطلاق المذكور، واشتراك العلة معلوم في القسم المذكور من الحاضرة، فقد تحقق اشتراك الحكم، فصح طلاق الحاضرة التى لا يصل خبرها إلى زوجها.والحديث الصحيح نص في صحة طلاق القسم المذكور، وتأكد بالشهرة في عمل الاصحاب.

فتلخص من جميع ذلك أن المعتد ما قاله الشيخ وإن كان بعض المقدمات مدخولا، فإنه لا يضر ذلك في حصول المطلوب من الدليلين، والحديث الصحيح، فإن اجتماع الادلة كثيرا ما يفيد المطلوب سيما في المسائل الفقهية.اذا علمت ذلك فاعلم أن المتلخص من كلام العلامة إما عدم تسليم الاجماع فيما هو الحاضر حقيقة وحكما، أو انه لا يتقيد باتباع أمثال ذلك الاجماع، فإنه كثيرا ما خالف الدليل مثل هذا الاجماع.وأيضا يفهم أن عدم العلم بوقوع الطلاق في الحيض كاف في وقوع الطلاق في الحاضرة، ولا يحتاج إلى العلم بالعدم، ويفهم من ذلك أن العلم بالحيض]

١١٦

[ينافي الطلاق.وصاحب التنقيح زعم أن خلاصة الدليل الاول أن المقتضي وهو الصيغة متحقق، ورفع المانع حاصل، والظن بالخلو عن الحيض كاف في الغائب عنها زوجها، فكذا في القسم المذكور من الحاضرة.فأورد عليه بأنا نمنع وجود المقتضي، لان وجود الصيغة من أهلها غير كاف، بل لابد من وقوعها في محلها، وهي المرأة الخالية من الحيض اذا كانت مدخولا بها، وذلك غير حاصل، إذ الفرض أن الخلو من الحيض غير معلوم بل غايته انه مظنون، والظن غير كاف إلا في الغائب للاجماع عليه، فحمله عليه قياس.هذا كلامه.وقد علمت تحرير الدليل وانه ليس قياسا.وأيضا المصنف قال: إن المقتضي نفس الصيغة، ولا معنى لضم خلو الحيض الذي هو رفع المانع مع عدم المقتضي، وهو ظاهر.ثم إن دعوى الاجماع بأن الظن بخلو الغائبة عن الحيض كفاية في الطلاق غير مسلم، نعم كلام العلامة بل مظنون العدم إن التقدير ذلك يشعر بوقوع الطلاق عند الظن بعدم الحيض، وذلك لا يقتضي مدخلية في طلاق الغائبة لظن الخلو.نعم يفرق بين الغائبة والحاضرة حقيقة وحكما، بأن الغائبة لو وقع طلاقها في الحيض يصح، بخلاف الحاضرة المذكورة فإن يبطل، فإن وقوع الطلاق في الحاضر معتبر في الطهر دون الغائب وما في حكمه.ثم اعلم أن المستفاد من استدلالات العلامة أن مدار علية الطلاق على الخفاء والانتقال من طهر إلى آخر، ولم يعتبر فيه الظن بخلو المرأة عن الحيض، إذ لو كان معتبرا عنده لابد من ضمه أيضا، فعلم أن العلم بالحيض غير ضار في الطلاق في الغائب، لكن تأبى عن ذلك بعض كلماته.بقي أنه يمكن نقض الدليل بطلاق الحاضرة اذا طلقت بمجرد الظن بعدم الحيض، فإنه يجري في الدليل فيها بأن يقال: المقتضي متحقق، والمانع غير]

١١٧

[معلوم الثبوت إلا أن تلاحظ الرواية أيضا في الدليل فتأمل.لكن اذا جعلنا الدليل مجموع ما قال لا يضر النقض كثيرا.

ثم إن صاحب التنقيح قال: يحتمل حمل الرواية على العلم بمصادفة الطلاق الطهر، وأما مع عدم العلم بالمصادفة فلا نتهجم على اباحة الفروج بخبر الواحد، إلى آخر ما قال.

وفيه: إن هذا الاحتمال بعد العلم بصحة الخبر وعمل الاصحاب والشهرة لا يعتبر أصلا، وأيضا العلم بالمصادفة مع ظن الخلو حال الطلاق مذهب ثالث لم يقل به أحد، وانه مخالف للاجماع.ثم ان عبارة ابن ادريس حيث قال: وهي حائض من غير اعتبار المصادفة، تدل على صحة اجتماع الطلاق مع العلم بالحيض.فظهر مما قلنا أن صاحب التنقيح بمجرد حمل الدليل الاول على ما زعمه ونظر فيه زعم أولوية مذهب ابن ادريس دون الشيخ، وهذا عجيب.ثم اعلم ان دعوى الاجماع على بطلان القول بطلاق الغائب، العالم بالحيض بعد الطهر الذي قربها فيه بلا فصل حال الطلاق بشرط الانتقال من الطهر إلى الحى المذكور ممكن بأن يقال: إن الفريقين أعني من قال بصحة طلاق الغائب مطلقا، ومن قال باعتبار التربص لا يعتبران الانتقال من طهر قربها إلى الحيض الذي بعده، لان من قال بصحة الطلاق مطلقا لا يقول باشتراط الانتقال من الطهر الذي قربها فيه إلى الحيض الذي بعده، ومن قال بالتربص يقول باشتراط الانتقال من طهر إلى آخر، فيكون القول باشتراط الانتقال من طهر إلى الحيض الذي بعده خلاف الاجماع.وعلى ما مهدنا يقوى في الجملة قول الايضاح، ومن يحذو حذوه.]

١١٨

[ويمكن أن يقال: إن خلاف المفيد لا يضر في تحقق الاجماع في عصر آخر بعده، لكن اثبات هذا الاجماع مشكل.

إن قلت: كلامنا في نفس ايقاع الطلاق في الحيض الذي بعد الطهر الذي قربها فيه بأنه ليس خلاف الاجماع، فإن المفيد وجمعا من أصحابنارحمهم‌الله قالوا بوقوع الطلاق فيه، فلا يكون خلاف الاجماع.

قلت: من قال بالتربص اذا قال بصحة الطلاق في الحيض الذي بعد الطهر الذي قربها فيه، كأنه قال باشتراط الانتقال أعم من أن يكون من طهر قربها فيه إلى الحيض الاول أو طهر آخر.

وهذا التعميم باعتبار الانتقال إلى الحيض خلاف الاجماع، فإنه لا يتقيد به من قال بعدم التربص، ولا يقول به من قال بالتربص كما أشرنا، فخلاف الاجماع ليس باعتبار ايقاع هذا الفرد من الطلاق، بل في اعتبار الانتقال الشامل لهذا الفرد فافهم.

المسألة الثانية عشرة

في اثبات الغرض في أفعال الله تعالى اعلم أن أهل الملل قاطبة قالوا باختياره، وبأن فعله معلل بالغرض، إذ لو لم يفعل للعلم بالفائدة لكان فعله عبثا، والفطرة الصحيحة تحكم بذلك وتشهد بذلك الروايات.غير أن الاشاعرة وافقوا الحكماء في أن أفعاله ليست معللة بالغرض لوجهين على ما سيجئ.

وإنما قلنا أنهم وافقوا الحكماء، فإن الحكماء وإن قالوا بأن أفعال الله تعالى معللة بالغرض، صرحوا بأن غرض فعله وغايته إنما هو ذاته تعالى.

والمتأخرون من الحكماء قالوا: إن ما اشتهر أن الغاية مترتبة على الفعل في]

١١٩

[الوجود العيني بالغايات المتكونة، وأما غاية فعل يكون أعلى من الكون ليس يترتب على الفعل.ومآل هذا الكلام أن فاعليته تعالى تتم بذاته لا بواسطة أمر آخر كما في الممكنات، فإن تصور الغايات يتم فاعليتها في الافعال الاختيارية، فيكون الصانع تعالى بهذا الاعتبار غاية، وهذا يرجع كما قالوا في الصفات بأن الذات تفيد فائدة الصفة الزائدة، فكذا تفيد فائدة الغرض الزائد في تكميل فاعليته إلى نفي الغرض وحصول ما هو الغرض من الغرض.هذا كلام بعض المحققين، وفيه بحث فإن تكميل فاعليته ذاته بذاته إنما يظهر في الفعل التقديم، أما الحادث لابد وأن يحتاج إلى آمر آخر.

ويمكن أن يقال: إن فائدة نفس الغرض يحصل بنفس الذات، وأما مدخلية باقي الامور كالشرط لاكلام لنا فيه فتأمل.

ويمكن أن يقال: إن الحكماء يثبتون الغرض في فعله تعالى، فإنه كما لا يقال: إنهم ينكرون علمه تعالى وسائر صفاته، لا يقال بانكار هم الغرض.وكيف يصح ذلك من المعتزلة القائلين بعينية الصفات، فيحتمل القول بموافقة الحكماء للمعتزلة في اثبات الغرض، لكن هذا المعنى لا ينكره الاشاعرة، فعلم أن النزاع في الغرض الزائد.وأما الصوفيه قالوا باثبات الغرض في أفعاله تعالى.اذا علمت ذلك فنرجع إلى ما كنا فيه: قال لاسيد الشريفقدس‌سره في رسالة ألفها في نفي الغرض عن فعله تعالى: أفعاله تعالى ليست معللة بالغرض لوجهين: احداهما: إن من كان فاعلا لغرض فلابد وأن يكون وجود ذلك الغرض أولى بالقياس إليه من غيره، وإلا لم يصح أن يكون غرضا له، وفيكون الفاعل مستفيدا بتلك الاولوية مستكملا بغيره تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

لا يقال: إنما تلزم الاستفادة والاستلزام اذا كانت المنفعة راجعة إلى]

١٢٠