رسالة المحقق الكركي الجزء ٣

رسالة المحقق الكركي0%

رسالة المحقق الكركي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 319

رسالة المحقق الكركي

مؤلف: الشيخ علي بن الحسين الكركي
تصنيف:

الصفحات: 319
المشاهدات: 38931
تحميل: 4831


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 319 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 38931 / تحميل: 4831
الحجم الحجم الحجم
رسالة المحقق الكركي

رسالة المحقق الكركي الجزء 3

مؤلف:
العربية

[الفاعل، أمااذا رجعت إلى غيره كالاحسان إلى المخلوقات فلا.

لانا نقول: إن كان الاحسان وعدم الاحسان اليهم بالنسبة اليه تعالى متساويين، لم يصلح الاحسان أن يكون غرضا، وإن كان الاحسان أولى وأرجح يلزم الاستكمال.

الثاني من الوجهين: إن غرض الفاعل لما كان سببا لا قدامه على فعله، كان ذلك الفاعل ناقصا في فعله وفاعليته مستفيدا بها من غيره، فلامجال للنقصان بالنسبة إليه تعالى كما لا يخفى، بل كمال الله تعالى في ذاته وصفاته يقتضي الكاملية في فاعليته وأفعاله، وكاملية أفعاله تقتضي أن ترتب عليه مصالح راجعة إلى عباده، فتلك المصالح غايات وثمرات لافعاله من غير علل غائية لها.

واتضح بما حققناهأن ليس شئ من أفعاله عبثا، أي خاليا من الحكمة والمصلحة، فلا سبيل للاستكمال والنقصان إلى عظمته وكبريائه.

قال السيد الشريفقدس‌سره : وهذا هو المذهب الصحيح، والحق الصريح الذي لا يشوبه شبهة ولا تحوم حوله ريبة.وما ورد من احاديث الموهمة لكون أفعاله عللا بالاغراض، محمول على الغايات المترتبة عليها.ومن قال بتعليلها بناء على شهادة ظواهرها، فقد غفل كما تشهدبه الانظار الصحيحة والافكار الدقيقة، أو اظهار ما يناسب أفهام العامة على مقتضى: كلم الناس على قدر عقولهم.

أقول: الوجهان منظور فيهما من وجوه: أما الوجه

الاول: فالوجه الاول من وجوه النظر: انا لا نسلم أن الغرض لابد وأن يكون أولى بالنسبة إلى صاحب الغرض ليكون غرضا له.

الثاني منها: سلمنا أنه لابد من الاول لكن نقول: الاولوية أمر اعتباري لا يوجب صفة حقيقة، فلا يوجب تحققها استكمالا.

١٢١

[الثالث: لو صح ذلك يلزم أن تكون الرازقية والخالقية والمغفورية التى صارت بالفعل تستلزم بعد فعليتها استكمالا، إذ لا شك أن الرازقية بالفعل أولى حين حصولهما كما لا يخفى.

الرابع: انا نقول على تقدير عدم الغرض أن الفعل لو لم يكن بالنسبة إلى الفاعل أولى لا يصدر عنه، بل نقول: لو لم يكن واجبا لا يصدر كما تقرر.

وفيه أن هذا الوجوب غير الاولوية التي توجب استكماله.

لا يقال: اللازم هو رجحان جانب الوجود في الفعل، وأما أولويته بالنسبة إلى الفاعل فغير لازم، فلا يلزم الاستكمال.

لانا نقول: العقل يحكم بأن الفعل لو لم يكن أولى نظرا إلى فاعله لا يصدر عنه.

وفيه أن العقل يحكم بأن هذه الاولوية لا تكفي في كونها كمالا للفاعل، إذ قد يكون الفعل نقصا، وكذا أولويته.ومثل هذا يمكن أن يورد على أصل الدليل، ويحتمل أن يجاب عنه هناك.

الخامس: إن الغرض اذا كان سببا عاديا، كما أن النار سبب عادي للاحراق عند الاشاعرة، لا يلزم منه الاستكمال، فإن الذات يمكن أن تفعل بلا سبب، فلا يكون ناقصا.

السادس: الاشاعرة لا يقولون بالقبح العقلي باعتبار الافعال بالنسبة إلى الله تعالى، ويصرحون بأن مرجع القبح في الافعال إلى النقص، فحينئذ لا نسلم تحقق النقص والكمال، فلا يتصور الاستكمال.

على انا نقول: قالت الاشاعرة بعدم تحقق النقص في الافعال، فيتصور حينئذ القول بالنقص والاستكمال.

لا يقال: قالت الاشاعرة بتحقق القبح والحسن بمعنى النقص والكمال، فيجري ذلك في الافعال.

لانا نقول: إنما قالوا ذلك باعتبار الصفات لا في الفعل.]

١٢٢

[أما الوجه الثاني: فالوجه الاول من وجوه النظر فيه: انا نختار أن الغرض الذي هو سبب اقدام فاعلية الفاعل هو فعليته الرازقية مثلا، فإن الله تعالى كان رازقا بالقوة، فخلق الخلق ليرزقهم بالفعل، والرازقية صفة اعتبارية لا يلزم من فعليته وكونه غرضا الاستكمال.ولو سلم فهو لازم على كل حال، ويؤيد ذلك الحديث القدسي (كنت كنزا مخفيا فأحببت أن اعرف فخلقت الخق لان اعرف).

الوجه الثاني: انا نختار أن الفاعلية، أمر اعتباري، لا يتحقق النقص باعبتار الاحتياج فيه إلى الغير، كما أن الرازقية تحتاج إلى المرزوق، ولا يلزم منه النقص.

الثالث: إن الاحتياج إلى السبب العادي لا يستلزم النقص ولا يسمى احتياجا، كما أن خلق زيد مسبب بوجود أبيه، ولا يعد ذلك نقصا في فاعليته تعالى لزيد.

الرابع: إن النقص لا يتحقق عند الاشاعرة باعتبار الفعل، كما أشرنا إليه.

الخامس: انا نختار أن الغاية والغرض إذا كانا من صفاته لا يلزم الاستكمال بالغير، فإنه حينئذ تكون فاعليته تعالى معللا بعالميته مثلا، ولا محذور فيه، بل هو كذلك عند من ينكر الغرض في أفعاله تعاليز لا يقال: الاشاعرة إنما قالوا بعدم الغرض في فعله تعالى، لان الغرض عند من قال به فاعل لفاعلية الفاعل، ولا يقولولن بفالع غير الله تعالى.

لانا نقول: هم لا يقولون بمؤثر في الوجود غير الله تعالى، والفاعلية أمر اعتباري.

وأيضا لو صح ذلك يلزم أن لا يقولوا بالغرض في أفعالنا أيضا، على أنه لا بأس في القول بالسببية العادية، إنما الممنوع عندهم الحقيقة.

السادس من وجوه النظر في الوجه الثاني: إن العالم حادث، وفاعليته تعالى للعالم تحتاج في الحقيقة إلى الغير، لانه لا يتصور تخلف المعلول عن علته التامة،]

١٢٣

[ولا يتصور قدم أثر المختار عندهم، فحينئذ لابد من أمر آخر متى يحدث العالم من الصانع فتحتاج فاعليته إلى الغير فيلزم الاستكمال.

قال بعض المحققين: إن الغرض بالحقيقة هو علمه تعالى بالغايات المترتبة على الافعال، فلو كان فعله تعالى معللا بالغرض لكان فعله معللا بعلمه، ولا نقص حينئذ أصلا.

ثم قال: لعل الاشاعرة لا ينكرون الغرض بالحقيقة، إنما ينكرون التأثر والانفعال الذي يحصل للحيوانات من الاغراض.

أقول: الغرض عند التحقيق هو متعلق التصديق بالفائدة، لانه المطلوب بالفعل، ولهذا قيل: أول الفكر آخر العمل، مثلا في عمل الفخار الكوز الغرض هو شرب الماء لا التصديق بالشرب، فالكلام في أن الشرب هل هو مطلوب لفاعل أم لا؟ فإن لم يكن مطلوبا لا يمكن الفعل، وإن كان مطلوبا يلزم الاستكمال على ما قالوا.

وأيضا يمكن أن يقال: إن الاشاعرة إنما قالوا بنفي الغرض، لان العلم ليس سببا للفعل حقيقة عندهم، وليس مقصودهم نفي السببية العادية.وفيه نظر، لان اللائق حينئذ نفي الشرط وجميع الاسباب، فلا فائدة في تخصيص الغرض فتأمل.

ثم إن قول المحقق الشريفقدس‌سره : ومن قال بتعليلها إلى آخره، إشارة إلى ما اختار العلامة التفتازاني من أن الحق أن بعض أفعاله تعالى معللة بالاغراض، بناء على الروايات.

قال في شرح المقاصد: الحق أن تعليل بعض الافعال سيما شرعية الاحكام بالحكم والمصالح ظاهر، كايجاب الحدود والكفارات، وتحريم المسكرات وما اشبه ذلك، والنصوص أيضا شاهدة على ذلك كقوله تعالى:]

١٢٤

[(وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون) الآية.

[و] (من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل) الآية.

[و] (فلما قضى زيد منها وطرا زوجنا كها لكيلا يكون على المؤمنين حرج) الآية.ولهذا يكون القياس حجة إلا عند شرذمة.وأما تعميم ذلك فمحل بحث، وعلى ما قلنا لا يتوجه على ما اختاره أنه غفل عن الانظار الصحيحة، فإنك عرفت حال الانظار.

وقوله: كلم الناس على قدر عقولهم، لعلهقدس‌سره غفل من معناه، لان المراد أن لكل مقام مقالا، فالافهام العالية يليق أن يذكر لها الدقائق والحقائق البعيدة عن الافهام، أما باقي الافهام فيذكر لها من المسائل ما هو قريب اليها.وليس المراد أن الباطل يذكر للافهام الدنية، مثل أن لا يكون لفعله تعالى غرض، فيذكر للافهام العامية أن فعله تعالى له غرض، وهذا لا يليق بالانبياءعليهم‌السلام سيما نبينا سيد الانبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله .هذا على تقدير أن تكون النسبة إلى الفغلة في كلام السيد الشريفقدس‌سره إلى العلامة التفتازاني، فإن كلامه لا يحتمل الحمل على أنه أراد اظهار ما يناسب الافهام العامية كما لا يخفى، فلابد من عطف، أو اظهار إلى آخره على قوله: ما يشهد، أي غفل عن شهادة الانظار، أو غفل أن الشارع أظهر الغرض بالنسبة إلى أفهام مخاطبيه الناقصين فإن كان إلى غيره، أؤ أراد السيدقدس‌سره أنه غفل حيث قال باثبات الغرض للروايات، أو أراد مع اثبات الغرض في تفسير الروايات، لانه القريب إلى أفهام العامة، فهو بعيد، ولا كلام معه.ثم إن كلام العلامة التفتازاني حيث قال: اثبات الغرض في جميع أفعاله]

١٢٥

[تعالى محل بحث، ضعيف، لان الرواية كما دلت على اثبات الغرض في البعض دلت في الكل، لان الحديث القدسي: (لولاك ما خلقت الافلاك)، و (يا انسان خلقت الاشياء لاجلك وخلقتك لاجلي)، و (كنت كنزا مخفيا فأحببت أن اعرف فخلقت الخلق لا عرف)، وامثاله يدل على الغرض مطلقا.وأيضا العقل كان يحكم بأن المختار لابد لفعله من غرض، والمانع كان النقض، فإذا ارتفع النقض بقي الحكم صحيحا مؤيدا بالنقل، والحمد لله رب العالمين.ورد في نهاية النسخة الخطية: قابلته مرتين مرة بنسخة مؤلفها المبعوثة إلى خزانة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، ومرة بنسخة مصححة في المشهد الغروي.]

١٢٦

(٣٤) شرح الالفية

١٢٧

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل المرسلين محمد وعترته الطاهرين.

قال سيدنا العلامة المحقق المدقق، أفضل المتأخرين، خاتمة المجتهدين، نور الشريعة ومقتدى الشيعة، المخصوص بفضل الله المتعالى، أبوالحسين الشيخ علي بن عبدالعالي ما يرح ظله على العلماء ممدودا، وطريق حساده وأعاديه مسدودا شارحا للرسالة الالفية في فرض الصلاة للعلامة المغفور الشهيدرحمه‌الله ، شرحا يحتوي على الابحاث الشريفة، وينطوي على النكات اللطيفة.آتيا فيها بتحقيقات خلت عنها الزبر المتداولة، وتدقيقات لم تحوها الكتب المتطاولة، المتناولة لكل مبتكرات لم تسبق اليها أذهان المتقدمين، ولم يخطر على أفكار المتأخرين.]

١٢٨

الحمد لله رب العالمين، والصلاة على أفضل المرسلين محمد وعترته الطاهرين.] قوله: الحمد لله.

الحمد: هو الثناء على الجميل من نعمه وغيرها، قيل: بل على الجميل الاختياري ليخرج عنه المدح كالثناء على حسن الصورة.

واللام فيه قيل: لتعريف الجنس، وقيل: للاستغراق، ومآل القولين واحد، لان الاختصاص بالماهية يقتضي الاختصاص بالافراد كلها، فالاستغراق ثابت على كل التقديرين، والنزاع لفظي، لوجود لام الاختصاص المقتضي له على كل من التقديرين.

١٢٩

[وبعد، فهذه رسالة وجيزة في فرض الصلاة، اجابة لالتماس من طاعته حتم، واسعافه غنم، والله المستعان.]

قوله: في فرض الصلاة.أي: في واجبها، وأراد به الجنس، ولما كانت الصلاة المندوبة خالية من الواجبات لم يقع لفظ الصلاة في العبادة إلا على الواجبة، فتكون العبارة وافية بترجمة الرسالة، إذ هي موضوعة لبيان واجبات الصلاة الواجبة.والاجابة مصدر أجاب يجيب، وانتصابه بأنه مفعول لاجله، وعامله محذوف يدل عليه ما قبله، أي: صفتها اجابة.

وفي التعبير عن طلب المجاب بالالتماس الذي هو الطلب المساوي، وابهامه حيث لم يصرح باسمه، والتعبير عن اجابته بالطاعة، وأنها حتم أي: واجبة، من التعظيم والتفخيم ما لا يخفى.

والاسعاف مصدر اسعفعت الرجال بحاجته اذا قضيتها له.والغنم بالضم مصدر غنم، والاسم الغنيمة.

وفي الاخبار عن طاعته واسعافه بالمصدر أعني الحتم والغنم تأكيد ومبالغة، كما في قولك: رجل عدل، تريد عادل.كما تريد هنا محتومة وغنيمة وإنما لم يؤنث الخبر في قوله: طاعته حتم، ليطابق المبتدأ، لان المصدر يستوي فيه المذكر والمؤنث.ويوجد في بعض الحواشي: ان طاعته إنما كانت حتما، لانه سأل واجبا وهو فاسد من جهة اللفظ والمعنى: أما اللفظ فلانه مفوت بجزالة الكلام، والغرض من المبالغات المقصودة بما قبله وبعده.

١٣٠

[وهي مرتبة على مقدمة، وفصول ثلاثة، وخاتمة.] وأما من جهة المعنى، فلانه إنما يستقيم ارادة ذلك من اللفظ ان لو قال: من طاعته في ذلك حتم.والصورة أنه أتى بها مطلقة، فكيف يقتصر بها على المسؤول.على أنه لو سلم ذلك لم يتم الوجوب، إذا الواجب هو التعليم لا التصنيف.

قوله: على مقدمة.

المقدمة يقال: بكسر الدال وفتحها والكسر أفصح، وبناء‌ها على من قدم بمعنى تقدم أجود.

والمراد بها هنا طائفة من كلام يكون أمام المقصد لارتباط بينهما.

والفعل لغة: الحاجز بين الشيئين، ويراد به هنا الجامع لمسائل متحدة جنسا مختلفة نوعا.

والخاتمة والتذنيب والتتمة من واد واحد، وهي ما يستدرك فائت المباحث السالفة.

ووجه الحصر: إن المبحوث عنه في الرسالة اما أن يكون مقصودا بالذات أولا، والاول اما أن يكون البحث فيه عن الشرط، أو عن المشروط، أو عن المانع.

فالاول هو الفصل الاول وكذا الثاني والثالث.

والثاني اما تعلق بالمقصد تعلق السابق أو اللاحق، الاول المقدمة، والثاني الخاتمة.

فالبحث فيها اما أن يختص باليومية أولا، الاول البحث الاول، والثاني الثاني.وقد خص بعض الشارحين المقصد بالذات في الرسالة على فصل المقارنات وجعل ما سواه خارجا عن القصد الذاتي.وهو غلط بين، فإن اللمقصد قد عرفه لو تأمل أن غرض الرسالة تبيان واجبات الصلاة الواجبة، وهي تنقسم إلى ماتلتئم منه الحقيقة وإى ما يكون شرطا لتحققها، والشرط ينقسم إلى الوجودي وهو المعبر عنه بالمقدمات، وإلى العدمي وهو المعبر عنه بالمنافيات.

١٣١

[أما المقدمة فالصلاة الواجبة أفعال معهودة مشروطة بالقبلة والقيام اختيارا تقربا إلى الله تعالى.]

قوله: فالصلاة الواجبة.إنما اقتصر على تعريفها، لانها موضوع الرسالة.وتندرج في التعريف الاقسام السبعة.

وتحقيقه: إن الافعال جنس تشمل أفعال القلب واللسان والجوارح، فتدخل في التعريف صلاة شدة الخوف، وشدة المرض، والغرق، للاقتصار في الاولى على القول وخلو الاخرتين منه، وبقية القيود بمنزلة الفصل بالمعهود.وتخرج المباحات التي لم تنقل من الشرع على وجه معين كالقيام والقعود، وبالمشروطة بالقبلة الطواف ونحوه، لان الطائف يجعل البيت على يساره، وبالمشروطة بالقيام يخرج الذبح وأحكام الموتى غير الصلاة، وهي الاحتضار والتغسيل والدفن، إذالصحيح وجوب الاستقبال في الاولتين أيضا.واختيارا مصدر وضع موضع الحال، وصاحب الضمير المستكن في الصفة وهي العامل، أي: مشروطة تلك الافعال بالقبلة في حال اختيار المكلف وقدرته عليها، وكذا بالقيام في حال اختياره، وبه تندرج صلاة المضطر في القبلة والمضطر في القيام

١٣٢

[واليومية واجبة بالنص والاجماع، ومستحل تركها كافر.وفيها ثواب جزيل، ففي الخبر بطريق أهل البيتعليهم‌السلام :] فإنها ليست مشروطة بهما، ولو لا هذا القيد لخرجت، ففائدته المحافظة على عكس التعريف.وقيد التقرب بيان للغاية في الواقع، وليس احترازا من شئ كما أشار إليه المصنف، وهو مستقبح، إذ لا يذكر في التعريف إلا ما كان قيدا للادراج أو للاخراج.وجعله بعض الشارحين احترازا من صلاة الرياء، وهو خطأ، لخروجها بقيد الاشتراط بالقبلة والقيام.والاولى جعله احترازا من مذهب المرتضى في صلاة الرياء، فإنه يرى صحتها بمعنى حصول الامتثال بها، لا بمعنى ترتب الثواب على فعلها.ولو لا هذا القيد لم يعلم من هذه الرسالة مخالفة المصنف له.وفي الترعيف اشارة إلى العلل الاربع للصلاة: فالافعال إلى المادة، والمعهودة والمشروطة إلى الصورة، والتقرب إلى الغاية، والفاعل مدلول عليه بالافعال التزاما.وهذا التعريف وإن كان من أجود التعريفات إلا أنه عليه ايرادات ليس هذا محل بيانها.

قوله: واليومية.إنما خصها بالذكر لوقوع الخلاف في غيرها.

قوله: ومستحل تركها.أي اليومية، لانها المحديث عنها آخرا، ولعدم صحة ذلك في كل ما عداها.

قوله: وفيها ثواب جزيل.الضمير يرجع إلى اليومية لما قلناه في الذي قبله، والفائدة فيه الترغيب في فعلها

١٣٣

[(صلاة فريضة خير من عشرين حجة،] بعد الترهيب من تركها كما هو شأن المقدمة.وعلى ظاهر هذه العبارة لا يرد على الاحتياج بالحديث الاول النقض باشتمال الحج على الصلاة وعلى الطواف، وهو صلاة في كل معنى إلا في تحريم الكلام كما ورد به النص.فتفضيل الفريضة الواحدة من الصلاة على الحجة الواحدة يستلزم تفضيل الشئ على نفسه، فكيف على عشرين، لاختصاص ذلك باليومية.ولا استبعاد في تفضيلها على سائر الاعمال سوى المعارف بعد نص الشارع، لان تفاوت الاعمال في الفضل إنما يعرف من قبله.وينبه على الاختصاص المذكور ما في الاذان والاقامة من (حي على خير العمل) أي: هلموا إليها، فإنهما مختصان باليومية اجماعا.

وفي الحديث الثاني زيادة تنبيه على المراد، والراوي له محمد بن يعقوب في الصحيح باسناده إلى معوية بن وهب عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم، أحب ذلك إلى الله عزوجل ما هو؟ فقال: (ما أعلم شيئا بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة، ألا ترى إلى العبد الصالح عيسى بن مريمعليه‌السلام قال: أوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا).

وموضع التنبيه هو قوله: (هذه)، فإنه أشار إلى المتعارف المتكرر، وفيه ضرب من التفخيم بشأنها.

ولو لا ارادة ذلك لم يكن للاتيان به معنى.وما يوجد في بعض الاخبار مما يخالف ظاهره ذلك مع قصوره عن المعارضة، لكثرة الاحاديث الصحية الدالة على المراد يجب تنزيله على ما يوافق ما قلناه، دفعا للتنافي عن الاخبار.

١٣٤

[وحجة خير من بيت مملوء ذهبا يتصدق منه حتى يفنى).وعنهمعليهم‌السلام :(ما تقرب العبد إلى الله بشئ بعد المعرفة أفضل من الصلاة) واعلم أنها تجب على كل بالغ عاقل، إلا الحائض والنفساء.] قوله: من بيت مملوء.

اعلم أن المراد بقوله: خير من بيت مملوء ذهبا أن يكون مجتمعا من الصدقات الواجبة على الظاهر، لان المندوب لا كثير مزية في تفضيل بعض الواجبات عليه، فلا يحسن ذكره في مقام الترغيب المتضمن لتفصيل ذلك الواجب على واجبات اخرى.وكأن السر في هذا الترتيب أن الصلاة فعل بدني محض، والحج فيه شائبة المال، والفعل منتف في الزكاة ولهذا يقبل النيابة اختيارا، فمن ثم ترتب هكذا.

قوله: واعلم أنها.الضمير إن عاد إلى اليومية كان قصورا في العبارة، فإن غيرها أيضا كذلك.أخبرنا ولا يعترض بالجنازة، لانها واجبة على كل بالغ عاقل كفاية، كما أن غيرها واجب عينا، ومنها صلاة الملتزم فإنها واجبة على كل مكلف ملتزم عينا.وإن عاد إلى الصلاة الواجبة مطلقا المعرفة أول الكلام، لزم اختلاف مرجع الضمائر بغير قرينة مميزة، وهو مستهجن.

قوله: كل بالغ عاقل.ولو في بعض الوقت بمقدار الطهارة والصلاة أو ركعة من آخره.

قوله: إلا الحائض والنفساء.أي: فلا تجب عليهما إذا استوعب العدد الوقت، أو قصر عنه بما لا يسع قدر الطهارة والصلاة من أوله، أو قدرها مع ركعة من آخره.

١٣٥

[ويشترط في صحتها الاسلام، لا في وجوبها.] قوله: لا في وجوبها.فتجب على الكافر كما تجب عليه سائر التكليفات السمعية، ولا تصح منه مادام على كفره، لامتناع تقربه على الوجه المعتبر.وكما أن الاسلام شرط لصحتها فكذا الايمان، فإن أحدهما غير الآخر على الاصح، فإن الاسلام هو الانقياد والاذعان باظهار الشهادتين والتلفظ بهما، والايمان هو التصديق بهذه المعارف بالقلب واللسان بالدليل.

ومما يدل على التغاير بينهما قوله تعالى: (قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم)، نفى عنهم الايمان وأثبت لهم الاسلام، وهو دال على التغاير والانفكاك.ومن احتج على الاتحاد بقوله تعالى: (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين.فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) حيث أنه سبحانه استثنى المسلمين من المؤمنين فلا حاجة له فيه، لان الاستثناء المتصل يقتضي صحة دخول المستثنى في المستثنى منه لو لا الاستثناء، فيقتضي التصادق هنا بين الاسلام والايمان في ذلك الفرد المستثنى، وذلك لا يقتضي تصادقهما في كل فرد المقتضي للتساوي، ونحن نقول بموجبه، لان الاسلام أعم من الايمان مطلقا، فتبقى دلالة الآية الاولى بغير معارض.وبعض الشارحين جعل اعتقاد الاصول المذكورة هو الاسلام بناء على اتحادهما، وجعل قول المصنف: ويجب أمام فعلها.، تفسير للاسلام المذكور في قوله: ويشترط في صحتها الاسم.وهو غلط، لان المذكور ثاينيا كلام مستأنف منفصل من الاول بالكلية، مصدر بحكم مخالف بظاهره حكم ما قبله، لانه مصدر بالوجوب وما قبله بالاشتراط، مع أنه الاشتراط مراد في الثاني مجازا بدليل قوله آخرا: فمن لم

١٣٦

[ويجب أمام فعلها معرفة الله تعالى، وما يصح عليه ويمتنع، وعدله وحكمته، ونبوة نبينا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وإمامة الائمةعليهم‌السلام ، والاقرار بجميع ما جاء به النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، كل ذلك بالدليل لا بالتقليد.] يعتقد ما ذكرناه إلى قوله فلا صلاة له.وإنما قصد بمخالفة اللفظين التفنن في العبارة والاشعار بافتراق المبحثين، ولو صرح المصنف بارادة ما زعم الشارح من هذا اللفظ لا بتدرنا الازراء على عبارته حينئذ بادئ بدء.

قوله: وما يصح عليه.وهي صفات الثبوتية الثمان، ويمتنع: وهي صفاته السلبية السبع.

قوله: وإمامة الائمةعليهم‌السلام .الاثني عشر، واللام للعهد الذهني، والمعهود ما عرف من مذهب الامامية.

قوله: بجميع ما جاء النبي به.أي: مما يثبت بالتواتر من أحوال المعاد.

قوله: بالدليل لا بالتقليد.الدليل: هو ما يلزم من العلم به العلم بشيئ آخر اثباتا أو نفيا.

والتقليد: هو الاخذ بقول الغير من غير حجة ملزمة، مأخوذ من تقليده بالقلادة وجعلها في عنقه، كأن المقلد يجعل ما يعتقده من قول الغير من حق أو باطل قلادة في عنق من قلده.واعلم أن الواجب من الاستدلال على هذه المعارف عينا هو ما يخرج به من أسر التقليد الصرف والعمى المحض، ولا يجب معرفة شرائط الدليل والانتاج والعبارات الخاصة بذلك.وهذا هو المعبر عنه بدين العجائز، وما وراء ذلك من استقصاء

١٣٧

[والعلم المتكفل بذلك علم الكلام.ثم إن المكلف بها الآن من الرعية صنفان: مجتهد وفرضه الاخذ بالاستدلال على كل فعل من أفعالها، ومقلد ويكفيه الاخذ عن المجتهد ولو بالواسطة أو بوسائط مع عدالة الجميع.] الاستدلال والنظر ورد شبهة الخصوصم، فوجوبه على الكفاية.

قوله: والمتكفل.أي: الضامن له مجازا.

قوله: بذلك.أي: بيان الاستدلال على هذه المعارف.

قوله: علم الكلام.هو المباحث عن الذات الالهية وصفاتها وأفعالها، والنبوة، والامامة والمعاد على قانون الاسلام.

قوله: ثم المكلف بها الآن.اعلم أن الضمير في قوله: ثم المكلف بها، الآن، يعود إلى ما عادت إليه الضمائر التي قبله مما بعد

قوله: واعلم أنها تجب..، على ما فيها.وفي تحقيق المبحث مسائل:

أ: السر في عطف هذا المبحث على قبله بثم الدالة على الترتيب والتراخي.أن المبحث المعطوف عليه من علم الكلام والمعطوف من علم الاصول ومقدماته، نبه بثم على ما بينهما من الترتيب.

ب: الآن اسم للزمان الحاضر، وأراد به المصنف زمانه، وكل زمان قابله في غيبة الامامعليه‌السلام عن أهله مجاز، أو احترز به عن زمان ظهورهعليه‌السلام ، فإن الناس حينئذ ثلاثة أصناف لا صنفان:

١٣٨

من كان بحضرته وفرضه الرجوع إليه، ولا يسمى هذا مجتهدا، إذ ليس معرفته للاحكام عن استنباط، ولا مستفتيا، إذ ليس أخذه عن مستنبط، وإنما هو أخذ عمن لا ينطق عن الهوى، بل هو متعلق ممن تلقى من صاحب الوحي عليه الصلاة والسلام بوسائط كلهم معصومون، ولهذا لا يتغير هذا الحكم ببقاء الامام وموته.ومن كان بعيداعن حضرته الشريفة، فلا يجب عليه الرجوع إليه في كل شئ، بل له الاجتهاد إن كان من أهله، وإلا فعله الاستفتاء لاهله، لما في ايجاب الرجوع إليه عليه لاسلام من الحرج العظيم والبلاء الجسيم، والاخبار مملوء‌ة بجواز ذلك.

ج: من الرعية: بيان للمكلف، والمراد من الرعية رعية الامامعليه‌السلام ، حذف المضاف إليه ودل عليه باللام.واحترز بذلك عن الامامعليه‌السلام ، فإنه عندنا أجل من أن يكون مجتهدا أو مقلدا كالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو غير مرضي إذ علمه إنما هو بالوحي الالهي.

د: المجتهد: اسم فاعل من الاجتهاد، وهو لغة استفراغ الوسع فيما فيه مشقة، مأخوذ من الجهد بالفتح وهو المشقة.

واصطلاحا: هو استفراغ الوسع لتحصيل الظن بحكم شرعي.

والمقلد: اسم فاعل من التقليد وقد عرفته، والمراد به هنا المستفتي توسعا، لان المقلد في اصطلاحهم هو الآخذ بقول الغير من غير حجة ملزمة، كالآخذ بقول العامي، أو المجتهد الآخذ بقول من هو مثله، لا آخذ العامي بقول المجتهد، لوجود الحجة الملزمة وهي وجوب الاخذ بقوله، هذا هو الاشهر.وجوز بعضهم الامرين ولا مشاحة.

ه‍: يفهم من قوله: على كل فعل من أفعالها، عدم جواز تجزؤ الاجتهاد، والاصح جوازه.وقد يستفاد منه أن من بلغ رتبة الاجتهاد ولم يجتهد لا يسوغ له

١٣٩

التقليد، كما هو الصحيح، والمفيد لذلك قوله: مجتهد، إذ لا يراد به المجتهد بالفعل، لا متناعه، لان الجزئيات غير متناهية، فلا يمكن وجود الاجتهاد في جميع أفعالها وأحكامها بالفعل، فتعين أن يراد به ما هو أعم من الفعل ومن القوة القريبة منه، فيحصل ما قلناه.

و: إنما اختار للمجتهد قوله: وفرضه، وللمقلد قوله: ويكفيه، لما عرفت ما بين المرتبتين من التفاوت في المشقة واليسر، فإن الاجتهاد مقتطع من الشمقة، فحاول التنبيه في عبارته على هذا التفاوت، فإن الفرض والواجب واحد، فكأنه قال: وفرض الذي لا يسوغ له العدول عنه كذا، والمقلد يكفيه ما هو أقل من ذلك مشقة، لقصور المستدعى للتخفيف عنه.وفيه من اللطف ما لا يخفى.

ز: اللام في قوله: عن المجتهد، للعهد الذكري، والمعهود ما قبله بيسير، فكأنه قالك عن المجتهد المذكور.ويكون فيه إيماء لطيف إلى اعتبار كون المجتهد المأخوذ عنه حيا، فإن ذلك مذهب أصحابنا الامامية قاطبة، وقد نادوا به في مصنفاتهم الاصولية والفقهية فأسمعا من كان حيا، والادلة على ذلك كثيرة نبهنا على بعضها في بعض مظانه.

ويرشد إلى ذلك قوله في المعهود: وفرضه، لان الميت لا فرض عليه، لخروجه عن التكليف.

وحينئذ فيعتبر في المأخوذ عنه أن يكون مجتهدا وأن يكون حيا.

ويعلم من قوله بعد: عدالة الجميع، اشتراط عدالته، ويشترط أيضا عدم وجود مجتهد أعلم منه، فيجب الاخذ بقول الاعلم لو وجده، وكذا الاورع لو استويا في العلم، لا إن تفاوتا فيه فالاعلم ليس إلا، وهذا من الزيادات على العبادة.

ح: ولو بواسطة، يقتضي جواز الرجوع إلى من أخذ من المجتهد وإن أمكن مشافهته، وهو أصح القولين للاصوليين.ولا فرق في الواسطة بين المتحدة والمتعددة، كما صرح به في قوله: أو وسائط.

ولو قال بدله: وإن تعددت، لاغنى عنه.

١٤٠