رسالة المحقق الكركي الجزء ٣

رسالة المحقق الكركي18%

رسالة المحقق الكركي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 319

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 319 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40623 / تحميل: 5530
الحجم الحجم الحجم
رسالة المحقق الكركي

رسالة المحقق الكركي الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

يؤكّد كون الرواية لم تنقل كاملة ـ بل سقطت منها الكلمة التي هي على خلاف أهداف وأهواء القوم ـ ما أخرجه القندوزي الحنفي عن جابر بن سمرة قال : ( كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول: ( بعدي أثنا عشر خليفة ) ثم أخفى صوته ، فقلت لأبي ما الذي أخفى صوته ؟ قال : قال : ( كلهم من بني هاشم ) ، وعن سماك بن حرب مثله )(١) ، ومن ذلك يتضح أنّ كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) كانت موجودة في الحديث ، ولعلّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( كلّهم من قريش من بني هاشم ) ، وهذا ما استشعره بعض علماء السنّة كابن الجوزي ، حيث قال في ( كشف المشكل ) : ( قد أطلت البحث عن معني هذا الحديث ، وتطلّبت مظانه ، سألت عنه ، فلم أقع على المقصود به ؛ لأنّ ألفاظه مختلفه ، ولا أشك أنّ التخليط فيها من الرواة )(٢) ، ويدعم هذا القول ما ذهب إليه ابن العربي ، بعد عجزه عن تفسير حديث الاثني عشر ، تفسيراً واقعياً ، قال : ( ولعلّه بعض حديث )(٣) ، ممّا يؤكّد سقوط كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) من الحديث .

٧ – الاثنا عشر خليفة أمان لأهل الأرض ، إذا ذهبوا ماجت الأرض بأهلها ، وإذا مضوا لا يبقى الدين قائماً ، ويفقد المسلمون منعتهم وصلاحهم ، وهذه المعاني التي جاءت في حديث الاثني عشر تلتقي وتلائم تمام الملائمة مع الروايات التي نقلها الفريقان بحق أهل البيت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقوله :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ٣١٥ ح ٩٠٨ .

(٢) نقلاً عن فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٣ .

(٣) شرح صحيح الترمذي : ج ٩ ص ٦٨ .

١٢١

أهل الأرض ) (١) .

٨ ـ قد افترضت نصوص الاثني عشر أنّ أولئك الخلفاء ( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) ، كما فهم هذا المعنى أيضاً ابن كثير في تفسيره عندما قال : ( ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ، ويعدل فيهم )(٢) ، ولا يجد المتتبّع تفسيراً واحداً من التفاسير لهذا الحديث ، يجمع فيه اثني عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، خصوصاً مع ما ذكرناه من وجوب كون أولئك الخلفاء سلسلة متكاملة ، ومتناسقة ومتوالية زماناً ، وهذا ما يثبت لنا عدم مصداقية أي تطبيق واقعي للحديث ، سوى أهل البيتعليهم‌السلام ، الذين جعلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هداة مهديين من بعده ، وأمر بالتمسّك بهديهم ، وجعلهم عِدلاً للقرآن الكريم لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض .

٩ ـ من الخصائص المهمّة التي تضمّنتها أحاديث الاثني عشر قيموميّة أولئك الخلفاء على الدين والأمة ( اثنا عشر قيماً ) ، ولا شك أنّ القيموميّة تستدعي الرقابة والوصاية على الدين ، وعلى الأمّة الإسلامية ، وهذا المعنى لم يُدّع لأحد ، ولا ادّعاه غير أهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا هو مقتضى كونهم عِدلاً للقرآن الكريم ، وأيضاً مقتضى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( في كل خلوف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ؛ ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ ؛ انظر : المستدرك : الحاكم : ج ٢ ص ٤٤٨ ؛ قال فيه : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٠ ص ٢٠ ؛ النزاع والتخاصم : المقريزي : ص ١٣٢ ؛ وغيرها .

(٢) تفسير ابن كثير : ج ٢ ص ٣٤ .

١٢٢

توفدون ) (١) .

١٠ ـ إنّ الصخب ، واللغط ، والضجّة المفتعلة ، وقيام القوم وقعودهم ، وتصميتهم لجابر والحاضرين يثير الانتباه ، ويستدعي الريب ، ويكشف أنّ في الأمر شيئاً ، لا يريد القوم وصوله إلى مسامع الحاضرين ، ولم تكن هذه الحادثة فريدة نوعها ، بل فعل ذلك القوم أيضاً عندما ضجّوا ، وتنازعوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما قال :( ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً ) ، فوقعت حينها الضجّة المفتعلة ، حتى قال بعضهم : إنّ النبي ليهجر ، وليس ذلك إلاّ للحرص على الخلافة ، وطمعاً بالملك والسلطان والإمارة وهو الذي قد أخبر عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مخاطبته لأصحابه بقوله :( إنّكم ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ) (٢) .

١١ ـ حديث ابن مسعود المتقدّم ، يكشف عن أنّ الصحابة هم الذين سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخلفاء من بعده ، وهذا يلفت النظر إلى نقطتين :

الأُولى : أنّه ليس من المنطقي أن يسأل الصحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأُمراء الذين يتسلّطون على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، وهو ذلك الرسول العظيم الذي ختم الرسالات فلا نبي بعده .

إذن لابد أن يكون السؤال عن الخلفاء الذين نصّبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، وهم أهل بيتهعليهم‌السلام بنص حديث الغدير وحديث الثقلين وغيرهما ، وهذا ديدن وطريقة اعتادها الصحابة آنذلك ، فقد سألوا أبا بكر وعمر عن الذي يلي الأمر من بعدهما .

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣١ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٤ ص ٣٥٥ ح ٧١٤٨ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٠ ص ٣٣٤ ؛ وغيرهما من المصادر الكثيرة .

١٢٣

الثانية : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد من الإمرة والخلافة من يكون مؤهّلاً ومستحقّاً لها ، فلا معنى لحمل الحديث على أمثال معاوية ويزيد ومروان والوليد وأمثالهم ، الذين عاثوا في الأرض فساداً ، ولعبوا بمقدّرات الأمة الإسلامية بما شاءوا ورغبوا ، فالمراد من الخليفة هو مَن يستمد سلطته من الشارع الأقدس ، ومن أجل ذلك ذكر شارح سنن أبي داود في شرحه ( عون المعبود ) أنّ : ( السبيل في هذا الحديث ، وما يتعقّبه في هذا المعنى أن يحمل على المقسطين منهم ، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة )(١) .

١٢ ـ بعد أن صدع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع بذكر الخلفاء من بعده ، وأنّهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ومن بني هاشم ، وكلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، لم يكتف بذلك ـ ولعلّه لما حصل من الضجّة واللغط المفتعل ـ بل قام خطيباً ، بعد رجوعه من حجّة الوداع في طريقه إلى المدينة في غدير خم ، ونصّب عليّاً خليفة من بعده ، فعيّن أوّل خليفة من الخلفاء الاثني عشر ، وبادر بعد ذلك قائلاً : ( إنّي تارك فيكم الخليفتين من بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) (٢) ، حينها عرف الناس مَن هم الخلفاء بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتمّ بذلك الحجّة على الخلق ، لكي يسدّ بذلك منافذ الريب والتشكيك ، ولئلاّ يقول أحد : إنّي لم أسمع ، أو خفي علي ، أو صمّنيها ، أو صمّتنيها الناس !! .

ـــــــــــــ

(١) عون المعبود : ج ١١ ص ٢٤٥ .

(٢) المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٦ ص ٣٠٩ ، كتاب السنّة ، عمرو بن أبي عاصم: ص ٣٣٧ ح ٧٥٤ ص ٦٢٩ ح ١٥٤٩ ؛ مسند أحمد : ج ٥ ص ١٨٢ ؛ المعجم الكبير: ج ٥ ص ١٥٣ ح ٤٩٢١ ص ١٥٤ ح ٤٩٢٢ ؛ مجمع الزوائد : ج ١ ص ١٧٠ قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله ثقات ) ، وكذا في ج ٩ ص ١٦٢ ، وقال في ص ١٦٣ : ( رواه أحمد وإسناده جيّد ) ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٤٠٢ ح ٢٦٣١ ؛ الدر المنثور : ج ٢ ص ٢٨٥ .

١٢٤

١٣ ـ ما ورد من الأحاديث المتضافرة التي نصّت على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ، والتي تناولت الأئمّة الاثني عشر بذكر أسمائهم على نحو التفصيل ، وهي كثيرة جدّاً نكتفي بذكر بعضها :

١ ـ ما جاء في فرائد السمطين للحمويني المصري(١) : ( عن مجاهد عن ابن عباس قال : قدم يهودي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال له : نعثل ، فقال : يا محمد إنّي أسألك عن أشياء ـ إلى أن قال ـ : فأخبرني عن وصيّك مَن هو ؟ ، فما من نبي إلاّ وله وصي ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، فقال :نعم ، إنّ وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وبعده سبطاي : الحسن ثم الحسين ، يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار ، قال : يا محمد فسمّهم لي ؟

قال :نعم ، إذا مضى الحسين فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه الحسن ، ثم الحجّة ابن الحسن ، أئمّة عدد نقباء بني اسرائيل ، فهذه اثنا عشر )(٢) .

٢ ـ ونقل الحمويني أيضاً في فرائده : عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أيّها الناس

ـــــــــــــ

(١) أطرى عليه الذهبي ت / ٧٤٨ هـ في تذكرة الحفاظ قال : الإمام المحدث الأوحد الأكمل فخر الإسلام صدر الدين ، إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الخراساني الجويني شيخ الصوفية كان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الاجزاء ، حسن القراءة مليح الشكل مهيباً ديّناً صالحاً مات سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة تذكرة الحفّاظ ، الذهبي : ج ٤ ص ١٥٠٦ .

(٢) فرائد السمطين ، الحمويني : ج ٢ ص ١٣٣ ص ١٣٤ ح ٤٣١ ، وبنفس الألفاظ ما جاء في ينابيع المودة للقندوزي ، ج ٣ ص ٢٨٢.

١٢٥

إنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي ولكن أوصيائي منهم : أوّلهم أخي ، ووزيري ، ووارثي ، وخليفتي في أُمّتي ، وولي كل مؤمن بعدي ، هو أوّلهم ثم ابني الحسن ، ثم ابني الحسين ، ثم التسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض ) (١) ـ وهكذا ينقل الحمويني ذلك في مواطن عديدة ، وروايات عديدة وبطرق مختلفة ؛ فراجع .

٣ ـ الحافظ أبو محمد بن أبي الفوارس في كتابه ( الأربعين )(٢) .

كذلك أخرج ذكر الخلفاء من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسمائهم .

٤ ـ العلاّمة أبو مؤيد موفق بن أحمد المتوفّى (سنة ٥٦٨) في كتابه ( مقتل الحسين ) : ذكر الخلفاء أيضاً بأسمائهم المتقدّمة(٣) .

٥ ـ العلاّمة فاضل الدين محمد بن محمد بن إسحاق الحمويني الخراساني في ( منهاج الفاضلين )(٤) .

٦ ـ كذلك الحمويني في ( درر السمطين )(٥) .

٧ ـ العلاّمة الشيخ إبراهيم بن سليمان في كتاب ( المحجّة على ما في

ـــــــــــــ

(١) فرائد السمطين ، الحمويني ، السمط الأول : ج ١ ص ٣١٥ ـ ٣١٨ ح ٢٥٠ .

(٢) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٥٩ ؛ نقلاً عن كتاب الأربعين ، ابن أبي الفوارس : ص ٣٨ .

(٣) مقتل الحسين ، الخوارزمي : ص ١٤٦ ـ ١٤٧ .

(٤) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٦٨ ؛ نقلاً عن كتاب منهاج الفاضلين ، الحمويني : ص ٢٣٩ .

(٥) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ٤ ص ٩٣ ـ ٩٤ ؛ نقلاً عن كتاب درر السمطين ، الحمويني : ص ٧٢٢ .

١٢٦

ينابيع المودّة )(١) ، أيضاً ذكرهم بأسمائهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨ ـ العلاّمة المولى محمد صالح الكشفي الحنفي الترمذي ، في كتابه ( المناقب الرضوية )(٢) .

إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي تؤكّد هذا المعنى .

وعلى ضوء ما سلف ، يتحصّل أنّ العترة الطاهرة يمثّلون امتداداً طبيعياً لحركة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع أبعاد الحياة ، وقد فرضوا شخصيّتهم رغم أنف الأعداء ، وقد أجمعت الأمة على أعلميّتهم وأهليّتهم للخلافة ، وأنّهم الأسوة الحسنة ، ويعد ذلك من أفضل الأدلة لإثبات أحقيّتهم ، وأهليّتهم للإمامة والقيادة ، وعصمتهم ؛ لأنّهمعليهم‌السلام جسّدوا النظرية الإسلامية على الواقع العملي ، فعندما نرصد حياة الأئمّةعليهم‌السلام ، وكيف كانوا إسلاماً متحركاً على الأرض ، وقرآناً ناطقاً يعيش بين الناس ؛ نستنتج مباشرة أن هذا المستوى الرفيع من الأسوة والقدوة لا يمكن أن تعكسه إلاّ شخصيات معصومة ، استجمعت فيها الصفات التي تؤهّلها لأن تكون منبع الهداية للبشرية ؛ لذا أجمعت الأمة على أنّ هؤلاء العترة لهم من الخصائص والمميزات ما لم تكن لغيرهم ، رغم ما عانوه من ظلم واضطهاد ، فهم الذين تنطبق عليهم خصوصيات الاثني عشر ، التي بيّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحاديث الأثني عشر المتقدمة ، ولكن أصحاب المطامع آلوا على أنفسهم إلاّ أن يُقصوا وينحّوا أهل البيتعليهم‌السلام عن مناصبهم ومراتبهم التي رتّبهم الله فيها ، ولم يكتفوا بذلك بل تمادوا في تعريض أهل البيتعليهم‌السلام لألوان الظلم والاضطهاد ، والمعاملة السيّئة الفظّة الغليظة ، التي يندى لها الجبين ، وتعتصر منها القلوب ألماً ومرارة ، ولم يكن لهم ذنب سوى أنّهم كانوا الامتداد الإلهي لخط الرسالة ، وكانوا أمناءها ، والرقباء عليها ، فهم الثقل الموازي للقرآن الكريم .

ـــــــــــــ

(١) المحجّة على ما في ينابيع المودّة ، الشيخ هاشم بن سليمان : ص ٤٢٧ .

(٢) المناقب المرتضوية ، محمد صالح الترمذي : ص ١٢٧ .

١٢٧

إذن ، ينبغي علينا كمسلمين أن نستنير بنور هؤلاء الهداة الميامين ، ونكون بذلك ممتثلين لأوامر الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وممّا تقدّم اتضحت الإجابة بخصوص ما قد يقال : من أنّ وصف عزّة الإسلام بأولئك الخلفاء الاثني عشر لا ينطبق على أئمّة الشيعة ، حيث الموقع السامي والريادي والمكانة العظيمة التي يمتلكها أهل البيتعليهم‌السلام في نفوس الأمة الإسلامية ، وهو ما أكّده علماء السنّة في أغلب كتبهم ، وبالإضافة إلى ذلك نقول :

إنّ عزة الإسلام وصلاحه وبقائه إلى قيام الساعة ، من المهام ، والوظائف الأساسية ، التي أناط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسؤوليتها ، وتحقيقها بأهل البيتعليهم‌السلام ، كما يكشف عن ذلك حديث الثقلين وحديث الغدير ، وأنّهم عِدل القرآن ، وأنّ النجاة والأمان والعزّة عند الله لا تنال إلاّ بالاعتصام والتمسّك بهم ، ومَن يتبعهم يكون عزيزاً بعزّة الله ، مرضيّاً عنده تعالى .

كما أخرج ذلك الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأُمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) (١) ، ثم علّق عليه قائلاً : هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٤٩ .

١٢٨

وبنفس المضمون ما ورد في عدّة كثيرة من المصادر عن عمر : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( في كل خلوف من أُمّتي عدول أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن توفدون ) (١) .

وعن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن ، غرسها ربّي ، فليوال عليّاً ، وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ) (٢) .

وعن عمار بن ياسر ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أوصي مَن آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب ، مَن تولاّه فقد تولاّني ، ومَن تولاّني فقد تولّى الله عزّ وجلّ ، ومَن أحبّه فقد أحبّني ، ومَن أحبّني فقد أحبّ الله تعالى ، ومَن أبغضه فقد أبغضني ، ومَن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجلّ ) قال الهيثمي في مجمع الزوائد : ( رواه الطبراني بإسنادين أحسب فيهما جماعة ضعفاء ، وقد وثقوا )(٣) .

وقد أخرجها ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق بطرق كثيرة(٤) .

وعن وهب بن حمزة قال : ( صحبت عليّاً إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره ، فقلت لأن رجعت لأشكونّك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قدمت لقيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــ

(١) ذخائر العقبى ، محي الدين الطبري : ص ١٧ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٥٢ ؛ رشفة الصادي ، أبو بكر الحضرمي : ص ١٧ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ١١٤ .

(٢) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٢٤٠ ؛ حلية الأولياء ، الحافظ أبي نعيم الأصفهاني : ج ١ ص ٨٦ .

(٣) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٨ ، ١٠٩ .

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٢ ص ٢٣٩ وما بعدها .

١٢٩

فقلت : رأيت من علي كذا وكذا ، فقال :لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي )(١) .

وعن زيد بن أرقم قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن أحبّ أن يحيا حياتي ويموت موتتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فإنّ ربّي عزّ وجلّ غرس قصباتها بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، فإنّه لن يخرجكم من هديي ولن يدخلكم في ضلالة ) (٢) ، قد أخرجه الحاكم في المستدرك وقال عنه : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

إلى غير ذلك من المصادر الكثيرة ، والروايات المتواترة معنىً ومضموناً ، مع صحّتها وصراحتها ، وأدنى ما نجيب عمّن أراد التشكيك بها : أنّها تفيد القطع واليقين ؛ لتعدّد ألفاظها ، وكثرة طرقها ، والمصادر التي نقلتها ، فهي أحاديث نبويّة يقوّي بعضها بعضاً لإثبات مضمونها بالقطع واليقين ، وهو وجوب التمسّك بولاية أهل البيتعليهم‌السلام واتّباع هديهم .

إذن بأهل البيتعليهم‌السلام وباتباعهم تتحقق عزّة الإسلام ، والحفاظ على وجوده الحقيقي وقيمه ومبادئه الأصيلة ، من التقوى والإخلاص والاستقامة والصلاح وغيرها من المعارف الروحية والقيم الأخلاقية ، وليست عزّة الإسلام بالتظاهر بالإسلام ، واتخاذه شعاراً للتسلّط على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، ومن هنا نجد أنّ الحكم الإسلامي على يد الظلمة تحوّل إلى ما كان عليه قبل الإسلام من كونه ملكاً عضوضاً لا يحمل من قيم الإسلام شيئاً .

إذن عزّة الإسلام لا تتحقق إلاّ في حفظ الإسلام الحقيقي ، الذي لا يتحقق إلاّ باتباع أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢٢ ص ١٣٥ ؛ مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٠٩ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٤ ص ٤٧٠ ـ ٤٧١ .

(٢) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ١٩٤ .

(٣) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٣٠ .

١٣٠

الأُمّة لم تجتمع على أهل البيتعليهم‌السلام

وأمّا عبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) ، وأنّ أهل البيتعليهم‌السلام ما أجتمعت عليهم الأُمّة فجوابها :

١ ـ إنّ رواية الاثني عشر خليفة المتضمّنة لعبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) لم ترد في الكتب الحديثية ، والمصادر السنّية ، إلاّ في سنن أبي داود ومسند البزار ، ولم يخرجاها إلاّ بسند واحد ضعيف ، كما ذكر ذلك الألباني ، في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، حيث قال : ( وأخرجه أبو داود ( ٢ / ٢٠٧) من طريق إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبيه ، عن جابر بلفظ : لا يزال هذا الدين قائماً ، حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة ، كلّهم من قريش ، وأخرجه البزار (١٥٨٤ ـ كشف) عن أبي جحيفة نحوه ، وهذا سند ضعيف ، رجاله كلهم ثقات ، غير أبي خالد هذا ، وهو الأحمسي ، وقد تفرّد بهذه الجملة ( كلهم تجتمع عليه الأمة ) ، فهي منكرة )(١) ، والتضعيف ذاته ذكره أيضاً في تعليقته على سنن أبي داود ، حيث قال بعد أن أورد الحديث : ( صحيح : دون قوله ( تجتمع عليه الأمة ) )(٢) .

٢ ـ من الشواهد التي تؤكّد عدم صحّة صدور هذه العبارة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عدم انطباقها على الواقع أصلاً ، حيث لم نجد شخصاً اجتمعت عليه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل البعض ممّن ادعي كونه من الخلفاء الاثني عشر ، لم يجتمع عليه أغلب الأمة ، فضلاً عن جميعها .

ـــــــــــــ

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : مج ١ ، ق ٢ ، ص ٧٢٠ ح ٣٧٦ .

(٢) صحيح سنن أبي داود الألباني : ج ٣ ص ١٩ ح ٤٢٧٩ .

١٣١

ولذا قال ابن كثير في البداية والنهاية ( فإن قال : أنا لا اعتبر إلاّ مَن اجتمعت الأمة عليه ، لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولا ابنه ؛ لأنّ الناس لم يجتمعوا عليهما ؛ وذلك أنّ أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما ، ولم يقيّد بأيام مروان ، ولا ابن الزبير كأنّ الأمّة لم تجتمع على واحد منهما )(١) .

وهذا ما اعترف به ابن حجر العسقلاني أيضاً في فتح الباري(٢) .

٣ ـ إن أكثر مَن أدعي اجتماع الأمة عليه ، كيزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، والوليد ، و مروان الحمار ، وغيرهم لم يكن متوفّراً على خصائص الخلفاء الاثني عشر ، من كونهم يعملون بالهدى ودين الحق ، وأنّهم قيّمون على الدين ، والدين قائم بهم ، وغير ذلك من الصفات السامية ، التي تقدّم ذكر بعضها .

الخلاصة

١ ـ إنّ حديث الاثني عشر ، حقيقة صادرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تواترت الروايات من الفريقين بنقلها بألسن مختلفة ، كلّها تشير إلى مضمون واحد ، ومن هذه الروايات قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا يزال هذا الأمر صالحاً حتى يكون اثنا عشر أميراً ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٦ ص ٢٨٠ .

(٢) فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٢ .

(٣) مسند أحمد : ج ٥ ص ٩٧ ص ١٠٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ٦١٨ ؛ انظر : مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٥ ص ١٩٠ وقد صحّحه .

١٣٢

٢ ـ إنّ أهل السنّة لم يتمكّنوا أن يقدّموا تفسيراً واقعيّاً لحقيقة الاثني عشر خليفة ، وإنّ تفسيراتهم المضطربة والمتناقضة فيما بينها خير شاهد على عجزهم عن فهمها وتفسيرها ، على الرغم ممّا ارتكبوه من تكلّف ظاهر على حدّ تعبير بعضهم ، لا سيّما وأنّ البعض(١) قد أوكل تفسير حديث الاثني عشر إلى الله تعالى بعد أن عجز عن تفسيره تفسيراً صحيحاً .

٣ ـ إنّ الخصائص والمميزات التي تحملها أحاديث الاثني عشر ، لا تنطبق في الواقع الخارجي إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام ، فمثل صفة ( صلاح أمر الأُمّة والناس بهم ) و( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) و( إذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ) ، ونحوها ، لا تنسجم ولا تنطبق إلاّ على عترة أهل البيتعليهم‌السلام ، فضلاً عمّا يحمله أهل البيتعليهم‌السلام من خصائص ومميّزات استثنائية ، وما يحملونه من مؤهّلات علمية وعملية بإجماع أهل العلم ، وعلى جميع المستويات الفكرية والروحية ونحوها ، كل هذا يؤكّد ويدعم كون حديث الاثني عشر لا يمكن انطباقه إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٢ ص ٢٠٣ .

١٣٣

الفصل الثالث: غيبة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف)

الشبهة :

١ ـ ما الفائدة من وجود إمام غائب ؟

٢ ـ إنّ الحجّة عند الشيعة لا تقوم إلاّ بإمام ، فكيف يترك الإمامة ويغيب ؟

الجواب :

قبل البدء ينبغي ذكر تمهيد مختصر له مدخليّة في الإجابة .

تمهيد :

إنّ الشريعة التي جاء بها الدين الإسلامي ما هي ـ في مجملها ، وحقيقتها ، وبكل جوانبها ـ إلاّ خطّة إلهيّة أُعدّت بإحكام ، ووُضعت من أجل ترشيد المجتمع البشري نحو الأصلح والأقوم ، وبلوغ السعادة في الدارين .

وقد وعد الله تعالى البشرية ـ التي عانت طوال حياتها من الظلم ، والجور ـ أن يسودها العدل والأمان في الأرض .

قال تعالى :( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ ) (١) .

وقال تعالى أيضاً :( وَنُرِيدُ أَن نمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٢) .

إلاّ أنّ تحقق هذا الهدف على أرض الواقع يتوقّف على توفّر شرائطه ، التي شاء الله عزّ وجلّ بحكمته أن تكون من طرقها الطبيعية ، وضمن ما هو المألوف ، لا بشكل إعجازي وخارق لما هو المعتاد .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٣٣ .

(٢) القصص : ٥ .

١٣٤

وحيث إنّ الله تعالى ـ لحكمته ولطفه بعباده ـ قد نصّب أولياء هداة معصومين ، يمثّلون امتداداً طبيعياً للرسالة المحمّديّة ، فهم أُمناء الوحي والرسالة ، وحجّة الله على العباد ، وهم الأئمّة الاثنا عشرعليهم‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أوّلهم الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وآخرهم الإمام المهديعليه‌السلام ، وقد ثبت ذلك مسبقاً ، بمقتضى عدد وافر من الآيات القرآنية ، كآية الولاية ، وآية أُولي الأمر ، وآية التطهير ، وآيات البلاغ في الغدير ، وآية المودّة في القربى(١) وغيرها ، مضافاً إلى عدد كبير جداً من الأحاديث النبويّة التي رواها أصحاب الصحاح من أهل السنّة ، كحديث الثقلين المتواتر الذي مفاده أنّ أهل البيتعليهم‌السلام لن يفترقوا عن القرآن حتى يردوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض(٢) ، فكما أنّ القرآن باقٍ إلى يوم القيامة كذلك أهل البيتعليهم‌السلام ، وكحديث الخلفاء الاثني عشر (كلّهم من قريش)(٣) ، وحديث السفينة(٤) ، وأهل بيتيعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض(٥) وأتاهم ما يوعدون ، وغير ذلك من الأحاديث الدالّة على بقاء الإمامة الإلهية ، واستمرارها في الأرض .

ـــــــــــــ

(١) الآيات : المائدة : ٥٥ ، النساء : ٥٩ ، الأحزاب : ٣٣ ، المائدة : ٦٧ .

(٢) السنن الكبرى ، النسائي : ج ٥ ص ٤٥ ص ١٣٠ ؛ خصائص أمير المؤمنين : النسائي : ص ٩٣ ؛ المعجم الصغير ، الطبراني : ج ١ ص ١٣١ ص ١٣٥ .

(٣) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ٨٧ ـ ٨٨ .

(٤) مجمع الزوائد : الهيثمي ، ج ٩ ص ١٦٨ ، المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٦ ص ٨٥ .

(٥) شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ، ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ .

١٣٥

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ خلفائي ، وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي ، الاثنا عشر ، أوّلهم عليّ ، وآخرهم ولدي المهدي ) (١) .

وشاءت الإرادة الإلهية أن يكون الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ـ الذي يمثّل الحلقة الأخيرة من سلسلة الأئمّة الهداة ـ مصلحاً للبشرية ، ومحققاً للهدف النهائي ، والثمرة الكبيرة والمرجوّة من رسالات السماء وبعث الأنبياء ، قال تعالى :( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنّ اللهَ قَوِيّ عَزِيزٌ ) (٢) .

إذن فلابدّ ـ بحسب التخطيط الإلهي ـ من إقامة العدل ، والسلام في العالم ، بعد انتشار الظلم والجور والفساد في ربوع الأرض وأرجائها ، وهو ما نشاهده ونراه بالحس والعيان في كل حدب وصوب ، وهذا ما يتطابق مع ما تنبّأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :( تملأ الأرض ظلماً وجوراً ، ثم يخرج رجل من عترتي ، يملك سبعاً أو تسعاً ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ) (٣) ، فكما أنّ الأرض مُلئت وستُملأ بالجور والفساد والظلم ، لابدّ لها من يوم تُملأ فيه عدلاً وقسطاً ، على يد الإمام المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٢٩٥ .

(٢) الحديد : ٢٥ .

(٣) سنن أبي داود ، السجستاني : ج ٤ ص ٧١٢ ح ٤٢٧٦ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٣ ص ٢٨ ص ٣٦ ص ٧٠ ؛ المستدرك الحاكم : ج ٤ ص ٥٥٧ ؛ وانظر مجمع الزوائد : الهيثمي : ج ٧ ص ٣١٤ ، وقال فيه : ( رواه الترمذي وغيره باختصار ، رواه أحمد بأسانيد ، وأبو يعلى باختصار ، ورجالهما ثقات ) ؛ وانظر : المصنف : الصنعاني : ج ١١ ص ٣٧٢ ـ ٣٧٣ .

١٣٦

إلاّ أنّ النقطة الجديرة بالذكر هي أنّ تحقق هذا الهدف ، وهو إقامة العدل والقسط في الأرض ، يتوقّف على توفّر شرائطه التي أراد الله تعالى بحكمته أن تكون من الطريق الطبيعي لا الإعجازي ، وهذا ما جرت عليه السنن الإلهية في هذا العالم ، فقد قال تبارك وتعالى :( لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ ) (١) ، وقال تعالى أيضاً :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقال تعالى :( وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلُِيمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ ) (٣) ، وقال :( وَتِلْكَ الأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبّ الظّالِمِينَ * وَلِيُمَحّصَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ ) (٤) ، وغير ذلك من الآيات المباركة ، التي تكشف عن أنّ التخطيط الإلهي لجريان السنن في هذا العالم مبنيّ على السير الطبيعي للبشرية ، إلاّ في الظروف الخاصّة والاستثنائية ، التي تقتضي فيها الحكمة الإلهية إنجاز الهدف والوصول إليه عن طريق الإعجاز وخرق المعتاد ، وذلك كإثبات أصل نبوّة الأنبياء مثلاً .

وإقامة العدل على هذه الأرض جاء ضمن ذلك الإطار ، فلكي يتحقق على أرض الواقع ويحين أجله ، لابد من اكتمال جميع شرائطه ، وعلى ضوء ذلك كانت غيبة إمامنا المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) جزءاً من هذا التخطيط والحكمة الإلهية ، من أجل أن تكتمل باقي الشرائط لظهور الحق وإقامة العدل ، تلك الشرائط التي يتحقق معظمها في أحضان الغيبة ، وهذا ما أخبر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في روايات عديدة من كتب الفريقين :

ـــــــــــــ

(١) الأنفال : ٣٧ .

(٢) الأنفال : ٤٢ .

(٣) آل عمران : ١٥٤ .

(٤) آل عمران : ١٤٠ ـ ١٤٢ .

١٣٧

منها : ما أخرجه الإربلي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لمّا أنزل الله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمَن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هم خلفائي من بعدي يا جابر ، وأئمة الهدى بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه عنّي السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم سميّي وكنيّي ، وحجّة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده محمد بن الحسن بن عليّ ، ذلك الذي يفتح الله عزّ وجلّ على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك الذي يغيب عن شيعته ، وأوليائه ، غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان ) ، فقال جابر : فقلت : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أي والذي بعثني بالحق ، إنّهم ليستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سر الله ، ومخزون علم الله ، فاكتمه إلاّ عن أهله ) (٢) .

وعن علي بن علي الهلالي ، عن أبيه قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه قال : فبكت حتى ارتفع صوتها ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إليها فقال :حبيبتي فاطمة ،

ـــــــــــــ

(١) النساء : ٥٩ .

(٢) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٣ ص ٣٩٩ .

١٣٨

ما الذي يبكيك ، فقالت :أخشى الضيعة بعدك ، فقال :يا حبيبتي ، أما علمت أن الله ـ عزّ وجلّ ـ اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته ، ثم أطلع إلى الأرض اطلاعه فاختار منها بعلك ، وأوحى إليّ أن أنكحك إيّاه ، يا فاطمة ، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تُعط لأحد قبلنا ولا تُعطى أحداً بعدنا : أنا خاتم النبيّين ، وأكرم النبيّين على الله ، وأحب المخلوقين إلى الله عزّ وجلّ وأنا أبوك ، ووصيي خير الأوصياء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو عمّك حمزة بن عبد المطلب ، وعمّ بعلك ، ومنّا مَن له جناحان أخضران يطير مع الملائكة في الجنّة حيث شاء ، وهو ابن عم أبيك ، وأخو بعلك ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة ، وهما ابناك الحسن والحسين ، وهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما ـ والذي بعثني بالحق ـ خير منهما يا فاطمة ـ والذي بعثني بالحق ـ إنّ منهما مهدي هذه الأُمّة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن ، وتقطّعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً ، فيبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك منهما مَن يفتح حصون الضلالة ، وقلوباً غلفاً يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ، ويملأ الدنيا عدلاً كما مُلئت جوراً ، يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي ، فإنّ الله عزّ وجلّ أرحم بك وأرأف عليك منّي ؛ وذلك لمكانك من قلبي ، وزوّجك الله زوجاً ، وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً ، وأرحمهم بالرعيّة ، وأعدلهم بالسوية ، وأبصرهم بالقضية ، وقد سألت ربّي عزّ وجلّ أن تكوني أوّل مَن يلحقني من أهل بيتي ، قال علي رضي الله عنه :فلمّا قُبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تبق فاطمة رضي الله عنهابعده إلاّ خمسة

١٣٩

وسبعين يوماً حتى ألحقها الله عزّوجلّ به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه : الهيثم بن حبيب ، قال أبو حاتم : منكر الحديث وهو متهم بهذا الحديث(١) .

أقول : ولم يجدوا في الهيثم بن حبيب مطعناً سوى روايته لهذا الحديث في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، وله نظائر كثيرة !!

وعن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة :نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة ، ومنّا مَن له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث شاء وهو ابن عمّ أبيك جعفر ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة الحسن والحسين وهما ابناك ومنّا المهدي .

رواه الطبراني في الصغير وفيه قيس بن الربيع وهو ضعيف وقد وثق ، وبقيّة رجاله ثقات(٢) .

ومنها : ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري أيضاً : قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً ، تكون له غيبة وحيرة ، تضل فيها الأُمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها عدلاً كما مُلئت جوراً ) (٣)

وغير ذلك من الروايات ، الدالة على ضرورة الغيبة ، من أجل اكتمال شرائط الظهور ، وإقامة العدل والقسط ؛ وذلك من خلال تخطّي البشرية لمراحل عديدة من التمحيص والفتن والحيرة ، والابتلاء .

ـــــــــــــ

(١) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٦٥ ـ ١٦٦ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٩ ص ١٦٦ .

(٣) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٣٨٦ .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

التخيير، أي: هذا التخيير في الاستنجاء دون غيره، فخرج به ازالة غير البول والغائط من النجاسات وازالتهما من غير المخرج إذ لا يعد استنجاء.

يو: يندرج في الاستنجاء ازالتهما عن المخرج الطبيعي وغيره اذا صار معتادا، وحكم بكونه ناقضا، لصدق الاستنجاء حينئذ لا قبل الاعتياد، إذ هو كازالة سائر النجاسات.

يز: قوله: غير المتعدي، بنصب غير، استثناء من الاستنجاء، أو بنزع الخافض، وبه يخرج ما تعدى المخرج منه فإنه لا يطهره إلا الماء عندنا، إذ ليس في مظنة التخفيف.

يح: يخرج بقوله: من الغائط البول، فإنه لا يطهره شئ سوى الماء عندنا، والاخبار عن أهل البيتعليهم‌السلام متواترة.

يط: يعلم من العبارة عدم وجوب الاستنجاء للريح كما يقول بعض العامة، ولا من الدول والحصى الخاليين من النجاسة.

ك: يعلم من قوله: من الغائط، عدم ثبوت الرخصة لو خرج معه دم أو عين نجاسة ابتلعها كعظم الميتة، لانتفاء كونه غائطا صرفا، بخلاف ما لو اغتذى بنجاسة فاستحالت غائطا فإن الرخصة بحالها.

كا: يعلم من عطف المسحات بأو أن الازالة بالماء أصل والاكتفاء بالتمسح رخصة، وان طهارة المحل تحصل به كالماء، إلا انه نجس معفو عنه، خلافا لبعض العامة.وتظهر الفائدة في جواز المصلي مستجمرا، فعلى العفو لا يصح، لاختصاصه بالمكلف نفسه.

كب: يعلم من اطلاق العبارة عدم الفرق بين الرجال والنساء في ثبوت الرخصة، وكذا الاطفال والبالغين، لاطلاق النص، وعموم المشقة المقتضي لعموم التخفيف، لكن يجب التقييد ببقاء رطوبة النجاسة بحالها، فلو جفت أو بعضها

١٨١

[أو بثلاثة مسحات فصاعدا بطاهر في الاستنجاء في غير المتعدي من الغائط ويجب على المتخلي ستر العورة، وانحرافه عن القبلة بها.] تعين الماء.وكذا لو أصابها نجاسة اخرى من خارج، إلا أن تكون مماثلة على أصح الوجهين.وكذا يشترط عدم انتقالها عن المحل بقيام وغيره، وهذا قد يتكلف ادخالها في قوله: غير المتعدي، كما يتكلف ادخال التي قبلها في قوله: من الغائط، وهذه العبارة من بديع عبارات المصنفرحمه‌الله .

قوله: بطاهر.ويعتبر كونه قالعا، وعدم جفاف المحل أو بعضه، وعدم رطوبة آلة الاستجمار.

قوله: وانحرافه.ربما توهما بعضهم من هذه العبارة الاكتفاء في الخروج عن الاستقبال بتحويل العورة خاصة، حتى صرح به الفاضلان المقداد وابن فهد، وهو فاسد، لقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (ولكن شرقوا أو غربوا) ولا يصدق التشريق للمكلف بتحويل عورته خاصة.وأما هذه العبارة فلا دلالة فيها، إذ معنى انحرافه عن القلبة انحراف المكلف والعورة جميعا، فقد نص أهل العربية على أن معنى ذهبت بزيد: ذهابهما جميعا، حملا للباء المتعدية على معنى مع.

١٨٢

[وقد تطهر الارض، والشمس، والنار، والاستحالة، والانتقال، والانقلاب، والنقص، ولا الغيبة في الحيوان.]

قوله: والانتقال.كان في الاصل المقابل بخط ولد المصنف بعد النقص: والانقلاب والانتقال، ثم ضرب على الانقلاب وكتب صح، وكأنه اكتفى بالاستحالة عنه.

قوله: وقد تطهر الارض..لما ذكر أعداد النجاسات، وذكر أن المطهر لها ازالتها بالماء على وجه مخصوص بعدد معين اذا كان الماء المزيل لها قليلا، وان بعض النجاسات قد تزول بالمسحات على وجه تقدم بيانه، أشار إلى بقية ما يصلح لتطهير بعض النجاسات على بعض الاحوال بقوله: وقد تطهر الارض، ونبه بقد الدالة غالبا على التقليل اذا دخلت على الفعل المضارع على أن تطهير هذه الاشياء إنما هو لبعض النجاسات في بعض الاحوال.فأما الارض فانها تطهر باطن القدم وباطن النعل والخف اذا زالت عنها عين النجاسة، سواء كان بالمشي أم لا، للخبر عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في النعلين: (فيمسحهما وليصلي فيهما).

وقولهعليه‌السلام (اذا وطأ أحدكم الاذى بخفيه فإن التراب له طهور).

وقول الباقرعليه‌السلام في العذرة يطأها برجله: (يمسحها حتى يذهب أثرها).

١٨٣

ولا يشترط جفاف النجاسة ولا كونها ذات جرم، للعموم.لكن يشترط طهارة الارض، لان النجس لا يطهر.وهل يشترط جفافها؟ الظاهر نعم، لا نفصالها مع الرطوبة، إلا أن تكون رطوبة يسيرة لا يلزم معها تعد.ويعلم من عدم اشتراط المشي في زوال النجاسة الاكتفاء بذلك، كما سبق أن لا حصر للمشي، فلا يتتعدد بخمسة عشر ذراعا، خلافا لابن الجنيد، بل الضابط زوال العين.والحجر والتراب في ذالك سواء.ويلحق بالنعل الصنادل لانها مما ينتقل، وكذا خشبة أقطع الرجل، لانها كالقدم.وكذا موضع القطع من القدم أو الساق لو مشى عليه معتادا له، وهل يلحق الارض ما يأخذه بيده من خشبة ونحوها وقت تردده؟ يحتمل ذلك.نعم لا يلحق به أسفل العكاز، وكعب الرمح، وسكة الرحث قطعا، وما يتناقله أهل عصرنا من لحاقها باطل، لفقد النص وانتفاء المعنى.وأما الشمس فإنها تطهر الارض والحصر والبواري بتجفيف نجاسة البول وشبهه، وكذا الخمر على الاقر ب، لكن يشترط عدم بقاء شئ من اجزاء النجاسة، فلو بقيت حمرة الخمر، أو صفرة البول ظاهرة في المحل لم تطهر.وفي اعتبار الطعم والرائحة تردد.وبالتجفيف المعتبر يطهر الظاهر والباطن، والسطوح الاعلى والاسفل وإن لم تصب الشمس، لظاهر قولهعليه‌السلام : (ما أشرقت عليه الشمس فقط طهر)، حكم بطهره، ولو طهر بعضه خاصة لم يطهر، وإلا يعترض بقوله: (ما اشترق عليه الشمس)، لتعذر الحقيقة فيه، فحمل على المجاز بخلاف المدعى، لامكان الحقيقة فيه.

١٨٤

ومما يتوقف فيه ما لو وضع حصير ونحوه على آخر فجف بالشمس من بطونه النجاسة، فإن طهارة السطح السافل يستدعي طهارة ما تحته، وهو مشكل.ولا تلحق بالشمس الريح قطعا، نعم لا تضر مشاركته لها.ويلحق بالارض في ذك كل ما لا ينقل ولا يحول عادة من الآلات والابواب والاخشاب والاشجار والثمار متصلة بها.وأما النار فإنها تطهر ما أحالته رمادا أو دخانا اجماعا، وهل تطهر ما أحالته فحما؟ لا استبعده، لزوال الصورة والاسم، أما لو أحالته خزفا أو آجرا فلا خلافا للشيخ.وأما الاستحالة فإنها تتحقق في مواضع:

أ: استحالة النطفة والعلقة حيوانا.

ب: استحالة العذرة ترابا.

ج: استحالة الكلب والخنزير ونحوهما ملحا على الاصح فيهما، لكن يراعى في العذرة عدم ملاقاتها للارض رطبة، فمعه تنجس الارض بها ويحصل الاختلاط، لكن يخرج عن كونها عين نجاسة فتقبل التطهير.وكذا يشترط في صيرورة الكلب والخنزير ملحا كون ماء المملحة كرا فصاعدا، وبدونه ينجس بالملاقاة، لكن يخرجان عن كونهما عين نجاسة كما قلناه سابقا.

د: صيرورة الماء النجس بولا لحيوان محلل، وكذا العذرة النجسة اذا صار روثا.ومثله الاستحالة في اللبن بالسنبة إلى الشاة ونحوه فيحل اكله، إلا اذا صارت جلالة، وكذا النحل لو أكل أو شرب نجسا واستحال عسلا، ما لم يعلم بقاء عين النجاسة على موضع الملاقاة واصابة العسل به فإنه يتنجس.

١٨٥

ه‍: استحالة الميتة دودا، وكذا العذرة أيضا وغيرها من الاعيان.

و: الماء النجس ونحوهالو سقى به الزرع، والخضروات، لكن يجب غسل ظاهرها.

ز: استحالة الخمر خلا ولو بعلاج بشرط عدم نجاسته من خارج، ويطهر اناؤه ايضا ولو كان قد غلا.

ولا يلحق بالدبس النجس والعصير العنبي مع الغليان اقتصارا على المنصوص، لكن هل يلحق به الفقاع لو استحال إلى بعض الاعيان الطاهرة؟ يحتمل ذلك سيما وقد ورد أنه خمر، فيندرج في الاخبار الواردة بطهره بالانقلاب.

ج: استحالة الدم قيحا ونحوه، وقريب منه زوال النجاسة عن البواطن كالانف والفم واليعن والاذن والفرج للمرأة والرجل وغيرهما.والمراد به ما بطن من ذلك دون ما هو في حد الظاهر، لكن في كون ما يبدو من فرج الثيب عند الجلوس لقضاء الحاجة ونحوه من الباطن نظر، ويظهر من كلام المصنف في مصنفاته عدمه، حيث أوجب غسله في الاستنجاء والغسل.وكما تكون الاستحالة مطهرة كذا قد تكون منجسة اذا استحال الطاهر إلى أحد النجاسات، كما في الماء والغذاء الطاهرين إذا استحالا بولا وروثا لذي النفس غير المأكول.وأما النقص فإنه مطهر في العصير العنبي اذا ذهب ثلثاه أو صار دبسا، ولو عمل خيطا طه بجفافه بالشمس على المعهود بين الناس.وكذا نقص البئر بالنزح على التفصيل المقرر في موضعه، وفي معناه غورها بالكلية، فإنه مسقط لحكم النجاسة لو عادت، وهذا بناء على تنجسها بالملاقاة، وعلى العدم فالمعتاد زوال التغيير، وهو الاصح.

١٨٦

[بل يكفي زوال العين في غير الآدمي مطلقا.ويجب العصر في غير الكثير، إلافي بول الرضيع خاصة، والغسلتان في غيره،] أما الانتقال ففي الدم من ذي النفس اذا انتقل إلى البرغوث والبعوض ونحوهما، لسرعة استحالته إلى دمها، دون ما على محل الامتصاص.وكذا الكافر اذا انتقل إلى الاسلام.ولا فرق في الكفر بين كونه أصليا وغيره، حتى الردة الفطرية على الاقرب.وبقية المطهرات العينية في الآدمي والتراب في الوقوع، وسيأتي ذكرهما في كلام المصنف.

قوله: في غير الآدمي.أما الآدمي فلا بد من غيبته زمانا يحتمل الازالة، ويعبتر مع ذلك علمه بالنجاسة، وأهليته لازالتها بكونها مميزا معتقدا وجوب الازالة، واستخباثها على الظاهر، ولو أبخر بالازالة وأمكنت فلا إشكال في القبول.

قوله: مطلقا.غالب أم لا.

قوله: إلا في بول الرضيع.فيكفي استيعاب المحل بالماء دون الرضيعة.والرضيع هو من يغتذي باللبن في الحولين بحيث لا يغلب عليه غيره ولا يساويه.

قوله: في غيره.أي: في غير بول الرضعيه، لانه بصدد بيان أحكام النجاسات في الغسل.

١٨٧

[والثلاث في غسل الميت بالسدر والكافور والقراح مرتبا كالجنابة.وتجزئ] قوله: بالسدر والكافور والقراح.أي: مع السدر والكافور، ففي تركيب العباره اشكال، لان الباء الداخلة على السدر لابد من حملها على معنى (مع)، أو تنزيلها على حذف المضاف، أعني بماء السدر.وايا كان لا يستقيم بالنسبة إلى القراح، إذ لا معنى لتغسيله مع القراح، ولابماء القراح باضافة ماء اليه.وحمله على أنه مبتدأ محذوف الخبر قصد استئنافه اعراضا عما قبله، كما في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : (حبب إلي من دنياكم ثلاثا الطيب، والنساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة) ممكن له حظ من الحسن، إلا أن فيه خفاء.

والماء القراح فتح القاف: الذي لا يشوبه شئ، نص عليه في الصحاح والمراد هنا الخالي من السدر والكافور خاصة قطعا، لا ما يتوهمه من لا تحصيل له من أن ماء السيل ونحوه مما فيه كدورة لا يجوز تغسيل الميت به، إذ المعتبر اطلاق اسم الماء، والخلو بالكلية غير ممكن، إذ لابد للماء من مخالطة الاجزاء الارضية.

قوله: وتجزئ.أي: ويجوز الثلاث، كما يدل عليه الاجزاء في العبارة المؤذن بالتخفيف، ومنه يعلم وجوبها كما هو سالاصح، لان الاجزاء إنما يستعمل غالبا في الواجب.ويتولاها الصاب، لانه الغاسل حقيقة.

١٨٨

[فيه نية واحدة لها.والثلاث بالقراح لو تعذر الخليط، والثلاث بالتعفير أولى في ولوغ الكلب،]

قوله: لها.أي: للغسلات الثلاثة.

قوله: والثلاث.أي: ويجب.

قوله: والثلاث بالتعفير أولى في الولوغ.هذه الجملة معطوفة على ما قبلها، والمراد بها الاشارة إلى حكم الاناء في الولوغ وإن لم يصرح بذكر الاناء، وقد كان يجب عليه التصريح به ليتحرز عن مذهب بعض العامة، حيث أوجب التعفير في غير الاناء، ولا يعرف من الاصحاب من يقول به.أما الولوغ فالمراد به ولوغ الكلب خاصة، لانه قد ذكر السبع في الخنزير، فاللام فيه للعهد الذهني.وولوغ الكلب في الاناء: هو شربه مما فيه بطرف لسانه، كما ذكره في الصحاح.وتحقيق البحث يتم بمسائل.

أ: يجب الغسل ثلاثا اجماعا إلا من ابن الجنيد أوجب سعا، والخبر يدفعه.

ب: أولا هن بالتارب عند الاكثر، قال المفيد الوسطى، والمرتضى اكتفى باحداهن، وصريح خبر الفضل حجة عليهما.

١٨٩

ج: لا يلحق به ولوغ الخنزير في وجوب التراب، لعدم النص، والحمل عليه قياس، وخلاف الشيخ ضعيف.

د: لا يشترط تجفيف اناء الولوغ بعد غسله، فيجوز استعماله مطلقا، خلافا لظاهر عبارة المفيد.

ه‍: لا يجزئ غير التراب مع امكانه قطعا، لظاهر النص، وحكى المصنف عن ابن الجنيد التخيير بينه وبين غيره، وكأنه يريد به من نحو اشنان وصابون.

و: لو لم يجد التراب ووجد ما أشبهه ففي الاجزاء تردد، اختاره المصنف في الذكرى، ونفاه العلامة في المنتهى.

ومبنى القولين على أن الامر بالتراب هل هو تعبد أم لكونه أكثر وجودا، فعلى الاولى لا يجزئ بخلاف الثاني.ويشكل بأنه لو أجزأ عند الضرورة لاجزاأ عند الاختيار نظرا إلى البناء.

ز: لو فقد التراب وما أشبهه فعند الشيخ يجزئ الاقتصار على الماء، ونزل على أحد معنيين: وجود الماء مرتين اقتصارا على الممكن، ووجوبه ثلاثلا احداهن بدل، وبمثل قوله قال المصنف في الدروس، والعلامة في التذكرة؟ والظاهر عدم الاجزاء.

ح: لو خيف فساد المحل باستعمال التراب وشبهه كما في النفيس، أو كان الاستعمال متوقفا على الافساد، كما في بعض الاواني الضيقة التي لا يتوصل اليها بدون كسر بعضها، فإن أمكن مزج الماء بالتراب وانزاله إلى الاخير وحصته بحيث يستوعب وجب، وإلا فالظاهر الاكتفاء بالماء فيها.والفرق بين ذلك وبين

١٩٠

فقد التراب افضاء هذا التفصيل الدائم، وهو غير مناسب لحكمة الشارع وتخفيفه، بخلاف الثاني، لان وجود التراب مرجو.

ط: لو كان الاناء مما لا يدلك بالتراب في العادة كالقرية، فهل يجب ايصاله اليه بالمزج بالماء ونحوه أم لا نظرا إلى المتعارف؟ كل محتمل.

ي: يشترط في التراب أن يكون طاهرا، إذ النجس لا يطهر.

يا: لا يشترط في التراب مزجه بالماء، وشرطه ابن ادريس تحصيلا لحقيقة الغسل، وعبارة الرسالة قد تفهمه، لان الباء في قوله: بالتعفير، إن كانت بمعنى (مع) فظاهر، إذ التقدير: وتجب الغسلات الثلاث مع التعفير أولا، أي مع الدلك بالعفر وهو التراب في أول الغسل، ومثله لو جعلت للاستعانة على حد قولك: كتبت بالقلم.وكيف كان فليس مراد المصنف ولا مذهبا له، والمعتمد اجزاء الامرين.

يب: المعتبر في المتولد بين الكلب وغيره صدق الاسم، وإلا لم يجب التراب.

يج: لو تكرر الولوغ تداخل، اتحد الكلب أو تعدد.

يد: لو تكرر في الاثناء كفى الاستثناء من رأس.

يه: وجوب التراب إنما هو في ولوغه خاصة دون باقي اعضائه، خلافا لابن بابويه.

يو: لطعه الاناء بلسانه كولوغه بطريق أولى.

يز: وجوب التراب في ولوغه مختص بالاناء دون غيره عندنا.

يح: لو ولغ في اناء فيه طعام جامد اكتفى بالقاء النجس وما يكتنفه إن لم يصب الاناء.

١٩١

[والسبع في الخنزير والخمر والفأرة، والغسالة كالمحل قبلها.]

يط: لو جامع نجاسة الولوغ ونجاسة اخرى تداخلتا وحكم لاكثرهما غسلا، لكن لابد من التراب، ولو كان في الاثناء كفى الغسل الواجب للطارئة على ما يختاره.

ك: لو وقع اناء الولوغ في ماء قليل نجس أو كثير لم يعتد به إن كان قبل التعفير، وإلا كفى عن الغسلتين خلافا للشيخ.

كا: قال في المنتهى: لو كان الاناء مما يعصر لم يحتسب له غسله إلا بعد عصره.والظاهر انه يريد الاناء المتخذ من الجلود ويكفي في الصعر تغميزه إن تعذر المعتاد.

كب: قال المصنف في الذكرى والعلامة في المنتهى انه لا يعتبر التراب فيما نجس بماء الولوغ.وهو حق إن كان الغسل بعد التعفير مطلقا أو كان المتنجس به غير الاناء وإلا فالظاهر الوجوب لانها نجاسة الولوغ.وزاد في المنتهى مساواة ماء الولوغ لباقي النجاسات وهو مشكل نظرا إلى أن حكم النجاسة يخف شرعا بزيادة الغسل ويشتد بنقصانه فلا تتجه التسوية.

قوله: والسبع.أي: الغسلات السبع تجب لا زالة نجاسة الخنزير، وموت الفأرة اذا حصل معه ملاقاة الاناء بالرطوبة، ووجب الثلاث بالتعفير في الولوغ والسبع فيما ذكره، وإنما هو في الاناء خاصة، أما الثوب والبدن فيغسلان منها كما يغسلان من سائر النجاسات، وعبارة المصنف موهمة.

قوله: والغسالة كالمحل قبلها.أي: غسالة النجاسة، وهي ماء انفصل عن محل النجاسة إذا كان الغسل

١٩٢

بالقليل، لانه المفروض.ومراده بقوله: كالمحل قبلها، بيان حكمها في الطهارة والنجاسة.والمعنى أن حال الغسالة المنفصلة عن المحل المغسول من النجاسة كحال المحل قبل ورود تلك الاغسلة عليه، فإن كان طاهرا لكونه قد كمل غسله الواجب شرعا فهي طاهرة، وإن كان نجسا فهي نجسة كنجاسته سواء، حتى يعتبر للتطهر من ماء تلك الغسلة ما يعتبر للمحل قبل ورودها عليه، وهذا هو أحد أقوال الاصحاب واشهرها بين المتأخرين.

والقول الثاني: انها كالمحل بعد ورودها عليه، فإن كان محكوما بطهارته بعد الورود فهي طاهرة، وإلا فهي نجسة كنجاسته سواء.

والقول الثالث: انها كالمحل بعد الغسل الواجب شرعا كله وحكمه الطهارة، فتكون طاهرة مطلقا، وبالثاني أفتى الشيخ في الخلاف، وبالثالث المرتضى، وابن البراج، وابن ادريس، وتردد في المبسوط.

ويتفرع على الاقوال الثلاث ما لو جمع المستعمل في كل غسلة على حدة مع رعاية اختلاف النجاسات في الحكم، ثم أصاب محلا، وذلك كما في غسلات الاناء من الخمر والخنزير والفأرة، فإنه لو أصاب اناء آخر من ماء اناء الاول غسل سبعا على الاول، وستة على الثاني، ولا يجب شئ على الثالث.ولو كان من ماء الثالثة وستة على الاول، وخمسا على الثاني دون الثالث.وعلى هذا.ولو كان من غسلات الولوغ اعتبر التعفير لو أصيبت من الاولى مع الرطوبة على

١٩٣

الاول دون الاخيرين، لكن يغسل مرتين على الثاني فقط.ولو كان من غسالة ما سوى ذلك من النجاسات بنى على قدر الواجب في الاناء منها، والصحيح انه ثلاث، فيخرج على الاقوال الثلاثة.ولو أصابت ثوبا أو بدنا: فإن كان من ماء الخامسة غسل مرتين على الاول و الثاني دون الثالث، أو من ماء السادسة فمرتين على الاول ومرة على الثاني، ومن ماء السابعة فمرة على الاول خاصة، وما قبل الخامسة كالخامسة.والسرفيه ان الثوب والبدن إنما يغسلان مرتين من سائر النجاسات، وقيل مرة واحدة، ولا يجب فيها التعفير عندنا، فلو أصابهما من اناء الولوغ اكتفى بالغسل قطعا، وإنما اختلف الحكم باختلاف الاقوال الثلاثة، لان ماء الغسل الواجب كله نجس على القول الاول دون ما عداه، حتى المتخلف في الثوب بعد عصره من الثانية نجس لو انفصل كما قرره المتأخرون.وعلى الثاني ماء الاخيرة من الغسل الواجب طاهر وماعداه نجس.وعلى الثالث ماء الغسلات كلها طاهر.ولم يعرف للاصحاب المشهورين قول بنجاسة الغسالة من غير الغسل الواجب حتى لو تراما إلى ما لا نهاية له كان نجسا.وظاهر كلام شيخنا المصنف في الدروس أن به قائلا، ولا شك أنه أعلم، غير أن بعض المتأخرين نسب القول به إلى العلامة والمحقق، وقد يوجب ذلك في بعض الحواشي المنسوبة إلى المصنف على التحرير وغيره.ولا شك في بطلان هذه النسبة.وفي الذكرى حكى الاقوال الثلاثة فقط، نعم قال: إنه عبارة ابن بابويه، وكثير من الاصحاب غير صريحة في التنجيس، لانهم إنما ذكروا المنع من استعمالها

١٩٤

[وعفي عمالا يرقى من الدم، عما نقص عن سعة الدرهم البغلي،] وهو أعم من النجاسة.وبحث المسأله يحتاج إلى سعة ليس هذا موضعها، لكن ما كتبه المصنف على هذا المحل في حواشيه ليس سليما من الطعن، وهو أخذناه هنا لا يخلو من تحقيق.

قوله: وعفي عما لا يرقى من الدم.أي: من دم القروح والجروح، ولا يجب عصب الجرح ولا تقليل الدم، بل يصلي كيف كان وإن سال وتفاحش إلى أن يبرأ، ونقل الشيخ فيه الاجماع وهذا بخلاف المستحاضة والسلس والمبطون، إذ يجب عليهم الاحتياط في منع النجاسة، أو تقليلها بحسب الامكان.والفرق اختصاص الاول بالنص.ولو تعاقب دم الجرح يفترة تسع قدر الصلاة فقد أوجب في الذكرى ازالته وفعلها فيه، وظاهر قول الباقرعليه‌السلام : (لست أغسل ثوبي حتى تبرأ) يدفعه.

قوله: وعما نقص عن سعة الدرهم البغلي.هو باسكان الغير المعجمة منسوب إلى رأس البغل ضرب لكسرى في ولايته بسكة كسروية، وقيل بل منسوب إلى بغل بفتح اليعن المعجمة وتشديد اللام: قرية بالجامعين، والاول أثبت.وكيف كان فوزنه درهم وثلث مجموعها ثمانية دوانيق، وقدر بسعة أخمص الراحة، وهو المنخفض من الكف تقريبا، ذكره ابن ادريس عن مشاهدة، ولا بأس به، وربما قدر بغير ذلك.

١٩٥

[وعن نجاسة ثوب المربية للصبي حيث لا غيره وان وجب غسله في اليوم والليل مرة، وعن نجاسة ما لا يتم الصلاة فيه وحده،] وهذه العفو إنما هو في غير دم الحدث ونجس العين ومنه الميتة لغلظ نجاستها، فاطلاق المصنف اللفظ محل تقييد.

ويفهم من قوله: عما نقص، أن ما زاد عليه أو بلغه لا يعفى عنه، وهو كذلك على الاصح في الثاني.

ولا فرق بين الثوب والبدن، والمجتمع والمتفرق، فيقدر مجتمعا ليتعلق به الحكم بالعفو وعدمه، والثياب المتعددة كالواحد، وذو البطانة كثوبين.و لو أصاب الدم وجهي الثوب قدم واحد ان تفشى فاتصل أحد الدمين بالاخرة، وإلا فكل دم على حدة، ولو تفشى بعض دون آخر اعطي كل حكمه.ولو اصابه نجاسة اخرى فلا عفو بخلاف المماثلة فالعفو إن لم يبلغ الدرهم، ومثله المائع الطاهر على اأقرب تعدية الحكم من الاقوى إلى الاضعف بطريق أولى، ومنه يعلم حكم المتنجس بدم يعفى عن مثله أصاب الثوب وغيره ولم يبلغ النصاب.

قوله: وعن نجاسة ثوب المربية للصبي.دون غيره، سواء كان ببوله أو بغائطه، وكذا الصبية و المربي والولد المتعدد على الاقرب.

قوله: وإن وجب.أي: عفى عنه والحال أن غسله في اليوم والليلة مرة واجب ولنتحر اقلال النجاسة.

قوله: وعن نجاسة ما لا تتم فيه الصلاة وحده.المراد به تعميم الحكم في النجاسة كائنة ما كانت، والمراد بما لا تتم فيه الصلاة

١٩٦

[وعن النجاسة مطلقا مع تعذر الازالة.] وحده نحو الجورب، والقلنسوة، والتكة، والخف والنعل بضرب من التأويل، وإلا فبعضها تتم الصلاة فيه، إذ الواجب ستر العورتين.واسند في الذكرى إلى ظاهر الاصحاب اعتبار كونها من الملابس، فلا يعفى نحو الدنانير والدراهم النجسة.وفيه مناقشة، لان عبارتهم تضمنت العفو عما لا تتم فيه الصلاة، ومثلوا له بنحو الجورب والقلنسوة، وهو لا يقتضي التخصيص، نعم اشترط العلامة كونها في محالها، ويدفعه عموم قولهعليه‌السلام : (ما كان على الانسان أو معه).

قوله: مطلقا.أي نوع كانت من أنواع النجاسات، فيصلي في الثوب إن شاء وإن شاء عاريا، ولا اعادة عليه على التقديرين، والافضل الصلاة في الثوب ولا يتعين والعبارة كالجملة بالنسبة إلى هذه الاحكام.

تفريع على قوله: وعن النجاسة مطلقا: لو تعددت النجاسة في الثوب أو البدن، وأمكن ازالة بعض الانواع دون بعض وجب قطعا، سيما اذا كان الباقي معفوا عنه.ولو استوت في عدم العفو تخير في الازالة، ولو اتحد نوعها: فإن أمكن تقليها ليبلغ حد العفو وجب قطعا، وإلا ففي الوجوب نظر.ولو استوت نجاسة الثوب والبدن ولم يختص ما على البدن بالعفو، وتخير في حكم الازالة، فلا اشكال في الصلاة في الثوب وعدم جواز الصلاة عاريا، وإن اختلف أو اختص ما على البدن بالعفو تخير.وفي حكم الازالة عن الثوب ابداله بطاهر، أو معفو عن نجاسته، أو بموافق نجاسة البدن.

المقدمة الثالثة: ستر العورتين للرجل، وستر جميع البدن اللمرأة...

عدا الوجه والكفين وظاهر القدمين لها وللخنثى، والاولى ستر شعرها واذنيها للرواية، أما الامة المحضة فلا يجب عليها ستر رأسها.ويعبتر في الساتر امور خمسة:

الاول: أن يكون طاهرا إلا ما استثني.] قوله: والكفين.من الزند.

قوله: وظاهر القدمين.وكذا باطنهما.

قوله: لها.أي: للمرأة بدليل تقييده بالرجل سابقا الحرة بدليل ذكر الامة بعده.

قوله: والاولى.بل يجب.

قوله: ستر شعرها.وكذا العنق.

قوله: والامة المحضة.وهي القنة، أما من تحرر بعضها فكالحرة.

١٩٧

الثاني: أن لا يكون جلد ميتة.

الثالث: أن لا يكون جلد غير المأكول أو صوفه أو وبره، إلا الخز الخالص والسنجاب.

الرابع: أن لا يكون مغصوبا.]

قوله: أن لا يكون جلد ميتة.إنما اشترط في الساتر كونه غير ميتة بعد اشتراط طهارته، مع أن اشتراط الاول مغن عن اشتراط الثاني مخالفا لاكثر الاصحاب لامرين:

الاول: التنبيه على انفكاكهما عند بعضهم..يطهر اذا دبغ ولا يجوز الصلاة فيه عنده فالناظر.اذا بحث حق البحث وقع على الخلاف المذكور.

الثاني: ان المصنف لما لم يصرح هنا بطهارة جلد الميتة بالدباغ أو عدمها، أتى بما يكون جاريا على المذهبين، ولو اقتصر والحال هذه على الشرط الاول لم يكن معلوما حال هذا الجلد إذا دبغ عنده أيجوز الصلاة فيه أم لا في هذه الرسالة، والعلم بمذهبه من كتاب آخر غير كاف عن البيان هنا، وما توهمه بعض من لا تحصيل له من أن ذلك احترازا من جلد السمك الطافي فباطل، لاجماع الاصحاب على جواز الصلاة فيه، وقد نقله المصنف في الذكرى عن المعتبر.

قوله: إلا الخز الخالص والسنجاب.فيجوز فيهماجلدا ووبرا.

قوله: مغصوبا.سواء كان ساتر العورة هو أو غيره، ومثله ماليس له صلاحية الستر كالخاتم عند الاكثر

١٩٨

[الخامس: أن لا يكون حريرا محضا للرجل والخنثى في غير الحرب أو الضرورة، ولا ذهبا لهما.

ولا يجوز في ساتر ظهر القدم الا أن يكون له ساق وإن قصرت.

المقدمة الرابعة: مراعاة الوقت

وهو هنا للخمس: فللظهر زوال الشمس المعلوم بظهور الظل في جانب المشرق.] قوله: حريرا محضا.احترز به عن الممتزج، فتجوز الصلاة فيه وإن غلب الحرير، ما لم يضمحل الخيط فيصدق عليه اسم الحرير.

قوله: أو الضرورة.كالبرد و القمل.

قوله: لا ذهبا.ولا مموها به.

قوله: ولا يجوز.بل يجوز على كراهية.

قوله: فللظهر.أي: فالوقت للظهر.

قوله: في جانب المشرق.المراد به الجانب الذي يلي الخط الخارج من جهة الجنوب إلى جهة الشمال

١٩٩

[وللعصر: الفراغ من الظهر ولو تقديرا.وللمغرب: ذهاب الحرمة المشرقية.] المشتمل على جهة المشرق، فإن أول ظهور الظل في ذلك الجانب، وخروج عن الخط الشمالي علامة الزوال.ولا يظهر في نفس جهة المشرق إلا بعد الزوال بزمان كثر هذه صورة: مغرب شمال مشرق جنوب

قوله: وللعصر.أي: والوقت للعصر.

قوله: الفراغ منها.

قوله: المراد به أدائها بحسب الواجب شسرعا من قصر أو تمام مشتمل على جميع الواجبات، أو مع السهو عن بعضها، لكن ما اعتبر له في السهو حكم فلا بد من اعتبار وقته، أما مالا حكم له.زمانه إذ المعتبر وقت الاداء وقد حصل.

قوله: ولو تقديرا.أي: لو كان الفراغ من الظهر تقديرا، بأن لم يفعلها لكن مضى زمان يمكن أداء واجبها فيه، فيشترك الوقتان حينئذ.

قوله: ذهاب المشرقية.المراد ذهابها عن مجموع الجانب المشرقي إلى أن تجاوز قمة الرأس.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319