رسالة المحقق الكركي الجزء ٣

رسالة المحقق الكركي25%

رسالة المحقق الكركي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 319

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 319 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40632 / تحميل: 5531
الحجم الحجم الحجم
رسالة المحقق الكركي

رسالة المحقق الكركي الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

[السادس: لو مد أكبر بحيث يصير جمعا بطلت.

السابع: ترتيبها فلو عكس بطلت.

الثامن: اسماع نفسه تحقيقها أو تقديرا.

التاسع: اخراج حروفها من مخارجها كباقي الاذكار.]

قوله: لو مد أكبر.أي: اشعب فتحة الباء بحيث صارت ألفا، فقال اكبار فإنه جمع كبر بفتح الكاف والباء وهو الطبل له وجد واحد.ولا فرق في البطلان بين أن يقصد ذلك أو لا، كما قلناه فيما قبله.

قوله: ترتيبها.أي: التحريمة.

قوله: بطل.أي: بطل تكبيره، ولا يعترض بأنه ترجم التكبير بالتحريمة، فقد كان الصواب تأنيث الضمير، لانهم نصوا على أن الشئ الواحد اذا عبر عنه بلفظين أحدهما مذكر والآخر مؤنث، يعاد الضمير إلى أحدهما بتأويل الآخر، كما نقل من قولهم: فلان آتيه كتابي فاحضرها بتأويل صحيفتي.

قوله: تقديرا.كما في الاصم ونحوه.

قوله: كباقي الاذكار.أي: كما أن باقي الاذكار كذلك، وفيه فائدتان:

٢٢١

[العاشر: قطع الهمزتين من (الله) ومن (اكبر)، فلو وصلها بطلت.]

احداهما: التمثيل والتشبيه.

والاخرى: افادة حكم باقي الاذكار بحيث يغني عن التعرض لبيان حكمها، وهذا من فصيح الكلام وحسنه.

قوله: قطع الهمزة من الله ومن أكبر.أما همزة أكبر فلا اشكال في وجوب قطعها، لانها في الاصل همزة قطع، أما همزة الله، فلانها وإن كانت في الاصل همزة وصل تسقط في الدرج، إلا أنها للزومها مع اللام لكونها عوضا عن همزة إلاه المحذوفة اشبهت الجزء، فجاز قطعها نظرا إلى ما صارت إليه، ووصلها نظرا إلى أصلها.نص عليه علماء العربية، ولذلك باشرها حرف النداء فقيل يا الله مع اعتناعه في غيرها من نظائرها، وجاز الامران لغة.والمنقول من صاحب الشرع تعين القطع لوجوب التأسي به، ولقولصلى‌الله‌عليه‌وآله : (صلوا كما رأيتموني اصلي).وإنما قلنا إن المنقول من صاحب الشرع قطعها، لان وصلها يتوقف على الاتيان بلفظ قبلها وليس إلا النية، ولم ينقل عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ولا عن غيره من السلف التلفظ بها، فلو تلفظ متلفظ بالنية وجب عليه القطع، فلو وصل لم يجزئ، لمخالفة المنقول، وما يحكى عن بعض الاصحاب من تجويز الامرين مردود بما قلناه.

قوله: فلو وصلها.أي: على تقدير التلفظ بالنية.

٢٢٢

[الحادي عشر: القيام بها فلو أوقعها قبل القيام بطلت.

المقارنة الثالثة: القراء‌ة

وواجباتها ستة عشر:

الاول: تلاوة الحمد والسورة في الثنائية وفي الاوليين من غيرهما.

الثاني: مراعاة اعرابها وتشديدها على الوجه المنقول بالتواتر، فلو قرأ بالشواذ بطلت.

الثالث: مراعاة ترتيب كلماتها، وآيها على المتواتر.

الرابع: الموالاة، فلو سكت طويلا] قوله: والشواذ.هو جمع شاذ، والمراد به ما لم يكن متواترا، وقد حصر بعضهم المتواتر في القراآت السبع المشهورة، وجوز المصنف إلى العشر باضافة قراء‌ة أبي جعفر ويعقوب وخلف، لانها متواترة ولا بأس به.

قوله: بطلت.الظاهر عود الضمير إلى القراء‌ة، لانها المحدث عنها، وكذا تبطل الصلاة إن كان عامدا.

قوله: فلو سكت طويلا.يفهم من قوله: فلو سكت طويلا، أنه لو سكت غير طويل لا تبطل، وهو كذلك ما لم يكن سكوته بنية القطع لفوات الاستدامة حينئذ.ولا فرق بين نية قطع القراء‌ة والصلاة.والمراد بالسكوت الطويل ما يخرج به عن كونه قارئا فتبطل به القراء‌ة وإن كان سهوا، ولو خرج به عن كونه مصليا أيضا بطلت الصلاة، والحاكم في الطول

٢٢٣

[أو قرأ خلالها غيرها عمدا بطلت.] وعدمه هو العرف.

قوله: عمدا.قيد في المسألة الثانية خاصة على الظاهر، وقوله: بطلت، جواب المسألتين معا، والضمير فيه يحتمل عوده إلى القراء‌ة وهو المتبادر وإلى الصلاة، وايا ما كان يلزم الاعتراض: أما أولا، فلان من قرأ خلالها غيرها نسيانا تبطل قراء‌ته على الاصح وفاقا للمصنف، مع أنه يفهم من قوله: عمدا، البطلان، إلا أن يحمل على اختيار عدم البطلان هنا وفاقا للمبسوط.وأيضا فإن السكوت الطويل جدا مبطل للصلاة، كما أن قراء‌ة غيرها عمدا مبطلة أيضا، فلا معنى لتخصيص البطلان بالقراء‌ة.إلا أن يقال ببطلانها لا ينفي بطلان الصلاة.والمراد بالسكوت الطويل: ما يخرج به عن كونه قارئا لا مصليا.

وأما الثاني، فلعدم صحته بالنسبة إلى السكوت الطويل المنافي للقراء‌ة دون الصلاة، إذ لا تبطل به الصلاة.وبالجملة فالعبارة ليست بتلك.ويجب أن يستثنى من قوله: غيرها، الحمد عند العطسة، وتسميت العاطس والرد عليه، وسؤال الرحمة عند آيتها، والاستعاذة من النقمة عند آيتها، والدعاء السائغ، ورد التحية.ويمكن الحاق تنبيه الغير بتسبيح ونحوه به، لاطلاق الاصحاب تجويزه، والعدم، لانتفاء التنصيص عليه.

٢٢٤

[الخامس: مراعاة الوقف على آخر كلمة محافظا على النظم، فلو وقف في أثناء الكلمة بحيث لا يعد قارئا، أو سكت على كلمة بحيث يخل بالنظم بطلت.

السادس: الجهر للرجل في الصبح واولتي العشائين، والاخفات في] قوله: على آخر كلمة.أي: على آخر كلمة من الجملة إن أراد الوقوف.

وقوله: محافظا على النظم، حال مؤكدة، لان مراعاة الوقف على آخر كلمة يحصل المحافظة على نظم القرآن، ومثله زيد أبوك عطوفا علي، فإن الابوة تقتضي العطف.

قوله: فلووقف.بيان المحترز قوله: على آخر كلمة، فقد احترز به عن شيئين:

أحدهما: الوقف في أثناء الكلمة.

الثاني: الوقف على كل كلمة بحيث يخل بنظم القراء‌ة واتصالها وتصير كأسماء العدد، ويستفاد من قوله آخرا: بحيث يخل بالنظم، انه لو وقف على كل كلمتين بحيث يخل بالنظم، أو في أثناء الجملة اواحدة وأخل به لم تصح قراء‌ته، وتبطل صلاته إن تعمد ذلك.

قوله: بطلت.أي: القراء‌ة والصلاة إن تعمد، وإلا تداركها على الوجه المعتبر.

قوله: للرجل.أي: واجب، بخلاف المرأة فلا يتعين عليها جهر ولا اخفات في الجهرية، إلا أن

٢٢٥

[البواقي مطلقا، وأقل الجهر اسماع الصحيح القريب.] يسمعها أجنبي فيحرم الجهر.ولو جهرت الحالة هذه عالمة، فالظاهر بطلان صلاتها، لتحقق النهي في العبادة.ولو اتفق سماعه جهرها فلا بطلان.وأما الخنثى المشكل فالظاهر مؤاخذتها بحكم الرجل والمرأة معا احتياطا، فتعين الجهر حيث لا يسمعها أجنبي، ويجب تحصيل مكان يصلح لذلك، فإن تعذر تعين الاخفات، وظاهر عبارة المصنف أنها كالمرأة.

قوله: مطلقا.أي: للرجل وغيره.

قوله: والسر.أي: وأقل السر على تقدير حذف المضاف وابقاء عمله، وهو ضعيف في القياس وقليل في الاستعمال.ولا تقسيم قراء‌ة السر بالرفع على أنه مبتدأ وما بعده خبره، لان المقصود ضبط أقل السر ليخرج عنه حديث النفس، ولعدم اختصاص لفظ الاسماع حينئذ بالسربل يصدق على الجهر أيضا.والتحقيق أن الجهر والسر مفهومان عرفيان متباينان تباينا كليا، فلا يصدق أقل الجهر مع أكثر الاخفات كما هو المتعارف خلافا لبعض الاصحاب، وإلا لجازت القراء‌ة بما تصادقا عليه في كل من الصلاة الجهرية والاخافتية، وهو ينافي التخصيص الثابت من طريق الاصحاب.وقول المصنف: وأقل الجهر، لم يرد به اسماع القريب مطلقا، بل مع صدق اسم الجهر عرفا.

وأما قوله: والسر..، فأشار به إلى الرد على ما تضمنته رواية علي بن جعفر عن

٢٢٦

[والسر اسماع نفسه صحيحا، وإلا تقديرا.

السابع: تقديم الحمد على السورة، فلو عكس عمدا بطل، وناسيا يعيد على الترتيب.] أخيه موسى الكاظمعليه‌السلام : (لا بأس أن لا يحرك لسانه) يتوهمه توهما، لان الشيخ حمل هذه على من كان من قوم ينفيهم.

قوله: صحيحا.حال من المضاف إليه، والعامل فيه المصدر، أي: كونه صحيحا.

قوله: وإلا تقديرا.متعلق بكل من حد الجهر والاخفات، أي: وإن لم يكن الغير صحيحا قريبا، بأن انتفيا معا، أو أحدهما فقط بالنسبة إلى الجهر، أو لم يكن المصلي صحيح السمع بالنسبة إلى الاخفات خاصة وجب التقدير.ومثله ما لو لم يكن هناك غيره بالكلية، فإنه يقدر وجوده متصفا بالوصفين، وهذه مندرجة في قوله: وإلا تقديرا، لان انتفاء الوصفين قد يكون لانتفاء المتصف بهما، فإن السالبة لا تستدعي صدق الموضوع كما هو مبين في موضعه.

قوله: فلو عكس عمدا بطل.كذا في النسخة التي بخط ولد المصنف، والحق أنه لا معنى لتذكير الضمير هنا، لان تكلف اعادته إلى الفعل والمأتي به يوهم عدم بطلان الصلاة، وليس بجيد، بل

٢٢٧

[الثامن: البسملة في أول الحمد والسورة، فلو تركها عمدا بطلت.

التاسع: وحدة السورة، فلو قرن بطلت على قول.

العاشر: اكمال كل من الحمد والسورة، فلو بعض اختيارا] مبطل لتحقق النهي الدال على الفساد لكونه متعمدا.وكأنه نظر إلى أن تأنيثه على قصد رجوعه إلى الصلاة مستقبح، إذ لم يجر لها ذكر في هذا المبحث، ولانه يلزم اختلاف مرجع الضمائر من غير مائز، فإن ما قبله من الضمائر في هذا المبحث عائدة إلى القراء‌ة كما قدمناه.

وقوله: ناسيا يعيد على الترتيب، يقتضي وجوب اعادة الحمد أيضا، وقد صرح به في غير هذه الرسالة، والمعتمد البناء فيقتصر على اعادة السورة.

قوله: بطلت.أي: قراء‌ته فيعيد التي أخل بتسميتها إن لم يتعمد، وكذا جميع الابعاض، وإن تعمد بطلت الصلاة لتحقق النهي.

قوله: ولو قرن بطلت.بل الكراهية أقوى، وفي حكمالقران تكرار الحمدو السورة، وهذا في غير الضحى ألم نشرح، والفيل ولا يلاف، فقد ثبت من طرق الاصحاب أنهن بحكم سورتين.ويجب تكرار البسملة، ومراعاة ترتيب المصحف، وضميمة الثالثة منهن إلى متولتها بناء على وجوب السورة.

قوله: فلو بعض اختيارا.يفهم منه جواز التبعيض للمضطر في الفاتحة، وليس كذلك: اما اضطرارا فيجوز تبعيض السورة، والاقتصار على الفاتحة أيضا إن دعت الضرورة إليه، ومن

٢٢٨

[بطلت.

الحادي عشر: كون السورة غير عزيمة، وما يفوت بقرائتها الوقت.

الثاني عشر: القصد بالبسملة إلى سورة معينة عقيب الحمد، إلا أن تلتزمه سورة بعينها.] الضرورة الخوف والمرض الذي يشق تحمله، والحاجة المضر فوبها كخوف فوت الغريم أو الرفقة أو لزوم المشقة بلحاقها.وليس منه الجهل بها فيجب التعلم، ومع ضيق الوقت فالبدل من ذكر وتسبيح بقدر سورة الفاتحة.

قوله: بطلت.أي: القراء‌ة والصلاة إن تعمد.

قوله: غير عزيمة.ولا ما يفوت الوقت بقرائتها، فلو شرع فيهما عامدا بطلت صلاته للنهي، وناسيا وجب العدول، إلا في العزيمة اذا لم يذكر حتى تجاوز محل السجود فيومئ به ويتمها ثم يقضيه بعد الصلاة.

قوله: القصد..فلو ابتدأ بالبسملة بغير قصد عامدا بطلت صلاته، وناسيا يعيدها.ولزوم السورة اما بالنذر وشبهه اذا لم تناف الافضلية، ولم يعارضه ضيق الوقت ولا نسيان السورة، فإن عارضه أحدهما فلابد من التعيين.ومن مواضع اللزوم ما اذا ضاقت الوقت إلا عن أقصر سورة مثل سورة الكوثر.ومنها ما اذا لم يكن حافظا، إلا سورة واحدة.ومما يسقط معه التعيين سوى ذلك اعتياد سورة بخصوصها ولو في بعض الفرائض، فيسقط التعيين في تلك الفريضة.ومنه نية سورة معينة من أول الصلاة

٢٢٩

[الثالث عشر: عدم الانتقال من سورة إلى غيرها إن تجاوز نصفها، أوكانت التوحيد والجحد في غير الجمعتين.

الرابع عشر: اخراج كل حرف من مخرجه المنقول بالتواتر، فلو أخرج ضادي المغضوب ولا الضالين من مخرج الظاء، أو اللام المفخمة] على الظاهر فيهما، أما النية قبل الصلاة فلا أثر لها، والفرق أن الصلاة محل التعيين.ولو شك في أثناء السورة هل بسمل قاصدا، لم يلتفت، لفوات محله، ويتخرج عن القول بأن الشاك في أبعاض القراء‌ة يعيد المشكوك فيه ما لم يركع، وجوب الاعادة هنا.

قوله: عدم الانتقال من السورة إلى آخره.أي: من السورة المقصودة بالبسملة، والاشهر في عبارات الاصحاب عدم اشتراط مجاوزة النصف بل يكفي بلوغه.وهذا في غير التوحيد والجحد، فيكفي فيهما الشروع في البسملة بنية احداهما، كما يدل عليه العطف ب‍ (أو) على اشتراط تجاوز النصف، لان مقضاه عدم اشتراط مجاوزة النصف فيهما، بناء على اعتباره عنده، فلو انتقل في أحد هذين أبطل صلاته إن تعمد، إلا أن يكون عدوله من التوحيد والجحد إلى الجمعة والمنافقين.واطلق عليهما الجمعتين تغليبا كما في القمرين للشمس والقمر، وذلك في الجمعة وظهرها اذا نسي ولم يبلغ النصف، وألحق بعضهم صبحها وعشاء‌ها.

قوله: فلو أخرج ضادي المغضوب.إنما خص الضاد بالذكر، لان غيره من الحروف لا تحتاج في اخراجه من مخرجه إلى تكلف، وإنما اختص ضادي المغضوب وو لا الضالين، لانهما لابد منهما لكل

٢٣٠

[بطلت.

الخامس عشر: عربيتها، فلو ترجمها بطلت.] مكلف، إذ (لا صلاة إلا بفاتحة الكتاب).وأما السورة فقد تخلو عن الضاد، لكن لو تخير سورة فيها ضاد وجب مراعاة مخرجه قطعا، ومخرجه هو أقصى حافة اللسان وما يليها من الاضراس التي في جانب الايسر أو الايمن.وأما الطاء فمخرجها ما بين طرف اللسان وطرف الثنيتين العليتين.ومخرج اللام ادنى حافة اللسان إلى منتهى طرفه، وما يحاذي ذلك من الحنك الاعلى فوق الضاحك والناب والرباعية والثنية.

والضاحك: السن التي تلي الانياب، وهي أربع ضواحك.

والناب: هي التي تلي الرباعية بتخفيف الباء، وهي التي بين الثنية والناب.

والثنية: واحدة الثنايا وهي الاسنان المتقدمة، اثنان فوق واثنان أسفل، لان كلا منهما مضمومة إلى صاحبها.وإنما خص مخرج الطاء واللام المعجمة لان اللسان يتصرف بالضاد عن مخرجه اليهما.

قوله: بطلت.أي: القراء‌ة بذلك، والصلاة أيضا إن تعمد، وإلا تداركها.

قوله: فلو ترجمها بطلت.ولا فرق في عدم جواز الترجمة بين كونه عالما بالقراء‌ة بالعربية وعدمه على

٢٣١

[السادس عشر: ترك التأمين بغير تقية، ويجزى في غير الاولتين سبحان الله والحمد لله ولا اله إلا الله والله أكبر، مرتبا مواليا بالعربية اخفاتا.

المقارنة الرابعة: القيام

ويشترط في الثلاثة المذكورة وواجباتها أربعة:] الاصح، لان المقصود الاعظم من القرآن نظمه الذى به الاعجاز، وبالترجمة يفوت، فيجب على الجاهل التعلم ما بقى الوقت، ثمم يأتى بما يعمله بقدر الفاتحة والسورة فإن قصر عنهما كرره بحيث يساويهما، فأن لم يعلم شيئا بالكلية فاتسبيحات الاربع مكررا لها بقدر القراء‌ة، فأن جهل عربيتها تراجمها، اذ لا يفوت المقصود منها بالترجمة بخلاف القراء‌ة - قوله ترك الامين.هو قول: آمين، فإن فعل أبطل صلاته اذا تعمد، سواء آخر الحمد وغيرها على الاصح.

قوله: سبحان الله.ولا يجب القصد اليه بخصوصه، أو الفاتحة بخصوصها وإن كان مخيرا بينهما.

والفرق بينه وبين البسملة أول السورة صلاحية البسملة لكل سورة وهي معدودة آية، فلا يتحقق اكمال السورة إلا بالقصد بالبسملة إليها، ولا كذلك التسبيحات والفاتحة.ومتى شرع في احدهما فليس له العدول إلى الآخر، لتضمنه ابطال العمل، إلا أن يقصد واحدا فيسبق اللسان إلى غيره، فإن التخيير باقل حتى لو اختار ما سبق لسانه وجب استئنافه.ويجزئ الاتيان بالتسبيحات الاربع مرة واحدة، ولوكررها ثلاثا على قصد الوجوب كان أولى.

٢٣٢

[الاول: الانتصاب، فلو انحنى اختيارا بطلت

الثاني: الاستقلال فلو اعتمد مختارا بطلت.]

قوله: الانتصاب.ويتحقق بنصب فقار الظهر، ولا يضر اطراق الرأس.

قوله: فلو انحنى اختيارا بطلت.الضمير يعود إلى الثلاثة المذكورة وهي النية والتحريمة والقراء‌ة، وإنما عاد الضمير في فعل البطلان اليها دون أن يعيده إلى القيام، لانه عنوان البحث بالقيام الواجب فيها، ونبه على أنه مقصود لاجلها، وأن حالها كحاله، حتى إذا فات شئ من واجباته افضى ذلك إلى بطلانها، وعلم من ذلك بطلان الصلاة فاغنى من اسناد البطلان إليها، بل هذا دال على المراد، إذ لو اقتصر على بطلان الصلاة أو القيام لم يعلمنه أن فوات القيام في الامور الثلاثة مبطل لها، وأن صحتهما موقوفة على صحته، فيستفاد كونه ركنا فيما هو ركن منها وشرطا في الشرط وواجبا في الواجب لا غير.وإنما ذكر الضمير في الواجبات الثلاثة الباقية لعوده إلى القيام دونها، وإنما اختار ذلك فيها اكتفاء بما علم في الاول، من أن بطلان القيام مفض إلى بطلانها، فاستغنى به، مع أن فيه فائدة اخرى، وهي أن بعض الواجبات الثلاثة الاخيرة لو حصل في غير الثلاثة المذكورة أبطل عمدا، كما في الوقف على الراحلة المعقولة في بعض الصلاة ولو في غير الثلاثة، كما لو كان يصلي على سرير والى جانبه راحلة معقولة، ولا كذلك الانحناء بجواز فعلها اختيار القتل الحية والعقرب.

قوله: الاستقلال.أي: وقوفه بنفسه، وحد الاعتماد المبطل أن يكون بحيث لو رفع السند لسقط.

٢٣٣

[الثالث: الاستقرار، فلو مشى أو كان على الراحلة ولو كانت معقولة، أو فيما لا يستقر قدماه عليه مختارا بطلت.

الرابع: أن يتقارب القدمان، فلو تباعدا بما يخرجه عن حد القيام بطل، ولو عجز عن القيام] قوله: ولومعقولة.أي: ولو كانت الراحلة معقولة، ومثلها الارجوحة المعقلة بالحبال المثبتة بحيث لا يضطرب، فتجوز الصلاة عليها.ومن هذا يعلم وجوب الطمأنينة في القراء‌ة، فلا يعترض على المصنف بالاخلال بها.

قوله: أو فيما لا يستقر قدماه.كالثلج الذائب.

قوله: مختارا.فيجوز حال الضرورة مراعيا الاقل مخالفة ثم مايليه.

قوله: أن تتقارب القدمان.يستفاد منه وجوب الاعتماد على الرجلين معا، وهو كذلك تأسيا بصاحب الشرعصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ولو تردد الحال بين الانحناء والتباعد المخرج عن حد القيام قدم الثاني، لبقاء مسمى القيام معه.

قوله: عن القيام.أي: ولو معتمدا، حتى لو أمكن الاعتماد ولو باجرة وجب تقديمه على القعود.

٢٣٤

[أصلا قعد، فإن عجز اضطجع، فان عجز استلقى، فإن خف أو ثقل انتقل إلى الثاني دون الاول.]

قوله: قعد.وينحني للركوع رافعا فخذيه، بحيث يحاذي وجهه ما قدام ركبتيه من الارض.

قوله: اضطجع.على جانبه الايمن كالملحود، فإن عجز فعلى الايسر، ويسجد إن أمكن، وإن تعذر رفع ما يصح السجود عليه ووضع الجبهة عليه واضعا بقية المساجد، فإن تعذر وضع ما يصح السجود عليه على جبهته ووضع بقية مساجده.وكذا المستلقى، إذ لا يسقط الميسور بالمعسور، وفي بعض الاخبار ما يشهد له، وقد نبه عليه المصنف في الذكرى.

ضابطة: كلما قام مقام الركن فهو ركن اعطاء للبدلية حقها.

قوله: فإن خف أو ثقل.أي: بالنسبة إلى المراتب المذكورة، وهي: القعود، ثم الاضطجاع عل يالايمن، ثم على الايسر، ثم الاستلقاء، ومع وجوب الاستناد على القائم والقاعد والمضطجع عند تعذر الاستقلال يتضاعف.

قوله: إلى الثاني.والفرق انتقاله في الاولى من الحالة الدنيا إلى العليا، فيجب قطع القراء‌ة ليأتي

٢٣٥

المقارنة الخامسة: الركوع

وواجبه تسعة:

الاول: الانحناء إلى أن تصل كفاه ركبتيه، ولا يجب الوضع.

الثاني: الذكر، وهو سبحان ربي العظيم وبحمده، أو سبحان الله ثلاثا للمختار، أو سحبان الله مرة للمضطر.

الثالث: عربية الذكر، فلو ترجمه بطل.

الرابع: موالاته، فلو فصل بما يخرجه عن حده بطل.] بما بقي على الوجه الاكمل، بخلاف الثانية فإنه ينتقل من العليا إلى الدنيا، فمهما أمكنه الاتيان به وجب، لانه أقرب إلى الهيئة المطلوبة شرعا، والمعتمد الكف عن القراء‌ة في الحالين محافظة على الطمأنينة.

قوله: وهو سبحان ربي العظيم وبحمده.المعتمد اجزاء مطلق الذكر اختيارا، وبه رواية صحيحة، لكن ما اختاره المصنف أولى.

قوله: بطل.أي: الذكر فيستدركه إن لم يتعمد، فإن تعمد بطلت الصلاة أيضا إن كان يعلم العربية أو أمكنه التعلم، وإلا أجزأ.

قوله: بطل.أي: الذكر فيستدركه إن كان الفصل بسكوت ينافي الموالاة، وإن كان بكلام أجنبي بطلت الصلاة اذا تعمده وإن كان ذكرا لتحقق النهي.ولا يخفى أنه لو خرج بسكوته عن كونه مصليا بطلت الصلاة أيضا، ولا يخفى

٢٣٦

[الخامس: الطمأنينة بقدره راكعا، فلو شرع فيه قبل انحنائه أو أكمله بعد رفعه بل.

السادس: اسماع الذكر نفسه ولو تقديرا.

السابع: رفع الرأس منه، فلو هوى في غير رفع بطل.

الثامن: الطمأنينة فيه بمعنى السكون، ولا حد له بل مسماه.] أيضا ان ما استثني في القراء‌ة من الدعاء بالمباح وغيره فلم يعد قاطعا للموالاة يستثنى هنا بطريق أولى.

قوله: بعد رفعه.أي: بطل فعله، فيتداركه على الوجه المعتبر حيث يمكن إن لم يتعمد، فإن تعمد بطلت صلاته في الحالين لتحقق النهي.

قوله: ولو تقديرا.في من لا يسمع الصم أو لمانع آخر.

قوله: بطل.أي: فعله والصلاة أيضا إن تعمد، وإلا استدركه ما لم يبلغ حد الساجد فيسمتر.

قوله: ولا حد له.أي: للسكون المذكور.

قوله: بل مسماه.أي: السكون.

٢٣٧

[التاسع: أن لا يطيلها، فلو خرج بتطويل الطمأنينة عن كونه مصليا بطلت.

المقارنة السادسة: السجود

وواجبة أربعة عشر:

الاول: السجود على الاعضاء السبعة: الجبهة، والكفين، والركبتين، وابهامي الرجلين.

الثاني: تمكين الاعضاء من المصلي.]

قوله: أن لا يطليها.أي: الطمأنينة المعتبرة بالسكون.

قوله: بطلت.

قوله: الصلاة المدلول عليها بقوله: مصليا، لان اسم الفاعل يتضمن المصدر.

قوله: والكفين.ببطنهما، فلا يجزئ الظهر إلا لضرورة، ويجزئ في كل من المساجد السبعة وضع ما يصدق عليه اسم الوضع عرفا، كما سيأتي في كلام المصنف بعد، فلا يجزئ ما دون ذلك، ولا فرق بين الجبهة وغيرها.

وذهب المصنف في غير هذه الرسالة إلى وجوب وضع قدر الدرهم من الجبهة، وفاقا لابن بابويه، والمعتمد عدم الوجوب.

قوله: تمكين الاعضاء.بحيث يقع ثقلها عليه، ولا يجب المبالغة بحيث يزيد على ذلك.

٢٣٨

[فلو تحامل عنها بطل، وكذا لو سجد على ما لا يتمكن من الاعتماد عليه كالثلج والقطن.

الثالث: وضع الجبهة عى ما يصح السجود عليه.

الرابع: مساواة مسجده لموقفه، فلو علا أو سفل بزيادة على لبنة] قوله: بطلت.

أي: فعله، فيتدارك على الوجه المعتبر إن لم يفت محله، فإن فات وكان متعمدا بطلت صلاته.

قوله: كالثلج.المراد بها الثلج الذائب، والقطن المندوف، ونحوهما، كما يرشد اليه قوله: ما لا يتمكن من الاعتماد عليه.

قوله: لبنة.هي بفتح اللام وكسر الباء، وحكى في الصحاح عن ابن السكيت أن من العرب من يقول لبنة بكسر اللام واسكان الباء.واللبنة هي المعتادة في بلد صاحب الشرع في عصرهصلى‌الله‌عليه‌وآله .والمراد أن يكون موضعه على أكبر سطوحها جاز علوه وانحفاضه.وقدرت بأربع أصابع مضمومة من مستوي الخلقة تقريبا.وهل يعتبر ذلك في بقية المساجد؟ اختاره المصنف في بعض كتبه.

وفي رواية عبدالله بن سنان عن الصادقعليه‌السلام قال: (إذا كان موضع جبهتك مرتفعا عن موضع بدنك قدر لبنة

٢٣٩

[بطل.

الخامس: وضع الجبهة على ما يصدق عليه الوضع من العضو، فلو وضع منه دون ذلك بطل.

السادس: الذكر، وهو سبحان ربي الاعلى وبحمده، أو ما ذكر في الركوع.] فلا بأس) اشارة اليه بقوله من موضع بدنك وليس بعيدا من الصواب.

قوله: بطل.أي: فعله فيتداركه على الوجه المعتبر إن لم يفت محله كما مر.

قوله: بطل.أي: فعله.

قوله: سبحان ربي الاعلى وبحمده.المعتمد اجزاء مطلق الذكر كما تقدم، ومعنى سبحان ربي: التنزيه، نصب على المصدر وعامله محذوف، كأنه قال: ابرئ الله من السوء براء‌ة.

وبحمده: إما معطوف على محذوف مدلول عليه سبحان، أي أبرئه من السوء بجميل اسمائه وصفاته ونعوت جبروته وبحمده، فمتعلق الجار فيه هو المصدر.أو متعلق بمحذوف مدلول عليه سبحان تقديره: وبحمده انزهه، والمراد بحمدي اياه انزهه، أو باستحقاقه الحمد لما في الحمد من معنى الجميل.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

فترْك الواجبات: كترْك الصلاة والصيام والحجّ والزكاة ونحوها مِن الواجبات. وطريق التوبة منها بالاجتهاد في قضائها وتلافيها جُهدَ المستطاع.

وأمّا فعل المحرّمات: كالزنا وشرب الخمر والقمار وأمثالها مِن المحرّمات، وسبيل التوبة منها بالندم على اقترافها، والعزم الصادق على تركها.

ومِن الذنوب: ما تكون جرائرها بين المرء والناس، وهي أشدّها تبعةً ومسؤوليّة، وأعسرها تلافياً، كغصبِ الأموال، وقتل النفوس البريئة المحرّمة، وهتك المؤمنين بالسبِّ والضرب والنمّ والاغتياب.

والتوبة منها بإرضاء الخصوم، وأداء الظُّلامات إلى أهلها، ما استطاع إلى ذلك سبيلاً، فإنْ عجَز عن ذلك فعليه بالاستغفار، وتوفير رصيد حسَنَاته، والتضرّع إلى الله عزَّ وجل أنْ يرضيهم عنه يوم الحساب.

قبول التوبة:

لا ريب أنّ التوبة الصادقة الجامعة الشرائط مقبولة بالإجماع، لدلالة القرآن والسنّة عليها:

قال تعالى:( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ ) ( الشورى: ٢٥ ).

وقال تعالى:( غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ ) ( غافر: ٣ ).

وقد عرضنا في فضائل التوبة طرفاً مِن الآيات والأخبار الناطقة بقبول التوبة، وفوز التائبين بشرف رضوان اللّه تعالى، وكريم عفوه، وجزيل آلائه.

٢٦١

وأصدَقُ شاهدٍ على ذلك ما جاء في معرض حديث للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث قال: ( لولا أنّكم تذنبون فتستغفرون اللّه، لخلق اللّه خلقاً، حتّى يذنبوا ثمّ يستغفروا اللّه فيغفر لهم، إنّ المؤمن مفتنٌ توّاب، أما سمِعت قول اللّه:( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) )( البقرة: ٢٢٢ )(١) .

أشواق التوبة:

تََتلخّص النصائح الباعثة على التوبة والمشوّقة إليها فيما يلي:

١ - أنْ يتذكّر المُذنب ما صوَّرته الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة، مِن غوائل الذنوب، ومآسيها الماديّة والروحيّة، في عاجل الحياة وآجلها، وما توعّد اللّه عليها مِن صنوف التأديب وألوان العِقاب.

٢ - أن يستعرض فضائل التوبة ومآثر التائبين، وما حباهم اللّه به من كريم العفو، وجزيل الأجر، وسمو العناية واللطف، وقد مرّ ذلك في بداية هذا البحث.

وكفى بهاتين النصيحتين تشويقاً إلى التوبة، وتحريضاً عليها، ولا يرغب عنها إلا أحمق بليد، أو ضعيف الايمان والبصيرة.

_____________________

(١) البحار م ٣ ص ١٠٣ عن الكافي.

٢٦٢

محاسبة النفس ومراقبتها

المحاسبة هي: محاسبة النفس كلّ يوم عمّا عمِلته مِن الطاعات والمبرّات، أو اقترفته من المعاصي والآثام، فإنْ رجُحت كفّة الطاعات على المعاصي، والحسَنات على السيّئات، فعلى المحاسِب أنْ يشكُر اللّه تعالى على ما وفّقه إليه وشرّفه به مِن جميل طاعته وشرف رضاه.

وإنْ رجُحت المعاصي، فعليه أنْ يؤدّب نفسه بالتأنيب والتقريع على شذوذها وانحرافها عن طاعة اللّه تعالى.

وأمّا المراقبة: فهي ضبطُ النفس وصيانتها عن الإخلال بالواجبات ومقارفة المحرّمات.

وجديرٌ بالعاقل المُستنير بالإيمان واليقين، أنْ يروّض نفسه على المحاسبة والمراقبة فإنّها ( أمّارة بالسوء ): متى أُهمِلَت زاغت عن الحقّ، وانجرفت في الآثام والشهَوات، وأودَت بصاحبها في مهاوي الشقاء والهلاك، ومتى أُخِذَت بالتوجيه والتهذيب، أشرقت بالفضائل، وازدهرت بالمكارم، وسمت بصاحبها نحو السعادة والهناء:( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ) ( الشمس: ٧ - ١٠ ).

٢٦٣

هذا إلى أنّ للمحاسبة، والمراقبة أهميّة كُبرى في تأهّب المؤمن، واستعداده لمواجهة حساب الآخرة، وأهواله الرهيبة، ومِن ثمّ اهتمامه بالتزوّد مِن أعمال البِر والخير الباعثة على نجاته وسعادة مآبه.

لذلك طفِقَت النصوص تُشوّق، وتحرّض على المحاسبة والمراقبة بأساليبها الحكيمة البليغة:

قال الإمام الصادقعليه‌السلام : ( إذا أراد أحدكم أنْ لا يسأل ربَّه شيئاً إلاّ أعطاه، فلِيَيأس مِن الناس كلّهم، ولا يكون له رجاء إلاّ مِن عند اللّه تعالى، فإذا علِم اللّه تعالى ذلك مِن قلبهِ لم يسأل شيئاً إلاّ أعطاه، فحاسبوا أنفسكم قبل أنْ تُحاسَبوا عليها، فإنّ للقيامة خمسين موقفاً، كلّ موقفٍ مقام ألف سنة، ثمّ تلا:( فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) ( المعارج: ٤ )(١) .

وقال الإمام موسى بن جعفرعليه‌السلام : ( ليس منّا مَن لم يُحاسِب نفسه في كل ّيوم، فإنْ عمِل حسنةً استزاد اللّه تعالى، وإنْ عمِل سيّئةً استغفر اللّه تعالى منها وتاب إليه )(٢).

وعن أبي عبد اللّهعليه‌السلام قال: ( إنّ رجُلاً أتى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال له: يا رسول اللّه، أوصني.

فقال له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فهل أنت مستوصٍ إنْ أنا أوصيتك ؟ حتّى قال له ذلك ثلاثاً، وفي كلّها يقول له الرجل: نعم

_____________________

(١) الوافي الجزء الثالث ص ٦٢ عن الكافي.

(٢) الوافي ج ٣ ص ٦٢ عن الكافي.

٢٦٤

يا رسول اللّه.

فقال له رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : فإنّي أوصيك، إذا أنت همَمْتَ بأمرٍ فتدبّر عاقبته، فإنْ يكُ رُشداً فأمضِه، وإنْ يكُ غيّاً فانته عنه )(١) .

وقال الصادقعليه‌السلام لرجلٍ: ( إنّك قد جُعلتَ طبيب نفسك، وبُيّن لك الدَّاء، وعُرّفت آية الصحّة، ودُلِلْتَ على الدواء، فانظر كيف قياسك على نفسك )(٢) .

وعن موسى بن جعفرعليه‌السلام عن آبائهعليهم‌السلام قال:

( قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إنّ رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعث سريّة، فلمّا رجعوا قال: مرحباً بقومٍ قضوا الجهاد الأصغر، وبقيَ عليهم الجهاد الأكبر.

قيل: يا رسول اللّه، وما الجهاد الأكبر ؟ قال: جهاد النفس. ثمّ قال: أفضل الجهاد مَن جاهد نفسه التي بين جنبيه )(٣).

دستور المحاسبة:

لقد ذكر المعنيّون بدراسة الأخلاق دستور المحاسبة والمراقبة بأُسلوب مفصّل، ربّما يشقّ على البعض تنفيذه، بيد أنّي أعرضه مُجملاً ومُيسّراً في

_____________________

(١)، (٢) الوافي ج ٣ ص ٦٢ عن الكافي.

(٣) البحار م ١٥ ج ٢ ص ٤٠ عن معاني الأخبار وأمالي الصدوق.

٢٦٥

أمرين هامّين:

١ - أوّل ما يجدر محاسبةُ النفس عليه، أداء الفرائض التي أوجَبها اللّه تعالى على الناس، كالصلاة والصيام والحجِّ والزكاة ونحوها من الفرائض، فإنْ أدّاها المرء على الوجه المطلوب، شكَر اللّه تعالى على ذلك ورجّى نفسه فيما أعدَّ اللّه للمطيعين مِن كرَم الثواب وجزيل الأجر.

وإنْ أغفلها وفرّط في أدائها خوّف نفسه بما توعّد اللّه العُصاة والمتمرّدين عن عباده بالعقاب الأليم، وجدّ في قضائها وتلافيها.

٢ - محاسبة النفس على اقتراف الآثام واجتراح المنكرات، وذلك: بزجرها زجراً قاسياً، وتأنيبها على ما فرّط مِن سيّئاتها، ثمّ الاجتهاد بملافاة ذلك بالندم عليه، والتوبة الصادقة منه.

ولقد ضرب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أرفع مثَل لمحاسبة النفس، والتحذير مِن صغائر الذنوب ومحُقَّراتها:

قال الصادقعليه‌السلام : ( إنّ رسول اللّه نزَل بأرضٍ قَرعاء، فقال لأصحابه: ائتونا بحطب. فقالوا: يا رسول اللّه، نحن بأرضٍ قَرعاء ما بها من حطب. قال: فليأت كلّ إنسانٍ بما قدَر عليه، فجاءوا به حتّى رموا بين يدَيه بعضه على بعض، فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : هكذا تجتمع الذنوب.

ثمّ قال: إيّاكم والمحقّرات مِن الذنوب، فإنّ لكلّ شيء طالباً، ألا وأنّ طالبها يكتب:

٢٦٦

(... مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ ) )( يس: ١٢ )(١) .

وكان بعض الأولياء يُحاسب نفسه بأُسلوبٍ يستثير الدهشة والإكبار:

من ذلك ما نُقِل عن توبة بن الصمّة، وكان مُحاسباً لنفسه في أكثر أوقات ليله ونهاره، فحسب يوماً ما مضى مِن عمره، فإذا هو ستّون سنة، فحسِب أيّامها فكانت إحدى وعشرين ألف يوم وخمسمِئة يوم، فقال: يا ويلتاه !!، ألقى مالكاً بإحدى وعشرين ألف ذنب، ثمّ صُعِق صَعقةً كانت فيها نفسه(٢).

وما أحلى هذا البيت:

إذا المرء أعطى نفسه كلَّ شهوةٍ

ولم ينهها تاقت إلى كلِّ باطلٍ

اغتنام فرصة العمر:

لو وازن الإنسان بين جميع مُتَع الحياة ومباهجها، وبين عمره وحياته لوَجد أنّ العمر أغلى وأنفس منها جميعاً، وأنّه لا يعدله شيء مِن نفائس الحياة وأشواقها الكُثر، إذ من المُمكن اكتسابها أو استرجاع ما نفَر منها.

أمّا العمر فإنّه الوقت المُحدّد الذي لا يستطيع الإنسان إطالة أمده، وتمديد أجلِه المقدّر المحتوم:( وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ ) ( الأعراف: ٣٤ ).

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ١٦٨ عن الكافي.

(٢) سفينة البحار ج ١ ص ٤٨٨.

٢٦٧

كما يستحيل استرداد ما تصرّم مِن العمر، ولو بذَل المرء في سبيل ذلك جميع مقتنيات الحياة.

وحيث كان الإنسان غفولاً عن قِيَم العمر وجلالة قدره، فهو يُسرِف عابثاً في تَضييعه وإبادته، غير آبهٍ لما تصرّم منه، ولا مُغتنِم فرصته السانحة.

مِن أجل ذلك جاءت توجيهات آل البيتعليهم‌السلام موضّحة نفاسة العمر، وضرورة استغلاله وصرفه فيما يوجِب سعادة الإنسان ورخائه في حياته العاجلة والآجلة.

قال سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله في وصيّته لأبي ذر: ( يا أبا ذر، كُن على عمرك أشحّ منك على درهمك ودينارك )(١) .

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( إنّما الدنيا ثلاثة أيّام: يومٌ مضى بما فيه فليس بعائد، ويومٌ أنت فيه فحقّ عليك اغتنامه، ويومٌ لا تدري أنت مِن أهله، ولعلك راحل فيه.

أمّا اليوم الماضي فحكيم مُؤدّب، وأمّا اليوم الذي أنت فيه فصديقٌ مودّع، وأمّا غد فإنّما في يديك منه الأمل ).

وقالعليه‌السلام : ( ما مِن يومٍ يمرُّ على ابن آدم، إلاّ قال له ذلك اليوم: أنا يومٌ جديد، وأنا عليك شهيد، فقل فيّ خيراً، واعمل

_____________________

(١) الوافي قسم المواعظ في وصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذر.

٢٦٨

فيّ خيراً، أشهد لك به يوم القيامة، فإنّك لنْ تراني بعد هذا أبداً )(١).

وروي أنّه جاء رجلٌ إلى عليّ بن الحسينعليهما‌السلام يشكو إليه حاله، فقال: ( مسكينٌ ابن آدم، له في كلّ يومٍ ثلاث مصائب لا يعتبر بواحدةٍ منهنّ، ولو اعتبَر لهانت عليه المصائب وأمر الدنيا:

فأمّا المصيبة الأُولى: فاليوم الذي ينقص من عمره. قال: وإنْ ناله نُقصان في ماله اغتمّ به، والدهر يخلف عنه والعمر لا يردّه شيء.

والثانية: أنّه يستوفي رزقه، فإنْ كان حلالاً حُوسِبَ عليه، وإنْ كان حراماً عوقِب.

قال: والثالثة أعظم من ذلك.

قيل: وما هي ؟ قال: ما مِن يومٍ يمسي إلاّ وقد دنا مِن الآخرة مرحلة، لا يدري على جنّةٍ أم على نار ).

وقال: ( أكبر ما يكون ابن آدم اليوم الذي يولد مِن أمّه ).

( قالت الحُكَماء ما سبَقه إلى هذا أحد )(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( اصبروا على طاعة اللّه، وتصبّروا عن معصية اللّه، فإنّما الدنيا ساعة، فما مضى فلستَ تجِد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأتِ فلستَ تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها فكأنّك قد اغتبطت )(٣).

وقال الباقرعليه‌السلام : ( لا يغرّنك الناس من نفسك،

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٣ عن الفقيه.

(٢) عن كتاب الاختصاص المنسوب للشيخ المفيد.

(٣) الوافي ج ٣ ص ٦٣ عن الكافي.

٢٦٩

فإنّ الأمر يصل إليك دونهم، ولا تقطع نهارك بكذا وكذا، فإنّ معك مَن يحفِظ عليك عملك، فأحسن فإنّي لم أرَ شيئاً أحسن درَكاً، ولا أسرَع طلَباً، مِن حسنةٍ محدّثة لذنب قديم )(١) .

وعن جعفر بن محمّد، عن آبائهعليهم‌السلام قال: قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( بادر بأربَع قبل أربَع، بشبابك قبل هرَمك، وصحّتك قبل سقمك، وغِناك قَبل فقرك، وحياتك قَبل موتك )(٢).

وعن الباقرعليه‌السلام عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ( لا يزولُ قدمَ ( قدما ) عبدٍ يوم القيامة مِن بين يدَي اللّه، حتّى يسأله عن أربَع خِصال: عمرك فيما أفنيته، وجسدك فيما أبليته، ومالك مِن أين اكتسبته وأين وضَعته، وعن حبّنا أهل البيت ؟)(٣).

وقال بعض الحكماء: إنّ الإنسان مسافر، ومنازله ستّة، وقد قطع منها ثلاثة وبقي ثلاثة:

فالتي قطعها: -

١ - مِن كتم العدَم إلى صُلب الأب وترائب الأُم.

٢ - رحِم الأُم.

٣ - مِن الرحم إلى فضاء الدنيا.

وأمّا التي لم يقطعها: -

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٢ عن الكافي.

(٢) البحار م ١٥ ص ١٦٥ عن كتاب كمال الدين للصدوق.

(٣) البحار م ٧ ص ٣٨٩ عن مجالس الشيخ المفيد.

٢٧٠

فأوّلها القبر. وثانيها فضاء المحشَر. وثالثها الجنّة أو النار.

ونحن الآن في قطع مرحلة المنزل الثالث، ومدّة قطعها مدّة عمرنا، فأيّامنا فراسخ، وساعاتنا أميال، وأنفاسنا خُطوات.

فكم مِن شخصٍ بقي له فراسخ، وآخر بقيَ له أميال، وآخر بقيَ له خُطوات.

وما أروع قول الشاعر:

دقّات قلبِ المرء قائلةٌ له

إنّ الحياةَ دقائقٌ وثَواني

٢٧١

العمل الصالح

لقد عرَفت في البحث السالِف نَفاسَة الوقت، وجلالة العُمر، وأنّه أعزَّ ذخائر الحياة وأنفسها.

وحيثُ كان الوقت كذلك، وجَب على العاقل أنْ يستغلّه فيما يليق به، ويكافئه عزةً ونفاسة مِن الأعمال الصالحة، والغايات السامية، الموجِبة لسعادته ورخائه المادّي والروحي، الدنيوي والأُخروي، كما قال سيّد المرسلينصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( ليس ينبغي للعاقل أن يكون شاخصاً إلا في ثلاث: مرمّة لمعاش، أو تزوّد لمعاد، أو لذّة في غير محرم )(١) .

فهذه هي الأهداف السامية، والغايات الكريمة التي يجدر صَرْف العمر النفيس في طلبها وتحقيقها.

_____________________

(١) الوافي قسم المواعظ في وصيّة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام .

٢٧٢

وحيث كان الإنسان مدفوعاً بغرائزه وأهدافه وأهوائه إلى كسب المعاش، ونيل المُتَع واللذائذ الماديّة، والتهالك عليها، ممّا يصرفه ويُلهيه عن الأعمال الصالحة، والتأهّب للحياة الآخرة، وتوفير موجبات السعادة والهناء فيها. لذلك جاءت الآيات والأخبار مشوّقة إلى الاهتمام بالآخرة، والتزوّد لها مِن العمل الصالح.

قال تعالى:( فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ) ( الزلزلة: ٧ - ٨ ).

وقال تعالى:( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) ( النحل: ٩٧ ).

وقال تعالي:( وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) ( غافر: ٤٠ ).

وقال تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ ) ( الجاثية: ١٥ ).

وقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا أبا ذر، إنّك في ممرِّ الليل والنهار، في آجالٍ منقوصة، وأعمالٍ محفوظة، والموت يأتي بغتة، ومَن يزرع خيراً يوشَك أنْ يحصِد خيراً، ومَن يزرع شرَّاً يوشِك أنْ يحصدَ ندامة، ولكلّ زارعٍ مثل ما زرَع )(١).

وقال قيس بن عاصم: وفدت مع جماعة مِن بني تميم إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقلت: يا نبيّ اللّه، عِظنا موعظةً ننتفع بها، فإنّا قومٌ

_____________________

(١) الوافي في موعظة رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله لأبي ذر.

٢٧٣

نعمّر في البرّية.

فقال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( يا قيس، إنّ مع العزِّ ذُلاًّ، وإنّ مع الحياة موتاً، وإنّ مع الدنيا آخرة، وإنّ لكلّ شيء حسيباً، وعلى كلِّ شيءٍ رقيباً، وإنّ لكلّ حسنة ثواباً، ولكلّ سيّئة عقاباً، ولكلِّ أجلٍ كتاباً. وإنّه لا بدَّ لك يا قيس من قرينٍ يُدفَن معك وهو حيّ، وتدفَنُ معه وأنت ميّت، فإنّ كان كريماً أكرمك، وإنْ كان لئيماً أسلمك، ثمّ لا يحشر إلاّ معك، ولا تُبعث إلاّ معه، ولا تُسأل إلاّ عنه، فلا تجعله إلاّ صالحاً، فإنّه إنْ صلُح أُنست به، وإنْ فسُد لم تستوحش إلاّ منه، وهو فعلك )(١).

وقال أمير المؤمنينعليه‌السلام : ( إنّ العبد إذا كان في آخر يوم مِن أيّام الدنيا، وأوّل يوم مِن أيّام الآخرة، مُثّل له، ماله، وولده، وعمله، فيلتفت إلى ماله، فيقول: واللّه إنّي كنت عليك حريصاً شحيحاً فمالي عندك ؟ فيقول: خذ منّي كفنك.

قال: فيلتفت إلى ولده فيقول: واللّه إنّي كنت لكم محبّاً، وإنّي كنت عليكم محامياً، فمالي عندكم ؟ فيقولون: نؤدّيك إلى حفرتك فنواريك فيها

قال: فيلتفت إلى عمله فيقول: واللّه إنّي كنت فيك لزاهداً، وإنّك كنت عليّ لثقيلاً، فمالي عندك ؟ فيقول: أنا قرينك في قبرك، ويوم

_____________________

(١) البحار م ١٥ ج ٢ ص ١٦٣ عن معاني الأخبار والخِصال وأمالي الصدوق.

٢٧٤

نشرك، حتّى أُعرض أنا وأنت على ربّك )(١).

قال: ( فإنْ كان للّه وليّاً، أتاه أطيب الناس ريحاً، وأحسنهم منظراً وأحسنهم رياشاً، فقال: أبشر بروح وريحان، وجنّة نعيم، ومقدمك خير مقدم، فيقول له: مَن أنت ؟ فيقول: أنا عملُك الصالح، ارتحل مِن الدنيا إلى الجنّة...)(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : ( إذا وضع الميت في قبره، مُثّل له شخص، فقال له: يا هذا، كنّا ثلاثة: كان رزقك فانقطع بانقطاع أجلك، وكان أهلك فخلّوك وانصرفوا عنك، وكنت عملك فبقيت معك أما إني كنت أهون الثلاثة عليك )(٣).

وعن الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال: ( قال رسول اللّهصلى‌الله‌عليه‌وآله : مَن أحسَن فيما بقي من عمره، لم يُؤخَذ بما مضى من ذنبه، ومن أساء فيما بقي من عمره أخذ بالأول والآخر ).

وقد أحسن الشاعر بقوله:

والناس همهم الحياة ولا أرى

طول الحياة يزيد غير خيال

وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد

ذخراً يدوم كصالح الأعمال

_____________________

(١) الوافي ج ١٣ ص ٩٢ عن الفقيه.

(٢) الوافي ج ١٣ ص ٩٢ عن الكافي.

(٣) الوافي ج ١٣ ص ٩٤ عن الكافي.

٢٧٥

طاعة اللّه وتقواه:

الإنسان عنصر أصيل مِن عناصر هذا الكون، ونمط مثالي رفيع بين أنماطه الكثُر، بل هو أجلّها قدراً، وأرفعها شأناً، وذلك بما حباه اللّه عزّ وجل، وشرّفه بصنوف الخصائص والهِبات التي ميّزته على سائر الخلق:( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ) (الإسراء: ٧٠ ).

وكان مِن أبرز مظاهر العناية الإلهيّة بالإنسان، ودلائل تكريمه له: أنْ استخلفه في الأرض، واصطفى مِن عيون نوعه وخاصّتهم رُسُلاً وأنبياءً، بعثهم إلى العباد بالشرائع والمبادئ الموجِبة لتنظيم حياتهم، وإسعادهم في عاجل الدنيا وآجل الآخرة.

ولكنّ أغلب البشر، وا أسفاه ! تستعبدهم الأهواء والشهَوات، وتطفي عليهم نوازع التنكّر والتمرّد على النُظُم الإلهيّة، وتشريعها الهادف البنّاء، فيتيهون في مجاهل العصيان، ويتعسّفون طُرُق الغواية والضلال، ومِن ثمّ يعانون ضروب الحيرة والقلق والشقاء، ولو أنّهم استجابوا لطاعة اللّه تعالى، وساروا على هدي نظمه ودساتيره، لسعدوا وفازوا فوزاً عظيماً:( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ

٢٧٦

السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ).

أرأيت كيف انتظم الكون، واتّسقت عناصره، واستتبّ نظامه ملايين الأجيال والأحقاب ؟! بخضوعه للّه عزَّ وجل، وسيره على مقتضيات دساتيره وقوانينه ؟!

أرأيت كيف ازدهرت حياة الأحياء، واستقامت بجريها على وفق مشيئة اللّه تعالى، وحكمة نظامه وتدبيره ؟!!.

أرأيت كيف يُطبِّق الناس وصايا وتعاليم مخترعي الأجهزة الميكانيكيّة ليضمنوا صيانتها واستغلالها على أفضل وجه ؟!

أرأيت كيف يخضع الناس لنصائح الأطباء، ويعانون مشقّة العلاج ومرارة الحمية، توخّياً للبرء والشفاء ؟!.

فلِمَ لا يطيع الإنسان خالقه العظيم، ومدبّره الحكيم، الخبير بدخائله وأسراره، ومنافعه ومضارّه ؟!.

إنّه يستحيل على الإنسان أنْ ينال ما يَصبو إليه مِن سعادة وسلام، وطمأنينة ورخاء، إلاّ بطاعة اللّه تعالى، وانتهاج شريعته وقوانينه.

أنظر كيف يشوّق اللّه عزّ وجل، عباده إلى طاعته وتقواه، ويحذّرهم مغبّة التمرّد والعصيان، وهو الغنيّ المُطلق عنهم.

قال تعالى:( وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ) ( الأحزاب: ٦١ ).

وقال سُبحانه:( وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَن يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَاباً أَلِيماً ) ( الفتح: ١٧ ).

٢٧٧

وأمّا التقوى، فقد علّق اللّه خير الدنيا والآخرة، وأناط بها أعزَّ الأماني والآمال، وإليك بعضها:

١ - المحبّة مِن اللّه تعالى، فقال سُبحانه:( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ ) ( التوبة: ٤ ).

٢ - النجاة مِن الشدائد وتهيئة أسباب الارتزاق، فقال:( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) ( الطلاق: ٢ - ٣ ).

٣ - النصر والتأييد، قال تعالى:( إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ ) ( النحل: ١٢٨ ).

٤ - صلاح الأعمال وقبولها، فقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ) ( الأحزاب: ٧٠ - ٧١ )

وقال:( إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ).

٥ - البشارة عند الموت، قال تعالى:( الَّذِينَ آمَنُواْ وَكَانُواْ يَتَّقُونَ *، لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ ) ( يونس:٦٣ - ٦٤ ).

٦ - النجاة من النار، قال تعالى:( ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا ) ( مريم: ٧٢ ).

٧ - الخلود في الجنّة، قال تعالى:( أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) ( آل عمران: ١٣٣).

فتجلّى مِن هذا العرض، أنّ التقوى هي الكنز العظيم، الحاوي لصنوف الأماني والآمال الماديّة والروحيّة، الدينيّة والدنيويّة.

٢٧٨

حقيقة الطاعة والتقوى:

والطاعة: هي الخضوع للّه عزّ وجل، وامتثال أوامره ونواهيه.

والتقوى: مِن الوقاية، وهي صيانة النفس عمّا يضرّها في الآخرة، وقصرها على ما ينفعها فيها.

وهكذا تواترت أحاديث أهل البيتعليهم‌السلام حاثّة ومرغّبةً على طاعة اللّه تعالى وتقواه، ومحذّرة مِن عِصيانه ومخالفته.

قال الإمام الحسن الزكيعليه‌السلام في موعظته الشهيرة لجُنادة: ( اعمل لدنياك كأنّك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً، وإذا أردت عزّاً بلا عشيرة، وهيبةً بلا سلطان، فاخرج مِن ذُلّ معصية اللّه إلى عزِّ طاعة اللّه عزَّ وجل ).

وقال الصادقعليه‌السلام : ( اصبروا على طاعة اللّه، وتصبّروا عن معصية اللّه، فإنّما الدنيا ساعة، فما مضى فلستَ تجد له سروراً ولا حزناً، وما لم يأتِ فلستَ تعرفه، فاصبر على تلك الساعة التي أنت فيها، فكأنّك قد اغتبطت )(١).

وقالعليه‌السلام : ( إذا كان يوم القيامة يقوم عنُقٌ مِن الناس، فيأتون باب الجنّة فيضربونه، فيُقال لهم: مَن أنتم ؟ فيقولون: نحن أهل الصبر، فيُقال لهم: على ما صبرتم ؟ فيقولون: كنّا نصبر على طاعة اللّه

_____________________

(١) الوافي ج ٣ ص ٦٣ عن الكافي.

٢٧٩

ونصبر عن معاصي اللّه. فيقول اللّه عزَّ وجل: صدقوا، أدخلوهم الجنّة، وهو قول اللّه عزّ وجل:( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) )( الزمر: ١٠)(١).

وقال الباقرعليه‌السلام : ( إذا أردت أنْ تعلم أنّ فيك خيراً، فانظر إلى قلبِك، فإنْ كان يُحبُّ أهل طاعة اللّه عزّ وجل، ويَبغض أهل معصيته ففيك خير، واللّه يُحبُّك.

وإنْ كان يَبغض أهل طاعة اللّه، ويُحِبّ أهل معصيته فليس فيك خير، واللّه يبغضك، والمرء مع مَن أحب )(٢).

وقالعليه‌السلام : ما عرَف اللّه مَن عصاه، وأنشد:

تَعصي الإله وأنتَ تُظهر حُبّه

هذا لعمرك في الفِعال بديعُ

لو كان حُبّك صادقاً لأطَعته

إنّ المحبّ لِمن أحبّ مطيع

وعن الحسن بن موسى الوّشا البغدادي قال: كنت بخُراسان مع عليّ بن موسى الرضاعليه‌السلام في مجلسه، وزيد بن موسى حاضر، وقد أقبل على جماعة في المجلس يفتخر عليهم ويقول: نحن ونحن، وأبو الحسن مُقبلٌ على قومٍ يحدّثهم، فسمِع مقالة زيد، فالتفت إليه.

فقال: ( يا زيد، أغرّك قولُ بقّاليّ الكوفة، إنّ فاطمة أحصنت فرجها، فحرّم اللّه ذرّيتها على النار، واللّه ما ذلك إلاّ للحسن والحسين، وولد بطنها خاصّة، فأمّا أنْ يكون موسى بن جعفر يطيع اللّه، ويصوم نهاره، ويقوم ليله،

_____________________

(١) البحار م ٥ ص ٢ ص ٤٩ عن الكافي.

(٢) البحار م ١٥ ج ١ ص ٢٨٣ عن علل الشرائع والمحاسن للبرقي والكافي.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319