رسالة المحقق الكركي الجزء ٣

رسالة المحقق الكركي18%

رسالة المحقق الكركي مؤلف:
تصنيف: فقه استدلالي
الصفحات: 319

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣
  • البداية
  • السابق
  • 319 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 40624 / تحميل: 5530
الحجم الحجم الحجم
رسالة المحقق الكركي

رسالة المحقق الكركي الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

[مقبول، وها أنا أقول، وربي حسبي في كل مسؤول.

اعلم أن المسائل المذكورة كانت احدى عشرة مسألة، أولها متعلقة بمباحث الالفاظ من مقدمات المنطق، وثانيها بعلم الكلام، والباقي بالفقه، فأكملتها بتحقيق مسألة كلامية مهمة من أن أفعال الله تعالى معللة بالغرض حتى كملت اثنتي عشرة مسألة:

المسألة الاولى

إن المذكور في كتب المنطق من حصر الدلالة في المطابقة والتضمن والالتزام، ومنقوض بالمركب الذي يكون أحد جزئيه مستعملا في المعنى المجازي والآخر في الحقيقي، ويكون الجزء المستعمل في المعنى الحقيقي قرينة على المعنى المجازي، بحيث يدل كليه على المعنى المجازي كقولهم: أسد في الحمام، فإن لفظ الحمام يدل دلالة كلية على أن المراد بالاسد الرجل الشجاع، فدل المركب المذكور كليا على أن الرجل الشجاع في الحمام.وهذا الدلالة ليست مطابقة ولا تضمنا وهو ظاهر، ولا التزاما، لان المعنى الحقيقي للمركب المذكور لا يلزمه بحسب التعقل كون الرجل الشجاع في الحمام، فيبقى واسطة بين الاقسام.هذا محصل السوال.

ويمكن أن يقال: إن مقسم الدلالة هو دلالة اللفظ الدال على معناه الحقيقي، وحينئذ خرج المركب المذكور عن المقسم، لان المركب من الحقيقة المجاز ليس بحقيقة على أنهم اعتروا في الدلالة ما يكون بعد العلم بالوضع كليا، ودلالة المركب المكذور على الرجل الشجاع ليس كلا، إلا بملاحظة مقدمة غير العلم بالوضع، مثلا فيما نحن فيه أسد في الحمام كليا لا يدل، لان قولهم: في الحمام إنما يدل على الرجل الشجاع بضم مقدمة وهي: أن الاسد ليس يدخل في الحمام.]

٨١

[وهذه المقدمة إنما تصح بعادة البلاد، فإنه لو صح أن ينقل أن في البلاد الباردة يحفظ الاسد في الحمامات، لا يفهم سيما في تلك البلاد من قولهم أسد في الحمام ذلك المعنى أصلا.

وكذا قولهم: أسد يرمي، إلا بملاحظة أن الاسد لا يرمي.نعم أهل العربية لما لم يعتبروا الكلية في الدلالة جعلوا المركبات المجازية داخلة في الدال المنقسم إلى المطابقي والتضمني والالتزامي، والمنطقيون أخرجوها وإن كان نظرهم إلى الافادة والاستفادة الحاصلة من المجاز.

إن قلت: فعلى هذا القول ان المنطقي غرضه من البحث عن الالفاظ الافادة والاستفادة، فلابد حينئذ من دخول مادة النقض في المقسم، فبطل الحصر.

قلت: أحد لا يشك أنهم لم يعتبروا مثل المجاز داخلا في مقسم الدلالة، لو صح فلا نقض.

إن قلت: فحينئذ يلزم النقض في حصر الدلالة المطلقة في الوضعي والطبيعي العقلي، إذ دلالة المركب المذكور ليس عقليا ولا وضعيا.

قلت: النقض المذكور غير متوجه، لان المجاز داخل في الوضعي، ليس داخلا في اللفظي الوضعي المعتبر في القسمة الثانية.

إن قلت: كلام الناقض في الحصر على تقدير دعوى الحصر العقلي كما فعل السيد الشريفقدس‌سره ، وحينئذ يكفيه الاحتمال ولا يحتاج إلى مادة النقص قلت: هذا كلام آخر، فإن ظاهر أول الكلام كان نقص الحصر، وإن أريد مجرد المنع فحينئذ يقال: إن المنع مشهور، بل نقض الحصر بأمثلة ذكرناها في شرح التهذيب، إنما كلامنا هنا في مادة النقض بخوصها.

المسألة الثانية

في بيان حدوث العالم بحيث يعم المجرد والمادي، وهي مسألة مهمة، مع أن]

٨٢

[المذكور في كلام المتكلمين كأفضل المحققين في تجريده من دليل الحدوث مخصوص بحدوث الماديات.

اعلم أن الاهتمام بهذه المسألة إنماهو لاثبات القدرة الذي يتوقف عليه النبوة ومسألة الاختيار، قد ثبت باتفاق المتكلم والحكيم، كيف لا ومن جوز أن يكون الواجب تعالى مؤثرا في العالم كالنار في الاحراق وسائل الجمادات فهو انقص من الجماد، نعم وقع الخلاف بين المتكلم والحيكم في الاختيار لا بمعنى إنشاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل، بل في أن مقدم أي الشرطيتين واقع في الازل.

فالحكيم بأنه تعالى شاء في الازل وفعل فردا من العالم، المتكلم قال: لم يشأ لم يفعل، فكما أن قول الاشاعرة بوجود الصفات التي داخلة في الحقيقة في الممكن لم يضر في اثبات الشرع والدين كذا ما قاله الحكيم، بل قول الحكيم أقرب، لان ايجاد الصفات على مذهب السنة لا يمكن إلا بطريق تؤثر الحكيم أقرب، لان ايجاد الصفات على مذهب السنة لا يمكن إلا بطريق تؤثر النار في الاحراق.

نعم إن كان ما نقل عن الحكماء من أن الله تعالى خلق العقل الاول فقط وليس له دخل في باقي العالم، صحيحا، يبقى كلامهم بعيدا عن ذلك، لكن هذا افتراء كما حققه المحقق الطوسيقدس‌سره في شرح الاشارات.والمتكلمون لما وجدوا هذه الشنعة غنيمة شهروها وأوردوها في كتبهم، فالمحققون أثبتوا في تصانيفهم حدوث العالم المادي وأحالوا قسم المجرد إلى النقل، فإنه يثبت بعد اثباته الشرع حدوث العالم مطلقا.

وما افيد في الرسالة المرسلة في بيان حدوث العالم بجميع أفراده، هو أنه لو تحقق فيما بين الممكنات قديم زماني يكون تأثير المؤثر فيه دائما باعتبار البقاء، إذ علة الحاجة هو الامكان، وهو مستمر ولا شك أن التاثير في البقاء في الزمان الثاني لم يكن حاصلا في الزمان]

٨٣

[الاول، إذ هو شخص آخر من التأثير في أثر آخر، فلو لم يكن للممكن الموجود أول لزمان وجوده لاحتاج إلى أفاعيل وتأثيرات غير متناهية مترتبة، فيلزم التباس ويبطل ببرهان التطبيق.

هذا خلاصة ما ذكر من الدليل، وفيه إن هذا لو صح يجري في جميع الحوادث الزمانية الباقية، إذ آنات وجود الحادث المذكور غير متناهية، وكذا التأثيرات والابقاء‌ات.

وأيضا نقول: كل حادث يحتاج إلى امور متناهية مترتبة مجتمعة، إذ لا ريب أن المعلول لا يتخلف عن علته، فالعلة التامة للحادث لا يمكن أن تتقدمة، فحين الحدوث تتم العلة بجزء جديد، وينقل الكلام إلى علة الجزء الجديد ثم إلى علة علته، ولابد من تحقق الغير المتناهي حال الحدوث، وإلا يلزم التخلف المحال.

وحينئذ يقال: إن برهان التطبيق والتضايق يجريان في ذلك.واجيب بأن البرهان إنما يبطل وجود السلسلة، والابقاء والتأثير أمران اعتباريان، وكذا السلسلة المترتبة المجتمعة عند الحدوث، ولو سلم يكون هذا اعتراضا على برهان التطبيق والتضايق لا دليلا على المطلوب.

المسألة الثالثة

قال العلامةقدس‌سره في القواعد: لو قيد ناذر الدهر بالسفر، ففي جواز سفره في رمضان (اخختيارا) اشكال، أقربه الجواز، وإلا دار.

اعلم أن تحرير المقام يقتضي امور:

الاول: إن الاشكال يقتضي امارتين متعارضتين.

الثاني: أن الاقربية تقتضي قوة احداهما أو تقويتها، لكن بحيث لا تخرج]

٨٤

[الاخرى عن القوة.

الثالث: بيان الدور.

الرابع: أن نبين احتمال ضعف بيان الدور، فإن الدور لو كان ثابتا لا وجه للاقربية بل يكون صوابا، إلا أن يكون الدليل المعارض غير مدخول، وليس كذلك، اللهم إلا أن يقال في نظر العلامة لم يكن مدخولا.

فإذا علمت ذلك فنقول:

أما الامر الاول: وهو أن هنا دليلان، فالدليل الاول على أن السفر في الصورة المذكورة حرام، لان هنا مسألة مقررة: هي أن كل سفر جائز يجوز فيه الافطار، فإذا جاز السفر المذكور يلزم جواز الافطار المستلزم لا خلال النذر المحرم، وما يستلزم الحرام حرام، فالسفر حرام.

والدليل الثاني على أن السفر في هذه الصوره جائز: هو أن السفر المذكور لو كان حراما، يكون بناء على أن جواز السفر يكون سببا للافطار بانعقاد النذر، فإذا كان جواز الافطار علة لتحريم السفر، وتحريم السفر سبب لعدم جواز الافطار، فيلزم من رفع السبب الذي هو الجواز عدم تحريم السفر، فيلزم من التحريم عدم الحريم، وهو المطلوب.أو يقال بلزوم الخلف، وهو اجتماع التحريم وعدم التحريم، أو الجواز وعدم الجواز المستلزم للتناقض المحال.

وأما الامر الثاني: وهو بيان قوة الدليل الثاني أو تقويته، فلان الاصل الجواز، فيقوى الدليل الثاني بأصالة حل السفر.هذا بيان التقوية.

ويمكن بيان القوة بأن يقال: إن قول المستدل إن جواز الافطار مستلزم لاخلال النذر ممنوع، لان الاخلل ظاهره أن يفقد النذر ثم يحمل بغير مقتضاه، والجواز لا يستلزم ذلك، فإن أريد بالاخلال عدم انعقاد النذر، فحينئذ يبقى كلامه ظاهر الاختلال، إذ عدم الانعقاد ليس بحرام.

ويمكن أن يقال: إن النزاع يرجع حقيقة إلى انعقاد النذر وعدم انعقاده.]

٨٥

[تفصيله: أن المصنفقدس‌سره ذهب إلى أقربية انعقاد النذر في المسألة المذكورة على ما يجئ، لكن لابد أن يعلم أن في انعقاد النذر المذكور في صورة يتحقق وجوب الصوم في رمضان خلافا لا في محل التحريم الذي هو كون المكلف في الشهر المذكور في السفر، فإن الصوم في الصورة المذكورة حرام، والنذر لا ينعقد في الحرام اجماعا إنم الخلاف في صورة الوجوب والاباحة، واختار المصنف الانعقاد لكن لا في صورة تحريم الصوم وهو حال السفر، فلا ينعقد النذر المذكور اتفاقا حال السفر.

إن قيل: إن نذر الصوم لا ينعقد في شهر رمضان في السفر وليس كلامنا فيه، إنما كلامنا في انعقاد النذر في غير شهر رمضان، بحيث لا يبقى لقضاء ما أفطر الناذر المسافر في شهر رمضان وقت، فلا يجوز له السفر لا لانه انعقد النذر بالنسبة إلى شهرمضان في السفر، بل لانه انعقد النذر في جميع وقت يمكن فيه قضاء ما أفطر في شهر رمضان.

قلت: لا نسلم استغراق النذر لجميع أوقات يمكن فيها القضاء، بل أيام القضاء مستثنى، فدعوى انعقاد النذر في الدليل يقرب إلى المصادرة، وكذا دعوى بطلان اخلال النذر بالمعنى الذي اشرنا إليه، لكن هذا يخرج الدليل الاول عن المعارضة.

أما الامر الثالث: وهو بيان الدور، فقد يثبت ذلك بوجوه:

الاول: ان جواز الافطار علة لتحريم السفر، وتحريم السفر علة عدم جواز الافطار، وعدم جواز الافطار علة عدم تحريم السفر، وعدم تحريم السفر علة جواز الافطار، فيلزم تقدم جواز الافطار على نفسه بمراتب.

بيان المقدمات: اما الاولى والثانية فقد مر.

وأما الثالثة، فلان الجواز إذا كان علة لتحريم السفر، يكون عدم جواز الافطار علة لعدم التحريم، بناء على أن عدم العلة علة لعدم المعلول.]

٨٦

[وأما الرابعة، فلان تحريم السفر لما فرض علة لعدم جواز الافطار، يكون عدم التحريم علة للجوا، بناء على أن عدم العلة علة لعدم المعلول.

الثاني: إن عدم جواز الافطار علة لعدم تحريم السفر، وعدم تحريم السفر علة لجواز الافطار، وجواز الافطار علة لتحريم السفر، وتحريم السفر علة لعدم جواز الافطار، فيلزم أن يكون عدم الجواز مقدما على عدم الجواز بمراتب.

الثالث: إن صحة تحريم السفر المذكور فرع صحة انعقاد النذر، وصحة انعقاد النذر موقوف على صحة تحريم السفر.قال صاحب الايضاح في بيان القرب شيئا يدل على بيان الدور إنه لو حرم لزم استلزام الشئ لنقيضه، واللازم باطل فالملزوم مثله.بيان الملازمة أن تحريمه يسلتزم تحريم القصر فيه، لانه كلما لم يجز السفر لم يجز الافطار، ولا مقتضي لتحريم السفر إلا جواز الافطار، لانه (هو)، المستلزم للاخلال اختيارا المستلزم لتحريم السفر اجماعا، واذا انتفى المقتضي انتفى تحريم السفر، لعدم السبب المقتضي له، فيستلزم تحريمه عدم تحريمه،[وأما استحالة التالي فظاهرة].وهذا واشباهه في مسائل تأتي يسميها المصنف بالدور.ويمكن توجيه الدور المصطلح عليه بأن تحريم السفر موقوف على وجوب القصر، وهو موقوف على اباحة السفر، والاباحة موقوفة على عدم الاخلال بالنذر، وهو موقوف على[وجوب] الاتمام، ووجوب الاتمام موقوف على تحريم السفر، فيتوقف على نفسه بمراتب انتهى.وقد علمت فيما مر أنه يلزم علية التحريم لعدم التحريم، وكذا سببية الجواز،]

٨٧

[لعدم الجواز، وجعل تقدم الشئ على نفسه مسمى بالدور أحسن، وإن لم يكن في هذا المقام لتأويل الدور إلى المعنى المجازي حسنا، لان الدور بمعناه الحقيقي كما بينا.ويمكن بوجوه اخربيان الدور تركناها، لكن نقول على ما حررنا: لا نحتاج إلى حصر المقتضي في الجواز، بل يكفي الاقتضاء في استلزام الشئ لنقيضه، فلا يكون المنع الذي أورد في الرسالة ضارا، بل منع مقدمات الدليل نافع على سياف المصنف، فلنتكلم في مقدمات بيان الدور المذكور في الايضاح: أما المقدمة الاولى: وهي تحريم السفر موقوف على وجوب القصر، إن اريد بها أن تحريم السفر في الواقع موقوف على وجوب القصر المتحقق في الواقع، فممنوع.وإن اريد أن حكم الحاكم بتحريم السفر منوط على وجوب القصر كما قالوا إن علل الشرع معرفات، لو سلم فلا يتحقق الدور، إذ لا يمكن اثبات التوقف باعتبار العلم في جميع المراتب.

أما المقدمة الثالثة: وهو قوله: الاباحة موقوفة على عدم الاخلال، فممنوع، إذ الاباحة لو حملت على ظاهرها لا تصح، لان الاباحة المقابلة للاحكام الاربعة لا تتوقف على عدم اخلال النذر، إذ وجوب السفر واستحبابه وكراهته موجبات للافطار المستلزم للاخلال، فالمراد عدم الحرمة موقوف على عدم الاخلال، هو ممنوع، إذ يلزم بناء على أن الرفع علة للرفع أن يكون الاخلال عليه للحرمة، مع أن النذر علة للحرمة.

أما المقدمة الرابعة: وهي قوله: عدم اخلال النذر موقوف على وجوب الاتمام، ممنوع، إذ عدم الاخلال أزلي لا يتوقف على وجوب الاتمام، إذ الوجوب حادث عند الامامية.إلا أن يراد بعدم الاخلال: عدم مخالفته النذر بعد انعقاده فهو حادث، لكن حينئذ يظهر منع المقدمة الرابعة، إذ وجوب]

٨٨

[الاتمام متحقق مع انعقاد النذر، وعدم الاخلال حادث بعده.وكذا الثالثة، لان عدم الحرمة ليس موقوفا على الاخلال الحادث.

[أما] الرابع: بيان خلل في اثبات الدور، وهو انا لا نسلم أن رفع العلة علة لرافع المعلول عند المتكلمين، فانهم قالوا: إن البناء فاعل للبناء، وعدم الفاعل لايستلزم بقاء البناء، وعلى مذهب الامامية القائلين بأن العبد فاعل لافعاله، وأن القبيح لا يصدر عن الله، اذا سب أحد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أو الله تلى في كتاب لا ريب أن هذا قبيح لا يصدر عن الله، مع أنه يبقى ويفنى الساب.وأيضا نمنع أن الجواز الذي رفعه لازم من تحريم السفر عين الجواز الذي كان بضم النذر سببا للتحريم.

ويمكن أيضا منع قوله: صحة انعقاد النذر فرع صحة تحريم السفر في الوجه الثالث من بيان الدور.

فإذا أحطت بما سمعت، فاعلم أن الحق جواز السفر على تقدير النذر المذكور، وجعل المصنفقدس‌سره هذا موضع الاشكال بعد ملاحظة أن النذر لا ينعقد في الحرام، وهو صوم السفر المذكور.

المسألة الرابعة

في القواعد: لو اشترى عبدا بجارية ثم أعتقهما، فإن كان الخيار له بطل العتقان، لانه بعتق الجارية مبطل للبيع، وبعتق العبد ملتزم بالعقد، فعتق كل منهما يمنع عتق الآخر فيتدافعان.

ويحتمل عتق الجارية، لان العتق فيها فسخ وفي العبد اجازة، واذا اجتمع الفسخ والاجازة قدم الفسخ، كما لو فسخ أحد المتعاقدين وأجاز الآخر البيع فإن الفسخ مقدم وعتق العبد، لان الاجازة ابقاء للعقد والاصل فيه]

٨٩

[الاستمرار.وفي الرسالة أن الشيخ العلامة المعاصر اختار بطلان العتقين كما اختاره المصنف، وأورد السيد الايد أن عتق العبد لما كان في ملكه فعتقه واقع في محله، وأما الجارية فإنما يقع عتقها في محله لو فسخ العقد الاول، ونفس العتق لا يدل على الفسخ إلا بضميمة أن فعل المسلم الاصل فيه الصحة، فلما عتق مملوك شخصا آخرا، ومعلوم أن عتق مملوك شخص آخر لا يصح، فلا بد أن يحتمل على أنه قبل العتق فسخ العقد حتى يمكن حمله على الصحة كما بينه الشيخ العلامة المذكور في مسألة دلالة العتق على الفسخ.ولا شك أن هذا إنما يتيسر اذا أمكن حمل فعله على الصحة، ولما كان العتقان باطلين لا يمكن حمل فعل المسلم على الصحة في المسألة المذكورة، فلا يدل على الفسخ فلا ينعقد عتقهما، فلا يزاحم عتق العبد فيعتق العبد، فالقوة للاحتمال الثالث.هذا خلاصة كلام الرسالة.وتلخيصه أن الصحة إنما هو ترتب الاثر، والعتقان لما حكم ببطلانهما في المسألة فلا يقال: إن فعل المسلم محمول على الصحة، واذا بطل حمل فعل المسلم على الصحة، فلا يقع الفسخ، فيبقى العبد معتقا، إذ عتق العبد مع عتق الجارية كعتق عبدالمعتق اعتقه مع عتق عبد غيره، إذ الجاريه صارت ملكا للغير فلا يقع عتقها.

نعم لو حمل فعل المسلم على الصحة، لابد من ملاحظة ابقاء بيع العبد وفسخ الجارية حتى يقع العتقان، واذا علمت أن حمل فعل المسلم على الصحة غير محمول على الصحة، فلا يكون قبل قول المعتق: اعتقهما، لا فسخ البيع ولا بقاؤه، فحينئذ يكون عتق العبد واقعا، اذالمانع من عتقه فسخ البيع ولم يقع.]

٩٠

[إن قلت: عتق العبد يستلزم محذورات:

الاول: ان فعل المسلم غير محمول على الصحة.

الثاني: لا يكون العتق في الخيار فسخا مع أن الشائع ذلك.

الثالث: انه يلزم حمل فعل المسلم على غير المشروع، وهو اعتاق مال الغير وهو الجارية.

قلت: مثل هذا مشترك في صورة بطلان العتقين وصوره عتق الجارية، والاحتمالات لا تخرج عن هذه: أما صورة بطلان العتقين، فلان بطلان كل من العتقين فساد فيلزم فسادان، واعتاق احدهما اعتاق مال الغير فيلزم خلاف الشرع، مع أنه يلزم عدم ترتيب الاثر وهو العتق، ولا شك أنه أمر مهم.

وأما عتق الجارية، فلانه يلزم منه اعتاق مال الغير بالنسبة إلى العبد، وبطلان عتق العبد، وعدم ايقاء البيع الذي يتوقف صحة فعل المسلم أعني عتق العبد عليه.اعلم أن فعل المسلم هنا إن حمل على المشروع، فلابد أن يلاحظ في: اعتقهما أمران: الاول فسخ البيع، الثاني: ابقاء للبيع.وهذا محال، فلا يصح حمل الفعل المذكور على المشروع إلا أن يقال: الفسخ لابد منه قبل العتق.وأما ابقاء البيع فلا يحتاج ملاحظة فلا يلزم المحال، إذ البيع المذكور إذا لم يفسخ يكفي في عتق العبد ولا يحتاج إلى ملاحظة الابقاء.وفيه أن المعتق لابد أن يلاحظ الفسخ ليصح عتق الجارية، وعدمه ليصح عتق العبد.

ولك أن تقول: إن اعتاقهما كذلك غير معقول، إذ قول المعتق: اعتقتهما، المراد به ايقاع أفعال مقدورة تكون سببا لعتقها، ومن جملة الاسباب ابقاء البيع وفسخه، فايقاعهما يكون عزما على جمع النقيضين، وهو محال، فيكون]

٩١

[العتقان باطلين.نعم لو كان الاعتاق المذكور واقعا لاحتمل عتق الجارية والعبد، وعتق العبد أقرب.

لا يقال: يحتمل أن يكون مراد المعتق بقوله: اعتاق احدهما، لاعلى التعيين، وحينئذ لا تلزم اكثر المحذورات.

لانا نقول: كلامنافي صورة يكون الاعتاق بالنسبة اليهما جميعا.

المسألة الخامسة

لو أجاز المرتهن الرهانة الثانية، ففي كونه فسخا لرهنه، أو فيما قابل الدين، أو العدم مطلقا نظر، اختار الشخى العلامة الاخير، مستدلا بأنه لا تنافي بين الرهنين حتى كون فسخا للاول، فكل منهما رهن صدر من أهله في محله، فكلاهما صحيحان.ولما كان الاول مقدما، فوجه صحة الثاني أنه إذا فضل من استيفاء دين الاول شئ يصرف في وجه الثاني.هكذا نقل في الرسالة المرسلة.والقول بعدم الفسخ يتصور على وجوه.

الاول: أن يكون استيفاء دين الاول مقدما، فإن فضل يكون للدين الثاني.

الثاني: أن يكون الثاني مقدما، وما فضل يكون للاول، عكس الاول.

الثالث: أن يكون المرتهنان في درجة واحدة، كما اذا أخذا رهنا في أول الحال من غير تقدم أحد المرتهنين في أخذ الرهن على الآخر.لكن من ذهب إلى عدم الفسخ لعله اختار الاول، نظرا إلى أن الرهن الاول تعلق بجميع أجزاء المرهون على السوية، والرهن الثاني لا يبطل التعلق الاول، فما لم يخرج المرهون عن استيفاء دين الرهن الاول لا يتعلق به استيفاء دين الرهن الثاني فيستلزم الترتيب.]

٩٢

[وحينئذ لا فائدة في الرهن اذا تساوى المرهون مع الدين الاول أو نقص عنه، إلا على تقدير أن يؤدى الدين الاول أو يسقط، لكن يبقى هذا القول محتملا، وهما اقرب من الفسخ على الوجه الذي قالوا به.

ثم أن القول بالفسخ بما قابل الدين متصور على انحاء:

الاول: أنظر ينظر الدينان أو يلاحظ نسبتهما ونسبة أجزاء المرهون، فإن كان الدين الاول ثلثين والدين الثاني ثلثا، يكون ثلث المرهون رهنا للثاني والباقي للاول.

الثاني: أن يكون الرهن للثاني والفاضل للاول على الترييب.

الثالث: أن يكون المرتهن الثاني يستوفي تمام دينه والباقي يكون للمرتهن الاول من غير ترتيب، كما اذا كان المرهون بألف دينار، ويكون الدين الاول خمسمائة والثاني ستمائة، يأخذ الثاني ستمائة ويدخل النقص في الاول.و الذي قاله السيد الايد من أن المرهون رهن لمجموع الدينين والنقص يدخل عليهما، لان كل واحد من الرهنين صدر من أهله في محله، وسبب تام في انعقاد الرهن، لان حجر الراهن المالك في ملكه إنما هو من جهة المرتهن، فإذا أذن المرتهن فقد تحقق سبب شرعي تام في نفاذ تصرف المالك في ملكه وانعقاد رهنه ولما لم يدل على بطلان الاول باحدى الدلالات الثلاث فكل الرهن على مجموعهما فيلزم التقسيط، فتكون الاجازة فسخا فيما قابل الدين الثاني، فيلزم بطلان رهن كل المرهون في مقابلة الدين الثاني.وكذا يلزم بطلان الرهن الثاني في مقابلة الدين الاول من حيث لا يدري.ونظير هذا ما اذا تنازعا فيما في يد الثالث، ولكل بينة مساوية لبينة الآخر من جميع الوجوه، فإنه يقسط عليها، مع أن التقسيط ابطال لبض دعوى كل منهما.هذا كلامه، فهو بالحقيقة قول بعدم الفسخ، لان كل واحد من الرهنين تعلق بكل المرهون وهو عدم الفسخ، إلا أن هذا قول آخر في معنى عدم الفسخ]

٩٣

[ألا يرى أنه لا يقال: إن الاول فسخ للثاني، ولو صح يلزم أن يكون الاول فسخا للثاني.وأيضا الذي يفهم من الفسخ في مقابلة الدين أن يكون اذن المرتهن استثناء لجزء من المرهون لدين المرتهن الثلاني.وعلى القول المذكور كل واحد من الرهنين يكون فسخا للآخر، مع أن جعل الرهن الاول فسخا للثاني مستبعد، ولو صح يكون هذا قولا رابعا.ثم إن هذا الكلام إنما يصح لو اجتمع الرهنان، كما اجتمع الدعويان في صورة التنظير المذكور، مع أن الرهن الاولى يقتضي التقديم والاختصاص، فحينئذ يأبى عن جمعه مع الثاني إلا بالاستثناء كما قلنا، فلهذا يسمى فسخا فيما يقابل الدين، وإلا فالتقسيط لا يسمى فسخا.قال صاحب الايضاح في بيان المذاهب الثلاثة: أما وجه أن الرهن الثاني فسخ للاول مطلقا: فهو أن الرهن يقتضي اختصاص المرتهن وتقدمة.وهذا لا يمكن جمعه مع الرهن الثاني، لان تقدم كل واحد من المرتهنين واختصاصه محال، فبطل الرهن الاول.

وأما وجه الفسخ بما قابل الدين: فهو أن المقصود استيفاء الدين، وهو ممكن هنا فلا منافاة ولا مزاحمة.

وأما وجه الثالث، وهو عدم الفسخ لا مطلقا ولا فيما قابل الدين، لان الرهن الثاني لا يدل على بطلان الاول لا مطابقة ولا تضمنا ولا التزاما، إذ لا مانع من تعلق دينين بعين واحدة وتقدم أحدهما على الآخر، وتكون الفائدة في أنه لو قضي المرتهن الثاني حقه بقي حق المرتهن الاول، وكذا لو أسقط[الثاني] حقه هذه عبارة الايضاح.ولو صح أن الرهن يقتضي التقدم والاختصاص، لا شك أنه لا يجتمع]

٩٤

[الرهن الاول والثاني، فمذهب من قال بالنسخ فيما قابل الدين حق بأن يكون الرهن الثاني عقدا بقيد رهانة جزء من المرهون لا كله، فيبطل اختصاص المرتهن الاول وتقدمه في الجزء المذكور، فمذهب القائل بالفسخ مطلقا، ومذهب القائل بالفسخ فيما قابل الدين، يمكن بناؤهما على أن الرهن يقتضي الاختصاص والتقدم، لكن الاقرب الابطال بقدر الحاجة وهو الفسخ فيما قابل الدين.وأما المذهب الثالث لا يمكن إلا بمنع أن الرهن يقتضي الاختصاص والتقدم، نعم يقتضيهما بمعنى أن المرتهن يتقدم على باقي الديان، لان المرتهن يتقدم على المرتهن.

المسألة السادسة

لو باع الراهن فطلب المرتهن الشفعة، ففي كونه اجازة اشكال، فإن قلنا به فلا شفعة.تحرير الكلام ان الشفعه معلول للبيع، وطلب المعلول يستلزم الرض بالعلة، فيكون الشفيع راضيا بالبيع، فتلزم الاجازه؟ فحينئذ يلزم بطلان الشفعه.وفيه أن الشفيع رضى بالبيع لاخذ الشفعة، والبيع مطلقا يكفي في الشفعة ولا يحتاج إلى اللزوم على ما ذهب إليه بعض الفهاء فلا يلزم من الرضى اللزوم، وكيف لا، ولو صح هذا تبطل الشفعة مطلقا، إذ كل شفيع يرضى بالبيع للشفعة فبطل الشفعة، فإذا جعلنا طلب الشفعة تجويزا للبيع والتجويز مبطل للشفعة لا تبقى شفعة أصلا.

في الرسالة: ذكر الشارح في ايضاحه والشهيد في تعليقاته على الارشاد، أنه يجب حمل فعل المسلم على الصحة والمشروع، فلما كانت مشروعية الطلب]

٩٥

[وصحته موقوفة على البيع الموقوف على الاجازة فيدل طلبه على اجازة.هذه عبارة الرسالة، ثم نقل السيد الايد عن شيخه شيخ الفقهاء، إذ اختار أن الطلب يدل على الاجازة مستدلا بما ذكروا، ورد عليه أن الطلب المذكور بعد ملاحظة أن المسلم طلبه مشروع، فتكون اجازته للبيع مقدما، فلا يمكن أن يكون مشروعا، لان طلب الشفعة بعد الاجازة مخالف للشرع.اعلم أن المستفاد من كلام الشارح العلامة في الايضاح، أنه يستدل بالرضى بالمعلول على الرضى بالعلة، وحينئذ لا يبقى للمقدمة القائلة بأن فعل السملم يحمل على المشروع مدخل، إلا بأن يقال: إن فائدته أن قول المسلم: أخذت الشفعة مثلا، وقع بعد البيع، وأما الرضى بالبيع فيدعى فهمه من أن الرضى بالمسبب يستلزم الرضى بالسبب.كذا يفهم من كلام الشيخ الشهيدقدس‌سره .

وفي الايضاح أقول: منشأ الاشكال الواقع في كون الطلب هنا اجازة البيع، هو أن الشفعة مترتبة على البيع، وطلب المعلول لا يتصور بدون الرضى بالعلة، فلا يتصور طلب المرتهن لشفعة إلا بالرضى بالبيع، وإن طلب المرتهن ثبوت ملكه وازالة ملك المشتري، هو طلب أمبر يساوي الفسخ في ازالة ملك المشتري الذي هو المقصود من الفسخ، فكما أن الفسخ لا يوجب الاجازة فكذا الشفعة، فلا يثبت على طالب الشفعة ضده، لانه إنما صدر عنه المساوي للفسخ.والتحقيق ان هذه المسألة تبنى على أن الشفعة هل تثبت بمجرد العقد، أم بلومه.فإن قلنا بالاول لم تكن اجازة ولم تسقط الشفعة به، لانه الرضى بالبيع]

٩٦

[الذى يتضمنه، طلب الشفعة لا يسقط الشفعة، وإلا لم تثب شفعة أصلا، وإنما لم تكن اجازة، لانه لا يدل عليها بالمطابقة والتضمن والالتزام، لجواز الغفلة عن كونها رهنا، فهو أعم، ولا دلالة للعام على الخاص.وان قلنا بالثاني، كان اجازة فتبطل الشفعة، لان طلبها يدل على اجازته لتلزم الشفعة، وإلا لم يصح الطلب، هذا كلامه.اعلم أن خلاصة الكلام قبل قوله: والتحقيق، أن الاشكال مبني على أمارتنين.

الاول: ان طلب الشفعة يقتضي الرضى بالعلة التي هو البيع، فيلزم الاجازة فتبطل الشفعة.

الثاني: ان قول الشفعى في قوة فسخت وأخذت الشفعة، فكما أن هذا القول لا يدل على الاجازة فكذا ما يساويه.

وأما ما قاله بعد قوله: والتحقق، فكلام برأسه، ويتوجه عليه أن الشفعة اذا جعلت مرتبة على البيع الازم لا يلزم دلالة قول الشفعيع على الرضى بالبيع لا بالمطابقة ولا غيرها، كما قال في أحد شقي الكلام في التحقيق، وهو ظاهر.

إن قلت: كلام الايضاح هنا مبني على أن فعل المسلم محمول على الصحة، فإذاعلم طالب الشفعة أن الشفعة مترتبة على البيع اللازم فطلب الشفعة فلزم البيع.

قلت: هب أنه كذلك، لكن الشفعيع يمكن أن يطلب الشفعة زاعما ان الشفعة تترتب على البيع الاعم، وإن كان الحق أن الشفعة مترتبة على البيع اللازم.

ثم أمكن أن يقال: لو لم يلاحظ المقدمة القائلة إن فعل المسلم محمول على]

٩٧

[المشروع، أن الطلب هنا ليس بمشروع، فإن الطلب فرع الرضى، فإذا رضى ثم طلب يكون طلب غير مشروع.والحق أن طلب الشفيع لا يستلزم تعقل الرضى، والمقدمة القائلة بأن طلب المعلول يستلزم الرضى بالعلة، ممنوعة ولا تسقط الشفعة.

إن قلت: إذا لاحظنا أن طالب الشفعة عمل بالمشروع في طلب الشفعة تلزم الاجازة واسقاط الشفعة.

قلت: هذه المقدمة على ما قال الشيخ الشهيدرحمه‌الله ، لان يعلم أن طالب الشفعة طلب الشفعة بعد البيع لا قبله، لان طلب الشفعة قبل البيع غير مشروع، وحينئذ لا فائدة كثيرة لتلك المقدمة، لان البحث مفروض بعد البيع.وكيف لا لو كان المقدمة المذكورة منظورا في الدليل تلغو بعض المقدمات، فإن قولهم الرضى بالمعلول رضى بالعلة إلى آخر ما قالوا لا يحتاج إلى ضم تلك المقدمة، وحيئنذ لا يلزم أن يكون الطلب غير مشروع، فإن الاجازة تلزم بنفس طلب الشفعة لا من المقدمة المذكورة.

إن قلت: نحن نحرر هكذا: إن فعل السملم محمول على أنه عالم بأن الشفعة لا تتصور إلا بعد لزوم البيع، فيلتزم بالبيع ثم يطلب الشفعة، وحينئذ تبطل الشفعة ويكون الطلب أيضا غير مشروع.

قلت: هذا الكلام يبطل الشفعة مطلقا، مع أنه غير معقول في نفسه كما لا يخفي.نعم يتوجه ما أوردنا أن طلب الشفعة باللفظ الدال اذا كان بعد الاكثر لم يكن الطلب غير مشروع، سواء لوحظت المقدمة القائلة بأن فعل المسلم محمول على المشروع أولا.

المسألة السابعه

لو جعلا أي الراهين والمرتهن الرهن على يد عدلين، لم يجز لاحدهما التفرد]

٩٨

[به ولا ببعضه، ولو سلمه أحدهما إلى الآخر ضمن النصف، ويحتمل أن يضمن كل واحد منهما الجميع.اختار الشيخ الفقيه الثاني، وأورد أن أصل المسألة كأنها مسألة على التناقض، لانه لا يخلو: إما أن يكون فرض المسألة فيما اذا كان هناك قرينة حالية أو مقالية على الايداع بكل منهما، أولا، بل المودع الكل المجموعي بأن يكون كل منهما مودعا للنصف.فإن كان الثاني فكيف يضمن كل واحد منهما الجميع، وانه ما تعدى إلا في النصف الآخر المتعلق بصاحبه.وإن كان الاول فمثبت اليد على الكل ما قصر، لانه حفظ الكل وذلك واجب عليه، غاية ما في الباب أن صاحبه ما وافقه في الشركة، ولا يمكن مؤاخذة شخض بفعل الغير وتقصيره، فإن من الجائز أن يكون الحافظ مع عدم تقصيره في الحفظ جلب الموافقة من صاحبه ولم يوافقه الصاحب، فأي ذنب له.فالاعدل هو الاول، هذا كلام الرسالة.وفيه أن المراد أن الرهن جعل في يد عدلين، بمعنى أن يكون حفظ كل واحد مشروطا بنظر الآخر، فإذا ترك أحدهما الحفظ فقد ترك كل منهما الحفظ بشرط نظر الآخر.نعم الاول قصر حيث ترك الحفظ بشرط النظر وتصرف في مال الغير بغير رضاه، فهما يضمنان الكل، وذنب الحافظ اكثر.

المسألة الثامنة

القول قول المرتهن في أن رجوعه عن اذنه للراهن في البيع قبله ترجيحا للوثيقة، لان الاصل عدم بيع الرهن في الوقت الذي يدعيه، وعدم رجوع المرتهن في الوقت الذي يدعيه، فيتعارضان ويبقى الاصل استمرار الرهن.ويحتمل تقديم قول الراهن عملا بصحة العقد، اختار الشيخ العلامة]

٩٩

[الاول.وفي الرسالة أن الظاهر هو الثاني، لانه بعد ما حصل الاذن فالاصل استمراره بحكم الاستصحاب، وليس لعدم بيع الراهن في الوقت الذي عينه أصالة بعد تحقق الاذن.

والحاصل: ان لعدم بيع الراهن في وقت شرعي أصالة قبل تحقق الاذن، وبعد تحقق الاذن صار الاصل هو صحة بيعه ووقوعه في وقت شرعي، خصوصا اذا ضم إليه أصالة صحة العقد، فالقوة للثاني، انتهي.واعلم أن الاذن لا يدفع أصالة عدم وقوع البيع في وقت شرعي، وكيف لا والاذن لا يستلزم الوقوع، وكما أن الاصل صحة البيع فكذا الاصل بقاء الرهن، فاختيار الشيخ العلامة غير بعيد.

المسألة التاسعة

لو شككنا في وقوع الرضا بعد الحولين، تقابل أصلا البقاء، والاباحة، لكن الثاني أرجح، وفي الرسالة فيه اشكال من وجوه:

الاول: ان الاباحة ما بقي له تأثير واعتبار مع استصحاب بقاء الحولين وتحقق الناقل، فإنه قبل زمان الشك لا شك أنه كان زمان الحولين، فيستمر بحكم الاستصحاب حتى يزيله ناقل، ولا شك أن بعد الشك ما تحقق الناقل فثبت الرضاع، فثبت الناقل عن الاباحة الاصلية بعد أن كانت مما بقي أثره، بل الاصل صار عدم الاباحة كما تقرر أن الاصل يجب به العلم إلى أن دل دليل على زواله، فبعد ذلك صار الاصل زواله إلى أن دل دليل على زوال البقاء.

الثاني: إن أصالة البقاء لو تمت لتمت في بعض الصور، كما اذا عرفت خمس عشرة رضعة في زمان معين، ولم يعلم اتصال الحولين إلى هذا الزمان، فالاصل اتصاله أما اذا علم انقطاع الحولين في زمان، ويشك في أن خمس]

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

يؤكّد كون الرواية لم تنقل كاملة ـ بل سقطت منها الكلمة التي هي على خلاف أهداف وأهواء القوم ـ ما أخرجه القندوزي الحنفي عن جابر بن سمرة قال : ( كنت مع أبي عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول: ( بعدي أثنا عشر خليفة ) ثم أخفى صوته ، فقلت لأبي ما الذي أخفى صوته ؟ قال : قال : ( كلهم من بني هاشم ) ، وعن سماك بن حرب مثله )(١) ، ومن ذلك يتضح أنّ كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) كانت موجودة في الحديث ، ولعلّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : ( كلّهم من قريش من بني هاشم ) ، وهذا ما استشعره بعض علماء السنّة كابن الجوزي ، حيث قال في ( كشف المشكل ) : ( قد أطلت البحث عن معني هذا الحديث ، وتطلّبت مظانه ، سألت عنه ، فلم أقع على المقصود به ؛ لأنّ ألفاظه مختلفه ، ولا أشك أنّ التخليط فيها من الرواة )(٢) ، ويدعم هذا القول ما ذهب إليه ابن العربي ، بعد عجزه عن تفسير حديث الاثني عشر ، تفسيراً واقعياً ، قال : ( ولعلّه بعض حديث )(٣) ، ممّا يؤكّد سقوط كلمة ( كلّهم من بني هاشم ) من الحديث .

٧ – الاثنا عشر خليفة أمان لأهل الأرض ، إذا ذهبوا ماجت الأرض بأهلها ، وإذا مضوا لا يبقى الدين قائماً ، ويفقد المسلمون منعتهم وصلاحهم ، وهذه المعاني التي جاءت في حديث الاثني عشر تلتقي وتلائم تمام الملائمة مع الروايات التي نقلها الفريقان بحق أهل البيت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كقوله :( أهل بيتي أمان لأهل الأرض فإذا ذهب أهل بيتي ذهب

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ٣١٥ ح ٩٠٨ .

(٢) نقلاً عن فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٣ .

(٣) شرح صحيح الترمذي : ج ٩ ص ٦٨ .

١٢١

أهل الأرض ) (١) .

٨ ـ قد افترضت نصوص الاثني عشر أنّ أولئك الخلفاء ( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) ، كما فهم هذا المعنى أيضاً ابن كثير في تفسيره عندما قال : ( ومعنى هذا الحديث البشارة بوجود اثني عشر خليفة صالحاً يقيم الحق ، ويعدل فيهم )(٢) ، ولا يجد المتتبّع تفسيراً واحداً من التفاسير لهذا الحديث ، يجمع فيه اثني عشر خليفة كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، خصوصاً مع ما ذكرناه من وجوب كون أولئك الخلفاء سلسلة متكاملة ، ومتناسقة ومتوالية زماناً ، وهذا ما يثبت لنا عدم مصداقية أي تطبيق واقعي للحديث ، سوى أهل البيتعليهم‌السلام ، الذين جعلهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هداة مهديين من بعده ، وأمر بالتمسّك بهديهم ، وجعلهم عِدلاً للقرآن الكريم لا يفترقان حتى يردا عليه الحوض .

٩ ـ من الخصائص المهمّة التي تضمّنتها أحاديث الاثني عشر قيموميّة أولئك الخلفاء على الدين والأمة ( اثنا عشر قيماً ) ، ولا شك أنّ القيموميّة تستدعي الرقابة والوصاية على الدين ، وعلى الأمّة الإسلامية ، وهذا المعنى لم يُدّع لأحد ، ولا ادّعاه غير أهل البيتعليهم‌السلام ، وهذا هو مقتضى كونهم عِدلاً للقرآن الكريم ، وأيضاً مقتضى قول رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( في كل خلوف من أُمّتي عدول من أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن

ـــــــــــــ

(١) شواهد التنزيل ، الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ؛ ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ ؛ انظر : المستدرك : الحاكم : ج ٢ ص ٤٤٨ ؛ قال فيه : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ؛ تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٠ ص ٢٠ ؛ النزاع والتخاصم : المقريزي : ص ١٣٢ ؛ وغيرها .

(٢) تفسير ابن كثير : ج ٢ ص ٣٤ .

١٢٢

توفدون ) (١) .

١٠ ـ إنّ الصخب ، واللغط ، والضجّة المفتعلة ، وقيام القوم وقعودهم ، وتصميتهم لجابر والحاضرين يثير الانتباه ، ويستدعي الريب ، ويكشف أنّ في الأمر شيئاً ، لا يريد القوم وصوله إلى مسامع الحاضرين ، ولم تكن هذه الحادثة فريدة نوعها ، بل فعل ذلك القوم أيضاً عندما ضجّوا ، وتنازعوا عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حينما قال :( ائتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعدي أبداً ) ، فوقعت حينها الضجّة المفتعلة ، حتى قال بعضهم : إنّ النبي ليهجر ، وليس ذلك إلاّ للحرص على الخلافة ، وطمعاً بالملك والسلطان والإمارة وهو الذي قد أخبر عنه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند مخاطبته لأصحابه بقوله :( إنّكم ستحرصون على الإمارة ، وستكون ندامة يوم القيامة فنعم المرضعة وبئست الفاطمة ) (٢) .

١١ ـ حديث ابن مسعود المتقدّم ، يكشف عن أنّ الصحابة هم الذين سألوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الخلفاء من بعده ، وهذا يلفت النظر إلى نقطتين :

الأُولى : أنّه ليس من المنطقي أن يسأل الصحابة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الأُمراء الذين يتسلّطون على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، وهو ذلك الرسول العظيم الذي ختم الرسالات فلا نبي بعده .

إذن لابد أن يكون السؤال عن الخلفاء الذين نصّبهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده ، وهم أهل بيتهعليهم‌السلام بنص حديث الغدير وحديث الثقلين وغيرهما ، وهذا ديدن وطريقة اعتادها الصحابة آنذلك ، فقد سألوا أبا بكر وعمر عن الذي يلي الأمر من بعدهما .

ـــــــــــــ

(١) الصواعق المحرقة : ٢٣١ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٤ ص ٣٥٥ ح ٧١٤٨ ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٠ ص ٣٣٤ ؛ وغيرهما من المصادر الكثيرة .

١٢٣

الثانية : أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أراد من الإمرة والخلافة من يكون مؤهّلاً ومستحقّاً لها ، فلا معنى لحمل الحديث على أمثال معاوية ويزيد ومروان والوليد وأمثالهم ، الذين عاثوا في الأرض فساداً ، ولعبوا بمقدّرات الأمة الإسلامية بما شاءوا ورغبوا ، فالمراد من الخليفة هو مَن يستمد سلطته من الشارع الأقدس ، ومن أجل ذلك ذكر شارح سنن أبي داود في شرحه ( عون المعبود ) أنّ : ( السبيل في هذا الحديث ، وما يتعقّبه في هذا المعنى أن يحمل على المقسطين منهم ، فإنّهم هم المستحقون لاسم الخليفة على الحقيقة )(١) .

١٢ ـ بعد أن صدع رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حجة الوداع بذكر الخلفاء من بعده ، وأنّهم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش ومن بني هاشم ، وكلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ، لم يكتف بذلك ـ ولعلّه لما حصل من الضجّة واللغط المفتعل ـ بل قام خطيباً ، بعد رجوعه من حجّة الوداع في طريقه إلى المدينة في غدير خم ، ونصّب عليّاً خليفة من بعده ، فعيّن أوّل خليفة من الخلفاء الاثني عشر ، وبادر بعد ذلك قائلاً : ( إنّي تارك فيكم الخليفتين من بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، وإنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض ) (٢) ، حينها عرف الناس مَن هم الخلفاء بعد رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأتمّ بذلك الحجّة على الخلق ، لكي يسدّ بذلك منافذ الريب والتشكيك ، ولئلاّ يقول أحد : إنّي لم أسمع ، أو خفي علي ، أو صمّنيها ، أو صمّتنيها الناس !! .

ـــــــــــــ

(١) عون المعبود : ج ١١ ص ٢٤٥ .

(٢) المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٦ ص ٣٠٩ ، كتاب السنّة ، عمرو بن أبي عاصم: ص ٣٣٧ ح ٧٥٤ ص ٦٢٩ ح ١٥٤٩ ؛ مسند أحمد : ج ٥ ص ١٨٢ ؛ المعجم الكبير: ج ٥ ص ١٥٣ ح ٤٩٢١ ص ١٥٤ ح ٤٩٢٢ ؛ مجمع الزوائد : ج ١ ص ١٧٠ قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله ثقات ) ، وكذا في ج ٩ ص ١٦٢ ، وقال في ص ١٦٣ : ( رواه أحمد وإسناده جيّد ) ؛ الجامع الصغير ، السيوطي : ج ١ ص ٤٠٢ ح ٢٦٣١ ؛ الدر المنثور : ج ٢ ص ٢٨٥ .

١٢٤

١٣ ـ ما ورد من الأحاديث المتضافرة التي نصّت على إمامة أهل البيتعليهم‌السلام ، والتي تناولت الأئمّة الاثني عشر بذكر أسمائهم على نحو التفصيل ، وهي كثيرة جدّاً نكتفي بذكر بعضها :

١ ـ ما جاء في فرائد السمطين للحمويني المصري(١) : ( عن مجاهد عن ابن عباس قال : قدم يهودي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقال له : نعثل ، فقال : يا محمد إنّي أسألك عن أشياء ـ إلى أن قال ـ : فأخبرني عن وصيّك مَن هو ؟ ، فما من نبي إلاّ وله وصي ، وإنّ نبيّنا موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، فقال :نعم ، إنّ وصيي والخليفة من بعدي علي بن أبي طالب عليه‌السلام ، وبعده سبطاي : الحسن ثم الحسين ، يتلوه تسعة من صلب الحسين أئمّة أبرار ، قال : يا محمد فسمّهم لي ؟

قال :نعم ، إذا مضى الحسين فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، فإذا مضى محمد فابنه جعفر ، فإذا مضى جعفر فابنه موسى ، فإذا مضى موسى فابنه علي ، فإذا مضى علي فابنه محمد ، ثم ابنه علي ، ثم ابنه الحسن ، ثم الحجّة ابن الحسن ، أئمّة عدد نقباء بني اسرائيل ، فهذه اثنا عشر )(٢) .

٢ ـ ونقل الحمويني أيضاً في فرائده : عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( أيّها الناس

ـــــــــــــ

(١) أطرى عليه الذهبي ت / ٧٤٨ هـ في تذكرة الحفاظ قال : الإمام المحدث الأوحد الأكمل فخر الإسلام صدر الدين ، إبراهيم بن محمد بن المؤيد بن حمويه الخراساني الجويني شيخ الصوفية كان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الاجزاء ، حسن القراءة مليح الشكل مهيباً ديّناً صالحاً مات سنة اثنتين وعشرين وسبع مائة تذكرة الحفّاظ ، الذهبي : ج ٤ ص ١٥٠٦ .

(٢) فرائد السمطين ، الحمويني : ج ٢ ص ١٣٣ ص ١٣٤ ح ٤٣١ ، وبنفس الألفاظ ما جاء في ينابيع المودة للقندوزي ، ج ٣ ص ٢٨٢.

١٢٥

إنّ الله عزّ وجلّ أمرني أن أنصب لكم إمامكم والقائم فيكم بعدي ووصيي وخليفتي ولكن أوصيائي منهم : أوّلهم أخي ، ووزيري ، ووارثي ، وخليفتي في أُمّتي ، وولي كل مؤمن بعدي ، هو أوّلهم ثم ابني الحسن ، ثم ابني الحسين ، ثم التسعة من ولد الحسين واحداً بعد واحد حتى يردوا عليّ الحوض ) (١) ـ وهكذا ينقل الحمويني ذلك في مواطن عديدة ، وروايات عديدة وبطرق مختلفة ؛ فراجع .

٣ ـ الحافظ أبو محمد بن أبي الفوارس في كتابه ( الأربعين )(٢) .

كذلك أخرج ذكر الخلفاء من أهل بيت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأسمائهم .

٤ ـ العلاّمة أبو مؤيد موفق بن أحمد المتوفّى (سنة ٥٦٨) في كتابه ( مقتل الحسين ) : ذكر الخلفاء أيضاً بأسمائهم المتقدّمة(٣) .

٥ ـ العلاّمة فاضل الدين محمد بن محمد بن إسحاق الحمويني الخراساني في ( منهاج الفاضلين )(٤) .

٦ ـ كذلك الحمويني في ( درر السمطين )(٥) .

٧ ـ العلاّمة الشيخ إبراهيم بن سليمان في كتاب ( المحجّة على ما في

ـــــــــــــ

(١) فرائد السمطين ، الحمويني ، السمط الأول : ج ١ ص ٣١٥ ـ ٣١٨ ح ٢٥٠ .

(٢) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٥٩ ؛ نقلاً عن كتاب الأربعين ، ابن أبي الفوارس : ص ٣٨ .

(٣) مقتل الحسين ، الخوارزمي : ص ١٤٦ ـ ١٤٧ .

(٤) شرح إحقاق الحق للسيد المرعشي : ج ١٣ ص ٦٨ ؛ نقلاً عن كتاب منهاج الفاضلين ، الحمويني : ص ٢٣٩ .

(٥) شرح إحقاق الحق ، السيد المرعشي النجفي : ج ٤ ص ٩٣ ـ ٩٤ ؛ نقلاً عن كتاب درر السمطين ، الحمويني : ص ٧٢٢ .

١٢٦

ينابيع المودّة )(١) ، أيضاً ذكرهم بأسمائهم عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨ ـ العلاّمة المولى محمد صالح الكشفي الحنفي الترمذي ، في كتابه ( المناقب الرضوية )(٢) .

إلى غير ذلك من الروايات المتضافرة التي تؤكّد هذا المعنى .

وعلى ضوء ما سلف ، يتحصّل أنّ العترة الطاهرة يمثّلون امتداداً طبيعياً لحركة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في جميع أبعاد الحياة ، وقد فرضوا شخصيّتهم رغم أنف الأعداء ، وقد أجمعت الأمة على أعلميّتهم وأهليّتهم للخلافة ، وأنّهم الأسوة الحسنة ، ويعد ذلك من أفضل الأدلة لإثبات أحقيّتهم ، وأهليّتهم للإمامة والقيادة ، وعصمتهم ؛ لأنّهمعليهم‌السلام جسّدوا النظرية الإسلامية على الواقع العملي ، فعندما نرصد حياة الأئمّةعليهم‌السلام ، وكيف كانوا إسلاماً متحركاً على الأرض ، وقرآناً ناطقاً يعيش بين الناس ؛ نستنتج مباشرة أن هذا المستوى الرفيع من الأسوة والقدوة لا يمكن أن تعكسه إلاّ شخصيات معصومة ، استجمعت فيها الصفات التي تؤهّلها لأن تكون منبع الهداية للبشرية ؛ لذا أجمعت الأمة على أنّ هؤلاء العترة لهم من الخصائص والمميزات ما لم تكن لغيرهم ، رغم ما عانوه من ظلم واضطهاد ، فهم الذين تنطبق عليهم خصوصيات الاثني عشر ، التي بيّنها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أحاديث الأثني عشر المتقدمة ، ولكن أصحاب المطامع آلوا على أنفسهم إلاّ أن يُقصوا وينحّوا أهل البيتعليهم‌السلام عن مناصبهم ومراتبهم التي رتّبهم الله فيها ، ولم يكتفوا بذلك بل تمادوا في تعريض أهل البيتعليهم‌السلام لألوان الظلم والاضطهاد ، والمعاملة السيّئة الفظّة الغليظة ، التي يندى لها الجبين ، وتعتصر منها القلوب ألماً ومرارة ، ولم يكن لهم ذنب سوى أنّهم كانوا الامتداد الإلهي لخط الرسالة ، وكانوا أمناءها ، والرقباء عليها ، فهم الثقل الموازي للقرآن الكريم .

ـــــــــــــ

(١) المحجّة على ما في ينابيع المودّة ، الشيخ هاشم بن سليمان : ص ٤٢٧ .

(٢) المناقب المرتضوية ، محمد صالح الترمذي : ص ١٢٧ .

١٢٧

إذن ، ينبغي علينا كمسلمين أن نستنير بنور هؤلاء الهداة الميامين ، ونكون بذلك ممتثلين لأوامر الله تعالى ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وممّا تقدّم اتضحت الإجابة بخصوص ما قد يقال : من أنّ وصف عزّة الإسلام بأولئك الخلفاء الاثني عشر لا ينطبق على أئمّة الشيعة ، حيث الموقع السامي والريادي والمكانة العظيمة التي يمتلكها أهل البيتعليهم‌السلام في نفوس الأمة الإسلامية ، وهو ما أكّده علماء السنّة في أغلب كتبهم ، وبالإضافة إلى ذلك نقول :

إنّ عزة الإسلام وصلاحه وبقائه إلى قيام الساعة ، من المهام ، والوظائف الأساسية ، التي أناط رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مسؤوليتها ، وتحقيقها بأهل البيتعليهم‌السلام ، كما يكشف عن ذلك حديث الثقلين وحديث الغدير ، وأنّهم عِدل القرآن ، وأنّ النجاة والأمان والعزّة عند الله لا تنال إلاّ بالاعتصام والتمسّك بهم ، ومَن يتبعهم يكون عزيزاً بعزّة الله ، مرضيّاً عنده تعالى .

كما أخرج ذلك الحاكم في مستدركه ، عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق وأهل بيتي أمان لأُمّتي من الاختلاف ، فإذا خالفتها قبيلة من العرب اختلفوا فصاروا حزب إبليس ) (١) ، ثم علّق عليه قائلاً : هذا الحديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه .

ـــــــــــــ

(١) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٤٩ .

١٢٨

وبنفس المضمون ما ورد في عدّة كثيرة من المصادر عن عمر : أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( في كل خلوف من أُمّتي عدول أهل بيتي ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين ، ألا وإنّ أئمّتكم وفدكم إلى الله عزّ وجلّ ، فانظروا مَن توفدون ) (١) .

وعن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ويسكن جنّة عدن ، غرسها ربّي ، فليوال عليّاً ، وليوال وليّه ، وليقتد بالأئمّة من بعدي ، فإنّهم عترتي ، خُلقوا من طينتي ، رزقوا فهماً وعلماً ، ويل للمكذبين بفضلهم من أُمّتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي ) (٢) .

وعن عمار بن ياسر ، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أوصي مَن آمن بي وصدّقني بولاية علي بن أبي طالب ، مَن تولاّه فقد تولاّني ، ومَن تولاّني فقد تولّى الله عزّ وجلّ ، ومَن أحبّه فقد أحبّني ، ومَن أحبّني فقد أحبّ الله تعالى ، ومَن أبغضه فقد أبغضني ، ومَن أبغضني فقد أبغض الله عزّ وجلّ ) قال الهيثمي في مجمع الزوائد : ( رواه الطبراني بإسنادين أحسب فيهما جماعة ضعفاء ، وقد وثقوا )(٣) .

وقد أخرجها ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق بطرق كثيرة(٤) .

وعن وهب بن حمزة قال : ( صحبت عليّاً إلى مكة فرأيت منه بعض ما أكره ، فقلت لأن رجعت لأشكونّك إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا قدمت لقيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

ـــــــــــــ

(١) ذخائر العقبى ، محي الدين الطبري : ص ١٧ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ٣٥٢ ؛ رشفة الصادي ، أبو بكر الحضرمي : ص ١٧ ؛ ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٢ ص ١١٤ .

(٢) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج ٤٢ ص ٢٤٠ ؛ حلية الأولياء ، الحافظ أبي نعيم الأصفهاني : ج ١ ص ٨٦ .

(٣) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٨ ، ١٠٩ .

(٤) تاريخ مدينة دمشق : ج ٤٢ ص ٢٣٩ وما بعدها .

١٢٩

فقلت : رأيت من علي كذا وكذا ، فقال :لا تقل هذا فهو أولى الناس بكم بعدي )(١) .

وعن زيد بن أرقم قال : قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( مَن أحبّ أن يحيا حياتي ويموت موتتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ، فإنّ ربّي عزّ وجلّ غرس قصباتها بيده ، فليتولّ علي بن أبي طالب ، فإنّه لن يخرجكم من هديي ولن يدخلكم في ضلالة ) (٢) ، قد أخرجه الحاكم في المستدرك وقال عنه : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

إلى غير ذلك من المصادر الكثيرة ، والروايات المتواترة معنىً ومضموناً ، مع صحّتها وصراحتها ، وأدنى ما نجيب عمّن أراد التشكيك بها : أنّها تفيد القطع واليقين ؛ لتعدّد ألفاظها ، وكثرة طرقها ، والمصادر التي نقلتها ، فهي أحاديث نبويّة يقوّي بعضها بعضاً لإثبات مضمونها بالقطع واليقين ، وهو وجوب التمسّك بولاية أهل البيتعليهم‌السلام واتّباع هديهم .

إذن بأهل البيتعليهم‌السلام وباتباعهم تتحقق عزّة الإسلام ، والحفاظ على وجوده الحقيقي وقيمه ومبادئه الأصيلة ، من التقوى والإخلاص والاستقامة والصلاح وغيرها من المعارف الروحية والقيم الأخلاقية ، وليست عزّة الإسلام بالتظاهر بالإسلام ، واتخاذه شعاراً للتسلّط على رقاب الناس بالقهر والغلبة ، ومن هنا نجد أنّ الحكم الإسلامي على يد الظلمة تحوّل إلى ما كان عليه قبل الإسلام من كونه ملكاً عضوضاً لا يحمل من قيم الإسلام شيئاً .

إذن عزّة الإسلام لا تتحقق إلاّ في حفظ الإسلام الحقيقي ، الذي لا يتحقق إلاّ باتباع أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٢٢ ص ١٣٥ ؛ مجمع الزوائد : ج ٩ ص ١٠٩ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٤ ص ٤٧٠ ـ ٤٧١ .

(٢) المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ١٩٤ .

(٣) المستدرك ، الحاكم : ج ٣ ص ١٣٠ .

١٣٠

الأُمّة لم تجتمع على أهل البيتعليهم‌السلام

وأمّا عبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) ، وأنّ أهل البيتعليهم‌السلام ما أجتمعت عليهم الأُمّة فجوابها :

١ ـ إنّ رواية الاثني عشر خليفة المتضمّنة لعبارة ( كلّهم تجتمع عليه الأمة ) لم ترد في الكتب الحديثية ، والمصادر السنّية ، إلاّ في سنن أبي داود ومسند البزار ، ولم يخرجاها إلاّ بسند واحد ضعيف ، كما ذكر ذلك الألباني ، في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، حيث قال : ( وأخرجه أبو داود ( ٢ / ٢٠٧) من طريق إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبيه ، عن جابر بلفظ : لا يزال هذا الدين قائماً ، حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة ، كلّهم من قريش ، وأخرجه البزار (١٥٨٤ ـ كشف) عن أبي جحيفة نحوه ، وهذا سند ضعيف ، رجاله كلهم ثقات ، غير أبي خالد هذا ، وهو الأحمسي ، وقد تفرّد بهذه الجملة ( كلهم تجتمع عليه الأمة ) ، فهي منكرة )(١) ، والتضعيف ذاته ذكره أيضاً في تعليقته على سنن أبي داود ، حيث قال بعد أن أورد الحديث : ( صحيح : دون قوله ( تجتمع عليه الأمة ) )(٢) .

٢ ـ من الشواهد التي تؤكّد عدم صحّة صدور هذه العبارة من النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو عدم انطباقها على الواقع أصلاً ، حيث لم نجد شخصاً اجتمعت عليه الأمة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بل البعض ممّن ادعي كونه من الخلفاء الاثني عشر ، لم يجتمع عليه أغلب الأمة ، فضلاً عن جميعها .

ـــــــــــــ

(١) سلسلة الأحاديث الصحيحة ، الألباني : مج ١ ، ق ٢ ، ص ٧٢٠ ح ٣٧٦ .

(٢) صحيح سنن أبي داود الألباني : ج ٣ ص ١٩ ح ٤٢٧٩ .

١٣١

ولذا قال ابن كثير في البداية والنهاية ( فإن قال : أنا لا اعتبر إلاّ مَن اجتمعت الأمة عليه ، لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالبعليه‌السلام ولا ابنه ؛ لأنّ الناس لم يجتمعوا عليهما ؛ وذلك أنّ أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما ، ولم يقيّد بأيام مروان ، ولا ابن الزبير كأنّ الأمّة لم تجتمع على واحد منهما )(١) .

وهذا ما اعترف به ابن حجر العسقلاني أيضاً في فتح الباري(٢) .

٣ ـ إن أكثر مَن أدعي اجتماع الأمة عليه ، كيزيد بن معاوية ، ومروان بن الحكم ، والوليد ، و مروان الحمار ، وغيرهم لم يكن متوفّراً على خصائص الخلفاء الاثني عشر ، من كونهم يعملون بالهدى ودين الحق ، وأنّهم قيّمون على الدين ، والدين قائم بهم ، وغير ذلك من الصفات السامية ، التي تقدّم ذكر بعضها .

الخلاصة

١ ـ إنّ حديث الاثني عشر ، حقيقة صادرة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد تواترت الروايات من الفريقين بنقلها بألسن مختلفة ، كلّها تشير إلى مضمون واحد ، ومن هذه الروايات قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا يزال هذا الأمر صالحاً حتى يكون اثنا عشر أميراً ) (٣) .

ـــــــــــــ

(١) البداية والنهاية ، ابن كثير : ج ٦ ص ٢٨٠ .

(٢) فتح الباري : ج ١٣ ص ١٨٢ .

(٣) مسند أحمد : ج ٥ ص ٩٧ ص ١٠٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ٦١٨ ؛ انظر : مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٥ ص ١٩٠ وقد صحّحه .

١٣٢

٢ ـ إنّ أهل السنّة لم يتمكّنوا أن يقدّموا تفسيراً واقعيّاً لحقيقة الاثني عشر خليفة ، وإنّ تفسيراتهم المضطربة والمتناقضة فيما بينها خير شاهد على عجزهم عن فهمها وتفسيرها ، على الرغم ممّا ارتكبوه من تكلّف ظاهر على حدّ تعبير بعضهم ، لا سيّما وأنّ البعض(١) قد أوكل تفسير حديث الاثني عشر إلى الله تعالى بعد أن عجز عن تفسيره تفسيراً صحيحاً .

٣ ـ إنّ الخصائص والمميزات التي تحملها أحاديث الاثني عشر ، لا تنطبق في الواقع الخارجي إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام ، فمثل صفة ( صلاح أمر الأُمّة والناس بهم ) و( كلّهم يعمل بالهدى ودين الحق ) و( إذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها ) ، ونحوها ، لا تنسجم ولا تنطبق إلاّ على عترة أهل البيتعليهم‌السلام ، فضلاً عمّا يحمله أهل البيتعليهم‌السلام من خصائص ومميّزات استثنائية ، وما يحملونه من مؤهّلات علمية وعملية بإجماع أهل العلم ، وعلى جميع المستويات الفكرية والروحية ونحوها ، كل هذا يؤكّد ويدعم كون حديث الاثني عشر لا يمكن انطباقه إلاّ على أهل البيتعليهم‌السلام .

ـــــــــــــ

(١) شرح صحيح مسلم ، النووي : ج ١٢ ص ٢٠٣ .

١٣٣

الفصل الثالث: غيبة الإمام المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشّريف)

الشبهة :

١ ـ ما الفائدة من وجود إمام غائب ؟

٢ ـ إنّ الحجّة عند الشيعة لا تقوم إلاّ بإمام ، فكيف يترك الإمامة ويغيب ؟

الجواب :

قبل البدء ينبغي ذكر تمهيد مختصر له مدخليّة في الإجابة .

تمهيد :

إنّ الشريعة التي جاء بها الدين الإسلامي ما هي ـ في مجملها ، وحقيقتها ، وبكل جوانبها ـ إلاّ خطّة إلهيّة أُعدّت بإحكام ، ووُضعت من أجل ترشيد المجتمع البشري نحو الأصلح والأقوم ، وبلوغ السعادة في الدارين .

وقد وعد الله تعالى البشرية ـ التي عانت طوال حياتها من الظلم ، والجور ـ أن يسودها العدل والأمان في الأرض .

قال تعالى :( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدّينِ كُلّهِ ) (١) .

وقال تعالى أيضاً :( وَنُرِيدُ أَن نمُنّ عَلَى الّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) (٢) .

إلاّ أنّ تحقق هذا الهدف على أرض الواقع يتوقّف على توفّر شرائطه ، التي شاء الله عزّ وجلّ بحكمته أن تكون من طرقها الطبيعية ، وضمن ما هو المألوف ، لا بشكل إعجازي وخارق لما هو المعتاد .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٣٣ .

(٢) القصص : ٥ .

١٣٤

وحيث إنّ الله تعالى ـ لحكمته ولطفه بعباده ـ قد نصّب أولياء هداة معصومين ، يمثّلون امتداداً طبيعياً للرسالة المحمّديّة ، فهم أُمناء الوحي والرسالة ، وحجّة الله على العباد ، وهم الأئمّة الاثنا عشرعليهم‌السلام بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أوّلهم الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وآخرهم الإمام المهديعليه‌السلام ، وقد ثبت ذلك مسبقاً ، بمقتضى عدد وافر من الآيات القرآنية ، كآية الولاية ، وآية أُولي الأمر ، وآية التطهير ، وآيات البلاغ في الغدير ، وآية المودّة في القربى(١) وغيرها ، مضافاً إلى عدد كبير جداً من الأحاديث النبويّة التي رواها أصحاب الصحاح من أهل السنّة ، كحديث الثقلين المتواتر الذي مفاده أنّ أهل البيتعليهم‌السلام لن يفترقوا عن القرآن حتى يردوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحوض(٢) ، فكما أنّ القرآن باقٍ إلى يوم القيامة كذلك أهل البيتعليهم‌السلام ، وكحديث الخلفاء الاثني عشر (كلّهم من قريش)(٣) ، وحديث السفينة(٤) ، وأهل بيتيعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض ، فإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض(٥) وأتاهم ما يوعدون ، وغير ذلك من الأحاديث الدالّة على بقاء الإمامة الإلهية ، واستمرارها في الأرض .

ـــــــــــــ

(١) الآيات : المائدة : ٥٥ ، النساء : ٥٩ ، الأحزاب : ٣٣ ، المائدة : ٦٧ .

(٢) السنن الكبرى ، النسائي : ج ٥ ص ٤٥ ص ١٣٠ ؛ خصائص أمير المؤمنين : النسائي : ص ٩٣ ؛ المعجم الصغير ، الطبراني : ج ١ ص ١٣١ ص ١٣٥ .

(٣) مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٥ ص ٨٧ ـ ٨٨ .

(٤) مجمع الزوائد : الهيثمي ، ج ٩ ص ١٦٨ ، المعجم الأوسط ، الطبراني : ج ٦ ص ٨٥ .

(٥) شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ١ ص ٤٢٦ ، ذخائر العقبى ، الطبري : ص ١٧ .

١٣٥

وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ خلفائي ، وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي ، الاثنا عشر ، أوّلهم عليّ ، وآخرهم ولدي المهدي ) (١) .

وشاءت الإرادة الإلهية أن يكون الإمام الثاني عشر من أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ـ الذي يمثّل الحلقة الأخيرة من سلسلة الأئمّة الهداة ـ مصلحاً للبشرية ، ومحققاً للهدف النهائي ، والثمرة الكبيرة والمرجوّة من رسالات السماء وبعث الأنبياء ، قال تعالى :( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنّ اللهَ قَوِيّ عَزِيزٌ ) (٢) .

إذن فلابدّ ـ بحسب التخطيط الإلهي ـ من إقامة العدل ، والسلام في العالم ، بعد انتشار الظلم والجور والفساد في ربوع الأرض وأرجائها ، وهو ما نشاهده ونراه بالحس والعيان في كل حدب وصوب ، وهذا ما يتطابق مع ما تنبّأ به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله :( تملأ الأرض ظلماً وجوراً ، ثم يخرج رجل من عترتي ، يملك سبعاً أو تسعاً ، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً ) (٣) ، فكما أنّ الأرض مُلئت وستُملأ بالجور والفساد والظلم ، لابدّ لها من يوم تُملأ فيه عدلاً وقسطاً ، على يد الإمام المهديّ المنتظر (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) .

ـــــــــــــ

(١) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٢٩٥ .

(٢) الحديد : ٢٥ .

(٣) سنن أبي داود ، السجستاني : ج ٤ ص ٧١٢ ح ٤٢٧٦ ؛ مسند أحمد ، أحمد بن حنبل : ج ٣ ص ٢٨ ص ٣٦ ص ٧٠ ؛ المستدرك الحاكم : ج ٤ ص ٥٥٧ ؛ وانظر مجمع الزوائد : الهيثمي : ج ٧ ص ٣١٤ ، وقال فيه : ( رواه الترمذي وغيره باختصار ، رواه أحمد بأسانيد ، وأبو يعلى باختصار ، ورجالهما ثقات ) ؛ وانظر : المصنف : الصنعاني : ج ١١ ص ٣٧٢ ـ ٣٧٣ .

١٣٦

إلاّ أنّ النقطة الجديرة بالذكر هي أنّ تحقق هذا الهدف ، وهو إقامة العدل والقسط في الأرض ، يتوقّف على توفّر شرائطه التي أراد الله تعالى بحكمته أن تكون من الطريق الطبيعي لا الإعجازي ، وهذا ما جرت عليه السنن الإلهية في هذا العالم ، فقد قال تبارك وتعالى :( لِيَمِيزَ اللهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطّيّبِ ) (١) ، وقال تعالى أيضاً :( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ وَيَحْيَى‏ مَنْ حَيّ عَنْ بَيّنَةٍ وَإِنّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (٢) ، وقال تعالى :( وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلُِيمَحّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ ) (٣) ، وقال :( وَتِلْكَ الأَيّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَتّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللهُ لاَ يُحِبّ الظّالِمِينَ * وَلِيُمَحّصَ اللهُ الّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنّةَ وَلَمّا يَعْلَمِ اللهُ الّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصّابِرِينَ ) (٤) ، وغير ذلك من الآيات المباركة ، التي تكشف عن أنّ التخطيط الإلهي لجريان السنن في هذا العالم مبنيّ على السير الطبيعي للبشرية ، إلاّ في الظروف الخاصّة والاستثنائية ، التي تقتضي فيها الحكمة الإلهية إنجاز الهدف والوصول إليه عن طريق الإعجاز وخرق المعتاد ، وذلك كإثبات أصل نبوّة الأنبياء مثلاً .

وإقامة العدل على هذه الأرض جاء ضمن ذلك الإطار ، فلكي يتحقق على أرض الواقع ويحين أجله ، لابد من اكتمال جميع شرائطه ، وعلى ضوء ذلك كانت غيبة إمامنا المهدي (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) جزءاً من هذا التخطيط والحكمة الإلهية ، من أجل أن تكتمل باقي الشرائط لظهور الحق وإقامة العدل ، تلك الشرائط التي يتحقق معظمها في أحضان الغيبة ، وهذا ما أخبر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في روايات عديدة من كتب الفريقين :

ـــــــــــــ

(١) الأنفال : ٣٧ .

(٢) الأنفال : ٤٢ .

(٣) آل عمران : ١٥٤ .

(٤) آل عمران : ١٤٠ ـ ١٤٢ .

١٣٧

منها : ما أخرجه الإربلي ، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : لمّا أنزل الله على نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (١) ، قلت : يا رسول الله عرفنا الله ورسوله ، فمَن أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعتك ، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( هم خلفائي من بعدي يا جابر ، وأئمة الهدى بعدي أولهم علي بن أبي طالب ثم الحسن ثم الحسين ثم علي بن الحسين ثم محمد بن علي المعروف في التوراة بالباقر وستدركه يا جابر فإذا لقيته فاقرأه عنّي السلام ، ثم الصادق جعفر بن محمد ، ثم موسى بن جعفر ، ثم علي بن موسى ، ثم محمد بن علي ، ثم علي بن محمد ، ثم الحسن بن علي ، ثم سميّي وكنيّي ، وحجّة الله في أرضه ، وبقيّته في عباده محمد بن الحسن بن عليّ ، ذلك الذي يفتح الله عزّ وجلّ على يده مشارق الأرض ومغاربها ، وذلك الذي يغيب عن شيعته ، وأوليائه ، غيبة لا يثبت فيها على القول بإمامته إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان ) ، فقال جابر : فقلت : يا رسول الله فهل يقع لشيعته الانتفاع به في غيبته ؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أي والذي بعثني بالحق ، إنّهم ليستضيئون بنوره ، وينتفعون بولايته في غيبته ، كانتفاع الناس بالشمس وإن علاها سحاب ، يا جابر هذا من مكنون سر الله ، ومخزون علم الله ، فاكتمه إلاّ عن أهله ) (٢) .

وعن علي بن علي الهلالي ، عن أبيه قال : دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في شكاته التي قبض فيها فإذا فاطمة رضي الله عنها عند رأسه قال : فبكت حتى ارتفع صوتها ، فرفع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طرفه إليها فقال :حبيبتي فاطمة ،

ـــــــــــــ

(١) النساء : ٥٩ .

(٢) ينابيع المودّة ، القندوزي : ج ٣ ص ٣٩٩ .

١٣٨

ما الذي يبكيك ، فقالت :أخشى الضيعة بعدك ، فقال :يا حبيبتي ، أما علمت أن الله ـ عزّ وجلّ ـ اطلع إلى الأرض اطلاعة فاختار منها أباك فبعثه برسالته ، ثم أطلع إلى الأرض اطلاعه فاختار منها بعلك ، وأوحى إليّ أن أنكحك إيّاه ، يا فاطمة ، ونحن أهل بيت قد أعطانا الله سبع خصال لم تُعط لأحد قبلنا ولا تُعطى أحداً بعدنا : أنا خاتم النبيّين ، وأكرم النبيّين على الله ، وأحب المخلوقين إلى الله عزّ وجلّ وأنا أبوك ، ووصيي خير الأوصياء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو بعلك ، وشهيدنا خير الشهداء ، وأحبّهم إلى الله ، وهو عمّك حمزة بن عبد المطلب ، وعمّ بعلك ، ومنّا مَن له جناحان أخضران يطير مع الملائكة في الجنّة حيث شاء ، وهو ابن عم أبيك ، وأخو بعلك ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة ، وهما ابناك الحسن والحسين ، وهما سيّدا شباب أهل الجنّة ، وأبوهما ـ والذي بعثني بالحق ـ خير منهما يا فاطمة ـ والذي بعثني بالحق ـ إنّ منهما مهدي هذه الأُمّة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن ، وتقطّعت السبل ، وأغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقّر كبيراً ، فيبعث الله عزّ وجلّ عند ذلك منهما مَن يفتح حصون الضلالة ، وقلوباً غلفاً يقوم بالدين آخر الزمان كما قمت به في أول الزمان ، ويملأ الدنيا عدلاً كما مُلئت جوراً ، يا فاطمة لا تحزني ولا تبكي ، فإنّ الله عزّ وجلّ أرحم بك وأرأف عليك منّي ؛ وذلك لمكانك من قلبي ، وزوّجك الله زوجاً ، وهو أشرف أهل بيتك حسباً وأكرمهم منصباً ، وأرحمهم بالرعيّة ، وأعدلهم بالسوية ، وأبصرهم بالقضية ، وقد سألت ربّي عزّ وجلّ أن تكوني أوّل مَن يلحقني من أهل بيتي ، قال علي رضي الله عنه :فلمّا قُبض النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم تبق فاطمة رضي الله عنهابعده إلاّ خمسة

١٣٩

وسبعين يوماً حتى ألحقها الله عزّوجلّ به صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه : الهيثم بن حبيب ، قال أبو حاتم : منكر الحديث وهو متهم بهذا الحديث(١) .

أقول : ولم يجدوا في الهيثم بن حبيب مطعناً سوى روايته لهذا الحديث في فضائل أهل البيتعليهم‌السلام ، وله نظائر كثيرة !!

وعن أبي أيوب الأنصاري قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لفاطمة :نبيّنا خير الأنبياء وهو أبوك ، وشهيدنا خير الشهداء وهو عمّ أبيك حمزة ، ومنّا مَن له جناحان يطير بهما في الجنّة حيث شاء وهو ابن عمّ أبيك جعفر ، ومنّا سبطا هذه الأُمّة الحسن والحسين وهما ابناك ومنّا المهدي .

رواه الطبراني في الصغير وفيه قيس بن الربيع وهو ضعيف وقد وثق ، وبقيّة رجاله ثقات(٢) .

ومنها : ما جاء عن جابر بن عبد الله الأنصاري أيضاً : قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( المهدي من ولدي ، اسمه اسمي ، وكنيته كنيتي ، أشبه الناس بي خلقاً وخُلقاً ، تكون له غيبة وحيرة ، تضل فيها الأُمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها عدلاً كما مُلئت جوراً ) (٣)

وغير ذلك من الروايات ، الدالة على ضرورة الغيبة ، من أجل اكتمال شرائط الظهور ، وإقامة العدل والقسط ؛ وذلك من خلال تخطّي البشرية لمراحل عديدة من التمحيص والفتن والحيرة ، والابتلاء .

ـــــــــــــ

(١) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٦٥ ـ ١٦٦ .

(٢) المصدر نفسه : ج ٩ ص ١٦٦ .

(٣) ينابيع المودّة ، القندوزي الحنفي : ج ٣ ص ٣٨٦ .

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319