تذكرة الفقهاء الجزء ٢

تذكرة الفقهاء11%

تذكرة الفقهاء مؤلف:
المحقق: مؤسسة آل البيت عليهم السلام لإحياء التّراث
تصنيف: فقه مقارن
ISBN: 964-5503-35-3
الصفحات: 512

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧
  • البداية
  • السابق
  • 512 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 35783 / تحميل: 8621
الحجم الحجم الحجم
تذكرة الفقهاء

تذكرة الفقهاء الجزء ٢

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٥٥٠٣-٣٥-٣
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

ولعلّ هذه الجملة إشارة إلى القيامة الوارد ذكرها آنفا ، أو أنّها إشارة إلى القرآن ، لأنّه ورد التعبير عنه بـ «الحديث» في بعض الآيات كما في الآية ٣٤ من سورة الطور ، أو أنّ المراد من «الحديث» هو ما جاء من القصص عن هلاك الأمم السابقة أو جميع هذه المعاني.

ثمّ يقول مخاطبا :( وَتَضْحَكُونَ وَلا تَبْكُونَ وَأَنْتُمْ سامِدُونَ ) أي في غفلة مستمرّة ولهو وتكالب على الدنيا ، مع أنّه لا مجال للضحك هنا ولا الغفلة والجهل ، بل ينبغي أن يبكى على الفرص الفائتة والطاعات المتروكة ، والمعاصي المرتكبة ، وأخيرا فلا بدّ من التوبة والرجوع إلى ظلّ الله ورحمته!

وكلمة سامدون مشتقّة من سمود على وزن جمود ـ ومعناه اللهو والانشغال ورفع الرأس للأعلى تكبّرا وغرورا ، وهي في أصل استعمالها تطلق على البعير حين يرفل في سيره ويرفع رأسه غير مكترث بمن حوله.

فهؤلاء المتكبّرون المغرورون كالحيوانات همّهم الأكل والنوم ، وهم غارقون باللذائذ جاهلون عمّا يحدق بهم من الخطر والعواقب الوخيمة والجزاء الشديد الذي سينالهم.

ويقول القرآن في آخر آية من الآيات محلّ البحث ـ وهي آخر آية من سورة النجم أيضا ـ بعد أن بيّن أبحاثا متعدّدة حول إثبات التوحيد ونفي الشرك :( فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا ) .

فإذا أردتم أن تسيروا في الصراط المستقيم والسبيل الحقّ فاسجدوا لذاته المقدّسة فحسب ، إذ لله وحده تنتهي الخطوط في عالم الوجود ، وإذا أردتم النجاة من العواقب الوخيمة التي أصابت الأمم السالفة لشركهم وكفرهم فوقعوا في قبضة عذاب الله ، فاعبدوا الله وحده.

الذي يجلب النظر ـ كما جاء في روايات متعدّدة ـ أنّ النّبي عند ما تلا هذه الآية وسمعها المؤمنون والكافرون سجدوا لها جميعا.

٢٨١

ووفقا لبعض الرّوايات أن الوحيد الذي لم يسجد لهذه الآية عند سماعها هو «الوليد بن المغيرة» [لعلّه لم يستطع أن ينحني للسجود] فأخذ قبضة من التراب ووضعها على جبهته فكان سجوده بهذه الصورة.

ولا مكان للتعجّب أن يسجد لهذه الآية حتى المشركون وعبدة الأصنام ، لأنّ لحن الآيات البليغ من جهة ، ومحتواها المؤثّر من جهة اخرى وما فيها من تهديد للمشركين من جهة ثالثة ، وتلاوة هذه الآيات على لسان النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في المرحلة الاولى من نزول الآيات عن لسان الوحي من جهة رابعة كلّ هذه الأمور كان لها دور في التأثير والنفوذ إلى القلوب حتّى أنّه لم يبق أيّ قلب إلّا اهتزّ لجلال آيات الله وألقى عنه. ستار الضلال وحجب العناد ـ ولو مؤقتا ـ ودخله نور التوحيد المشعّ!.

وإذا تلونا الآية ـ بأنفسنا ـ وأنعمنا النظر فيها بكلّ دقّة وتأمّل وحضور قلب وتصوّرنا أنفسنا أمام النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي جوّ نزول الآيات وبقطع النظر ـ عن اعتقادنا الإسلامي ـ نجد أنفسنا ملزمين على السجود عند تلاوتنا لهذه الآية وأنّ نحني رؤوسنا إجلالا لربّ الجلال!

وليست هذه هي المرّة الاولى التي يترك القرآن بها أثره في قلوب المنكرين ويجذبهم إليه دون اختيارهم ، إذ ورد في قصّة «الوليد بن المغيرة» أنّه لمّا سمع آيات فصّلت وبلغ النّبي (في قوله) إلى الآية :( فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ ) قام من مجلسه واهتزّ لها وجاء إلى البيت فظنّ جماعة من المشركين أنّه صبا إلى دين محمّد.

فبناء على هذا ، لا حاجة أن نقول بأنّ جماعة من الشياطين أو جماعة من المشركين الخبثاء حضروا عند النّبي ولمّا سمعوا النّبي يتلو الآية :( أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى وَمَناةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرى ) بسطوا ألسنتهم وقالوا : تلك الغرانيق العلى!! ولذلك انجذب المشركون لهذه الآيات فسجدوا أيضا عند تلاوة النّبي آية السجدة!

٢٨٢

لأنّنا كما أشرنا آنفا في تفسير هذه الآيات. انّ الآيات التي تلت هذه الآيات عنّفت المشركين ولم تدع مجالا للشكّ والتردّد والخطأ لأي أحد (في مفهوم الآية) [لمزيد الإيضاح يراجع تفسير الآيتين ١٩ و٢٠ من هذه السورة].

وينبغي الالتفات أيضا إلى أنّ الآية الآنفة يجب السجود عند تلاوتها ، ولحن الآية التي جاءت مبتدئة بصيغة الأمر ـ والأمر دالّ على الوجوب ـ شاهد على هذا المعنى.

وهكذا فإنّ هذه السورة ثالثة السور الوارد فيها سجود واجب ، أي هي بعد سورة الم السجدة ، وحم السجدة وإن كان بعضهم يرى بأنّ أوّل سورة فيها سجود واجب نزلت على النّبي من الناحية التاريخية ـ هي هذه السورة.

اللهمّ أنر قلوبنا بأنوار معرفتك لئلّا نعبد سواك شيئا ولا نسجد إلّا لك.

اللهمّ إنّ مفاتيح الرحمة والخير كلّها بيد قدرتك ، فارزقنا من خير مواهبك وعطاياك ، أي رضاك يا ربّ العالمين.

اللهمّ ارزقنا بصيرة في العبر ـ لنعتبر بالأمم السالفة وعاقبة ظلمها وأن نحذر الاقتفاء على آثارهم

آمين يا ربّ العالمين.

* * *

انتهت سورة النجّم

٢٨٣
٢٨٤

سورة

القمر

مكّية

وعدد آياتها خمس وخمسون آية

٢٨٥
٢٨٦

«سورة القمر»

محتوى السورة :

تحوي هذه السّورة خصوصيات السور المكيّة التي تتناول الأبحاث الأساسيّة حول المبدأ والمعاد ، وخصوصا العقوبات التي نزلت بالأمم السالفة ، وذلك نتيجة عنادهم ولجاجتهم في طريق الكفر والظلم والفساد ممّا أدّى بها الواحدة تلو الاخرى إلى الابتلاء بالعذاب الإلهي الشديد ، وسبّب لهم الدمار العظيم.

ونلاحظ في هذه السورة تكرار قوله تعالى :( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ) وذلك بعد كلّ مشهد من مشاهد العذاب الذي يحلّ بالأمم لكي يكون درسا وعظة للمسلمين والكفّار.

ويمكن تلخيص أبحاث هذه السورة في عدّة أقسام هي :

١ ـ تبدأ السورة بالحديث عن قرب وقوع يوم القيامة ، وموضوع شقّ القمر ، وإصرار وعناد المخالفين في إنكار الآيات الإلهيّة.

٢ ـ والقسم الثاني يبحث بتركيز واختصار عن أوّل قوم تمرّدوا على الأوامر الإلهيّة ، وهم قوم نوح ، وكيفيّة نزول البلاء عليهم.

٣ ـ أمّا القسم الثالث فإنّه يتعرّض إلى قصّة قوم «عاد» وأليم العذاب الذي حلّ بهم.

٤ ـ وفي القسم الرابع تتحدّث الآيات عن قوم «ثمود» ومعارضتهم لنبيّهم صالحعليه‌السلام وبيان معجزة الناقة ، وأخيرا ابتلاؤهم بالصيحة السماوية.

٥ ـ تتطرّق الآيات بعد ذلك إلى الحديث عن قوم «لوط» ضمن بيان واف

٢٨٧

لانحرافهم الأخلاقي ثمّ عن السخط الإلهي عليهم وابتلائهم بالعقاب الرّباني.

٦ ـ وفي القسم السادس تركّز الآيات الكريمة ـ بصورة موجزة ـ الحديث عن آل فرعون ، وما نزل بهم من العذاب الأليم جزاء كفرهم وضلالهم.

٧ ـ وفي القسم الأخير تعرض مقارنة بين هذه الأمم ومشركي مكّة ومخالفي الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمستقبل الخطير الذي ينتظر مشركي مكّة فيما إذا استمرّوا على عنادهم وإصرارهم في رفض الدعوة الإلهيّة.

وتنتهي السورة ببيان صور ومشاهد من معاقبة المشركين ، وجزاء وأجر المؤمنين والمتّقين.

وسورة القمر تتميّز آياتها بالقصر والقوّة والحركية.

وقد سمّيت هذه السورة بـ (سورة القمر) لأنّ الآية الاولى منها تتحدّث عن شقّ القمر.

فضيلة تلاوة سورة القمر :

ورد عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال :

«من قرأ سورة اقتربت الساعة في كلّ غبّ بعث يوم القيامة ووجهه على صورة القمر ليلة البدر ، ومن قرأها كلّ ليلة كان أفضل وجاء يوم القيامة ووجهه مسفر على وجوه الخلائق»(١) .

ومن الطبيعي أن تكون النورانية التي تتّسم بها هذه الوجوه تعبيرا عن الحالة الإيمانية الراسخة في قلوبهم نتيجة التأمّل والتفكّر في آيات هذه السورة المباركة والعمل بها بعيدا عن التلاوة السطحية الفارغة من التدبّر في آيات الله.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ٩ (بداية سورة القمر).

٢٨٨

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (١) وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ (٢) وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ (٣) )

التّفسير

شقّ القمر!!

يتناول الحديث في الآية الاولى حادثتين مهمّتين :

أحدهما : قرب وقوع يوم القيامة ، والذي يقترن بأعظم تغيير في عالم الخلق ، وبداية لحياة جديدة في عالم آخر ، ذلك العالم الذي يقصر فكرنا عن إدراكه نتيجة محدودية علمنا واستيعابنا للمعرفة الكونية.

والحادثة الثانية التي تتحدّث الآية الكريمة عنها هي معجزة انشقاق القمر العظيمة التي تدلّل على قدرة البارئعزوجل المطلقة ، وكذلك تدلّ ـ أيضا ـ على صدق دعوة الرّسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال تعالى :( اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ ) .

٢٨٩

وجدير بالذكر أنّ سورة النجم التي أنهت آياتها المباركة بالحديث عن يوم القيامة( أَزِفَتِ الْآزِفَةُ ) تستقبل آيات سورة القمر بهذا المعنى أيضا ، ممّا يؤكّد قرب وقوع اليوم الموعود رغم أنّه عند ما يقاس بالمقياس الدنيوي فقد يستغرق آلاف السنين ويتوضّح هذا المفهوم ، حينما نتصوّر مجموع عمر عالمنا هذا من جهة ، ومن جهة اخرى عند ما نقارن جميع عمر الدنيا في مقابل عمر الآخرة فانّها لا تكون سوى لحظة واحدة.

إنّ اقتران ذكر هاتين الحادثتين في الآية الكريمة : «انشقاق القمر واقتراب الساعة» دليل على قرب وقوع يوم القيامة ، كما ذكر ذلك قسم من المفسّرين حيث أنّ ظهور الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ـ وهو آخر الأنبياء ـ قرينة على قرب وقوع اليوم المشهود قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «بعثت أنا والساعة كهاتين»(١) مشيرا إلى إصبعيه الكريمين.

ومن جهة اخرى ، فإنّ انشقاق القمر دليل على إمكانية اضطراب النظام الكوني ، ونموذج مصغّر للحوادث العظيمة التي تسبق وقوع يوم القيامة في هذا العالم ، حيث اندثار الكواكب والنجوم والأرض يعني حدوث عالم جديد ، استنادا إلى الرّوايات المشهورة التي ادّعى البعض تواترها.

قال ابن عبّاس : اجتمع المشركون إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالوا : إن كنت صادقا فشقّ لنا القمر فلقتين ، فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إن فعلت تؤمنون؟» قالوا : نعم ، وكانت ليلة بدر فسأل رسول الله ربّه أن يعطيه ما قالوا ، فانشقّ القمر فلقتين ورسول الله ينادي : «يا فلان يا فلان ، اشهدوا»(٢) .

ولعلّ التساؤل يثار هنا عن كيفية حصول هذه الظاهرة الكونية : (انشقاق هذا الجرم السماوي العظيم) وعن مدى تأثيره على الكرة الأرضية والمنظومة

__________________

(١) تفسير الفخر الرازي ، ج ٢٩ ، ص ٢٩.

(٢) ذكر في مجمع البيان وكتب تفسير اخرى في هامش تفسير الآية مورد البحث.

٢٩٠

الشمسية ، وكذلك عن طبيعة القوّة الجاذبة التي أعادت فلقتي القمر إلى وضعهما السابق ، وعن كيفيّة حصول مثل هذا الحدث؟ ولماذا لم يتطرّق التاريخ إلى ذكر شيء عنه؟ بالإضافة إلى مجموعة تساؤلات اخرى حول هذا الموضوع والتي سنجيب عليها بصورة تفصيليّة في هذا البحث إن شاء الله.

والنقطة الجديرة بالذكر هنا أنّ بعض المفسّرين الذين تأثّروا بوجهات نظر غير سليمة ، وأنكروا كلّ معجزة لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدا القرآن الكريم ، عند ما التفتوا إلى وضوح الآية الكريمة محلّ البحث والرّوايات الكثيرة التي وردت في كتب علماء الإسلام في هذا المجال ، واجهوا عناءا في توجيه هذه المعجزة الربّانية ، وحاولوا نفي الظاهرة الإعجازية لهذا الحادث

والحقيقة أنّ مسألة «انشقاق القمر» كانت معجزة ، والآيات اللاحقة تحمل الدلائل الواضحة على صحّة هذا الأمر كما سنرى ذلك إن شاء الله.

لقد كان جديرا بهؤلاء أن يصحّحوا وجهات نظرهم تلك ، ليعلموا أنّ للرسول الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معجزات عديدة أيضا.

وإذا أريد الاستفادة من الآيات القرآنية لنفي المعجزات فإنّها تنفي المعجزات المقترحة من قبل المشركين المعاندين الذين لم يقصدوا قبول دعوة الحقّ من أوّل الأمر ولم يستجيبوا للرسول الأكرم بعد إنجاز المعجز ، لكن المعجزات التي تطلب من الرّسول من أجل الاطمئنان إلى الحقّ والإيمان به كانت تنجز من قبله ، ولدينا دلائل عديدة على هذا الأمر في تأريخ حياة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

يقول سبحانه :( وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ ) .

والمراد من قوله تعالى «مستمر» أنّهم شاهدوا من الرّسول الكريمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم معجزات عديدة ، وشقّ القمر هو استمرار لهذه المعاجز ، وأنّهم كانوا يبرّرون إعراضهم عن الإيمان وعدم الاستسلام لدعوة الحقّ وذلك بقولهم : إنّ هذه المعاجز كانت «سحر مستمر».

٢٩١

وهنالك بعض المفسّرين من فسّر «مستمر» بمعنى «قوي» كما قالوا : (حبل مرير) أي : محكم ، والبعض فسّرها بمعنى : الطارئ وغير الثابت ، ولكن التّفسير الأنسب هو التّفسير الأوّل.

أمّا قوله تعالى :( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ) فإنّه يشير إلى سبب مخالفتهم وعنادهم وسوء العاقبة التي تنتظرهم نتيجة لهذا الإصرار.

إنّ مصدر خلاف هؤلاء وتكذيبهم للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو تكذيب معاجزه ودلائله ، وكذلك تكذيب يوم القيامة ، هو اتّباع هوى النفس.

إنّ حالة التعصّب والعناد وحبّ الذات لم تسمح لهم بالاستسلام للحقّ ، ومن جهة اخرى فإنّ المشركين ركنوا للملذّات الرخيصة بعيدا عن ضوابط المسؤولية ، وذلك إشباعا لرغباتهم وشهواتهم ، وكذلك فإنّ تلوّث نفوسهم بالآثام حال دون استجابتهم لدعوة الحقّ ، لأنّ قبول هذه الدعوة يفرض عليهم التزامات ومسئوليات الإيمان والاستجابة للتكاليف

نعم إنّ هوى النفس كان وسيبقى السبب الرئيسي في إبعاد الناس عن مسير الحقّ

وبالنسبة لقوله تعالى :( وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ ) ، يعني أنّ كلّ إنسان يجازى بعمله وفعله ، فالصالحون سيكون مستقرّهم صالحا ، والأشرار سيكون مستقرّهم الشرّ.

ويحتمل أن يكون المراد في هذا التعبير هو أنّ كلّ شيء في هذا العالم لا يفنى ولا يزول ، فالأعمال الصالحة أو السيّئة تبقى مع الإنسان حتّى يرى جزاء ما فعل.

ويحتمل أن يكون تفسير الآية السابقة أنّ الأكاذيب والاتّهامات لا تقوى على الاستمرار الأبدي في إطفاء نور الحقّ والتكتّم عليه ، حيث إنّ كلّ شيء (خير أو شرّ) يسير بالاتّجاه الذي يصبّ في المكان الملائم له ، حيث إنّ الحقّ سيظهر وجهه الناصح مهما حاول المغرضون إطفاءه ، كما أنّ وجه الباطل القبيح سيظهر قبحه كذلك ، وهذه سنّة إلهيّة في عالم الوجود.

٢٩٢

وهذه التفاسير لا تتنافى فيما بينها ، حيث يمكن جمعها في مفهوم هذه الآية الكريمة.

* * *

بحوث

١ ـ شقّ القمر معجزة كبيرة للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومع ذلك فإنّ بعض الأشخاص السطحيين يصرّون على إخراج هذا الحادث من حالة الإعجاز ، حيث قالوا : إنّ الآية الكريمة تحدّثنا فقط عن المستقبل وعن أشراط الساعة ، وهي الحوادث التي تسبق وقوع يوم القيامة

لقد غاب عن هؤلاء أنّ الأدلّة العديدة الموجودة في الآية تؤكّد على حدوث هذه المعجزة ، ومن ضمنها ذكر الفعل (انشقّ) بصيغة الماضي ، وهذا يعني أنّ (أشقّ القمر) شيء قد حدث كما أنّ قرب وقوع يوم القيامة قد تحقّق ، وذلك بظهور آخر الأنبياء محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

بالإضافة إلى ذلك ، إن لم تكن الآية قد تحدّثت عن وقوع معجزة ، فلا يوجد أي تناسب أو انسجام بينها وبين ما ورد في الآية اللاحقة حول افترائهم على الرّسول بأنّه (ساحر) وكذلك قوله :( وَكَذَّبُوا وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ ) والتي تخبر الآية هنا عن تكذيبهم للرسالة والرّسول ومعاجزه.

إضافة إلى ذلك فإنّ الرّوايات العديدة المذكورة في الكتب الإسلامية ، والتي بلغت حدّ التواتر نقلت وقوع هذه المعجزة ، وبذلك أصبحت غير قابلة للإنكار.

ونشير هنا إلى روايتين منها :

الاولى : أوردها الفخر الرازي أحد المفسّرين السنّة ، والاخرى للعلّامة الطبرسي أحد المفسّرين الشيعة.

يقول الفخر الرازي : «والمفسّرون بأسرهم على أنّ المراد أنّ القمر انشقّ

٢٩٣

وحصل فيه الإنشقاق ، ودلّت الأخبار على حديث الإنشقاق ، وفي الصحيح خبر مشهور رواه جمع من الصحابة والقرآن أدلّ دليل وأقوى مثبت له وإمكانه لا يشكّ فيه ، وقد أخبر عنه الصادق فيجب إعتقاد وقوعه»(١) .

أمّا عن نظرية بطليموس والقائلة بأنّ (الأفلاك السماوية ليس بإمكانها أن تنفصل أو تلتئم) فإنّها باطلة وليس لها أي أساس أو سند علمي ، حيث إنّه ثبت من خلال الأدلّة العقليّة أنّ انفصال الكواكب في السماء أمر ممكن.

ويقول العلّامة الطبرسي في (مجمع البيان) : لقد أجمع المفسّرون والمحدّثون سوى عطاء والحسين والبلخي الذين ذكرهم ذكرا عابرا ، أنّ معجزة شقّ القمر كانت في زمن الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ونقل أنّ حذيفة ـ وهو أحد الصحابة المعروفين ـ ذكر قصّة شقّ القمر في جمع غفير في مسجد المدائن ولم يعترض عليه أحد من الحاضرين ، مع العلم أنّ كثيرا منهم قد عاصر زمن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (ونقل هذا الحديث في هامش الآية المذكورة في الدرّ المنثور والقرطبي).

وممّا تقدّم يتّضح جيّدا أنّ مسألة شقّ القمر أمر غير قابل للإنكار ، سواء من الآية نفسها والقرائن الموجودة فيها ، أو من خلال الأحاديث والرّوايات ، أو أقوال المفسّرين ، ومن الطبيعي أن تطرح أسئلة اخرى حول الموضوع سنجيب عنها إن شاء الله فيما بعد.

٢ ـ مسألة شقّ القمر والعلم الحديث :

السؤال المهمّ المطروح في هذا البحث هو : هل أنّ الأجرام السماوية يمكنها أن تنفصل وتنشقّ؟ وما موقف العلم الحديث من ذلك؟

__________________

(١) التّفسير الكبير ، الفخر الرازي ، ج ٢٩ ، ص ٢٨ ، أوّل سورة القمر.

٢٩٤

وللإجابة على هذا السؤال وبناء على النتائج التي توصّل إليها العلماء الفلكيون ، فإنّ مثل هذا الأمر في نظرهم ليس بدرجة من التعقيد بحيث يستحيل تصوّره إنّ الاكتشافات العلمية التي توصّل إليها الباحثون تؤكّد أنّ مثل هذه الحوادث مضافا إلى أنّها ليست مستحيلة فقد لوحظت نماذج عديدة من هذا القبيل ولعدّة مرّات مع اختلاف العوامل المؤثّرة في كلّ حالة.

وبعبارة اخرى : فقد لوحظ أنّ مجموعة انفجارات وانشقاقات قد وقعت في المنظومة الشمسية ، بل في سائر الأجرام السماوية.

ويمكن ذكر بعض النماذج كشواهد على هذه الظواهر

أ ـ ظهور المنظومة الشمسية :

إنّ هذه النظرية المقبولة لدى جميع العلماء تقول : إنّ جميع كرات المنظومة الشمسية كانت في الأصل جزءا من الشمس ثمّ انفصلت عنها ، حيث أصبحت كلّ واحدة منها تدور في مدارها الخاصّ بها غاية الأمر هناك كلام في السبب لهذا الانفصال

يعتقد (لا پلاس) أنّ العامل المسبّب لانفصال القطع الصغيرة من الشمس هي : (القوّة الطاردة) التي توجد في المنطقة الإستوائية لها ، حيث أنّ الشمس كانت تعتبر ولحدّ الآن كتلة ملتهبة ، وضمن دورانها حول نفسها فإنّ السرعة الموجودة في المنطقة الإستوائية لها تسبّب تناثر بعض القطع منها في الفضاء ممّا يجعل هذه القطع تدور حول مركزها الأصلي (الشمس).

ولكن العلماء الذين جاءوا بعد (لا پلاس) توصّلوا من خلال تحقيقاتهم إلى فرضية اخرى تقول : إنّ السبب الأساس لحدوث الانفصال في الأجرام السماوية عن الشمس هو حالة المدّ والجزر الشديدين التي حدثت على سطح الشمس نتيجة عبور نجمة عظيمة بالقرب منها.

٢٩٥

الأشخاص المؤيّدون لهذه النظرية الذين يرون أنّ الحركة الوضعية للشمس في ذلك الوقت لا تستطيع أن تعطي الجواب الشافعي لأسباب هذا الانفصال ، قالوا : إنّ حالة المدّ والجزر الحاصلة في الشمس أحدثت أمواجا عظيمة على سطحها. كما في سقوط حجر كبير في مياه المحيط ، وبسبب ذلك تناثرت قطع من الشمس الواحدة تلو الاخرى إلى الخارج ، ودارت ضمن مدار الكرة الامّ (الشمس).

وعلى كلّ حال فإنّ العامل المسبّب لهذا الانفصال أيّا كان لا يمنعنا من الإعتقاد أنّ ظهور المنظومة الشمسية كان عن طريق الإنشقاق والانفصال.

ب ـ (الأستروئيدات):

الأستروئيدات : هي قطع من الصخور السماوية العظيمة تدور حول المنظومة الشمسية ، ويطلق عليها في بعض الأحيان بـ (الكرات الصغيرة) و (شبه الكواكب السيارة) يبلغ قطر كبراها (٢٥) كم ، لكن الغالبية منها أصغر من ذلك.

ويعتقد العلماء أنّ «الأستروئيدات» هي بقايا كوكب عظيم كان يدور في مدار بين مداري المريخ والمشتري تعرّض إلى عوامل غير واضحة ممّا أدّى إلى انفجاره وتناثره.

لقد ثمّ اكتشاف ومشاهدة أكثر من خمسة آلاف من (الأستروئيدات) لحدّ الآن ، وقد تمّ تسمية عدد كثير من هذه القطع الكبيرة ، وتمّ حساب حجمها ومقدار ومدّة حركتها حول الشمس ، ويعلّق علماء الفضاء أهميّة بالغه على الأستروئيدات ، حيث يعتقدون أنّ بالإمكان الاستفادة منها في بعض الأحيان كمحطّات للسفر إلى المناطق الفضائية النائية.

كان هذا نموذج آخر لانشقاق الأجرام السماوية.

٢٩٦

ج ـ الشهب :

الشهب : أحجار سماوية صغيرة جدّا ، حتّى أنّ البعض منها لا يتجاوز حجم (البندقة) ، وهي تسير بسرعة فائقة في مدار خاصّ حول الشمس وقد يتقاطع مسيرها مع مدار الأرض أحيانا فتنجذب إلى الأرض ، ونظرا لسرعتها الخاطفة التي تتميّز بها ـ تصطدم بشدّة مع الهواء المحيط بالأرض ، فترتفع درجة حرارتها بشدّة فتشتعل وتتبيّن لنا كخطّ مضيء وهّاج بين طبقات الجوّ ويسمّى بالشهاب.

وأحيانا نتصوّر أنّ كلّ واحدة منها تمثّل نجمة نائية في حالة سقوط ، إلّا أنّها في الحقيقة عبارة عن شهاب صغير مشتعل على مسافة قريبة يتحوّل فيما بعد إلى رماد.

ويلتقي مداري الشهب والكرة الأرضية في نقطتين هما نقطتا تقاطع المدارين وذلك في شهري (آب وكانون الثاني) حيث يصبح بالإمكان رؤية الشهب بصورة أكثر في هذين الشهرين.

ويقول العلماء : إنّ الشهب هي بقايا نجمة مذنّبة انفجرت وتناثرت أجزاؤها بسبب جملة عوامل غير واضحة وهذا نموذج آخر من الإنشقاق في الأجرام السماوية.

وعلى كلّ حال ، فإنّ الإنفجار والإنشقاق في الكرات السماوية ليس بالأمر الجديد ، وليس بالأمر المستحيل من الناحية العلمية ، ومن هنا فلا معنى حينئذ للقول بأنّ الإعجاز لا يمكن أن يتعلّق بالحال.

هذا كلّه عن مسألة الإنشقاق.

أمّا موضوع رجوع القطعتين المنفصلتين إلى وضعهما الطبيعي السابق تحت تأثير قوى الجاذبية التي تربط القطعتين فهو الآخر أمر ممكن.

ورغم أنّ الإعتقاد السائد قديما في علم الهيئة القديم طبق نظرية (بطليموس) واعتقاده بالأفلاك التسعة التي هي بمثابة قشور البصل في تركيبها ـ الواحدة على

٢٩٧

الاخرى ـ فأيّ جسم لا يستطيع أن يخترقها صعودا أو نزولا ، ولذلك فانّ أتباع هذه النظرية ينكرون المعراج الجسماني واختراقه للأفلاك التسعد ، كما أنّه لا يمكن وفقا لهذه النظريات انشقاق القمر ، ومن ثمّ التئامه ، ولذلك أنكروا مسألة شقّ القمر ، ولكن اليوم أصبحت فرضية (بطليموس) أقرب للخيال والأساطير منها للواقع ، ولم يبق أثر للأفلاك التسعة ، وأصبحت الأجواء لا تساعد لتقبّل مثل هذه الآراء.

وغني عن القول أنّ ظاهرة شقّ القمر كانت معجزة ، ولذا فإنّها لم تتأثّر بعامل طبيعي اعتيادي ، والشيء الذي يراد توضيحه هنا هو بيان إمكانية هذه الحادثة ، لأنّ المعجزة لا تتعلّق بالأمر المحال.

٣ ـ شقّ القمر تاريخيّا :

لقد طرح البعض من غير المطّلعين إشكالا آخر على مسألة شقّ القمر ، حيث ذكروا أنّ مسألة شقّ القمر لها أهميّة بالغة ، فإذا كانت حقيقيّة فلما ذا لم تذكر في كتب التأريخ؟

ومن أجل أن تتوضّح أهميّة هذا الإشكال لا بدّ من الإلمام والدراسة الدقيقة لمختلف جوانب هذا الموضوع ، وهو كما يلي :

أ ـ يجب الالتفات إلى أنّ القمر يرى في نصف الكرة الأرضية فقط ، وليس في جميعها ، ولذا فلا بدّ من إسقاط نصف مجموع سكّان الكرة الأرضية من إمكانية رؤية حادثة شقّ القمر وقت حصولها.

ب ـ وفي نصف الكرة الأرضية التي يرى فيها القمر فإنّ أكثر الناس في حالة سبات وذلك لحدوث هذه الظاهرة بعد منتصف الليل.

ج ـ ليس هنالك ما يمنع من أن تكون الغيوم قد حجبت قسما كبيرا من السماء ، وبذلك يتعذّر رؤية القمر لسكّان تلك المناطق.

٢٩٨

د ـ إنّ الحوادث السماوية التي تلفت انتباه الناس تكون غالبا مصحوبة بصوت أو عتمة كما في الصاعقة التي تقترن بصوت شديد أو الخسوف والكسوف الكليين الذي يقترن كلّ منها بانعدام الضوء تقريبا ولمدّة طويلة.

لذلك فإنّ الحالات التي يكون فيها الخسوف جزئيا أو خفيفا نلاحظ أنّ الغالبية من الناس لم تحط به علما ، اللهمّ إلّا عن طريق التنبيه المسبق عنه من قبل المنجّمين ، بل يحدث أحيانا خسوف كلّي وقسم كبير من الناس لا يعلمون به.

لذا فإنّ علماء الفلك الذين يقومون بر صد الكواكب أو الأشخاص الذين يتّفق وقوع نظرهم في السماء وقت الحادث هم الذين يطّلعون على هذا الأمر ويخبرون الآخرين به.

وبناء على هذا ونظرا لقصر مدّة المعجزة (شقّ القمر) فلن يكون بالمقدور أن تلفت الأنظار إليها على الصعيد العالمي ، خصوصا وأنّ غالبية الناس في ذلك الوقت لم تكن مهتّمة بمتابعة الأجرام السماوية.

ه ـ وبالإضافة إلى ذلك فإنّ الوسائل المستخدمة في تثبيت نشر الحوادث التأريخية في ذلك الوقت ، ومحدودية الطبقة المتعلّمة ، وكذلك طبيعة الكتب الخطيّة التي لم تكن بصورة كافية كما هو الحال في هذا العصر حيث تنشر الحوادث المهمّة بسرعة فائقة بمختلف الوسائل الإعلامية في كلّ أنحاء العالم عن طريق الإذاعة والتلفزيون والصحف كلّ هذه الأمور لا بدّ من أخذها بنظر الإعتبار في محدودية الاطلاع على حادثة (شقّ القمر).

ومع ملاحظة هذا الأمر والأمور الاخرى السابقة فلا عجب أبدا من عدم تثبيت هذه الحادثة في التواريخ غير الإسلامية ، ولا يمكن اعتبار ذلك دليلا على نفيها.

٢٩٩

٤ ـ تأريخ وقوع هذه المعجزة :

من الواضح أنّه لا خلاف بين المفسّرين ورواة الحديث حول حدوث ظاهرة شقّ القمر في مكّة وقبل هجرة الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لكن الذي يستفاد من بعض الرّوايات هو أنّ حدوث هذا الأمر كان في بداية بعثة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) . في حين يستفاد من البعض الآخر أنّ حدوث هذا الأمر قد وقع قرب هجرة الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي آخر عهده بمكّة ، وكان استجابة لطلب جماعة قدموا من المدينة لمعرفة الحقّ وأتباعه ، إذ أنّهم بعد رؤيتهم لهذه المعجزة آمنوا وبايعوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في العقبة(٢) .

ونقرأ في بعض الرّوايات أيضا أنّ سبب اقتراح شقّ القمر كان من أجل المزيد من الاطمئنان بمعاجز الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأنّها لم تكن سحرا لأنّ السحر عادة يكون في الأمور الأرضية(٣) . ومع ذلك فإنّ قسما من المتعصّبين والمعاندين لم يؤمنوا برغم مشاهدتهم لهذا الإعجاز ، وتتعلّلوا بأنّهم ينتظرون قوافل الشام واليمن ، فإنّ أيّدوا هذا الحادث ورؤيتهم له آمنوا ومع إخبار المسافرين لهم بذلك ، إلّا أنّهم بقوا مصرّين على الكفر رافضين للإيمان(٤) .

والنقطة الأخيرة الجديرة بالذكر أنّ هذه المعجزة العظيمة والكثير من المعاجز الاخرى ذكرت في التواريخ والرّوايات الضعيفة مقترنة ببعض الخرافات والأساطير ، ممّا أدّى إلى حصول تشويش في أذهان العلماء بشأنها ، كما في نزول قطعة من القمر إلى الأرض. لذا فإنّ من الضروري فصل هذه الخرافات وعزلها بدقّة وغربلة الصحيح من غيره ، حتّى تبقى الحقائق بعيدة عن التشويش ومحتفظة بمقوّماتها الموضوعية.

* * *

__________________

(١) بحار الأنوار ، ج ١٧ ، ص ٣٥٤ حديث (٨).

(٢) بحار الأنوار ، ج ١٧ ، ص ٣٥٢ حديث (١).

(٣) بحار الأنوار ، ج ١٧ ، ص ٣٥٥ حديث (١٠).

(٤) الدرّ المنثور ، ج ٦ ، ص ١٢٣.

٣٠٠

الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الظهر »(١) ومعنى زوالها : ميلها عن كبد السماء ، فإن الشمس إذا طلعت وقع لكل شاخص ظل طويل في جانب المغرب ، وكلّما ارتفعت الشمس انتقص الظل ، فإذا استوت انتهى نقصانه ، وقد لا يبقى منه شي‌ء في بعض البلاد في أطول أيام السنة ، فإن الظل ينتفي بمكة قبل أن ينتهي طول السنة بستة وعشرين يوما ، وكذا بعد ما انتهى بستة وعشرين يوما ، وقد يبقى ، ويختلف باختلاف البلاد والفصول ، فإذا مالت الشمس الى المغرب زاد الظل الباقي وتحوّل الى المشرق ويحدث شي‌ء من الظل مائلا إلى المشرق حيث لم يبق شي‌ء عند الاستواء ، وذلك هو الزوال.

والفي‌ء عند الزوال يقلّ في الصيف ، ويكثر في الشتاء ، لقرب الشمس من سمت الرأس وبعدها عنه ، وكلّ يوم يزيد الظلّ أو ينقص. وقد روي عن الصادقعليه‌السلام تقدير ذلك في أوساط الشهور فقال : « تزول الشمس في نصف حزيران على نصف قدم ، وفي النصف من تموز وأيار على قدم ونصف ، وفي النصف من آب ونيسان على قدمين ونصف ، وفي النصف من أيلول وآذار على ثلاثة ونصف ، وفي النصف من تشرين الأول وشباط على خمسة ونصف ، وفي النصف من تشرين الثاني وكانون الآخر على سبعة ونصف ، وفي النصف من كانون الأول على تسعة ونصف »(٢) .

وقال بعض الفضلاء : الشمس تزول في نصف حزيران على قدم وثلث وهو أقل ما يزول عليه الشمس ، وفي نصف تموز ونصف أيار على قدم ونصف وثلث ، وفي نصف آب ونيسان على ثلاثة أقدام ، وفي نصف آذار وأيلول على أربعة أقدام ونصف ، وهو وقت استواء الليل والنهار ، وفي نصف‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٧٦ ـ ٢ ، التهذيب ٢ : ٢١ ـ ٥٧ ، الاستبصار ١ : ٢٥٠ ـ ٨٩٨.

(٢) الفقيه ١ : ١٤٤ ـ ٦٧٢ ، التهذيب ٢ : ٢٧٦ ـ ١٠٩٦ ، الخصال : ٤٦٠ ـ ٣.

٣٠١

تشرين الأول وشباط على ستة أقدام ونصف ، وفي نصف تشرين الثاني وكانون الثاني على تسعة أقدام ، وفي نصف كانون الأول على عشرة أقدام وسدس ، وهذا أنهى ما تزول عليه الشمس في إقليم العراق والشام وما سامتهما من البلدان(١) .

ولا تنافي بينهما ، لاحتمال أن يكون قصد الصادقعليه‌السلام بلد المدينة.

مسألة ٢٥ : الدلوك في الآية هو الزوال ويطلق على الغروب‌ والمراد الأول في قوله تعالى( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) (٢) وهو قول أكثر العلماء(٣) ، لأن ابن عمر قال : دلوك الشمس ميلها ، وكذا عن ابن عباس ، وأبي هريرة(٤) ولأنه لنظم جميع الصلوات ، ولأن الدلوك الانتقال والتحويل.

وقال عبد الله بن مسعود : الدلوك الغروب ، ونقله الجمهور عن عليعليه‌السلام (٥) لاقتضاء الآية إقامة الصلاة من الدلوك الى غسق الليل فيحمل على الغروب لأن إقامة الصلاة لا يمكن من الزوال الى الغسق لوجود النهي عن الصلاة عند اصفرار الشمس ، والنهي إنما يتناول الندب.

مسألة ٢٦ : آخر وقت الفضيلة للظهر‌ إذا صار ظل كل شي‌ء مثله ، وآخر وقت الإجزاء إذا بقي للغروب قدر العصر ، وهو اختيار المرتضى وابن‌

__________________

(١) المغني ١ : ٤١٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٣.

(٢) الاسراء : ٧٨.

(٣) تفسير القرطبي ١٠ : ٣٠٣ ، أحكام القرآن لابن العربي ٣ : ١٢١٩.

(٤) المجموع ٣ : ٢٥ ، تفسير القرطبي ١٠ : ٣٠٣ ، احكام القرآن لابن العربي ٣ : ١٢١٩ ، أحكام القرآن للجصاص ٢ : ٢٦٦ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٤١.

(٥) المجموع ٣ : ٢٥ ، تفسير القرطبي ١٠ : ٣٠٣ ، أحكام القرآن لابن العربي ٣ : ١٢١٩.

٣٠٢

الجنيد(١) ـ وبه قال مالك ، وطاوس(٢) ـ لقوله تعالى( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (٣) والغسق الظلمة فجعل الزمان ظرفا للصلاة ، ولأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الظهرين في الحضر(٤) ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « أحب الوقت الى الله عزّ وجلّ أوله حين يدخل وقت الصلاة فإن لم تفعل فإنك في وقت منهما حتى تغيب الشمس »(٥) .

وقال الشيخ : آخر وقت المختار إذا صار ظلّ كل شي‌ء مثله(٦) .

وتحقيقه : أن الفي‌ء إذا زاد على ما زالت عليه الشمس من الظل بقدر الشخص فذلك آخر وقت الظهر ، ومعرفته بأن يضبط ما زالت عليه الشمس وهو الظل الذي بقي بعد تناهي النقصان ، ثم ينظر قدر الزيادة عليه فقد انتهى وقت الظهر ، وقد قيل : إنّ مثل الإنسان ستة أقدام ونصف بقدمه ، فإذا أردت أن تعتبر المثل فقدر الزيادة من الفي‌ء بقدمك بأن تقف في موضع مستو من الأرض ، وتعلّم على الموضع الذي انتهى إليه الفي‌ء ، وتعرف قدر ما زالت عليه الشمس ويقدر فيه بالأقدام ، فيضع قدمه اليمنى بين يدي قدمه اليسرى ويلصق عقبة بإبهامه ، فإذا مسحه بالأقدام أسقط منه القدر الذي زالت عليه الشمس ، فإذا بلغ الباقي ستة أقدام ونصف فقد بلغ المثل ، فإذا بلغ ذلك فقد خرج وقت الظهر ، وما زاد عليه فهو من وقت العصر ـ وبه قال الشافعي ،

__________________

(١) الناصريات : ٢٢٩ المسألة ٧٢ ، وحكى المحقق قول ابن الجنيد في المعتبر : ١٣٥.

(٢) المغني ١ : ٤١٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٥.

(٣) الاسراء : ٧٨.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٤٨٩ ـ ٤٩٠ ـ ٧٠٥ ، سنن النسائي ١ : ٢٩٠ ، سنن الترمذي ١ : ٣٥٥ ـ ١٨٧ ، مسند أحمد ١ : ٢٢٣ ، الموطأ ١ : ١٤٤ ـ ٤ ، سنن البيهقي ٣ : ١٦٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٤ ـ ٦٩ ، الاستبصار ١ : ٢٦٠ ـ ٩٣٥.

(٦) المبسوط للطوسي ١ : ٧٢.

٣٠٣

والأوزاعي ، والليث بن سعد ، والثوري ، وأحمد ، وأبو يوسف(١) ـ لأنّ ابن عباس روى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( أمّني جبرئيل عند البيت مرتين فصلّى بي الظهر الأول منهما حين كان الفي‌ء مثل الشراك ، ثم صلّى العصر حين صار ظلّ كلّ شي‌ء مثله ، ثم صلّى المغرب حين وجبت الشمس وأفطر الصيام ، ثم صلّى العشاء حين غاب الشفق ، ثم صلّى الفجر حين برق الفجر ، وحرم الطعام على الصائم ، وصلّى في المرة الثانية الظهر حين صار ظلّ كلّ شي‌ء مثله كوقت العصر بالأمس ، ثم صلّى العصر حين صار ظلّ كلّ شي‌ء مثليه ، ثم صلّى المغرب لوقته الأول ، ثم صلّى العشاء الآخرة حين ذهب ثلث الليل ، ثم صلّى الصبح حين أسفرت الأرض ، ثم التفت جبرئيل فقال : يا محمد هذا وقت الأنبياء من قبلك ، والوقت فيما بين هذين )(٢) ومعنى قوله : ( حين كان الفي‌ء مثل الشراك ) أنه إذا حدث الظل أو زاد وإن كان قليلا مثل الشراك فقد زالت الشمس.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « أتى جبرئيلعليه‌السلام بالمواقيت فأمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصلّي الظهر حين زالت الشمس ، والعصر حين زاد الظلّ قامة ، والمغرب حين غربت الشمس ، والعشاء حين سقط الشفق. ثم أتاه من الغد حين زاد الظل قامة فأمره فصلّى الظهر ، ثم لمّا زاد قامتين أمره فصلى العصر ، ثم لمّا غربت الشمس أمره فصلّى المغرب والعشاء حين ذهب ثلث الليل ، وقال : ما بينهما وقت »(٣) ولا دليل فيه إذ وصف ذلك بكونه وقتا ، وكذا ما بينهما لا يدل على نفي ما زاد إلا بدليل الخطاب ، أو يحمل على الفضيلة.

__________________

(١) المجموع ٣ : ٢١ ، احكام القرآن للجصاص ٢ : ٢٦٩ ، المغني ١ : ٤١٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٥.

(٢) سنن الترمذي ١ : ٢٧٩ ـ ١٤٩ ، سنن أبي داود ١ : ١٠٧ ـ ٣٩٣.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٥٢ ـ ١٠٠١ ، الاستبصار ١ : ٢٥٧ ـ ٩٢٢.

٣٠٤

وقال أبو حنيفة : يبقى وقت الظهر إلى أن يصير الفي‌ء مثليه(١) لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( إنما أجلكم في أجل من خلا من الأمم كما بين صلاة العصر إلى مغرب الشمس في النهار ، وإنما مثلكم ومثل أهل الكتابين من قبلكم كمثل رجل استأجر أجيرا فقال : من يعمل لي من الغداة إلى نصف النهار بقيراط؟ فعملت اليهود ، ثم قال : من يعمل لي من الظهر إلى صلاة العصر بقيراط؟ فعملت النصارى ، ثم قال : من يعمل لي إلى آخر النهار بقيراطين؟ فعملتم أنتم ، فغضب اليهود والنصارى وقالوا : نحن أكثر عملا وأقل أجرا. فقال : هل نقصتكم من حقكم شيئا؟ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء )(٢) قالوا : وهذا يدل على أن من الظهر الى العصر أكثر من العصر الى المغرب(٣) ونحمله على وقت الفضيلة.

وقال عطاء : لا يفرط بتأخيرها حتى تدخل في الشمس صفرة(٤) .

وقال المزني ، وأبو ثور ، وإسحاق ، وابن جرير : إذا صار ظلّ كلّ شي‌ء مثله دخل وقت العصر ولم يخرج وقت الظهر حتى يمضي قدر أربع ركعات يشترك فيهما الوقتان(٥) لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( صلّى بي جبرئيل الظهر في اليوم الثاني حين صار ظلّ كل شي‌ء مثله قدر العصر بالأمس )(٦) فدلّ على اشتراك الوقتين ، وهو محمول على أنه فرغ منها.

__________________

(١) المبسوط للسرخسي ١ : ١٤٢ ، فتح العزيز ٣ : ٩ ـ ١٠ ، المغني ١ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٥ ، المحلى ٣ : ١٧٥.

(٢) صحيح البخاري ٤ : ٢٠٧ ، سنن الترمذي ٥ : ١٥٣ ـ ٢٨٧١.

(٣) المغني ١ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٥.

(٤) المغني ١ : ٤١٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٥ ، حلية العلماء ٢ : ١٤.

(٥) المجموع ٣ : ٢١ ، فتح العزيز ٣ : ١١ ـ ١٢ ، المغني ١ : ٤١٨ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٤.

(٦) سنن الترمذي ١ : ٢٧٩ ـ ١٤٩ ، سنن أبي داود ١ : ١٠٧ ـ ٣٩٣.

٣٠٥

مسألة ٢٧ : الأكثر على أن المعتبر بزيادة الظل قدر الشخص المنصوب‌ لأن يزيد بن خليفة قال للصادقعليه‌السلام : إن عمر بن حنظلة نبّأنا عنك بوقت ، فقال : « إذن لا يكذب علينا » قلت : ذكر أنك قلت : إذا زالت الشمس لم يمنعك إلا سبحتك ثم لا تزال في وقت الظهر الى أن يصير الظلّ قامة ، وهو آخر الوقت ، ثم لا تزال في وقت العصر حتى يصير الظلّ قامتين وذلك المساء ، قال : « صدق »(١) وعن الصادقعليه‌السلام قال : « إذا صار ظلك مثلك فصل الظهر ، وإذا صار مثليك فصل العصر »(٢) .

وقال الشيخ : المعتبر قدر الظل الأول لا قدر الشخص(٣) ، لأن يونس روى عن بعض رجاله عن الصادقعليه‌السلام قال : سألته عمّا جاء في الحديث أن : ( صلّ الظهر إذا كانت الشمس قامة وقامتين ، وذراعا وذراعين ، وقدما وقدمين ) كيف هذا وقد يكون الظلّ في بعض الأوقات نصف قدم؟ قال : « إنما قال : ظل القامة ، ولم يقل : قامة الظل ، وإذا كان الزمان يكون فيه ظل القامة ذراعا كان الوقت ذراعا من ظلّ القامة ، وإذا كان ظلّ القامة أقل أو أكثر كان الوقت محصورا بالذراع والذراعين ، فهذا تفسير القامة والقامتين ، والذراع والذراعين »(٤) والرواية مرسلة ، وفي طريقها صالح بن سعيد ، وهو مجهول.

مسألة ٢٨ : أول وقت العصر عند الفراغ من فريضة الظهر‌ ، والتحقيق أنه إذا زالت الشمس اختص الوقت بالظهر الى أن يمضي مقدار أربع ركعات في الحضر ، وركعتين في السفر وهو قدر أدائها ، ثم يشترك الوقتان الى أن يبقى‌

__________________

(١) الكافي ٣ : ٢٧٥ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢٠ ـ ٥٦ ، الاستبصار ١ : ٢٦٠ ـ ٩٣٢.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٢ ـ ٦٢ ، الاستبصار ١ : ٢٤٨ ـ ٨٩١.

(٣) المبسوط للطوسي ١ : ٧٣.

(٤) الكافي ٣ : ٢٧٧ ـ ٧ ، التهذيب ٢ : ٢٤ ـ ٦٧.

٣٠٦

للغروب مقدار العصر إما أربع ركعات أو ركعتان فيختص بها ، ذهب إليه أكثر علمائنا(١) ـ وبه قال مالك في رواية(٢) ـ لأن أبا أمامة قال : صلّينا مع عمر بن عبد العزيز الظهر ثم دخلنا على أنس وهو يصلي العصر فقلنا : يا أبا عمرة ما هذه الصلاة؟! قال : العصر وهذه صلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله التي كنّا نصلّي معه(٣) .

ولا يحتمل وقوعها بعد الظل ، لانتفاء الموجب للتعجب حينئذ ، ولأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين الصلاتين في الحضر من غير عذر(٤) ، ولأنه يجوز الجمع بينهما في السفر ، ولو لم يكن وقتا لهما لما جاز ، كما لا يجوز الجمع بين العصر والمغرب في وقت إحداهما.

وقال ابن عباس : ألا أخبركم بصلاة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في السفر؟ كان إذا زالت الشمس وهو في منزله جمع بين الظهر والعصر في الزوال ، وإذا سافر قبل الزوال أخّر الظهر حتى يجمع بينها وبين العصر في وقت العصر(٥) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « صلّى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالناس الظهر والعصر حين زالت الشمس في جماعة من غير علة »(٦) .

وقال بعض علمائنا : إذا زالت الشمس دخل وقت الصلاتين إلاّ أن‌

__________________

(١) منهم : الشيخ الطوسي في المبسوط ١ : ٧٢ ، وسلاّر في المراسم : ٦٢ ، وابن إدريس في السرائر : ٣٩ ، والمحقق في شرائع الإسلام ١ : ٦٠.

(٢) المغني ١ : ٤١٦ ، حلية العلماء ٢ : ١٤.

(٣) صحيح البخاري ١ : ١٤٤ و ١٤٥.

(٤) صحيح مسلم ١ : ٤٨٩ ـ ٧٠٥ و ٤٩١ ـ ٥٤ ، سنن الترمذي ١ : ٣٥٥ ـ ١٨٧ ، سنن النسائي ١ : ٢٩٠ ، سنن البيهقي ٣ : ١٦٦ ، الموطأ ١ : ١٤٤ ـ ٤.

(٥) سنن البيهقي ٣ : ١٦٣.

(٦) الكافي ٣ : ٢٨٦ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ١٩ ـ ٥٣.

٣٠٧

الظهر قبل العصر(١) ـ وبه قال ربيعة(٢) ـ لقول العبد الصالحعليه‌السلام : « إذا زالت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين »(٣) .

وقال الشافعي : أول وقت العصر من حين الزيادة على المثل متصلا بوقت الظهر فلا يدخل الوقت إلا بعد أن يصير ظلّ كل شي‌ء مثله(٤) لحديث جبرئيلعليه‌السلام (٥) وهو يدل على الأفضلية.

وقال أبو حنيفة : يدخل وقت العصر إذا صار ظل كل شي‌ء مثليه وزاد عليه أقل زيادة لقوله تعالى( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) (٦) ولو كان وقتها إذا صار ظل كل شي‌ء مثله كان وسط النهار(٧) .

ويضعف بأن الطرف إن قصد الحقيقي فهو آخر النهار كما يذهب إليه ، وإن كان ما تراخى عن الوسط لم يبطل به قول الشافعي.

مسألة ٢٩ : آخر وقت العصر للفضيلة ‌إذا صار ظلّ كلّ شي‌ء مثليه ، وللإجزاء إلى الغروب عند أكثر علمائنا(٨) ـ وبه قال الشافعي ، وأبو حنيفة(٩) ـ لقوله تعالى( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلى غَسَقِ اللَّيْلِ ) (١٠) وقوله تعالى :

__________________

(١) الفقيه ١ : ١٣٩ ـ ٦٤٧.

(٢) المغني ١ : ٤١٨ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٩.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٤٤ ـ ٩٦٦ ، الاستبصار ١ : ٢٤٦ ـ ٨٧٦.

(٤) المجموع ٣ : ٢١ ، الام ١ : ٧٣ ، فتح العزيز ٣ : ١٤ و ١٩ ، المغني ١ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٩.

(٥) سنن الترمذي ١ : ٢٧٩ ـ ١٤٩ ، سنن أبي داود ١ : ١٠٧ ـ ٣٩٣ ، سنن البيهقي ١ : ٣٦٦.

(٦) هود : ١١٤.

(٧) المبسوط للسرخسي ١ : ١٤٢ ، المغني ١ : ٤١٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٦٩ ، المحلى ٣ : ١٦٥.

(٨) منهم : المرتضى في الناصريات : ٢٢٩ المسألة ٧٢ ، وابن زهرة في الغنية : ٤٩٤ ، والمحقق في المعتبر : ١٣٧ ، ويحيى بن سعيد في الجامع للشرائع : ٦٠.

(٩) المجموع ٣ : ٢١ ، كفاية الأخيار ١ : ٥١ ، بدائع الصنائع ١ : ١٢٣ ، حلية العلماء ٢ : ١٥.

(١٠) الاسراء : ٧٨.

٣٠٨

( أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ ) (١) وقولهعليه‌السلام : ( من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر )(٢) . ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « وقت العصر الى غروب الشمس »(٣) .

وقال الشيخ في الخلاف : إذا صار ظلّ كلّ شي‌ء مثليه للمختار ، وللمعذور الى الغروب(٤) ، وهو وجه للشافعي(٥) .

وقال أبو سعيد الإصطخري : إذا جاوز المثلين فقد خرج وقت العصر ـ وبه قال مالك ، والثوري ، وأحمد في رواية(٦) ـ لحديث جبرئيلعليه‌السلام : ( أنّه صلّى العصر في اليوم الثاني حين صار ظلّ كلّ شي‌ء مثليه ، ثم قال : الوقت فيما بين هذين الوقتين )(٧) .

ومن طريق الخاصة قول أبي الحسنعليه‌السلام : « كما أن رجلا لو أخّر العصر الى قرب أن تغيب الشمس لم تقبل منه »(٨) وهما محمولان على الأفضلية.

قال ابن عبد البر : أجمع العلماء على أن من صلّى العصر والشمس‌

__________________

(١) هود : ١١٤.

(٢) صحيح مسلم ١ : ٤٢٤ ـ ٦٠٨ ، الموطأ ١ : ٦ ـ ٥ ، سنن النسائي ١ : ٢٥٨ ، سنن ابن ماجة ١ : ٢٢٩ ـ ٦٩٩ و ٧٠٠ ، سنن الدارمي ١ : ٢٧٨ ، سنن الترمذي ١ : ٣٥٣ ـ ١٨٦ ، مسند أحمد ٢ : ٤٦٢ ، سنن أبي داود ١ : ١١٢ ـ ٤١٢.

(٣) التهذيب ٢ : ٢٥ ـ ٧١ ، الاستبصار ١ : ٢٦١ ـ ٩٣٧.

(٤) الخلاف ١ : ٢٥٩ مسألة ٥ و ٢٧١ مسألة ١٣ وانظر المبسوط للطوسي ١ : ٧٢.

(٥) المجموع ٣ : ٢٧ ، عمدة القارئ ٥ : ٣٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٩ ، حلية العلماء ٢ : ١٥.

(٦) بداية المجتهد ١ : ٩٤ ، القوانين الفقهية : ٥٠ ، مقدمات ابن رشد ١ : ١٠٥ ، المغني ١ : ٤١٨ و ٤١٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٠ ، المجموع ٣ : ٢٥ و ٢٦.

(٧) سنن الترمذي ١ : ٢٧٩ ـ ٢٨٠ ـ ١٤٩ ، سنن أبي داود ١ : ١٠٧ ـ ٣٩٣ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٥٦ ـ ١.

(٨) التهذيب ٢ : ٢٦ ـ ٧٤ ، الاستبصار ١ : ٢٥٨ ـ ٢٥٩ ـ ٩٢٦.

٣٠٩

بيضاء نقية فقد صلاّها في وقتها(١) .

وقال أحمد في رواية : آخر وقتها اصفرار الشمس ـ وبه قال أبو ثور ، وأبو يوسف ، ومحمد ، والأوزاعي(٢) ـ لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وقت العصر ما لم تصفر الشمس )(٣) .

ويحمل على الفضيلة لأنه مجهول فلا يناط به الفعل.

مسألة ٣٠ : أول وقت المغرب غروب الشمس‌ بإجماع العلماء ، واختلف علماؤنا في علامته فالمشهور ـ وعليه العمل ـ إذا ذهب الشفق المشرقي لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( إذا أقبل الليل من هنا ، وأدبر النهار من هنا ، وغربت الشمس ، أفطر الصائم )(٤) وقول الصادقعليه‌السلام : « وقت المغرب إذا تغيرت الحمرة في الأفق وذهبت الصفرة وقبل أن تشتبك النجوم »(٥) وعنهعليه‌السلام : « وقت المغرب إذا ذهبت الحمرة من المشرق »(٦) .

وقال بعضهم : سقوط القرص(٧) وهو ظاهر في الصحاري ، وأما في العمران والجبال فيستدل عليه بأن لا يبقى شي‌ء من الشعاع على رءوس الجدران ، وقلل الجبال ، وعليه الجمهور كافة(٨) .

__________________

(١) المغني ١ : ٤١٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٠.

(٢) المغني ١ : ٤١٩ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٠.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٠٩ ـ ٣٩٦ ، سنن النسائي ١ : ٢٦٠ ، مسند احمد ٢ : ٢١٠ و ٢٢٣.

(٤) صحيح مسلم ٢ : ٧٧٢ ـ ١١٠٠ ، سنن أبي داود ٢ : ٣٠٤ ـ ٢٣٥١ ، سنن البيهقي ٤ : ٢١٦.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٥٧ ـ ١٠٢٤.

(٦) الكافي ٣ : ٢٧٨ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢٩ ـ ٨٣ ، الاستبصار ١ : ٢٦٥ ـ ٩٥٩ ، علل الشرائع : ٣٤٩ باب ٦٠ الحديث ١.

(٧) قاله الشيخ في المبسوط ١ : ٧٤.

(٨) المجموع ٣ : ٢٩ ، فتح العزيز ٣ : ٢٠ و ٢١ ، المغني ١ : ٤٢٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٢ ، بداية المجتهد ١ : ٩٥.

٣١٠

مسألة ٣١ : وآخره للفضيلة إلى ذهاب الشفق‌ ، وللإجزاء الى أن يبقى لانتصاف الليل قدر العشاء ، لأن عبد الله بن عباس قال : الحائض تطهر قبل طلوع الفجر فتصلي المغرب والعشاء(١) ، ولو لم يكن الوقت ممتدا لما وجب ، لأن عذرها قد عمّ الوقت.

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « إن الله افترض أربع صلوات ، صلاتان أول وقتهما من عند زوال الشمس الى غروبها إلا أن هذه قبل هذه واثنتان وقتهما من غروب الشمس الى انتصاف الليل إلاّ أن هذه قبل هذه »(٢) ولأن وقت العشاء ممتد الى الانتصاف فتكون المغرب مساوقة لها لأنهما صلاتا جمع فيشترك وقتاهما كالظهر والعصر.

وقال الشيخ ، والمرتضى ، وابن أبي عقيل : آخره للمختار الى ذهاب الشفق ، وللمضطر الى الانتصاف بقدر العشاء(٣) وفي قول آخر للشيخ : آخره ثلث الليل(٤) وفي رواية إلى ربع الليل(٥) ، وبه قال ابن الجنيد ، وهو قول للمرتضى(٦) .

وللمضطر الى أن يبقى لطلوع الفجر قدر العشاء.

وقال الثوري ، وأبو حنيفة ، وأحمد ، وإسحاق ، وداود ، وأبو ثور ، وابن المنذر ، والزهري : آخره غيبوبة الشفق المغربي ، وحكاه أبو ثور عن الشافعي(٧) ، لأن النبيّعليه‌السلام قال : ( وقت المغرب ما لم يسقط ثور‌

__________________

(١) سنن البيهقي ١ : ٣٧٦.

(٢) التهذيب ٢ : ٢٥ ـ ٧٢ ، الاستبصار ١ : ٢٦١ ـ ٩٣٨.

(٣) المبسوط ١ : ٧٤ ـ ٧٥ وحكاه عنهم المحقق في المعتبر : ١٣٧.

(٤) لم نجده في المصادر المتوفرة لدينا.

(٥) التهذيب ٢ : ٣١ ـ ٩٤ ، الاستبصار ١ : ٢٦٧ ـ ٩٦٤.

(٦) حكى قولهما المحقق في المعتبر : ١٣٧.

(٧) اللباب ١ : ٥٦ ، المغني ١ : ٤٢٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٢ ، المنتقى ١ : ١٤ ، المجموع ٣ : ٢٩٠ ، حلية العلماء ٢ : ١٦.

٣١١

الشفق )(١) وثور الشفق هو انتشار الشفق ، وقال الشافعي في الجديد والقديم : إنّ لها وقتا واحدا ـ وهو قول مالك ـ وهو يدخل بسقوط جميع القرص(٢) .

واختلفت الشافعية في قدره ، فبعضهم قال : قدره بقدر الطهارة ، ولبس الثياب ، والأذان والإقامة ، وفعل ثلاث ركعات بسور قصار ، والسنة ركعتين خفيفتين ، فإذا جاز ذلك فقد خرج وقت المغرب وصارت قضاء.

وقال آخرون : مقدار الأذان والإقامة ، وخمس ركعات قصار ، فأمّا الطهارة ، ولبس الثياب فيمكن تقديمهما على الوقت فلا يكون قدر إمكانهما من الوقت(٣) لأن جبريلعليه‌السلام صلى المغرب في اليومين في وقت واحد(٤) .

وقال مالك : يمتد وقتها الى طلوع الفجر ـ وبه قال عطاء ، وطاوس(٥) ـ كما يقول في الظهر والعصر.

مسألة ٣٢ : أول وقت العشاء عند الفراغ من فريضة المغرب‌ ، لكن الأفضل تأخيرها إلى سقوط الشفق ، وهو اختيار المرتضى في الجمل ، وابن الجنيد(٦) ـ لما رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس أن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله جمع بين المغرب والعشاء من غير خوف ولا سفر(٧) ، وفي رواية أخرى : من‌

__________________

(١) صحيح مسلم ١ : ٤٢٧ ـ ١٧٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٠٩ ـ ٣٩٦ ، سنن النسائي ١ : ٢٦٠.

(٢) المجموع ٣ : ٢٩ و ٣٤ ، فتح العزيز ٣ : ٢٣ ، المنتقى ١ : ١٤ ، المغني ١ : ٤٢٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٢ ، سنن الترمذي ١ : ٣٠٥ ذيل الحديث ١٦٤.

(٣) المجموع ٣ : ٣١ و ٣٢ ، فتح العزيز ٣ : ٢٣ و ٢٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٦.

(٤) سنن أبي داود ١ : ١٠٧ ـ ٣٩٣.

(٥) مقدمات ابن رشد ١ : ١٠٦ ، المجموع ٣ : ٣٤ ، المغني ١ : ٤٢٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٢.

(٦) حكاه عنهما المحقق في المعتبر : ١٣٨ ويوجد قول السيد في الجمل : ٣٠ ( ضمن المجموع الرائق ).

(٧) صحيح مسلم ١ : ٤٨٩ ـ ٧٠٥ ، سنن النسائي ١ : ٢٩٠ ، الموطأ ١ : ١٤٤ ـ ٤ ، سنن البيهقي ٣ : ١٦٦.

٣١٢

غير خوف ولا مطر(١) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « إذا غربت الشمس فقد دخل وقت الصلاتين الى نصف الليل إلاّ أن هذه قبل هذه »(٢) وعن الصادقعليه‌السلام « صلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله المغرب والعشاء قبل الشفق من غير علّة في جماعة »(٣) .

وللشيخ قول آخر : إن أول وقتها سقوط الشفق ـ وهو قول آخر للمرتضى(٤) ، وقول الجمهور كافة(٥) ـ لأن جبرئيل أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أن يصلي العشاء حين غاب الشفق ، وفي اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل(٦) . وهو محمول على الاستحباب.

مسألة ٣٣ : واختلفوا في الشفق‌ ، فذهب أصحابنا إلى أنه الحمرة لا البياض ، وبه قال ابن عمر ، وابن عباس ، وعطاء ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والزهري ، ومالك ، والشافعي ، والثوري ، وابن أبي ليلى ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وداود ، وأبو يوسف ، ومحمد(٧) لقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : ( الشفق : الحمرة ، فإذا غاب الشفق وجبت‌

__________________

(١) سنن النسائي ١ : ٢٩٠ ، سنن الترمذي ١ : ٣٥٥ ـ ١٨٧ ، سنن البيهقي ٣ : ١٦٧.

(٢) الكافي ٣ : ٢٨١ ـ ١٢ ، التهذيب ٢ : ٢٧ ـ ٧٨ ، الإستبصار ١ : ٢٦٢ ـ ٩٤١.

(٣) الكافي ٣ : ٢٨٦ ـ ١ ، التهذيب ٢ : ٢٦٣ ـ ١٠٤٦ ، الاستبصار ١ : ٢٧١ ـ ٩٨١.

(٤) المبسوط للطوسي ١ : ٧٥ ، النهاية : ٥٩ ، الخلاف ١ : ٢٦٢ ، المسألة ٧ ، المسائل الناصرية ( الجوامع الفقهية ) : ٢٢٩ ، المسألة ٧٤.

(٥) المجموع ٣ : ٣٨ ، فتح العزيز ٣ : ٢٧ ، المغني ١ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٤ ، بداية المجتهد ١ : ٩٦.

(٦) سنن النسائي ١ : ٢٦٣ ، سنن الترمذي ١ : ٢٧٩ ـ ١٤٩ ، سنن أبي داود ١ : ١٠٧ ـ ٣٩٣ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٥٦.

(٧) الام ١ : ٧٤ ، المجموع ٣ : ٣٨ و ٤٢ و ٤٣ ، رحمة الأمة ١ : ٣٧ و ٣٨ ، المغني ١ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٣ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٣٩.

٣١٣

الصلاة )(١) .

وقال أبو حنيفة ، وزفر ، والأوزاعي ، والمزني : أنه البياض(٢) لأن أبا مسعود الأنصاري قال : رأيت النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلي هذه الصلاة حين يسودّ الأفق(٣) . ولا حجة فيه لأنه إذا غابت الحمرة اسود الأفق ، لأنّ البياض ينزل ويخفى ، على أنه يجوز تأخيرها الى ذلك.

وحكي عن أحمد : أن الشفق : البياض في الحضر ، لأن في الحضر قد تنزل الحمرة فتواريها الجدران ، فإذا غاب البياض علم الدخول(٤) .

مسألة ٣٤ : وآخر وقت العشاء للفضيلة إلى ثلث الليل ، وللإجزاء إلى نصفه‌ ـ وهو قول المرتضى ، وابن الجنيد(٥) ، وهو أحد قولي الشافعي ، وبه قال ابن المبارك ، والثوري ، وأبو ثور ، وأحمد في رواية(٦) ـ لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ( ووقت العشاء الى نصف الليل )(٧) ، وعن أنس قال : أخّر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله العشاء الى نصف الليل(٨) .

ومن طريق الخاصة قول الصادقعليه‌السلام : « أول وقت العشاء ذهاب الحمرة ، وآخر وقتها غسق الليل »(٩) وهو نصف الليل.

__________________

(١) سنن البيهقي ١ : ٣٧٣ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٦٩ ـ ٣.

(٢) المجموع ٣ : ٤٣ ، المبسوط للسرخسي ١ : ١٤٤ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٣٩ ، المغني ١ : ٤٢٦ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٣.

(٣) سنن أبي داود ١ : ١٠٨ ـ ٣٩٤ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٥٠ ـ ١.

(٤) المغني ١ : ٤٢٥ ، مسائل أحمد : ٢٧.

(٥) حكى قولهما في المعتبر : ١٣٨.

(٦) المجموع ٣ : ٣٩ ، فتح العزيز ٣ : ٢٨ ، المغني ١ : ٤٢٨ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٤.

(٧) صحيح مسلم ١ : ٤٢٧ ـ ١٧٢.

(٨) صحيح البخاري ١ : ١٥٠.

(٩) الفقيه ١ : ١٤١ ـ ٦٥٧ ، التهذيب ٢ : ٣٠ ـ ٨٨ ، الاستبصار ١ : ٢٦٤ ـ ٩٥٣.

٣١٤

وللشيخ قول آخر : أنه ثلث الليل(١) ، وهو القول الثاني للشافعي ـ وبه قال أبو هريرة ، وعمر بن عبد العزيز ، ومالك ، وأحمد في رواية(٢) لأن جبريلعليه‌السلام صلّى العشاء في اليوم الثاني حين ذهب ثلث الليل(٣) ولأن الثلث متيقن ، والزائد عليه مشكوك فيه فلا يصار إليه.

وقال أبو حنيفة : آخره طلوع الفجر(٤) ـ وهو رواية لنا(٥) ـ لقولهعليه‌السلام : ( لا يخرج وقت صلاة حتى يدخل وقت أخرى )(٦) ونحن نقول بموجبه إذ بعد نصف الليل يدخل وقت صلاة الليل ، ولم يتعرض في الحديث للوجوب.

واختلفت الشافعية فقال بعضهم : إذا خرج النصف ، أو الثلث فقد خرج وقت الاختيار ، ووقت الأداء باق الى طلوع الفجر(٧) ، وعلى قياس قول أبي سعيد يخرج الوقت(٨) ، وقال أبو حامد : إذا خرج ثلث الليل فات الوقت(٩) .

__________________

(١) النهاية : ٥٩.

(٢) المجموع ٣ : ٣٩ ، فتح العزيز ٣ : ٢٨ ، الوجيز ١ : ٣٣ ، المهذب للشيرازي ١ : ٥٩ ، بداية المجتهد ١ : ٩٧ ، القوانين الفقهية : ٥٠ ، أقرب المسالك : ١٢ ، المغني ١ : ٤٢٧ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٤.

(٣) سنن الترمذي ١ : ٢٧٩ ـ ١٤٩ ، سنن أبي داود ١ : ١٠٧ ـ ٣٩٣ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٥٦ ـ ١.

(٤) المبسوط للسرخسي ١ : ١٤٥ ، شرح فتح القدير ١ : ١٩٧ ، الهداية للمرغيناني ١ : ٣٩ ، شرح العناية ١ : ١٩٦ ، بدائع الصنائع ١ : ١٢٤ ، اللباب ١ : ٥٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٧٠ ـ ١٠٧٦.

(٦) المبسوط للسرخسي ١ : ١٤٥.

(٧) المجموع ٣ : ٣٩ ـ ٤٠ ، الوجيز ١ : ٣٣ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٢.

(٨) المجموع ٣ : ٣٦.

(٩) انظر الوجيز ١ : ٣٣.

٣١٥

مسألة ٣٥ : أول وقت الغداة طلوع الفجر الثاني‌ ـ وهو البياض المعترض في أفق السماء ـ ويسمى الصبح الصادق ، لأنه صدقك عن الصبح ، وسمّي صبحا لأنه جمع بين حمرة وبياض ، ولا عبرة بالأول الكاذب الخارج مستدقا صاعدا كذنب السرحان ، ويسمى الخيط الأسود ـ وهو قول العلماء كافّة ـ ولا يتعلق بالفجر الأول حكم بحال.

قال الباقرعليه‌السلام : « الفجر هو الخيط الأبيض ، وليس هو الأبيض صعدا ، ولا تصلّ في سفر ولا حضر حتى تتبيّنه »(١) .

مسألة ٣٦ : وآخر وقتها للفضيلة حين يسفر الصبح ، وللإجزاء إلى طلوع الشمس‌

ـ وبه قال أبو حنيفة(٢) ـ لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : ( وقت الفجر ما لم تطلع الشمس )(٣) ومن طريق الخاصة قول الباقرعليه‌السلام : « وقت الغداة ما بين طلوع الفجر الى طلوع الشمس »(٤) .

وقال الشيخ : وقت المختار الى أن يسفر الصبح ، وللمضطر الى طلوع الشمس(٥) ، وبه قال الشافعي وأحمد(٦) لأنّ جبرئيلعليه‌السلام صلى الصبح في اليوم الثاني حين أسفر(٧) ، وهو يدل على الأفضلية.

البحث الثاني : في وقت النوافل اليومية.

مسألة ٣٧ : وقت نافلة الظهر من الزوال الى أن يصير ظل كل شي‌ء‌

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٦ ـ ٣٧ ـ ١١٥ ، الاستبصار ١ : ٢٧٤ ـ ٩٩٤ ، والكافي ٣ : ٢٨٢ ـ ١ وفيه عن أبي جعفر الثانيعليه‌السلام .

(٢) بدائع الصنائع ١ : ١٢٢ ، بداية المجتهد ١ : ٩٧.

(٣) صحيح مسلم ١ : ٤٢٧ ـ ١٧٢ ، سنن أبي داود ١ : ١٠٩ ـ ٣٩٦ ، سنن البيهقي ١ : ٣٧٨.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٦ ـ ١١٤ ، الاستبصار ١ : ٢٧٥ ـ ٩٩٨.

(٥) الخلاف ١ : ٢٦٧ المسألة ١٠.

(٦) المجموع ٣ : ٤٣ ، المغني ١ : ٤٢٩.

(٧) سنن الترمذي ١ : ٢٨٠ ـ ١٤٩ ، سنن أبي داود ١ : ١٠٧ ـ ٣٩٣ ، سنن الدار قطني ١ : ٢٥٦ ـ ١.

٣١٦

مثله ، ونافلة العصر حتى يصير الظل مثليه ، قاله الشيخ في الخلاف والجمل والمبسوط(١) .

وفي النهاية : نافلة الظهر حتى تبلغ زيادة الظل قدمين ، والعصر أربعة أقدام(٢) ـ لقول الصادقعليه‌السلام : « كان حائط مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قامة ، فإذا مضى من فيئه ذراع صلّى الظهر ، وإذا مضى ذراعان صلّى العصر. ثم قال : أتدري لم جعل الذراع والذراعان؟

لمكان الفريضة ، لك أن تتنفل من زوال الشمس الى أن يمضي ذراع ، فإذا بلغ فيؤك ذراعا بدأت بالفريضة وتركت النافلة ، وإذا بلغ فيؤك ذراعين بدأت بالفريضة وتركت النافلة »(٣) وهو يدل على بلوغ المثل والمثلين لأن التقدير أن الحائط ذراع ، فحينئذ ما روي من القامة والقامتين(٤) جار هذا المجرى لقول الصادقعليه‌السلام : « في كتاب عليعليه‌السلام : القامة ذراع »(٥) .

وقال الشافعي في أحد الوجهين : وقت نافلة الظهر ما لم تصل الفرض وفي الآخر : ما لم يخرج وقت الفرض(٦) .

وقال أحمد : كلّ سنّة قبل الصلاة فوقتها من دخول وقتها الى فعل الصلاة ، وكلّ سنة بعدها فوقتها من فعل الصلاة الى خروج وقتها(٧) .

مسألة ٣٨ : وقت نافلة المغرب بعدها الى أن تذهب الحمرة المغربية‌

__________________

(١) الخلاف ١ : ٢٥٧ المسألة ٤ و ٥٢٥ المسألة ٢٦٦ ، الجمل والعقود : ١٧٤ ، المبسوط ١ : ٧٦.

(٢) النهاية : ٦٠.

(٣) المعتبر : ١٣٩ ، الفقيه ١ : ١٤٠ ـ ٦٥٣ ، التهذيب ٢ : ١٩ ـ ٢٠ ـ ٥٥ ، الاستبصار ١ : ٢٥٠ ـ ٨٩٩ ، وفي غير المعتبر : عن أبي جعفرعليه‌السلام .

(٤) التهذيب ٢ : ١٩ ـ ٥٢ و ٢٥١ ـ ٩٩٤ ، والاستبصار ١ : ٢٤٧ ـ ٨٨٣ و ٢٥٦ ـ ٩١٧.

(٥) التهذيب ٢ : ٢٥١ ـ ٩٩٥ ، الاستبصار ١ : ٢٥١ ـ ٩٠٠.

(٦) المجموع ٤ : ١١.

(٧) المغني ١ : ٨٠٠ ، الشرح الكبير ١ : ٧٧٠.

٣١٧

ـ وبه قال الشافعي في وجه(١) ـ لأنه وقت يستحب فيه تأخير العشاء فينبغي اشتغاله بالنافلة ، ولقول الصادقعليه‌السلام : « كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يصلّي ثلاثا المغرب ، وأربعا بعدها »(٢) وفي وجه للشافعي : تمتد سنّة المغرب إلى أن يصلّي صلاة العشاء(٣) ، فإذا ذهب الشفق خرج وقتها ، لأنه ابتداء وقت فريضة أخرى فلا يسوغ التطوع ، لقول الباقرعليه‌السلام : « إذا دخل وقت الفريضة فلا تطوع »(٤) .

وأما وقت الوتيرة فيمتد بامتداد وقت العشاء ، لأنها نافلة تتبعها فيمتد وقتها بامتداد وقت متبوعها ، وللشافعي وجهان : أحدهما : امتداد وقت نافلة العشاء الى طلوع الفجر ، لأنه وقت العشاء عنده ، والثاني : الى أن يصلّي الصبح(٥) .

مسألة ٣٩ : ووقت صلاة الليل بعد انتصافه‌ ، وكلّما قرب من الفجر كان أفضل ، وعليه علماؤنا.

وقال الشافعي : الأفضل أن يوقعها بعد نصف الليل قبل الفجر بسدس الليل(٦) ، لأن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يفعل ذلك.

وهو معارض بقول عائشة : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ينام أول الليل ويحيى آخره(٧) ، ومن طريق الخاصة قول الرضاعليه‌السلام : « أفضل‌

__________________

(١) المجموع ٤ : ١١.

(٢) الكافي ٣ : ٤٤٣ ـ ٥ ، التهذيب ٢ : ٤ ـ ٤ ، الاستبصار ١ : ٢١٨ ـ ٢١٩ ـ ٧٧٤.

(٣) المجموع ٤ : ١١.

(٤) التهذيب ٢ : ١٦٧ ـ ٦٦١ و ٢٤٧ ـ ٩٨٢ ، الاستبصار ١ : ٢٥٢ ـ ٩٠٦.

(٥) المجموع ٤ : ١١.

(٦) الام ١ : ١٤٣ ، المجموع ٤ : ٤٤ ، كفاية الأخيار ١ : ٥٤.

(٧) صحيح البخاري ٢ : ٦٦ ، صحيح مسلم ١ : ٥١٠ ـ ٧٣٩ ، سنن ابن ماجة ١ : ٤٣٤ ـ ١٣٦٥ ، سنن النسائي ٣ : ٢١٨ ، مسند احمد ٦ : ١٠٢ و ٢٥٣.

٣١٨

ساعات الليل الثلث الباقي »(١) وسئل الصادقعليه‌السلام متى أصلّي صلاة الليل؟ قال : « صلّها آخر الليل »(٢) وقوله تعالى( وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (٣) يدل عليه ، ولأنه يكره النوم بعدها لقول أبي الحسن الهاديعليه‌السلام : « إياك والنوم بين صلاة الليل والفجر ، ولك ضجعة بغير نوم ، فإن صاحبه لا يحمد على ما قدّم من صلاته »(٤) .

مسألة ٤٠ : ركعتا الفجر ، لعلمائنا قولان‌ ، أحدهما : أنهما يدخلان بطلوع الفجر الأول ، قاله المرتضى(٥) لقول الصادقعليه‌السلام : « صلّهما بعد ما يطلع الفجر »(٦) ، والثاني : بعد صلاة الليل وإن لم يكن قد طلع الفجر ، اختاره الشيخان(٧) لقول الباقرعليه‌السلام وقد سئل الركعتان قبل الغداة أين موضعهما؟ فقال : « قبل طلوع الفجر »(٨) وعنهعليه‌السلام : « أنّهما من صلاة الليل »(٩) والأقوى جواز فعلهما بعد صلاة الليل ، واستحباب تأخيرهما إلى طلوع الفجر الأول جمعا بين الأدلة.

وقال الشافعي : يدخل وقتهما بطلوع الفجر(١٠) .

وآخر وقتهما طلوع الحمرة فيقدم على الفريضة إلى أن تطلع الحمرة ،

__________________

(١) التهذيب ٢ : ٣٣٩ ـ ١٤٠١.

(٢) التهذيب ٢ : ٣٣٥ ـ ١٣٨٢.

(٣) الذاريات : ١٨.

(٤) التهذيب ٢ : ١٣٧ ـ ٥٣٤.

(٥) حكاه المحقق في المعتبر : ١٤١.

(٦) التهذيب ٢ : ١٣٤ ـ ٥٢٣ ، الإستبصار ١ : ٢٨٤ ـ ١٠٤٠.

(٧) المقنعة : ١٣ ، الجمل والعقود : ١٧٤ ، المبسوط للطوسي ١ : ٧٦.

(٨) الكافي ٣ : ٤٤٨ ـ ٢٥ ، التهذيب ٢ : ١٣٢ ـ ٥٠٩ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ ـ ١٠٢٧.

(٩) التهذيب ٢ : ١٣٣ ـ ٥١٣ ، الاستبصار ١ : ٢٨٣ ـ ١٠٣١.

(١٠) المجموع ٤ : ١١ ، فتح العزيز ٤ : ٢٧٦.

٣١٩

لأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله كان إذا أذّن المؤذّن ، وطلع الفجر صلّى ركعتين(١) ، وقال الصادقعليه‌السلام وقد سئل عن ركعتي الفجر : « صلّهما قبل الفجر ، ومع الفجر ، وبعد الفجر »(٢) .

وقال الشافعي : ما لم يصلّ الصبح ، لأنّه لم ينقل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله تأخيرهما عن الفرض ، وله قول : الى طلوع الشمس ، لأنّهما تابعتان للفريضة ، وكان وقتهما وقت الفريضة ، وبعض الشافعية قال : يمتد وقتهما الى زوال الشمس كالوتر(٣) .

فإن ظهرت الحمرة ولم يصلّهما بدأ بالفرض ، وقضاهما بعد الغداة لقول الرضاعليه‌السلام وقد سئل عن الرجل لا يصلي الغداة حتى يسفر وتظهر الحمرة ، ولم يركع ركعتي الفجر أيركعهما أو يؤخرهما؟ قال : « يؤخرهما »(٤) .

وروي استحباب إعادتهما بعد الفجر لو صلاّهما قبله ، قال الباقرعليه‌السلام : « إني لأصلّي صلاة الليل فأفرغ وأصلّي الركعتين وأنام ما شاء الله قبل أن يطلع الفجر ، فإن استيقظت عند الفجر أعدتهما »(٥) .

البحث الثالث : في وقت المعذورين.

ونعني بالعذر ما أسقط القضاء ، وبوقت المعذورين الوقت الذي يصير فيه الشخص من أهل وجوب الصلاة عليه بزوال الأسباب المانعة من الوجوب ، وهي أربعة : الجنون ، وفي معناه الإغماء ، والصبي ، والكفر ،

__________________

(١) سنن الدارمي ١ : ٣٣٦ و ٣٣٧.

(٢) التهذيب ٢ : ١٣٤ ـ ٥٢٢ ، الاستبصار ١ : ٢٨٤ ـ ١٠٣٩.

(٣) المجموع ٤ : ١١ ، فتح العزيز ٤ : ٢٧٦.

(٤) التهذيب ٢ : ٣٤٠ ـ ١٤٠٩.

(٥) التهذيب ٢ : ١٣٦ ـ ٥٢٨ ، الاستبصار ١ : ٢٨٥ ـ ١٠٤٥.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481

482

483

484

485

486

487

488

489

490

491

492

493

494

495

496

497

498

499

500

501

502

503

504

505

506

507

508

509

510

511

512